العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-12-13, 07:33 AM   رقم المشاركة : 1
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


نقد الروايات الشيعية

نقد الحر العاملي ومصنفاته


=======


نقد الحر العاملي ومصنفاته


أحمد القبانجي


ومن جملة المحدثين المتأخرين المشهورين في علم الحديث الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي ((المتوفى عام 1104 هـ)) وكتابه المشهور ((وسائل الشيعة)) الذي يعتبر مرجع الفقهاء في الرأي والفتوى , وقد ولد الشيخ الحر العاملي في أحد قرى جبل عامل في جنوب لبنان واشتغل بتحصيل العلوم الدينية والحديث في تلك المناطق ثم سافر الى الحجاز والعراق وايران وأقام أخيرا في مدينة مشهد وتوفي فيها . وكان الشيخ الحر معاصرا للملا محمد باقر المجلسي وأخذ منه اجازة الرواية كما أن المجلسي أخذ منه اجازة نقل الحديث أيضا , واما شرح أحواله وذكر أثاره فمسطورة في كتاب التذكرة , والشيخ نفسه ألف كتابا باسم ((أمل الآمل)) في أحوال علماء جبل عامل واستعرض فيه ما جرى له في حياته . وقد ذكره الشيخ يوسف البحراني بمنتهى الاجلال والتقدير في كتابه ((لؤلؤة البحرين)) حيث يقول : كان عالما فاضلا محدثا اخباريا.
وقد ذاعت شهرة الحر العاملي في ايران واستلم من شاه ايران مقام ((شيخ الاسلام)) و ((قاضي القضاة)) وفوض اليه منطقة خراسان . واما الكتب التي وصلت الينا من مصنفات الشيخ العاملي فنلاحظ عليها المنهج الاخباري ومن هذه الكتب: ((الجواهر السنية في الأحاديث القدسية)) و((الفوائد الطوسية)) و ((الايقاض من الهجعة في موضوع الرجعة)) و((الاثنى عشرية في رد الصوفية)) و ... ((الفصول المهمة من أصول الأئمة)) ولكن بلا شك أن أهم كتاب للشيخ العاملي هو ((تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة)) حيث سعى الشيخ الحر في هذا الكتاب الى جمع أحاديث الكتب الأربعة للامامية ((الكافي , من لا يحضره الفقيه , التهذيب , الاستبصار)) مع روايات آخرى , ولكن بين أحاديث هذا الكتاب نرى أنه جمع فيه ((فروع مذهب الامامية)) ومن هنا يختلف عن بحار الأنوار للمجلسي الذي لا ينحصر بفروع المذهب , ولهذا كان كتاب الوسائل من المراجع المهمة لفقهاء الامامية في الرأي والفتوى كما تقدم . وقد نرى في منهج الشيخ الحر في كتابه الأخير أنه نهج بذلك منهج الاخباريين الذين يقبلون جميع الأحاديث ولا يهتمون برجال السند بل يسعون الى الاستفادة من مفاد الاحاديث وجمعها وهم متأثرون في هذا العمل بالشيخ أبي جعفر الطوسي كثيرا بحيث أنهم يسندون الى كلماته غالبا. أما نفس هذا المنهج لم يقع مورد القبول حتى من الأخباريين المعتدلين كالشيخ يوسف البحراني , ولهذا نرى أن الشيخ البحراني يقول في ((لؤلؤة البحرين)) عن تصانيف الشيخ العاملي:
لا يخفى أنه وإن كثرت تصانيفه قدس سرّه كما ذكر إلا أنها خالية عن التحقيق والتحبير , وتحتاج الى تهذيب وتحرير كما لا يخفى على من راجعها.
وقد اختبرنا بعد العلامة المجلسي من المحدثين المتأخرين الشيخ الحر العاملي وفي نقد أحاديثه لأننا رأينا أن كتاب ((وسائل الشيعة)) له أثر كبير على العلماء المعاصرين بحيث أن أغلب فتاواهم تعود الى مرجعية هذا الكتاب . ومن هنا اخترنا نماذج متعددة من أحاديث هذا الكتاب وعرضناها على مشرحة النقد واثبتنا أنها غير قابلة للوثوق والاعتماد.

نقد أحاديث وسائل الشيعة
1 – يروي الشيخ الحر العاملي في ((كتاب الطهارة)) من وسائل الشيعة روايةعجيبة وهي :
محمد بن الحسن الطوسي – رضي الله عنه – بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى , عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير, عن داوود بن فرقد عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا, فانظروا كيف تكونون[1].
هل يعقل أن يكون هذا العمل مرسوما بين بني اسرائيل بحيث أنهم بمجرد اصابة قطرة من البول لبدنهم فانهم يقرضونه بالمقارض بدل غسله؟ وساعد الله ذلك المسكين بمرض السلس . إذن كيف لا نجد لهذا الحكم القاسي عينا ولا أثر في التوراة؟ وهل أن الله العادل والحكيم يصدر مثل هذا الحكم الشديد لتطهير بدن الانسان من التلوثات الطبيعية ؟ الا يوجد هناك طريق آخر لاثبات سهولة وسير الاحكام الاسلامية غير التوسل بمثل هذه الأكاذيب والافتراءات؟
إن وضع وكذب مثل هذه الاحاديث واضح الى درجة أننا لا نحتاج الى البحث في أسنادها.
2 – وقد أورد الشيخ الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة في ((كتاب الطهارة)) رواية تؤكد نجاسة الحديد وهي:
وبالاسناد عن عمار عن أبي عبدالله – عليه اسلام – في الرجل اذا قص أظفاره بالحديد أو جز شعره أو حلق قفاه فإن عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي ؟ سُئِلَ: فإن صلّى ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال – عليه السلام - : يعيد الصلوة لأن الحديد نجس وقال : لأن الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة[2].
وهذا الحكم بنجاسة الحديد ولزوم اعادة الصلاة مخالف لاجماع علماء الاسلام وقد ورد في القرآن الكريم أيضا أن المسلمين يجب عليهم أن يحملوا معهم اسلحتهم ((الحديدية)) ولم يأمرهم بإلقاء أسلحتهم كما تقول الآية الشريفة : )واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم((النساء/102)
وعلى هذا الاساس فمن قصّ أضافره بالمقراض ثم صلّى فلا يجب عليه اعادة الصلاة لأن الحديد ليس نجسا أو مبطلا للصلاة.
3 – وذكر الشيخ الحر العاملي في كتاب الصلاة من وسائل الشيعة هذه الرواية:
محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن أبن أبي نصر عن ثعلبة بن ميمون عن ميسر عن أبي جعفر – عليه السلام – قال : شيئان يفسد الناس بهما صلوتهم , قول الرجل : تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك, وإنما قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم . وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين[3].
وجاءت الرواية المذكورة بصورة أخرى في وسائل الشيعة أيضا ,حيث قال :
محمد بن علي بن الحسين قال الصادق – عليه السلام – : أفسد ابن مسعود على الناس صلوتهم بشيئين , بقوله : تبارك اسم ربك وتعالى جدك. فهذا شيء قالته الجن بجهالة , فحكى الله عنها . وبقوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في التشهد الاول[4]!
وهاتان الروايتان باطلتان قطعا لأن عبارة ((تعالى جد ربنا)) لم ترد في القرآن الكريم حكاية عن الجن الجهال , بل أن الله تعالى قد ذكر هذه العبارة من موقع التأييد والتقرير على أساس أنها من فرقة الجن المؤمنين والموحدين.
((وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدا )) (الجن/2)
أما هؤلاء الرواة الجهال فقد تصوروا أن مفردة ((جد)) في هذه الآية الشريفة بمعنى ((والد الأب)) وأن الجن نسبوا هذه النسبة بجهالتهم الى الله تعالى , ومن هنا ذهبوا الى أن اضافة الكلمة المذكورة الى ((ربنا)) لا يجوز ونسبوا الى الامام القول ببطلان الصلاة مع ذكرها , في حين أن أعاظم المفسرين من الشيعة والسنة يرون أن المعنى الصحيح للعبارة المذكورة هو ما ذكرنا كما أن الشيخ الطبرسي في تفسير ((جوامع الجامع)) يقول : ((تعالى جد ربنا أي : تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد . من قولك: جد فلان في عيني اذا عظم. ومما يؤيد هذا المطلب أن دعاء التوحيد المعروف بالجوشن الكبير يذكر هذه العبارة عن رسول الله أيضا حيث يقول : يا من تبارك اسمه , يا من تعالى جده , يا من لا اله غيره.
وعلى هذا الاساس يتبين زيف هاتين الروايتين وجهل رواتها باللغة العربية وبكتاب الله المجيد ودعاء النبي الأكرم (ص).
4 – ومن الروايات الخرافية التي أوردها صاحب الوسائل في كتابه وتلقاها الفقهاء بالقبول وأفتوا على ضوئها !! ما يقرر بصراحة كراهة الصلاة عند طلوع الشمس وذلك بسبب أنها تطلع بين قرني الشيطان:
((قال رجل لأبي عبدالله (ع) : إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان . قال : نعم. إن إبليس اتخذ عرشاً بين السماء والارض فاذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال ابليس لشياطينه : إن بني آدم يصلون لي)) [5]
وورد هذا المعنى أيضا في الحديث (7) و (9) من هذا الباب وفيه يقول الرضا (ع): ((لا ينبغي لأحد أن يصلي اذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان)) وفي آخر ((بين قرني الشيطان))!
وبطلان هذه الروايات لا يحتاج الى مزيد بيان لدى العقلاء , مضافاً الى عدم وجود رابطة بين طلوع الشمس وعدم الصلاة حتى على فرض أنها تطلع بين قرني الشيطان . فهل يصلي المسلم حينذاك الى الشيطان؟! وما علاقة طلوع الشمس أو غروبها بالشيطان؟ وأين قرن الشيطان (على فرض أن له قرن)؟
ورغم وضوح زيف هذه الروايات الا أن دورها في تخريف عقول العوام وتكريس الجهل والوهم في أذهان المسلمين كبير جداً . ومثل هذه القصص والحكايات الخرافية موجودة في كتب أهل السنة أيضا , ولذلك نجد أن أهل البيت (ع) دعوا شيعتهم الى عدم الاعتناء بهذه الاقوال والروايات , ومن ذلك ما يرويه صاحب الوسائل في الباب نفسه أن الامام (ع) قال في جوابه عن مسائل محمد بن عثمان العمريّ: ((وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلإن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان , فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة , فصلّها وارغم أنف الشيطان)) [6]
وأضاف صاحب الوسائل في نهاية هذا الحديث ((أقول : قد رجّح الصدوق هذا الحديث على النهي السابق)) وأقول لصاحب الوسائل : مع وجود هذا الحديث يتبين كذب الاحاديث السابقة لأنه لا يصدر حديثان متناقضان الى هذه الدرجة من الائمة المعصومين (ع) , أفما كان الأجدر أن لا تنقل تلك الاحاديث الباطلة والمعلوم كذبها في كتابك وخاصة أنها منسوبة لأهل البيت (ع) وفي ذلك وهن لعقيدة العقلاء بالائمة وتكريس للجهل والخرافة لدى العوام؟!
5 – وأورد الشيخ الحر العاملي في كتاب التجارة من وسائل الشيعة :
محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب جعفر بن محمد بن سنان الدهقان, عن عبيد الله , عن درست (بن أبي منصور) , عن عبدالحميد أبي العلا, عن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه , قال رسول الله (ص): من انهمك في طلب النحو سلب عنه الخشوع [7].
ولا شك في وضع هذا الحديث لأنه مضافا الى أن درست بن ابي منصور كان واقفي المذهب وغير مقبول الرواية ((كما ذكر ذلك العلامة الحلي والمامقاني)) فان علم النحو أساسا لم يكن معروفا في زمان رسول الله وقد اتفق علماء الشيعة والسنة على أن هذا العلم برز الى الوجود بعد صدر الاسلام فلا يعقل أن يدرك المخاطبون معنى هذا الحديث من رسول الله في ذلك الوقت . وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله أنه قال : إنا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.
والجدير بالذكر أن محمد بن ادريس الحلي قد ذكر في آخر كتابه ((السرائر)) بعض أخبار الآحاد ولكنه لم يعتمد على أي منها بل أنكر بعضها بصراحة ولا سيما أنه في بداية كتابه يقول بأن أخبار الآحاد غير حجة: ((لا أعرج على أخبار الآحاد فهل هدم الاسلام الاّهي؟)).
إذن فمثل هذا الخبر الواحد الذي لا يعتمد على سنده علماء الرجال ولا ينسجم مضمونه مع تاريخ علم النحو لا ينسجم كذلك مع ذوق محمد بن ادريس .
6 – وأورد الشيخ الحر العاملي في كتاب الطهارة من وسائل الشيعة هذه الرواية:
محمد بن يعقوب , عن محمد بن يحيى , عن أحمد بن عيسى , عن محمد بن اسماعيل بن بزيع , عن أبي اسماعيل السراج عن هارون بن خارجة , قال : سمعت أبا عبدالله – عليه السلام – يقول من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ! فقلت له : من بر الناس وفاجرهم ! قال من بر الناس وفاجرهم[8]!
وهذه الرواية أيضا مخالفة لعشرات الآيات القرآنية الكريمة التي تصرح بأن الانسان وعمله مقرونان ولا ينفع الانسان في الآخرة الا عمله . )كل امرءٍ بما كسب رهين( (الطور/21) وأيضا )ليس للانسان إلاّ ما سعى( (النجم/39) اذن فالارض لا يمكنها أن تضمن أمن وسلامة المجرمين والعاصين بل إنّ الأعمال الصالحة والخيرة هي التي بامكانها انقاذ الانسان من النار والعذاب الأخروي كما يصرح القرآن الكريم بذلك:
)من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون . ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون الا ما كنتم تعملون( (النحل/89 و 90) وما أكثر المجرمين من بني اميه والنواصب من اعداء أهل البيت دفنوا في الحرم الشريف فهل يعني ذلك أن دفنهم في هذا المكان يضمن لهم الأمن والأمان من عذاب يوم القيامة؟
فهذه الرواية تقرر أن السعادة والأمان في الآخرة امور اعتبارية وليست لها جذور في الواقع والحقيقة , في حين أن العذاب والثواب الأخرويين ينبعان من واقع النفس الانسانية والاعمال الصالحة والطالحة الذي عملها هذا الانسان في حياته الدنيا ولا علاقة لها بمكان الدفن , وهذا المعنى ورد في موارد مختلفة من القرآن الكريم والسنة الشريفة بحيث لا نجد ضرورة لاستعراض ما ورد في هذا المعنى لوضوحه لطلاب الحقيقة وأهل الفضل. وهكذا الكلام فيما ورد عن الأمن من العذاب لأموات وادي السلام في النجف الاشرف.
7 – وذكر الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة روايات متناقضة غير قابلة للجمع ولابد أن تكون بعضها باطلة . والملفت للنظر أن الشيخ يرى عادةً في علاج هذه الموارد أن يحمل أحدها على التقية ولكن حتى هذا الطريق للعلاج قد لا ينفع احيانا , ومع ذلك فان الشيخ العاملي الأخباري المسلك غير مستعد لطرحها والاعتراف ببطلانها , واليك نماذج من ذلك من هذه الروايات :
محمد بن الحسن (الطوس) بإسناده عن سعد بن عبدالله , عن الحسن بن علي بن ابراهيم بن محمد عن جده ابراهيم بن محمد , إن محمد بن عبدالرحمن الهمداني كتب الى أبي الحسن الثالث – عليه السلام – يسأله عن الوضوء للصلوة في غسل الجمعة , فكتب : لا وضوء للصلوة في غسل الجمعة ولا غيره[9].
ومع وجود هذه الرواية نرى أن الشيخ الحر العاملي يذكر في ذيلها:
قال الكليني وروى أنه ليس شيء من الغسل فيه وضوء إلا غسل يوم الجمعة فإن قبله وضوء[10]!
وبديهي أن رواية الشيخ الكليني لا تجتمع مع رواية الشيخ الطوسي ولا يمكن حمل أحدهما على التقية لأن أيّاً منهما غير موافق لفتاوى أئمة أهل السنة لأن الفقهاء الأربعة ذهبوا الى أن موارد وجوب الوضوء لا ينفع الغسل سواء كان غسل الجمعة أو غيره .
8 – وأورد الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة ما يلي:
محمد بن يعقوب , عن علي بن إبراهيم , عن أبيه , عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري , عن جميل بن دراج , عن أبي عبدالله – عليه السلام – في زيارة القبور قال : إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا[11].
وفي مكان آخر ذكر الشيخ الحر العاملي رواية آخرى في كتاب الطهارة من وسائل الشيعة وهي :
محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان بن يحيى , قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر – عليه السلام – : بلغني أن المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا انصرف عنه استوحش ! قال : لا يستوحش[12]!
فنرى أن راوي هذا الحديث نقل مضمون رواية الامام الصادق (ع) الى ولده الامام الكاظم (ع) وقد ردّه الامام الكاظم (ع) وكذّب هذا الحديث , فهل يمكن صدور هاتين الروايتين المتناقضتين عن أهل البيت أو يمكن أن تكون أقوال ألائمة متفاوتة الى هذا الحد ؟
إن الشيخ الحر العاملي , الذي لا يريد أن يغض بصره حتى عن الروايات المتناقضة , فكر في حل هذه المشكلة وذكر في ذيل رواية الكليني:
((أقول : هذا مخصوص ببعض الزائرين دون بعض)).
في حين أن هذا التقسيم لم يرد في الرواية , ولو كان هذا التبرير المذكور صحيحا لزم أن يبين الامام الكاظم هذا المعنى للراوي مع أنه نفى الرواية من أساسها.
والعجيب من العالم الاخباري الذي يتصرف كما يحلو له في معنى الرواية ويضيف اليها ما ليس فيها , فانه بلا شك أن إحدى هاتين الروايتين باطلة قطعا ويمكن أن ندعى أن كلا الروايتين مجعولتان ((أي أن الأموات أساسا لا يأنسون بمن يزورهم من البشر الأحياء)).
9 ـ ونقل صاحب الوسائل في كتابه هذا عدة روايات في فضيلة النعل الاصفر وكراهة النعل الاسود , وقال:
((عن أبي عبدالله (ع) (في حديث) قال : فقلت له : فما ألبس من النّعال؟ قال : عليك بالصفراء فان فيها ثلاث خصال : تجلو البصر , وتشدّ الذكر , وتنفي الهمّ, وهي مع ذلك من لباس النبيين)) [13]
وعن كراهة لبس النعل السوداء يقول:
((عن عبيد بن زرارة قال: رآني أبوعبدالله (ع) وعليّ نعل سوداء فقال : يا عبيد مالك وللنعل السوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال: ترخي الذكر وتضعف البصر وهي أغلى ثمنا من غيرها وأن الرجل يلبسها وما يملك الا أهله وولده فيبعثه الله جباراً)) [14] ومثله في حديث قبله.
أقول: لو لا أن السائد في الحوزات العلمية أن مراجع الدين والمجتهدين يلبسون الحذاء الاصفر لما ظننت أن عاقلا يصدق بهذه الروايات الخرافية والاحاديث الكاذبة. فما علاقة الحذاء بقوة البصر أو زيادة الشهوة الجنسية؟ والأنكى من ذلك أن الله تعالى يبعثه جباراً ويحشره مع المتكبرين في جهنم وبئس المصير لمجرد أنه كان يلبس الحذاء الاسود!!
هذه هي أحاديثنا ورواياتنا في مصادرنا الروائية , فالى متى نظل نبحث عن الروايات الخرافية لدى أهل السنة ونستخدمها كذريعة للتشهير بهم وبكتبهم ونغض النظر عما ورد بأضعاف مضاعفة في كتبنا الروائية من الخرافات والاكاذيب بل نعتقد بصحتها ونلتزم بمضمونها؟!
10 ـ بالنسبة الى حقوق المرأة والتعامل معها . أورد العاملي في ((الوسائل)) روايات مجحفة وظالمة بحقّ المرأة , وقد استند اليها الفقهاء أيضاً في فتاواهم وآرائهم منها:
((عن أبي جعفر (ع) قال : جاءت امرأة الى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله (ص) ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها : أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدّق من بيته الاّ بإذنه ولا تصوم تطوعا الاّ باذنه وإن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الارض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها. قالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل؟ قال : والده . قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة ؟ قال: زوجها. قالت : فما لي عليه من الحق مثل ماله عليّ؟ قال: لا ولا من كل مائة واحدة)) [15]
وفي رواية أخرى عن الامام الصادق (ع) في امرأة جاءت الى رسول الله (ص) وسألته هذا السؤال (ما حق الزوج على المرأة)؟ فقال : ((أن تجيبه الى حاجته وإن كانت على قتب ولا تعطي شيئا الاّ باذنه فان فعلت فعليها الوزر وله الأجر ولا تبيت ليلة وهو علهيا ساخط . قالت : يا رسول الله (ص) وإن كان ظالما؟ قال: نعم ... ))
وغير ذلك من الروايات التي تهدر حقوق المرأة ولا ترى لها شأنا أمام الرجل وكأنها جارية أو خادمة, بل إن شأن الخادمة أكبر بكثير من شأن الزوجة حيث بامكان الخادمة التخلص من هذه العبودية والعودة الى بيتها بينما الزوجة تعاني من كل هذا الاذلال والمهانة ولاخلاص لها . ونتساءل : من أين للرجل كل هذه الحقوق على المرأة؟ أليس عقد الزواج مشترك بينهما وحسب الفرض أن المرأة مساوية للرجل في الانسانية كما يقول تعالي )خلقكم من نفس واحدة( [16]
ولماذا تلعنها جميع ملائكة السماوات والأرض اذا خرجت لبعض حاجاتها ولشراء ما يلزم للبيت أو لزيارة والدتها وأرحامها وكان زوجها غائباً لا تستطيع الاستئذان منه؟ هل يعقل أن يبلغ خطؤها في خروجها بغير اذن هذا المبلغ من الاثم؟
ثم إن الرواية صريحة في أن حق الزوج أعظم بكثير من حق المرأة (ولا من كل مائة واحدة) وهو خلاف ما ورد في القرآن الكريم من تقرير أصل المساواة في الحقوق بينهما: )ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف( [17]
بل إن الرواية الثانية تؤيد الرجل وإن كان ظالماً للمرأة , أي حتى لو كان الزوج سيء الخلق وقد ضرب زوجته بدون سبب ونام غاضباً عليها فعلى هذه المرأة المسكينة أن تسترضيه وتذلل نفسها له وتقبّل يده ورجليه حتى يرضى ! فاين هذا من عدالة الاسلام وأن ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) [18]؟!
من هنا نقرأ في رواية اخرى في هذا الجزء من الوسائل أن امرأة لما سمعت من رسول الله (ص) بهذه الحقوق المهيمنة قالت : ((فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري ويطعمها من الجوع واذا اذنبت غفرلها. قالت: فليس لها عليه شيء غير هذا ؟ قال : لا . قالت: لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولّت . فقال النبي (ص) : ارجعي فرجعت. فقال : إن الله عزوجل يقول : وإن يستعففن خير لهن))[19]
هنا نرى أن حقّ المرأة لا يتجاوز حق الجارية والأمة , أي لابد أن تتحول المرأة الى أمة تخدم الزوج وتسهر على راحته ولذته في مقابل اطعامها وكسوتها!! وهذا الحق الباهر من أبسط حقوق الحيوان أيضا , فان صاحب الحيوان , حتى الكلب والهرّة فضلا عن الانعام والدواب , يجب عليه اطعام حيواناته ويسامحها اذا اخطأت ولولا اللباس الطبيعي لها من الصوف للغنم أو الريش للدجاج لوجب عليه أيضا أن يكسوها , وقد ورد في النبوي المشهور ((أن امرأة (لاحظ امرأة) دخلت النار لهرّة حبستها فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من حشاش الارض)), وعليه فلا ينبغي أن نتعجب اذا رفضت هذه المرأة الزواج (لا والله لا تزوجت أبدا)) ثأرا لكرامتها واعزازا لانسانيتها لا سيما اذا وقعت بيد زوج سيء الخلق كما هو الغالب . وكأن رسول الله (ص) في هذا الحديث أقرها على هذا التصميم وأيدها على هذا القرار حيث قال : ((وإن يستعففن خير لهن
)) وهذا المعنى مخالف لضروريات الدين الاسلامي الذي أكد كثيرا على الزواج وأنه تصف الدين وأنه لا رهبانية في الاسلام وأنه دين الفطرة وامثال ذلك من النصوص المتواترة في هذا الشأن .
ومن الروايات المهينة التي ينقلها صاحب الوسائل في هذا الباب , والتي تتناقض مع ما كان رسول الله (ص) يتمتع به من اخلاق وحبّ ورحمة لا سيما تجاه النساء , ما ورد في باب وجوب طاعة الزوج على المرأة:
((عن أبي جعفر (ع) قال : خرج رسول الله (ص) يوم النحر الى ظهر المدينة على جبل عاري الجسم فمرّ بالنساء فوقف عليهنّ ثم قال: يا معشر النساء تصدّقن وأطعن أزواجكنّ فان اكثر كنّ في النار . فلما سمعن ذلك بكين ثم قامت اليه أمراة منهن فقالت : يا رسول الله (ص) في النار مع الكفار والله ما نحن بكفار؟! فقال لها رسول الله (ص) انكنّ كافرات بحق أزواجكن)) [20]
هل أن هذا الكلام يتفق مع خلق رسول الله (ص) ورحمته وعطفه على الضعفاء لا سيما النساء وهو الذي بعث ليبشر المؤمنين وينذر الكافرين ؟! وهل أن الكفر بحق الزوج يساوق الكفر بحق الله العظيم حتى تكون النتيجة واحدة وهي العذاب اليم في جهنم؟ وماذا لو كان الرجال كفارا بحق زوجاتهم ـ كما هو الغالب؟ ثم إن الحقوق المذكورة للازواج على زوجاتهم من الكثرة والشدة بحيث لا تستطيع أي امرأة من الخروج من عهدتها مهما بذلت من جهد ومذلة في خدمة الزوج , لأن الروايات التي يرويها صاحب الوسائل تقول في تعظيم حق الزوج: ((قال رسول الله (ص) : لو أمرت احدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) [21]
وهكذا نرى أن مثل هذه الروايات المزيفة والمنسوبة الى رسول الله (ص) كذبا وبهتانا تصعد بالزوج , بدون مبرر معقول ـ الى درجة الآلهة التي ينبغي السجود لها , ولا نعلم لماذا كان الرجل الى هذه الدرجة من الشرف والرفعة بحيث تسجد له المرأة؟ ولماذا لم يكن حق الاب والام الى هذه الدرجة وهما أولى بالابناء من كل انسان آخر ؟ هذا ونحن لا نرى في القرآن الكريم مثل هذا الشأن للازواج على الزوجات بل تقرأ الاهتمام بحق الوالدين في موارد كثيرة من الكتاب العزيز دون الازواج بحيث قرنهما الله تعالى بعبادته وتوحيده:
((لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا)) [22]
((وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا)) [23]
ثم لماذا لم يكن حق النبي (ص) على النساء مثل هذا الحق وهو الذي انقذ الناس من أجواء الضلالة والنار الى أجواء الهداية والجنة؟ وهل يعقل أن يكون الغذاء المادي الذي يأتي به الرجل الى زوجته أعظم من غذاء الروح الذي يأتي به النبي الى أمته؟ فاذا كانت المسألة هي حماية الرجل للمرأة واطعامه لها فقد كانت كذلك في بيت والدها , فلماذا لا يكون له مثل هذا الحق العظيم؟ّ
على أية حال فنحن لا نرى في مثل هذه الروايات سوى تحقير المرأة والحط من شأنها ومنح الرجل الجرأة والكبر على المرأة وتحريك عنصر الفخر والغرور تجاهها , والنتيجة أن مثل هذه الروايات لا تصلح الرجل ولا ترضي المرأة بل من شأنها أن تعطي نتائج عكسية تماما وتعمل على توهين عرى الحب والمودة بين الزوجين.

[1]- وسائل الشيعة , ج 1 , ص 77 و ج 1 , ص 100
[2]- وسائل الشيعة , ج 1, ص 194
[3]- وسائل الشيعة , ج 1 , ص 415
[4]- وسائل الشيعة , ج 1 , ص 415
[5]- وسائل الشيعة , ج 3 , أبواب المواقيت , الباب 38 , ح 4 , ص 171
[6]- نفس المصدر : ح 8
[7]- وسائل الشيعة , ج 2 , كتاب التجارة , ص 607
[8]- وسائل الشيعة , ج 1 , كتاب الطهارة, ص 203
[9]- وسائل الشيعة , ج 1 , كتاب الطهارة , ص 146
[10]- وسائل الشيعة , ج 1 , كتاب الطهارة , ص 146
[11]- وسائل الشيعة , ج 1 , كتاب الطهارة , ص 210
[12]- وسائل الشيعة , ج 1 , كتاب الطهارة , ص 210
[13]- وسائل الشيعة , ج 3 , ابواب احكام الملابس , ص 387, الباب 40 , ح3.
[14]- نفس المصدر , الباب 38 , ص 386, ح 1 - 3
[15]- وسائل الشيعة , ج 14 , كتاب النكاح , ص 112 , ح 1
[16]- النساء: 1
[17]- البقرة: 228
[18]- التوبة : 71
[19] ـ المصدر السابق : باب (84) كراهة ترك المرأة التزوج , ح 3
[20] ـ المصدر نفسه , الباب 91 , ح 3 , ص 126
[21]ـ المصدر نفسه , الباب 81 , ح 1 , ص 115
[22] ـ البقرة: 83
[23] ـ الاسراء : 23










 
قديم 23-12-13, 07:34 AM   رقم المشاركة : 2
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road




نقد أحاديث تفسير القرآن



أحمد القبانجي


إن تفسير القرآن الكريم يعد بين العلوم الاسلامية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية , وقد استخدم علماء الاسلام مناهج متنوعة في تفسيرهم للقرآن الكريم , وأفضل منهج هو تفسير القرآن بالقرآن أي أن المفسر يسعى لرفع اجمال الآية أو ابهام مضمونها بالاستمداد بالآيات الأخرى لاستجلاء المعنى الحقيقي للآية الشريفة . وهذا هو المنهج الذي استخدمه رسول الله كما ورد في كتب التفسير عن معنى كلمة ((ظُلم)) في الآية 83 من سورة الأنعام . الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم... حيث استعان بالآية 13 من سورة لقمان إن الشرك لظلم عظيم حيث فسر الظلم بالشرك.
إن سياق سورة الانعام التي تحكي عن مناظرة ابراهيم الخليل (ع) مع المشركين تؤيد هذا التفسير أيضا . ومن هنا فأن رسول الله وبهذه الطريقة علّم المسلمين كيف يستخرجون مراد الآية الكريمة بالمقارنة مع الآيات الأخرى ويفهموا مقاصدها.
ولكن بعض محدثي الشيعة الذين يميلون الى ((الاخبارية)) سلكوا طريقا آخر لتفسير القرآن الكريم وهو ((تفسير القرآن بالروايات)) أي أن فهم الآيات لا يتسنى للمسلمين الا بالرجوع الى الروايات التفسيرية الواردة عن أئمة أهل البيت والاعتماد عليها مطلقا . وهذا المنهج يواجه اشكالا أساسياً , وهو أن الاحاديث المتواترة الواردة عن الأئمة تقرر عرض الحديث على القرآن الكريم لمعرفة صحته من سقمه لا أن تكون الأحاديث مفسرة بالقرآن الكريم . مضافا الى ذلك أن القرآن الكريم يفهم من خلال التدبر والا فكيف يكون هو المعيار لتشخيص الأحاديث الصحيحة من السقيمة؟ وبعبارة أخرى أن فهمنا للحديث الفلاني وأنه موافق للقرآن أم لا متفرع على فهمنا للقرآن الكريم بنفسه.
وقد وردت في القرآن الكريم تأكيدات كثيرة على مسألة التدبر في فهم الآيات الشريفة كما قال تعالى : كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب (ص/29) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (محمد/24) أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء/83) أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين (المؤمنون/68)...
ومع ذلك فأن بعض المحدثين من علماء الامامية الاخباريين اشتغلوا بجمع الروايات التفسيرية الصحيح منها والسقيم وكتبوا في تفسير القرآن بواسطة الروايات, ومن جملة هذه التفاسير تفسير علي بن ابراهيم القمي وتفسير محمد بن مسعود العياشي وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني , وتفسير الوافي للفيض الكاشاني. هنا نذكر بعض النماذج من هذه الروايات التفسيرية المذكورة في الكتب الحديثية ونسعى لنقدها وبيان مخالفتها للقرآن الكريم, ومع الأسف فإنّ المصادر الروائية تتضمن أحاديث كثيرة من هذا القبيل.

نماذج من التفسير الروائي:
1 – جاء في تفسير علي بن ابراهيم القمي في ذيل الآية الشريفة إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها (البقرة/26)
((حدثني أبي , عن النضر بن سويد , عن القاسم بن سليمان , عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبدالله – عليه السلام – إنّ هذا المثل ضربه الله لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب فالبعوضة أميرالمؤمنين وما فوقها رسول الله والدليل على ذلك قوله : ((فاما الذين أمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم )) يعني أميرالمؤمنين كما أخذ رسول الله الميثاق عليهم ))
ونلاحظ على هذا التفسير العجيب:
أولا: إن معلى بن خنيس الذي يروي هذا الحديث عن الامام الصادق مباشرةً غير موثق لدى علماء الرجال , فالنجاشي يقول في حقه : هو ضعيف جدا لا يعول عليه . ويقول ابن الغضائري كما ينقل العلامة الحلي عنه : الغلاة يضيفون اليه كثيرا ولا أرى اعتمادا على شيء من حديثه . وعلى هذا الأساس فان معلى بن خنيس لو كان نفسه مورد ثقة أيضا فمع ذلك فالأحاديث التي يرويها مشكوك فيها لأنها وقعت في معرض التحريف . أما بالنسبة الى الراوي الثاني ((قاسم بن سليمان)) فحاله ليس أفضل من الراوي الأول , فالمامقاني يقول عنه : ((قد ضعف الرجل غير واحد)) )) . فهل يبقى اعتبار لصدر الرواية بمثل هذا السند عن الامام الصادق (ع)؟
ثانيا : إن الآية محل البحث جاءت في مقام التحقير وبيان المورد التافه لا التجليل والتعظيم حيث تقول ان الله لا يستحي من أجل هداية الناس أن يمثل بشيء حقير وتافه كالبعوضة كما نقرأ في سور قرآنية أخرى التمثيل بالعنكبوت , فهنا يعد تمثيل الامام علي بالبعوضة نوعاً من الاهانة الصريحة لمقام هذا الامام العظيم وخاصّة أن المفسرين يرون أن عبارة ((فما فوقها)) المذكورة في الآية الشريفة تشير الى تفاهة البعوضة كما ذكر الشيخ الطبرسي ذلك في تفسير ((مجمع البيان)) : قيل فما فوقها في الصغر والقلة لأن المعيار هاهنا الصغر . وهذا التفسير صحيح في نظرنا لأن الله تعالى الذي لا يستحي أن يمثل بموجود حقير كالبعوضة فبطريق أولى لا يستحي أن يمثل بموجودات أكبر منها كالأسد والجمل والفيل وامثال ذلك . فلا يبقى معنى لذكر هذا الموضوع في عبارة ((فما فوقها)) أما لو قلنا مثلا أن شخصا قال بأنني لا أستحي من اعطاء درهم لفقير فلا معنى لأن يقول أنني لا أستحي أيضا من اعطاء مال أكثر من هذا المبلغ , ولكنه يصح أن يقول إنني لا أستحي من اعطاء درهم فما دونه, أي أنني لا أستحي من اعطاء نصف درهم أو أقل .
ومع هذا التوضيح يكون مصداق ((فما فوقها)) هو رسول الله حسب هذا التفسير حيث أن مقام الرسول الأكرم (ص) يكون أقل وأدنى من مقام أميرالمؤمنين (ع) , فهذا المعنى مخالف لضروريات الاسلام وكلام علي بن ابي طالب نفسه.
مضافا الى ذلك فاننا نرى أن متن الرواية يشهد على كذب هذا التفسير ولا يثبت المدعى بأي وجه , فالامام (ع) أسمى من أن يكرر مدعاه حين الاستدلال فيكون مصادرة على المطلوب كما يقال , أما بقية الآية الشريفة فتقول : ((فاما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم)) فما هي علاقة هذا الكلام بمقولة أن المراد من البعوضة هو أميرالمؤمنين؟
2 – ورد في تفسير ((محمد بن مسعود العياشي)) في ذيل الآية الشريفة : يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم (البقرة/47)
عن هارون بن محمد الحلبي قال : سألت أباعبدالله عن قول الله : يا بني اسرائيل , قال : هم نحن خاصّة.
وفي ذيل هذه الرواية يقول : عن محمد بن علي عن ابي عبد الله قال : سألته عن قوله ((يا بني اسرائيل)) قال : هي خاصّة بآل محمد.
ثم يقول : عن أبي داوود عمّن سمع رسول الله يقول : أنا عبدالله اسمي أحمد وأنا عبدالله اسمي اسرائيل.
أما عن هذا التفسير العجيب والغريب فلابد من القول :
أولا : أن محمد بن مسعود العياشي رغم كونه مورد وثوق علماء الامامية ولكن جميع رواته ليسوا من الثقاة. فالنجاشي يقول في حقه : كان يروي عن الضعفاء كثيرا. ويقول العلامة الحلي أيضا في حال العياشي هذا التعبير كذلك . وأما مورد الكلام في سند الروايات المذكورة هنا فأن ((هارون بن محمد)) رجل مجهول في كتب الرجال , وذكر البعض أنه ((الحلبي)) وليس أحد منهم ((هارون بن محمد)) وفي الرواية الثانية أيضا لم يذكر السند كاملا بل حذف بعضه وتم ارساله , وفي الرواية الثالثة نقرأ عبارة ((عمن سمع رسول الله )) ولا يعلن من هو الراوي هذا ؟ وعليه فأن سند رواية العياشي لا يمكن الاعتماد عليه .
ثانيا : إنّ مدلول رواية العياشي تافه جدا , لأنه لو قبلنا أن اسم رسول الله هو اسرائيل وقبلنا أن آل محمد هم بنو اسرائيل المذكورون في القرآن الكريم , فسنواجه مشكلة أكبر , وهذه المشكلة هي أن القرآن الكريم يذكر في سورة البقرة نفسها أنه يذم بني اسرائيل بشدة ويخاطبهم الله تعالى من موقع التقريع والتوبيخ فيقول : وآمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم ولا تكونوا أوّل كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإيّاي فاتّقون (البقرة/48)
وكذلك يتحدث القرآن عن فساد بني اسرائيل ويقول:
وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا...  (الاسراء/3)
فمع وجود هذه الآيات الشريفة كيف يمكن للشخص أن يدعي أن المراد من ((بني اسرائيل)) هم آل محمد؟ ألا يُعد هذا الكلام إهانة لهؤلاء الأولياء العظماء ؟
وأساسا في أي كتاب من كتب التاريخ والسير سمي رسول الله باسرائيل ليكون آل محمد بني اسرائيل ؟ أليس هذا من أوضح الأكاذيب؟
3 – ويذكر محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بالنسبة الى الآية الكريمة آمن الرسول بما انزل اليه من ربه (البقره/285) حديثا عن الامام الصادق عليه السلام يذكر فيه:
((إن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كان نائما في ظل الكعبة فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء من الجنة فأيقظه وأمره أن يغتسل به ثم وضعه في محمل , له ألف ألف لون من نور ثم صعد به حتى انتهى الى أبواب السماء فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب السماء وقالت : إلهين , إله في الأرض وإله في السماء ! ))
هذه الرواية المضحكة لا اعتبار لها سندا ولا دلالة لأنه : أولا : إن الراوي لها هو ((عبدالصمد بن بشير)) وهو رجل مجهول الهوية ولا أثر له في كتب الرجال.
ثانيا : إن هذه الرواية تعتبر الملائكة مجموعة من الجهلاء الذين لا يعرفون الله تعالى لأنها تدعي أن الملائكة بمجرد أن رأوا رسول الله ظنوا أنهم أمام إله جديد صعد من الأرض . وهذا الكلام يحكي بذاته عن جهالة الراوي بتعاليم القرآن الكريم الذي يصرح أن جميع الملائكة هم من الموحدين كما تقول الآية في سورة آل عمران:
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم (آل عمران/18) ولكن رواية ابن بشير هذه ترى بأن الملائكة من المشركين , بينما الآية محل البحث وهي 285 من سورة البقرة تقرر أن الايمان بالملائكة واجب بعد الايمان بالله تعالى , والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله  (البقره/285) والأنكى من ذلك أن الرواية المذكورة تذكر في ذيلها :
ومر النبي (ص) حتى انتهى الى السماء الرابعة فإذا هو بملك وهو على سرير , تحت يده ثلاثمائة ألف ملك’ تحت كل ملك ثلاثمائة الف ملك. فهمّ النبي (ص) بالسجود وظن أنه ! فنودي أن قم فقام الملك على رجليه , قال : فعلم النبي (ص) إنه عبد مخلوق! فلا يزال قائما إلى يوم القيامة !
وكما ترى فان هذه الرواية الخرافية تقرر أن النبي الأكرم جاهل أيضا بالله تعالى مضافا الى الملائكة , وتقول بأن النبي كان قد عزم على السجود للملك بتصور أنه الله تعالى . فهل ينبغي على المؤمن قبول مثل هذا الحديث الخرافي وقبول نسبته الى الامام الصادق (ع) وهل ينبغي تفسير القرآن الكريم بمثل هذه الأباطيل والخزعبلات ؟ أو يجب الاعتراف بكذب هذه الأحاديث وتطهير كتب المسلمين منها؟
4 – ما ورد في تفسير الآيات الشريفة والذي يكثر ذكره في كتب علماء الشيعة ومفسّريهم , هو حديث ((علم الكتاب)) في قوله تعالى:
قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (الرعد/43)
فقد أورد الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم , عن أبيه ومحمد بن يحيى , عن محمد بن الحسن , عمن ذكره جميعاً , عن ابن أبي عمير , عن ابن اذينه , عن بريد بن معاوية قال : ((قلت لأبي جعفر (ع): ((قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب))؟ قال : إيانا عنى وعليّ أولنا وافضلنا وخيرنا بعد النبي))
وهذا الحديث من جملة الاحاديث الخرافية الموضوعة التي نسبها الغلاة الى أهل البيت (ع) فالآية المذكورة آية مكية وقد حذف الراوي الكذاب صدرها , وهو قوله تعالى:
((ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب))
في هذه الآية الشريفة يتحدث القرآن الكريم عن قول الكفار والمشركين في انكارهم لرسالة النبي الاكرم (ص) , فالآية خطاب لكفار مكة وتقرر هذا المعنى , وهو أن شهادة الله ومن عنده علم الكتاب تكفيان للدلالة على انني مرسلا من قبل الله تعالى , ومعلوم أن شهادة الله بنبوة النبي هو اجراء المعجز على يديه , وهو هنا القرآن نفسه. والآخر شهادة أهل الكتاب بنبوة نبينا الكريم (ص) و لما يجدونه عندهم وفي كتبهم السماوية من صفات هذا النبي وعلائم بعثته , فهنا تريد هذه الآية الشريفة أن تقول للكفار والمشركين في مكة إنكم إذا لم تصدقوا قول هذا النبي فاسألوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى يخبروكم بأنه نبي وأنه مكتوب عندهم في التوراة والانجيل , ونعلم أيضا أن الامام علي (ع) كان له من العمر في ذلك الوقت عشر سنوات أو 13 سنة , أي كان صبياً لم يبلغ الحلم, فهل يعقل أن يقول النبي الاكرم (ص) لكفار مكة أنكم اذا لم تصدقوني في رسالتي فاسألوا هذا الصبي فانه يشهد لكم أني مرسل من الله تعالى؟!
فاذا كان من غير المعقول أن يكون المقصود من الذي عنده علم الكتاب هو علي بن ابي طالب , فبطريق اولى لا يكون مقصود الآية ابناءه وذريته كالامام الباقر (ع) مثلاً , في حين أن الرواية المذكورة تصرح بأنه ((إيانا عنى.. )) فكيف يعقل أن يخاطب النبي (ص) كفار مكة ويقول لهم : اذا كنتم في شك من نبوّتي فاسألوا الامام الباقر من ذريتي الذي سيولد بعد سبعين عاماً؟! هذا أولا.
وثانياً: بالنسبة الى علم الكتاب الذي يعلم به الامام علي (ع) حسب ما تقول الرواية, نتساءل: ما المراد بالكتاب هنا؟ هل هو القرآن الكريم , أي الكتاب التدويني, أو اللوح المحفوظ أي الكتاب التكويني؟ فان كان المراد هو الاول , فبديهي أن الامام علي (ع) لم يكن يعلم به سوى ما نزل من سور و آيات معدودة من القرآن الكريم في مكة ولم يكن يعلم به كله , كيف والنبي نفسه لم يكن يعلم بما سيأتي به الوحي في المستقبل:
((تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا.. ))
وإن كان المقصود علم الكتاب التكويني كما يظهر من بعض الروايات فمعلوم أن الامام علي (ع) في ذلك الوقت لم يصل الى مرتبة الامامة ولم يظهر على يديه المعجزات كما ظهر من ((آصف بن برخيا)) من اتيانه بعرش بلقيس من اليمن بلمحة بصر, ولم يرد في التاريخ أن المشركين توجهوا الى علي بن أبي طالب في ذلك الوقت وطلبوا منه الاتيان بمعجزة لتأييد نبوة ابن عمه , كيف والنبي نفسه لم يدع أنه سيأتيهم بمعجزة غير كتاب الله الكريم , ولو كان المشركين يقتنعون من علي بن أبي طالب بشهادته فبطريق اولى سيقتنعون بادعاء النبي محمد (ص) للنبوة واظهار المعجز على يديه لأنه يعلم بالكتاب التكويني بطريق أولى أيضاً!
والخلاصة أن الآية الشريفة في مقام بيان هذه الحقيقة , وهي أن الكتاب السماوية الثلاثة: التوراة , الانجيل, القرآن , تشهد جميعها بنبوة هذا النبي وتخاطب الكفار الذين قالوا ((لست مرسلا)) بالرجوع الى القرآن من جهة (شهادة الله) والرجوع الى أهل الكتاب من جهة أخرى (التوراة والانجيل) ليعلموا واقع الامر.
ويؤيد ذلك أن القرآن الكريم ذكر هذا المفهوم بوضوح في العديد من آياته الكريمة , منها:
والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما اُنزل اليك
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل
وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تصرح بأن أهل الكتاب كانوا يعلمون بصدق هذا النبي مما يرونه مكتوباً عندهم من علاماته وصفاته , فالتفسير المعقول لهذه الآية مورد البحث هو أنها ترجع المشركين يسألوا أهل الكتاب عن صدق ادعاء نبي الاسلام لا أن يسألوا علي بن أبي طالب أو الامام الباقر (ع), الذي لم يكن قد ولد بعد , عن ذلك كما تدعي الرواية , ولو كان رسول الله (ص) قد دعاهم للسؤال من علي بن أبي طالب وهو لم يبلغ الحلم , أليس من حق المشركين أن يسخروا ويقولوا له : إننا لا نقبل كلامك وانت عندنا الصادق الامين فكيف نقبل بكلام هذا الغلام أو نقبل بكلام من سيأتي بعد هذا الزمان من ذريته؟!
هل يعقل أن يتحدث الامام الباقر (ع) بمثل هذا الكلام؟!
هذا والرواية على أية حال مقطوعة سنداً حيث لم يذكر الرواة فيها جميعاً بل جاء في السند ((عن محمد بن الحسن , عمّن ذكره جميعاً) دون التصريح باسم الراوي المجهول.
5 – وفي تفسير ((البرهان)) للمحدث البحراني نقرأ في ذيل الآية الشريفة:
وإن من شيعته لابراهيم (الصافات/83)
((شرف الدين النجفي قال : روي عن مولانا الصادق – عليه السلام – أنه قال (في) قوله عزوجل : ((وإن من شيعته لابراهيم)) أي ابراهيم (ع) من شيعة علي (ع) !))
ولكن كل شخص يقرأ سورة الصافات يتبين له خطأ هذا التأويل بوضوح حيث يقول تعالى في هذه السورة:
سلام على نوح في العالمين . انا كذلك ننجي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين. ثم اغرقنا الآخرين . وإن من شيعته لابراهيم (الصافات 79 – 83)
وكما تلاحظ أنه لم يرد ذكر للامام علي في الآيات السابقة ليعود الضمير في كلمة ((شيعته)) عليه . أما اسم نوح فقد ورد بصراحة بالآيات الشريفة ويتضح من ذلك أن ابراهيم كان من شيعة نوح حيث قام بنهضته التوحيدية ضد الشرك وقوى الانحراف . فهل يصح أن نقول أن كل كلمة ((شيعة)) في القرآن الكريم تشير الى شيعة الامام علي بدون نظر الى السياق في الآيات الكريمة؟ وهل يحق لنا أن ننسب كل هذا التفسير الى أئمة أهل البيت(ع)؟ مضافا الى أن هذه الرواية التي نقلها شرف الدين النجفي ليس لها سند متصل ولا تنسجم مع تعاليم القرآن الكريم.
6 – وذكر المحدث البحراني في تفسير ((البرهان)) ذيل الآية 1 الى 5 من سورة الروم:
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى , عن أحمد بن محمد وعدة من أصحابنا , عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب , عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة , قال : سألت أبا جعفر – عليه السلام – عن قول الله عزوجل : (الم. غلبت الروم في أدنى الأرض) فقال : يا أبا عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمد (ص) أن رسول الله (ص) لما هاجر الى المدينة واظهر الاسلام كتب الى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه الى الاسلام وكتب الى ملك فارس كتابا يدعوه الى الاسلام وبعثه إليه مع رسول , فأما ملك الروم فعظم كتاب رسول الله (ص) وأكرم رسوله , وأما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله (ص) ومزقه واستخف برسوله . وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس فلما غلب ملك فارس ملك الروم كره المسلمون واغتموا به فانزل الله عزوجل بذلك كتابا قرآنا (الم. غلبت الروم في أدنى الأرض) يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي الشامات وما حولها يعني فارس(وهم من بعد غلبهم سيغلبون) يعني يغلبهم المسلمون ( في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) عزوجل . فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزوجل.
قال(أبوعبيدة): يقول ((في بضع سنين)) وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله (ص) وفي إمارة أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر! فقال (ع): ألم أقل لكم إن لهذا تأويلا وتفسيرا؟ والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ! أما تسمع يقول عزوجل : (لله الأمر من قبل ومن بعد) يعني إليه المشيّة في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر في القول يوم يحتم في القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين فذلك قوله عزوجل (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) يوم يحتم القضاء بنصر الله .
وهذا التفسير باطل وسقيم سندا ودلالةً ولا يمكن تصحيحه بأي ملاك ومعيار وقد نقله المحدث البحراني من الشيخ الكليني في روضة الكافي , ولكن سند الشيخ الكليني مخدوش لأن في سلسلة السند نرى ((سهل بن زياد)) والذي يقول عنه النجاشي : كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه وكان أحمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من مدينة قم, وكذلك يقول عنه ابن الغضائري ((نقلا عن العلامة الحلي)) إنه كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب.
إذن فالحديث الذي يرويه سهل بن زياد لا يمكن الوثوق به , واما متن الحديث فلا ينسجم مع القرآن الكريم ولا مع التاريخ لأنه:
أولا: أن هذه الرواية تدعي أن سورة الروم نزلت بعد هجرة الرسول الأكرم الى المدينة وانتصار الاسلام وارسال الكتب الى ملوك الروم وايران , مع أنه باتفاق المفسرين إن السورة المذكورة من السور المكية وقد نزلت قبل هجرة الرسول . ويؤيد ذلك ما روي عن علي (ع) وابن عباس في ترتيب نزول سور القرآن.
ثانيا : إن الضمائر المنفصلة والمتصلة في مقطع ((وهم بعد غلبهم سيغلبون)) تعود الى الرومان أنفسهم باجماع المفسرين لا الى الفرس الذين لم يرد ذكرهم في الآية اطلاقا.
ثالثا: في هذا الحديث ادعي إن الله تعالى أخر وعده أو قدمه مع أنه ورد التصريح في سورة الروم بأن وعد الله لا يتخلف أبدا وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون (الروم/6)
رابعا: إن المدة التي عينها الله في الآية ((بضع سنين)) لم تنسخ اطلاقا , وأما جملة ((لله الامر من قبل ومن بعد)) فليس فيها أدنى دلالة على نسخ المدة أو الترديد في هذا الخبر الغيبي بل تدل على أن الأمور قبل هذه الواقعة وبعدها من الهزيمة والنصر كلها بيد الله وبقضائه وبقدره كما ذكر الشيخ الطوسي هذا المعنى وقال : ((يعني أن كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس الا بامر الله وقضائه)) ولو قيل أن هذه الرواية وتأويلها يتعلق بباطن الآيات ولا علاقة له بظاهرها ولهذا فهذه الاشكالات غير واردة . فالجواب على ذلك هو أنه لماذا تم الرجوع الى ظاهر الآية أيضا في قوله ((لله الأمر من قبل ومن بعد)) في نسخ المدة؟ ومن مجموع ما تقدم من الاشكالات على هذه الرواية يتبين زيفها وبطلانها.
وأما أصل الواقعة كما يحدثنا القرآن الكريم وكتب التواريخ عنها فهي أن النبي الأكرم والمسلمين في مكة وقبل الهجرة الى المدينة اطلعوا على خبر أن جيش الروم الشرقية ((أي البيزانس)) قد نال الهزيمة مقابل جيش الفرس وقد دخل جيش خسروبرويز المدينة الدينية ((بيت المقدس)) واحتلها ((هذه الواقعة حدثت عام 614 للميلاد)) وهذا الخبر قد احزن المسلمين من جهات متعددة وخاصّة أن بيت المقدس في ذلك الزمان كان قبلة للمسلمين . وهنا نزلت آيات سورة الروم لتبشر النبي الأكرم (ص) أن الروم سينتصرون في مدة أكثرها تسع سنوات على الفرس , وهكذا وقعت الأحداث, فبعد تسع سنوات من هذه الواقعة أي في سنة 623 للميلاد هزمت جيوش هرقل ((هراكليوس)) جيش الفرس وقتل في هذه الواقعة ((شاهين)) قائد جيش الفرس وتحرر بيت المقدس . وكانت المدة بين هاتين الواقعتين 9 سنوات تماما وصدق الله العلي العظيم.
7 – ورد في تفسير البرهان للمحدث البحراني في ذيل الآية 130 من سورة الصافات الرواية التالية:
((إبن بابويه قال : حدثنا محمد بن الحسن , قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار , عن محمد بن أحمد , عن ابراهيم بن اسحاق , عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال : قلت لأبي عبدالله – عليه السلام – : جعلت فداك من الآل؟ قال: ذرية محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : قلت : فمن الأل ؟ قال : الأئمة – عليهم السلام – فقلت قوله عزوجل : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ؟ قال : والله ما عنى إلا ابنته )).
وهذه الرواية ضعيفة سندا ودلالةً لأنه:
أولا: جا في سندها ((محمد بن سليمان الديلمي)) الذي يقول عنه النجاشي : ضعيف جدا لا يعول عليه في شيء.
ويقول عنه العلامة الحلي : ضعيف في حديثه مرتفع في مذهبه.
ثانيا : جاء في هذه الرواية أن آل فرعون تعني ابنته مع أن هذا المعنى مخالف لما ورد في القرآن الكريم من قبيل قوله تعالى:
فانجيناكم واغرقنا آل فرعون وانتم تنظرون (البقرة/50)
وأيضا يقول تعالى : واغرقنا آل فرعون وكلاًً كانوا ظالمين (الانفال/54)
ومن جهة أخرى فان آل فرعون الذين غرقوا في اليم لم يكونوا سوى جيش فرعون كما يتحدث القرآن الكريم عن ذلك ويقول:
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين (القصص/40)
وأيضا يقول: فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (طه/78)
وعلى هذا الأساس يكون معنى آل فرعون الذين غرقوا في اليم أو سيواجهون أشد انواع العذاب في القيامة فهو غير منحصر ببنت فرعون فقط كما تدعي الرواية , ولا سيما أن كلمة آل فرعون وردت في الآية مورد البحث مع ضمائر الجمع المذكر كما يقول القرآن الكريم:
وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
8 – وأورد الفيض الكاشاني في كتابه ((الصافي في تفسير القرآن)) في ذيل الآية الأولى من سورة النجم هذه الرواية:
في المجالس عن ابن عباس قال : صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله – صلى الله عليه وآله – فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال : إنه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي وخليفتي والإمام بعدي . فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره وكان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبدالمطلب – عليه السلام – فقال رسول الله – صلى الله عليه و آله – لعلي – عليه السلام – يا علي والذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية والخلافة والامامة بعدي . فقال المنافقون عبدالله بن أبي واصحابه : لقد ضل محمد في محبة ابن عمة وغوى وما ينطق في شأنه إلا بالهوى فأنزل الله تبارك وتعالى: والنجم إذا هوى ...
وهذا الحديث الى درجة من وضوح الكذب والزيف بحيث لا يخفى على أي أحد لأن أصغر كوكب في السماء لا تحويه جميع شبه الجزيرة العربية فكيف سقط في بيت علي واستقر هناك؟ مضافا الى أن سورة النجم مكية باتفاق المفسرين ولكن عبدالله بن أبي وأصحابه من أهل المدينة ومن المنافقين المعروفين في مرحلة ما بعد الهجرة. وأيضا فالعباس عم النبي كان في المرحلة المكية من المشركين باجماع المؤرخين ولم يسلم في ذلك الوقت , وقد أسره المسلمون في واقعة بدر وتحرر بعدها واعتنق الاسلام , فمع هذا الحال كيف يطمع وهو في حال الشرك أن يكون خليفةً لرسول الله؟
أما سند الرواية فنرى في تفسير الصافي أنه محذوف ولكن في المجالس للشيخ الصدوق ((الذي يقال عنه الأمالي أيضا)) ورد بهذه الصورة: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي , قال : حدثنا فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي , قال : حدثني محمد بن أحمد بن علي الهمداني , قال : حدثني الحسين بن علي , قال : حدثني عبدالله بن سعيد الهاشمي , قال : حدثني عبدالواحد بن غياث , قال :حدثني عاصم بن سليمان , قال : حدثنا جوير عن الضحاك عن ابن عباس ... فنرى في هذا السند اشخاصا ضعفاء ((كفرات بن ابراهيم)) ومجاهيل ((كعبدالواحد بن غياث)) فالرواية غير معتبرة سندا.
9 – جاء في كتاب ((الصافي في تفسير القرآن)) للفيض الكاشاني في ذيل الآية سلام على إل ياسين (الصافات/131)
وفي المعاني عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام في هذه الآية قال: ((ياسين محمد ونحن آل ياسين))
وكما نلاحظ أن الفيض الكاشاني لم يذكر جميع سند هذه الرواية عن الامام الصادق بل بدأ من الامام الصادق ولكن أصل السند ورد في كتاب ((معاني الأخبار)) بهذه الصورة:
حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني – رضي الله عنه – قال : حدثنا أبو أحمد عبدالعزيزي بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري , قال: حدثنا محمد بن سهل قال : حدثنا الخضر بن أبي فاطمة البلخي , قال : حدثنا وهب بن رافع , قال : حدثني كادح (وفي بعض النسخ : قادح) عن الصادق جعفر بن محمد , عن أبيه , عن آبائه عن علي عليهم السلام ...
وفي هذا السند نرى أشخاصا مجهولين لدى علماء الرجال , فلم يرد أبدا اسم ((الخضر بن أبي فاطمة البلخي أو كادح أو قادح)) وبالطبع فمثل هذا السند لا يكون موثوقا وقابلا للاعتماد لاسيما أن متن الرواية مخالف للقرآن الكريم لأن الوارد في سورة الصافات هو ((سلام على إل ياسين)) لا سلام على آل ياسين , وإل ياسين هو إلياس النبي حيث تلفظ هذه الكلمة بصورتين مثل كلمة ((طورسيناء)) و ((طور سينين)) حيث ورد بكلا الصورتين في القرآن الكريم في قوله تعالى : وشجرةً تخرج من طور سيناء (المؤمنون/20) و طور سينين (التين/2) وإل ياسين بإضافة الياء والنون هو للتعظيم, أي لتعظيم إسم النبي إلياس وكذلك فصل اللام عن الياء في إلياس حيث جاءت إل ياسين.
والشاهد الجلي على هذا الموضوع هو أن الوارد في سورة الصافات في بداية هذا المقطع الشريف قوله تعالى : وإن إلياس لمن المرسلين ثم نقرأ بعد ذلك : سلام على إل ياسين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين. فلو كان المقصود من ((ال ياسين)) هو آل محمد عليهم السلام لكان اللازم أن يعود عليهم ضمير الجمع لا ضمير المفرد فتكون الآية ((إنهم من عبادنا المؤمنين)) وسياق سورة الصافات أيضا ينبغي أن يكون المراد من ((إل ياسين)) هو إلياس النبي لأن السورة المذكورة ابتدأت بذكر رسالة بعض الأنبياء الالهيين ثم دعوتهم التوحيدية وفي الخاتمة تسلم على ذلك النبي , ولا دليل على أن الآيات عندما تصل الى إلياس النبي تغير من سياقها وتسلّم على آل النبي محمد بعد ذكر إلياس النبي.
10 – وذكر الفيض الكاشاني في كتابه ((الصافي في تفسير القرآن)) ذيل الآية الشريفة: والليل اذا يغشى (الليل/1) هذه الرواية:
القمي عن الباقر – عليه السلام – قال : الليل في هذا الموضع الثاني غشي أميرالمؤمنين – عليه السلام – في دولته التي جرت له عليه واميرالمؤمنين – عليه السلام – يصبر في دولتهم حتى تنقضى .
أما سند هذا الحديث فالظاهر أنه لا اشكال فيه لدى علماء الرجال , ولكنه سقيم من حيث الدلالة لأنه ادعى أن الله تعالى قد أقسم بالخليفة الثاني ((عمر بن الخطاب)) فان دولته وحكومته غطت على أميرالمؤمنين واغتصبت حقه في الخلافة , ومعلوم أن القسم لابد أن يكون بالأشياء المقدسة والنعم المهمة لا بغاصب الخلافة . ففي هذه الآية الشريفة ((والليل اذا يغشى)) يقسم الله تعالى بهذه النعمة العظيمة كما ذكرها في سورة يونس ((الآية 67)) وقال : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه. وأيضا في سورة النمل ((الآية 86)) قال : ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه.
أجل , فان الليل نعمة عظيمة خلقه الله تعالى للانسان والمخلوقات ليستفيدوا وينتفعوا من هدوئه , ومع هذا الحال فما المناسبة لأن ندعي أن المراد من الليل هو القسم بالشخص الذي سلب الراحة والهدوء من المسلمين كما يعتقد الشيعة وغصب حق أميرالمؤمنين وغطاه؟!.
وهنا قد يقال أن مثل هذه الأحاديث ناظرة الى المعنى الباطني للآيات الذي لا ينسجم مع المعنى الظاهري . والجواب هو أن المعنى الباطني مهما كان بعيدا فلابد أن يكون له ارتباط بظاهر الآيات القرآنية , لانه لو تقرر أن لا يكون لهذا المعنى ارتباط اطلاقا بكلام الله ومنفصل عن ظاهر الآيات ففي هذه السورة كيف يمكننا أن ننسب هذا المعنى الى القرآن الكريم ؟ هل أن هذا المعنى يختلف عن المعاني الأخرى التي لا علاقة لها بالقرآن وأجنبية عن مفاهيمه؟ واذا ورد في بعض الروايات أن للقرآن معاني باطنية فان في نفس هذه الروايات يقرر أهل البيت ما لا ينسجم مع ما ذكر للمعنى الباطني : حيث نقرأ في تفسير الصافي نفسه:
((عن أميرالمؤمنين – عليه السلام – قال : ما من آية إلا لها أربعة معان , ظاهر وباطن وحد ومطلع. فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها )).
وكما تلاحظ فإنّ جميع هذه الأمور لها ارتباط معين بظاهر الآيات الكريمة بحيث لا يخفى على ادراك الانسان وفطنته . إن باطن القرآن هو مفهوم الآيات وما يستوحيه الانسان بعقله وادراكه من رموز واسرار عميقة في مضامين الآيات الشريفة لا أنه معنى لا ينسجم مع المفهوم من الآية.
ونقرأ كذلك في تفسير الصافي:
روى العياشي بإسناده عن حمران بن أعين عن أبي جعفر – عليه السلام قال : ((ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم )).
وكذلك نقرأ في هذا التفسير أيضا:
العياشي بإسناده عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية : ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله حد ومطلع . ما يعني بقوله : لها ظهر وبطن؟ قال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله , منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع ...
فكما تلاحظ أن الامام الباقر يقرر أن باطن القرآن هو ((مصاديق الآيات)) التي اذا ظهرت انطبق عليها المفهوم من الآيات الشريفة , وهذا غير ما ذكر من المعاني المخالفة لظاهر الآية الكريمة .
الخلاصة أن باطن القرآن في رواية أهل البيت ورد بمعنيين, أحدهما : ((المطلع)) أو المعنى الكامل للآية القرآنية , والثاني ((التأويل)) أي مصاديق الآيات . وأما من يريد تغيير المراد من الآيات بذريعة الباطن , كأن يفسر الخمر مثلا بالخليفة الفلاني , فهذا المعنى مخالف لما ورد عن أهل البيت عليهم السلام كما نقرأ في تفسير العياشي:
((عن ابي عبدالله – عليه السلام – أنه قيل له : روي عنكم أن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال! فقال : ما كان الله ليخاطب خلقه بما لا يعقلون )).
وبديهي أن ما ذكره الامام الصادق في هذه الرواية يعتبر ((قاعدة كلية)) لها اطلاق شمولي لجميع الحالات والمصاديق وبذلك تخرج جميع التأويلات التعسفية والتفاسير الباطلة.
ولو قيل : أن سند علي بن ابراهيم لا اشكال فيه وتأويل آية ((والليل اذا يغشى)) وردت عن اشخاص ثقاة . فالجواب هو أن مضمون الحديث اذا كان مخالفا للقرآن الكريم فلا ينبغي الاعتناء بوثاقة الراوي كما ذكر هذا المعنى العياشي نفسه في تفسيره :
عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله – عليه السلام – : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به , وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به .
إذن فالميزان القطعي والمعيار السليم في قبول الحديث هو موافقته للقرآن الكريم, فاذا لم يكن الحديث موافقا ومنسجما مع آيات الكتاب الحكيم فلا ينبغي الاعتماد عليه وقبوله حتى لو كان الراوي له ثقة ومن أهل الخير والصلاح.
11 – ومن هذا القبيل ما أورد الكليني في الكافي (باب أن الائمة (ع) نور الله عزوجل) الحديث الخامس في تفسير آية النور:
((علي بن محمد ومحمد بن الحسن , عن سهل بن زياد , عن محمد بن الحسن بن شمون, عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم , عن عبدالله بن القاسم , عن صالح بن سهل الهمداني قال : قال ... الكافي ص 151))
ونلاحظ على هذا الحديث كيف أن هؤلاء الرواة الدجالين قد نسبوا الى الامام الصادق (ع) اللعب بالآيات الكريمة وتحريف المراد منها الى ما يوافق أهواء هؤلاء الغلاة والكذابين , لأن من الواضح أنه لو كان ((المصباح)) و((الزجاجة)) هما الحسن والحسين لكان معنى قوله تعالى ((المصباح في الزجاجة)) هو أن الامام الحسن (ع) في الامام الحسين (ع)!! ويكون معنى ((الزجاجة كأنها كوكب دريّ)) أن الامام الحسين كأنه فاطمة الزهراء!! مضافاً الى أن الرواي الكذاب نسي اميرالمؤمنين (ع) في هذه القصة الخرافية أي لم يجد في الآية الشريفة كلمة يمكن تأويلها به ... ثم إن ((ظلمات)) جمع ((ظلمة)) والحال أنه لو كان المراد منها أبو بكر وعمر, لكان الأولى أن يأتي بها بصيغة التثنية ((ظلمتان)) وهنا يأتي سؤال يفرض نفسه : وهو : لماذا بايع الامام علي (ع) مع هذه الظلمات؟! والآمر الآخر هو أن الراوي تجرأ على آية اخرى من القرآن الكريم وعبث بمعناها أيضا و وهي الآية (8) من سورة التحريم:
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيدهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا.
فكما نرى أن قوله ((والذين آمنوا)) معطوف على ((النبي)) فلو كان المراد من ((النور)) هو الامام , لكان المعنى حينئذ : ((أن الامام الذي يعد تابعاً للنبي ومهتدياً بهداه , يقود النبي والمؤمنين الى الجنة!! ويكون معنى قوله في ذيل الآية ((ربنا اتمم لنا نورنا)) أن النبي والمؤمنين يدعون الله تعالى بأن يتمم ويكمل لهم امامهم , أي ((ربنا أتمم لنا امامنا)) فهل يوجد نقص في الامام حتى يدعو هؤلاء لاتمامه؟! وهل أن الراوي أو الكليني نفسه ملتفت الى هذه اللوازم الباطلة والمعاني السخيفة؟!
يقول العلامة السيد هاشم معروف الحسني في معرض نقده لهذا الحديث : ((قد يضطر الباحث الى التأويل أو التفسير احيانا لتوضيح المراد من الرواية على شرط أن لا يكون التأويل بعيدا وأن لا يخرج عن حدود المنطق والعقل كما هو الحال في الروايات السابقة وامثالها, أما هذه الرواية ونظائرها فلا تقبل التأويل ولا يجوز للباحث المجرد أن يتجاهل عيوبها , ذلك لان التفسير الذي نسبة الراوي الى الامام الصادق (ع) يبعد كل البعد عن ظاهر الآية الكريمة , ولا يؤيده الأسلوب القرآني , هذا بالاضافة الى أن الامام الصادق أرفع شأنا وأجل قدرا وأبعد تفكيرا من ان يهاجم الخلفاء الثلاثة بهذا الأسلوب البعيد عن منطقه ومنطق آبائه الكرام , ويفتعل لنفسه ولجدته فاطمة والائمة (ع) العظمة عن طريق هذه التاويلات التي لا يؤيدها النقل , ولا يقرها العقل.
على أن هذه الرواية قد رواها سهل بن زياد عن محمد بن الحسن ابن شمون . ورواها ابن شمون عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم , ورواها عبدالله هذا عن عبدالله بن القاسم ورواها عبدالله بن القاسم عن صالح بن سهل الهمداني , وهؤلاء كلهم من المتهمين بالكذب ودس الاحاديث بين روايات أهل البيت (ع) كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال.
فقد جاء في اتقان المقال , عن محمد بن الحسن بن شمون : بصري من الغلاة, وقال عنه النجاشي انه كان واقفيا , ثم غلا في التشيع وهو ضعيف جدا وفاسد المذهب على حد تعبير النجاشي.
وقال عنه التفريشي في كتابه نقد الرجال : انه كان من الغلاة ضعيف متهافت لا يلتفت اليه ولا الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه .
وجاء في الاتقان ان عبدالله بن الرحمن الاصم من الغلاة ضعيف لا يلتفت اليه , وقال فيه التفريشي في نقد الرجال: ان كتابه الزيارات يدل على خبث عظيم , ومذهب متهافت , وكان من كذابة اهل البصرة.
ونص على أن عبدالله بن البطل الحارثي كذاب غال ضعيف متروك الحديث معدول عن ذكره , وكذلك العلامة في كتابه الخلاصة.
واضاف الى ذلك في اتقان المقال , ان عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل كذاب من الغلاة , يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتبر بروايته.
وجاء في كتب الرجال عن صالح بن سهل الهمداني الذي روى عن أبي عبدالله مباشرة , جاء عنه انه قال : كنت أقول في الصادق بالربوبية , فدخلت عليه فلما نظر اليّ قال : يا صالح . أنا والله عبيد مخلوقون . لنا رب نعبده وان لم نعبده عذبنا.
وقال التفريشي في نقد الرجال , ان صالح بن سهل من المذمومين والغلاة والكذابين وضاع , للحديث لا خير فيه ولا في سائر مروياته.
ويجد الباحث في مرويات الكافي التي من هذا النوع مجالا واسعا لرفضها وعدم الاعتداد بها , لا من حيث اشتمالها على ما يخالف ظاهر الكتاب فحسب بل من حيث أن رواة هذا النوع من الاحاديث لم يثبتوا في وجه الطعون والانحرافات التي وجهها اليهم الذين احصوا تاريخ الرجال واحوالهم , كما تبين ذلك من الأمثلة السابقة وهذا لا يعني أن كل ما يرويه أحد من هؤلاء المتهمين والمشبوهين يتعين طرحه , لجواز أن يروي بعض الضعفاء والمذمومين عن أصل معتبر عند الطبقة الاولى من الرواة , أو يأخذ الرواية ممن يصح الاعتماد عليه والركون اليه , أو تكون الرواية مدعومة بالقرائن والشواهد ونحو ذلك مما يوجب الوثوق بصدورها وان لم يكن الراوي لها من حيث ذاته موثوقا ومعتمدا عند المؤلفين في احوال الرواة. ))
أما عن ((سهل بن زياد)) الكذاب أحد رواة هذا الحديث فحدث ولا حرج , فهو منشأ الفتنة ومنبع الخرافة, وقد كان هذا الرجل معاصراً للامام التاسع والعاشر والحادي عشر , ويقول عنه النجاشي وابن الغضائري والشيخ الطوسي وسائر علماء الرجال كابن الوليد والصدوق وابن نوح انه كان ضعيفاً جداً وفاسد الرواية والدين ومن الغلاة ولا يعتمد على روايته.
ولهذا أخرجه ((أحمد بن محمد الاشعري)) من مدينة قم وأظهر براءته منه ومنع الناس من نقل روايته . والجدير بالذكر أن هذا الشخص يقع في سند 2306 من روايات الشيعة ويروي عنه الكليني في الكافي روايات كثيرة!!
وهذا الراوي هو الذي روى قصة ((رد الشمس)) للامام علي (ع) وقد نقلها الكليني في كتاب الكافي (فروع الكافي , ج 1 , ص 319)) , وهو صاحب رواية اثبات علم الغيب للائمة (ع) , وفي الكافي أيضا نقرأ له رواية تقول إن الحسين (ع) لما قتل عجّت السماوات والارض ومن عليها والملائكة وطلبوا من الله أن يأذن لهم في هلاك الخلق , فكشف الله لهم عن الامام المهدي (ع) وقال : بهذا انتصر – قالها ثلاث مرات!!
12 – وبهذه المناسبة ننقل خبراً آخر في التفسير الخرافي نقله سهل بن زياد أيضا عن أبي عبدالله (ع) قال : ((سألته عن قول الله عزوجل ((والشمس وضحاها))؟ قال : الشمس رسول الله (ص) به أوضح الله عزوجل للناس دينهم. قال : قلت : ((القمر اذا أتاها)) ؟ قال : ذاك أميرالمؤمنين (ع) تلا رسول الله ونفثه بالعلم نفثاً.. ))
وهكذا تستمر الرواية في التلاعب بالآيات القرآنية فتكون الآية ((والليل اذا يغشاها)) كنابة عن خلفاء الجور , والآية ((والنهار اذا جلاها)) تقصد الامام من ذرية الزهراء (ع) يسأل عن دين الله فيجليّه !! هذا وإن هذه السورة مكية حيث لم يكن حينذاك خلفاء الجور أو الامام الذي يجليها , ثم كيف يقسم الله تعالى بخلفاء الجور والقسم كما هو معروف لابد أن يكون بامور مقدسة أو من المواهب الالهية لعباده؟! حاشا للامام الصادق (ع) أن يفسّر القرآن بهذا التفسير الموهون , بل نرى أن الغلاة ومنهم سهل بن زياد طعنوا في القرآن الكريم وشوّهوا معانيه وحملوا كل ما يحتمل تأويله لصالح مذهبهم الباطل حتى بلغ الأمر أن يتخذها (سيد علي محمد الباب الشيرازي) مؤسس الفرقة البابية ذريعة لتأييد مذهبه عندما استند الى قوله تعالى في سورة القيامة وجمع الشمس والقمر(القيامة:9) على أساس إن أسمه (محمدعلي) وقد جمع فيه الشمس والقمر حيث ورد في هذه الرواية أن الشمس محمد , والقمر علي, وقد وعد الله تعالى أن يجمع الشمس والقمر , فتحقق هذا الوعد بظهوره وتأسيس مذهبه وهو مراد القرآن من القيامة أيضا , أي قيامه هو!!
ونقرأ لسهل بن زياد أيضا في روضة الكافي وبعد ذكر هذه الرواية , رواية أخرى في تفسير سورة الغاشية حيث يروي عن الامام الصادق (ع) في قوله تعالى: ((هل أتاك حديث الغاشية؟ قال: يغشاهم بالسيف, قال : قلت : وجوه يومئذ خاشعة؟ قال : خاضعة لا تطيق الامتناع, قال : قلت : عاملة؟ قال: عملت بغير ما أنزل الله , قال : قلت: ناصبة ؟ قال : نصبت غير ولاة الأمر. قال : قلت : تصلى نارا حامية؟ قال : تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم , وفي الآخرة نار جهنم))
بعد هذا الحديث يروي سهل بن زياد أيضا حديثاً آخر في التلاعب بمعاني القرآن الكريم والاستدلال بها على الرجعة , في قوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون , قال: فقال لي (أبو عبدالله (ع): يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال : قلت : إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (ص) إن الله لا يبعث الموتى . قال : فقال (ع): تباً لمن قال هذا , سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أو باللات والعزّي؟ قال : قلت : جعلت فداك فأوجدنيه. قال : فقال لي : يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله اليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا , فيقولون : بعث فلان وفلان و فلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم, هذه دولتكم و أنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون الى يوم القيامة , قال : فحكى الله قولهم فقال : ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت))
وهكذا يروي الكليني بعد هذه الرواية أيضا رواية أخرى من روايات التفسير الخرافية عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: فلما أحسّوا بأسنا إذاهم منها يركضون , لا تركضوا وارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون
قال : اذا قام القائم وبعث الى بني أمية بالشام هربوا الى الروم , فيقول لهم الروم : لا ندخلنكم حتى تنتصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم , فاذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح , فيقول أصحاب القائم : لا نفعل حتى تدفعوا الينا من قبلكم منا , قال : فيدفعونهم اليهم فذلك قوله : لا تركضوا , ارجعوا الى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون)) قال : يسألهم الكنوز وهو أعلم بها , فيقولون : يا ويلنا إنا كنا ظالمين , فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين بالسيف
وخوفاً من الاطالة نترك التعليق على هذه الاخبار المزيفة الى القارئ الكريم ليحكم فيها بعقله ووجدانه , ولكن نلفت النظر الى نكتة واحدة, وهي أن الروايات الواردة عن سهل بن زياد الكذاب المغالي في فروع الكافي فقط بلغت (1034) رواية عدا ما ورد عنه في اصول الكافي والروضة!
إن في ذلك لذكرى لاولي الالباب.







 
قديم 23-12-13, 07:35 AM   رقم المشاركة : 3
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


نقد الشيخ الصدوق وكتبه




أحمد القبانجي


هو ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق المتوفى عام 381 هـ من أعاظم الامامية ومحدثيهم المعروفين وقد مدحه الكثير من العلماء الشيعة ورجالهم حيث يقول عنه النجاشي في رجاله : شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان.
ويقول العلامة الحلي عنه: كان جليلا , حافظا للاحاديث , بصيرا بالرجال , ناقدا للاخبار , لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه.
ويقول محمد باقر المجلسي عنه: من عظماء القدماء التابعين لآثار الأئمة النجباء الذين لا يتبعون الآراء والأهواء.
ويقول عنه المامقاني: شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة عليهم السلام.
وقد مدحه غير هؤلاء من علماء الامامية في أثارهم وكتبهم , وقد ذكر العلامة الحلي في خلاصة الأقوال أن كتبه وأثاره تجاوزت ثلاثمائة كتاب حيث لم يصلنا بعضها مثل كتاب ((مدينة العلم)) . ولكن أهم كتبه الواصلة الينا عبارة عن :
1 – من لا يحضره الفقيه
2 – الخصال
3 – معاني الأخبار
4 – كمال الدين وتمام النعمة.
5 – صفات الشيعة
6 – عقاب الاعمال
7 – عيون اخبار الرضا
وأجمع كتب للصدوق وأشهرها هو كتاب ((من لا يحضره الفقيه)) وتنبع اهمية هذا الكتاب من أن الشيخ الصدوق سعى لأن يذكر الأحاديث الصحيحة في هذا الكتاب ولذلك قال في بداية كتابه هذا : لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه , بل قصدت الى ايراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي.
وبالرغم من وجود الكثير من الروايات الصحيحة والموثقة في كتب الشيخ الصدوق ولكن مع الأسف توجد فيها أخبار وروايات سقيمة وباطلة واليك نماذج منها.

نماذج من أحاديث الشيخ الصدوق:
1 – أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) الذي ضمن فيه صحة جميع الأحاديث الواردة فيه , ضمن ((كتاب الصوم)) أن شهر رمضان لابد أن يكون ثلاثين يوما ولا يمكن أن يكون أقل من ذلك أبدا حيث يقول :
في رواية محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن ابي عبدالله (ع) قال : شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا.
وبديهي أن شهر رمضان كثيرا ما يبلغ عدد ايامه تسعة وعشرون يوما لوجود الكثير من الشهود في هلال أول الشهر وآخره , فالرواية المذكورة مخالفة للامر المحسوس والمشهود .
وفي رواية أخرى عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير ويقال له معاذ بن مسلم الهراء عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبداً
وروي عن ياسر الخادم قال : قلت للرضا – عليه السلام – هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرون يوما ؟ فقال : إن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبداً
ولا شك في خطأ وبطلان هذه الأحاديث للعالم والعامي ولا حاجة للبحث في سندها وخاصّة أن الشيخ الصدوق لم يذكر أسناد هذه الروايات في كتابه من لا يحضره الفقيه بل اكتفى غالبا بذكر الراوي الأول لها.
2 – روى الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) في باب ((المعايش والمكاسب)):
قال الصادق عليه السلام لأبي الربيع الشامي : ((لا تخالط الأكراد فإن الأكراد حيّ من الجن كشف الله عزوجل عنهم الغطاء )) !
ولا شك في وضع هذه الرواية وأنها مجعولة لأن القرآن الكريم يقرر أن جميع البشر من أصل واحد ويقول :
((يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى))
ولكن بعض شراح كتاب ((من لا يحضره الفقيه)) قالوا بما أن الأكراد يتعاملون مع الآخرين باخلاق سلبية وسلوكيات خاطئة فلذلك شبههم الامام الصادق بطائفة من الجن الذين ظهروا للناس بصورة بشر. إلا أن الحديث المزبور يخلو من أداة التشبيه وليس هو في سياقه في مقام التشبيه , هذا أولا.
وثانيا: أن القرآن الكريم يصرح بأن الجن فيهم طوائف خيرة وأخرى شريرة (سورة الجن الآية 11 و 14) فتشبيه الأشرار بالجن لا وجه له , واذا كان المقصود هو هذا المعنى فيلزم تشبيههم بالشياطين .
ثالثا: إن تشبيه الأكراد , رغم وجود اشخاص متقين وصالحين فيهم , بالجن ليس من شأن الامام المعصوم القائد الاسلامي الالهي . ومن هنا فان تبرير هذا الحديث الشريف بما ذكر لا وجه له ولا فائدة فيه بل يجب ضربه عرض الجدار.
3 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((من لا يحضره الفقيه)) ضمن مسائل تتعلق بصلاة الجمعة برواية عن الامام الصادق تشير الى أن خطبة صلاة الجمعة يجب أن تقام بعد الصلاة , ومن الواضح أن هذه الرواية غير صحيحة لأنها مخالفة لاجماع المسلمين من السنة والشيعة والروايات الكثيرة الواردة في المصادر الحديثية المعتبرة لكلا الفريقين , والرواية هي :
((وقال أبو عبدالله – عليه السلام – أول من قدّم الخطبة على الصلوة يوم الجمعة عثمان لأنه كان اذا صلى لم يقف الناس على خطبته تفرقوا وقالوا ما نصنع بمواعظه وهو لا يتعظ بها وقد احدث ما احدث , فلما رأى ذلك قدم الخطبتين على الصلوة! ))
وقد اتفق شراح ((من لا يحضره الفقيه)) على بطلان هذه الرواية ولكن الصدوق توهم في هذه الرواية وخلط بين خطبة الجمعة وخطبة صلاة العيدين ((التي يجب أن تقرأ بعد الصلاة)) وذكر روايات عديدة عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام تخالف هذه الرواية.
4 – ذكر الشيخ الصدوق كما ذكر الكليني أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه ضمن الفصل المتعلق بصلاة الآيات , اسطورة الحوت التي تسبب الزلزلة , وقدحذف الشيخ الصدوق سند هذه الرواية كما هو الحال في موارد كثيرة وأورد هذه الاسطورة بكثير من الاطمئنان والثقة بمضمونها ونسبها الى الامام الصادق وقال :
قال الصادق – عليه السلام – ((إن الله تبارك وتعالى خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها , فقالت : حملتها بقوتي! فبعث الله عزوجل اليها حوتا قدرفتر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا . فاذا أراد الله عزوجل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا))
وقد قرأنا سابقا نظير هذه الرواية مع تفاوت يسير في كتاب الشيخ الكليني , والظاهر أن سند الصدوق والكليني مشترك , ورأينا أن سند الكليني ضعيف أيضا . وهنا نضيف الى أن بعض شراح كتاب من لا يحضره الفقيه قالوا في صدد الدفاع عن هذا الحديث : إن الامام الصادق أجاب الراوي لهذا الخبر بجواب يتناسب مع فهمه للامور . ولكننا لا نوافق على هذا الادعاء لأننا لا نعتقد بجواز اسناد الامور الباطلة الى الامام (ع). فاذا كان الراوي غير مستعد لتقبل الحقائق ولا يمكنه فهم الأمور بصورتها الحقيقية فيلزم على امام المسلمين أن يوضح لهذا الشخص بأن هذا الأمر فوق طاقتك كما أن رسول الله عندما سئل عن ((الروح)) قال : ((إنها من أمر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا)) الاسراء , الآية 85 لا أن يصطنع اسطورة خرافية ويلوث ثقافة المسلمين وفهمهم للامور بها , وعلى هذا الاساس يحق لنا أن نتعامل مع مثل هذه الروايات من موقع الرفض والانكار لا كما صنعه بعض شراح ((من لا يحضره الفقيه)) من التأويل المزيف.
5 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((الخصال)) في ((باب الثلاثة)) رواية خرافية تحت عنوان ثلاث كُنّ في اميرالمؤمنين وقال:
((حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : حدثنا الحسن بن علي العدوي عن عبّاد بن صهيب (بن عبّاد) عن أبيه عن جده عن جعفر بن محمد – عليه السلام – قال : سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : أسألك عن ثلاثة هن فيك: أسألك عن قصر خلقك , وعن كبر بطنك وعن صلع رأسك! . فقال أميرالمؤمنين – عليه السلام – إن الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلا , ولم يخلقني قصيرا , ولكن خلقني معتدلا , أضرب القصير فأقدّه , وأضرب الطويل فأقطه . وأما كبر بطني فإن رسول الله (ص) علمني بابا من العلم ففتح لي من ذلك الباب ألف باب فازدحم العلم في بطني فنفخت عنه عضوي . وأما صلع رأسي فمن إدمان لبس البيض ومجالدة الأقران!))
أولا : إن في سند هذه الرواية ((الحسن بن علي العدوي)) وهو من المجاهيل ولم يعثر له على أثر في كتب الرجال , مضافا الى أن ((عباد بن صهيب)) كما تحدث عنه العلامة الحلي في ((خلاصة الأقوال)) أنه ((بتري المذهب)) ولكن بعض أرباب الرجال ذهبوا الى توثيقة والبعض الآخر الى تضعيفه كما ذكر الفاضل المقداد في ((التنقيح)) الى تضعيفه ولا يعلم من احوال والده وجده شيئا , ولذلك فالخبر المذكور ضعيف بلحاظ السند ولا يمكن الوثوق به .
ثانيا : إن متن الخبر شاهد على أنه يتضمن أعلى درجات الخرافة بل هو نوع من الاهانة واساءة الأدب لأميرالمؤمنين علي عليه السلام , فهل أن مكان الحكمة والعلم في بطن الانسان وأن كل من كان علمه أكثر كانت بطنه أكبر ؟ والعجيب من تبرير أحد شراح الحديث حيث قال : بما أن العلم والحكمة تثيران في الانسان لذة كبيرة فلذلك كبرت بطن الامام علي من لذة العلم رغم أنه كان كثير العبادة والرياضة . ولكن هذا الشارح لم يلتفت الى أنه اذا تقرر أن بطن الانسان تكبر بسبب لذة العلم ففي هذه الصورة يلزم أن تسمن جميع اعضاء بدنه بحيث يكون بدنه متناسب الأعضاء لا أن تكبر بطنه فقط. مضافا الى أن الرواية تقول أن سبب كبر البطن هو ازدحام العلوم لا اللذة الروحانية الحاصلة من العلم . وهنا نتساءل : ما الداعي الى التمسك بهذه الأحاديث الخرافية والعمل على تأويلها بدل طرحها وضربها عرض الجدار؟
6 – وروى الشيخ الصدوق في كتابه ((معاني الاخبار)) ضمن ((باب نوادر المعاني)) هذه الرواية:
حدثنا أبي – رحمه الله – قال حدثنا سعد بن عبدالله عن أحمد بن عيسى , عن العباس بن معروف , عن علي بن مهزيار , عن محمد بن الفضيل , عن العزر مي قال : كنت مع أبي عبدالله – عليه السلام – في الحجر جالسا تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلا وأحدهما يقول لصاحبه : والله ما تدري من أين تهب الريح ؟ فلما اكثر عليه قال له أبو عبدالله – عليه السلام – فهل تدري من أين تهب الريح ؟ قال : لا ولكن أسمع الناس يقولون! فقلت أنا لإبي عبدالله – عليه السلام – : من أين تهب الريح جعلت فداك؟ قال: إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فإذا أراد الله عزوجل أن يرسل منها شيئا أخرجه أما جنوب فجنوب وأما شمال فشمال , وأما صبا فصبا , وأما دبور فدبور , ثم قال : وآية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركا في الشتاء والصيف أبدا الليل مع النهار
أولا : إن سند هذه الرواية مخدوش لأن محمد بن الفضيل مجهول الحال , وقد ذكر المامقاني في حقه : ((لم أقف على حاله)) وكذلك ذكر العلامة الحلي عن حال راوي آخر في هذا السند وهو ((محمد بن فضيل)) أنه ((يرمى بالغلو)) فالحديث الذي يكون في سنده رجل مجهول الحال وآخر مغالٍ كيف نعتمد عليه ونقبله؟
ثانيا : إن الريح لا تأتي من جهة الركن الشامي ولا تصدر منه بحيث أن الله تعالى كلما أراد أن يبعثها يخرج من هذا الركن مقدارا منها كما تقول الرواية, فالرياح تهب بسبب اختلاف درجة حرارة الجو, فالهواء الحار يصعد الى الأعلى ويحل محله الهواء البارد , وهذا التحول والتبدل هو الذي يصنع الريح . وهذا المعنى يدركه الآن أطفال المدارس الابتدائية فهذه الرواية ليست سوى خرافة. وهنا إما أن نقول إن الامام الصادق لم يكن عالما بأمور الطبيعة بل هو العالم بالامور الدينية فقط, واما أن نقول أن رواة هذا الحديث قد كذبوا على الامام الصادق , ونحن نرجح القول الثاني لأن حركة الرياح من الركن الشامي الوارد في هذا الخبر قد نسب الى الله تعالى , ونحن نجل مقام الامام الصادق عن نسبة مثل هذا الكذب الى الله تعالى
7 – وأورد الشيخ الصدوق في كتابه ((كمال الدين وتمام النعمة)) حديثاً طويلا وغريبا عن ((سعد بن عبدالله القمي )) الذي يتضمن كلاما للامام الحسن العسكري عن الخليفتين الأول والثاني (أبي بكر وعمر) قال :
... أسلما طمعا وذلك بأنهما يجلسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد (ص) ومن عواقب أمره , فلما كانت اليهود تذكر أن محمداً يسلط على العرب كما كان بختنصر سلّط على بني اسرائيل ولابد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنّصر ببني اسرائيل , غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي فأتيا محمداً (ص) فساعداه ...
ونلاحظ على هذه الرواية:
أولا : إن سند هذه الرواية غير قابل للاعتماد والوثوق , لأن بين رواته ((محمد بن بحر الشيباني)) الذي يقول عنه ابن الغضائري ((إنه ضعيف في مذهبه ارتفاع)) أي غلو بالنسبة الى أهل البيت . وقد توقف العلامة الحلي أيضا في روايته . ومن رجال السند أيضا ((أحمد بن مسرور)) الذي ليس له أثر في كتب الرجال . ومنهم ((احمد بن عيسى البغدادي)) الذي هو أيضا مجهول ومن هنا فأن سند الحديث لا اعتبار له.
ثانيا : إن مضمون الخبر مخالف للقرآن الكريم , لأنه يدعي ان اليهود أخبروا عن ظهور نبي الاسلام وانتصاره ولكنهم قالوا إن ادعاءه النبوة كذب , مع أننا نقرأ في القرآن الكريم أن اليهود وجدوا علائم نبوة محمد في كتابهم التوراة ((الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة)) سورة الأعراف – 157 ومن هنا كان اليهود يخبرون عن انتصار نبي الاسلام على الكفار والمشركين قبل نزول القرآن ولكنهم كفروا بعد نزوله وانكروا نبوته كما يقول تعالى : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به (البقره – 89)
ومن هنا فهذه الرواية واضحة الوضع والاختلاق وقد جعلت لاثارة الفرقة بين المسلمين.
8 – روى الشيخ الصدوق في كتابه ((صفات الشيعة )) حديثا يقول فيه :
الحديث الرابع عشر . قال أبو حمزة : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد – عليه السلام – يقول : رفع القلم عن الشيعة بعصمة الله وولايته .
ونلاحظ على هذا الحديث ما يلي:
أولا: إن سند هذا الحديث منقطع , لأن الصدوق رواه عن شيخه محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد , الذي رواه عن المفضل نقلا عن أبي حمزة ,وبين استاذ الشيخ الصدوق وبين أبي حمزة الذي يعد من اصحاب الامام الصادق رواة آخرون لم يذكروا في السند.
ثانيا: إن متن الحديث فيه اشكال , لأنه لو قلنا بأن الشيعة لا يرتكبون الذنب بعصمة من الله تعالى فهذا الادعاء مخالف كما هو مشهود ومحسوس في واقع الشيعة , ولو قلنا أنهم يرتكبون المعاصي والذنوب ولكن القلم رفع عنهم , فهذا القول لا ينسجم مع آيات القرآن الكريم حيث يقول : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم (ياسين – 12) مضافا الى أن مثل هذه الأحاديث من شأنها خلق الجرأة على الذنوب بين الشيعة وهي مغايرة لحكمة الشارع.
9 – وروى الشيخ الصدوق في كتابه ((عقاب الاعمال)):
حدثني محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثني محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال : في رواية اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : من مضت له جمعة لم يقرأ فيها ((قل هو الله أحد)) ثم مات , مات على دين أبي لهب
وهذا الحديث باطل باجماع الأمة من الشيعة والسنة لأن قراءة سورة التوحيد غير واجبة على المسلمين في كل أسبوع مرة واحدة فكيف الحال اذا كان تاركها قرين أبي لهب ويموت على دين أبي لهب؟!.
10 – وأورد الصدوق في كتاب ((عيون أخبار الرضا)):
وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله – : يا علي إن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبي محبي شيعتك ...
وكما نلاحظ في هذا الحديث مبالغة عجيبة حيث يعلن أن كل محبي الشيعة ومحبي محبيهم ((حتى لو كان كافرا وظالما وفاسقا)) فإن الله تعالى يغفر له .
ولا شك أن مثل هذا الكلام لا يصدر من النبي الاكرم , وهو بديهي البطلان ولا حاجة للبحث في سنده.
11 – يروي الشيخ الصدوق في كتابه ((علل الشرائع)) عن عليّ بن أحمد عن محمد بن أبي عبدالله عن محمد بن أحمد العلوي , عن علي بن الحسين العلوي , عن علي بن جعفر , عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : ((إن المسوخ ثلاثة عشر : الفيل , والدبّ , والارنب , والعقرب , والضبّ, والعنكبوت , والدّعموص, والجرّي, والوطواط , والقرد , والخنزير , والزهرة , وسهيل , فسئل: يا ابن رسول الله (ص) ما كان سبب مسخ هؤلاء : فقال : أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا , وأما الدب فكان رجلا مؤتيا يدعو الرجال الى نفسه , وأما الارنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة ولا غير ذلك , وأما العقرب فكان رجلا همازاً لا يسلم منه أحد , وأما الضبّ فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته , وأما العنكوبت فكانت إمرأة سحرت زوجها , وأما الدّعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبّة. وأما الجرّي فكان رجلا ديّوثاً يجلب الرجال على حلائله, وأما الوطواط فكان رجلاً سارقاً يسرق الرطب على رؤوس النّخل . وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت . وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشدّ ما كانوا تكذيبا. وأما سهيل فكان رجلاً عشارا باليمن . وأما الزهرة فأنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس : افتتن بها هاروت وماروت))
ولا ندري ما ننقد من هذا الحديث الخرافي والمخزي ولكننا نترك الحكم الى القاريء الكريم ليحكم بنفسه على عقول أساطين المذهب الذين يوردون مثل هذه الروايات السخيفة وينسبونها الى الأئمة المعصومين (ع)!! فماذا نقول للعالَم والشباب المثقف اذا رأى أو سمع أن إمامه المعصوم يقول بأن هذه الحيوانات كانت رجال ونساء يرتكبون الذنب , أو يسمع بأن كوكب سهيل كان رجلاً يمشي على الارض , أو أن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة أفتتن بها هاروت وماروت؟! أو أن الخنازير هم نصارى في الأصل كذبوا بالمائدة التي أنزلها الله على عيسى (ع) والجميع يعلم بأن النصارى وخاصة الحواريين لم يكذبوا هذه المعجزة لحدّ الآن فكيف يستحقون هذا العذاب ولماذا نراهم لحد الآن بشرا متمدنين لم ينقلبوا الى خنازير؟
أقول : اذا سمع الشباب المثقف والشيعي خاصة مثل هذه الخرافات منسوبة الى إمامه المعصوم هل سيبقى على عقيدته بالامام؟ واذا جزم باختلاق هذه الاحاديث كما هو الصحيح – ألا يتساءل عن السبب الذي دعا علماء الشيعة كالصدوق والمجلسي والحر العاملي الى ذكرها في كتبهم؟ هل كانوا الى هذه الدرجة من السذاجة والجهل بحيث لم يدركوا زيف هذه الاحاديث واحتملوا أن امامهم يقول مثل هذا الكلام؟ فاذا كان اساطين المذهب الى هذه الدرجة من التخلف الفكري والسذاجة العقلية , فكيف نأتمنهم على عقائدنا وديننا؟! ولا حول ولا قوة الا بالله.
12 – أورد الصدوق أيضا في ((عيون أخبار الرضا)) حديثا عن جابر بن عبدالله الانصاري في قصة اللوح الذي رآه جابر بن عبدالله عند فاطمة الزهرا (ع) : ((عن أبي نضرة قال : لما احتضر ابو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام عند الوفاة , دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد اليه عهدا, فقال له اخوه زيد بن علي عليه السلام : لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين عليهما السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكرا , فقال له : يا ابالحسن ان الامانات ليس بالتمثال ولا العهود بالرسوم , وانما هي أمور سابقة عن حجج الله عزوجل , ثم دعا بجابربن عبدالله فقال له : يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة , فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر , دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله (ص) , لاهنئها بمولود الحسين عليه السلام , فاذا بيديها صحيفة بيضاء من درة , فقلت لها: يا سيدة النساء ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت : فيها أسماء الأئمة من ولدي , قلت لها : ناوليني لانظر فيها , قالت : يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل, لكنه قد نهى أن يمسها الانبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي , ولكنه مأذون لك أن تنظر الى باطنها من ظاهرها , قال جابر : فاذا أبوالقاسم محمد بن عبدالله المصطفى أمه آمنة, أبوالحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف , أبومحمد الحسن بن علي البر , أبو عبدالله الحسين بن التقي أمهما فاطمة بنت محمد , أبومحمد علي بن الحسين العدل, أمه شهربانو بنت يزدجرد , أبو جعفر محمد بن علي الباقر أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) , أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق وأمه أم فروه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر , أبو ابراهيم موسى بن جعفر أمه جارية اسمها حميدة المصفاة , أبوالحسن علي بن موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة , أبو جعفر محمد بن علي الزكي امه جارية اسمها خيزران , أبوالحسن علي بن محمد بن الامين امه جارية اسمها سوسن , أبومحمد الحسن بن علي الرفيق امه جارية اسمها سمانة وتكنى أم الحسن , أبوالقاسم محمد بن الحسن هو حجة الله القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين))

ملامح الوضع والاختلاف في الحديث:
لا بأس قبل الوقوف على تفاصيل مدلول الحديث من الاشارة الى رجال السند..
سند الحديث : لم يرد ذكر أحد من رجال هذا الحديث في كتب الرجال من ((سعيد بن محمد بن نصر القطان)) الى ((بي نضرة)) ولا نعلم أين وجد الشيخ الصدوق هؤلاء الرواة المجهولين وأين وجد هذه الرواية ؟! ولكن الصدوق ذكر في هامش كتابه ((كمال الدين)) اسم (أبي بصرة) بعد أن أورد نفس هذا الحديث في هذا الكتاب , واذا كان كذلك فابو بصرة هو ((محمد بن قيس الاسدي)) الذي يقول عنه الشهيد الثاني في كتابه ((الدراية)) بأنه ضعيف وقال عنه ((كلما كان فيه محمد بن قيس عن أبي جعفر فهو مردود)) ولكنه ليس بمحمد بن قيس قطعاً , وعلى أية حال فان هذا الحديث لشدة وضوع الوضع فيه لا حاجة للبحث في رجال السند.
مدلول الحديث: ونلاحظ على مضمون ما ورد في الحديث:
1 – يقول ((ابو نضرة)) الشخص المجهول أنه : ((لما احتضر ابو جعفر محمد بن علي الباقر .. )) ومعلوم أن احتضار ووفاة الامام الباقر (ع) كما ورد في كتب المؤرخين جميعا وقعت بين عام 114 – 118 للهجرة , والفاصلة بين وفاة الامام الباقر (ع) وبين جابر بن عبدالله الانصاري تبلغ أربعين سنة تقريباً , أي أن جابر كان قد توفي قبل ذلك بأربعين سنة تقريبا, أي في حياة أبيه الامام زين العابدين (ع) ولكن هذا الراوي الكذاب لم يلتفت الى هذه الحقيقة وكان همّه اثبات هذه الرواية المختلقة على لسان جابر بن عبدالله الانصاري لضرب جماعة الزيدية على أساس أن زيد بن علي كان حاضراً عندما أوصى الامام الباقر (ع) بالامامة الى ابنه جعفر الصادق (ع) , وقد ورد مثل هذا الحديث المختلق في قصة جابر بن عبدالله الانصاري واجتماعه بالامام الباقر (ع) في الجزء الاول من أصول الكافي , الاّ أن المجلسي ذكر في ((مرآة العقول)) في شرحه لاصول الكافي أن : ((هذا الحديث ينافي ما مر من تاريخي وفاتهما , إذ وفاة علي بن الحسين (ع) كانت في عام خمس أو أربع وتسعين , ووفاة جابر على كل الاقوال كانت قبل الثمانين))
أما وفاة زيد بن علي فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله (ص 195) أنه ((قتل سنة احدى وعشرين ومائة وله أثنتان وأربعون سنة)) وعلى هذا الاساس فان ولادته ستكون في سنة 79 تا 80 هـ , لأنه قتل عام 121 في سن 42. وجاء في تهذيب تاريخ ابن عساكر ( ج 6 , ص 118) أن زيد بن علي بن الحسين ولد سنة 78 , أي بعد وفاة جابر بأربع سنوات أو سنة واحدة على الأقل , وقد ذكر ((سيد علي خان الشوشتري)) في شرحه للصحيفة السجادية أن ولادته كانت في عام 75 , أي بعد وفاة جابر بسنة واحدة , فأين كان جابر عند احتضار الامام الباقر (ع) , عام 114 , أو 117 لاقناع زيد بن علي بالتخلي عن الامامة وقد توفي جابر نفسه عام 74 هـ؟!
ولكن العجيب مع وضوح بطلان هذا الحديث بما تقدم آنفاً أن علماء الشيعة يستندون في اثبات الامامة والنص على الائمة واحداً بعد الآخر بهذا الحديث الزائف غير مبالين بما يتضمنه هذا الحديث من زيف وخداع!!
2 – إذا كان هذا الحديث صحيحاً , فلماذا ذكر الكليني في كتابه الكافي ج 1 , في باب ((الاشارة والنص على أبي الحسن الرضا)) حديثا يتناقض مع الرواية محل البحث؟ والحديث في الكافي يقرر أن الامام موسى الكاظم لم يكن يعلم أي واحد من أبنائة سيكون اماما بعد وقد كان يودّ أن تكون الامامة لابنه القاسم لحبه له ولكنه رأى رسول الله (ص) في المنام وقال له بأن الامر قد خرج منك الى غيرك , فقال له الامام : ((فقلت يا رسول الله : أرنيه أيهم هو ؟ فقال رسول الله (ص) : ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ولو كانت الامامة بالمحبّة لكان اسماعيل أحب الى أبيك منك ولكن ذلك من الله عزوجل ثم قال أبو ابراهيم (ع) : ورأيت ولدي جميعاً الاحياء منهم والأموات , فقال لي أميرالمؤمنين (ع) : هذا سيدهم , وأشار الى ابني علي , فهو مني وأنا منه والله مع المحسنين)) .
وفي هذا الحديث أيضا اشارة الى قضية اسماعيل بن الامام الصادق (ع) الذي قال عنه الامام الصادق (ع) في الحديث المشهور أنه ((ما بدا لله ما بدا له في ابني اسماعيل)) حيث كان الشيعة والامام الصادق نفسه يعتقدون بأن الامام بعده هو اسماعيل الا أنه توفي قبل والده والقصة معروفة . مضافاً الى أن الشيعة وحتى كبار أصحاب الائمة كانوا يختلفون في الامام الذي يلي الامام المتوفي حتى كثرت فرق الشيعة من فطحية وواقفة وزيدية وغيرهم . بل إن زرارة الذي يعتبر أقرب المقربين للامام الصادق (ع) وأخلص أصحابه عندما دنت منه الوفاة وكان قد سمع بوفاة الامام الصادق (ع) ولم يكن يعلم بالامام الذي يليه , بعث شخصا الى المدينة يستجلى له خبر الامام للشيعة بعد الصادق (ع) , فلما أبطاً الرسول عليه وأحس بدنو أجله وضع القرآن على صدره وقال : هذا امامي وأسلم الروح . فلو كان الامام الباقر (ع) دعا بابنه الصادق (ع) عند احتضاره وكان عنده اخوه زيد بن علي وآخرين من ابنائه وأصحابه (ومنهم الراوي المجهول لهذا الحديث ابو نضرة) وأراهم اللوح المذكور لشاع خبره عند أكابر أصحاب الامام على الاقل ولم يكن يحدث كل هذا الختلاف!!
3 – في هذا الحديث أمور عجيبة أخرى ترسم علامات استفهام كبيرة حول صحة ومعقولية هذا الحديث , منها أن جابر يقول فيه أنه ذهب الى بيت فاطمة (ع) لتهنئتها بولادة ابنها الحسين (ع) ولم يعهد في ذلك الزمان أن يتوجه الناس من غير الارحام الى بيت الام لتهنئتها بدل تهنئة الاب بالوليد الجديد , هذا مع أن جابر في ذلك الوقت كان شاباً مراهقاً له من العمر 16 أو 17 سنة ولم يكن متزوجاً بعد لأنه قد تزوج بعد مقتل أبيه ((عبدالله بن حزام)) في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة , أي في السنة التي ولد فيها الامام الحسن (ع) . ولا يصح أن يدخل على الزهراء (ع) في هذا الحال وتكون الزهراء (ع) لوحدها في البيت كما يظهر من سياق الحديث أنها سمحت له بقراءة اللوح لوحده وكان قريباً منها جداً بمقتضى قراءته للصحيفة وهي بيد فاطمة (ع) فكيف تسمح فاطمة لشاب أن يقترب منها الى هذه الدرجة وهي لوحدها في البيت وتظهر له من أسرارها ما خفي عن سائر المسلمين والمخلصين امثال سلمان وأبي ذر وعمار وغيرهم(ع) .
4 – ورد في هذا الحديث أيضا اسماء امهات الائمة (ع) ولكنها في الغالب لم ترد مطابقة للواقع , فوالدة الامام زين العابدين على المشهور ((جهان شاه)) وهنا ورد اسم ((شهربانو)) , ووالدة الامام الرضا (ع) تدعي ((تكتم)) وهنا ((نجمة)) وهكذا الحال في البواقي , مضافا الى أن الزهراء (ع) قالت في هذا الحديث لجابر أن هذه الصحيفة قد ورد النهي عن أن يمسها بشر الا نبي أ ووصي نبي أو أهل بيت نبي , ولكن مع ذلك لا مانع من قراءة ما فيها. فهل أن هذه الصحيفة التي ليس فيه سوى اسماء أهل البيت (ع) أكرم واعظم حرمة من القرآن وهو كلام الله حيث يجوز مسّه لجميع الناس؟1
5 – ورد في الحديث الثاني من نفس هذا الباب في كتاب ((عيون أخبار الرضا) أيضا اسماء جميع الأئمة الاثنى عشر عن الامام الباقر (ع) بواسطة جابر بن عبدالله الانصاري, ولكن في هذه المرة وردت الأسماء في لوح كان بيد فاطمة الزهراء وقد استنسخه جابر بن عبدالله , وأورد الصدوق هذا الحديث أيضا في ((اكمال الدين)) وجا فيه :
((عن أبي عبدالله (ع) قال: قال أبي لجابر بن عبدالله الانصاري : إن لي اليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك , فاسئلك عنها ؟ قال له جابر : في أي الاوقات شئت , فخلا به أبي عليه السلام فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله (ص) وما أخبرتك به أمي أن في ذلك اللوح مكتوبا , قال جابر : أشهد بالله , اني دخلت على أمك فاطمة في حيوة رسول الله (ص) لا هنئها بولادة الحسين عليه السلام , فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنه زمرد ورأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس فقلت لها : بأبي أنت وامي يا بنت رسول الله (ص) ما هذا اللوح ؟ فقالت : هذا اللوح أهداء الله عزوجل الى رسوله (ص) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسماء الاوصياء من ولدي , فأعطانيه أبي (ع) ليسرني بذلك , قال جابر : فأعطتنيه أمك فاطمة, فقرأته وانتسخته , فقال أبي (ع) : فهل لك يا جابر أن تعرضه علي , قال : نعم , فمشى معه أبي (ع) حتى انتهى الى منزل جابر , فأخرج أبي (ع) صحيفة من رق قال جابر فأشهدبالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الامين من عند رب العالمين , عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي , ولا تجحد آلائي , اني أنا الله لا اله الا أنا , قاصم الجبارين ومذل الظالمين , وديان الدين , اني أنا الله لا اله الا أنا , فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عذابي عذبته عذابا لا اعذب أحدا من العالمين , فاياي فاعبد وعلي فتوكل , اني لم أبعث نبيا فأكملت أياما وانقضت مدته , الا جعلت له وصيا , واني فضلتك على الانبياء وفضلت , وصيك على الاوصياء , واكرمتك بشبليك بعده , وبسبطيك الحسن والحسين , فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه , وجعلت حسينا خازن درجة عندي , وجعلت كلمتي التامة معه والحجة البالغة عنده بعترته , أثيب واعاقب , أولهم : علي سيد العابدين , وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي , سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ حق القول مني , لاكرمن مثوى جعفر ولاسرنه في إشياعه وانصاره واوليائه انتجبت بعده موسى وانتحبت بعده فتنة عمياء حندس لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى , وان اوليائي لا يشقون , الا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي , ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي , وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي , إن المكذب بالثامن مكذب بكل اوليائي , وعلي وليي وناصري و ومن أضع عليه اعباء النبوة وامنحه بالاضطلاع يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح الى جنب شر خلقي حق القول مني لاقرن عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده , فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سري وحجتي على خلقي جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار , وأختم بالسعادة لابنه على وليي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي اخرج منه الداعي الى سبيلي والخازن لعلمي الحسن , ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب سيذل في زمانه اوليائي وتتهادون رؤسهم كما تتهادى رؤس الترك والديلم , فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين , تصبغ الارض بدمائهم ويفشوا الويل والرنين في نسائهم , اولئك اوليائي حقا بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس , وبهم اكشف الزلازل وارفع الاصار والاغلال , اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون , قال عبدالرحمن ابن سالم : قال أبوبصير : لو لم تسمع في دهرك الا هذا الحديث لكفاك , فصنه الا عن أهله))
هذا الحديث في وضوح زيفه وبطلانه كالحديث الاول , فمن حيث السند نرى في رجاله ((بكر بن صالح)) الذي يقول عنه ابن الغضائري بانه جدا ضعيف وكثير التفرد بالغرائب وضعّفه كذلك العلامة الحلي في الخلاصة (ص 207), وهكذا حال ((عبدالرحمن بن سالم)) الذي يقول عنه صاحب تنقيح المقال أنه ((على كل ضعيف أو مجهول)) ويقول عنه العلامة في الخلاصة ((عبدالرحمن بن سالم بن عبدالرحمن الأشل كوفي مولى روى عن أبي بصير , ضعيف)).
أما ((صالح بن ابي حماد)) فينقل صاحب تنقيح المقال ( ج 2 – ص 91) عن قول النجاشي بأن ((أمره ملتبس يعرف وينكر)) ويقول عنه العلامة في الخلاصة : ((المعتقد عندي التوقف فيه لتردد النجاشي وتضعيف الغضائري)).
أما مضمون الحديث فنقرأ فيه أن الامام الصادق (ع) يحدث بهذا الحديث وكأنه حاضر في ذلك الحدث . فانه يقول : قال أبي لجابر , ولم يقل اني سمعت أبي يقول كذا , ويقول أيضا : فمشى معه أبي الى منزل جابر . ثم إن الامام الصادق (ع) يقسم ((فوالله ما خالف حرف حرفاً)) فهذه شواهد جلية على أنه كان حاضرا في الواقعة لا أنه ينقل حديثاً عن آخر . ومن هنا تتبين أول علامات وضع واختلاق هذا الحديث , فالامام الصادق (ع) ولد عام (83) باتفاق المؤرخين , وكان جابر قد توفي عام (74 أو 77) ولم يدرك الامام الصادق اطلاقاً , وهناك حديث نبوي مشهور يؤيد هذا الكلام وهو أن رسول الله قال لجابر إنك ستدرك الباقر من ولدي , ولم يرد فيه اسم الامام الصادق(ع).
ـ ومن العلائم الاخرى التي تدل على وضع الحديث أن الامام الباقر(ع) يقول لجابر: ((انظر في كتابك لأقرأه عليك فنظر جابر في نسخته ... )) ومعلوم أن جابر – كما تشير كتب التاريخ – كان أعمى . وقد جاء في رواية الاربعين في زيارة جابر لقبر الحسين(ع) سنة 61 هـ أنه كان أعمى وقد أمر غلامه أن يضع يده على تراب القبر ... فكيف ينظر في نسخته وهو أعمى!؟!
ـ ومنها:أن هذا الحديث يتناقض مع ما سبقه في أنه يقرر أن جابر أخذ من فاطمة اللوح واستنسخه بينما يقول الحديث السابق أنه قد نهي عن مسه ألا نبي أو وصي نبي!
ـ ومنها: أن اللوح يتحدث عن ألقاب لرسول الله (ص) من قبيل سفيره وحجابه , لم ترد في شيء من صفات رسول الله (ص) المذكورة في القرآن والاحاديث المعتبرة سوى ما ورد في كلمات المتصوفة . وأساساً لا يعقل كون رسول الله (ص) حجاباً للذات المقدسة وهو النور والدليل الى الله والهادي الى سبيله وليس في كونه (ص) حجاباً لله فضيلة للنبي ليطلق عليه هذا اللقب, وقد ورد عن أميرالمؤمنين (ع) في نهج البلاغة في صفة الله تعالى ((لم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك)) (نهج البلاغة – الكتاب 31)
ـ ومنها : أن تعيين الائمة من قبل الله تعالى لو كان لغرض هداية الخلق فلماذا ورد هذا التعيين في لوح أو صحيفة سرية وخاصة ولم يؤذن لفاطمة أو رسول الله (ص) أو اميرالمؤمنين (ع) الاعلان عنها , ولماذا لم ترد في القرآن الكريم يتعرف جميع المسلمين على حقيقة الحال , ولماذا اختص بهذه الفضيلة جابر بن عبدالله وهو شاب مراهق لا يؤمن أن يذيع هذا السر وحرم منه سلمان وابوذر وعمار وحذيفة وغيرهم من أصحاب النبي وأميرالمؤمنين المخلصين؟!
ـ ومنها : نقرأ في الحديث عبارات غير بلاغية بل ركيكة أيضا مما يدل على جهل الراوي وعدم اطلاعه على اللغة العربية والعقائد الصحيحة , مثلا قوله ((فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه احدا من العالمين)) وهذا المعنى بعيد جدا عن كرم الله ورحمته وعلمه بضعف عباده لا سيما وأن المتصف بهذا الوصف هم أكثر الخلق ولا تتحقق فضيلة الرجاء الخالص لله تعالى الا للقليل من الناس , والتهديد الوارد في هذا الحديث بالعذاب الشديد ينسجم مع كونه لفئة قليلة جدا من الناس كما في التهديد الوارد في شأن الحواريين أنهم لو كذبوا بمعجزة المائدة فان الله سوف يعذبهم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين (سورة المائدة : 115), والحال أنه ما أكثر الاشخاص حتى من المؤمنين الذين يرجون غير فضل الله ويخافون غير عدله , وفي الواقع إنهم يخافون من غير عدل الاخرين اكثر مما يخافون من غير عدل الله (اي من ظلم الله) بل الخوف من ظلم الناس لا من عدل الله.
وأساساً فان جملة ((خاف غير عدلي)) مبهمة وركيكة والمفروض أن يقول ((خاف عدل غيري)) أو ((خاف عدلي)) لأنه لا معنى لأن يقول ((خاف ظلمي)) , لأن الله غير ظالم قطعا , حيث يخاف الانسان من عدله ويرجو رحمته . وبعبارة أخرى إن غير العدل إما أن يكون ظلما أو فضلا, وبما أن الظلم منتف بالنسب للذات المقدسة , فغير العدل يساوق الفضل , والفضل الالهي لا ينسجم مع الخوف منه بل يجب أن يطمع به الانسان لا أن يخافه .
ـ ومنها : ورد في القرآن الكريم أن الانبياء (ع) أيضا يخافون غير عدل الله . فالنبي زكريا يقول : ((وإني خفت الموالي من ورائي... )) (مريم : 5) والنبي موسى يقول ((فأخاف أن يقتلون)) (الشعراء : 14 – القصص : 33), بل إن الله نفسه يقول مخاطبا أم موسى : ((فاذا خفت عليه فألقيه في اليم)) (القصص: 7). وقال تعالى على لسان موسى وهارون : ((ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا)) (طه : 45). ويعقوب (ع) يقول : ((وأخاف أن يأكله الذئب)) (يوسف : 13) , ويقول تعالى مخاطباً نبيه الكريم : ((وإما تخافنّ من قوم خيانة)) (الانفال : 58).
ـ ومنها : تقول الرواية هذه : ((إني لم أبعث نبياً الا جعلت له وصيا)) في حين أنه يوجد الكثير من الانبياء لم يكن لهم أوصياء ولم يحدثنا القرآن الكريم أو الروايات المعتبرة أنه كان لهم أوصياء كالنبي صالح وشعيب ولوط وهود ويحيى وزكريا وغيرهم . بل ليس من المعقول وجود الوصي مع وجود النبي , فالكثير من أنبياء بني اسرائيل كانوا يتوارثون النبوة كداوود وسليمان , أو زكريا ويحيى فلا معنى لأن يجعل زكريا وصياً واماماً من بعده مع وجود النبي يحيى وظاهر الحديث أن الوصاية بالامامة غير مقام النبوة الذي لا يكون بجعل النبي السابق بل بارسال من الله تعالى للنبي.
ـ ومنها: وردت في هذا الحديث الباهر المشعشع أخبار عن المستقبل في زمن الامام الثاني عشر (ع) كقوله ((ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ويقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الارض من دمائهم ويفشوا الويل والرنين في نسائهم)) .
ونلاحظ عليه : أن زمن الامام المهدي (ع) يسود فيه العدل ويقام فيه القسط كما ورد في الروايات المتواترة (يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) وإن كان المقصود في زمن غيبته فلم نعهد في التاريخ أن مر الشيعة بزمن يتهادى الملوك والامراء رؤوس الشيعة , بل قامت لهم دول وممالك كدولة الحمدانيين وآل بويه والفاطميين والصفويين والقاجاريين وآخرها الدولة الاسلامية في ايران. ولم يكن شيعة العراق أو لبنان في زمن من الازمان يعيشون الرعب ولم يواجهوا الحرق ولم تصبغ الارض من دمائهم , واساسا فان مثل هذا التعبير المبالغ فيه (تصبغ الارض من دمائهم) بعيد أن يصدر من الله تعالى . وأما القتل في الحروب ونشوء الويل والرنين في نسائهم من جراء مقتل الرجال في الحروب فهو لا يتقصر على الشيعة بل يمثل حالة سائدة لدى جميع الشعوب والاقوام البشرية , فقد واجه المسلمون القتل والذبح في الحروب الصليبية وحرب الاندلس وقتل منهم مقتلة عظيمة , وكذلك واجهت الشعوب الاوربية مثل هذه الحالة المأساوية في الحرب العالمية الاولى والثانية , وابتلى المسلمون بالقتل الذريع على يد المغول والتتر . فلم تكن هذه الحالة خاصة بالشيعة كما يظهر من سياق الحديث المذكور.
ثم إن الزهراء (ع) تقول في هذا الحديث إن رسول الله (ص) اعطاها هذا اللوح ((ليسرّني بذلك)) فهل يعقل أن يكون غرض رسول الله (ص) من اهداء هذا اللوح الى ابنته العزيزة هو ادخال السرور على قلبها وفيه خبر مقتل أبنائها وذريتها على يد سلاطين الجور وما سوف يلاقي شيعتها من قتل وذبح وحرق ويتهادى امراء الجور والظلم رؤوسهم ويفشو الويل والرنين في نسائهم!؟
وأخيرا, اذا كان الغرض هو كتمان امر اللوح المذكور واختصاص النبي وأهل بيته (ع) به فكيف شاع وانتشر بين الناس جميعا بواسطة جابر ومن روى عنه هذه الرواية؟
وما معنى أن يقول ابو بصير للراوي : ((صنه الا عن أهله)) ثم يكتب هذا الحديث في الكتب وينتشر في كافة الاعصار والامصار؟!!
هذه نماذج من الأحاديث الواردة في كتب الشيخ الصدوق المختلفة مع مناقشتنا لها واستعرضناها للقاريء الكريم ليعلم ما ورد من أباطيل وخرافات في كتب الحديث المهمة حتى لا نقبل كل حديث يروى لنا في هذه الكتب ولا ننبهر بمؤلفيها وشهرتهم وقداستهم , ولو أننا قبلنا بكل ما ورد فيها من روايات بدون قيد وشرط فان مصيبتنا في الدين ستكون عظيمة.







 
قديم 23-12-13, 07:36 AM   رقم المشاركة : 4
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road





نقد العلامة المحدث محمد باقر المجلسي



أحمد القبانجي



وهو من متأخرى المحدثين وابرزهم ((المتوفى عام 1110 هـ )) وأشهر علماء الشيعة الامامية في الدولة الصفوية بحيث تأثر فيه جميع من جاء بعده من المحدثين . أما عن شخصية المجلسي وآثاره فقد أورد حاله العلامة في التذكرة وغالباما يطلق عليه أنه من اقطاب مذهب الامامية والمحيي لأحاديثهم أو خادم علوم أهل البيت كما تحدث عنه صاحب كتاب ((لؤلؤة البحرين)) وقال : هذا الشيخ كان امامنا في وقته في علم الحديث وسائر العلوم , شيخ الاسلام بدار السلطنة اصفهان , رئيسا فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية , إماما في الجمعة والجماعة , وهو الذي روج الحديث ونشره لا سيما في ديار العجمية وترجم لهم الأحاديث العربية بأنواعها بالفارسية ...
وأهم مصنفات المجلسي هو ((بحار الأنوار الجامعة لدرر الأخبار الأئمة الاطهار)) الذي اشتهر شهرة كبيرة بين الشيعة وصار مرجع المحدثين للفرقة الامامية . وقد طبع هذا الكتاب أخيرا في مائة و عشرة اجزاء , وقد استفاد المجلسي في هذا الكتاب من كتب القدماء والمعاصرين له واحيانا ينقل الأحاديث عن الكتب التي لا يعتمد هو عليها, وكمثال على ذلك ما ورد في المجلد السابع والخمسين حيث قال بعد أن أورد حديثا غريباً من كتاب ((جامع الأخبار)):
أوردها صاحب الجامع فأوردتها ولم أعتمد عليها
وايضا روى في هذا المجلد أيضا نفسه خبرا آخر عن الشيخ الصدوق ثم قال بعد ذلك:
أقول: الخبر في غاية الغرابة ولا اعتمد عليه لعدم كونه مأخوذا من أصل معتبر وإن نسب الى الصدوق ره
وعلى هذا الاساس فإنّ المجلسي وخلافا للكليني وابن بابويه لم يجمع في كتابه الأحاديث الصحيحة والمعتمدة لديه بل كان بصدد جمع الأخبار في كتابه هذا , ومن هنا كثرت الأخبار المجعولة والموهومة في هذا الكتاب الى جانب الأخبار الصحيحة والنافعة وقد انتشرت هذه الأخبار بين الناس بدون التصريح بجعلها وكذبها وسببت تلويث ذهنية العوام ومزجها بالخرافات والأساطير والعقائد المغالية . ورغم أن توضيح المجلسي في ذيل بعض الأخبار الغريبة قد يكون مفيدا احيانا إلا أنه لا يكفي في المقام , مضافا أنه سكت عن الكثير من الأخبار التي ورد في مضمونها غلو وأباطيل كثيرة , ولهذا احتاج كتاب ((بحارالأنوار)) الى نقد كثير وواسع ولابد أن يفصل له كتاب مستقل.
وللعلامة محمد باقر المجلسي كتب عديدة أخرى باللغة الفارسية منها : حلية المتقين, عين الحياة , حياة القلوب , حق اليقين , جلاء العين و زاد المعاد.
وهنا نستعرض بعض النماذج للأحاديث الباطلة المذكورة في كتابين للمجلسي أحدهما باللغة العربية والآخر باللغة الفارسية وهما : بحار الانوار وحلية المتقين ليكون القارىء الكريم على علم بتفاصيل هذه الروايات من هذا المختصر.

نماذج من روايات المجلسي
1 – روى المجلسي في كتاب ((بحار الانوار)) رواية طويلة عن الامام الصادق (ع) في ولادة الامام علي (ع) في الكعبة ونقرأ ضمن هذه الرواية أن النبي الأكرم جاء الى بيت أبي طالب بعد ولادة الامام علي وعودة أمه به الى بيتها:
((فلما دخل رسول الله (ص) اهتز له أميرالمؤمنين(ع) وضحك في وجهه وقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: بسم الله الرحمن الرحيم . قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلوتهم خاشعون ... إلى آخر الآيات . فقال رسول الله (ص) : قد افلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله : أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون . فقال رسول الله (ص) : أنت والله أميرهم))
وعلى أساس مفاد هذه الرواية فإن النبي محمداً وقبل أن يبعث بالنبوة بعشر سنوات وقبل نزول القرآن عليه في غار حراء فان علي بن أبي طالب قد كان على علم بآيات القرآن الكريم من سورة المؤمنون , مع أن القرآن الكريم نفسه يصرح أن النبي الأكرم قبل نزول الوحي لم يكن يعلم بالقرآن لا هو ولا قومه:
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا... (هود/49)
وأيضا يقول القرآن الكريم
وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان (الشورى52)
وكذلك يقول تعالى
ما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك (القصص/86)
فاذا لم يكن رسول الله عالما بنزول الكتاب وما فيه قبل البعثة ((حتى أنه اصيب بالدهشة في غار حراء عند نزول ملك الوحي عليه)) فكيف قرأ علي بن أبي طالب القرآن وهو طفل رضيع؟ هل أنه استلم الوحي قبل رسول الله؟ أليست هذه الأسطورة هي من ابداعات المغالين الذين يهدفون الى رفع مقام الامام علي الى مستوى الالوهية؟
والعجيب ما نقرأ في ذيل هذا الحديث أنه :
فلما كان من غد دخل رسول الله (ص) على فاطمة (بنت أسد) فلما بصر علي (ع) برسول الله (ص) سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار اليه أن خذني اليك واسقني بما سقيتني بالأمس قال: فأخذه رسول الله (ص) فقالت فاطمة : عرفه ورب الكعبة : قال: فلكلام فاطمة سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني أن أميرالمؤمنين (ع) عرف رسول الله (ص) (بحار, ج 35 , ص 38)
في حين أن من جملة المسلمات لدى أرباب التاريخ أن يوم عرفة كان مشهورا ومعروفا قبل ولادة الامام علي .
2 – ويروي المجلسي في المجلد 41 من كتاب بحار الأنوار هذه الرواية:
ابوالفتح الحفّار بإسناده أن عليّاً – عليه السلام – قال : ما زلت مظلوما مذ كنت! قيل له : عرفنا ظلمك في كبرك , فما ظلمك في صغرك؟ فذكر أن عقيلا كان به رمد , فكان لا يذرّهما حتى يبدأوا بي!
وهنا لابد من القول أن صانع هذا الخبر كان ساذجا جداّ لأن عقيل كان أكبر من الامام علي بـ20 سنة , ولا يعقل أن يتصرف شاب في عمر العشرين عام مثل هذا التصرف وأن لا يلقى في عينه الدواء قبل أن يلقى الدواء في عيني طفل رضيع , ولو كانوا يصنعون ذلك فانما يصنعونه مع الاطفال لا مع شاب في عمر العشرين.
إن اختلاف السن بين علي وعقيل ورد في بحار الأنوار نفسه حيث يقول :
إن مولانا أميرالمؤمنين – عليه السلام – كان أصغر ولد أبي طالب . كان أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين
3 – وقد ورد في كتب الشيعة والسنة أن الخليفة الثاني ((عمر بن الخطاب)) طلب يد ام كلثوم بنت الامام علي وتزوجها وأولد منها ولدا سماه ((زيد بن عمر)) . وقد ذهب بعض علماء الشيعة كالشيخ المفيد الى تضعيف هذه الرواية وأن سندها غير وارد الا من طريق أهل السنة , ولكن المجلسي يروي في بحار الأنوار هذه الرواية من طرق الشيعة أيضا حيث يوحي بصحتها ويقول بالنسبة الى انكار الشيخ المفيد:
إنكار المفيد – رحمه الله – أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طريقهم وإلا فبعد ورود ما مر من الأخبار إنكار ذلك عجيب وقد روى الكليني عن حميد بن زياد عن أبي سماعة عن محمد بن زياد عن عبدالله بن سنان ومعاوية بن عمار عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : إن عليا لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها الى بيته . وروي نحو ذلك عن محمد بن يحيي وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى , عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد , عن هشام بن سالم , عن سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام.
ولكن الموضوع العجيب هو أن المجلسي في المجلد 42 من بحار الأنوار يروي حديثا عن الامام الصادق يبرز فيه هذا الزواج بصورة عجيبة وغريبة وبشكل غير معقول , وهذه الرواية هي :
الصفار عن أبي بصير , عن جذعان بن نصر , عن محمد بن مسعدة , عن محمد بن حموية بن اسماعيل , عن أبي عبدالله الربيبي عن عمر بن أذينه قال : قيل لأبي عبدالله – عليه السلام – إن الناس يحتجون علينا ويقولون : إنّ أميرالمؤمنين (ع) زوّج فلانا ابنته أم كلثوم . وكان متكئا فجلس وقال : أيقولون ذلك؟ إنّ قوما يزعمون ذلك لا يهتدون الى سواء السبيل. سبحان الله ما كان يقدر أميرالمؤمنين (ع) أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ كذبوا ولم يكن ما قالوا . إن فلانا خطب الى علي – عليه السلام –بنته ام كلثوم فأبى علي – عليه السلام – فقال للعباس : والله لئن لم تزوجني لانتزعن منك السقاية وزمزم! فأتى العباس عليا فكلمه فأبى عليه , فألحّ العباس , فلمّا رأى أمير المؤمنين – عليه السلام – مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسّقاية ما قال أرسل أميرالمؤمنين (ع) إلى جِنيّة من أهل نجران يهوديّة يقال لها سحيفة بنت جريرية فتمثّلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم وبعث بها الى الرجل , فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم . ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت الى نجران وأظهر أميرألمؤمنين (ع) أم كلثوم!
ونلاحظ على هذه الرواية:
أولا : إن في سند هذه الرواية الخرافية أفرادا مجهولين مثل جذعان بن نصر ومحمد بن مسعدة ومحمد بن حموية ومن هنا فهذه الرواية ساقطة عن درجة الاعتبار سنداً.
ثانيا : لابد من التساؤل هنا , هل يتمكن الجِنّ من الزواج مع البشر ويتولد منهم طفل كزيد بن عمر ؟ وهل يجوز لامام المتقين وبسبب مقام السقاية لعمه العباس أن يحتال بهذه الحيلة ويصور جِنيّة بصورة الانسان ليتزوجها الخليفة؟ مضافا الى أن هذه الرواية اذا كانت صحيحة فالجنية قد عادت الى نجران واتضح امر ام كلثوم . اذن فلماذا نقرأ في الروايات الأخرى أن الامام علي بعد قتل عمر ذهب الى بيت الخليفة وأخذ ام كلثوم الى بيته؟
4 – والأنكى من ذلك رواية أخرى ذكرها المجلسي في المجلد الثاني والأربعين وهي:
عليّ بن ابراهيم , عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وحمّاد , عن زرارة عن أبي عبدالله – عليه السلام – في تزويج أم كلثوم فقال : إنّ ذلك فرج غُصبناه!
وفي نظري أن الامام علي أغير من أن يسمح بغصب ناموسه وشرفه لأي أحد من الناس , بل إن زواج أم كلثوم من الخليفة تم برضا أم كلثوم كما صرح بذلك بعض المؤرخين . وقد ورد هذا المعنى في بحار الأنوار أيضا: تارة يروى أنه كان عن اختيار وإيثار .
5 – ويروي المجلسي في المجلد 43 من بحار الأنوار هذه الرواية:
روي عن محمد بن سنان قال : دخلت على الصادق – عليه اسلام – فقال لي : من بالباب؟ قلت : رجل من الصين! قال فأدخله , فلما دخل قال له ابوعبدالله(ع): هل تعرفوننا بالصين؟ قال : نعم يا سيدي . قال : بماذا تعرفوننا ؟ قال: يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلوّن كل يوم مرتين فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه : لا إله الا الله , محمد رسول الله , واذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه : لا إله الا الله , علي خليفة رسول الله!
ونلاحظ على ذلك:
أولا : إن سند هذه الرواية ضعيف جدا وفي سلسلة السند انقطاع , فالراوي الأول لها هو ((محمد بن سنان)) الذي لا يعتمد عليه أرباب الرجال وهو مورد اختلاف شديد بينهم مما يسلب الوثوق بهذه الرواية حيث يقول ابن الغضائري والنجاشي في شأنه : إنه ضعيف غال لا يلتفت اليه.
ويقول أبو عمر الكشي في رجاله في شأن محمد بن سنان : فانه قال قبل موته: كلما حدّثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية انما وجدته.
ثانيا: إذا كان هناك نوع من الورد في البلدة تزهر وتنمو بهذه الأوصاف كل عام لاشتهر أمرها بين الناس وذاع صيتها في البلدان ولآمن آلاف الناس في الصين والبلدان النائية بالتشيع بل بالامكان تكثير هذا النوع من الورد وارساله الى مناطق أخرى من العالم الاسلامي في حين أنه لا يوجد لهذا الأمر خبر ولا أثر وأكثر الناس في الصين هم من غير المسلمين , وأكثر المسلمين هناك بل جمعيهم الا ما شذ وندر هم على مذهب أهل السنة والجماعة حيث اعتنقوا الاسلام عن طريق التجار المسلمين من أهل السنة الذين كانوا يذهبون الى هناك وينشرون مذهب التسنن , وعليه فلا يمكن التصديق بهذه الاسطورة الخرافية.
6 – ويروي المجلسي في المجلد 26 من بحار الأنوار:
ومن كتاب القائم للفضل بن شاذان عن صالح بن حمزة, عن الحسن بن عبدالله , عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة: والله إني لديان الناس يوم الدين ... وأنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر...
ونلاحظ على هذه الرواية ما يلي:
أولا: إن بعض رواة هذا الحديث متهمون بالغلو وبعضهم الآخر من المجاهيل , مثلا يقول العلامة الحلي في خلاصة الأقوال حول ((الحسن بن عبدالله)) أنه يرمى بالغلو.
ثانيا: إن كل باحث ومطلع على فترة حكومة أميرالمؤمنين في الكوفة والأوضاع الاجتماعية السائدة حينذاك يدرك جيدا كذب هذا الحديث لأن الكثير من الناس المتعصبين والخارجين كانوا يجلسون في مجلس أميرالمؤمنين في مسجد الكوفة ولا يتحملون مثل هذا الكلام وأن أميرالمؤمنين يقول: أنا صاحب النشر الأول والنشر الآخر.
وجهالة الراوي له يتبين من أن هذا الراوي لم يقل أن الامام علي قال هذا الكلام في الخفاء وبين أصحابه الخلص مثلا بل يدّعي أن اميرالمؤمنين قال ذلك على منبر الكوفة ونسب له صفات الالوهية أمام الناس. بديهي أن هذا الخبر لا يكون الا من صنع الغلاة والكذابين حيث يقول أميرالمؤمنين في هذا الصدد: هلك في رجلان محب غال ومبغض قال.
وقال أيضا : يهلك في رجلان محب مفرط وباهت مفتر.
7 – ويروي المجلسي في المجلد 26 من بحار الأنوار حديثاً غريبا آخر اقتبسه عن كتاب مجهول وهو :
ذكر والدي – رحمه الله – أنه رأى في كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أميرالمؤمنين – عليه السلام – هذا الخبر ووجدته أيضا في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة. قال : روي عن محمد بن صدقة أنه قال: سأل أبوذر الغفاري سلمان الفارسي – رضي الله عنهما – يا أبا عبدالله ما معرفة الامام أميرالمؤمنين (ع) بالنورانية ؟ قال يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك , قال: فاتيناه فلم نجده . قال: فانتظرناه حتى جاء فقال – صلوات الله عليه – ما جاء بكما؟ قالا : جئناك يا أميرالمؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية! قال – صلوات الله عليه – مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستم بمقصرين , لعمري إنّ ذلك لواجب على كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال – صلوات الله عليه – : يا سلمان و يا جندب , قالا: لبيك يا أميرالمؤمنين ! قال (ع): إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدرة للاسلام وصار عارفا مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك و مرتاب! يا سلمان ويا جندب . قالا : لبيك يا أميرالمؤمنين! قال (ع) : معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل ومعرفة الله عزوجل معرفتي بالنورانية ... يا سلمان و يا جندب . قالا: لبيك يا أميرالمؤمنين ! قال (ع): أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي! وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي! وأنا الذي جاوزت موسى بن عمران البحر بأمر ربيّ وأنا الذي أخرجت ابراهيم من النار بإذن ربي! وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي... وأنا الخضر عالم موسى ! وأنا معلم سليمان بن داوود! وأنا ذوالقرنين! وأنا قدرة الله عزوجل ...
ونلاحظ على هذا الحديث الغريب:
أولا : إن هذه الرواية بلحاظ السند لا اعتبار لها في بحار المجلسي, وأبوه قد أخذ هذه الرواية من كتاب قديم لا يعلم مؤلفه وكيف وصلت اليه هذه الرواية , مضافا إلى أن في سند الرواية انقطاع , لأن محمد بن صدقة الراوي لهذا الحديث لم يكن معاصرا لأبي ذر وسلمان فكيف روى هذا الحديث منهما؟ مضافا الى وجود شخصين في كتاب الرجال باسم ((محمد بن صدقة)) أحدهما محمد بن صدقة العبدي الذي كان معاصرا للامام الصادق والامام الكاظم والذي يقول عنه الكشي أنه ((بتري المذهب)) والمجلسي نفسه يذهب الى تضعيفه . والثاني محمد بن صدقة العنبري البصري المعاصر للامام الرضا والذي يرى الشيخ الطوسي والعلامة الحلي أنه من الغلاة. وهذان الشخصان مضافا الى الفاصلة الزمانية التي تفصلهما عن أبي ذر و سلمان , ليسا من الثقاة لدى العلماء الامامية ومن هنا فان سند الرواية المذكورة غير معتبر . والعجيب أن المجلسي نفسه لا يعتمد على هذه الرواية ولكن عندما يريد تبرير الخبر يقول : لو صح صدور الخبر عنه عليه السلام لاحتمل أن يكون المراد ...
ثانيا : إن دلالة الرواية لا تنسجم مع تعاليم القرآن الكريم , لأن القرآن يصرح في آيات عديدة أن نبي الاسلام لم يكن في عصر الأنبياء السابقين ولم يكن مطلعا على أحوالهم وأخبارهم , فكيف يكون الامام علي عارفا بذلك ؟ هل سبق النبي الى هذه المنزلة؟ يقول القرآن الكريم : وما كنت بجانب الطور اذ نادينا (القصص/46)
وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين (القصص/44)
وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم أيهم يكفَلُ مريم (آل عمران/44)
مضافا الى ذلك نتساءل ما معنى قوله : أنا قدرة الله عزوجل ؟ أليست القدرة من الصفات الذاتية للحق تعالى؟ فهل يمكن لمخلوق أن يتحد مع ذات الله عزوجل ويكون له شريكا؟ الا يظهر من هذه الكلمات شوائب الشرك والكفر؟ واخيرا ألا يمكننا أن نعتقد بأن مثل هذه الروايات من صناعة الغلاة؟
8 – ويذكر المجلسي في المجلد26من بحار الأنوار رواية عن أبي جعفر الباقر (ع) وهي:
عن أحمد بن الحسين عن الأهوازي عن عمر بن تميم عن عمار بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنا لنعرف الرجل اذ رأيناه بحقيقة الأيمان وبحقيقة النفاق .
هذه الرواية مضافا الى أن في سندها ((عمر بن تميم)) المجهول لدى علماء الرجال فانها لا تنسجم مع آيات القرآن الكريم , لأن القرآن الكريم يصرح بأن النبي الأكرم لم يكن يعلم المنافقين فكيف يعلم الامام ذلك بمجرد أن يرى الشخص؟ فنحن نقرأ في سورة التوبة قوله تعالى:
ومن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم (التوبة/101)
وكذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة:
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام (البقرة/204)
وبديهي أن الرواية التي تتناقض مع القرآن الكريم لا يمكن أن تكون صادرة من الامام الباقر بل هي افتراء عليه.
9 – وأحد الطرق لمعرفة الاحاديث الموضوعة والباطلة هو ما ورد من المثوبات العجيبة والغريبة الاعمال التافهة من قبيل ما ذكره المجلسي في كتابه ((بحار الانوار)) حيث يقول:
((في مناهي النبي قال : من مشى الى ذي قرابة بنفسه وماله , ليصل رحمه , أعطاه الله عزوجل أجر مائة شهيد , وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة ويمحى عنه أربعون الف سيئة , ويرفع له من الدرجات مثل ذلك , وكأنما عبد الله مائة سنة صابراً محتسباً))
وعلى هذا الأساس يلزم من ذلك أن الشهداء قد خسروا خسرانا مبينا لأنهم لو استبدلوا بالذهاب الى جبهات القتال والاستشهاد في سبيل الله بأن يتوجهوا لزيارة أرحامهم حيث ينالون من الثواب أكثر بكثير من ثواب الشهادة في كل مرة.
أليست هذه الرواية موضوعة ومن افتراء الكذابين؟
ومرة أخرى نرى أن المجلسي يذكر المثوبات المسرفة في كتابه هذا حول ثواب زيارة مرقد الامام الرضا (ع) حيث يروي رواية عن الامام الرضا (ع) نفسه أنه قال : ((من زارني في غربتي كتب الله عزوجل له أجر مائة الف شهيد ومائة الف صديق , ومائة الف حاج ومعتمر , ومائة الف مجاهد , وحشر في زمرتنها وجعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقنا))
الا يوحي هذا الحديث في نفوس المؤمنين بتفاهة أجر الشهداء والحج والجهاد في سبيل الله حيث إن ثواب زيارة واحدة لمرقد الامام الرضا (ع) تعدل مئات الآلاف من أجر الشهداء والصديقين والحج والعمرة رغم أن كل هذه الامور من الواجبات والزيارة مستحبة , مضافا الى أن الحاج يجب عليه في كل حجة أن يزور مرقد النبي الاكرم (ص) فهل بلغت زيارة قبر ابن رسول الله (ص) من الاهمية أن تفضل زيارة قبر النبي نفسه بمائة ألف مرة؟!! بل وفي رواية أخرى أن ثواب الزيارة هذه تعدل عند الله ألف ألف حجة !! بل غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الامطار وورق الاشجار !!
ومرة أخرى نقول إنه على فرض معقولية أن يغفر الله ما تقدم من ذنوب الزائر , فكيف يعقل أن يغفر ما تأخر من ذنوبه الى حين أجله؟ أليس ذلك من قبيل صكوك الغفران التي أبدعتها الكنيسة؟ وما ذا تؤثر زيارة واحدة لقبر الامام الرضا (ع) في نفس الانسان وروحه بحيث أنها تعادل تأثير مائة الف حجة الى بيت الله الحرام ومائة الف جهاد وقتل في سبيل الله؟!
إن كل عاقل منصف يجزم بأن مثل هذه الروايات قد وضعها أصحاب المطامع الذين ينتفعون ماديا من كثرة الزوّار الى مدينة مشهد كما ورد في الحديث المعروف عن بصل عكا!.
10 ـ والى جاب ما تقدم من الاسراف في الثواب نرى المجلسي يذكر روايات كثيرة في جانب الاسراف في العقاب أيضا , مثلا نرى موارد كثيرة ورد فيها اللعن الشديد على مرتكب بعض الافعال المباحة أو المكروهة التي لا تستحق كل هذه العقوبة كالضحك أو رفع الصوت أو اكل طعام معين وأمثال ذلك. وحتى بالنسبة الى المحرمات يجب أن تكون العقوبة فيها مساوية للفعل نفسه في الشدة والضعف طبقا لقوله تعالى: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها))
وقوله تعالى : ((ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها))
ولكن ما يرويه المجلسي بعيدكل البعد عن هذا المعيار , مثلاً يذكر عقاب الربا ويقول:
((عن أبي بصير, عن أبي عبدالله (ع) قال : درهم ربا أعظم عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالته وعمته))
وكذلك يروي عن جميل عن أبي عبدالله (ع) قال : ((درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله, وقال الربا سبعون جزءاً أيسره أن ينكح الرجل أمّه في بيت الله الحرام))
ونترك التعليق للقاريء الكريم مع ذكر ملاحظة واحدة وهي أن حكم الربا مهما تعاظم لا يتعدى التعزير, أي جلد المرابي عدة سياط , والزاني بذات محرم وخاصة في بيت الله يقتل لا محالة!!







 
قديم 23-12-13, 07:39 AM   رقم المشاركة : 5
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


الكذب في الرواية عن الائمة


فاننا نرى في عصر الأئمة ظهور بعض الأشخاص المنحرفين والمحبين للجاه والمقام أنهم كانوا يأتون الى الأئمة من أهل البيت ويجلسون في مجالسهم لينقلوا أحاديثهم ورواياتهم ليكتسبوا وجاهة ومنزلة عند الشيعة واتباع أهل البيت , وهذه الطائفة من الرواة عملوا على تحريف اقوال الأئمة بما يحلوا لهم , كما ذكر الكشّي ذلك في كتابه الرجال عن الامام الصادق أنه قال للفيض بن المختار :
((يا فيض ؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا كأن الله افترضه عليهم لا يريد منهم غيره ! وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون به الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا )).ومن أجل أن نعلم كيف فسر هؤلاء المغرضون أحاديث أهل البيت , نكتفي بذكر رواية عن ابي جعفر الكليني ((المتوفى سنة 328 أو 329 هـ)) في اصول الكافي , باسناده عن محمد بن مارد أنه قال :
((قلت لأبي عبدالله عليه السلام :حديث روي لنا أنك قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت ! فقال: قد قلت ذلك . قال: قلت : وإن زنوا أو سرقوا او شربوا الخمر؟ فقال لي : إنا لله وانا اليه راجعون , والله ما انصفونا أن نكون اخذنا بالعمل ووضع عنهم , إنما قلت : إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فانه يقبل منك. )) ولو تجاوزنا دوافع حب الرئاسة فان اقبح العلل لوضع الحديث والافتراء على عن الأئمة يتمثل في ((الغلو)) أو ((البغض)) لأهل البيت , كما أورد الشيخ الصدوق في كتابه ((عيون أخبار الرضا)) عن الامام الرضا قوله لابراهيم بن ابي محمود:
((إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام . أحدها الغلو وثانيها التقصير وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فاذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا واذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .))
ومن بين هذه الأنواع الثلاثة للروايات التي وضعها المخالفون لأهل البيت كما يقول الامام الرضا فانه ولحسن الحظ قلما نجد روايات ((التقصير)) في المصادر الحديثية , ولكن مع الأسف فان روايات الغلو واللعن المجعولة والمنسوبة الى أهل البيت موجودة بكثرة في مصادر الحديث ولابد من اتخاذ الحذر في ذكرها وقراءتها على الناس لصيانة الجيل الجديد من التورط في الانحراف في العقيدة. والدافع الآخر لوضع الحديث هو الدافع الديني والاهتمام بتديّن الناس والحرص على ترغيبهم بالدين . ولعل هذا الكلام يستوجب العجب ولكن مع الأسف فان هذا الدافع موجود في صفوف رواة الشيعة والسنة حيث وضعوا أحاديث كثيرة لهذا الغرض. ونقرأ في كتاب أهل السنة , أن رجلا يسمى ((نوح بن مريم المروزي)) المتوفى عام 173هـ , سُئل عن حديث رواه عكرمة عن ابن عباس في ثواب السور القرآنية التي ينقلها نوح بن مريم هذا وأنه عمّن سمعها ومن أين جاء بها؟ فقال نوح بن مريم :
إني رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة (أي لطلب الثواب).
ويقول الشهيد الثاني ((زين الدين العاملي)) : إن الأحاديث التي وردت في تفسير الواحدي الثعلبي والزمخشري في ثواب قراءة السور القرآنية ((جميعها من هذا القبيل والواضع لها قد اعترف بوضعه لهذه الأحاديث)).
واضيف أيضا أنه مع الأسف أن هذه الأحاديث موجودة في تفاسير الشيعة كذلك ومنها ((تفسير التبيان)) للشيخ الطوسي , وتفسير ((مجمع البيان)) للشيخ الطبرسي , وتفسير (روض الجنان وروح الجنان)) للشيخ أبي الفتوح الرازي , حيث يذكر الشهيد الثاني وآخرون أن أحد متصوفة عبادان قد جعل هذه الأحاديث , وتنسب هذه الأحاديث الموضوعة الى الصحابي المشهور ((ابن ابي كعب)) أنه سمعها عن رسول الله.
وقد كان نوح بن مريم وامثاله يضعون هذه الأحاديث في محيط أهل السنة ولكن هناك أحاديث وضعها الكذابون ودسوها في كتب الشيعة لتشويق الناس في احياء السنة كما يتصورون, ومن ذلك ما ورد في حديث في كتاب ((تفسير منهج الصادقين)) للملا فتح الله الكاشاني ((المتوفى عام 977 هـ)) عن رسول الله أنه قال:
((من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي بن ابي طالب ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي! ))
فهل هناك أقبح من تشويق الشيعة للمتعة بوضع حديث عن رسول الله في هذا الباب ورسول الله نفسه قال : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. ))
وقد يعتذر هؤلاء الوضاع لجعلهم الحديث وروايتهم له أن الكثير من العلماء أوردوا هذا الحديث في كتبهم . ولكن الحقيقة كما أوردها الشيعة والسنة عن رسول الهه والامام الصادق أنهما قالا :
((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
ومن الدوافع الأخرى لوضع الحديث هو التكسب , حيث كان هناك فئات من الناس يسمون بالمرتزقة, وهؤلاء كانوا يضعون الروايات والأحاديث ويكسبون بها أجرا , وعلى سبيل المثال نذكر هذه الواقعة : دخل يوما الى مسجد الرصافة في الكوفة المحدث المشهور أحمد بن حنبل ومعه يحيى بن معين, فشاهدا في المسجد رجلا يحدث الناس ويقول:
((حدثنا أحمد بن حنبل ويحيي بن معين قالا : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : من قال لا إله الا الله خلق الله تعالى من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان...! ))
ثم أن ذلك الرجل استمر في كلامه وأخذ يفصّل الحديث في ثواب ذلك العمل, وبعد أن انتهى من كلامه نظر ابن معين واحمد بن حنبل أحدهما الى الآخر وقال احمد ليحيى بن معين : هل نقلت هذا الحديث الى هذا الرجل ؟ فاجابه يحيى بن معين : اقسم بالله انني لم اسمع هذه الحكاية في حياتي سوى في هذا الوقت.
وفي ذلك الوقت اخذ ذلك الرجل أجره من الناس وبقي ينتظر عطاء الآخرين , فأشار له يحيى بن معين فتصور الرجل أنه يريد ان يعطيه مبلغا من المال فجاء اليه, فقال له يحيى بن معين : أنا يحيى بن معين وهذا الشخص هو أحمد بن حنبل ونحن لم نسمع من رسول الله أنه يقول هذا الحديث ولم ننقله اليك فلو كنت مضطرا للكذب فانسبه الى غيرنا . فقال : لقد سمعت أن يحيى بن معين رجل احمق ولكن لم يثبت ذلك لي الى اليوم.
فقال ابن معين: وكيف؟ فقال الرجل : لأنك تتصور أن ليس في الدنيا رجل يسمى بهذا الاسم غيرك وأن لا يوجد في الدنيا أحمد بن حنبل غير هذا الشخص في حين أنني أروي عن سبعة عشر رجلا باسم احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما .
ويستفاد من الأحاديث القديمة الشيعية أن المرتزقة كانوا موجودين في صفوف الشيعة واتباع الأئمةولذلك ورد في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت في أصول الكافي عن الامام الصادق (ع) أنه قال:
((من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. ))
وكذلك أورد الشيخ الكليني في اصول الكافي عن الامام الباقر (ع) أنه قال لأبي ربيع الشامي:
((ويحك يا أبا الربيع لا تطلبن الرئاسة ولا تكن ذنبا ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول... ))
وذكر المحدث المشهور الحسن بن شعبة ((من علماء القرن الرابع الهجري)) في كتابه ((تحف العقول عن آل الرسول)) عن الامام الصادق (ع) قوله :
((فرقة أبحونا وسمعوا كلامنا ولم يقصدوا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم نارا)).
ويروي الشيخ أبو عمر والكشي في رجاله عن الامام علي بن الحسين أنه قال لقاسم بن عوف : ((إياك أن تستأكل بنا)).
ولا شك أن هؤلاء المرتزقة قد وضعوا أحاديث كثيرة لجلب نظر الناس ونسبوها الى الأئمة , ومع الأسف نجد أن بعض أهل المنبر يوردون الكثير من هذه الأخبار في باب شهادة الامام الحسين عليه السلام لتأمين معاشهم والارتزاق بذكر مصائب أهل البيت , وكما يقول المحدث المشهور الميرزا حسين النوري ((المتوفى عام 1320 هـ)) في كتابه ((اللؤلؤ والمرجان)):
((الظاهر أن بعض اصحاب المنبر قد تبعوا الشيخ الصوفي العباداني, ولكن ذلك الشيخ كان يجعل الحديث بسبب ملاحظته عدم رغبة الناس لقراءة القرآن وتوهم أن هذا العمل نافع لترغيب الناس في تلاوة القرآن فهولم يقصد جلب المنفعة ولكن أصحاب المنبر هؤلاء يهدفون الى التكسب وتحصيل المال)).







 
قديم 23-12-13, 07:40 AM   رقم المشاركة : 6
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road




نقد أحاديث الشيخ الكليني:

أحمد القبانجي


يعتبر ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ((المتوفى عام 329 هـ)) من قدماء علماء الامامية ومن أكابر محدثيهم المشهورين , حيث يقول النجاشي ((الرجالي المعروف لدى الشيعة)) عنه : شيخ اصحابنا في وقته بالري .
ويقول الشيخ ابوجعفر الطوسي في حقه : ثقة عالم بالاخبار.
ويقول ابن طاووس عنه: الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني.
ويقول محمد باقر المجلسي عنه : مقبول طوائف الأنام ممدوح الخاص والعام محمد بن يعقوب الكليني.
والخلاصة أن مؤلف كتاب الكافي معروف لدى الامامية بالوثاقة والأمانة والحفظ . كما أنه قسم كتابه الى ثلاثة أقسام : الأصول , الفروع , الروضة , وعلى سبيل المثال يقول الشيخ المفيد : الكافي وهو من أجل كتب الشيعة واكثرها فائدة.
ويقول الشهيد الأول : كتاب الكافي في الحديث الذي لم يعمل الامامية مثله.
ويقول المحقق الكركي: الكتاب الكبير في الحديث المسمى بالكافي الذي لم يعمل مثله.
ويقول الفيض الكاشاني : الكافي ... أشرفها وأوثقها واتمها واجمعها.
ويقول محمد باقر المجلسي : كتاب الكافي ... أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها.
ومضافا الى ما ذكر علماء الامامية في مدح كتاب الكافي فان المؤلف نفسه ذكر في مقدمة كتابه هذا مخاطبا لمن كتب اليه هذا الكتاب , فقال :
قلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع اليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين – عليهم السلام – والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدي الى فرض الله – عزوجل – وسنة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم - ... وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت.
وبالرغم من ذلك فان كتاب الكافي ورغم وجود الروايات الصحيحة فيه الا أنه مع الأسف يتضمن أخبارا كاذبة وزائفة , ونحن نستعرض هنا بعض هذه الأخبار الموضوعة ونلفت نظر القاريْ الكريم وخاصة المحققين اليها .
وقبل نقد احاديث الكافي نرى من اللازم أن نذكر الأخوة بأن احاديث الكافي, وخلافا لما يتصور بعض السذج من الشيعة , ليست قطعية الصدور لدى اعلام الشيعة الامامية , حتى أن الشيخ محمدباقر المجلسي في كتابه ((مرآة العقول)) قد ضعف كثيرا من رواياته بسبب ضعف السند , ولهذا لا ينبغي أن نتعجب من ورود طائفة من الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب.

نقد أحاديث الشيخ الكليني:

1 – تقدم أن كتاب الكافي مؤلف من ثلاثة اقسام ((الأصول , والفروع والروضة)) وكل هذه الأقسام قد تم طبعها وهي في متناول القرّاء ونرى في اصول الكافي بابا بعنوان ((باب النهي على اشراف قبر النبي)) حيث أورد الشيخ الكليني حديثا في ذلك , وفي الحقيقة أنه اعتمد على هذا الحديث في فتواه وهذا الحديث هو :
عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي , عن جعفر بن المثنى الخطيب قال:
((كنت بالمدينة وسقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط والفعلة يصعدون وينزلون ونحن جماعة. فقلت لأصحابنا : من منكم يدخل على أبي عبدالله عليه السلام الليلة ؟ فقال مهران بن ابي بصير : أنا , وقال اسماعيل بن عمار الصيرفي : أنا. فقلنا لهما : سلاه لنا عن الصعود لنشرف على قبر النبي – صلى الله عليه وآله – فلما كان من الغد لقينا هما , فاجتمعنا جميعا فقال اسماعيل : قد سألنا لكم عما ذكرتم . فقال : ما أحب لاحد منهم أن يعلو فوقه ولا آمنه أن يرى شيئا يذهب منه بصره , أو يراه قائما يصلي أو يراه مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وآله وسلم
وهذا الحديث ساقط سندا ودلالةً , لأنه:
أولا: إن جعفر بن المثنى المشهور بالخطيب لم يكن معاصرا للامام الرضا ولم يكن معاصرا للامام الصادق (ع) أيضا كما ذكر ذلك المجلسي في كتابه ((مرآة العقول)) وقال:
((فان جعفر بن المثنى من أصحاب الرضا لم يدرك زمان الامام الصادق)).
ثانيا: إن جعفر بن المثنى كان واقفيا ولم يوثقه أي واحد من علماء الرجال الشيعة. وقد كتب المامقاني في كتابه ((تنقيح المقال)): هذا واقفي لم يوثق.
ثالثا: اذا كان المراد من رؤية النبي الأكرم رؤيته الجسدية فان النبي كان تحت التراب ولا يمكن بأي وجه رؤية جسده الشريف , واذا كان المراد رؤية روح النبي الأكرم فان الروح ليست مرئية والا فان جميع العمال الذين كانوا يعملون في تعمير سقف المسجد كانوا يصعدون الى ما فوق القبر الشريف ولابد أنهم رأوا روح النبي الأكرم وزوجته ولذلك يجب أن تعمى عيونهم أيضا.
رابعا: اذا كان كل من اطلع على قبر النبي الأكرم ونظر اليه يخشى عليه العمى فإذن لماذا لم ينه رسول الله عن هذا العمل بل رضي بهذا الضرر والبلاء لأمته؟
2 – وقد أورد الشيخ الكليني رواية عجيبة أخرى في باب مولد النبي ووفاته في كتابه ((اصول الكافي)) وهي:
((محمد بن يحيى , عن سعد بن عبدالله , عن ابراهيم بن محمد الثقفي , عن علي بن المعلى , عن أخيه محمد , عن درست بن أبي منصور , عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير , عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ولد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه اياما حتى وقع أبوطالب على حليمة السعدية فدفعه اليها.
وهذه الرواية أيضا مخدوشة سندا ودلالةً ويحتمل أن الراوي لها أراد توثيق رابطة القرابة بين النبي الاكرم والامام علي فاضطرّ الى جعل هذه الاسطورة الخرافية , والا فما هي الضرورة في أن يجعل الله تعالى اللبن في ثدي أبي طالب ليرضع ابن أخيه؟ الم يكن بالامكان أن يرزق الله تعالى فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب هذا اللبن ويضعه في ثديها لترضع النبي ؟ ألم تكن هذه المرأة الطاهرة هي التي تولت تربية النبي وحمايته في بيت أبي طالب وكان النبي كأحد ابنائها.
بعض رواة هذا الحديث غير معروفين لدى علماء الرجال , مثلا ورد في كتب الرجال عن ((علي بن معلا)) أحد رواة هذه الرواية أنه:
((مجهول الحال)). وكذلك ذكر علماء الرجال أنّ ((درست بن ابي منصور)) واقفي المذهب . ومن الواضح أن العاقل لا يمكنه قبول روايات مثل هؤلاء الأشخاص.
3 – وقد أورد الشيخ الكليني في هذا الباب ايضا ((باب مولد النبي)) في اصول الكافي, رواية في معراج الرسول الأكرم, وهي ضعيفة سندا ومتنا, وهذه الرواية هي :
((عدة من أصحابنا , عن أحمد بن محمد , عن الحسين بن سعيد , عن القاسم بن محمد الجوهري , عن علي بن أبي حمزة, قال:
سأل أبو بصير أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر فقال: جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص)؟ فقال : مرتين فأوقفه جبرئيل موقفا , فقال له : مكانك يا محمد! فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي إن ربك يصلي! فقال : يا جبرئيل وكيف يصلي ؟ ! قال : يقول : سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح , سبقت رحمتي غضبي . فقال : اللهم عفوك عفوك . قال : وكما كان قال الله : قاب قوسين أو أدنى , الحديث. ))
وأحد رواة هذا الخبر كما هو مذكور في المتن ((قاسم بن محمد الجوهري)) حيث يقول عنه العلامة المامقاني في رجاله : الرجل إما واقفي غير موثق أو مجهول الحال وقد رد جمع من الفقهاء روايته منهم المحقق في المعتبر.
أما متن الرواية فترد عليه عدة اشكالات :
الأول: إن ظاهر الرواية يقرر أن الله تعالى له مكان معين في السماء , مع أن الله تعالى محيط بجميع الأماكن وليس له مكان خاص بل كما ورد بنص القرآن الكريم : ((اَلا إنَّهُ بٍكُلِّ شَيءٍ مُحيْطٌ)) سورة فصلت , الآية 54.
الثاني: صلاة الله تعالى غير معقولة وهي أشبه ما تكون بالخرافة.
الثالث: أما قوله كما ورد في الآية ((فكان قاب قوسين أو أدنى)) فهي الفاصلة التي بين النبي وملك الوحي لا الفاصلة بين النبي وبين الله تعالى كما يدل على ذلك سياق الآيات الشريفة:
علّمَهُ شَديدُ القُوى . ذو مرَّةٍ فاسْتَوى . وهُوَ بالأُفُقِِ الأعلى . ثُمَّ دَنى فَتَدلّى . فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنى (النجم , 5 – 9)
أي أن ملك الوحي هو مخلوق ذو قوة شديدة وهو الذي علم النبي الأكرم وكان واقفا بالافق الأعلى ثم اقترب من النبي الى درجة أنه كان قاب قوسين أو أدنى من النبي . وعليه فإن التفسير الوارد في هذه الرواية لا يتفق مع القرآن الكريم وذلك يستوجب ضرب الرواية عرض الجدار.
4 – وقد ذكر في اصول الكافي في ((باب ما عند الائمة من سلاح رسول الله ومتاعه)) قصة الحمار الذي يسمى ((عفير)) وهي:
((روي أن اميرالمؤمنين عليه السلام قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله – صلى الله عليه وآله – فقال : بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني عن أبيه عن جده , عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام اليه نوح فمسح على كتفه ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم فالحمدلله الذي جعلني ذلك الحمار. ))
وكما نلاحظ أن هذه الرواية مرسلة ومقطوعة السند ولا يعلم من جعل مثل هذه الخرافة العجيبة ونسبها الى أمير المؤمنين , ولكن الشيخ الكليني نقلها في اصول الكافي , والعجيب أن الكليني نفسه صدق بهذه الرواية وأوردها في كتابه الذي يقول عنه أنه جمع فيه الآثار الصحيحة!!
ولكن لا أحد يعلم أن هذه الجماعة من الحمير كيف حفظت حديث النبي نوح ونقلته عن واحد بعد الآخر, وكذلك لا يعلم أن هذه الحمير كم بلغ عمر الواحد منها من مئات السنين بحيث أن عدد الأجيال منذ زمان نوح الى زمان النبي الأكرم لا يتجاوز خمسة أجيال؟ وهكذا كلام الحمار الاخير بلسان عربي فصيح , ونقله للحديث كما ورد في الرواية, كل ذلك من العجائب , ولا أظن أن أحدا ذكر للشيخ الكليني هذه الرواية على سبيل المزاح والاستهزاء.
5 – وذكر الشيخ الكليني في كتابه هذا في ((باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني )) حديثاً غريبا آخر هو :
((علي بن ابراهيم . عن أبيه قال : استأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة فاذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام وله عشر سنين. ))
وهذه الرواية مقطوعة من حيث السند لأن والد علي بن ابراهيم, وهو ابراهيم ابن هاشم القمي, لا يعلم من أين أخذ هذه الرواية؟ وبخاصّة أن الراوي لم يذكر حضوره في هذا المجلس , واما متن الرواية فخير دليل على كذبها , لأنه كيف يتمكن الانسان أن يجيب على ثلاثين ألف مسآلة في مجلس واحد؟ فحتى لو فرضنا أن الاجابة على هذه المسائل كانت سهلة وميسورة على الامام الجواد ولكن كيف تمكن السائلون من طرح ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد الا أن يستغرق هذا المجلس عدة أيام بلياليها .
فلو فرضنا أن السؤال والجواب عنه يستغرق دقيقة واحدة فقط فإنّ ثلاثين ألف دقيقة تساوي خمسمائة ساعة فمعنى ذلك أن الاجابة على ثلاثين ألف سؤال تستغرق أكثر من عشرين يوماً بلياليها, فكيف وقعت هذه المحاورة في مجلس واحد؟
6 – وذكر الشيخ الكليني في اصول الكافي في باب كتاب ((فضل القرآن)) رواية بهذا النص:
((علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن ابي عبدالله عليه السلام قال : إن القرآن الذي جاء به جبرئيل الى محمد سبعة عشر الف أية)).
ونعلم أن آيات القرآن الكريم الذي بين ايدينا لا تتجاوز سبعة آلاف آية فاذا صحت رواية اصول الكافي هذه فلابد أن يكون قد حذف أكثر من نصف القرآن , وهذا القول باطل ولا أساس له لأن الله تعالى قد وعد بحفظه ((إنّا نَحنُ نزّلنا الذٍكْرَ وإنّا لَه لَحافِظونَ)) الحجر الآية 9.
وهناك رواية مشهورة عن الامام علي عليه السلام عن رسول الله أنه قال : ((جميع آيات القرآن ستة آلاف أية ومئتان و ستة وثلاثون آية)).
وأما ما احتمله بعض الشارحين لاصول الكافي من اختلاف المقصود من الآيات في رواية الكافي مع المصحف الموجود, هو احتمال لا وجه له, لأن لازم ذلك أن الامام الصادق (ع) قد عد كل ثلاث آيات آية واحدة . وبطلان هذا المعنى لا يخفى على أحد . مضافاً الى أن هذا الكلام مخالف للحديث النبوي الشريف . وكذلك انقطاع سند الحديث في أصول الكافي لأن علي بن الحكم لم يكن معاصرا للكليني.
وليست هذه المرة الاولى التي ينقل فيها الكليني حديثاً يصرح بتحريف القرآن بل نجده في موارد كثيرة من كتاب الكافي وروضة الكافي ينقل مثل هذه الروايات الباطلة والمخرّبة حتى أخذ عنه القول بتحريف القرآن جملة من علماء الشيعة أمثال ((الفيض الكاشاني)) في كتاب ((تفسير الصافي)) والشيخ نعمة الله الجزائري في ((الانوار النعمانية)) والحر العاملي في ((وسائل الشيعة)) والشيخ أحمد النراقي في كتاب ((مناهج الاحكام)) والسيد عبدالله شبّر في ((مصابيح الانوار)) والسيد هاشم البحراني في مقدمة تفسيره الموسوم بـ((البرهان في تفسيرالقرآن)) وغيرهم من علماء الشيعة ومفسّريهم بحيث اصحبت مقولة تحريف القرآن وصمة عارٍ على جبين الشيعة يصعب التخلص منها مهما حاول المتأخرون منهم , كالعلامة الطباطبائي صاحب ((الميزان)) والسيد الخوئي في ((البيان)) والشيخ مكارم شيرازي في ((الأمثل)), التخلص منهما والدفاع عن القرآن والتشيع مقابل اتهامات المغرضين والمخالفين.
وننقل هنا ما ذكره الفيض الكاشاني في تفسير الصافي من القول بتحريف القرآن مستنداً في ادعائه هذا الى جملة مما نقله الكليني وأمثاله من روايات موضوعة وأخبار كاذبة في هذا الباب . قال في المقدمة السادسة من تفسيره بعد أن أورد ما رواه الكليني في الكافي وعلي بن ابراهيم القمي في تفسيره من روايات تقرر تحريف القرآن:
((أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس كما كما أنزل على محمد (ص) بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغيّر محرّف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي (ع) في كثير من المواضع ومنها غير ذلك وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله وعند رسول الله (ص). ))
وكنموذج مما أورده الكليني أيضا من روايات تصرح بتحريف القرآن ما ذكره في روضة الكافي (الحديث 18) من قصة الحارث بن عمرة الفهري الذي غضب عندما قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي الب (ع): ((إن فيك شبها من عيسى بن مريم .. )) فقال الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء... تقول الرواية أنه جاءته حجارة فرضخت هامته ثم أتى الوحي الى النبي (ص) فقال: سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع من الله ذي المعارج قال الراوي : قلت : جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا . فقال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (ص) وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة .. )).
ورغم أن الرواية لم تذكر اسم الامام الذي كان يخاطبه الراوي (ابو بصير) الا أن لحن الكلام وقول أبي بصير ((جعلت فداك)) وذكر الكليني لها في كتابه كلها تشير الى أنها رواية عن امام المعصوم.
ونموذج آخر ما أورده الكليني في الكافي , باب (الاشارة والنص على أميرالمؤمنين (ع) ) من قول رسول الله (ص) لأبي بكر وعمر يوم غدير خم أن: ((قوما فسلما عليه بامره المؤمنين . فقالا : أمن الله أو من رسوله يا رسول الله ؟ فقال لهما رسول الله (ص) : من الله ومن رسوله فأنزل الله عزوجل : ((ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها ... الى قوله : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون (أئمة هي أزكى من أئمتكم) )) قال : قلت جعلت فداك أئمة؟ قال : أي والله أئمة . قلت : فانا نقرأ أربى . فقال : ما أربى؟ وأوما بيده فطرحها))
ونلاحظ هنا أن الراوي الكذاب غفل عن أن سورة النحل التي وردت فيها هذه الآية مكية ولا ارتباط لها بواقعة الغدير التي وقعت في السنة الاخيرة من الهجرة في المدينة , أما الآية الشريفة فهي ((... أمّةً هي أربى من أمّة))
هذا والقرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالى قطعا لقوله تعالى :
إن علينا جمعه وقرآنه
ويقول عزوجل إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
ويقول تعالى أيضا مؤكدا هذا المعنى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
مضافا الى الروايات التي تصل حد التواتر في لزوم التمسك بكتاب الله وأنه المرجع للمسلمين ولزوم عرض روايات النبي وأهل بيته الطاهرين على القرآن لمعرفة الحق من الباطل والصحيح من الموضوع منها , فاذا سرى الخلل والشك في آيات القرآن نفسها كما توحي بذلك هذه الروايات الموضوعة فلايبقى للمسلمين ميزانا للحق والباطل ولا مرجعا يرجعون اليه في عقائدهم وأحكام دينهم بعد تفشي الوضع والاختلاق في الثقل الثاني وهو السنة الشريفة. وهذا هو ما يصبو اليه هؤلاء الغلاة الدجالين.
7 – روى الشيخ الكليني في اصول الكافي في ((باب النوادر)) من كتاب التوحيد:
(( محمد بن أبي عبدالله , عن محمد بن اسماعيل , عن الحسين بن الحسين , عن بكر بن صالح , عن الحسن بن سعيد , عن الهيثم بن عبدالله , عن مروان بن صباح قال : قال ابو عبدالله عليه السلام : إن الله خلقنا فاحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه , ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة , ووجهه الذي يؤتى منه , وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه , بنا أثمرت الأشجار , وأينعت الثمار , وجرت الأنهار , وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض , وبعبادتنا عبدالله ولولا نحن ما عبدالله.
ونلاحظ على هذه الرواية :
أولا: إن في سند هذه الرواية اشخاصا مجهولين وغير موثقين مثل مروان بن صباح الذي يقول عنه المامقاني : ليس له ذكر في كتب الرجال , و((بكر بن صالح)) الذي يقول عنه العلامة الحلي : ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب.
ثانيا: أما من حيث المتن فبعض بنود الرواية يخالف القرآن الكريم بصراحة , مثلا ورد في هذه الرواية , ((خزّانه في سمائه وأرضه)) مع أن القرآن الكريم يقول : ((قل لا أقول لكم عندي خزائن الله)) الانعام , الآية 50 . أو ما ورد في هذه الرواية ((لولا نحن ما عبد الله)) بينما يقول القرآن الكريم ((وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة واتياء الزكاة وكانوا لنا عابدين)) الانبياء , الآية 73.
8 – وأورد الشيخ الكليني في روضة الكافي تحت عنوان ((حديث الموت على أي شيء هو)) يقول:
((محمد عن أحمد , عن ابن محبوب , عن جميل بن صالح , عن أبان بن تغلب , عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : سألته عن الأرض على أي شيء هي ؟ قال: على حوت ! قلت : فالحوت على أي شيء هو؟ قال : على الماء . قلت : فالماء على أي شيء هو ؟ قال: على صخرة ! قلت: على أي شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس ! قلت : فعلى أي شيء الثور؟ قال: على الثرى! قلت: فعلى أي شيء الثرى؟ فقال : هيهات , عند ذلك ضل علم العلماء. ))
ولا يحتاج بيان خرافة هذه الرواية الى مزيد توضيح أو نقد.
ويروي الشيخ الكليني في روضة الكافي رواية أخرى ترتبط بالرواية السابقة ويذكر فيها علة وقوع الزلزلة , وهذه الرواية هي :
((علي بن محمد , عن صالح , عن بعض أصحابه , عن عبد الصمد بن بشير , عن أبي عبدالله – عليه السلام – قال : إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته ! فأرسل الله تعالى اليه حوتا اصغر من شبر أكبر من فتر , فدخلت في خيا شيمه , فصعق , فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن الله عزوجل رأف به ورحمه وخرج . فاذا أراد الله – جل و عز – بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض.
وبالرغم من أن هذه الرواية لا تحتاج لاثبات بطلانها الى مزيد توضيح كما في الرواية الأولى ولكننا نذكر أنه لا يعلم أن ((صالح)) الوارد في الرواية من هو؟ لأن عبارة (بعض اصحابه) الواردة في سند هذا الحديث تحكي عن مجهولية رجال السند.
9 – ويروي الشيخ الكليني في روضة الكافي أيضا:
((عنه (علي بن محمد) عن صالح , عن الوشاء , عن كرام , عن عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبدالله – عليه السلام – عن الوزغ فقال : رجس وهو مسخ كله! فاذا قتلته فاغتسل . فقال : إن أبي كان قاعدا في الحجرة ومعه رجل يحدثه فاذا هو بوزغ يولول بلسانه , فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال : لا علّمني بما يقول : قال : فإنه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لاشتمن علياً حتى يقوم هيهنا ! قال : وقال أبي : ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا... الحديث!
وفي سند هذه الرواية نقرأ اسم ((كرّام)) الذي هو ((عبدالكريم بن عمرو)) الذي يقول عنه النجاشي في كتابه أنه واقفي المذهب ((رغم أن المامقاني يدافع عنه)) والراوي الآخر هو ((عبدالله بن طلحه)) الذي يقول عنه المامقاني : لم نقف فيه على مدح.
واما متن الرواية فيدل على أن الوزغ ناصبي ومعادٍ لاميرالمؤمنين ولكن كيف نال هذا الحيوان هذه الدرجة من الادراك لعقائد الناس بحيث يتدخل في المسائل التاريخية ويجادل في قضية خلافة عثمان بن عفان ويدافع عنه ؟ألا ينبغي أن تكون هذه الرواية مصدر استغراب وتعجب لدى العقلاء؟ ولكن اذا تقرر أن يكون الحمار راويا ومحدثا فلا بأس بأن يكون الوزغ مؤرخا ومتكلما أيضا.
ويا ليت المسأله انتهت عند الوزغ فحسب . فالروايات امتدت في تعميق هذه الخرافة في أوساط الشيعة أن العصفور مثلامن المخالفين ومن أهل السنة والقبّرة من الشيعة , بل ورد في الروايات أن صنفاً واحداً من الحيوانات والطيور قد يكون فيه الشيعي والسني , من قبيل ما ورد أن الامام الصادق (ع) كان يتحدث مع اصحابه إذ نزلت عصافير على مقربة منه فناولها الامام بعض الحب وفتات الخبز , وبعد هنيئة حطت عصافير اخرى في ذلك المكان فما كان من الامام الا أن انتهرها وزجرها فطارت, ولما سئل عن سبب ذلك قال بأن العصافير الاولى كانت موالية لنا والطائفة الثانية كانت موالية لغيرنا!!
ومن هنا سرت الخرافة الى عقول الشيعة حتى أن بعض الفضلاء كان يحدثني في الطريق بين قم وطهران عن أحد العلماء المعاصرين وكان يثني عليه أنه شديد الولاية لأهل البيت (ع) , ومن جملة افكاره الولائية ومعتقداته الشيعية أنه كان يرى أن هذه الصحراء (وأشار بيده الى الصحراء بين قم وطهران) هي سنّية في الاصل ولهذا فهي مجدبة وقاحلة , بينما الجبال الواقعة في شمال ايران شيعية ولذلك أصبحت خضراء يانعة مليئة بالغابات والمناطق الجميلة!!
أقول : اذا كان هذا هو حال العلماء فكيف بالعوام؟!
10 – ويروي الشيخ الكليني في اصول الكافي في باب ((مجالسة أهل المعاصي)) رواية لا اشكال في سندها ظاهرا ولكن متنها لا ينسجم مع آيات القرآن الكريم فلابد من القول ببطلانها وخاصةٍ أن بعض الاعلام استند عليها في مقام الاستدلال , وهذه الرواية هي :
((محمد بن يحيى , عن محمد بن الحسين , عن أحمد بن محمد بن أبي نصر , عن داوود بن سرحان , عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولايتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة. ))
لا شك أن أهل البدع يستحقون الذم واللوم والتقريع , ولكن لا سبيل الى البهتان والاتهام لأن ذلك حرام شرعا وعقلا , حيث يقول القرآن الكريم : ((ولا يجر منكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا)) المائدة – 8
وثانيا : أن العقل يحكم بأن اتهام اهل البدع وبهتانهم لا يعود بنتيجة حسنة على المؤمنين لأنه من المحتمل أن يأتي يوم ويفتضح امر هذا البهتان أمام الناس ويؤدي الى فضيحة قائله وكذبه وبالتالي انعدام الثقة به بين الناس , وهذا يعود على أهل الحق بالضرر اكثر من أهل البدعة . مضافا الى أن سب المخالفين والمبتدعين يؤدي الى تجرئهم على أهل الحق وشتمهم للمقدسات أيضا حيث يقول القرآن الكريم في ذلك : ((ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم)) الانعام , 108
والجدير بالذكر أن بعض شراح الكافي فسروا عبارة ((باهتوهم)) الواردة في هذه الرواية بقولهم : أي اجعلوا أهل البدع حيارى بقوة البرهان والدليل ولكن هذا المعنى لا يتناغم مع مفاهيم المفردات العربية , لانه رغم أن الفعل الثلاثي المجرد ((بهت)) بمعنى دهش وسكت متحيرا , ولكن هذا الفعل هو من باب ((مفاعلة)) وقد جاء بصورة ((باهته)) بمعنى حيّرة وأدهشه بما يفترى عليه من الكذب . أجل , فلا يمكن الدفاع عن المقدسات والدين الالهي بأدوات الكذب والدجل والبهتان لأهل البدع وتوقع الثواب من الله تعالى , بل يكون الدفاع بالبرهان والدليل فان ((الغايات لا تبرر الوسائط)).
11 – ويروي الكليني في الكافي ج2, حديثاً عن أميرالمؤمنين (ع) أنه قال:
((والذي بعث محمداً (ص) نبياً بالحق وأكرم أهل بيته ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو افلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق الا وهو في القرآن , فمن أراد ذلك فليسألني عنه , قال : فقام اليه رجل فقال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عما يؤمن من الحرق والغرق؟ فقال: إقرأ هذه الآيات ((ألله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين)) ((وما قدروا الله حق قدره – الى قوله – سبحانه وتعالى عما يشركون)) فمن قرأها فقد أمن الحرق والغرق – قال : فقرأها رجل واخطر من النار في بيوت جيرانه وبيته وسطها فلم يصبه شيء – ثم قام له رجل آخر فقال : يا أميرالمؤمنين إن دابتي استصعبت عليّ وأنا منها على وجل فقال: إقرأ في اذنها اليمنى ((وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه ترجعون)) فقرأها فذلت له دابته – وقام اليه رجل آخر فقال : يا أميرالمؤمنين إن أرضي مسبعة وإن السباع تغشى منزلي ولا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال : إقرأ ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)) فقرأها الرجل فاجتنبته السباع . ثم قام اليه آخر فقال : يا أميرالمؤمنين إن في بطني ماء أصفر فهل من شفاء؟ فقال: نعم بلا درهم ولا دينار ولكن اكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ باذن الله عزوجل ففعل الرجل فبرأ باذن الله – ثم قام اليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضالة فقال : أقرأ يس في ركعتين وقل: يا هادي الضالة رد عليّ ضالتي – ففعل فردّ الله عزّوجلّ عليه ضالّته – ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن الآبق فقال : اقرأ ((أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج – إلى قوله - : ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور فقالها الرجل فرجع اليه الابق ـ ثم قام اليه آخر فقال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن السرق فإنه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلا؟ فقال له ؟ اقرأ إذا أويت الى فراشك قل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن أيّاما تدعوا ـ إلى قوله : وكبّره تكبيرا ثم قال أميرالمؤمنين (ع) من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية ((إنّ ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش ـ إلى قوله : ـ تبارك الله رب العالمين حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين قال : فمضى الرّجل فاذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية فتغشاه الشيطان وإذا هو آخذ بخطمه فقال له صاحبه : أنظره واستيقط الرّجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه : أرغم الله أنفك أحرسه الآن حتى يصبح , فلمّا أصبح رجع الى أميرالمؤمنين (ع) فأخبره وقال له : رأيت في كلامك الشفاء والصدق , ومضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعا في الارض ))
هذا الحديث الى درجة من وضوح البطلان والزيف بحيث لا حاجة الى البحث في سنده (وان كان سنده لا يخلو من قوة لدى أصحاب الرجال سوى أن محمد بن يحيى يروي عن الضعاف) . وفي اعتقادي أن أحد الاسباب المهمة لتخلف المسلمين هو وجود مثل هذه الروايات الخرافية التي كرّست في المسلمين روح التواكل والكسل والتمسك بالقضايا الغيبية لحل المشاكل الفردية والاجتماعية التي يواجهها الانسان في حركة الحياة والواقع , فبدلا من البحث العلمي لاكتشاف المرض ومعالجته بالطرق العلمية يتمسك المسلم بهذه الرواية لعلاج وجع البطن وما عليه الا أن يقرأ آية معينة حتى يشفى بدون أن ينفق في ذلك درهما أو دينارا كما تقول الرواية , وإن لم تؤثر قراءة الآية في شفائه كما هو المتوقع , فهو من قضاء الله وقدره وبسبب ذنوب الانسان واعماله!! ثم إن مثل هذه الروايات تستبطن إهانة كبيرة للقرآن الكريم وتؤدي الى ابتعاد الناس عنه بعد أن يرون عدم تأثير هذه الآيات في نيل مرادهم والحصول على مقصودهم .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أن هذه الرواية تقرر نتيجة العمل بكل ما ورد فيها من تفاصيل وكأن الراوي قد صحب كل واحد من هؤلاء الرجال وبقي عنده أشهر أو سنوات وبان له تأثير قراءة هذه الآيات في دفع الشر والمرض عنهم لا سيما وأن بعض هؤلاء الرجال كان قد قدم على أميرالمؤمنين (ع) من منطقة صحراوية بعيدة كما يظهر من قوله ((يا أميرالمؤمنين إن أرضي أرض مسبعة.. )) ومعرفة تأثير قراءة الآية لا يتحقق بيوم أو يومين لأن الرواية لم تقل أن السبع كان يأتيه في كل يوم والا لنفذ ما عنده من أنعام ودجاج , وهكذا في الرجل الذي لم يحترق بيته حيث يستلزم أن الراوي ذهب الى تلك المنطقة – وبقي هناك مدة طويلة لأن من غير الطبيعي أن يحدث الحريق غداة ذلك اليوم الذي سأل فيه ذلك الرجل أميرالمؤمنين (ع) عن آية تؤمنه من الحرق وكأنه كان يعلم بوقوع الحريق بعد يوم أو أيام قلائل في محلته !! وتتضاعف المهزلة عندما تحدث الراوي عن الرجل الذي ذهب لوحده الى قرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية فتغشاه الشيطان ثم قرأها فحرسه الشيطان ولكن كيف سمع الرجل أو الراوي صوت الشيطان وهو يتحدث مع صاحبه ؟ وكيف يؤمر الشيطان بحراسة الرجل مع أن أميرالمؤنين (ع) يقول في الرواية (وتباعدت عنه الشياطين) ؟ وكيف يرى أثر شعر الشيطان على الأرض (على فرض أن الشيطان له شعر) والقرآن الكريم يصرح بعدم امكان رؤية الناس له إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونه ولماذا سقط شعر الشيطان على الأرض ؟! فذلك ما لم يذكره لنا الراوي لهذه الرواية ..
12 – ونقرأ ما أورده الكليني في كتابه ((الكافي)) من روايات عجيبة وغريبة في علم الأئمة وأنهم يعلمون بما كان وبما يكون الى يوم القيامة وأن عندهم علوم الأنبياء جميعا وأن عندهم الصحيفة والجفر وما الى ذلك , وعلى سبيل المثال ما ذكره في باب ((أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والاوصياء الذين من قبلهم )) الحديث 1: قال : ((.. عن عبدالله بن جندب أنه كتب اليه الرضا (ع): أما بعد فان محمداً (ص) كان أمين الله في خلقه فلمّا قبض (ص) كنا أهل البيت ورثته , فنحن أمناء الله في أرضه , عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الاسلام وإنا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم , أخذ الله علينا وعليهم الميثاق , يردون موردنا ويدخلون مدخلنا , ليس على ملّة الاسلام غيرنا وغيرهم , نحن النجباء النجاة ونحن افراط الانبياء ونحن أبناء الاوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله عزوجل ونحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى الناس برسول الله (ص) ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه : ((شرع لكم (يا آل محمد) من الدين ما وصى به نوحا (قد وصّانا بما وصّى به نوحا) والذي أوحينا إليك (يا محمد) وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى (فقد علّمنا وبلّغنا علم ما علّمنا واستودعنا علمهم , نحن ورثة اولى العزم من الرّسل) أن أقيموا الدين (يا آل محمد) ولا تتفرّقوا فيه (وكونوا على جماعة) كبر على المشركين (من اشرك بولاية علي) ما تدعوهم اليه (من ولاية علي) إن الله (يا محمد) يهدي إليه من ينيب)) من يجيبك الى ولاية علي (ع) .
وفي هذا المجال أيضا يروي الكليني حديثا آخر في باب : فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة (الحديث:1) قال الراوي (أبو بصير) : ((دخلت على أبي عبدالله (ع) فقلت له : جعلت فداك إني أسالك عن مسألة ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال : فرفع أبوعبدالله (ع9 سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا أبا محمد : سل عمّا بدالك, قال : قلت : جعلت فداك ان شيعتك يتحدثون أن رسول الله (ص) علّم عليّا (ع) بابا يفتح له منه ألف باب؟ قال : فقال : يا أبا محمد : علّم رسول الله (ص) عليا (ع) ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال : قلت : هذا والله العلم , قال : فنكت ساعة في الارض ثم قال : إنه لعلم وما هو بذاك قال : ثم قال : يا أبامحمد , وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة , قال : صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلق فيه وخط عليّ بيمينه , فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس اليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده اليّ وقال : تأذن لي يا أبامحمد؟ قال : قلت: جعلت فداك انما أنا لك فاصنع ما شئت , قال : فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذا, قال : قلت : هذا والله العلم ! قال : إنه لعلم وليس بذاك , ثم سكت ساعة , ثم قال : وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت : وما الجفر ؟ قال : وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل , قال : قلت : إن هذا هو العلم , قال : إنه لعلم وليس بذاك , ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (ع) قال : قلت: وما مصحف فاطمة (ع) قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد , قال : قلت : هذا والله العلم , قال: إنه لعلم وما هو بذاك , ثم سكت ساعة ثم قال : إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن الى أن تقوم الساعة , قال : قلت : جعلت فداك هذا والله هو العلم , قال : إنه لعلم وليس بذاك , قال : قلت : جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة))
لا ندخل في مناقشة رجال السند في روايات هذا الباب لاختلاف العلماء في وثاقة أو ضعف الرواة في كل واحدة منها فبينما يرى المجلسي في مرأة العقول صحة هاتين الروايتين , يرى البهبودي عدم صحة جميع روايات هذين البابين , ولكن المشكلة ليست في السند. بل لما تتضمنه هذه الروايات من دجل وافتراء ومعارضة للقرآن الكريم والعقل السليم . بل معارضة للروايات التي أوردها الكليني نفسه بعد عدة صفحات من كتابه المذكور في باب ((لولا أن الأئمة (ع) يزدادون لنفذ ما عندهم)) وعلى سبيل المثال يروي الكليني في هذا الباب عن صفوان بن يحيى قال : ((سمعت أبا الحسن (ع) يقول : كان جعفر بن محمد (ع) يقول : لو لا أنا نزداد لأنفدنا))
ويروي أيضا عن المفضل عن أبي عبدالله (ع) قال : ((ما من ليلة جمعة الأ ولأولياء الله فيها سرور .قلت : كيف ذلك جعلت فداك؟ قال : اذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (ص) العرض ووافى الأئمة (ع) ووافيت معهم فما أرجع الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي))
نلاحظ هنا أن الكليني نسي ما ذكره قبل صفحات من علم الأئمة بما كان وما يكون الى يوم القيامة وأنهم ورثة النبيين والأوصياء جميعا ليقرر بعدها أن علم الامام عرض للزوال في كل أسبوع!! ولو لم يسافر الى العرش ويسترفد من العلوم والمعارف الغيبية لنفد ما عنده . فلسائل أن يسأل : اذن أين الجفر ومصحف فاطمة الذي فيه ثلاثة أضعاف القرآن الكريم والذي تدعي رواية الكافي أنه موجود عند الأئمة؟! وما هي حقيقة هذا العلم الذي ينفد في كل أسبوع مرة ونحن نرى أن علماء الاسلام وجميع علماء الارض لا يحتاجون في بقاء علومهم الى الصعود الى العرش للتزود منه ولم نسمع من أحدهم أن علمه قد نفد لمدة اسبوع! هذا أولا...
وثانياً: إن مثل هذه الروايات تخالف صريح القرآن الكريم . مثلا نقرأ في الرواية الاولى أن الرضا (ع) يقول (وفي الحقيقة أن الراوي الكذاب يقول ذلك وينسبه الى الامام الرضا (ع) ): ((عندنا علم البلايا والمنايا)) وهذا المعنى يخالف قوله تعالى: ((وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت))
وتقول الرواية : ((وإنا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق)) وهو خلاف قوله تعالى : ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)) فهل يعقل أن الله تعالى قد حجب عن رسوله العلم بمن حوله من المنافقين ورزق هذا العلم لذريته!؟
وتقول الرواية : ((ونحن المخصوصون في كتاب الله)) والله تعالى يقول في موارد عديدة من كتابه الكريم أن هذا القرآن ((بيان للناس)) ((هدى للناس)) ((وما أرسلناك الا كافة للناس)) ولم يقل للأئمة خاصة!!
ثالثاً: إن الرواية المذكرة ولغرض دعم وجهة النظر السابقة في تخصيص القرآن بأهل البيت , استدلت بالآية (13) من سورة الشورى موحية بنوع من التحريف المعنوي , وهي قوله تعالى : ((شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا.. )) على أساس أن قوله ((شرع لكم)) خطاب للأئمة من أهل البيت (ع) كما تنص الرواية المذكورة , فاذا علما أن سورة الشورى مكية وقد نزلت في وقت لم يتزوج فيه الامام علي (ع) من فاطمة الزهراء (ع) ولم يكن هدف القرآن حينذاك تقرير مسألة الامامة والولاية للامام علي (ع) ليكون المراد من المشركين في الآية الشريفة هم المشركون بولاية أهل البيت (ع) بل المشركون في مكة الذين كانوا على خلاف مع رسول الله (ص) في مسألة الوحي لا الامامة . حنيئذ نعلم جيدا زيف هذه الرواية وأن غرض الراوي الكذاب لم يكن سوى إلهاء الناس عن الرجوع الى القرآن وصرفهم عن المصدر الاساس للوحي والدين الى أجواء الروايات التي يكثر فيها الدجل والخرافة وبالتالي يتمكن الغلاة وقوى الانحراف من تأويل آيات القرآن الكريم حسب مشتهياتهم والتلاعب بعقول المسلمين والشيعة خاصة ونسبة هذه الأقاويل والاكاذيب الى الائمة (ع) !!
ثم تستمر الرواية بالقول ((ولا تتفرقوا فيه (وكونوا على جماعة)) كبر على المشركين (من أشرك بولاية علي) ما تدعوهم اليه (من ولاية علي) .. )) فاذا علمنا أن الأئمة من أهل البيت كانوا يمارسون الامامة واحدا بعد الآخر فما معنى هذه التوصية لهم بعدم التفرق والكون على جماعة؟ ومتى كان النبي (ص) وهو في مكة يدعو الناس الى ولاية علي بن ابي طالب (ع) وهم لم يؤمنوا بعد برسالته ونبوته؟!
ثم إن الرواية تقرر مبدأ الجبر الباطل بالضرورة لدى جميع العلماء حيث تقول ((وإن شيعتنا لمكتوبون باسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق.. ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم! )) فجميع المسلمين كفار ومرتدين ما عدا الشيعة !! كما تقرره هذه الرواية المزيفة.
رابعا: نصل الى فقرة غريبة اخرى من روايات هذا الباب , وهي أن الأئمة ((ورثة)) النبي أو الوحي, وهنا يحق لنا أن نتساءل عن المراد من ((الارث)) في هذا المورد وهل يعقل أن يرث انسان العلم من غيره؟! لقد وردت هذه المفردة في القرآن الكريم تارة بمعنى إرث الاموال ((الآية 233 من سورة البقرة)) وهو غير مقصود الرواية قطعا, واخرى وردت في مورد أهل الجنة الذين يرثون الفردوس (كالآية 43 من سور الأعراف و105 من سورة الانبياء) وثالثة في مورد زوال قوم من البشر ومجيئ قوم آخرين مكانهم كما في وراثة بني اسرائيل أرض فلسطين (الاعراف : 137) لأن الارض لله يورثها من يشاء من عباده (الاعراف : 128) , ورابعة في مورد الملك (كما في الآية 16 من سورة النمل) حيث تقول الآية ((وورث سليمان داود.. )) وكان السائد في الحكومات الملكية أن منصب الملك ينتقل بعد وفاة الأب الى ابنه . ويحتمل أيضا أن يكون المراد وراثة مقام النبوة حيث إن داود وسليمان من الأنبياء . فاذا علمنا أن جميع هذه الموارد لا تعقل بالنسبة الى ميراث الأئمة من النبي الاكرم (ص) حيث لا نبي بعده , ولم يكن ملكا فيرثه ذريته وليس مقصود الرواية ميراث الأرض أو الجنة , اذن فما معنى كون الائمة هم ورثة النبي (ص) وجميع الأنبياء؟! وما معنى أن النبي (ص) ورث علم الانبياء السابقين ثم أورثه ذريته والحال أن الفاصلة بينه وبين اولئك الانبياء تبلغ مئات السنين ولم يكن نبينا الكريم من ذرية انبياء بني اسرائيل , ولم يكن يعلم شيئا من علومهم قبل سن الاربعين , وبعد أن نزل عليه الوحي استغنى به عن وراثة العلم؟! ثم كيف يرث الامام علي (ع) علوم النبي (ص) وهو ابن عمه وليس من ذريته , بل هو القائل بأن علمه بتعليم النبي (ص) ((علمي رسول الله الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب)) وليس عن طريق الميراث؟ نعم اذا كان المراد من ميراث العلم وراثة القابلية الذهنية والاستعداد النفسي أو وراثة الكتب التي فيها العلوم النبوية فهو أمر معقول . الا أنه لا يختص بالائمة فقد يوجد الكثير من الناس ممن يتمتعون بهذه القابلية.
أما الكتب فنعلم أن رسول الله لم يخلف كتابا سوى القرآن , وكذلك يرد الاشكال في كيفية توريث ابن العم (علي بن ابيطالب) هذه القابلية والذكاء. أو في كيفية وراثة الأئمة علوم الانبياء جميعا وبين الطائفتين (الانبياء والأئمة) مئات السنين مع العلم بانهم (الائمة ) ليسوا من ذراري الانبياء؟ فان كان العلم المذكور مجرد الهام الالهي للائمة كما تصرح به بعض روايات الكافي (باب 201 أن الائمة اذا شاؤوا أن يعلموا علموا , وأنهم يزدادون كل ليلة جمعة) فما الحاجة بعد ذلك الى وراثة العلم من الانبياء والاوصياء السابقين؟ وما حاجة النبي (ص) مع وجود الوحي الى علوم الانبياء عن طريق الميراث ولا سيما أن الروايتين (3) و (4) من هذا الباب تصرحان بأن نبينا الكريم (ص) قد ورث سليمان وان سليمان ورث داود (إن سليمان ورث داود وإن محمدا ورث سليمان وإنا ورثنا محمداً)؟
وتستمر روايات الكافي في استغراق مثل هذه الخرافات والاكاذيب حتى أنها تصرح (في الباب 95 ما عند الائمة من آيات الانبياء عليهم السلام) بأنهم ورثوا عصا موسى وأنها تنطق اذا استنطقت وقد أعدت للقائم (ع) يصنع بها ما كان يصنع موسى وكذلك ألواح موسى وخاتم سليمان وحجر موسى الذي كان يضربه فينبع منه الماء وقميص يوسف الذي كان لابراهيم (ع) عندما القي في النار فلم يصبه اذى ببركة هذا القميص الذي أتى به جبرئيل من الجنة .. الى غير ذلك من الخزعبلات التي أوردها رواة الشيعة الكذابون لاخفاء هالة موهومة من عنصر الغيب على الائمة (ع) والحال أن كل عاقل يفهم أن عصا موسى أو قميص يوسف وخاتم سليمان وامثالها لم تكن تحوي عناصر القوة والاعجاز لدى الانبياء بل إن الله أجرى المعجزة للانبياء بواسطتها حيث يقول تعالى : ((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)) الانبياء : 69.
وليس لقميص ابراهيم دخل في حمايته من النار . وهكذا الحال في عصا موسى وخاتم سليمان ولكن القصاصين والدجالين أبوا ألا أن ينسجوا حول هذه الادوات والملابس قصصا وأساطير ليوحوا الى أوليائهم أن الائمة يتمتعون بعلوم غريبة وقدرات خارقة لا تتيسر لأحد من البشر!!
خامساً: أما الرواية الثانية وكذلك روايات هذا الباب (الباب 98 وفيه 8 روايات) الذي يتضمن ذكر الجفر والجامعة ومصحف فاطمة (ع) فانها تدل بوضوح تام على عدم انحصار الوحي بالنبي الاكرم (ص) وتتناقض مع خاتمية الرسالة حيث نقرأ فيها أن جبرئيل كان يحدث فاطمة بعد وفاة النبي (ص) وكان الامام علي (ع) يملي احاديث جبرئيل هذه , أو أن الائمة محدثون بواسطة الملائكة في حين أن الامام علي نفسه يقول في نهج البلاغة وهي ينعى رسول الله (( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء وأخبار السماء)) فان لم يكن مصحف فاطمة يتناول أخبار السماء والغيب بل أحكام الشريعة والدين – كما رجحه بعض الفقهاء والاعلام – فكان الاجدر بفاطمة أن تأخذها من أبيها في حال حياته وحينئذ فلا معنى لنزول جبرئيل عليها بعد وفاء ابيها ليملي عليها كتابا أكبر من القرآن بثلاث مرات ...
ثم ما معنى أن لا يكون في هذا المصحف ولا كلمة من كلمات القرآن كما تقول الرواية ؟ الا يوجد فيه ذكر لكلمة : الله . العدل . الظلم , السماء, الماء, الخير , الشر وامثال ذلك من الكلمات الموجودة كلها في القرآن الكريم؟!
والمشكلة الاخرى التي تواجه هذه الرواية هي أنها تقرر أن علوم الائمة مقتبسة من هذه الكتب , بل نقرأ في كتاب المواريث (فروع الكافي , ج 7 , ص 3) أن زرارة يسأل الامام الباقر (ع) عن سهم الارث للجد , فيطلب منه الامام أن يمهله الى غد ليقرأ هذا الحكم الشرعي من كتاب له : ((قال (ع): اذا كان غدا فالقني حتى اقرئك في كتاب قلت : أصلحك الله , حدثني فان حديثك أحب اليّ من أن تقرئينه في كتاب فقال لي الثانية : اسمع ما أقول لك , اذا كان غدا فالقني حتى اقرأه في كتاب)).
فهنا نرى أن الامام الباقر (ع) يصر على أن يقرأ الحكم الشرعي في كتاب له , وهذا المعنى يتعارض مع ما ذكره الكليني من روايات عديدة في الكافي من أن الائمة محدثون ملهمون وأن علمهم لدنّي يأخذونه كل ليلة جمعة من العرش أو من الهام الملائكة كما مر علينا في الروايات آنفاً!!
ثم إن الرواية تقول إن الامام مضافا الى ما لديه من الجعفر ومصحف فاطمة وما ورثه من علوم الانبياء والوصيين , أنه يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة!! وهذا هو علم الغيب الذي استأثر به الله تعالى لنفسه ونفاه أهل البيت (ع) عن انفسهم في روايات عديدة يرويها الكليني نفسه في كتابه الكافي (ج1) في باب (نادر فيه ذكر الغيب) حيث ينتقل في الحديث (3) عن سدير أنه قال : ((كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبدالله (ع) اذا خرج الينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب . ما يعلم الغيب الا الله عزوجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة , فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟..))
فكيف يعقل أن يعلم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة ولا يعلم مكان الجارية في الدار؟ بل إن الراوي للرواية محل البحث يكذب نفسه بنفسه , فعندما يسأل الامام : هل هاهنا أحد يسمع كلامي؟ فيقوم الامام برفع الستار بينه وبين الغرفة المجاورة ليرى هل هناك شخص آخر يسمع كلامهما: ((فرفع أبوعبدالله سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال : سل.. )) وتستمر الرواية هذه لتقول : إن الامام يعلم ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة!! فكيف يحيط الشخص بكل هذا العلم الواسع وهو لا يعلم ماذا وراء الستر الى جانبه؟!.
ثم هل أن وصل علم الأئمة الى مراتب عظيمة بحيث فاق علم رسول الله (ص) الذي يقول عنه القرآن الكريم: ((وما ادري ما يفعل بي ولا بكم)) ((و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير)) ((ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان))
وفي مقطع من الرواية المذكورة أن ((الجامعة)) عبارة عن صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج اليه الناس حتى الارض في الخدش وغمز الامام الراوي بيده وقال : حتى إرش هذا !! ويحق لنا أن نتسائل عن دية هذه الغمزة الخفيفة ما مقدارها؟ وأين هي في أحكام الشريعة؟ ولماذا لم يذكر الامام مقدارها؟ فاذا لم يذكر مقدارها إذن فما فائدة وجودها في الصحيفة المذكورة للامّة الاسلامية؟!
سادساً : وجاء في مقطع آخر من الرواية محل البحث أن الامام قال بأن لديه مصحف فاطمة وهو ثلاثة أضعاف القرآن وليس فيه حرف واحد من القرآن , ولكن الكليني نفسه الذي ينقل هذه الخرافات في كتابه الكافي , ينقل رواية أخرى في روضة الكافي عن ((أبي بصير)) من أصحاب الامام الصادق (ع) يقول فيها: ((... ثم أتى الوحي الى النبي (ص) فقال : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع من الله ذي المعارج)). قال : قلت : جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا . فقال (ع) : هكذا والله نزل بها جبرئيل علي محمد (ص) , وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة))!! وأنت ترى أن هؤلاء الدجالين والرواة الكذابين يقررون تارة أن مصحف فاطمة ليس فيه شيء من كتاب الله , واخرى يوردون سورة المعارج بعد أن يدسوا فيها سمومهم ويدعون أنها موجودة في مصحفة فاطمة!!
وفي آخر الرواية نقرأ أن الامام يعلم بما كان وما يكون الى يوم القيامة , ثم يقول إن ذلك ليس بعلم , وعندما يسأله الراوي عن العلم أي شيء هو ؟ يقول : ((ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الأمر والشيء بعد الشيء الى يوم القيامة)) ونتساءل : ما الفرق بين هذا العلم وبين العلم بما كان وبما يكون الى يوم القيامة؟ من الواضح أنه لا فرق بينهما البته. ومن البديهي أيضا أن الامام (ع) لم يقل مثل هذا الكلام اطلاقاً , ولكن الراوي فضح نفسه بنفسه عندما أراد أن يثبت علوماً مختلفة وغريبة للامام.
والشيء الآخر عن مصحف فاطمة العجيب أن الامام يقول عنه في الرواية الثانية التي يرويها الكليني في هذا الباب : ((إن الله تعالى لما قبض نبيه (ص) دخل على فاطمة (ع) من وفاته الحزن ما لا يعلمه الا الله عزوجل فأرسل الله اليها ملكا يسلّي غمّها ويحّدثها , فشكت ذلك الى أميرالمؤمنين (ع) فقال : اذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي , فأعلمته بذلك فجعل أميرالمؤمنين (ع) يكتب كما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا , قال : ثم قال : أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه ما يكون)) وهنا نتساءل: اذا كان الملك يحدث فاطمة بما سيكون بعدها , ومن هذه الاخبار ما سيجري على ذريتها من المصائب والمحن كما تصرح الرواية الخامسة من هذا الباب من أن جبرئيل كان يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك . فهذا مصحف فاطمة – فهل يعقل أن يسلّي جبرئيل فاطمة (ع) بأن يذكر لها مصائب الحسين وزينب وما سيجري عليهم في كربلاء من القتل والأسر والسبي كل ذلك للتخفيف عن آلامها بمصاب أبيها (ص)؟!
هل ترتاح فاطمة لخبر مقتل ابنها الحسن (ع) بالسم ورمي جنازته بالسهام؟!
ثم اذا كان جبرئيل يأتيها لتسليها فلماذا تشكوه الى أميرالمؤمنين (ع) كما تقول الرواية ((فشكت ذلك الى أميرالمؤمنين))؟ واذا كان الامام علي (ع) يسمع صوت الملك ويكتب ما يقول فلماذا طلب من فاطمة أن تخبره بوقت مجيئه؟
ثم ألم يرد في المتواتر من الروايات أن جبرئيل ملك الوحي لم ينزل على أحد بعد رسول الله (ص) , فكيف نزل على فاطمة؟ ولماذا لم ينزل على أمير المؤمنين (ع) وهو أفضل من فاطمة وأجدر ان يعلم بما سيجري على الامة من بعد رسول الله (ص) لموقع الامامة؟ واذا كان يعلم بذلك من رسول الله (ص) فلماذا أخذ يكتب ما يقوله جبرئيل لفاطمة ؟ ولماذا طلب منها أن تخبره بوقت مجيئه ليسمع ما يقول الملك لها ؟ وهل يعقل أن يتضمن هذا الكتاب أو المصحف كل ما سيجري على الامة الاسلامية بعد وفاة الرسول (ص) كما تصرح الرواية الثامنة في هذا الباب : ((قال (ع) : كنت أنظر في كتاب فاطمة (ع) ليس من ملك يملك (الارض) الا وهو مكتوب فيه باسمه واسم ابيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا)) . أم إنه من وضع دجالين الشيعة الذي كانوا يستخدمون سلاح الروايات في صراعهم مع ابناء الحسن (ع) والزيدية والمعتزلة الذين كانوا يدعون الناس الى اشخاص آخرين غير الأئمة (كمحمد بن عبد الله كما تقول الرواية السابعة من هذا الباب)؟
ومع غض النظر عن كل ذلك تثار هنا علامة استفهام اخرى جديرة بالتأمل وهي أن الأئمة لماذا لم يضعوا هذه الكتب المفيدة التي فيها الحلال والحرام بأيدي أصحابهم ليستنسخوا منها ما يحتاجون اليه وما تحتاج اليه الأمة من احكام الحلال والحرام كما وضع ائمة المذاهب الاسلامية الاخرى كتبا في الفقه والاصول والتفسير وما الى ذلك ؟ ولماذا هذا الاحتكار لأحكام الشرعية أو لعلوم الانبياء الماضين أو لما سيحدث في المستقبل ؟
لقد كنا نسمع أن أطباء اليهود فما يمضى كان أحدهم يحتكر علم الطب وصناعة الادوية ولا يعلّمه أو يطلع عليه أحد الا ابنه ليحتفظ بهذا الامتياز المهم لنفسه وذريته بين الناس وليبقى الناس محتاجون اليهم .. فهل يعقل أن يكون الامام المعصوم الذي يفترض أن يكون معلما للبشرية وحافظا لدين الله ومظهر الرحمة الالهية في عباده , حاله حال أطباء اليهود في كتمان العلم واحتكار المعرفة؟! الا تمثل هذه الروايات المزيفة إهانة لمقام الامام المعصوم (ع) وتكريسا للخرافة والدجل في أذهان العوام باسم مذهب التشيع؟
13 ـ وينقل الكليني أيضا في كتابه ((الكافي)) ج1 في باب مولد الحسن بن علي (ع) : رواية عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (ع) (الحديث الخامس من هذا الباب) أنه قال : ((إن الحسن (ع) قال : إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب , عليهما سور من حديد وعلى كل واحد منهما الف ألف مصراع وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما , وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي)).
أخي القاريء: هذا هو كتاب الكافي الذي قرأت قبل قليل ثناء علماء الشيعة عليه وعلى مؤلفه بأنه أوثق رجال الشيعة وأعلمهم وأصدقهم وأنه رئيس المحدثين وحافظ الملة . وهذا الحديث الى درجة من وضوح البطلان أن المجلسي الذي فاق الجميع بذكر الخرافات والاكاذيب ينتقد بشدة هذا الحديث في كتابه ((مرآة العقول)) بعد أن أعجزه التأويل والتبرير ويقول عنه : ((هذه الكلمات شبيهة بالخرافات وتصحيح النصوص والآيات لا يحتاج الى ارتكاب هذه التكلفات والله يعلم حقائق الموجودات))
ثم هل يعقل أن يكون لمدينة من المدن بناها البشر سور من حديد فيه مليون باب أو نصف مليون باب (لكل باب مصراعان)؟! وكيف يتكلم هؤلاء بسبعين مليون لغة؟ فعلى فرض أن عدد سكان هذه المدينة سبعون مليون شخص وكل واحد يتكلم لغة لوحده , اذن فكيف يتفاهم مع الآخرين ؟ وما فائدة أن يعلم الامام الحسن (ع) سبعين مليون لغة ويعلم بكل ما في هاتين المدينتين؟ وما فائدة كونه حجة على سكان هاتين المدينتين ولم يأت اليه أحد منهما ليتعلم احكام الدين ولم يبعث الامام احدا من اصحابه لتعليم هؤلاء الملايين من البشر الشيعة أحكام دينهم أو على الاقل جباية الخمس والزكاة منهم؟!
أما سند الرواية ففيه ((يعقوب بن يزيد)) وهو كاتب لأحد أعوان بني العباس يسمى ((أبو دلف)) وقد أكثر من رواية الاحاديث الخرافية , وهو الذي ينقل الرواية المشهورة في ثواب زيارة الحسين (ع) في يوم النصف من شعبان عن الامام الصادق (ع) أنه قال : ((من زار قبر الحسين (ع) في النصف من شعبان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))
ويروي عن الامام الصادق (ع) أيضا : ((من زار قبر أبي عبدالله (ع) يوم عاشوراء عارفا بحقه كان كمن زار الله تعالى في عرشه))
فلو قبلنا أن ثواب الزيارة يبلغ درجة من العظم بحيث يغفر الله له جميع ذنوبه المتقدمة , فما بال الذنوب المتأخرة ؟ وكيف يعطي الامام (ع) ضمان لشيعته من العذاب مهما ارتكبوا من الذنوب واجترحوا من السيئات بمجرد زيارتهم لقبر الحسين (ع) يوم النصف من شعبان؟1 وما هو فرق هذه الزيارة مع صكوك الغفران التي ابتدعتها الكنيسة في العصور الوسطى وصارت مضرب المثل في الخرافة والدجل من قبل علماء الاسلام؟
ولا بأس هنا بالاشارة الى هذه الحقيقة المهمة ,وهي أن أهل البيت (ع) طالما اشتكوا من هؤلاء الرواة والاصحاب بما لم يشتكوا من حكام الجور وأعوان الظلمة , فالمظلومية التي تعرض لها أهل البيت (ع) من هؤلاء الشيعة الكذابين والمغالين فاقت كل ظلامة واجهها الائمة (ع) حتى أن الامام موسى بن جعفر (ع) كان يقول:
((لو ميّزت شيعتي لم أجد الا واصفة (أي قول بلا عمل) ولو امتحنتهم لما وجدتهم الا مرتدين , ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد , ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم الا ما كان لي . إنهم طال ما اتكؤوا على الأرائك فقالوا : نحن شيعة علي . إنما شيعة علي من صدّق قوله فعله))
وهكذا نرى أن أكثر الشيعة إنما نسبوا أنفسهم للتشيع بدوافع شخصية وأهواء نفسية فكانوا يطرحون تصوراتهم وعقائدهم من خلال ما ينسبونه الى أهل البيت (ع) من أحاديث موضوعة وروايات محرفة , ولو ألقينا نظرة على كتب الرجال وطالعنا سيرة الرواة وأصحاب الائمة لرأينا العجب العجاب من كثرة الدجالين والغلاة وأهل البدع وأصحاب المطامع الذين اتخذوا من صحبة الائمة ستارا وقناعا يسترون به مطامعهم ونواياهم وبذلك تمكنوا من توجيه ضربات مدمرة للدين والمذهب هذه الطريقة .
والأنكى من ذلك أن علماء الشيعة , الذين عرفوا هؤلاء الرواة والدجالين من خلال تحقيقات أصحاب الرجال والمؤرخين وطعنوا في رواياتهم وكتبهم , لا يمتنعون من نقل هذه الروايات بأسناد هؤلاء الكذابين والوضاعين في كتبهم بحيث أن القاريء الشيعي عندما يجد هذه الرواية في كتاب الشيخ المفيد أو الشيخ الطوسي يتصور أن هذه الرواية معتبرة ويلتزم بمضمونها في حين أن الشيخ المفيد نفسه أو الطوسي يعترف في مكان آخر بضعف سندها أو عدم اعتبار الكتاب الذي أخذ منه هذه الرواية, ومثال ذلك ما نراه من موقف علماء الشيعة من كتاب ((سليم بن قيس)) أو ((تفسير العسكري)) حيث يعترف المحققون منهم بعدم اعتبار هذين الكتابين وعدم الوثوق بأسنادهما , الا أنك ترى أن كتب هؤلاء المحققين لا تخلو من أحاديث مأخوذة من هذين الكتابين!!
14 ـ وقد عقد الكليني بابا في الكافي تحت عنوان ((باب أن الائمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم)) ونقل فيه ستة أحاديث في هذا المجال مشحونة بالافتراء على أهل البيت (ع) ولا اعتبار لها سندا ولا دلالة , ولا يخفى أن العنوان المذكور ((لا يخفى عليهم الشيء)) لم يرد في روايات هذا الباب بل وضعه الكليني من عنده تشبيهاً للأئمة (ع) بما ورد في القرآن الكريم من وصف الله تعالى ((إن الله لا يخفى عليه شيء)) وعلى أية حال نقرأ في الحديث الأول من هذا الباب:
((عن سيف التمار قال : كنا مع أبي عبدالله (ع) جماعة من الشيعة في الحجر فقال : علينا عين ؟ فالتفتنا يمنة ويسيرة فلم نر أحداً فقلنا : ليس علينا عين . فقال : ورب الكعبة ورب البينة – ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما , لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله (ص) وراثة))
ويقول أيضا في الحديث الثاني عن جماعة من أصحابنا أنهم سمعوا أبا عبدالله (ع) يقول:
((إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون , قال : ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه قال : علمت ذلك من كتاب الله عزوجل يقول : فيه تبيان كل شيء))
تقدم بعض الكلام عن علم الامام بما كان وما يكون الى يوم القيامة وأنه عبارة اخرى عن علم الغيب الذي نفاه الائمة (ع) عن أنفسهم لاختصاصه بالذات المقدسة , ولكن في هذا الباب يعود الكليني ليؤكد هذه المقولة الباطلة بعدة روايات اخرى تفوح منها رائحة الكذب وتكاد تزكم الانوف , فهذه الروايات , كما تقدم , مخدوشة سندا ودلالة ...
أما السند: ففي رجاله نرى بعض الرواة الضعفاء المعروفين بالكذب والغلو من قبيل ((ابراهيم بن اسحاق الاحمر)) و((محمد بن سنان)) وغيرهما من الرواة , فالاول ((ابراهيم بن اسحاق الاحمر النهاوندي)) يقول عن الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست أنه ضعيف ومتهم في دينه . وقال كل من الغضائري والنجاشي والعلامة الحلي إنه ضعيف. ولكن مع الاسف نرى أن رواياته التي يرويها في باب المزار كثيرة ومسطورة في المصادر الحديثية , مثلا يروي حديثا عن الامام الرضا (ع) أنه قال : ((من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه من أهوالها : اذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا , وعند الصراط , وعند الميزان )) . وقلنا فيما سبق أن أهل البيت (ع) بعد أن رأوا كثرة الكذبة والدجالين من رواة أحاديثهم أمرونا بعرض أخبارهم على القرآن لأنهم لا يقولون شيئا خلاف قول الله عزوجل في كتابه , فما وافق كتاب الله أخذنا به , وما خالفه ضربنا به عرض الجدار . وهذا الحديث يخالف كتاب الله في العديد من آياته الشريفة حيث يقول تعالى عن يوم القيامة: ((يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)) .
ويقول : ((أفمن حق عليه العذاب أقانت تنقذ من في النار)) .
ويقول : ((كل نفس بما كسبت رهينة)) .
ويقول عن امرأتي نوح ولوط : ((فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا)) وغير ذلك من الآيات القرآنية التي تكشف عن زيف هذا الحديث الموهوم , ولكن ذهنية العوام من الشيعة تتمسك بأمثال هذه الاحاديث الموهموة باعتبارها صادرة من المعصومين (ع) ويتخذونها عقيدة دينية وكأنها من المسلمات , وهكذا يسري الانحراف في العقيدة الى عقول الناس.
الراوي الآخر هو ((محمد بن سنان)) قال عنه النجاشي في رجاله أنه : ضعيف جداً لا يعول عليه ولا يلتفت الى ما تفرد به , وقال النجاشي بأن الفضل بن شاذان قال : لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان.
أما الدلالة: فالحديث الاول يناقض بعضه بعضاً , فكيف يعقل أن يعلم انسان بما كان وما يكون الى يوم القيامة وفي نفس الوقت لا يعلم بما حوله من وجود جاسوس أو عدم وجوده بحيث يسأل من أصحابه : علينا عين ؟ فلما نظر أصحابه يمنة ويسره فلم يروا أحداً صرح بذلك التصريح الخطير؟! هذا أولا..
وثانياً: ليس من المعلوم أن موسى والخضر كانا يعلمان بما كان حتى يقول الامام في هذه الرواية : اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن , وهناك شواهد من القرآن الكريم على أن موسى لم يدّع هذا الادعاء بل لم يكن يعلم بفتنة السامري لقومه حتى اخبره الله ((فانا قد فتنّا قومك من بعدك وأظلهم السامري))
وبعد أن رجع موسى الى قومه وشاهد انحرافهم غضب كثيرا وأخذ يوبخ اخاه هارون الذي قاله له : ((إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني))
بل إن النبي الاكرم (ص) نفسه لم يكن يعلم بما كان حتى أخبره القرآن والوحي ببعض الحوادث التي جرت على الامم والاقوام السالفة مع انبيائهم (غافر:78)
ثالثا: إن الله تعالى خاطب نبيه الكريم مرارا في القرآن بعبارة ((قل إن أدري)) و ((لا تدري)) و ((ما أدري)) فكيف تدعي الرواية أن رسول الله (ص) كان له علم ما كان وما يكون؟!
رابعاً: إن رسول الله (ص) كثيرا ما يؤخر جواب مسألة حتى ينزل عليه الوحي ويخبره بالجواب فكيف يكون له علم كان وما يكون؟
خامساً : تقدم فيما سبق أنه لا معنى لوراثة العلم الا عند الخرافيين.
سادساً: إن هذا الحديث وأمثاله يوجه إهانة كبيرة للامام المعصوم الذي يتعالى عن الانانيات واشكال الفخر بما أنعم الله عليه , وهل سمعنا أن رسول الله (ص) قد تفاخر يوما بمثل هذه المفاخرة ونسب لنفسه علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة مع أنه أحوج ما يكون الى اظهار هذه النعمة ليصدقه الناس ويؤمنوا بنبوته؟ إذن فلماذا يتصدى الامام وبدون سؤال مسبق الى التعريف بنفسه وفضائله رغم صعوبة تصديق الناس له واحتمال حدوث أثر سلبي لذلك حسب ما ورد في الرواية الثانية أن الامام رأى أن هذا الكلام كبر على من سمعه من أصحابه فلجأ الى الاستشهاد بالقرآن الكريم؟!
سابعاً: هل يعقل أن الامام المعصوم يخطيء في قراءة آية من القرآن ولا يعرف تلاوتها مهما كانت قصيرة؟ فنحن نقرأ في الرواية الثانية أن الامام استشهد لكلامه بقول الله عزوجل ((فيه تبيان لكل شيء)) مع أن الآية الصحيحة الواردة في القرآن الكريم هي ((نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)) ولاتوجد آية في القرآن تقول: ((فيه تبيان لكل شيء))؟!
ثامناً: أين العلم بما كان وما يكون في كتاب الله؟ وهل يوجد في القرآن الكريم مهما توغلنا في باطنه ومعانيه , اسماء جميع أهل الجنة وجميع أهل النار؟ وهل يسع كتاب مهما بلغ حجمه أن يسع في طياته أخبار جميع ما في السموات والارض منذ الازل وحتى آخر الدنيا؟! وأما قول القرآن الكريم من كونه ((تبيانا لكل شيء)) فالقرينة الحالية تقرر أن ((كل شيء)) هنا تتعلق بامور الهداية والتشريع والسير في خط الكمال المعنوي كما نقول عن مائدة أعدت للضيوف أن ((فيها كل شيء)) أي كل شيء يؤكل , فلا يتوقع السامع لهذا الكلام أن يجد في المائدة أدوات النجارة والخياطة وانواع السيارات ووسائل النقل!!







 
قديم 23-12-13, 07:44 AM   رقم المشاركة : 7
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road




كتب الحديث والرواية عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية

أحمد محمد سرحان


كتب الحديث والرواية عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ونظرة إنصاف
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

يزعم الشِّيعة أنَّ عندهم علمًا مستقلاًّ بذاته، يُسمونه علمَ الحديث والرِّواية، وأن لهم مصنفاتٍ على غرار مُصنفات أهلِ السنة، تَجْمَعُ المرويَّات عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والأئمة من أهل البيت، وأنَّهم قد اعتَنَوْا بنقل تلك المرويات وتحقيق شرائط قَبُولِها، بما يضمن صدورها عن قائليها، وبما يؤكد قداسة النَّصِّ وصلاحيته للاحتكام إليه في أصول الدين وفروعه؛ لكنَّهم في واقع الأمر لم يعتنوا أيَّ اعتناء بتلك المرويات، ولم يعتنوا بطُرُق النقل التي نقلوا بها عقائدهم وفقههم وتاريخهم الذي دوَّنُوه في تلك الدواوين؛ بل نقلوا عمَّن فَسَدَ دينُه، وبَطَلَت نِحلته، وقد اعتمدوا كثيرًا على الكذَّابين والملعونين على ألسنة أئمتهم.

وكذبوا على الأئمة كذبًا كثيرًا في حياتهم، وكَشَفَه بعض الأئمة كما ذكرت ذلك كُتُبُهم الموثوقة عندهم، فلم يتحرَّوا في الرواية عن أهل الصدق والحفظ والأمانة في النقل لما رَوَوْه؛ بل الحق أنهم يقبلون أيَّ رواية تؤيد مذهبهم وعقيدتهم، حتَّى لو جاءت من طريق الكذابين والوضَّاعين، ويدفعون ويردون أيَّ رواية تخالف عقيدتهم، حتى لو كانت في كتبهم، ورواها أئمَّة أهل البيت أنفسهم، فالحق إذًا ما وافق مذهبهم والباطل ما خالفه.

وقد التزمْتُ في هذا المقال أقوالَ وتعريفاتِ أئمة الشِّيعة وعلمائهم؛ لأُبيِّن أنهم لا يصدرون في شأن تلك الكتب مصدرًا واحدًا؛ بل اختلفوا فيها، وفي إثبات نسبتها إلى مُصنِّفيها، وفي صِحَّة ما فيها وضعفه، متقيِّدًا بنقدهم لها؛ لأنَّ في ذلك آيةً لمنصفي الشيعة، على أن مذهبهم هذا مذهب مُلفَّق، وأن الرِّوايات التي يتعبدون بها إنَّما هي محض كذب في أكثرها، فلا يصح أن ينبني عليها حكم، ولا يُمكن أن يقوم عليها دين.

1- معنى الحديث والسنة عند الشيعة الاثني عشرية:
يعرِّف علماءُ الإماميَّة الحديث بأنه: "كلامٌ يَحكي قولَ المعصوم أو فعله أو تقريره، وبهذا ينقسم إلى صحيح وما يُقابله، وبهذا عُلم أنَّ ما لا ينتهي إلى المعصوم فليس بحديث"[1]، ويُعرف كذلك بالسُّنَّة.

قال شيخهم محمد رضا المظفر في تعريف السنة: "السُّنَّة في اصطلاح الفقهاء: قول النَّبي أو فعله أو تقريره"، ثم قال: "أمَّا فقهاء الإمامية بالخصوص - فلِمَا ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قولُه مَجرى قول النبي، من كونه حُجَّةً على العباد واجب الاتِّباع - فقد توسَّعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قولَ كُلِّ واحدٍ من المعصومينَ أو فِعْلِهِ أو تَقْرِيرِهِ.

فكانت السنةُ في اصطِلاحِهِمْ: قولَ المعصومِ أو فعلَه أو تقريرَه، والسرُّ في ذلكَ أن الأئمةَ من آلِ البيتِ - عليهم السلام - ليسوا هم من قبيل الرُّواةِ عن النبيِّ والمحدثِينَ عنه؛ ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية، بل لأنَّهم هم المنصوبون من الله - تعالى - على لسان النَّبي لتبليغ الأحكام الواقعيَّة، فلا يَحكون إلاَّ عن الأحكام الواقعية عند الله - تعالى - كما هي، وذلك من طريق الإلهام، كالنَّبي من طريق الوحي أو من طريق التلقِّي من المعصوم قبله؛ كما قال مولانا أميرُ المؤمنين - رضي الله عنه -: علمني رسولُ الله ألفَ باب من العلم، ينفتح لي من كُلِّ باب ألفُ باب"[2].

يقول محمد تقي الحكيم: "والحق عند الشيعة الإمامية أنَّ كل ما يصدر عن الأئمة الاثني عشر من قول أو فعل أو تقرير يُعرفُ بالسُّنة الشَّريفة"[3]، فالحديثُ عند الشيعة: كلُّ ما نقل عن النبي أو عن أحد المعصومين، وليس خاصًّا بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحدَه فقط، ويُعَمم اللَّفظ على تعريفهم السنة أيضًا.

أ) المعصومون عند الشيعة:
والمعصومون عند الشيعة الذين يأخذون منهم الأحكام، ويُجرون حديثهم وكلامهم مجرى حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويعتبرون قولهم حُجَّة: هم الأئمة الأربعةَ عشرَ، بدءًا بالنَّبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُرورًا بالسيِّدة فاطمة الزَّهراء ابنته، وانتهاءً بالمنتظر الحجة الغائب - الذي نعتقدُ نحن أهل السنة أنه خرافة لم يُخلق أصلاً - فهؤلاء هم الذين تؤخذ منهم الأحكامُ، وتعرض على أقوالهم المسائل، وتعتبر أقوالهم وأعمالهم حُجَّة عند الشِّيعة، وإذا انتهى الإسناد إلى واحد منهم، فقوله ملزم لهم، ولا يُسمَّى الكلامُ حديثًا إلاَّ بإسناده لواحد من هؤلاء.

ب) علم الأئمة:
وعلم الأئمة - في اعتقادهم - فوق كُلِّ علم، ولا يحجب عنهم شيء، وعلمهم فوق علوم كل الأنبياء، ما عدا مُحمدًا - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حسب مرويَّاتهم - وفوق علوم كل الملائكة بلا استثناء.

بوَّب المجلسي بابًا في "بحار الأنوار"، بعنوان: "إنَّه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم، وما تحتاج إليه الأُمَّة من جميع العُلُوم، وإنَّهم يعلمون ما يُصيبهم من البلايا، ويصبرون عليها، ولو دَعَوُا الله في دفعها لأُجيبوا، وأنَّهم يعلمون ما في الضَّمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد"[4]، ويروُون في ذلك مَرْوِيَّاتٍ كثيرةً جدًّا، دخولها في باب الخرافات والأساطير أَوْلَى.

ج) حجية قول الإمام:
وقولُ الإمام عندهم حُجَّة لا يردُّه شيء، بل في اعتقادهم: "أنَّ الإمامة منصب إلهي كالنُّبوة، فكما أنَّ الله يختارُ للإمامة مَن يشاء؛ فإنَّه يأمُرُ نبيَّه بالنَّصِّ عليه، وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده"[5].

أخرج ثِقَتُهُم في الحديث محمد بن يعقوب الكليني عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: "ما جاء به عليٌّ - عليه السلام - آخُذُ به، وما نَهَى عنه أنتهي عنه"[6].

ويقول المازندراني شارح الكافي: "يجوز مَن سمع حديثًا عن أبي عبدالله - رضي الله عنه - أن يروِيَه عن أبيه أو عن أحدٍ من أجداده؛ بل يجوزُ أن يقول: قال الله تعالى"[7]؛ هكذا بلا إسناد ولا بأس.

ولا يعتقدون بوجود فارق بين النَّبي والإمام، ولولا أنَّهم يعتقدون أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا نَبِيَّ بعده، لقالوا بنُبُوة الأئمة؛ بل وصفوهم بصفات لا يتَّصف بها إلاَّ ربُّ الأرض والسَّموات - سبحانه وتعالى - كما قال المجلسي: "ولا نعرف وجهًا لعدم اتِّصافهم بالنُّبُوة إلا رعاية خاتم الأنبياء، ولا يصل لعقولنا فرق بين النبوة والإمامة"[8].

د) عصمة الأئمة:
يقول أحدُ علمائهم: "إنَّ الاعتقاد بعصمة الأئمة جَعَلَ الأحاديثَ التي تصدر عنهم صحيحة، دون أن يشترطوا إيصالَ سندها إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما هو الحال عند أهل السُّنة"[9].

ويصفُ محمد رضا المظفر ذلك بأنَّه: "استمرار للنُّبوة"[10]؛ لذلك فإنَّ معظم الأخبار والأحاديث عندهم تنتهي أسانيدُها لأئمَّتهم، وليس للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغالب عقائد الشِّيعة الإمامية مأخوذة من أخبار منسوبة للأئمة؛ وذلك لأنَّهم ردُّوا مرويَّات الصحابة جميعًا؛ إلاَّ نفرًا قليلاً لا يجاوزون ثمانية في حال من الأحوال، فانقطع الطريق بينهم وبين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتخبَّطوا من أين يأخذون مسائلَ الدين، فخالفوا الأُمَّة، وزعموا اتِّباعهم للأئمة، فاختلقوا الأخبار على ألسنتهم، فكَثُر الكذب عليهم ممن ادَّعوا التشيُّع لهم زاعمين رَفْع مذهبهم، وهم إنَّما يطعنون فيهم من حيثُ لا يعلمون، ومن أعظم من ابتُليَ بالكذب على لسانه هو أبو عبدالله جعفر الصَّادق بن محمد الباقر؛ فقد جعلوه - كما شبَّهه بعضُ أجلَّة مشايخنا، حفظهم الله - كاللاَّفتة المضيئة في المدينة، مَن أراد وَضْع إعلان؛ ليراه الناس، وضعه عليها، وهو مِمَّا نسبوه إليه بَرَاءٌ، وأمَّا عصمة الأئمة التي يدَّعونها، فإنَّ الأئمة قد نَفَوْها عن أنفسهم في كُتُب الشِّيعة التي نسبوها لهم؛ ولكنَّ الشيعة يغضُّون الطَّرف عن مثل تلك الروايات بالرغم من شهرتها.

هـ) كذب الشيعة على أئمتهم:
اشتكى الفيضُ بن المختار إلى أبي عبدالله قال: "جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: وأيُّ اختلاف؟ فقال: إني لأجلس في حَلَقِهم بالكوفة، فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم، فقال أبو عبدالله: أَجَل، هو ما ذكرت؛ إن النَّاس أولعوا بالكذب علينا، وإنِّي لأحدث أحدَهم بالحديث، فلا يخرج من عندي حتَّى يتأوَّلُوه على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وحُبِّنا ما عند الله، وإنَّما يطلبون الدُّنيا، وكلٌّ يحب أن يُدعى رأسًا"[11].

روى المجلسي في "البحار": "عن ابن سنان، قال: قال أبو عبدالله: إنَّا أهلُ بيت صادقون، لا نخلو من كذَّاب يكذب علينا، فيسقط صدقُنا بكذبه علينا عند النَّاس، كان رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلم - أصدقَ البريَّة لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله من بعد رسولِ الله، وكان الذي يكذب عليه من الكَذَبَةِ عبدالله بن سبأ - لعنه الله - وكان أبو عبدالله الحسين بن علي قد ابْتُلِيَ بالمختار، ثُمَّ ذكر أبا عبدالله الحارث الشامي وبنان كانا يكذبان على علي بن الحسين، ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري، وأبا الخطاب ومعمر بن خثيم وبشار الأشعري، وحمزة اليزيدي وصائد النهدي، فقال: لعنهم الله، إنَّا لا نخلو من كَذَّاب يكذب علينا أو عاجز الرأي، كفانا الله مؤنة كُلِّ كذاب، وأذاقهم الله حَرَّ الحديد"[12].

قال الوحيد البهبهاني[13]: "ولكن نعلم يقينًا أنَّه كثيرًا ما كانوا يكذبون على الأئمة - عليهم السلام - ووصل إلينا بالأخبار المُتواترة، بل ورد الحديثُ الصحيح: أنَّ المغيرة بن سعيد كان يَدُسُّ في كُتُب أصحاب الأئمة - عليهم السلام - أحاديث لم يحدثوا بها، وكذا أبو الخطاب، وورد في الاحتجاج: أنَّ من أسباب اختلاف الأحاديث عن أهل البيت الكذب والافتراء عليهم"[14].

2- كتب الحديث عند الشيعة:
إن الكتب الرئيسة التي تُعَدُّ مصادرَ الأخبار عند الاثني عشرية هي ثمانية، يسمونها: "الجوامع الثمانية"، ويقولون: إنَّها المصادر المهمة للأحاديث المرويَّة عن الأئمة؛ قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: "وأمَّا صحاح الإمامية، فهي ثمانية: أربعة منها للمحمَّدِين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمَّدِين الثلاثة الأواخر، وثامنها لحسين النوري"[15].

أوَّل هذه المصادر وأصحُّها عندهم: "الكافي"، لمحمد بن يعقوب الكليني، الذي زعموا أنَّه لما ألَّفه في عصر الغيبة الصُّغرى، عَرَضَه على الإمام الغائب في السرداب، فقال: "هذا كافٍ لشيعتنا"[16]، وقد أكثروا من الثَّناء عليه، وهو عمدة كتب مذهبهم.

ثم كتاب: "من لا يحضره الفقيه"، لشيخهم المشهور عندهم بالصَّدُوق محمد بن بابويه القمي (ت: 381ه‍ـ).

و"الاستبصار"، و"تهذيب الأحكام"، كلاهما لشيخهم المعروف بـ"شيخ الطائفة" محمد بن الحسن الطوسي (ت: 360هـ)، قال شيخهم الفيض الكاشاني (ت: 1091هـ): "إنَّ مدارَ الأحكام الشرعيَّة اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصِّحَّة من مُؤلفيها"[17]، وقالوا: "الكتب الأربعة والمجاميع الحديثيَّة التي عليها استنباطُ الأحكام الشرعية حتَّى اليوم"[18].

هذه هي المصادر الأربعة المتقدمة عندهم، وهذه الكتب الأربعة عندهم مُتواترة في مجموعها.

يقول الحر العاملي: "قد عرفت أنَّ أكثرها متواترٌ لا نزاع فيه، وأقلها - على تقدير عدم ثبوت تواتره - فهو خبرٌ محفوف بالقرينة القطعيَّة، ومعلوم قطعًا بالتتبع والتَّواتُر أن تواترَ تلك الكتب السابقة وشهرتها أعظمُ وأوضحُ من تواتر كتب المتأخرين"[19].

ثم ألَّفوا في القرن الحادي عشر وما بعده مجموعةً من المُدَوَّنات، ارتضى المعاصرون منها أربعة، سَمَّوْها بالمجاميع الأربعة المتأخرة، وهي:
- "الوافي"، لملا محسن الفيض الكاشاني (ت: 1091ه‍ـ).

- و"بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار"، لباقر علوم أئمتهم محمد باقر المجلسي (ت: 1111هـ).

- و"وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة"، تأليف: محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104هـ).

هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام عندهم، جَمَعَ فيه مؤلِّفُه رواياتهم عن الأئمة من كتبهم الأربعة، التي عليها المدار في جميع الأعصار - كما يقولون - وزاد عليها رواياتٍ أخذها من كتب الأصحاب المعتبرة تزيد على سبعين كتابًا، كما ذكر صاحبُ "الذَّريعة"، ولكن ذكر الشيرازي في "مقدمة الوسائل": أنَّها "تربو على مائة وثمانين"، ولا نسبةَ بين القَوْلين، وقد ذكر الحر العاملي أسماء الكتب التي نقل عنها، فبلغت أكثر من ثمانين كتابًا، وأشار إلى أنَّه رجع إلى كتبٍ غيرها كثيرة، إلاَّ أنه أخذ منها بواسطة من نقل عنها.

- و"مستدرك الوسائل"، لحسين النوري الطبرسي، (ت: 1320ه‍ـ).

يقول الدكتور القفاري: وهذه الكتب والمجاميع الشيعيَّة ليست إلاَّ كلَوْن من ألوان الشكلية الثقافيَّة للدعاية المذهبية المغرم بها الشيعة.

- فمثلاً كتاب "الاستبصار" للطوسي، ليس إلاَّ تهذيبًا واختصارًا لكتاب "تهذيب الأحكام"، فلم يأتِ فيه بجديد، ومع ذلك اعتبروه أصلاً مُستقلاًّ.

- وكتاب "الوافي" هو جمعٌ لما في الكتب الأربعة من الرِّوايات وترتيبها على الأبواب، فهل يعتبر ذلك أصلاً جديدًا؟[20].

- وأمَّا كتاب "وسائل الشيعة"، فقد جمع أخبارَ الكُتُبِ الأربعة المتقدمة، وزاد عليها رواياتٍ أخذها من كتب الأصحاب المعتبرة تزيد على سبعين كتابًا كما أسلفنا[21].

- وأما كتاب "مستدرك الوسائل"، فكما قال شيخهم محمد مهدي الكاظمي: "أخباره مقصورة على ما في "البحار"، وزَّعها على الأبواب المناسبة للوسائل، كما قابلته حرفًا بحرف"[22].

3- موضوع كتب الرواية الشيعية:
أما موضوع هذه المُدوَّنات، فإنَّ "التهذيب"، و"الاستبصار"، ومن لا يحضره الفقيه، ووسائل الشيعة، و"مستدرك الوسائل" - كلها في الفقه، أما "الكافي"، فإنَّ المجلد الأول والثاني في الأصول، وباقي الكتاب في الفقه، وهو يُسمَّى "فروع الكافي".

أمَّا بالنسبة للقسم الباقي من هذه المدونات وهي "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"، فهي تتعلق بمسائل: التوحيد، والعدل، والإمامة... وأكثر ما فيها يدور حول عقائدهم وآرائهم في الإمامة والأئمة الاثني عشر، والنَّص عليهم، وصفاتهم، وأحوالهم، وزيارة قُبُورهم، والحديث عن أعدائهم، وعلى رأسهم صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلها تدور في فلك الإمامة والأئمة[23].

4- الدَّسُّ والزيادة في الكتب الأربعة:
لم تخلُ هذه الكتب من دَسٍّ وزيادة، وآيةُ ذلك أنَّ كتاب "تهذيب الأحكام" للطوسي بلغت أحاديثه (13950) ثلاثة عشر ألفًا وتسعمائة وخمسين حديثًا؛ كما ذكر أغا بزرك الطهراني في "الذريعة"[24]، ومحسن العاملي في "أعيان الشيعة"[25]، وغيرهما من شيوخهم المعاصرين، في حين أن الشيخ الطوسي نفسه صرَّح في كتابه "عدَّة الأصول": بأنَّ أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على خمسة آلاف؛ ومعنى ذلك: أنَّها لا تصل إلاَّ إلى ستة آلاف في أقصى الأحوال، فما زِيدَ فيها هو أكثر من ضِعْفِها - ما بين الطُّوسي وعصرنا الحاضر - فمن أين أتتِ الزِّيادة؟! إلاَّ أن تكون قد دسَّت عبر هذا التاريخ، وزيدت بأهواء أئمَّة المذهب.

واختلفوا أيضًا في كتاب "روضة الكافي" - وهو أحد كتب الكافي التي تضم مجموعة من الأبواب، وكل باب يتضمن عددًا كبيرًا من الأحاديث - هل هو من تأليف الكليني أو زِيدَ فيما بعد على كتابه الكافي؟[26]، فكأنَّ أمْرَ الزيادة شيءٌ طبيعي ووارد في كُلِّ حال؛ بل الأمر أخطر من ذلك؛ فإن شيخهم الثِّقة عندهم حسين بن حيدر الكركي العاملي (ت: 1076هـ) قال: "إنَّ كتاب الكافي خمسون كتابًا بالأسانيد التي فيه لكل حديث مُتَّصل بالأئمة"[27]، ويُعقِّب عبدالرسول الغفاري في كتابه "الكليني والكافي" على هذا الكلام، فيقول: "لا أدري هل هناك سَهْوٌ وقع من قلم النُّساخ فيما أفاده العلاَّمة، من أنَّ عدَّة كتب الكافي خمسون كتابًا أو هناك حقيقة أخرى؟ فإنَّ الطوسي في "الفهرست" ذكر أن عِدَّة كتب الكافي ثلاثون كتابًا"[28].

وإن كان هو لا يدري، فنحن نقطع أنَّ هذه الأبواب العشرين قد زادها قَلَمُ الشِّيعة عَبْرَ تاريخهم الطويل؛ لانقطاعهم عن العلم والنَّص، وعن دين الله الذي حفظه بكتابه وسُنَّة نبيه الصَّحيحة، والحق أن هذا الكتاب لا بُدَّ أن يفقد مصداقيَّته عند المنصفين، وأنَّه لا يستحقُّ الثَّناء الذي لقيه؛ إذ إنَّه بهذه المثابة من التضارُب والاختلاط، فكيف يعتمد على مثل هذا الكتاب، وكيف يُوثَق فيما فيه من أخبار؛ إلاَّ بالتعصب والتعسُّف.

يقول شيخهم الطوسي في "الفهرست": "كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتابًا، أخبرنا بجميع رواياته الشيخ"[29].

وقال مثله ابن شهر آشوب[30]، ومصطفى بن الحسين التفرشي[31]، والسيد علي البروجردي[32].

ونقل الميرزا النوري عن الشيخ حسين البهائي العاملي صاحب كتاب "وصول الأخيار": أنَّ الكليني صنَّف كتابه "الكافي"، وأنَّه يشتمل على ثلاثين كتابًا[33]، وذكر السيد بحر العلوم في "الفوائد الرجاليَّة": أن عدد كتب الكافي اثنان وثلاثون كتابًا[34]، فهذا عدد آخر.

فهذا يعني أنَّ كتاب "الكافي" قد زِيدَ فيه على مَدارِ سِتَّة قرون عشرون كتابًا، أو تزيد كتابين، بأبوابها وأحاديثها!

وماذا سيفعل عبدالرسول الغفاري أمام هذه الحقيقة الأخرى: أنَّ كتاب "الكافي" قد زيدت فيه هذه الكُتُب على مدار تلك القُرُون؟ هل سيترك مذهب التشيُّع أو سيخبرنا أنَّ الزِّيادة من باب التَّقِيَّة؟

وتَمتدُّ هذه النِّزاعات لأخطر كتب الكافي وهو كتاب "الروضة"، الذي خصَّصوه للكلام عن الحجَّة والعقل والإمامة وغيرها من أصول دينهم، بأنه ليس من تصنيف الكليني أصلاً.

يقول: "كَثُرَ الحديثُ حول كتاب "الروضة" عند العُلماء المتقدمين، فمنهم من جَعَله بين كتاب العشرة وكتاب الطَّهارة، ومنهم من جعله مصنفًا مستقلاًّ عن "الكافي"، وقسم ثالث تردد في نسبته للمصنف؛ بل في كلمات بعض المتأخرين نفاه عن الكليني، ونسبه إلى ابن إدريس صاحب "السرائر".

قال المولى خليل القزويني: "الروضة ليس من تأليف الكليني، بل هو من تأليف ابن إدريس، وإن ساعده في الأخير بعضُ الأصحاب، ورُبَّما ينسب هذا القول الأخير إلى الشَّهيد الثاني، ولكن لم يثبت"[35].

5- صحة روايات الكتب الثمانية:
أمَّا مدى صحة ما في هذه المدونات في نظر هذه الطَّائفة، فهم في هذا فريقان: صنف يرى صحتها، ويقطع بثبوت كُلِّ حرف فيها عن الأئمة، وهم الإخباريُّون، وفريق يرى أنَّ فيها الصحيح وغيره وهم الأصوليُّون المجتهدون كما يسمونهم، يُبيِّن ذلك شيخهم المامقاني، فيقول: "إنَّ كونَ مجموع ما بين دفتي كلِّ واحد من الكتب الأربعة من حيثُ المجموعُ متواترًا - مِمَّا لا يعتريه شك ولا شبهة، بل هي عند التأمُّل فوق حد التواتر؛ ولكن هل هي متواترة بالنسبة إلى خصوص كل حديث؟ وبعبارة أخرى: هل كل حديث وكلمة بجميع حركاتها وسكناتها الإعرابيَّة والبنائية، وبهذا الترتيب للكلمات والحروف على القطع أو لا؟ فالمعروف بين أصحابنا المجتهدين الثاني كما هو قضية عدَّها أخبار آحاد، واعتبارهم صحة سندها أو ما يقوم مقام الصحة، وجُلُّ الإخبار على الأول كما يقتضيه قولهم بوجوب العمل بالعلم، وأنَّها قطعية الصُّدور عن الأئمة"[36].

أما الأصوليُّون الذين يطبقون الاصطلاح الجديد على مرويَّات الشيعة وكتبهم، فلهم نظرة مختلفة في قَبول أخبار كتب الحديث الشِّيعيَّة، والحكم عليها وعلى أحوال رواتها، والنظر لوجوه الاختلاف فيها، فيقول شيخ الشيعة وإمامهم في زمانه، جعفر النجفي: "والمحمدون الثلاثة كيف يعوَّل في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذِّب روايةَ بعض، ورواياتهم بعضها يضاد بعضًا؟! ثم إن كتبَهم قد اشتملت على أخبار يُقطع بكذبها؛ كأخبار التجسيم والتشبيه، وقِدَم العالم، وثبوت المكان والزمان"[37].

ولكن أصحاب الكتب الأربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم لا يذكرون إلا الصَّحيح، فيجيب صاحب "كشف الغطاء" عن ذلك بقوله: "فلا بُدَّ من تخصيص ما ذكر في المقدمات، أو تأويله على ضرب من المجازات، أو الحمل على العدول عما فات؛ حيثُ ذكروا في تضاعيف كتبهم خلاف ما ذكروه في أوائلها"[38]؛ أي: إنَّهم عدلوا عن شرط الصِّحة الذي ذكروه في مقدمات كتبهم.

6- الأصول الأربعمائة:
يعتقد الشيعة بوجود ما يسمونه "الأصول الأربعمائة"، ومعناه عندهم باختصار: "أنَّ المصادر قد أحصت عدَّة ممن عاصروا الإمام جعفر الصادق، ورووا عنه، وانصرفت طائفةٌ كبيرة من هؤلاء لضبط ما رووه عن الإمام سماعًا في كتابٍ خاص، في مواضيع الفقه والتفسير والعقائد وغيرها، وقد اصطلح التاريخُ الشيعيُّ على تسمية هذه الكتب بالأصول، كما حصرها في أربعمائة أصل، وهذا ما نعنيه بالأصول الأربعمائة"[39].

أ- أهمية هذه الأصول:
يقول: "ولا شكَّ في أن "الأصول الأربعمائة" من أقدم وأشهر وأهم المصادر الروائيَّة للشيعة الاثني عشرية، التي أُلفت في أعصار الأئمة المعصومين - عليهم السلام - ونعلم إجمالاً أنَّ تاريخ تأليف جُلِّ هذه الأصول - إلاَّ قليلاً منها - كان في عصر أصحاب الإمام الصَّادق - عليه السلام - سواء كانوا مختصِّين به، أو كانوا ممن أدركوا أباه الإمام الباقر - عليه السلام - قبله، أو أدركوا ولده الإمام الكاظم - عليه السلام - بعده، وصرَّح الشيخ الطبرسي، والمحقق الحِلِّي والشهيد الثاني[40]، والشيخ البهائي، والمحقق الداماد، وغيرهم من الأعلام بأن "الأصول الأربعمائة" قد ألفت في عصر الصادق - عليه السلام - من أجوبة المسائل التي كان يسأل عنها"[41].

ب- مكانة كاتبي الأصول:
يقول أسعد كاشف الغطاء في بيان منزلة تلك الأُصُول وبيان مكانتها: "فإنَّ الشيعة من أوَّل نشأتها لا تبيحُ الرُّجوعَ في الدين إلى غير أئمتها؛ ولذلك عكفت هذا العكوف، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم، وبذلت الوسع والطاقة في تدوين كلِّ ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه؛ حفظًا للعلم الذي لا يصح - على رأيها - عند الله سواه، وحسبك - مما كتبوه أيَّامَ الصادق - تلك الأصول الأربعمائة، وهي أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف كتبت من فتاوى الصادق على عهده، ولأصحاب الصَّادق غيرها، هو أضعاف أضعافها، وبسعيهم - أصحاب الأصول - نشرت علوم آل محمد، فشكر الله مساعيهم بسعة رحمته في العُقْبى، وأخْلَدَ ذكرهم في الدنيا بما كتبت من تراجمهم بعد عصرهم في الكتب الرجاليَّة القديمة، مثل: كتاب "الرجال" لعبد الله بن جبلة الكناني المتوفى سنة 219ه‍ـ، ومشيخة الحسن بن محبوب تُوفي سنة 224 ه‍ـ، ورجال الحسن بن فضال توفي سنة 224هـ،‍ ورجال ولده علي بن الحسن، ورجال محمد بن خالد وولده أحمد بن محمد بن خالد (ت: 274)، ورجال الشريف أحمد العقيقي (ت: 280هـ)[42].

ولكن؛ هل هذا الكلام من تعريف الأصول وأهميتها ومكانة رجالها وعدالتهم أمر متَّفق عليه بين الشيعة؟

لنراجع هذا النصَّ من كلام أسعد كاشف الغطاء: "إنَّ الأصول الأربعمائة كانت معروفة عند الأقدمين، والتي وصلت إلينا هي بعض تلك الأصول، لا يُمكننا معرفة خصائصها وتمييزها عن غيرها، والعِلَّة التي سميت بالأصول دون غيرها، ولكن بمساعدة الكتب التي ذكرت الأصول الأربعمائة، والتي يُمكن بالتأمُّل فيها أن يخرجَ بهذا التعريف، وهو "ما كتب راوٍ من الأحاديث عن المعصومين، أو عن راوٍ عنه، وعُرِفَ عند قدماء الشِّيعة بأنه أصل"[43].

ولو طرحنا سؤالاً فقلنا: هل هناك اتِّفاق بين علماء الشيعة على تعريف تلك الأصول، أو حتَّى معرفة خصائصها وطريقة تصنيفها، بما يجعلها مستندًا معتبرًا في نقل الرِّوايات والأخبار التي هي أصول الدين وفروعه؟ فما الجواب؟

الجواب هو: لا، ليس هناك اتِّفاق على تعريف تلك الأصول، ولا خصائصها، ولا سبب تسميتها بالأصول، ولا عمَّن من الأئمة كتبت تلك الأصول؛ لأنَّه في تعريف كاشف الغطاء يقول: إنَّ الأصلَ هو ما كتبه راوٍ عن معصوم، أيًّا كان الراوي، وأيًّا كان المعصوم، وقبله ذكر المحمودي أنَّ تدوينَ الأصول وعرضها كان على جعفر الصادق ومن المسائل التي سُئِلَ فيها؛ بل يقول بعضهم: إنَّه لا فارقَ بينها وبين سائر الكُتُب التي وصلت إلى الشِّيعة في عصر التدوين – الذي يبدأ بالكليني – إذ لا خصائصَ محددة لها بل وأيضًا: "ومن المؤسف أنَّ الكثير من هذه الأصول قد ضاعت واندرست بسببِ عدم الاهتمام الكافي بها، أو فقدت في خِضَمِّ الأحداث ولم تصل إلينا"[44].

حتَّى لو وصلت إلى عصرنا، فإنَّ بها عِلَّة قادحة تفقدها أهميتها إنْ كان لدى الشيعة إنصافٌ مع أنفسهم، وهي أن كثيرًا من رواة الأصول فاسدُ المذهب وفاسد النِّحلة، ومع هذا يروون عنه ويحتجون به.

قال الطوسي: "فإذا ذكرتُ كلَّ واحد من المصنفين وأصحاب الأصول، فلا بُدَّ من أن أُشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يُعوَّل على روايته أو لا؟ وأبين عن اعتقاده، وهل هو موافقٌ للحق أو هو مخالف له؟ لأنَّ كثيرًا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة"[45].

فإنَّ رواة الأصول - طبقًا لكلام شيخ الطائفة - لا بُدَّ أن يخضعوا للتجريح والتعديل، ولا بُدَّ من معرفة: هل بالإمكان التعويل على روايتهم أو لا؟ إلى آخر ما ذكره الطوسي مما يقدح في هؤلاء، ثم ذكر أخيرًا أن كثيرًا من هؤلاء ينتحلون المذاهب الفاسدة، ومع ذلك فإنَّ كتبهم معتمدة، فكيف يتابع الشيعةُ أصحابَ المذاهب الفاسدة في دينهم، ألن ينقل هؤلاء الرواة ما يعضد مذاهبهم الباطلة ونحلهم الفاسدة؟! ألاَ يدُلُّ هذا على فساد الدين، وأن هؤلاء يدسُّون كثيرًا من مذاهبهم في كتبهم، ثم ينقلها عنهم الشيعة، ويرويها أمثال الكليني والصدوق والطوسي في كتبهم، ويتديَّن بها الشيعة، ورُبَّما هي من مذاهبهم الفاسدة؟![46].

إن مما ينسف فكرة الأصول الأربعمائة هذه نسفًا: ذلك الاختلافَ الشديد، والانقسام الذي انقسمت إليه الشيعة بعد موت جعفر الصادق، ودائمًا ما كان يحدث هذا التفرُّق والانقسام بعد موت كُلِّ إمام [47]، فانقسم أصحابُ الأصول بين الفِرَقِ، واختلفت مذاهبهم على حسب معتقد كل فرقة – هذا على فرض وجودهم أصلاً – فقد انقسمت الشيعة بعد وفاة أبي عبدالله الصَّادق إلى ست فرق[48]، فإلى أيِّ فرقة منها انتسب أصحابُ هذه الأصول؟ لا يعلم الشيعة أنفسهم إجابة هذا السؤال.

كذلك مسألة كون أصحاب الأصول الأربعمائة ممن كتبوا عن جعفر الصادق أو أبيه الباقر، ورُبَّما أدركوا ابنه الكاظم كما ذكرنا آنفًا، فإنَّه يدُلُّنا أن كل ذِكْرٍ لمن أتى بعد الكاظم من الأئمة وأحوالهم وحوادثهم، إن ذكرت في الأصول الأربعمائة، فإنَّما هي كذب وافتراء؛ لأنَّهم كتبوا ما لم يدركوه، وما حدث بعد تدوينهم، فهل يعني هذا أن الأصول الأربعمائة، وأخبار الشيعة ومسائلها - توقَّفت عند إمامهم السَّادس؟ فتأمَّل.

ذكر صاحب الدراية: "إنَّ الأصولَ الأربعمائة يرادُ بها ما اشتمل على كلام الأئمَّة أو روي عنهم بواسطة؛ يقول الشهيدُ الثاني في هذا الصَّدد: كان قد استقر أمر الإمامية على أربعمائة مصنف، سمَّوها أصولاً، فكان عليها اعتمادُهم، وتداعت الحال إلى أن ذهب معظم تلك الأصول، ولخصها جماعة في كتبٍ خاصَّة تقريبًا على المتناول، وأحسن ما جمع منها "الكافي"، و"التهذيب"، و"الاستبصار"، و"من لا يحضره الفقيه"[49].

أيْ: إنَّ مصنفي الأحاديث عند الشيعة قد انتَقَوا مَروِيَّاتِهم والأخبارَ التي ساقوها في كتبهم مما وصل إليهم من بقية هذه الأصول الأربعمائة، وكما ذكر الشهيد الثاني، فإنَّ كثيرًا منها فُقِدَ وضاع ولم يبقَ له أثر، فنَقَلَ جامعو الأخبار بعد ذلك ما استطاعوا مما بَقِيَ في تلك الأصول، وهذا يعني أنَّ ما نقله هؤلاء - أمثال الكليني والصَّدوق والطوسي، وهم أكابر مُحدثيهم وشيوخ طائفتهم - لا يُمكن الوثوق به، ولا يُمكن أن يصمد أمام ميزان علوم الدراية، التي يدَّعي الشيعة أنَّهم أصَّلوها وصبغوها بالدِّقَّة والعراقة كما سيأتي، وأنه ينبغي لهم معاودة النَّظَر في كتبهم؛ ليتأكد لهم أن مصادر دينهم لا تثبت أمام أيِّ نقد؛ يقول الوحيد البهبهاني: "والحاصل أن معاصري الأئمة - عليهم السلام - وقريبي العهد منهم كان عملهم على أخبار الثِّقات مطلقًا، وغيرهم بالقرائن، وكانوا يردون بعضَ الأخبار أيضًا؛ لما ثَبَتَ بالتواتُر من أن الكَذَبَة كانوا يكذبون عليهم - عليهم السلام - لكن خَفِيَ علينا الأقسام الثلاثة، ولا يُمكننا العلم بها كما مَرَّ في الفوائد، كما أن نفس أحكامهم أيضًا خفيت علينا كذلك، وانسَدَّ طريقُ العلم، فالبناء على الظن في تمييز الأقسام"[50].

بمعنى: أنَّ الشيعة لا يستطيعون أن يُميِّزوا بين ما نقله معاصرو الإمام واختاروه؛ مما كذب عليهم مما صحَّحوه بالقرائن، ويقول: إنَّ تمييز الأقسام الثلاثة أمْرٌ صعب عسير، فكيف يُمكن الحكم بصحة الأصول المزعومة والحال هكذا؟!

يقول هاشم معروف الحسني: "المتحصل من ذلك أنَّ الذين اعتمدوا على الكافي، واعتبروا جميع مروياته حُجَّة عليهم فيما بينهم وبين الله - سبحانه - هؤلاء لم يعتمدوا عليها إلاَّ من حيثُ الوثوق والاطمئنان بالكليني الذي اعتمد عليها - أي: على الأصول الأربعمائة - وكما ذكرنا فإنَّ وثوق الكليني بها لم يكن مصدره بالنِّسبة إلى جميعها عدالة الرواة؛ بل كان في بعضها من جهة القرائن التي تيسَّر له الوقوفُ عليها؛ نظرًا لقرب عهده بالأئمة - عليهم السَّلام - ووجود الأصول المختارة في عصره، هذا بالإضافة إلى عنصر الاجتهاد الذي يرافق هذه البحوث في الغالب"[51].

1- فإن كانت هذه هي الطَّريقة العلميَّة، والمنهج الذي صنف عليه أقوى وأصح كتب الشيعة، فما الحال مع بقيَّتها؟!
2- وما القرائنُ التي تيسر له الوقوف عليها، طالما أنَّ عدالة الرُّواة وتجريحهم ليس هو الذي اعتمد عليه في قَبُول روايات أصحاب الأصول؟!
3- وهل قرب العهد أو بُعده دليل على صِحَّة النقل؟!
4- ألاَ يُمكن أن يكون مَن قرب عهده ضعيفَ الحفظ، أو صاحب هوى، أو بدعة، أو مذهب فاسد، أو كذاب؟!
5- ألاَ يَجوز أن يكون من بَعُدَ عهدُه، ونَقَلَ بطُرُقٍ سليمة، وقواعدَ معروفة - أصحَّ، ورجالُه ثِقَاتٌ عدول مأمونون على ما ينقلونه من أخبار - أصحَّ نقلاً ممن قَرُبَ عهده، مع ما ذكرنا مما يقدح في العدالة؟!

ويقول الحسيني: "إنَّ الكليني نفسه لم يدَّعِ أنَّ مروياتِ كتابه كلها من الصحيح المُتَّصل سنده بالمعصوم، بواسطة العدول، فإنه قال في جواب مَن سأله تأليفَ كتاب جامع يصحُّ العمل به والاعتماد عليه: وقد يسَّر اللهُ لي تأليفَ ما سألتُ، وأرجو أنْ يكونَ بحيثُ توخَّيْت"، وهذا الكلام منه كالتصريح في أنَّه بذل جهده في جمعه وإتقانه، معتمدًا على اجتهاده وثقته بتلك المجاميع والأصول الأربعمائة، التي كانت مرجعًا لأكثَرِ المتقدمين عليه، ومصدرًا لأكثر مرويَّات كتابه[52].

وهذا الكلام عليه مآخذ من جوانب:
أولها: أنَّ قدماء علماء الشيعة قالوا بتواتُر ما جاء في الكُتُب الأربعة، ومنها كتاب الكليني؛ بل إنَّ ما نال كتاب الكافي من الثَّناء لم يَنَلْ غيره من كُتُبِ الحديث عندهم، فهذا تناقُضٌ واضح في الحكم على كتاب واحد.

وثانيها: أن الكليني لو لم يَدَّعِ أن مرويَّات كتابه كلها من الصحيح المُتصل سنده بالمعصوم، بواسطة العُدُول، فقد ادَّعَى ذلك علماءُ الشيعة ومُحقِّقوهم ممن هو أكْبَر وأجلُّ شأنًا من الحسيني، ومنزلة كتاب الكافي عندهم أعظمُ من أن توصف.

ويقول أيضًا بعد أن عدَّ رواياتِ "الكافي": "إنَّ في الكافي ستَّةَ عَشَرَ ألفًا ومائة وتسعة وتسعين حديثًا"، وقال: "إنَّ أصولَ علم الدِّراية تقتضي أنَّ منها خمسةَ آلاف واثنين وسبعين حديثًا صحيحًا، ومائة وأربعة وأربعين حَسَنًا، وأن من ضمنها ألفًا ومائة وثمانية وعشرين مُوثَّقًا، وثلاثمائة واثنين قويًّا، وأنَّ منها تسعةَ آلاف وأربعمائة وخمسة وثمانين حديثًا ضعيفًا"[53].

ثُمَّ قال بعد ذلك: "ومما تجدُر الإشارة إليه: أنَّ اتِّصافَ هذا المقدار من روايات الكافي بالضَّعف لا يعني سقوطَها بكاملها عن درجة الاعتبار، وعدم جواز الاعتماد عليها في أمور الدين؛ ذلك لأنَّ وصف الرواية بالضَّعف من حيثُ سندها لا يمنع من قُوَّتِها، ومن ناحية ثانية لوجودها في أحد الأصول الأربعمائة"[54].

أي: إنَّ مُجرد وجود الخبر في الأصول الأربعمائة - والتي بالطَّبع لم يعُدْ لها وجود إلاَّ مُتفرقة في كتبهم المعتمدة، كما يزعمون – يستوجب قبوله والعمل به وعدم إمكانية رَدِّه.

ثُمَّ إنَّنا لو سلمنا للشيعة بكُلِّ هذا، وبأن لهم أصولاً يروُونها عن أئمتهم، فإن في أخبار كتب الشيعة ما يُؤكِّد انقطاع أسانيد تلك الكتب، وأنَّهم إنَّما وجدوها، ولم ينقلوها بالرِّواية، حتَّى إنَّ الرواة الناقلين لها مطعونٌ فيهم.

قال ثقتهم الكليني، صاحبُ أصحِّ كُتُبهم، والذي يفضلونه على "صحيح البخاري": "إنَّ مشايخنا روَوْا عن أبي جعفر وأبي عبدالله - عليهما السلام - وكانت التقيةُ شديدةً، فكتموا كُتُبَهم، ولم تُروَ عنهم، فلَمَّا ماتوا صارت الكتب إلينا"، ولَمَّا سألوا إمامهم عن ذلك، قال: "حدِّثوا بها فإنها حق"[55]، فليسَ هناك أسانيدُ لنقل تلك الكتب، وإنَّما كلُّ مَن وجد كتابًا حدث به عن الأئمة.

ويقول الطوسي في ترجمة أحمد بن هلال العبرتائي: "وكان غاليًا متهمًا في دينه، وقد روى أكثرَ أصول أصحابنا"[56].

بل إنَّ الشِّيعة ما كانوا يعرفون حلالاً ولا حرامًا ولا مناسكَ ولا حَجًّا، لا من كُتُبٍ، ولا من أحاديثَ، ولا من غيرها قبل جعفر الصَّادق، بل كانوا يأخذون كلَّ ذلك من أهل السنة.

"كانت الشيعة قبل أن يكونَ أبو جعفر، وهم لا يعرفون مناسكَ حَجِّهم وحلالهم وحرامهم، حتَّى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيَّن لهم مناسكَ حَجِّهم وحلالهم وحرامهم، حتَّى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس..."[57].

فهل من عاقل بعد ذلك يقول: إنَّ لدى الشيعة أصولاً دونَتْ فيها أحاديثهم عن أئمة أهل البيت؟! وأين كانت تلك الأصول لَمَّا احتاجوا للناس – أهل السنة – في معرفة الحلال والحرام والمناسك؟!

الحقُّ أنَّه لم تكن لهم كتب، ولا أصول، ولا روايات؛ لكنَّه كذبٌ وتلفيقٌ مستمر من المراجع والآيات؛ لإضلال جماهير الشيعة عن الحقِّ الواضح، وهو أنَّ الدين الذي ارتضاه الله لنفسه، ولرسوله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد حفظه لأُمَّته، وهو ما عليه جماهير المسلمين من الحق، الثابت بأعلى طُرُقِ التحمُّل والنَّقل، لكن القوم مغيَّبون، أفلا يبصرون؟!

المراجع:
1- أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة، محمد مهدي الكاظمي، مكتبة الإمام الكاظم، بغداد 1413هـ.
2- أصل الشيعة وأصولها، الشيخ كاشف الغطاء، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة الإمام علي 1415هـ.
3- أصول الحديث وأحكامه، عبدالهادي الفضلي، الطبعة الثالثة، مؤسسة أم القرى، بيروت، لبنان ذي القعدة 1421هـ.
4- أصول الفقه، محمد رضا المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1412هـ.
5- الأصول الأربعمائة، أسعد كاشف الغطاء، مطبعة النعمان، النجف، 1398هـ.
6- الأصول الستة عشر من الأصول الأولية، تحقيق: ضياء الدين المحمودي، دار الحديث للطباعة والنشر ، قم، إيران.
7- أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، د. ناصر بن عبدالله القفاري، الطبعة الثانية، مكتبة طيبة، القاهرة، 2005.
8- أعيان الشيعة، محسن الأمين، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان.
9- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، الطبعة الثانية، مصححة، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1403 هـ.
10- تنقيح المقال في أحوال الرجال، عبدالله المامقاني، المطبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1403 - 1983م.
11- تاريخ الإمامية، عبدالله الفياض، مؤسسة الغدير، 1418هـ.
12- خاتمة مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1415هـ.
13- دراسات في الحديث والمحدثين، هاشم معروف الحسني، الطبعة الثانية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1398هـ.
14- دراسات حول الأصول الأربعمائة، هاشم معروف الحسني، دار التعارف، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1978.
15- الذريعة إلى مصنفات الشيعة، آقا بزرگ الطهراني، الطبعة الثالثة، 1403 - 1983م، دار الأضواء، بيروت، لبنان.
16- روضات الجنات في أحوال العلماء السادات، محمد باقر الخوانساري، تحقيق: أسد الله إسماعيليان، المطبعةالحيدرية، 1370.
17- شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1421 - 2000م.
18- ضياء الدراية في شرح مقباس الهداية، ضياء الدين الأصفهاني الفاني، مؤسسة المعارف، قم، 1419هـ.
19- طرائف المقال، علي البروجردي، تحقيق: مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي العامة، قم، 1410هـ.
20- عقائد الإمامية، محمد رضا المظفر، مؤسسة أنصاريان، قم، 1417هـ.
21- الفوائد الحائرية، الوحيد البهبهاني، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1415هـ.
22- الفوائد الرجالية، محمد مهدي بحر العلوم، طبعة مكتبة العلمين النجف، بدون تاريخ.
23- الفهرست، أبو جعفر محمد بن أحمد الطوسي، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، قم، 1417هـ.
24- الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران.
25- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، جعفر بن يحي النجفي، دار التعارف، بيروت.
26- الكليني والكافي، عبدالرسول الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1416هـ.
27- منهاج عملي للتقريب، محمد صالح الحائري، مقال نشر في مجلة رسالة الإسلام في القاهرة، كما نشر مع مقالات أخرى منتخبة من المجلة باسم "الوحدة الإسلامية"، (ص: 233).
28 - معالم العلماء، محمد بن علي بن شهر آشوب، المطبعة الحيدرية، النجف، 1380.
29- المقالات والفرق، سعد بن عبدالله الأشعري القمي، مطبعة حيدري، طهران، 1963م.
30- نقد الرجال، مصطفى بن الحسين الحسني التفرشي، مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، قم، شوال 1418هـ.
31- وسائل الشيعة إلى أصول الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق وتصحيح وتذييل: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، طبعة 1403 - 1983 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
32- وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، حسين بن عبدالصمد العاملي، مجمع الذخائر الإسلامية، قم، 1417هـ.

ـــــــــــــــــــــــ
[1] "أصول الحديث وأحكامه"، (ص: 19).
[2] "أصول الفقه"، (2/51، 52).
[3] "سنة أهل البيت"، (ص: 9).
[4] "بحار الأنوار"، ( 26/137) وما بعدها.
[5] "أصل الشيعة وأصولها"، (ص: 58).
[6] "الأصول من الكافي"، (1/ 196).
[7] "شرح أصول الكافي"، (2/ 272).
[8] "بحار الأنوار"، (26/194).
[9] "تاريخ الإمامية"، (ص: 140).
[10] "عقائد الإمامية"، (ص: 66).
[11] "رجال الكشي"، (ص: 135 - 136)، وكذلك "بحار الأنوار"، (2/246).
[12] "بحار الأنوار"، ( 2/217).
[13] أحد علماء الشيعة، ويلقب بأستاذ الكُل، وهو من نسل شيخهم المقيد.
[14] "الفوائد الحائرية"، (ص: 173)، طبعة باقري قم، نشر مجمع الفكر الإسلامي.
[15] "منهاج عملي للتقريب"، محمد صالح الحائري، مقال نشر في مجلة رسالة الإسلام في القاهرة، كما نشر مع مقالات أخرى منتخبة من المجلة باسم "الوَحدة الإسلامية"، (ص: 233)، وتراجع تراجم هؤلاء المصنفين من مصادرهم، مثل "أعيان الشيعة" لمحسن الأمين، ومنعني من إضافتها الالتزام بعدد صفحات المقال، فأرجو ألاَّ يعد خللاً.
[16] "مقدمة الكافي"، (1/25).
[17] "الوافي"، (1/11).
[18] "الذريعة إلى تصانيف الشيعة"، ( 2/14).
[19] "وسائل الشيعة"، (20/ 107).
[20] "أصول مذهب الشيعة الاثني عشرية"، للقفاري، (1/356) بتصرف، ويراجع الكتاب فهو من أقوى ما ألَّف أهل السنة في كشف مذهب الشيعة الإمامية.
[21] نفس المصدر.
[22] "أحسن الوديعة"، محمد مهدي الكاظمي، (ص: 74).
[23] "أصول مذهب الشيعة الاثني عشرية"، للقفاري، (1/358).
[24] "الذريعة إلى تصانيف الشيعة"، (4/504).
[25] "أعيان الشيعة"، (1/288).
[26] "روضات الجنات"، (6/188- 176).
[27] "روضات الجنات"، (6/114).
[28] "روضات الجنات"، (6/114).
[29] "الفهرست"، (ص: 161).
[30] "معالم العلماء"، (ص: 134).
[31] "نقد الرجال"، (4/353).
[32] "طرائف المقال"، (2/523).
[33] "وصول الأخيار إلى أصول الأخبار"، (ص: 85)، "خاتمة المستدرك"، (3/ 466).
[34] "الفوائد الرجالية"، (3/332)، للسيد بحر العلوم، طبعة مكتبة العلمين النجف.
[35] "الكليني والكافي"، (ص: 408).
[36] "تنقيح المقال"، (1/183).
[37] "كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء"، (ص: 40).
[38] المصدر السابق.
[39] "الأصول الأربعمائة"، (ص: 7).
[40] هو زين الدين علي الجبعي العاملي، صاحب كتاب "الدراية"، وهو كتاب انتحله من مصنفات أهل السنة في علوم اصطلاح الحديث، وبسببه فإنَّ للرجل عند القوم شهرة واسعة، فهو في اعتبارهم أوَّل من صنَّف في هذا العلم، في حين أنَّه هلك عام 965هـ، فتأمَّل ادِّعاء الشيعة العجيب السبق في هذا المجال.
[41] "الأصول الستة عشر من الأصول الأولية"، (ص: 5).
[42] "الأصول الأربعمائة"، أسعد كاشف الغطاء، (ص: 15).
[43] "الأصول الأربعمائة"، أسعد كاشف الغطاء، (ص: 8).
[44] "دراسات حول الأصول الأربعمائة"، (ص: 38).
[45] "الفهرست"، (ص: 32)، طبعة مؤسسة نشر الفقاهة.
[46] الفارق الأعظم بين أهل السُّنة والشيعة في نقل المرويَّات هو: أنَّ أهلَ السنة معروفون مشهورون بإنصاف النَّاس، فمن كان من أهل البِدَع والأهواء صدوقًا في روايته مؤتمنًا في حديثه، فإنَّهم يقبلون حديثه إلاَّ فيما يُوافق بدعته، وإن لم يكن داعيةً إليها؛ ولأجل هذا يتبجَّحُ بعضُ جُهَّال الروافض في عصرنا - والجهل فيهم كثير - أنَّ البخاريَّ ومُسلمًا وغيرهما من أئمة رواة الحديث عند السُّنة يروون عن بعضِ الشيعة في مصنفاتهم، فنقول: نعم، رَوَوا عن الشيعة، وليس عن الرَّافضة، وما رَوَوْه عن الشيعة في غير بابِ فضائل أهل البيت، وهذا من إنصافهم - رحمة الله عليهم - حتَّى لا يطرحوا أحاديث الناس لمجرد كونهم مُخالفين لهم؛ كما يفعل الرَّوافض بطرح حديث أهل السنة.
[47] ويكفي النظرُ في كتاب "فرق الشيعة" للحسن بن موسى النوبختي؛ لنعلم - ويعلم الشيعةُ أنفسُهم - أن مذهبهم الجعفري هذا مذهب ملفَّق من عقائد الشيعة والباطنية والرافضة الغُلاة، وأنَّه من الكذب القولُ أنَّ ما هم عليه كان عليه قُدماؤهم، بل إنه يختلف ويتحور حَسَبَ اختلاف الزمان والمكان، وكفى بهذا قدحًا في مذهبهم؛ لأنَّ دين الله الذي ارتضاه لعباده هو ما بعث به محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليكون خالدًا ثابتًا إلى أنْ يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها.
[48] "المقالات والفرق"، سعد بن عبد الله القمي، (ص: 79).
[49] "ضياء الدراية"، الباب العاشر، (ص: 71)، وما بعدها.
[50] "الفوائد الحائرية"، (ص: 490).
[51] "دراسات في الحديث والمحدثين"، (ص: 134).
[52] "دراسات في الحديث والمحدثين"، (ص: 134).
[53] والكافي هو أصح كتبهم، والذي فضَّلوه على "صحيح البخاري"، وزعموا أنَّه عُرِضَ على الإمام في السرداب، فقال: هو كافٍ لشيعتنا، والمصطلحات التي ذكرها خلافَ ما اصطلح عليه المحدِّثون من علماء أهل السنة، وإنِ اتَّفقت المسميات، والحقُّ أنَّها منتحلة منهم كظواهر فقط، ولا مضمون لمسمياتها.
[54] "دراسات في الحديث والمحدثين"، (ص: 126).
[55] "أصول الكافي"، كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث، (1/53).
[56] "الفهرست"، للطوسي، (ص: 83).
[57] "أصول الكافي"، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام والحديث، (2/20).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/5635/#ixzz2oGgaExHp







 
قديم 23-12-13, 07:44 AM   رقم المشاركة : 8
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


الحديث الشيعي وانسداد علم الرواية

يحيى محمد

معلوم أن هناك اربعة جوامع لكتب الحديث تعود الى من عرفوا بالمحمدين الثلاثة الاوائل، وذلك خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة، وهي كتاب (الكافي في الاصول والفروع) لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (المتوفى سنة 329هـ) وكتاب (من لا يحضره الفقيه) لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الملقب بالشيخ الصدوق (والمتوفى سنة 381هـ) وكتاب (التهذيب) وكتاب (الاستبصار) وكلاهما لابي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (والمتوفى سنة 460هـ). وتعد هذه الجوامع أهم ما لدى الشيعة من مصادر للحديث، لكن الرواية فيها تمتاز بعدد من نقاط الضعف يجعلها غير صالحة للاعتماد، كما يتبين لنا ذلك من خلال الفقرات التالية:


اولاً:

اذا غضضنا الطرف عن مشكلة التوثيق في علم الرجال بالطريقة التي عرضناها من قبل، وتساءلنا عن الكيفية التي تعامل بها اصحاب الكتب الاربعة مع سند الروايات التي جمعوها، فهل بدا منهم حرص على الاهتمام بالسند لمن رووا عنه؟ أم كانوا مجرد نقلة جامعين من غير تحقيق؟

واقع الامر انه قد استقر عمل هؤلاء على النقل من الكتب والاصول المنسوبة الى مؤلفيها دون النظر في رجال السند ولا تمهيد لبيان المشيخة الواقعة بين الناقل وبينها[1].

فالكليني يصدر سنده بذكر اسم الراوي عادة دون ان يعرّف اتصاله به إن كان قد عول في ذكره على ما في الكتب والاصول المشهورة انذاك، او انه استند الى طريق اخر، والارجح هو الاول، خاصة انه روى عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة من انه قال لأبي جعفر الثاني (الجواد): جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق[2].

اما الشيخ الصدوق فقد اشار الى ان جميع ما أورده في كتابه (من لا يحضره الفقيه) مستخرج من كتب مشهورة معروفة، وذكر ان طرقه اليها معروفة في فهرس الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه. لكن هذا الفهرس الذي ذكر فيه طرقه الى الكتب التي رواها عن مشايخه لم يصل الينا، فلا يعرف من طرقه غير ما ذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه. وأما طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة تماماً، لذلك لا يعلم والحال هذه اي منها كان صحيحاً واي منها غير صحيح[3]. وقد اعتبر المحقق الخوئي ان الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في كتابه وذكر جملة منهم في المشيخة، وإنما هي كتب غيرهم من الاعلام المشهورين، التي منها رسالة والده إليه، وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، فالروايات الموجودة في كتابه مستخرجة من هذه الكتب[4]. وهذا يعني انه لم يعتمد في نقله للروايات عن الكتب المشهورة مباشرة، بل نقل ما فيها اعتماداً على بعض مشايخه. كذلك فكما يقول بعض العلماء ان الشيخ الصدوق لم يف بما وعده في أول كتابه، من أنه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع، وذلك لانه روى عن جماعات غير مشهورين، ولا كتبهم مشهورة[5].

اما الحال مع الشيخ الطوسي فمختلف، حيث بدأ في السند في كتابيه (التهذيب والاستبصار) لمن هو صاحب كتاب، فروى عنه ما جاء في كتابه، على ما صرح به في آخر كتابيه. مع ذلك فالطوسي لم يذكر ان الكتب التي اعتمدها في رواياته كانت كتباً معتبرة معروفة[6]. وهو ايضاً قد حذف - كما سبق ان عرفنا - في كتاب (التهذيب) الكثير من اسانيد رواياته استناداً الى ما سيذكره في خاتمة الكتاب من المشيخة لتخرج عن حد المراسيل، لكنه لم يذكر جميع الطرق التي له، بل احال بيانها الى كتابه (الفهرست) والى فهارس شيوخه، ومن سوء الحظ انها فقدت ولم يبق منها اثر، باستثناء القليل كمشيخة الصدوق وفهرست الشيخ ابي غالب الزراري. لذا بقيت جملة من الاحاديث في (التهذيب) مرسلة بغير اسناد معروف، وان كان الفاضل الاردبيلي في خاتمة (جامع الرواة) تمكن من اصلاح جملة من الطرق التي كانت مغفلة، وصنف في ذلك رسالة سماها (تصحيح الاسانيد)[7].

وخلاصة ما سبق ان القدماء قد اعتمدوا على ما شاع عندهم من الكتب المعروفة دون تحقيق وتدقيق في السند الذي يوصل الى هذه الطرق، ولا الى ما يتصف به اصحابها ومضامينها، وكأنها كتب صحاح بما تضمنته من الروايات. لذلك ورد عن المفيد قوله وهو بصدد نقده للشيخ الصدوق: ‹‹لكن أصحابنا المتعلقين بالاخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة، يمرون على وجوههم في ما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها، ولا يفرقون بين حقها وباطلها، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في اثباتها ولا يحصلون معاني ما يطلقون منها››[8]. كما ورد عن الشريف المرتضى قوله وهو بصدد نقد اصحاب الحديث من الشيعة: ‹‹ومن اشرنا اليه بهذه الغفلة يحتج بالخبر الذي ما رواه ولا حدث به ولا سمعه من ناقله فيعرفه بعدالة او غيرها، حتى لو قيل له في الاحكام: من أين اثبتّه وذهبت اليه؟ كان جوابه: اني وجدته في الكتاب الفلاني، ومنسوباً الى رواية فلان بن فلان. ومعلوم عند كل من نفى العلم باخبار الاحاد ومن اثبتها وعمل بها، ان هذا ليس بشيء يعتمد ولا طريق يقصد، وانما هو غرور وزور››[9]. خاصة وان الروايات التي يتعامل معها اصحابها لا تحمل صفة علو الإسناد في الوساطة الرجالية الا في النادر، كالذي صرح به العلامة الحلي، ومعلوم انه كلما قلت الواسطة كلما كان احتمال الكذب اقل[10].

على ان هذا الحال من عدم اهتمام القدماء بالسند قد شكل معضلة لدى المتأخرين من الاصوليين، وذلك انهم صرحوا باعتبار الواسطة والاعتناء بها، والتي منها الطرق الى اصحاب الكتب والاصول التي ظلت مجهولة لدى المتأخرين. اما الاخباريون فانهم لم يبالوا بالامر، اذ ذهبوا الى عدم الحاجة الى الطريق فيما روي بصورة التعليق من أحاديث الكتب المعتبرة، وعلى رأيهم انه لا يضر الجهل بالطريق ولا اشتماله على مجهول او ضعيف، طالما ان الاصول والكتب كانت مشهورة معروفة في تلك الاعصار متواترة النسبة الى اصحابها، وإن فقدت الطرق التي توصل الى ارباب هذه الكتب واصبحت مجهولة لدى المتأخرين. وقد زاد المتأخرون من التعويل على الكتب التي عثروا عليها مما ينسب الى القدماء رغم الفاصلة الزمنية الطويلة وقوة احتمال الوضع والدس والتزوير، فقد ادرج الحر العاملي في كتابه (وسائل الشيعة) ثمانين كتاباً ظفر بها من كتب المتقدمين، وكذا ادرج حسين النوري في كتابه (مستدرك الوسائل) اكثر من ستين كتاباً ظفر بها[11]، وهناك من اضاف الى ذلك كتباً عثر عليها للقدماء المعاصرين للائمة؛ مثل بصائر الدرجات للصفار[12]، والمحاسن للبرقي، وجملة اخرى من الاصول قدرت بثلاثة عشر أصلاً، مثل تلك التي تعود الى كل من زيد الزراد وزيد النرسي وعباد العصفري وعاصم بن حميد الحناط وجعفر بن محمد بن شريح الحضرمي ومحمد بن المثنى الحضرمي وغيرها[13]، وقد اعترف الشيخ النوري ان جملة من تلك الكتب التي اعتمد عليها المتأخرون كالحر العاملي في (وسائل الشيعة) هي مما لم تثبت نسبتها الى مؤلفيها، كفضل الشيعة للصدوق، وتحف العقول، وتفسير فرات، وإرشاد الديلمي، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى، والاختصاص للمفيد وما اليها[14].


ثانياً:

يضاف الى ما سبق، ان اصحاب الكتب الاربعة قد تقبلوا الروايات الضعيفة، ومنهم من اعتبرها مقطوعة الصدور، كما ان منهم من تعبد بالعمل بها ضمن شروط. وكان موقفهم من الرواة يستند الى مبدأ المسامحة، فاكثرهم تشدداً هو الشيخ الطوسي الذي مارس مهمة الجرح والتعديل دون سابقيه، وهي المهمة التي ورثها عنه الفقهاء الاصوليون فيما بعد، لكنه مع ذلك لم يمانع من الاخذ بالروايات الضعيفة حين تسلم من المعارض الاقوى ولم يكن رواتها معروفين بالكذب. فهو يقبل كون الراوي ثقة من حيث تحرزه عن الكذب في الرواية وان كان فاسقاً بجوارحه، وادعى ان الطائفة كانت تعمل بالاخبار التي يرويها من هكذا صفته وحاله[15]. كما انه يقبل الروايات المرسلة اذا ما كان الراوي معروفاً بأنه لا يروي الا عن ثقة، وكذا يقبل الروايات المرسلة بشرط ان لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة، واحتج بان الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما تعمل بالمسانيد من دون فرق[16]. كذلك رغم اعترافه بان الكثير من المصنفين القدماء كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة، الا انه اعتبر كتبهم واصولهم معتمدة[17]. ويؤيد هذا المعنى ما آل اليه المحقق الحلي حين انتقد الجماعة التي تعمل بمبدأ صحة السند، فاعتبر ذلك طعناً بعلماء الطائفة وقدحاً في المذهب، مؤكداً على ان ما من احد فيهم الا ويعمل بخبر المجروح[18].

هذا مع الشيخ الطوسي، اما الكليني والصدوق فلا شك انهما لم يباليا بالجرح والتعديل، فقد كان الصدوق يعول في توثيقه على شيخه ابي الوليد، وجاء في كتابه الكثير من الروايات الضعيفة حسب اصطلاح المتأخرين. اما الكليني فمن الواضح انه لم يشترط على نفسه ضابطاً في انتخابه للروايات التي جمعها، وان اتخذ صورة المسامحة في العمل، بعد ان اعترف باللبس الذي يحيط بالروايات المتداولة انذاك، كالذي اشار اليه في مقدمة الكافي، حيث كان عمله شبيهاً بعمل المتأخرين فيما اصطلحوا عليه بالاصول العملية، كما انه لم يعول على الجرح والتعديل؛ فكان يروي عن الضعفاء من المنحرفين والغلاة وغيرهم. وبنظر بعض المحققين المعاصرين ان الكليني ربما كان يكتفي بوجود بعض الموثوقين في سند الرواية[19].

على ان عدم اهتمام الكليني بالتوثيق جعل الاخباريين يظنون ان ذلك دليل على صحة صدور أحاديثه عن الائمة. وهو على خلاف ما استنتجه الاصوليون، وقد وصل الحال بجماعة منهم الى عدم الاطمئنان بمثل هذه الاحاديث المدونة بعد طول الزمان وضعف القرائن، فشكلوا بذلك اتجاهاً يعرف باصحاب دليل الانسداد.

ولا بأس ان نقارن هنا بين الكافي وصحيح البخاري من حيث توثيق السند والرواية. فقد عرفنا ان منهج الاخير واضح وان شروطه التي حاول ان يلتزم بها قوية. وكان نتيجة ذلك ان وجد المتأخرون من التابعين ان الضعف لدى روايات البخاري او رجاله قليل جداً مقارنة مع عدد أحاديثه، خلافاً لما حصل مع الكافي، حيث اتصفت طريقة صاحبه بعشوائية لا تستند الى اساس من التدقيق والتمحيص. فالكليني يروي عمن يعدون من الضعفاء والموثوقين، كما انه يتسامح في السند والاخذ بما هو موجود من الكتب دون تحقيق، لذلك وجد المتأخرون ان اغلب أحاديثه ضعيفة. فنسبة الاحاديث المنتقدة او الضعيفة لدى البخاري مقارنة مع العدد غير المكرر من أحاديثه هي اقل من (3%) وهي نسبة ضئيلة. في حين ان نسبة الضعف في أحاديث الكافي هي اكثر من (66%) وهي نسبة كبيرة جداً.

وتبعاً لهذه المقارنة يلاحظ ان علماء السنة لم يجدوا انفسهم قادرين على تحقيق الرواية بالشكل الذي كان يفعله سلفهم البخاري، وذلك لبعد الزمان، وهو ما جعلهم يعتمدون على توثيقه ويعتبرونه كافياً في الاطمئنان. في حين ان المتأخرين من علماء الشيعة وان كانوا لم يجدوا انفسهم قادرين على تحقيق الرواية مثلما كان بوسع سلفهم الكليني وغيره من القدماء، الا ان اغلبهم لم يتبعوا طريقته ولا خضعوا الى غيره بنحو التقليد، بل اجتهدوا بانفسهم في التوثيق وتصحيح الحديث، فكان من جراء ذلك اختلافهم في اعتبارات التوثيق والتصحيح، وذهب عدد منهم الى الاقرار بالعجز عن التحقيق لبعد الزمان وغياب القرائن.


ثالثاً:

ان اكثر راو اعتمد عليه اصحاب الجوامع الحديثية هو علي بن ابراهيم وابوه ابراهيم بن هاشم القمي. فقد كان علي شيخاً للكليني وعاصر عدداً من الائمة المتأخرين، ويعد من اصحاب الامام الهادي وإن لم يثبت انه روى عنه شيئاً ولا عن غيره من الائمة مباشرة[20]. وبلغت رواياته في الكافي وحده اكثر من سبعة الاف (7068) رواية[21]، كان منها اكثر من ستة الاف (6214) رواية منقولة عن والده ابراهيم[22]. وقد وقع في اسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين (7140) مورداً[23]. وهو بنظر القدماء يعد من المشايخ الثقات، فقد عرفه النجاشي بانه ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً وأضر في وسط عمره، وله كتاب التفسير والناسخ والمنسوخ وقرب الإسناد والشرائع.. الخ[24].

ووصلنا منه تفسيره للقرآن، وهو تفسير بالرواية عن الامام الصادق، وذكر في مقدمة الكتاب انه روى فيه عن الثقات من مشايخه وسائر الرواة حتى ينتهي الى الائمة، فقال: ‹‹ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم››[25].

وقد اعتبر العديد من العلماء ان هذه الشهادة دالة على صحة صدور روايات التفسير عن الامام الصادق، كالذي صرح بذلك الحر العاملي ووافقه عليه العلامة الخوئي، حيث اعتبر أن كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين، قد شهد عليه هذا الشيخ بوثاقته. وعلق الخوئي بان علي بن إبراهيم انما اراد إثبات صحة تفسيره، وأن رواياته ثابتة وصادرة عن المعصومين، وإنها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم بلا واسطة كما زعمه بعضهم. ومثل ذلك حكم المحقق الخوئي بوثاقة جميع المشايخ الذين وقعوا في (اسناد كامل الزيارات)[26].

لكن نظرة داخلية للتفسير تظهر ان راوي التفسير عن علي بن ابراهيم هو تلميذه ابو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى الكاظم، وقد مزجه بروايات اخرى عن الامام الباقر مروية عن طريق ابي الجارود. وقد اشار العلماء الى ان ابا العباس لم يذكر في كتب الرجال، وإن ذكر في كتب الانساب.

وشكك بعض المعاصرين بصحة التوثيق الوارد في مقدمة التفسير، وذلك لامتزاج التفسير بين ما يعود الى علي بن ابراهيم القمي وبين ما وضعه تلميذه بسنده الخاص الى الامام الباقر عن طريق ابي الجارود، وكذلك للشذوذ الوارد في متون الروايات، بل انه يبدي تشكيكه بصحة نسخة التفسير الواصلة الينا، تعويلاً على ما ذهب اليه بعض المحققين من ان النسخة المطبوعة تختلف عما نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب، منتهياً الى القول بعدم وجود ما يعتمد عليه من التوثيق سواء من حيث السند او المتن[27].

ولعل اهم ما جاء في هذا التفسير هو الطعن في القرآن والقول بتحريفه، تعويلاً على جملة من الروايات، كتلك التي يرويها علي بن ابراهيم عن الامام الصادق، وهي تتفق مع ما اورده الكليني عنه من روايات في الكافي تشير الى التحريف[28]، فمما جاء في التفسير عن علي بن ابراهيم ان البعض قرأ قوله تعالى: ((كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) فقال ابو عبد الله الصادق لقارئ هذه الآية ((خير امة)) يقتلون امير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له وكيف نزلت يابن رسول الله؟ فقال: انما نزلت (كنتم خير ائمة اخرجت للناس). ومثل ذلك قرأ البعض قوله تعالى: ((الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماماً)) فقال ابو عبد الله الصادق: لقد سألوا الله عظيماً ان يجعلهم للمتقين اماماً، فقيل له يابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال انما نزلت (الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعل لنا من المتقين اماماً). وكذا جاء في التفسير ان الامام الصادق اعترض على ما ورد في المصحف من قوله تعالى: ((له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله)) حيث قال: كيف يحفظ الشيء من امر الله؟ وكيف يكون المعقب من بين يديه؟ فقيل له: وكيف ذلك يابن رسول الله؟ فقال: انما نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بامر الله). وعلى هذه الشاكلة جاء في التفسير ايات تشير الى التحريف مثل القول: (لكن الله يشهد بما انزل اليك في علي انزله بعلمه والملائكة يشهدون) والقول: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في علي فان لم تفعل فما بلغت رسالته) والقول: (ان الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم) والقول: (وسيعلم الذين ظلموا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم) والقول: (وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم اي منقلب ينقلبون) والقول: (ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت)[29].

اما ابراهيم بن هاشم القمي والد علي المشار اليه قبل قليل فهو كوفي الاصل وقد ادرك الامامين الرضا والجواد وروى عن هذا الاخير بعض الروايات، وهو اول من نشر حديث الكوفيين في قم تبعاً لما اشار اليه الطوسي والنجاشي[30]، وقد روى عن مشايخ كثيرة يبلغ عددهم زهاء مائة وستين (160) شخصاً، وبلغت رواياته اكثر من ستة الاف واربعمائة (6414) رواية، ولا يوجد في الناقلين مثله في كثرة الرواية[31]. وقد روى عن محمد بن ابي عمير وحده ما يقارب ثلاثة الاف (2921) رواية[32].

لكن المشكلة هو انه لم ينص احد من القدماء على وثاقته؛ لا بالتعديل ولا بالتجريح والتضعيف، فقد قال العلامة الحلي عنه في (الخلاصة): لم أقف لاحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديل بالتنصيص والروايات عنه كثيرة، والارجح قبول روايته[33]. واعتبر الخوئي انه لا ينبغي الشك في وثاقته، ودلل على ذلك بثلاثة ادلة[34]، وهي قريبة مما ذكره بحر العلوم في فوائده الرجالية[35]: احدها ان ابن طاوس ادعى الاتفاق على وثاقته. ويرد على ذلك بانها مجرد دعوى تفتقر الى الدليل، حيث ان عصر ابن طاوس بعيد عن عصر القمي، ومثل هذا الادعاء يكون حدسياً غير قائم على الحس.

وثاني الادلة هو قوله بانه اول من نشر حديث الكوفيين بقم، والقميون قد اعتمدوا على رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لما قبلوا رواياته، ولاسرعوا في قدحه وجرحه وهجره واخراجه كالذي يظهر منهم مع الاخرين بأدنى ريبة. بل ان من المتأخرين من اعتبر العبارة التي نص عليها القدماء من انه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم، هي عبارة دالة على المدح، كالذي نص عليه الداماد معتبراً هذه العبارة كلمة جامعة، وكل الصيد في جوف الفرا[36].

لكن هذا الدليل غير تام، اذ ما يشار اليه عادة من تحفظ القميين هو تحفظهم من المغالين في الائمة او المعروفين بالكذب ووضع الحديث، وان التضعيف لديهم عادة ما يأتي بهذا الطريق، كالذي يظهر مما ينقله ابن الغضائري في رجاله، والذي استند اليه من جاء بعده من اصحاب الرجال كابن داود وغيره، حيث ذكر الكثير من الرجال الذين غمز القميون عليهم بالغلو والارتفاع وفساد المذهب، مثل أحمد بن الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن سيار وأمية بن علي القيسي والحسن بن علي بن أبي عثمان والحسين بن شادويه القمي وسهل بن زياد الرازي والقاسم بن الحسن بن علي بن يقطين ومحمد بن أحمد الجاموراني ومحمد بن علي بن إبراهيم الملقب بأبي سمينة ويوسف بن السخت ومحمد بن أورمة القمي وغيرهم[37]. فمثلاً جاء حول ابن أورمة القمي ان القميين غمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به، فوجدوه يصلي من اول الليل الى اخره فتوقفوا عنه[38]. كما جاء عن ابي سمينة انه كان من الغلاة الكذابين، وبعد أن اشتهر بالكذب في الكوفة انتقل إلى قم، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى، ثم اشتهر بالغلو فأخرجه أحمد من قم[39].

في حين ان من الرواة من سكن قم وروى عنه القميون رغم ما قيل فيه انه ضعيف جداً لا يلتفت إليه، وفي مذهبه غلو مثل عبد الرحمن بن أبي حماد[40]. بل ان القدماء كما قيل لا يتحاشون عن الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فيما لا يتعلق بالحرام والحلال، وان منهم من كان موضع اعتماد القميين وروايتهم عنه[41].

أما ما حدث لأحمد بن محمد بن خالد البرقي حيث ابعده عن قم رئيس القميين احمد بن محمد بن عيسى، وقد جاء ان سبب الابعاد يرجع الى كونه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ويعود مصدر هذا التعليل الى ابن الغضائري حيث صرح في كتابه (الضعفاء) ان البرقي طعن القميون عليه، وليس الطعن فيه، إنما الطعن فيمن يروي عنه، فإنه كان لا يبالي عمن يأخذ على طريقة أهل الأخبار وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن قم ثم أعاده إليها واعتذر إليه[42]، وقيل ان أحمد بن محمد بن عيسى مشى في جنازته حافياً حاسراً تنصلاً مما قذفه به[43]. مع ان اعادته الى قم واعتذار رئيس القميين اليه لا يتسق مع التعليل الذي ابداه ابن الغضائري، فالامر لا يتعلق بكونه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، والا لما ارجعه واعتذر اليه، بل يتعلق بشيء اخر ظنه رئيس القميين في البرقي لكن ظهر انه لم يثبت عنده، وغالب الظن ان ذلك يتعلق بمسألة الغلو التي كان القميون يولونها جل اهتمامهم في التوثيق، وقد عرف عن هذا الرئيس اخراجه لعدد من العلماء من قم بعلة الغلو والكذب في الرواية، ومن بينهم سهل بن زياد وغيره. حتى اعتبر بعض المتأخرين ان ‹‹حال القميين - سيما ابن عيسى - في التسرع إلى الطعن والقدح والاخراج من قم بالتهمة والريبة، ظاهر لمن راجع الرجال››[44]. كما اعتبر بعض اخر انه قد يكون منشأ جرح القميين للرواة نابعاً عما تتضمنه روايتهم من معاني الغلو والارتفاع والمناكير، بل وان بعض القميين قد ينسبون الراوي الى الكذب ووضع الحديث بعد اتهامه بالغلو، وذلك اعتماداً على روايته التي تتضمن هذا المعنى[45].

يبقى الدليل الثالث فهو ان ولده علياً قد نص على وثاقة مشايخه في مقدمة تفسيره، وكان على رأس هؤلاء المشايخ والده ابراهيم حيث روى عنه معظم كتابه من الاحاديث، مما يدل على كونه ثقة لدى ابنه، والا لما اعتمد عليه في الرواية.

لكن لو اخذنا بالتوثيق الذي ادلى به الابن، لكان يعني التسليم بصحة التفسير رغم ما فيه من روايات عديدة تشير الى تحريف القرآن صراحة، فضلاً عما ورد فيه من روايات اسطورية، والعجيب رغم ان العلامة الخوئي لا يقر القول بتحريف القرآن كما ابان ذلك في بعض كتبه[46]، الا انه مع ذلك يرى تفسير علي ابن ابراهيم تفسيراً صحيح الصدور باعتبار التوثيق الذي ذكره صاحبه في المقدمة، مع ان قوله هذا يناقض متبناه، وذلك لان تصحيح التفسير يعني قبول مقولة التحريف كما هو واضح.

وبيت القصيد من كل ما عرضناه في هذه الفقرة هو اننا بين امرين: إما قبول كون التفسير مروياً عن الامام الصادق حسب روايات علي بن ابراهيم رغم ما فيه من القول بالتحريف وسائر الاساطير، او التشكيك فيه ومن ثم التشكيك في وثاقة ابراهيم بن هاشم القمي وتضعيف رواياته على ضخامة عددها كما قدمنا.


المحققون القدماء وتوثيق الرواية

متابعة لما سبق يمكن ان نتساءل: هل كان القدماء المحققون من الفقهاء يثقون بالروايات المشتهرة في زمانهم والمدونة في الاصول الاولية والجوامع الحديثية؟ وهل كانوا يرون فيها شيئاً من الحجية كما ذهب اليه المتأخرون من الاصوليين؟

لعل الجزء الرئيسي من الاجابة على هذا التساؤل يتحدد بموقف القدماء من خبر الاحاد وحجيته. فاغلب المحققين من القدماء لم يتقبلوا خبر الاحاد ما لم تكن معه قرائن دالة على القطع، خلافاً لما آل اليه المتأخرون. وقيل ان الذين منعوا الاخذ بخبر الاحاد هو كل من سبق الطوسي، بل والكثير ممن جاء بعده، مثل المفيد والمرتضى وابن ادريس وابن زهرة والطبرسي، كما نسب هذا المنع الى المحقق الحلي وابن بابويه، وجاء في (الوافية) للفاضل التوني انه لم يجد القول بحجية خبر الاحاد صريحاً ممن تقدم على العلامة الحلي[47]، واعتبر الانصاري هذا الأمر عجيباً[48]. ويعد المفيد والمرتضى ابرز القدماء الذين منعوا العمل بهذا الخبر، اذ كان المفيد يقول: ان اخبار الاحاد لا توجب علماً ولا عملاً، بل ‹‹ولا يجوز لاحد ان يقطع بخبر الواحد في الدين الا ان يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيان، وهذا مذهب جمهور الشيعة››[49].

اما المرتضى فقد تضافرت نصوصه في المنع من الاخذ بهذا الخبر، وادعى الاجماع على عدم حجيته، ونفى ان تكون في مصنفات المحققين من علماء الطائفة من يعمل به[50]، كما اظهر الايات الناهية عن العمل بغير العلم، والروايات التي تنهى عن العمل بما يخالف الكتاب والسنة. وبذلك لم يجد حاجة للكلام عن ترجيح الاخبار في حالات التعارض؛ باعتبارها فرعاً عن تلك المسألة. وقد استثنى من الامر حالة اجماع الطائفة على صدق خبر الاحاد المضاف الى العمل به، وبرر هذه الحالة بدعوى ان رجال الطائفة ربما قد علموا صدق الخبر ‹‹بامارة او علامة على الصادق من طريق الجملة، ويمكن ايضاً ان يكونوا عرفوا في راو بعينه صدقه على سبيل التمييز والتعيين، لأن هولاء المجمعين من الفرقة المحقة قد كان لهم سلف قبل سلف يلقون الائمة (ع) الذين كانوا في اعصارهم، وهم ظاهرون بارزون تسمع اقوالهم ويرجع اليهم في المشكلات››[51]. وهذا النهج هو الذي سار عليه ابن ادريس الحلي فيما بعد[52].

اما ابرز الذين عولوا على خبر الاحاد من المحققين القدماء فهو الشيخ الطوسي. صحيح انه في احد كتبه الكلامية لم يختلف عن قول استاذه المرتضى، حيث منع العمل بخبر الاحاد، وعد القول به وبالقياس واجتهاد الرأي هو قول فاسد لدى المذهب الشيعي؛ مشيراً الى ما بينه في مواضع من كتبه بهذا الخصوص[53]، كما انه كثيراً ما يقول في كتابه (التهذيب) حين يتعرض لتأويل الأخبار ولا يعمل بها: ‹‹هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً[54]، الا ان اقواله فيما عدا ذلك تدل على قبوله العمل بهذا الخبر ضمن شروط، وقد ادعى على ذلك اجماع الطائفة كالذي اشار اليه في كتابه (عدة الاصول)[55]، كما استدل عليه لما لاحظه من عدم قطع الموالاة بين علماء الطائفة رغم كثرة خلافاتهم في الفتاوى نتيجة العمل به. وفي بعض كتبه ذكر ما يزيد على (5000) حديث اكثرها مختلف بينهم، واستنكر من يتجاسر ويعتبر ان كل خلاف دال على دليل قاطع من خالفه مخطىء فاسق، اذ على رأيه انه بهذا يضلل جميع الشيوخ المتقدمين[56]. وزاد على ذلك واعتبر ان الله لو عاقب المخطىء لكان اغراء بالقبيح لا يجوز عليه تعالى[57]. لكنه لم يعمم هذا الموقف الى ابعد من حدود رجال الطائفة، حيث اكد على بطلان العمل بالقياس وخبر الواحد الذي يختص المخالف بروايته[58].

وهذا التفكيك الذي اصطنعه الطوسي حول خبر الاحاد فيما يرويه المخالف وما يرويه اتباع الطائفة، جعله يذهب الى توجيه ما منعه السابقون من قبول خبر الاحاد، وانكار العمل به واعتبار الاجماع منعقد على منعه مثلما يراه الشريف المرتضى، ومنهم من لم يجوزه عقلاً، فاعتبر كل ذلك انما جاء من باب المدافعة للمخالفين في الكلام معهم في الاعتقاد، ثم زعم انهم لم يختلفوا فيما بينهم ولم ينكر بعضهم على بعض بما يروونه[59].

لكن من البيّن ان تصريحات الشريف المرتضى تختلف تماماً عما ذكره الطوسي، وقد ادعى كل منهما اجماع الطائفة على ما يراه، الامر الذي اربك الكثير من العلماء المتأخرين، وقد حاول العديد منهم ان يجد لهذا الاختلاف حلاً يمنع فيه التناقض بينهما، ومن ذلك ما حكاه الانصاري في رسائله من وجوه للجمع؛ مثل ان يكون مراد المرتضى من خبر الواحد المجمع على عدم حجيته هو ذلك الذي يرويه المخالفون، فيكون موضع اتفاق مع الطوسي، خاصة وان الطوسي كما سبق ان عرفنا حاول ان يجد لنفسه اتفاقاً مع من سبقه من امثال المفيد والمرتضى تبعاً لهذا التوجيه. كما قد يكون المراد بالخبر الذي يمنع العمل به هو ذلك الذي يقابل الخبر المحفوظ في الاصول المعمول بها عند جميع خواص الطائفة، فيكون مراد المرتضى قريب المدرك مع ما يريده الطوسي. كما قد يحتمل ان يكون مراد الطوسي من خبر الواحد المجمع على حجيته هو ذلك الذي يكون محفوفاً بالقرائن المفيدة للعلم بصدقه؛ فيتفق مع ما يريده استاذه المرتضى . وقريب من هذا الرأي الاخير ما ذكره الكركي، حيث اعتبر انه على الرغم من ان الطوسي صرح في (عدة الاصول) بجواز العمل بخبر العدل الامامي، الا انه لم يرد بذلك الاطلاق، اذ اكد في محل اخر ان ما يعمل به من اخبار الاحاد هو ما اجمع عليه الاصحاب بالعمل؛ فيكون مدرك الحجة راجعاً الى الاجماع ويزول التعارض بينه وبين استاذه . اما الشيخ الانصاري فقد استحسن الوجه الاول ثم الثاني، الا انه رجح رأيه على جميع الوجوه، حيث رأى ان مراد المرتضى من (العلم) الذي ادعاه في صدق الاخبار هو مجرد الاطمئنان، اذ المحكي عنه في تعريف العلم انه (ما اقتضى سكون النفس) لا اليقين الذي لا يقبل الاحتمال، وانه قد اشار الى احتفاف اكثر الاخبار بالامور الموجبة للوثوق بها، وهو بمعنى العلم الذي يقتضي سكون النفس. وكذا ان مراد الطوسي من قبول خبر الاحاد هو ذلك المحفوف بعدم مخالفة القرائن الاربع، وهي الكتاب والسنة والاجماع والدليل العقلي، اي انه ذلك الذي يبعث على الاطمئنان وسكون النفس[60]. كما رجح المفكر الصدر ان يكون مقصد المرتضى من منعه لخبر الاحاد إما ذلك الذي يرويه المخالفون - كالذي سبق ان اشار اليه الطوسي وبعض المتأخرين كما عرفنا - او ذلك الذي لا يحرز فيه وثاقة الرواة منهم بالخصوص[61].

والواقع ان جميع الوجوه السابقة ليست صحيحة، فالذي يرجع الى نصوص المرتضى يجد انه لا يقبل من اخبار الاحاد حتى تلك التي تعود الى العدول والثقات، او تلك المنقولة في الكتب المعتمدة، وذلك باعتبارها تفيد الظن دون العلم، على ما فصل ذلك في اجوبته على المسائل التبانيات والموصليات والحلبيات وغيرها[62]. وهذا ما جعله ينكر الروايات الخاصة بالترجيح، ومنها الترجيح بما يأتي على خلاف ما يذهب اليه اهل السنة، وقد اعتبر هذه الروايات قائمة على الدور، اذ انه ينفي حجية العمل باخبار الاحاد في الفروع؛ فكيف الحال في الاصول التي هي اولى منها بذلك[63]. في حين تقبل الطوسي خبر الاحاد وعمل بالترجيح عند التعارض بين الاخبار، بل وعول على الاخبار الضعيفة ضمن شروط.

اما دعاوى الاجماع التي كثيراً ما يرددها الفقهاء ومنهم المرتضى والطوسي وغيرهما، فانها لا تحضى لدى العلماء المتأخرين بالاعتبار، وذلك لكثرة التناقضات فيها. ومن ذلك ان الشهيد الثاني افرد ما يقارب اربعين مسألة نقل الطوسي فيها الاجماع مع انه خالفها في الحكم. فمثلاً قال الطوسي في (النهاية) ضمن كتاب الحدود: ان من استحل اكل الجري والمارماهي وجب قتله، وهو قد زاد في هذا الحكم على الاجماع على تحريم أكلهما، مع انه في كتاب الاطعمة من (النهاية) بعينه جعلهما مكروهين. وقد علق الشهيد الثاني على ذلك بقوله: قد افردنا هذه المسائل للتنبيه على ان لا يغتر الفقيه بدعوى الاجماع، فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيراً من كل واحد من الفقهاء، سيما من الشيخ الطوسي والمرتضى. كما ذكر المحدث الكاشاني انه كثيراً ما يقع من الفقهاء نقل الاجماع في مسألة على حكم؛ مع نقل الاجماع على خلاف ذلك الحكم بعينه لتلك المسألة؛ اما في ذلك الكتاب بعينه أو في غيره، فضلاً عن نقل الخلاف فيها، مثل ما وقع من الشيخ الطوسي من نقله الاجماع على وجوب سجود التلاوة على السامع، ونقله اياه على عدم وجوبه عليه ايضاً. ولهذا انزل الشهيد الثاني لفظ الاجماع الواقع في كلامهم على معنى الشهرة في ذلك الوقت أو عدم اطلاعهم حينئذ على المخالف او ما يقرب من ذلك صوناً لكلامهم عن التهافت[64].

***

وقد انعكس التباين السابق في الموقف من خبر الاحاد على النظرة الى الروايات المدونة في الاصول والجوامع الحديثية، ومنها الكتب الاربعة. والبعض يعد ابن ادريس اول من زعم ان اكثر أحاديث اصحابنا المأخوذة عن الاصول المتداولة في عصر الائمة هي اخبار احاد خالية من القرائن الموجبة للقطع، وادى به ذلك الى الاعتراض على اكثر فتاوى الطوسي لكونها تعتمد على تلك الاصول[65]، اذ قال ابن ادريس ان الطوسي صنف كتباً إخبارية أكبرها تهذيب الاحكام، أورد فيه من كل غث وسمين[66]. كما اعترض عليه فيما اورده في (الاستبصار) وقال بصدد احدى المسائل الفقهية: ‹‹إني لأربأ بشيخنا أبي جعفر، مع جلالة قدره وتبحره ورياسته، من هذا القول المخالف لاصول المذهب، وله رحمه الله في كتابه الاستبصار توسطات عجيبة، لا استجملها له، والذي حمله على ذلك، جمعه بين المتضادات، و هذا لا حاجة فيه، بل الواجب الاخذ بالادلة القاطعة للاعذار، وترك أخبار الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، فانه أسلم للديانة، لان الله تعالى ما كلفنا إلا الاخذ بالادلة و ترك ما عداها››[67]. كذلك شيع ان ابن ادريس هو اول من فتح باب الطعن في اكثر الاخبار[68]. مع انه سبقه في ذلك الشريف المرتضى الذي طعن بالاخبار الواردة في الكتب والاصول الشيعية. ومن قبله عرّض المفيد الكثير من أحاديث هذه الكتب الى الطعن، كتلك التي رواها الصدوق حول سهو النبي، وحول العدد في رؤية شهر رمضان[69]. وجدد المرتضى اعتراضه على روايات العدد ونقد اصحابها[70]، وزاد في طعنه على شيخه المفيد بما لا يقاس، ومن ذلك انه استخف بمصنفات أصحاب الحديث لكونها تعتمد على خبر الآحاد، وقال بهذا الصدد: ‹‹دعنا من مصنفات أصحاب الحديث من أصحابنا فما في اولئك محتج، ولا من يعرف الحجة، ولا كتبهم موضوعة للاحتجاجات››[71]. وهو في محل اخر اكد بانه لا يجوز العمل بكتب الحديث - ككتاب الكافي وغيره - للعالم والعامي، واعتبر ان فائدة هذه الكتب هي انها تسهل علينا النظر لاستخراج صحيحها من فاسدها، وذكر بان علماء الطائفة ومتكلميهم كانوا ينكرون على كل من يعمل بها[72].

والاهم من ذلك انه طعن بجميع روايات الفقه المشتهرة في عصره، متهماً ناقليها بانحرافهم عن الاعتقاد الحق وعدم العدالة، وقال بهذا الصدد: ‹‹ان معظم الفقه وجمهوره، بل جميعه، لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة، اما ان يكون اصلاً في الخبر او فرعاً، راوياً عن غيره ومروياً عنه، والى غلاة وخطابية ومخمسة واصحاب حلول، والى قمي مشبه مجبر، وان القميين كلهم من غير استثناء لاحد منهم الا ابا جعفر بن بابويه بالامس كانوا مشبهة مجبرة، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به[73]، فليت شعري اي رواية تخلص وتسلم من ان يكون في اصلها وفرعها واقف او غال، او قمي مشبه مجبر، والاختبار بيننا وبينهم التفتيش. ثم لو سلم خبر احدهم من هذه الامور ولم يكن راويه الا مقلد بحت معتقد لمذهبه بغير حجة ودليل، ومن كانت هذه صفته عند الشيعة جاهل بالله تعالى، لا يجوز ان يكون عدلاً، ولا يمكن ان تقبل اخباره في الشريعة. فان قيل: ليس كل من لم يكن عالي الطبقة في النظر، يكون جاهلاً بالله تعالى، او غير عارف به، لان فيه اصحاب الجملة من يعرف الله تعالى بطرق مختصرة توجب العلم، وان لم يكن يقوى على درء الشبهات كلها. قلنا: ما نعرف من اصحاب أحاديثنا ورواياتنا من هذه صفته، وكل من نشير اليه اذا سألته عن سبب اعتقاده التوحيد والعدل او النبوة او الامامة، احالك على الروايات وتلى عليك الاحاديث، فلو عرف هذه المعارف بجهة صحيحة لا احال في اعتقاده اذا سأل عن جهة علمها، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك، والمدافعة للعيان قبيحة بذوي الدين››[74].

بل حتى الشيخ الطوسي هو الاخر اثار شبهة كون اكثر الرواة في الكتب الشيعية هم من المجبرة والمشبهة والمقلدة والغلاة والواقفية والفطحية وغيرهم، وناقش في بعض ما ذكر واعترف بوجود روايات الجبر والتشبيه، لكنه اعتبرها لا تدل بالضرورة على كون ناقليها هم ممن يعتقدون بها. مع هذا فقد اعترف بان اكثر الاخبار الخاصة في الاحكام تفتقر الى القرائن الدالة على صحتها[75]. فلا عجب - اذاً - ان يرى بعض المتأخرين ان ما ذهب اليه اصحاب دليل الانسداد في الازمان الاخيرة له جذوره في ما سبق اليه الطوسي من اعتقاد[76].

على ذلك يمكن القول ان هناك نزعة تشكيكية سادت بين المحققين القدماء ازاء الروايات المدونة في الاصول الاولية وكتب الحديث القديمة، رغم تباين حجم هذا التشكيك بينهم. وهو موقف يختلف عما آل اليه المتأخرون؛ سواء الاخباريون منهم او الاصوليون، باستثناء اصحاب دليل الانسداد.

والغريب انه رغم الموقف المتشكك للمحققين القدماء بالروايات المشتهرة في زمانهم، وقد كانوا على علم بالاصول الاولية واصحابها، الا انا نجد لدى بعض الاصوليين المتأخرين موقفاً يقترب من الزعم الاخباري، ومن ذلك ما نقله الخوئي من ان بعض الاعلام يرى أن روايات الكافي كلها صحيحة ولا مجال لرمي شيء منها بضعف السند، كما نقل ما سمعه من شيخه محمد حسين النائيني انه قال في مجلس بحثه: ‹‹إن المناقشة في إسناد روايات الكافي هي حرفة العاجز››[77]. وقبل ذلك ذهب الشيخ الانصاري الى ان جميع الروايات في تصانيف الشيعة هي صادرة عن الائمة باستثناء ما شذ وندر منها، بل واعتبر ان العلم الاجمالي بصدور اغلبها او كثير منها هو من البداهة، واستدل على القطع بصدورها عن الائمة عدا القليل منها تارة بدعوى مزعومة دون دليل، واخرى بعدد محدود او يتيم من الشواهد المروية التي تظهر نزعة الاحتياط فيما سلكه البعض في نقل الحديث. فهو يزعم بان اصحاب الجوامع الاربعة قد نقحوا ما اودعوه في كتبهم دون الاكتفاء باخذ الرواية من كتاب ثم ايداعها في تصانيفهم، وذلك حذراً من ان يكون الكتاب المعتمد عليه يتضمن أحاديث مدسوسة. كما انه نقل ثلاث روايات عن رجال الكشي والنجاشي تبين الاحتياط في الحديث. ففي رواية عن احمد بن محمد بن عيسى انه قال: ‹‹جئت الى الحسن بن علي الوشاء وسألته ان يخرج الي كتاباً لعلاء بن رزين القلاء وكتاباً لابان بن عثمان الاحمر، فاخرجهما، فقلت: احب ان اسمعهما، فقال لي: رحمك الله ما اعجلك، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت له لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت ان الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فاني ادركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام››[78]. وفي رواية اخرى عن حمدويه عن ايوب بن نوح ‹‹انه دفع اليه دفتراً فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال: ان شئتم ان تكتبوا ذلك فافعلوا، فاني كتبت عن محمد بن سنان، ولكن لا اروي لكم عنه شيئاً، فانه قال قبل موته: كل ما حدثتكم به فليس بسماع ولا برواية، وانما وجدته››[79]. كذلك في رواية ثالثة جاء ان علي بن الحسن بن فضال لم يرو كتب ابيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه، وانما يرويها عن اخويه احمد ومحمد عن ابيه، واعتذر عن ذلك بانه يوم مقابلته الحديث مع ابيه كان صغير السن ليس له كثير معرفة بالروايات، فقرأها على اخويه ثانياً[80]. ومع ان هذه الشواهد لا تعد شيئاً قبال غيرها من الشواهد الكثيرة التي تفيد عكس ذلك تماماً، فانه يلاحظ في الشاهد الاول انه لا علاقة له بمسألة الاحتياط في النقل، وان الشاهد الثاني لا يدل على ان الاخرين يحتاطون في الرواية عن محمد بن سنان[81]، بدلالة ان المحمدين الثلاثة يروون عنه كثيراً، حتى ان الكليني روى عنه عدداً كبيراً من الروايات، بل ان الفضل بن شاذان رغم ما نقل عنه انه يمنع الرواية عنه ويعده من الكذابين، لكنه روى عنه الكثير من الروايات[82]، ومثله في ذلك الكثير ممن يعدون من الثقات[83]. مما يدل

على ان هذه المسألة يشوبها الكثير من الاضطراب، فكما ذكر بحر العلوم انه قد عظم الخلاف بين الاصحاب في محمد بن سنان، واضطربت فيه أقوالهم اضطراباً شديداً، حتى اتفق للاكثر فيه القول بالشيء وضده من التوثيق والتضعيف والمدح والقدح، والمنع من الرواية والاذن فيها والامتناع منها والاكثار منها، والطعن فيه والذب عنه[84]. وعليه فان ما نقله الانصاري من شاهد بهذا الخصوص يأتي على خلاف مطلبه، فضلاً عن ان عليه العديد من المؤاخذات التي لسنا بصدد بحثها هنا[85].

يبقى الاشكال الذي يورده العاملون بخبر الاحاد والروايات المدونة في الكتب المعتبرة، فكما اشار جماعة من العلماء الى ان ترك العمل بهذه الروايات يقتضي (الخروج عن الدين). ومن ذلك ما صرح به الشيخ الصدوق وهو بصدد الحديث عن اخبار سهو النبي (ص) فقال: ‹‹فلو جاز رد هذه الاخبار الواقعة في هذا الباب لجاز رد جميع الاخبار، وفيه ابطال للدين والشريعة››[86]. وعلى هذه الشاكلة لم يتقبل المحدث البحراني ما صرح به العلامة الحلي برد اخبار الآحاد باعتبارها لا توجب علماً ولا عملاً، فقال: ‹‹ان الواجب عليه مع رد هذه الاخبار ونحوها من اخبار الشريعة هو الخروج عن هذا الدين الى دين اخر››[87]. كما ذهب بعض العلماء الى ان ترك العمل باخبار الاحاد هو في حد ذاته عبارة عن ترك التكليف، حيث ان البراءة الاصلية ترفع جميع الاحكام[88]. وسبق للشيخ الطوسي ان رد على الشبهة التي تقول ان فقدان القرائن التي تصحح الاحاديث الموجودة يقتضي العمل بالعقل، اذ اعتبر انه يلزم من ذلك ترك اكثر الاخبار والاحكام بحيث ‹‹لا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به، وهذا حد يرغب اهل العلم عنه، ومن صاراليه لا يحسن مكالمته لانه يكون معولاً على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه››[89].

مع ان الصحيح هو انه لا توجد ضرورة ولا اجماع يوجبان الرجوع الى الاخبار التي لا تفيد القطع، كالذي اشار اليه الشيخ الانصاري، مثلما اشار الى انه لا دليل على وجوب العمل بخبر الاحاد ما لم يفد الوثوق والاطمئنان بمؤداه، بحيث يكون احتمال مخالفته للحكم الالهي بعيداً لا يعتني به العقلاء ولا يسبب لهم التردد والشك في ذلك[90]. وقبله كان كاشف الغطاء (المتوفى سنة 1228هـ) يوصي الفقهاء بعدم الاخذ بخبر الاحاد الا عند الضرورة والاضطرار، وانه لابد من الاعتماد على القرآن الكريم والحديث المتواتر والسيرة القطعية[91]. وعليه فقد اجرى جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين العمل باعتبارات مختلفة غير الاعتماد على حجية خبر الاحاد او التقيد بالعمل بالروايات الموجودة. فمثلاً ان الشريف المرتضى قد طرح مثل تلك الشبهة، وهي انه اذا لم يكن من الجائز العمل بخبر الاحاد، فبماذا يعمل العالم المسلم؟ وكان جوابه هو العمل اما بالعقل او القرآن او التواتر او الاجماع. كذلك ذهب جماعة من المتأخرين الى وضع طريقة اخرى للعمل، وهي التي اطلق عليها (دليل الانسداد) فذهب اكثرهم الى صحة العمل بالظن الغالب، سواء كان مصدره الرواية او الشهرة او عمل الاصحاب او العقل او غير ذلك، اي انهم اجازوا العمل بالظنون غير المعتبرة، وبعضهم ذهب الى صحة العمل حتى بالظنون المنهي عنها كالقياس وما اليه[92].

[1] روضات الجنات، ج6، ص218، ونهاية الدراية، ص470

[2] الكافي، ج1، باب رواية الكتب والحديث، حديث 15، وانظر ايضاً: محمد باقر المجلسي: بحار الانوار، عن مكتبة الكوثر الالكترونية، ج2، ص167، وبنظر بعض المحققين المعاصرين ان هذا الحديث وان اعتبر صحيحاً من حيث السند، لكنه كاذب، معتبراً العهدة فيه على احمد بن محمد بن خالد البرقي الذي تفرد به (معرفة الحديث، ص46).

[3] معجم الرجال الحديث، ج1، ص24ـ25.

[4] معجم رجال الحديث، ج1، ص77ـ78

[5] نهاية الدراية، ص568ـ569

[6] معجم رجال الحديث، ج1، ص78

[7] انظر: خاتمة المستدرك، ج6، ص13ـ14، واعيان الشيعة، ج9، ص163، وروضات الجنات، ج6، ص220

[8] المفيد: شرح عقائد الصدوق، وهو ملحق خلف أوائل المقالات، نشر مكتبة الداوري، قم، ص64ـ65

[9] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص212

[10] معالم الدين، ص392، وفرائد الاصول، ج2، ص802

[11] خاتمة المستدرك، ج1، الفائدة الاولى.

[12] من المعاصرين من اعتقد بوجود الدس في كتاب (بصائر الدرجات) وان الصفار كان يأخذ من الكتب السائدة دون تمحيص، وكون النسخة الحالية ليست له (معرفة الحديث، ص252ـ254).

[13] نهاية الدراية، ص533ـ534

[14] خاتمة المستدرك، ج1، ص20ـ21

[15] معالم الدين، ص230ـ231

[16] معالم الدين، ص245ـ246

[17] الفهرست، ص2

[18] المعتبر في شرح المختصر، مصدر سابق، ج1، ص6

[19] دراسات في الحديث والمحدثين، ص192

[20] معجم رجال الحديث، ج12، ص208

[21] المصدر السابق، ج19، ص59

[22] المصدر السابق، ج1، ص292، وج12، ص213

[23] المصدر السابق، ج12، ص213

[24] رجال النجاشي، ص260

[25] تفسير القمي للقرآن، مكتبة: الكوثر الالكترونية، ج1، ص4

[26] معجم رجال الحديث، ج1، ص49ـ50

[27] كليات في علم الرجال، ص316ـ317

[28] لاحظ مثلاً: الاصول من الكافي، ج1، كتاب الحجة، نكت ونتف من التنزيل في الولاية، الاحاديث المرقمة: 25 و26 و27 و47

[29] تفسير القمي، ج1، ص6ـ11

[30] فهرست الطوسي، ص4، ورجال النجاشي، ص16، كذلك: خلاصة الاقوال، ص49، ومعالم العلماء، ص40

[31] معجم رجال الحديث، ج1، ص290 و291

[32] معجم رجال الحديث، ج1، ص292

[33] خلاصة الاقوال، فقرة 9، ص49، وانظر ايضاً: بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج1، ص464

[34] معجم رجال الحديث، ج1، ص291

[35] الفوائد الرجالية، ج1، ص462ـ464

[36] الرواشح السماوية، مصدر سابق، ص48

[37] الفقرات الواردة بالاسماء المذكورة نقلاً عن رجال ابن الغضائري، لاحظ: القهپائي: مجمع الرجال، ج1، عن مكتبة اهل البيت الالكترونية : www.ahl-ul-bayt.org/newlib/Rejal/Ghazaery ، وانظر ايضاً: ابن داود: كتاب الرجال، مكتبة الجعفرية الالكترونية، الفقرات المرقمة: 423 و431 و469 و486 وغيرها.

[38] رجال النجاشي، ص329، كذلك: مجمع الرجال، ج1، فقرة محمد بن أورمة أبو جعفر القمي.

[39] خاتمة المستدرك، ج4، ص14

[40] مجمع الرجال، ج1، فقرة عبد الرحمن بن أبي حماد.

[41] نهاية الدراية، ص416

[42] مجمع الرجال، ج1، فقرة أحمد بن محمد بن خالد.

[43] ابن داود: كتاب الرجال، فقرة 122

[44] بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص23ـ25

[45] الوحيد البهبهاني: الفوائد الرجالية، عن مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص38ـ39

[46] ابو القاسم الخوئي: البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء، بيروت، الطبعة الاولى، 1412هـ ـ1992م، ص197 وما بعدها.

[47] عبد الله بن محمد الخراساني التوني: الوافية في اصول الفقه، تحقيق محمد حسين الرضوي الكشميري، مؤسسة مجمع الفكر الاسلامي، قم، مكتبة يعسوب الدين الالكترونية، ص158

[48] فرائد الاصول، ج1، ص109

[49] اوائل المقالات، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد (4) ص122

[50] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص26

[51] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص19 و212

[52] محمد بن إدريس الحلي: السرائر، مؤسسة النشر الاسلامي، الطبعة الثانية، 1410هـ، عن مكتبة التبيان الالكترونية، ص5.

[53] الطوسي: تمهيد الاصول في علم الكلام، انتشارات دانشگاه طهران، 1362هـ.ش، ص354

[54] انظر: وسائل الشيعة، ج20، ص64ـ65

[55] فهو يقول: ‹‹فاما ما اخترته من المذهب، فهو ان خبر الواحد اذا كان وارداً من طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مروياً عن النبي (ص) او عن واحد من الائمة (ع) وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديداً في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر، لانه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان موجباً للعلم. ونحن نذكر القرائن فيما بعد التي جاز العمل بها . والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة، فاني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في اصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه، حتى ان واحداً منهم اذا افتى بشيء لا يعرفونه سألوه: من أين قلت هذا؟ فاذا احالهم على كتاب معروف، او اصل مشهور، وكان راوية ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي (ص) ومن بعده من الائمة (ع) ومن زمن الصادق جعفر بن محمد (ع) الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا ان العمل بهذه الاخبار كان جائزاً لما اجمعوا على ذلك ولأنكروه، لان اجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو›› (عدة الاصول، ج1، ص126).

[56] عدة الاصول، ج1، ص135ـ136

[57] عدة الاصول، ج1، ص137

[58] قال بهذا الصدد: ‹‹والذي اذهب اليه وهو مذهب جميع شيوخنا المتقدمين والمتأخرين، وهو الذي اختاره سيدنا المرتضى واليه كان يذهب شيخنا ابو عبد الله (المفيد) ان الحق في واحد وان عليه دليلاً من خالفه كان مخطئاً فاسقاً. واعلم ان الاصل في هذه المسألة القول بالقياس والعمل باخبار الاحاد، لان ما طريقه التواتر وظواهر القرآن فلا خلاف بين اهل العلم ان الحق فيما هو معلوم من ذلك، وانما اختلف القائلون بهذين الاصلين فيما ذكرناه، وقد دللنا على بطلان العمل بالقياس وخبر الواحد الذي يختص المخالف بروايته››. كما قال: انه ‹‹اذا ثبت ذلك دل على ان الحق في الجهة التي فيها الطائفة المحقة، واما على ما اخترته من القول في الاخبار المختلفة المروية من جهة الخاصة فلا ينقض ذلك، لان غرضنا في هذا المكان ان نبين في الجهة التي فيها الطائفة المحقة دون الجهة التي خالفها، وإن كان حكم ما يختص به الطائفة والاختلاف التي بينها الحكم الذي مضى الكلام عليه في باب الكلام في الاخبار، فلا تنافي بين القولين››. وقال ايضاً: ‹‹والذي اذهب اليه ان خبر الواحد لا يوجب العلم، وان كان يجوز ان ترد العبادة بالعمل به عقلاً. وقد ورد جواز العمل به في الشرع، الا ان ذلك موقوف على طريق مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة، ويختص بروايته، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها›› (عدة الاصول، ج1، ص100).

[59] عدة الاصول، ج1، ص127، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص112 و146ـ147

[60] محمد رضا المظفر: اصول الفقه، دار النعمان، النجف، الطبعة الثانية، 1386هـ ـ1966م، ج3، ص86ـ87

[61] محمد باقر الصدر: بحوث في علم الاصول، تحرير محمود الهاشمي، المجمع العلمي للامام الصدر، الطبعة الاولى، 1405هـ، ج4، ص344

[62] مما قاله بهذا الصدد: قد بينا في مواضع كثيرة من كتبنا ان الخبر الواحد لا يقطع في صحته ولا يجوز العمل به وإن رواه العدول الثقات ‹‹لأنا لا نأمن فيما نقدم عليه من الحكم الذي تضمنه ان يكون مفسدة، ولا نقطع على انه مصلحة، والاقدام على مثل ذلك قبيح، حتى ان من اصحابنا من يزيد على ذلك ويقول: ان اخبار الاحاد لا يجوز العمل بها ولا التعبد باحكامها من طريق العقول. وقد بينا في مواضع كثيرة ان المذهب الصحيح هو تجويز ورود العبادة بالعمل باخبار الاحاد من طريق العقول، لكن ما ورد ولا تعبدنا به، فنحن لا نعمل بها، لان التعبد بها مفقود وان كان جائزاً›› (مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص30). وقال ايضاً : ‹‹اذا كان خبر الواحد لا يوجب عملاً، فانما يقتضي اذا كان راويه على غاية العدالة ظناً›› لذا يجوز ان يكون كذبه ثابتاً، وبالتالي كان العمل بقوله يقتضي الاقدام على القبيح (مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص269ـ270، ولاحظ ايضاً: ج3، ص309ـ313، وج1، ص21 وما بعدها، وص210ـ212).

[63] مجموعة رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص212

[64] الفيض الكاشاني: الاصول الأصيلة، تصحيح وتعليق مير جلال الدين الحسيني، سازمان چاب دانشگاه، ايران، 1390هـ، ص145

[65] روضات الجنات، ج6، ص231

[66] السرائر، ج3، ص289

[67] السرائر، ج2، ص422

[68] هداية الابرار، ص8ـ9

[69] انظر: مدخل الى فهم الاسلام، ص392ـ393

[70] ومما قاله بهذا الصدد: ‹‹والذين خالفوا من اصحابنا في هذه المسألة عدد يسير ممن ليس قوله بحجة في الاصول ولا في الفروع، وليس ممن كلف النظر في هذه المسألة ولا ما في اجلى منها، لقصور فهمه ونقصان فطنته. وما لاصحاب الحديث الذين لم يعرفوا الحق في الاصول، ولا اعتقدوها بحجة ولا نظر، بل هم مقلدون فيها، وليسوا باهل نظر فيها ولا اجتهاد، ولا وصول الى الحق بالحجة، وانما تعوليهم على التقليد والتسليم والتفويض›› (رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص18).

[71] رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص26ـ27، وقال ايضاً: فأما اصحاب الحديث فانهم رووا ما سمعوا وحدثوا به ونقلوا عن اسلافهم، وليس عليهم ان يكون حجة ودليلاً في الاحكام الشرعية، او لا يكون كذلك. فان كان في اصحاب الحديث من يحتج في حكم شرعي بحديث غير مقطوع على صحته، فقد زل وزور، وما يفعل ذلك من يعرف اصول اصحابنا في نفي القياس والعمل باخبار الاحاد حق معرفتها، بل لا يقع مثل ذلك من عاقل وربما كان غير مكلف. الا ترى ان هؤلاء باعيانهم قد يحتجون في اصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والامامة باخبار الاحاد، ومعلوم عند كل عاقل انها ليست بحجة في ذلك. وربما ذهب بعضهم الى الجبر والى التشبيه، اغتراراً باخبار الاحاد المروية (رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص211ـ212).

[72] رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص331ـ333

[73] من الجدير بالذكر أن العلامة الحلي أوصل عدد الرواة القميين خلال زمان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (المتوفى سنة 329هـ) الى ما يقارب مائتي ألف رجل (انظر مقدمة حسن الموسوي الخرسان لكتاب من لا يحضره الفقيه، دار الكتب الاسلامية بطهران، ج1، ص د) . ويبدو ان هذا العدد مبالغ به، لكن ما يعنينا هو أن المرتضى لم يكترث بالحجم الضخم الذي ضمه اولئك الرواة فعرضهم جميعاً الى النقد والطعن باستثناء الشيخ الصدوق (المتوفى سنة 381هـ).

[74] رسائل الشريف المرتضى، ج3، ص310ـ311، كذلك: مدخل الى فهم الاسلام، ص393

[75] عدة الاصول، ج1، ص135، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص187

[76] فرائد الاصول، ج1، ص150

[77] معجم رجال الحديث، ج1، ص81

[78] رجال النجاشي، ص39ـ40

[79] اختيار معرفة الرجال، حديث 976

[80] فرائد الاصول، ج1، ص167ـ168 و170

[81] وهو كوفي صاحب اربعة أئمة وروى عنهم، وهم: الامام الكاظم والرضا والجواد والهادي. وقد اتهم بالكذب، كما اتهم بالغلو فترة، ومن ذلك ما روي عن صفوان بن يحيى انه قال: ان محمد بن سنان كان من الطيارة فقصصناه. وفي رواية اخرى عنه: لقد هم محمد بن سنان أن يطير غير مرة، فقصصناه حتى ثبت معنا. ومن العلماء من نفى عنه هذه التهمة بضعف الروايتين، وكون القميين اعتمدوا عليه وهم أشد شيء في هذا الامر، سيما أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن علي بن بابويه (بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص252ـ254 و272)

[82] نقل الكشي في رجاله عن الفضل بن شاذان انه قال: لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان. وفي رواية اخرى قوله: ردوا أحاديث محمد بن سنان عني. وقال في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين: محمد بن سنان وقرنه بأبي الخطاب وأبي سمينة وابن ظبيان ويزيد الصائغ. لكن مع هذا فالمعروف ان الفضل بن شاذان قد روى عن محمد بن سنان الكثير من الروايات، هو وغيره ممن يعدون من الثقات (بحر العلوم: الفوائد الرجالية، ج3، ص252 وما بعدها).

[83] فمن ذلك ما ذكره بحر العلوم في رجاله من انه روى عنه جماهير الاجلاء والاعاظم، فقد أسند عنه من الفقهاء الثقات الاثبات المتحرزين في الرواية والنقل: أحمد بن محمد بن عيسى وأيوب بن نوح والحسن بن سعيد والحسن بن علي بن يقطين والحسين بن سعيد وصفوان بن يحيى والعباس بن معروف وعبد الرحمان بن أبي نجران وعبد الله بن الصلت والفضل بن شاذان ومحمد بن اسماعيل بن بزيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وموسى بن القاسم ويعقوب بن يزيد ويونس بن عبد الرحمان. كما روى عنه مشاهير الرواة الموثقين أو المقبولين مثل: إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد بن خالد والحسن بن الحسين اللؤلؤي والحسن بن علي بن فضال وشاذان بن الخليل وعلي بن أسباط وعلي بن الحكم ومحمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن عيسى بن عبيد (الفوائد الرجالية، ج3، ص269ـ270).

[84] ومن ذلك ما حصل مع الشيخ المفيد حيث انه مدحه في كتابه (الارشاد) واعتبره من خاصة الامام الكاظم وثقاته ومن أهل الورع والعلم والفقه من شيعته، لكنه ضعفه وطعن فيه في رسالته (الرد على اهل العدد والرؤية) حيث صرح بانه مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه (الفوائد الرجالية، ج3، ص251 و253، كما لاحظ: الارشاد، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، عدد (11) ص248، ورسالة الرد على اهل العدد والرؤية، ضمن نفس السلسلة، ج9، ص20).

[85] لاحظ حول ذلك: الفوائد الرجالية، ج3، ص274ـ277، وخاتمة المستدرك، ج4، ص84ـ85.

[86] من لا يحضره الفقيه، ج1، ص250، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص186

[87] فرائد الاصول، ج1، ص188

[88] فرائد الاصول، ج1، ص188 و187

[89] عدة الاصول، ج1، ص136، كذلك: فرائد الاصول، ج1، ص187

[90] فرائد الاصول، ج1، ص173ـ174

[91] عن: محمد جواد مغنية: مع كتاب محاضرات في اصول الفقه الجعفري للشيخ ابي زهرة، رسالة الاسلام، نشر الاستانة الرضوية، مشهد، 1411هـ ــ1991م، ج10، ص48

[92] انظر كتابنا: الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، طبعة 2000م، ص88.








 
قديم 24-12-13, 05:18 AM   رقم المشاركة : 9
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


الشيخ عبدالحليم الغزي بهدم علم الرجال عند الشيعة

http://www.youtube.com/watch?v=LyNzku4szP8

http://www.youtube.com/watch?v=RxRgfkjQq3A







 
قديم 05-09-14, 03:46 AM   رقم المشاركة : 10
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road



نقد لقصة مسلم بن عقيل سفير الحسين من كاتب شيعي

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=171671







 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:37 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "