بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عظيم المنِّة , ناصر الدين بأهل السنة , والصلاة والسلام على نبي الأمة, وعلى اله وصحبه ومن اتبع هداه من هذه الأمة , أما بعد :
فهذه شبهة من شبهات أهل البدع , يزعمون فيها أنهم يردون على أهل السنة والجماعة - أعزهم الله - الذين يرون بدعية هذا المولد على صاحبه أفضل الصلاة والسلام , أذكر كلامهم ثم أعقب بما يفتح الله تعالى علي بما تيسر ::
*أذكر النقطة الأولى وهي كلامهم , ثم الرد عليها
* وليعلم أن الرد على كل نقطة يحتاج لتفصيل , وما كتبته مجمل حاولت التفصيل فيه , لكن اعتبره خطوط عريضة .
فنبدأ على بركة الله جل وعلا
( النقطة الأولى والرد عليها )
[ تمسك من منع الاحتفال بالمولد بأمور؛ نذكرها ونذكر الجواب عنها باختصار: ]
" أولاً: كون المولد أول من أحدثه الفاطميون.
الجواب:
على افتراض أن الفاطميين هم أول من أحدث ذلك؛ فليس هذا دليلاً على المنع، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعظيم اليوم الذي انتصر فيه موسى عليه السلام من اليهود، وقال عليه السلام: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري. " اهـ
[ الرد على النقطة الأولى ]
أقول مستعينًا بالله جل وعلا : ليس هذا افتراضًا , وإنما فعلًا أحدثه العبيديون الباطنيون الذين يتسمون زورًا بالفاطميين , قال المقريزي ت 845هـ في كتاب
[ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار ] :
ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادا، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم
" وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة: أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أوّل العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومولد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام ..." إلـخ البدع
ثم قام الأفضل بإبطال هذه الموالد كما ذكر المقريزي في نفس الكتاب " وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الوالد الأربعة: النبويّ، والعلويّ، والفاطميّ، والإمام الحاضر، وما يهتمّ به، وقدم العهد به حتى نسي ذكرها، فأخذ الأستاذون يجدّدون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله، ويردّدون الحديث معه فيها، ويحسنون له معارضة الوزير بسببها، وإعادتها، وإقامة الجواري والرسوم فيها، فأجاب إلى ذلك، وعمل ما ذكر. " اهـ
وأقوال المؤرخين كثيرة , في إثبات أن أول من أحدثه هم العبيديون اصحاب العقيدة الباطنية الخبيثة , ومَن اطِّلعَ على عقائدهم وأقوال العلماء فيهم عرف خبث هذا المعتقد .. فكيف يمكن لعاقل أن يجدد بدعة أحدثها أعداء الله ورسوله , ولا يتمسكوا بما كان عليه السلف الأول من القرون المفضلة , قال الإمام السيوطي رحمه الله :" عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد " اهـ , يكفي أنه قد أخبر أنه أمر محدث لم يكن في القرون المفضلة
فكل خير في اتِّباع من سلف * وكل شر في ابتداع من خلف
فإن فهمت هذا ولا أخالك أخي بالله أنك لن تفهم , عَلِمتَ وجوب المنع من متابعة أهل البدع على بدعهم والتمسك بما كان عليه السلف رضوان الله عليهم .
ثم قولهم أن النبي صلى الله عليه واله وسلم أخذ صيام عاشورا من اليهود وقياس هذا على بدعة المولد فالرد عليه أن يقال :
- أن النبي صلى الله عليه واله وسلم مبلغ لشريعة الله عز وجل , ولا يمكن أن يَقرَّهُ الله جل وعلا على ما يخالف ما يريده الله عز وجل , وعصر النبي صلى الله عليه واله وسلم عصر تشريع ونزول أحكام , والاحتجاج يكون بعد زمن اكتمال الدين وليس قبل اكتمال الدين , فلا يمكن أن يأتي إلينا دعّي فيقول أن الحجاب ليس من الدين فقد كانت النساء الأحرار لا يتحجبن ولا يسترن وجوههن فيجوز للنساء الأن عدم الاحتجاب ولبس النقاب !
ولا أن يقال أنه يجوز الاختلاط أو أو , ويستدل بما كان في عصر التنزيل والتشريع ! بل ينبغي الاستدلال بعدما كمُل الدين , بتليغ النبي صلى الله عليه واله وسلم . فافهم هديت للرشد .
- أنه ينبغي أن تعلم أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا , فاليهود من أهل الكتاب وكان عندهم بعض الحق , ولا مانع من قبول الحق من أي شخص كان بشرط ألا يكون هذا المأخوذ مخالفًا للشريعة أو يحدث في الشريعة ما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم , ولهذا نحن نرد بدعة العبيديون لا لأنهم فرقة خبيثة باطنية , وبدعتهم -كما هو في المولد - الذي لا أصل له في شريعة الإسلام وإنما هو مشابهة للنصارى - وقد نهينا عن التشبه بالكفار عقيدة وسلوكا - الذين يحتفلون بميلاد عيسى ابن مريم عليهما السلام .
والسؤال المفحم هنا : لما لم يقل النبي صلى الله عليه واله وسلم أنا أحق بعيسى من النصارى ويحتفل بمولده !
( النقطة الثانية والرد عليها )
"ثانياً: منع المولد بحجة أنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم.
الجواب:
أن البدع على قسمين: حسنة وسيئة، وإلى هذا ذهب الجماهير من العلماء، وهذا بعض تقريرهم لذلك:
قال الإمام الشافعي: (المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا هي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه - في قيام رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى). " اهـ
( الرد على النقطة الثانية )
قلت : البدع هي بمعنى الإحداث , والمعنى الاصطلاحي لها هو الإحداث في دين الله [ ما ليس منه ] كما قالت عائشة رضي الله عنها في الحديث المرفوع " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
فكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه واله وسلم فهو مردود لا عبرة به ولو قالته الأمة جمعاء , فالنبي صلى الله عليه واله وسلم أفصح من نطق بالضاد يقول
[ وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ] فائتونا من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقواله الصحابة في تقسيم البدعة , فلن تجدوا .
فأما قول الإمام الشافعي رحمه الله إمام أهل السنة فليس كما فهمه هؤلاء أنه تقسيم للبدعة حاشاه رحمه الله من ذلك , قال ابن رجب رحمه الله كما في جامع العلوم والحكم : (ومراد الشافعي رحمه الله : أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصل من الشريعة يرجع إليه، وهي البدعة في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة ، يعني: ما كان لها أصل من السنة يرجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعا، لموافقتها السنة)اهـ
وهذا هو الصحيح لمن تأمل سياق الكلام فالشافعي رحمه الله ذم البدعة الضلالة التي ليس لها أصل - وفي موضوعنا كمثل المولد لا أصل له في دين الإسلام - وأما التي لها أصل فهي محدثة محمودة وليست مذمومة , مثل التراويح , لها أصل , قام بها النبي صلى الله عليه واله وسلم أيام ثم توقف عن ذلك خشية أن تفرض على الناس فلا يطيقونه , ثم بعد ذلك أحياها عمر رضي الله عنه وجزاه عنا خير الجزاء فقوله نعمت البدعة إنما البدعة لغويًا لا اصطلاحيًا .. فما كان له أصل فلا يصح أن يقال عنه أنه بدعة ويراد به المعنى الاصطلاحي وإن كان يطلق عليه بدعة باللفظ اللغوي.. فافهم هداك الله .
( تكملة النقطة الثانية والرد عليها )
" وقال العلامة المحدث أبو شامة المقدسي: (فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشئ منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي).
والإمام أبو شامة هو الذي يقول عنه الإمام ابن كثير في البداية والنهاية (13/250): (الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ المعروف بأبي شامة شيخ دار الحديث الاشرفية...وكان ذا فنون كثيرة أخبرني علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري، أنه كان يقول بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة رتبة الاجتهاد...وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته وعفته).
وقال الإمام شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام: (البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة).
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: (قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة )هَذَا عَامّ مَخْصُوص ، وَالْمُرَاد غَالِب الْبِدَع . قَالَ أَهْل اللُّغَة : هِيَ كُلّ شَيْء عُمِلَ عَلَى غَيْر مِثَال سَابِق . قَالَ الْعُلَمَاء : (الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام: وَاجِبَة، وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة وَمَكْرُوهَة وَمُبَاحَة... فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْته عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيث مِنْ الْعَامّ الْمَخْصُوص... وَلَا يَمْنَع مِنْ كَوْن الْحَدِيث عَامًّا مَخْصُوصًا قَوْله: (كُلّ بِدْعَة) مُؤَكَّدًا (بِكُلِّ)، بَلْ يَدْخُلهُ التَّخْصِيص مَعَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُدَمِّر كُلّ شَيْء}). " اهـ
( الرد على تتمة النقطة الثانية )
أولًا : لا ينبغي أن يعارض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام أي شخص أخر يخالف قوله , مهما كان هذا الشخص ولو كان أبا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين . فالنبي صلى الله عليه واله وسلم قال كل بدعة [ ضلالة ] وكل [ ضلالة ] في النار , وقال من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو [ رد ]
ثانيًا : كلام المقدسي رحمه الله وإن كان من المجيزين لهذه البدعة , لا يفهم من كلامه البدعة بالمعنى الاصطلاحي وإنما المراد بها المصالح المرسلة إذ أن المصالح المرسلة موافقة للقواعد الشرعية ويكون لها أصل في الشريعة , وإن كان يطلق عليها لغويًا بالبدعة لكنها غير مراد بالبدعة الاصطلاحية فتنبه لهذا , فأين الأصل في الاحتفال بالمولد لكي نقول أنها بدعة حسنة أو بتعبير الأصوليين مصلحة مرسلة ؟
ثالثًا : الرد على هذا التقسيم الذي ذكره العز والنووي وغيرهما , بما قاله الشاطبي رحمه الله تعالى في الاعتصام يقول :" إن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليلْ شرعي، بل هو في نفسه متدافع، لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب، أو ندب، أو إباحة، لما كان ثمَّ بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها، جمع بين متنافيين.
أما المكروه منها والمحرم، فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته، لم يثبت بذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية، كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم ألبتة، إلا الكراهية والتحريم " اهـ
رابعًا : قال الشيخ أبو المنذر المنياوي في كتابه [ البدعة الشرعية ] بخصوص تقسيم العز بن عبد السلام رحمه الله :" يظهر من خلال أمثلة العز بن عبد السلام أنه أدخل المصالح المرسلة في مسمى البدع، بناء على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة، وإن كانت تلائم قواعد الشرع.
فلكونها داخلة تحت قواعد الشرع، حكم عليها بالوجوب أو الندب أو الإباحة، ولكونها حادثة غير معهودة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سماها بدعاً، فيكون بذلك من القائلين بالمصالح المرسلة، وهي ليست بدعاً إلا في اللفظ.
فيكون الاحتجاج بقوله وتقسيمه على حسن البدع من الناحية الشرعية احتجاجاً في غير محل النزاع.
ويدل لذلك الأمثلة التي ضربها لتلك الأقسام، فقسم الواجب في قول ابن عبد السلام يدخل في باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وقد صرح هو بذلك، ولقد علمت أن هذا الباب يؤدي إلى حفظ ما هو ضروري شرعاَ، وأنه والبدع لا يستويان، وقد مثل له بالاشتغال بالنحو، الذي يفهم به كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهل الاشتغال بالنحو بدعة شرعية؟ أم هو من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به، على أنه يمكن أن يقال في النحو: إنه بدعة من حيث اللغة، ولكن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالتعريفات الشرعية، لا التعريفات اللغوية.
وأما قسم المندوب فليس من البدع بحال، فبناء القناطر والمدارس وسائل لدفع ضرر أو جلب منفعة عامة للأمة، فالربط تدفع كيد الأعداء وترهبهم، والقناطر تسهل حركة الناس وتنقلاتهم وتحفظ أرواحهم، والمدارس تحقق فريضة طلب العلم، أما صلاة التراويح فسنة فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسوف يأتي الكلام عليها قريبا بإذن الله , وأما قسم المباح، فمثَّل له بالتوسع في المستلذات، وليس هذا ببدعة في الشرع، بل إن وصل إلى درجة الإسراف، فهو من المحرمات، الداخلة تحت جنس المعاصي لا البدع، وثمّ فرق بين المعاصي والبدع كما سبق. وقد ناقش الشاطبي في "الاعتصام" هذه الأمثلة مناقشة مطولة. " اهـ
( النقطة الثالثة والرد عليها )
"ثالثاً: نفي الدليل على تفضيل يوم المولد.
الجواب :
بأن فضل هذا اليوم ثابت بالسنة النبوية، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضل يوم مولده، فقال: (وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) رواه مسلم، فعظَّمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم مولده بالصيام فيه.وتعظيم الأيام الفاضلة أمرٌ مقررٌ شرعاً، ولذا صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه. " اهـ
( الرد على النقطة الثالثة )
قلت : الحديث في واد , وتقويل صاحب هذا الكلام للنبي صلى الله عليه واله وسلم في واد , وقد صح عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال ومن كذب علي متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار , وقوله من حدث عني حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين .. وتقويل النبي صلى الله عليه واله وسلم ما لم يقل يدخل في باب الكذب عليه فاحذر !
فالنبي صلى الله عليه واله وسلم كما في الحديث سُئل عن صيام يوم الأثنين , فمن أين أتى هذا المجهول بأن المراد به تفضيل هذا اليوم وتعظيمه !
وهل من تعظيم هذا اليوم الرقص والإنشاد والأكل والشرب رغم أن هذا فيه مخالفة للسنة لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يصوم هذا اليوم لا أن يأكل فيه.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه واله وسلم كما في حديث عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه وعن أمه : ( تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) رواه الترمذي (747) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1041) .
فإن أردتم تعظيم هذا اليوم وهو يوم مولد النبي صلى الله عليه واله وسلم فعليكم - تنزلًا وليس إقرارًا بجواز الاحتفال - أن تصوموا بدل أن تأكلوا وتشربوا وتتخبطوا .
( النقطة الرابعة والرد عليها )
"رابعاً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة ما يقع فيه من المخالفات.
الجواب :
أنَّ هذا لا يستدعي تحريم المولد وإنما تمنع المخالفات الموجودة فيه، كما أننا لا نحرم حفل الزفاف ولكن نمنع المخالفات الشرعية التي تحدث فيه، ولذا قال الإمام ابن حجر العسقلاني: (وأما ما يعمل فيه - المولد - فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخيراتِ والعملِ للآخرةِ)." اهـ
( الرد على النقطة الرابعة )
قلت : وما هو الذي يضمن أنه لن تحدث مثل هذه المخالفات الشرعية من غلو مفرط في ذات النبي صلى الله عليه واله وسلم والاستغاثة به وغير ذلك مما يحصل في هذه الموالد ؟ فهل تستطيعوا السيطرة على مخابيل الصوفية ؟
ومع ذلك فالنهي عن المولد لأنه [ بدعة ] ليست من دين الإسلام بشيء فهذا يكفي أهل الكتاب والسنة المتبعين لسلف الأمة .
ومن قواعد الشريعة الإسلامية أنها أتت لدرء المفاسد وإن كان فيها بعض المصالح
لقاعدة[ درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ]
وأما قياس حفل الزفاف بالمولد ! إن هذا لعجب عجاب ضعفه يغني عن الرد عليه
( النقطة الخامسة والرد عليها )
"خامساً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة أنَّ يوم مولده هو يوم وفاته.
الجواب :
هو قول الإمام السيوطي رحمه الله: (إن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ولا بغيره. بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن بوفاته)." اهـ
( الرد على النقطة الخامسة )
قلت : لا يثبت مولد النبي صلى الله عليه وسلم بقول صحيح , إنما العلماء مختلفون في هذا , وقد ثبت أنه توفي في الثاني عشر من ربيع الأول , فهذا التأريخ هو يوم وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم فينبغي - لو سلمنا بجواز الاحتفال ! - الحزن في هذا اليوم , لأن وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم أعظم مصيبة تصيب المؤمن , لا الفرح بالأكل والشرب والرقص والانشاد , لأن هذا هو الذي يثبت في مثل هذا التأريخ , أما تأريخ مولده فلا يثبت على وجه صحيح وإنما الذي ثبت أنه ولد يوم الأثنين , لكن ما هو التأريخ ؟
اختلفوا فمنهم من قال لليلتين خلتا من ربيع الأول , وقيل ثامنه وقيل عاشره وقيل لثنتي عشرة منه , وكل هذه الأقوال مجرد أقوال لا دليل عليها .. وقد صح وثبت أنه توفي بأبي هو وأمي في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة العاشرة من هجرته النبوية .
فهل هناك عاقل يترك الثابت ويذهب للمضطرب ثم يحتفل في يوم وفاته زاعمًا أنه يوم ولادته !
( النقطة السادسة والرد عليها )
"سادساً: مَنْعُ الاحتفالِ بالمولدِ بِحُجَّة أنَّ الصحابة والتابعين لم يفعلوه مع كونهم أشد حباً للرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب :
هو ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله: (ما أحدث يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة)، وقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح: (ما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة).
وقد بينا أن المولد النبوي يستند إلى أصول شرعية صحيحة، وعليه فإحداثه ليس بدعة ولو لم يعمل به السلف. " اهـ
( الرد على النقطة السادسة )
قلت : قد سبق أن بينت مراد كلام الشافعي رحمه الله عند الرد على النقطة
[ الثانية ] فراجعه غير مأمور .
وأين هذه الأصول الشرعية الصحيحة التي بنيتم عليها بدعة الاحتفال بالمولد لكي نظهر جهلكم بالعلم الشرعي ؟
( تكملة النقطة السادسة والرد عليها )
"قال الإمام المفسر القرطبي المالكي رحمه الله في أحكام القران: (كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل في الشرع أو لا ، فإن كان لها أصل كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض رسوله عليه ، فهي في حيز المدح... ، وإن كانت- البدعة- في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار ... وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم).
وقد كان سيد العلماء الإمام مالك بن أنس رحمه الله ورضي عنه لا يركب بالمدينة دابة، وهذا فعلٌ أحدثه الإمام مالك لم يفعله الصحابة الذين هم أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك لم ير الإمام مالك بأساً في فعله، ولم ينكر عليه أحدٌ من العلماء ذلك، قال الإمام القاضي عياض المالكي في كتاب الشفاء (1 / 275): (كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول: "أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بحافر دابة" ). وذكر هذا عنه الكمال ابن الهمام الحنفي رحمه الله في فتح القدير (3 / 180)، وكذا الإمام ابن العربي المالكي في أحكام القرآن ( 3 / 254 ) وغيرهم وهو معروف مشهور عنه. " اهـ
( الرد على تتممة النقطة السادسة )
قلت : ونحن نوافق القرطبي رحمه الله فيما قاله إلا أنه يريد بالقول الأول ما نطلقه وهي المصالح المرسلة هذه لها أصول وقواعد شرعية ولا يطلق عليها بدعة إلا لغويًا لا اصطلاحيًا , لكن الاحتفال بالمولد لا أصل له وهو يدخل في النقطة الثانية التي ذكرها يقول " وإن كانت- البدعة- في خلاف ما أمر الله به ورسوله فهي في حيز الذم والإنكار ... وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم ." اهـ
فأين أمر الله ورسوله بالاحتفال بالموالد ؟ وأين فعل الصحابة ذلك وهم السابقون الأولون للخيرات ؟ بل قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تتطروني كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم , إنما أن عبد الله ورسوله , وقال لا تتخذوا قبري عيدًا يعبد أو قال وثنًا يعبد , فالنبي صلى الله عليه واله وسلم نهى عن تعظيمه والغلو فيه كما يفعل بعض أهل البدع هداهم الله .
وأما الاستدلال بما جاء عن الإمام مالك رحمه الله , فهذا فعله , وهو القائل كلٌ يؤخذ من قوله ويرد , فنحن نتبع الأثر لا نتبع الرجال , ثم الإمام مالك رحمه الله لم يأمر بأن يُفعل هذا لكي يقاس بهذا الفعل بالاحتفال بالمولد البدعي , فانظر كيف التخبط في الاستدلال والفهم والله المستعان .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال [ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به ] الصحيحة 1803
عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان، قال: قيل له: [ قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ] صحيح مسلم
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ..
يا إخوة .. كل خير ترونه لم يفعله الصحابة ولم يكن في وقتهم مانع يمنعهم من فعله فلا خير فيه , فلسنا أعلم منهم , ولا يمكن أن نكون نحب النبي صلى الله عليه واله وسلم أكثر منهم .. فنتبعهم ولا نحدث , أفضل من أن نخالفهم ونحدث , بدعوة المحبة والتعظيم .
( النقطة السابعة والرد عليها )
"سابعا: إن قول القائل أن الاحتفال بعيد المولد نوع من الإطراء و التقديس لرسول الله صلى الله عليه وسلم و رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله).
الجواب :
إن هذا الاستدلال بالحديث غير صحيح لان الإطراء المنهي عنه هو المشابه لإطراء النصارى أن المسيح هو ابن الله.أما إطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحتفال بمولده فلا يعدو عن ذكر فضائله وأخلاقه المحمدية وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أناس من الصحابة و اثنوا عليه في حياته ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. " اهـ
( الرد على النقطة السابعة )
قلت : وها أنتم تشابهون النصارى بالاحتفال بمولد عيسى ابن مريم عليهما السلام , ففعلكم داخل في الإطراء المنهي , أما تضييق الإطراء بأن عيسى ابن الله - سبحانه وتعالى - فهذا غير صحيح بل هو إبعاد النجعة والنزع في الغرق .
وبعد : فإن تعظيم النبي صلى الله عليه واله وسلم يكون بمتابعته لا بمخالفته , وذكر فضائله لا يخصص له يوم دون سائر الأيام من السنة , بل فضائل النبي صلى الله عليه واله وسلم وغزواته وسننه القولية والفعلية والتقريرية لابد أن تذكر يوميًا ويؤخذ منها الأحكام والحكم , والمواعظ والعبر , فنحن أهل السنة والجماعة ولله الحمد نتبع ولا نبتدع , وندرس سيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم وندرسها ونقرأ أحاديثه وننشرها ونعمل بها , فنحن أهل الحديث أهل النبي وإن لم نصحب نفسه , أنفاسه صحبنا , بأبي هو وأمي ..
هذا ما تيسر كتابته على عجالة , فما أصبت فيه فمن الله جل وعلا وحده وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان , والله تعالى ورسوله منه بريئان.
وكتب : أبو عائشة أحمد بن عايد العنزي
11 من ربيع الأول 1435 هـ