[ALIGN=CENTER]الحمد لله رب العالمين
لقد كان هذا
في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ
في بلاد فارس
وكانت دولة شيعية
وقد توطدت في هذه الدولة العلاقة
بين الشيعة والمعتزلة
وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة
فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره
قاضياً لقضاء الري عام 360هـ
بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي
وهو من الروافض المعتـزلة
يقول فيه الذهبي :
(وكان شيعيّاً معتزليّا مبتدعاً)
ويقول المقريزي :
(إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظـل الدولة البويهية
في العراق وخراسان وما وراء النهر)
وممن برز في هذا العهد :
الشريف المرتضى صاحب
( نهج البلاغة الذي بلا أسانيد)
ولقد كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل
إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالرافضة وغيرهم
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعين :
الأولى
( القول بأن الإنسان مختـار بشكل مطلق في كل ما يفعـل فهو يخلق أفعاله بنفسه)
معرضين عن قول الحق سبحانه :
" والله خلقكم وما تعملون"
الثانية
( القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً
ولكنه فاسق فهو بمنـزلة بين المنزلتين
هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة )
معرضين عن قول الله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )
ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول :
1- التوحيد :
وخلاصة رأيهم هو:
أن الله تعالى منـزه عن الشبيه والمماثل
لقوله تعـالى : ( ليس كمثله شيء )
ولا ينازعه أحد في سلطانه
ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس
وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها :
استحالة رؤية الله تعالى
وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات
لذلك يعدون من نفاة الصفات
وبنوا عليه أيضـاً أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى
لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام
ومعلوم أن كلام الله وقدرة الله ووجه الله ويد الله ومجيء الله ورضا الله وسخط الله وغيرها
صفات غير مخلوقات
2- العدل :
ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد
ولا يحب الفساد
بل إن العباد يفعلون ما أمروا به
وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم
وأنه لم يأمر إلا بما أراد
ولم ينه إلا عمـا كره
وأنه ولي كل حسنة أمر بها
بريء من كل سيئة نهى عنها
لم يكلفهم ما لا يطيقون
ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه
وسبب هذا هو
خلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية
فالإرادة الكونية هي:
أن الله أراد وشاءأن يكون في كونه الخير والشر والإيمان والكفر والحسنات والسيئات والملائكة والشياطين وغيرها
وهذه ( لابد أن تقع) و( ليس من لازمها أن الله يحبها) و( هي شاملة للخير والشر)
ومن أدلتها
قوله تعالى :
" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصّعد في السماء"
أما الإرادة الشرعية فهي:
( قد تقع وقد لاتقع ) و( من لازمها المحبة) و( هي في الخير والنفع فقط )
ومن أدلتها
قوله تعالى :
" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"
" يريد الله أن يتوب عليكم"
" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"
الوعد والوعيد :
ومعناها عندهم أن يجازي الله المحسن إحساناً
ويجازي المسيء سوءاً
ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب
معرضين عن قوله تعالى :
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
4- المنـزلة بين المنـزلتين :
وتعني أن مرتكب الكبيرة في منـزلة بين الإيمان والكفـر
فليس بمؤمن ولا كافر . وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة
مع أن كل الكبائر دون الشرك - والسحرمن الشرك -
من ارتكب منها شيئاً فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ويوم القيامة تحت المشيئة
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين
نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين
وإرشاداً للغاوين كل بما يستطيع
فذو البيان ببيانه والعـالم بعلمه
وذو السيف بسيفه وهكذا
وهذا كلام حق ولكن أدخلوا فيه الباطل
فهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق
ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كلياً في الاستدلال لعقائدهم
ولاعتمادهم على العقل أيضاً أوّلوا الصفـات بما يلائم عقولهم الكليلة
كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنـفي كل الصفـات لا أكثرها .
ولاعتمادهم على العقل أيضاً
طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب
فقد زعم واصل بن عطاء :
أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة
إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري
أو طائفة عائشة والزبير وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا :
لا تقبل شهادتهم
وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم
فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم
ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعاً أسلوبهم في الجدال والحوار
ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل
الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن
ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين
ورد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عليهم في كتابه القيم
( درء تعارض العقل والنقل )
فقد اتبع آراءهم وأفكارهم
واحدة واحدة
ورد عليهم رداً مفحماً
وبين (( أن صريح العقل لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل))
و المعتـزلة اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الوحي
وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه
ولكن هذا الفهم يرده دعوة الإسلام
إلى التفكر في خلق السموات والأرض
والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك
ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله
( في أمور غيبية مما تقع خارج الحـس)
( ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة )
مثل نفيهم الصفات عن الله اعتمـاداً على قوله تعـالى : ( ليس كمثله شيء )
وآخر الآية يثبتها ( وهو السميع البصير)
ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين
وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها :
1- ( أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة )
2- ( أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية
التي تعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها )
3-( أن يقدم النقل على العقل
في الأمور التي لم تتضح حكمتها
" وهي ما يعرف بالأمور التوقيفية " )
و احترام الإسلام للعقل
وتشجيعه للنظر والفكر
لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة
خاصة أن العقول متغيرة
وتختلف بمؤثرات كثيرة
تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور
ومن المعروف أن مصدر المعرفة
يتكون من :
1. (( الحواس ))
وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات
2. (( العقل))
وما يستطيع أن يصـل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس
والمعلومات التي يمكن مشاهدتهـا واختبارهـا
وما يلحق ذلك من علميات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد
ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات
3. ((الوحي من كتاب وسنة ))
حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية
وما لا تستطيع أن تدركه الحواس
وما أعده الله في الدار الآخرة
وما أرسل من الرسل إلخ...
وهكذا يظهر
أنه لا بد من تكامل العقل والنقل
في التعامل مع النصوص الشرعية بالشروط التي حددها العلماء [/ALIGN]