المُصحف قبل جمع أمير المؤمنين سيدنا الإمام/ عُثمان ذو النوريين – رضى الله عنه وأرضاه، لم يكُن يُرادُ بِهِ القرآن:
الْمَصَاحِف في اللغة:
جمع مصحَف، والمصحف اسم موضوع لما جمع من الصحف بين دفتين، فليس اسم مفعول كما قد يتبادر، لأنه يجوز في ميمه الحركات الثلاث: مُصحَف ومِصحَف، ومَصحَف،
وليس اسم آلة، وإن كان مكسور الميم، لجواز الضم والفتح فيها.
قال ابن قتيبة:
مُفْعَل ومِفْعَل بضم الميم وبكسرها، مع فتح العين فيهما: مُصْحَف ومِصْحَف، ومُغْزَل ومِغْزَل، ومُخْدَع ومِخْدَع، ومُطْرَف ومِطْرَف، ومُجْسَد ومِجْسَد.
وقال الفرّاء:
المُجْسَد والمِجْسَد واحدٌ، وهو من: أجْسد، أي: ألصق بالجلد، فكسر أوله بعضُهم استثقالاً للضم، وكذلك قالوا: مِصْحَف، وهو مأخوذ من: أُصْحِف، أي: جُمِعت فيه الصحف، فكَسر أوله بعضُهم استثقالاً وأصله الضم... قال: فمن ضم الحرف من هذه جاء به على أصله، ومن كسره فلاستثقاله الضمة *(1).
قال الفرّاء في لفظ المصحف:
وَقَدِ اسْتَثْقَلَتِ الْعَرَبُ الضَّمَّةَ فِي حُرُوفٍ وَكَسَرَتْ مِيمَهَا، وأَصلها الضَّمُّ، مِنْ ذَلِكَ مِصْحَف ومِخْدَع ومِجْسَد ومِطْرَف ومِغْزَل، لأَنها فِي الْمَعْنَى أُخذت مِنْ أُصْحِف أَي: جُمعت فِيهِ الصُّحُفُ، وَكَذَلِكَ المِغْزَل إِنما هُوَ مِنْ أُغْزِل أَي فُتِل *(2).
فالمُصحف هو:
كل مجموع من الصُحُف أُصحِفت أي جُمِع بعضُهُ إلى بعْض في مُجلّد واحِد بين دفّتيْن ..
قال ابن منظور:
والمُصْحَفُ والمِصْحَفُ: الْجَامِعُ للصُّحُف الْمَكْتُوبَةِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كأَنه أُصْحِفَ، وَالْكَسْرُ وَالْفَتْحُ فِيهِ لُغَةٌ،
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: تَمِيمٌ تَكْسِرُهَا وَقَيْسٌ تَضُمُّهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ يَفْتَحُهَا وَلَا أَنها تُفْتَحُ إِنَّمَا ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ عَنِ الْكِسَائِيِّ،
قَالَ الأَزهري: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُصْحَفُ مُصْحَفًا لأَنه أُصحِف أَي جُعِلَ جَامِعًا لِلصُّحُفِ الْمَكْتُوبَةِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ،
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ مُصْحَفٌ ومِصْحَفٌ كَمَا يُقَالُ مُطْرَفٌ ومِطْرَفٌ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ مُصْحف مِنْ أُصْحِفَ أَي جُمِعَتْ فِيهِ الصُّحُفُ *(3)
قال الفيروزآبادي:
والمُصْحَفُ، مُثَلَّثَةَ الميم، من أُصْحِفَ، بالضمِّ: أي: جُعِلَتْ فيه الصُّحُفُ *(4)،
وقال الزبيدي:
المكْتُوبةُ بَين الدَّفَّتَيْن، وجُمعَتْ فِيهِ *(5)،
وقال:
ويُنطق بِلغة تميم بالكسر "المِصْحَف"، بكسر الميم، لأنه صُحُف جُمعت فأخرجوه مُخْرَجَ مِفْعَل مما يُتعاطَى باليد، وأهل نجد يقولون: الْمُصحف بِضَم الْمِيم لُغَة علوِيَّة كَأَنَّهُمْ قَالُوا: أصحف فَهُوَ مُصحف، أي جُمع بعضه إلى بعض *(6).
وجاء في المعجم الوسيط:
المُصحف: أصحف الكتاب وجمعه صحفا،-
(الْمُصحف) مَجْمُوع من الصُّحُف فِي مُجَلد وَغلب اسْتِعْمَاله فِي الْقُرْآن الْكَرِيم (ج) مصاحف *(7).
وقال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في (المقدمات الأساسية في علوم القرآن) (ص12) وهو يذكر أسماء القرآن الكريم:
5- المصحف: وهي تسمية ظهرت بعد أن جُمع القرآن في عهد الصديق، كما سيأتي شرحه،
ولم يثبت حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في إطلاق هذه التسمية على القرآن المجموع فيما بين الدَّفَّتين، لأنه لم يكن في عهده بين دفتين على هيئة المُصحف، وتسمية المصحف جاءت من الصُّحف التي جُمع بعضها إلى بعض فأصبحت على هيئة الكتاب *(8).
وجاء في حلية الأولياء *(9) عن يزيد بن ميسرة أنه قال:
إن حكيماً من الحكماءِ كتبَ ثلاثَمِئَة وستينَ مصحفاً، حِكَماً، فبعثها في الناسِ فأوحى الله تعالى إليه: إنكَ ملأتَ الأرضَ بَقاقا *(10)، وإنَّ اللهَ تعالى لم يقبلْ من بَقاقِك شيئاً *(11)، *(12).
وقال ابن عبد البر في القصد والأمم:
من جملة ما وجد في الأندلس اثنان وعشرون مصحفاً محلاة، كلها من التوراة، ومصحف آخر محلى بفضة ... وكان في المصاحف مصحف فيه عمل الصنعة وأصباغ اليواقيت *(13).
إذن المصاحِف المنسوبة للصحابة – رضى الله عنهم وأرضاهم - لا يُطْلقُ عليْها القرآن الكريم:
أخرج الإمام/ البخاري في صحيحه:
وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ:
«إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ» فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ.
(صحيح البخاري، كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ: بَابُ جَمْعِ القُرْآنِ، ج6 ص183 ح رقم: (4987).
وهنا اطلِق لفظ المصاحِف على الصُحُف المجموعة ولم يكُن فيها أي قُرآن بعد.
وجاء في نفس الحديث ...
" وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ"،- إذن فقد فرّق بين القرآن والمُصحف ... فالقُرآن يُكتبُ في المُصحف أو في الصُحُف ..
فقد كان لفظ المُصحف يُطلق إذن على أي مجموع من الصُحُف وُضِعت بين دفّتيْن ...
وهذا فيهِ من الأهمية الكُبرى الكثير، لأن بهذه النُقطة يُحاوِل المُشكِّكون إدِّعاء أن ألفاظاً مِثْل: مُصحف أبي ومُصحف ابن مسعود... إلخ، ما هي إلا القرآن الكريم وهذا خطأ و فُحش ..
ثم يتلاعب المُنصِّر أو المُشكِّكُ بالألفاظ فيدّعي أنه كان هناك نسخ مختلفة مُتعدِّدة للقرآن الكريم.. موهِماً أن معنى مصاحِف أي القرآن ..!!
والحقيقة هي أنها كُتُب كثيرة كُتِب فيها تفاسير وشروح ونصوص قُرآنية قلّت أو كثُرت ولم تقتصِر المصاحِف على القُرآن الكريم وحده بل كان هناك مصاحِف إنجيلية، ومصاحِف شِعرية، ومصاحِف تخُص أفراد باعيُنِهِم يُدوِّنون فيها ما يسمعونه أو يخشوْن ضياعه.
لم تكُن المصاحِف إذن هي القُرآن الكريم وإنما كان مِمّا كُتِب فيها بعضٌ مِن القُرآن الكريم .. فكتب كُل صحابي مِنهم بمِقدار ما سمِعهُ وعلى الحرف الذي سمِعهُ مِن رسول الله صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم .. لكِن لم يُطلق على أي مُصحف مِن مصاحِفِهِم قط أنهُ القُرآن الكريم.
وقد كانوا يُدوِّنون في مصاحِفِهِم هذه ما قد يُساعِدُهُم على الحِفْظِ والإستِذكار ... فمِنهم من أخطأ في الكِتابة ومِنهم من كتب ما صار منسوخاً ومِنهم من كتب تفسيراً أو حديثاً ... وجميعُهُم لم يكتُب القرآن الكريم كامِلاً ولا بِعُرضتِهِ الأخيرة ... لِذا لا يُمكِن ان يُطلق على تِلك المصاحِف أنها القُرآن وإنما بكُل بساطة هي كتابات و كُتُب الصحابة ومُدوّناتُهُم الخاصة.
يتبع مع بيان التعريف اللغوي والاصطلاحي لــ: "القرآن".