يختلف خطاب الشعب العربي الأحوازي في المطالبة بحقوقه الإنسانية و القومية المغتصبة عن خطاب سائر الشعوب والقوميات الأخرى الواقعة تحت نير الظلم والاضطهاد العنصري في إيران من حيث المضمون وأن تلاقى في الشكل, حيث أن الخطاب الأحوازي يؤكد على التحرر وإعادة السيادة المغتصبة اكثر مما يركز على مجرد المطالبة بالحقوق التي عادة ما تطالب بها أقلية قومية مضطهدة, فقد درج الأحوازيون ومنذ انطلاقة أولى انتفاضاتهم في عام 1928م ضد الاغتصاب الفارسي في الإصرار على تحرير الأرض والإنسان معا, وقد تربت أجيال احوازية عديدة على هذا الخطاب التحرري حتى انه أصبح جزء لاينفصل من ثقافتهم القومية والوطنية و هو هدف جميع الحركات التي تأسست على الساحة الأحوازية.
فالمناضلون الأحوازيون الأوائل لم يخطر ببال احدهم مفهوم أخرى بديلا عن هذا الواقع القومي والجغرافي الذي يتمثل بعروبتهم واحوازيتهم وكانت الأحوازية دائما مقرونة بالعربية كون الاثنان معا يشكلا الهوية الحقيقية لشعبهم الذي يناضلون من اجل تحريره من الاغتصاب.
لقد شكل هذا الترابط بين الأرض والإنسان في معركة التحرير عقبة كأداء أمام أنظمة الاغتصاب الفارسي التي لم تدخر جهدا خلال العقود السبعة ونيف الماضية في سبيل القضاء على عروبة الأحوازيين, وقد استخدمت سياسة تفريسية عنصرية شملت أدق خصوصيات المجتمع الأحوازي ليس أولها تغير أسماء المدن والمواقع العربية التاريخية ولا أخرها تفريس ألألقاب والأسماء العائلية للفرد العربي.
وفي هذا الإطار فقد استبدلت تسمية (خوزستان ) بعربستان التي كانت تطلق على الأحواز قبل الاغتصاب واستبدلت مدينة الأحواز عاصمة للإقليم بمدنية المحمرة التي أطلقت عليها تسمية (خر مشهر) لتسلب منها الشرعية التاريخية في كونها عاصمة إمارة عربستان, كما أنها إضافة كلمات فارسية إلى الألقاب العائلية العربية مثل " زاده " و" بور" و " نجاد" فأصبح لقب موسوي زاده بدل عن الموسوي أو طرفي بور بدل عن الطرفي و كعبي نجاد بدل عن ألكعبي وهكذا دواليك, كما أنها راحت تستخدم كلمة عرب اللسان ( عرب زبان ) و( أعراب ) بدل عن كلمة العرب وذلك كله محاولة منها لترسيخ ثقافة البوتقة الفارسية وطمس الهوية العربية للأحوازيين, إلا أن الأحوازيون صاروا مع مرور الزمان يظهرون تحديا اكبر لهذه السياسية العنصرية وذلك من خلال تمسكهم بألقابهم العشائرية إضافة إلى تسميت مواليدهم الجدد بأسماء عربية فيها استفزاز كبير للسلطات الفارسية مثل أسماء عمر و خالد وسعد ووليد وخولة وعائشة وغيرها من الأسماء التي ترتبط بتاريخ العرب القومي والحضاري وهو ما دفع بهذه السلطات إلى استصدار قائمة أسماء تلزم العرب أصحاب المواليد الجدد بأختيار أسماء مواليدهم من بين الأسماء المدرجة في هذه القائمة التي تخلوا من أسماء الصحابة الغير مرضي عنهم فارسيا وأصبح من يخالف هذه القائمة يحرم من الحصول على بطاقة الأحوال الشخصية ومن لا يحمل هذه البطاقة الفارسية يعاقب قانونيا, ولهذا فقد راح الأحوازيون يسمون أبنائهم بأسمين واحد يرضيهم والأخر يرضي سلطة الاغتصاب, ورغم هذه الأساليب التفريسية إلا أن هذه السلطات قد أدركت عقم سياستها الرامية إلى تذويب الهوية العربية الأحوازية لكون هذا الشعب اخذ يزداد عدده بشكل مضطرد وهو يعيش تما كسا اجتماعيا قويا بفضل تركيبته القبلية التي حافظ من خلالها على عادته وتقاليده العربية الأصيلة, إضافة إلى الاعتزاز القومي الشديد الذي يعيشه أبناء هذا الشعب, لذلك فقد شرعت سلطات الاغتصاب بتنفيذ خطة تفريسية جديدة الهدف منها الفصل بين عروبة هذا الشعب واحوازيته وهذه الخطة تتألف من شقين, اجتماعي و سياسي, وقد شرعت سلطات الاغتصاب بداية بتنفيذ الشق الأول من الخطة والقائم على ضرب البنية الاجتماعية لشعب الأحوازي وقد تمثل أولا: بطرد أعداد كبيرة من العمال والموظفين العرب والحد من استخدام موظفين وعمال جدد منهم عدى من كانت لهم إسهامات وخدمات في المؤسسات الثورية أو من ذوي قتلى وأسرى الحرب.
ثانيا: نشر المخدرات على نطاق واسع في أوساط المجتمع وبيعها بأرخص الأثمان.
ثالثا: القيام بتوزيع أدوية وأجراء عمليات جراحية للنساء في القرى والأرياف تؤدي إلى العقم وذلك بهدف الحد من الإنجاب.
رابعا: القيام باعتقال ونفي عدد كبير من شيوخ وزعماء العشائر والقبائل العربية والسعي الحثيث في زرع الفتن والتناحر بين أبنائها.
خامسا: دفع العديد من الموالين لسلطات الاغتصاب والعاملين في مؤسساتها الأستخباراتية بالهجوم على العشائرية وشيوخ العشائر بدعوى أنهما السبب في التخلف الثقافي والاقتصادي الذي يعاني منه المجتمع وذلك في محاولة لتبرئة سلطات الاغتصاب من مسؤولياتها بهذا الخصوص وتصور الاغتصاب والتخلف الاجتماعي وكأنه ناتج وجود العشائرية وليس العكس.
هذه جوانب من الشق الأول في خطة التفريس الجديدة الرامية إلى تفكيك البناء الاجتماعي الأحوازي.
أما الشق السياسي من الخطة فقد اعتمد على بناء ثقافة جديدة لترسيخها في ذهن النشء الأحوازي الحاضر والأجيال القادمة تقوم على مفهوم جديد اسمه ( عرب إيران). ومن اجل تثبيت هذه المقولة على ارض الواقع فقد تم إنشاء تنظيم سياسي يأخذ على عاتقه مهمة الترويج لهذه المقولة, وقد كلف بهذه المهمة عناصر شيوعية متأزمة نفسيا وعقائديا وأخرى الإسلاموية طائفية, الأولى تنطلق من نظريتها الأممية المعادية للقومية اماالثانية فتدفعها عقدتها المذهبية وقد تحالف الطرفان تحت خيمة سلطات الاغتصاب وقاما بإنشاء حزب ذات تسمية إسلامية وتنظير ماركسي وقد سُلمت رئاسة هذا الحزب (الوفاق الإسلامي) إلى ضابط في مليشيا الباسيج وعضو حالي في البرلمان الإيراني وراح يسعى بكل ما أوتي من قوة على نشر المقولة الجديدة (عرب إيران).
ومن اجل تثبيت أركان هذا الحزب فقد عملت سلطات الاغتصاب الفارسي على مايلي.
أولا: دعم هذا الحزب ماديا ومعنويا و الإيعاز إلى جميع الذين لهم صلاة بالأجهزة والدوائرالأستخباراتية الفارسية بالتفاف حول هذا الحزب والتبشير له.
ثانيا: منع تأسيس أي تنظيم أخر في المنطقة لكي يبقى الحزب وحده الفاعل في الساحة.
ثالثا: فتح الباب أمام هذا الحزب للمشاركة في مسرحية الانتخابات البلدية ورغم المقاطعة الشعبية التي شهدتها هذه الانتخابات مؤخرا ألان المجلس البلدي لمدينة الأحواز كبرى مدن الإقليم قد تشكل وبأكمله من الأعضاء الذين كانوا مرشحين على قائمة هذا الحزب وهم جميعا من العناصر التي كانت تعمل في مليشيا الحرس واللجان الثورية سابقا.
رابعا: دفع عددا من أعضاء الحزب بالسفر إلى الخارج والاتصال بالجاليات الأحوازية في الغرب وبعض الدول العربية في محاولة عناصر مؤيدة الحزب المذكور والتشويش على نشاط الحركات الأحوازية.
خامسا: الاتصال بالإعلاميين العربي الموالية للنظام الإيراني ودفعهم إلى الترويج لمقولة ( عرب إيران).
هذه أيضا جوانب من الشق السياسي في الخطة التفريسية التي وضعتها سلطات نظام ولاية الفقية الفارسية الساعية إلى تذويب هوية الأحوازيين والاستمرار في اضطهادهم وسلب حقوقهم الإنسانية والقومية.
إلا أن جماهير الشعب الأحوازي كانت دائما على قدر الوعي وهي أذكا من هذه اللعبة الخسيسة وعناصرها الخائبة وقد ردت بشكل واضح وصريح على هذه المؤامرة عندما انتفضت في أواخر كانون الأول الماضي ولمدة أسبوع كامل تقريبا مرددة شعار (بالروح بالدم نفيدك يا احواز) وكان هذا ابلغ رد يوجّهه الأحوازيون لسلطات الاغتصاب الفارسي الرامية إلى الفصل بين عروبتهم وأحوازيتهم.
* عضو المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي