إيران وسؤالها الكبير.. من يخلف خامنئي؟
الموقع الرسمي للمرشد الأعلى في إيران، علي الخامنئي، في خطوة غير عادية، يعلن صراحة ذهاب المرشد للمشفى، ويتعمد عقد لقاء مصور هادئ معه قبل دخوله غرفة العمليات الجراحية، والمرشد يقول: "الأمر لا يستحق القلق ولكن هذا لا يعني حرماني من دعاءكم".
فيما الطبيب "مرندي" رئيس الفريق الطبي للمرشد يؤكد أن العملية ستتم بدون تخدير كليّ والعملية شائعة، وصحة خامنئي في أفضل حال.
والإعلام الإيراني تعمد إظهار أعلى مسؤول في هرم السلطة الإيرانية في حالة وعي كاملة وبصحة جيدة قبل وبعد إجراء العملية الجراحية.
وفي بلد مثل إيران، الحياة كلها تدور بأوامر المرشد. وإنتقال السلطة من المرشد الأول "خميني" إلى المرشد الثاني "خامنئي"، صاحبه الكثير من التغيير في حياة إيران السياسية والإجتماعية.
وهذا يعني أنه لا سبيل للتغيير في بلد كهذا إلا بعد رحيل الرجل الأول. وهو ما يقلق المحافظين، ويجعل مصيرهم مرتبط بمصير المرشد الأعلى خامنئي.
سؤال من يخلف خامنئي ؟ يُفزع الكثيرين في إيران، وطاقة أمل لآخرين، فتعيين "خامنئي" خلفاً لـ "خميني" وتنحية الشخص المستحق آية الله "منتظري"؛ خشية أن يهدد صعوده سلطة المحافظين، أمرٌ ما زالت آثاره باقية في الحياة السياسية الإيرانية حتى الآن، وهو ما ترجمه اتساع الهوة بين المحافظين والإصلاحين، وتقارب معسكر الاعتدال مع الإصلاحيين، كما شاهدنا من تقارب بين رفسنجاني والإصلاحيين، وتبنى الشباب الإصلاحي لشخصية "منتظري" الذي اعتبرها أيقونة لمظلوميتهم، واعتقالات في صفوف المطالبين بالتغيير مثل "مهدي هاشمي".
سؤال ملّح:
حتى لو تعافى "خامنئي" وعاد ليقبض بيده على صولجان الحكم، لم يعد الأمر ينتظر الكثير من الوقت حتى يتم الإعلان عن خليفة جديد له؛ فعمر خامنئي الحالي 74 عاماً، ومرضه فرض على السياسيين والشارع الإيراني، سؤال من يخلف خامنئي؟، فصورة الإنسان الخالد تحطمت في أذهانهم.
وهو الأمر الذي سيدفع المحافظين إلى هندسة الحياة السياسية في إيران بما يحمي سلطة طبقتهم، وتزداد الحاجة للتفكير في هذا الأمر في ظل غياب آية الله "مهدوي كني" رئيس مجلس الخبراء، المسؤول عن اختيار المرشد وتجديد صلاحيته، والذي يخضع للعناية المركزة وسط أنباء عن وفاته والتكتم على ذلك.
الأمر صعب وخطير على مستقبل المحافظين بعد رحيل "خامنئي" و"مهدوي كني" اللذان يمثلان زعامة معسكر المحافظين؛ لكنهم بلاشك سيعملون على إبعاد طرح أسماء مثل "رفسنجاني" الذي يمثل عدواً لهم بمواقفه المساندة للإصلاحيين.
كما سيفزع الإصلاحيون وربما دول المنطقة من طرح اسم رجل دين متشدد مثل "أحمد خاتمي" عضو مجلس الخبراء وخطيب الجمعة وممثل الخطاب الناري للمحافظين.
سياسة "خامنئي" التي عملت على تهميش منافسيه وأبناء جيله، ساعدت من صعوبة الإجابة على سؤال من يخلف خامنئي، ليس لعدم وجود شخصيات جديرة، ولكن لأن النخبة السياسة صعب أن تحقق الإجماع على شخصية واحدة. فقد عمل خامنئي على تشكيل معسكر من الموالين له على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاستخبارية، ما جعل هناك صراع بين معسكرين، بالإضافة إلى ترقيته لجيل جديد من الموالين ما خلق حالة من الصراع بين جيل الأباء وجيل الوسط.
وأصبحت مسألة اختيار خليفة "خامنئي" تختص بمنفعة ومصلحة المعسكرات السياسية والعسكرية والاقتصادية أكثر من مصلحة الجمهورية الإسلامية، ونموذج "الحرس الثوري" مثالاً واضحاً على ذلك، فالحرس لن يقبل أي خطوة للعودة إلى الوراء بعد كل المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققها في ظل ولاية "خامنئي" الذي بات قائداً عسكرياً لهم أكثر منه رجل دين، فلن يقبل الحرس بخلافة مرشد يسعى إلى التغيير الإجتماعي بما يهدد من سطوة وسلطة الحرس الذي ينصب نفسه حامياً لتعاليم المرشد الأول "خميني" والثورة الإيرانية. وكذلك الأمر بالنسبة للحوزة الدينية في قم وطبقة الملالي.
أسماء وترشيحات:
المرشد الأول "خميني" لم يرشح احداً لخلافته على الرغم من مرضه الشديد وحتمية موته اثر مرض السرطان، وترك الأمر لمجلس الخبراء. لكن الأمر مختلف مع "خامنئي" فهناك سيناريوهات كثيرة مطروحة، منها ترك الأمر لمجلس الخبراء بعد هندسته بما يضع شخص محدد على رأس السلطة. أو ترشيحه شخصية ما، ما من شأنه أن يخفف الخلاف بعد رحيله، ولكن هذا الأمر أيضاً لن يكون معلناً في مرحلة مبكرة لحساسية الأمر واشتداد الخلاف.
لكن المؤكد أن شخصاً بعيد النظر مثل "خامنئي" من المستبعد ألا تكون لديه خطة حول خلافته. وربما اللجنة التي تم انشائها داخل مجلس الخبراء لبحث أهلية الأفراد المرشحين لخلافة "خامنئي"، هي أولى نواة المعمل الهندسي لإيصال شخصية محددة تحافظ على سياسة النظام وتضمن استمراريته إلى أمد أطول.
هناك أسماء عدة يتم طرحها في الأوساط السياسية الإيرانية لخلافة المرشد الحالي، منها:
"مجتبي خامنئي": وهو الابن الثاني للمرشد الحالي، ويتصف بالتشدد، ويقف وراء الكثير من القرارات السيادية في إيران، والمهندس السياسي لتعزيز دائرة المحافظين السياسية، ودعم نجاح الرئيس السابق "أحمدي نجاد"، حتى أن الشعب الإيراني بعدما شعر أن النظام يهندس الأمر مع الدائرة الأولى المقربة من المرشد لخلافة "مجتبي"، تضمنت شعاراته الاحتجاجية القول: (فلتمت يا مجتبي قبل أن تصبح قائدا). وعمله من وراء الستار، ساعده في تشكيل مجلس الخبراء بما يمرر صلاحية تعيينه؛ غير أن الفقهاء من أنصار الخميني ورفسنجاني ومنتظري يمثلون أقوى الجبهات التي تهدد مسألة خلافته.
- " محمود الهاشمي الشاهرودي": وهو من الأسماء التي يتردد اسمها كلما اثيرت مسألة خلافة خامنئي، لدرجته الدينية، وللمناصب التي شغلها مثل رئاسة القضاء الإيراني، وعضوية مجلس صيانة الدستور، ورئاسة مجلس الخبراء الحالي بالإنابة في ظل مرض "آية الله مهدوي كني"، ففهو أكثر رجال الصف الثانى نفوذاً وقرباً من المسيطرين على القرار فى إيران، ويتمتع بعلاقات طيبة مع "خامنئي" والمحافظين المتشددين، وشخصية معتدلة مثل "رفسنجاني". والذي يعرقل خلافته مسألة علاقاته مع السياسيين العراقيين؛ إذ ولد في النجف وتلوى العديد من المناصب هناك، منها قيادة حزب الدعوة الإسلامية العراقي.
- يتوالى بعد ذلك أسماء شخصيات معروفة بالولاء للمرشد "خامنئي"، منها: "صادق لاريجاني": رئيس القضاء وشقيق رئيس البرلمان وعضو مجلس الخبراء، وله مكانة مهمة عند رجال الدين. المرجع "جواد الآملي": من أشهر مراجع إيران الدينيين وكان مقرباً من المرشد الأول. "ناظق نوري": شغل العديد من المناصب السياسية ومقرب من دوائر النظام، لكن اعتداله وتقربه من الإصلاحيين يجعل منته شخصية غير مقبولة لدى الحرس الثوري. "حسن خميني": هو حفيد المرشد الأول، وقد تعززت درجته الدينية والعلمية في الآونة الأخيرة، وتجنب الدخول في صراع مع المرشد الحالي، ومن الشخصيات المقربة لمعسكر الاعتدال. "هاشمي رفسنجاني": من أبرز رموز الثورة وتيار الاعتدال، ولطالما يقلق المحافظون من وجوده على الساحة السياسية، وهو ما يجعل مسألة قبول المتشددين به بالأمر الصعب.
تجربة خلافة "خامنئي" لـ "خميني" تلح على أذهان الإيرانيين، فقد عدلوا القانون بما يسمح لرجال دين من المرتبة الأدنى بالتأهل لمنصب المرشد الأعلى، وهو ما سهل وصول "خامنئي"، وقد تم اختياره قبل التصويت على تعديل القانون، لذا كانت خلافته للخميني غير قانونية من الناحية الفنية. وهو ما يؤشر على أن النظام مستعد لتغيير القوانين بما يناسب احتياجاته، وفعل كل ما يساعده في الحفاظ على وجوده، فقد نصب "خامنئي" في ظل وجود المرشد الأول خشيةً على مصلحة النظام؛ ولذلك مسألة إعلان خليفة لـ "خامنئي" غير معلنة حتى الآن؛ لأن النظام لن يسمح بأي صراع قد يهدد تماسكه.
المصدر : موسوعة الرشيد.
19-09-14, 09:51 AM
العرض العادي
