سقوط وتخبط:أراد مرجعهم السبحاني نقض كتابي ( الفصام النكد ) فطعن بعلي (رض) ثلاث طعنات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فكم سُرِرْت عندما خصص مرجعهم الكبير آيتهم العظمى جعفر السبحاني عشرات الصفحات للرد على كتابي ( الفصام النكد / دراسة لحقيقة الأزمة بين علماء الشيعة والقرآن ) وهو من أهم الكتب التي فرحت بإنجازها في حياتي بعد كتابي ( الفكر التكفيري عند الشيعة حقيقة أم افتراء ) ..
إذ خصص لذلك رسالة كاملة من كتابه ( رسائل ومقالات ) ( 8 / 309 - 346 )
والذي سرَّني من رده أمران هما:
1- إن تفرغ مرجع كبير ومحقق في المذهب للرد على كتابي لهي شهادة بأن الكتاب موجع ومزعج لعلمائهم ، وإلا فهناك العشرات بل المئات من الكتب المطبوعة التي ترد على الشيعة ، فتخصيص الكتاب من بينها فيه شهادة ضمنية بقوة أثر الكتاب عليهم ..
2- والأمر الآخر الذي سرَّني هو أني وجدت رده ضعيفاً وفيه من الطامات التي تضر بالتشيع وتنسف ثوابته ، وهو ما سأبين بعضه في هذا الموضوع من سردي لتقريراته متبعاً إياها بالطامات المرتبة عليها وكما يلي:
التقرير الأول: إن القرآن الذي بين أيدينا هو من جمع النبي صلى الله عليه وسلم فلا حاجة لجمع غيره
بما أن مَكْمَن الأزمة الحقيقية لعلماء الشيعة تجاه هذا القرآن الموجود بين أظهرنا هو كونه من جمع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ..
ولذلك حاول بعض مراجعهم أن يصرفوا تلك المنقبة والفضيلة عنهم ، بدعوى أن القرآن الموجود بين أيدينا هو من جمع النبي صلى الله عليه وسلم وترتيبه ، وليس للخلفاء أي فضيلة في جمعه ، وهذا ما سلكه مرجعهم جعفر السبحاني في رده على الكتاب ، فمن تقريراته ما يلي:
1- قال ص 322 :[ أنّ المصحف الموجود هو المصحف الّذي جُمع في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوارثه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ثم انتقل منهم إلى سائر الأجيال، وأنّه ليس هناك أي فضيلة لأحد ، من غير فرق بين من أمر بالجمع أو ائتمر به ، فقد كانت الأُمّة في غنى عن هذا الآمر ومن امتثل ].
2- قال ص 323 :[ لأنّهم يعتقدون بأنّ القرآن الموجود بين أيديهم حالياً هو القرآن المجموع في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون أن يكون لأحد فضيلة في جمعه ].
3- قال ص 316 :[ كلّ ذلك يدلّ على أنّ القرآن كان مجموعاً في مصحف في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعندئذ لم تكن ثمة حاجة إلى قيام زيد بن ثابت بجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ].
الطامة الأولى: استغناء الأمة عما قام به علي رضي الله عنه من جمعٍ للقرآن ولا فضيلة له فيه
في الوقت الذي استمات فيه السبحاني لإثبات كون هذا القرآن الذي بين أيدينا هو من جمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ليصرف فضيلة جمعه عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ، إلا أنه قد نسي بأن هذا التقرير سيجرد عليّاً رضي الله عنه من أعظم منقبة يثبتونها له والمتمثلة بجمعه للقرآن !!!
وعليه فلو أجرينا تحويراً لعبارته السابقة بحق الخلفاء الراشدين وأنزلناها بحق علي - رضي الله عنهم أجمعين - ستكون كما يلي:
1- قوله :[ أنّ المصحف الموجود هو المصحف الّذي جُمع في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوارثه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، ثم انتقل منهم إلى سائر الأجيال ، وأنّه ليس هناك أي فضيلة لعلي رضي الله عنه بجمعه ، فقد كانت الأُمّة في غنى عن هذا الأمر ].
2- قوله :[ لأنّهم يعتقدون بأنّ القرآن الموجود بين أيديهم حالياً هو القرآن المجموع في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون أن يكون لعلي رضي الله عنه فضيلة في جمعه ].
التقرير الثاني: المقارنة بترتيب سور وآيات القرآن بين مصحف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومصحف علي رضي الله عنه
إن هذا التقرير يتكون من شقين هما:
الشق الأول: إن ترتيب سور وآيات المصحف الذي بين أيدينا هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُرَتَّب على تسلسل النزول
* فأما كونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا قد أقره مرجعهم جعفر السبحاني في عدة مواضع منها:
1- قال في كتابه ( عقائدنا الفلسفية والقرآنية ) ( ص 116 ) :[ طبقاً لأقوال مجموعة من المحققين المسلمين فإن القرآن الكريم قد جُمِعَ في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وقد رُتِّبَت السور والآيات بأمرٍ منه صلى الله عليه وسلم .. ومن هنا يتضح أن القرآن جُمِعَ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن سورة الحمد كانت في المقدمة ، ولو كان القرآن مجموعة سور وآيات متفرقة ، لَمَا كان هناك من معنى لاسم ( فاتحة الكتاب ) ].
2- قال في نفس المصدر السابق ( ص 118 ) :[ وإذا لم يكن هذا الحديث دالاً على الكتابة المنظمة للقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه على الأقل يدل على أن سور القرآن ومكان الآيات كان منَظَّماً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
3- قال في كتابه ( رسائل ومقالات ) ( 8 / 315 ) :[ فإن ختم القرآن يدل على أنه كان مبوَّباً من حيث السور والآيات معلوماً أولها من آخرها ].
* وأما كون آياته وسوره لم تُُرَتَّب على تسلسل النزول - بعدم تقديم المكي على المدني ، ولا المنسوخ على الناسخ - فهو أمرٌ مُشاهَدٌ في القرآن الذي بين أيدينا.
الشق الثاني: إن الآيات والسور قد رتبها علي - رضي الله عنه - في مصحفه على ترتيب النزول
لقد اعترف علماء الشيعة بأن عليّاً رضي الله عنه لم يتبع ترتيب السور والآيات الموجودة في مصحفنا الحالي ، بل خالفه بتقديم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ، فمن أقوالهم حول ذلك ما يلي:
1- يقول شيخهم المفيد في كتابه ( المسائل السرورية ) ( ص 79 ) :[ وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شئ منه في محله ].
2- اعترف بهذه القضية علامتهم ومحققهم جعفر السبحاني في عدة مواضع من كتبه منها:
أ- قال في كتابه ( عقائدنا الفلسفية والقرآنية ) ( ص 120-121 ):[ أما أنه يُقال أن علياً عليه السلام جمع القرآن بعد ارتحال النبي ص فهذا يعني أنه كتب القرآن طبقاً لشأن النزول وقدم المنسوخ على الناسخ وهذا ما يقرره المجلسي في ( بحار الأنوار ) ، وصاحب كتاب ( تاريخ القرآن ) ]
ب- قال في كتابه ( رسائل ومقالات ) ( 1 / 159) :[ إن القرآن الذي قام علي بجمعه هو نفس ذلك القرآن ولكن يختلف معه في ترتيب السور فقد جمع الإمام الذكر الحكيم حسب تاريخ النزول وهذا أمر مشهور بين المفسرين ].
ج- قال أيضاً في كتابه ( الأجوبة الهادية إلى سواء السبيل ) ( ص 102 ) سؤال رقم ( 30 ) :[ إنّ الشيعة يقولون عكس ذلك تماماً وأنّ عليّاً (عليه السلام) جمع قرآنه ورتّبه وفقاً لنزول آياته ].
3- يقول علامتهم محمد حسين الطباطبائي في كتابه ( القرآن في الإسلام ) ( ص 137 ) :[ والإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالرغم من أنه كان أول من جمع القرآن على ترتيب النزول ].
4- يقول علامتهم عبد الحسين الموسوي في كتابه ( المراجعات ) ( ص 411 ) في المراجعة ( 110 ) :[ أما علي وشيعته ، فقد تصدوا لذلك في العصر الأول ، وأول شئ دونه أمير المؤمنين كتاب الله عز وجل ، فإنه ( ع ) بعد فراغه من تجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، آلى على نفسه أن لا يرتدي إلا للصلاة ، أن يجمع القرآن ، فجمعه مرتبا على حسب النزول ].
5- يقول عالمهم حسين الصدر في كتابه ( الشيعة وفنون الإسلام ) ( ص 25 ) :[ وأول مصحف جمع فيه القرآن على ترتيب النزول بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مصحف أمير المؤمنين علي عليه السلام ، والروايات في ذلك من طريق أهل البيت متواترة ].
6- يقول مرجعهم الكبير وزعيم حوزتهم أبو القاسم الخوئي في كتابه ( البيان في تفسير القرآن ) ( ص 223 ) :[ إن وجود مصحف لأمير المؤمنين - عليه السلام - يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه ].
7- يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي في كتابه ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ) ( 8 / 27-28 ) :[ وبنظرة فاحصة إلى تلك الروايات نصل إلى أن القرآن الذي كان عند علي ( عليه السلام ) لا يختلف مع بقية النسخ من حيث المضمون ، سوى اختلافه من حيث العرض والترتيب في ثلاثة أمور: الأول : أن آياته وسوره كانت مرتبة حسب تأريخ النزول ].
8- يقول شيخهم على آل محسن في كتابه ( كشف الحقائق ) ( ص 55 ) :[ المعنى الثاني : أن المراد بجمع القرآن كما أنزل هو جمعه في مصحف رتب فيه المنسوخ قبل الناسخ ، والمكي قبل المدني ، والسابق نزولا قبل اللاحق ، وهكذا . وجمع القرآن بهذا النحو لم يتأت لأحد من هذه الأمة إلا لعلي بن أبي طالب علي السلام ].
الطامة الثانية: علي رضي الله عنه يخالف النبي صلى الله عليه وسلم في ترتيب سور المصحف وآياته
في ضوء ما تقدم تبين لنا إقحام علماء الإمامية أنفسهم في مأزق كبير متمثلاً في اتهامهم لعلي رضي الله عنه بمخالفة الترتيب النبوي للمصحف !!!
وهو أمرٌ لو قام به أبو بكر أو عمر - رضي الله عنهما - لألفوا فيه مئات الكتب للطعن والتشهير !!!
التقرير الثالث: إن عليّاً رضي الله عنه بعدما جمع القرآن عرضه على الصحابة كي يعتمدوه ، ولكنهم رفضوه فاضطر إلى إخفائه:
لقد قرر هذا الأمر مرجعهم جعفر السبحاني في كتابه ( الأجوبة الهادية إلى سواء السبيل ) ( ص 102 ) سؤال رقم ( 30 ) ، قائلا :[ ثانياً : من قال بأنّ عليّاً (عليه السلام) لم يُخرج القرآن الذي أملاه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) خوفاً من ارتداد الناس ؟
إنّ الشيعة يقولون عكس ذلك تماماً وأنّ عليّاً (عليه السلام) جمع قرآنه ورتّبه وفقاً لنزول آياته ثمّ عرضه على القوم فرفضوه ، وقالوا : "ما عندك عندنا" فاضطرّ لإبقائه محفوظاً عنده ].
الطامة الثالثة: لقد كان الحق مع الخلفاء في رفضهم اعتماد مصحف علي رضي الله عنهم أجمعين:
في ضوء ما قرره سبحاني بأن المصحف الذي بين أيدينا هو من جمع النبي صلى الله عليه وسلم وترتيبه وأنه كان متداولاً بين الصحابة ثم للتابعين ثم لسائر الأمة ، نستطيع أن نجري محاكمة وتحليل لسبب رفض الخلفاء لمصحف علي رضي الله عنه بقولهم ( ما عندك عندنا ) ، إذ مقصود الصحابة بأن عندهم مصحفاً آخر غير مصحفه وهو يغنيهم عن مصحفه ، فلا شك أن الحق معهم ، لأنهم يملكون حينها المصحف النبوي الذي جمعه ورتبه نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته ، فوجدوا أن الحق مع المصحف النبوي ، وخصوصا بعد وقوفهم على ما فيه مصحف علي رضي الله عنه من المخالفة في ترتيب السور والآيات
إن حال مرجعهم السبحاني - وكذلك باقي مراجعهم - كحال من أراد أن يبني قصراً فهدم مِصْراً ؛ إذ أراد أن ينقض ما في كتابي ( الفصام النكد .. ) فإذا به يوجه لعلي رضي الله عنه تلك الطعنات الثلاث:1- إن قيام علي رضي الله عنه بجمع القرآن هو فعلٌ لا حاجة للأمة إليه ، ولا فضيلة له فيه.
2- إقدام علي رضي الله عنه على مخالفة المصحف النبوي في ترتيب الآيات والسور.
3- لقد كان الحق والصواب مع الصحابة برفضهم لمصحف علي رضي الله عنه وذلك لمخالفته للمصحف النبوي في الترتيب ، فقالوا له لا حاجة بنا لمصحفك ما دام عندنا المصحف النبوي بترتيبه صلى الله عليه وسلم.
فالحمد لله الذي وفقني وسددني في إحكام كتابي ( الفصام النكد / دراسة لحقيقة الأزمة بين علماء الشيعة والقرآن ) حتى أنهم لم يستطيعوا التخلص من إلزاماته إلا بالطعن بعلي رضي الله عنه.