العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-12-13, 06:58 PM   رقم المشاركة : 1
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


مقال عن الوضع في الحديث مقارنة بين كتب السنة والشيعة لباحث شيعي للاطلاع

مجلة البصائر شيعية

الوضع في الحديث الشريف
دراسة في المواجهة وأساليبها

كتبه: حيدر حب اللهالعدد (47) السنة 22 - 1432هـ/ 2011مالتعليقات: 0القراءات: 1717



تمهيد

لا يختلف اثنان من دارسي الحديث النبوي وغيره في وجود ظاهرة الوضع في الحديث، وأنّ هناك في التاريخ من مارس هذا الكذب والدسّ في أحاديث النبي والصحابة وأهل البيت.

بل إنّ الحديث النبوي المتواتر، كما عدّوه، يصرّح -برأي البعض على الأقلّ- بأنّ الكذب على الرسول قد شهد بداياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ النبي كان يحذّر دائماً من الكذب على لسانه، في إشارة منه وتوجّس لما سيؤول إليه الحال بعد وفاته.

ومن الواضح عند باحثي السنّة والحديث أنه من الضروري دراسة هذه الظاهرة التي تفشّت في كتب المسلمين، بهدف تمييز الأحاديث وردّ الموضوع والأخذ بما سواه، ومن هنا تماماً جاءت هذه الوريقات، لتدرس أساليب المواجهة مع الحديث الموضوع، ولتعالج السبل التي قد تساعد على اكتشاف الأحاديث الموضوعة.

1- مواجهة ظاهرة الوضع، دراسة تاريخية وتحليلية
لم يقف العلماء المسلمون مكتوفي الأيدي إزاء ظاهرة الوضع، بل هبّوا لمواجهتها، وقد استخدموا وسائل متعدّدة في هذا المجال، وتركوا آثاراً قيمة تستحق الوقوف عندها، دون أن تزول الحاجة إلى مزيد من الجهود في هذا المضمار.

ويمكن مطالعة هذه الجهود ضمن العناوين التالية:

1- 1- أصول مواجهة الوضع في الحديث في التراث الإسلامي
اعتمد العلماء المسلمون أصولاً في مواجهة الوضع في الحديث أبرزها:

الأول: تشييد علوم النقد السندي

فقد سعى بعض العلماء المسلمين منذ القرن الهجري الثاني لإحياء ثقافة التثبت في الأسانيد وتقويمها والاحتياط فيها، وذلك عبر الطرق التالية:

1- تشييد علم الرجال والجرح والتعديل، حيث ألّفت عشرات الكتب والموسوعات في القرون الهجرية الستّة الأولى، تبحث في أحوال الرواة وأوضاعهم ومصنفاتهم، وعمّن رووا، وعمّن روى عنهم؛ لتصبح الأسماء منكشفةً أمام الباحثين في الحديث يعلم حال ولو شطر معتدّ به منها. وقد بذل نقاد الجرح والتعديل جهوداً مضنية في تتبع أحوال الرواة على أكثر من صعيد وتركوا لنا نتاجاً تراثيًّا هائلاً يستحقّ كل الشكر والتقدير.

2- كشف الكذبة والوضاعين، وذلك إما بكتب مستقلّة صنّفت في الضعفاء الذين يستوعبون الوضاعين تلقائيًّا، كما فعل العقيلي في كتاب الضعفاء، وابن الغضائري في كتاب الضعفاء، والبخاري في الضعفاء الصغير، والنسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين، وابن داوود الحلي في القسم الثاني من كتاب الرجال، وابن حبان في كتاب المجروحين، وأبو نعيم الإصفهاني في كتاب الضعفاء، وابن حجر في كتاب طبقات المدلّسين، وغيرهم من العلماء الذين تفرّغوا للبحث في أحوال الضعاف -ومنهم الكذابون والوضاعون- مجوّزين فضحهم أمام المسلمين، تقديماً للمصالح الإسلامية الكبرى على حماية الحقوق الشخصية لهؤلاء.

وقبل عصر المصنفات الكبيرة هذه، كان أئمة أهل البيت ووجوه علماء أهل السنّة مثل عامر الشعبي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي.. يبثون مواقف كثيرة جدًّا في كشف بعض الوضاعين والكذابين، ويحذّرون منهم بأسمائهم وأحوالهم، وقد أشرنا إلى بعض ذلك سابقاً.

3- تأسيس علوم الحديث وما يرتبط بها، لمعرفة أنواع الأسانيد من الاتصال والانقطاع والإرسال والرفع والوقف والتدليس والعنعنة والإدراج والقلب وغير ذلك الكثير، وظلّ هذا العلم عظيماً نافعاً، يكشف أحوال الأسانيد بعد التئام رواة السند فيها، كما كان علم الرجال ينظر في أحوال رجال السند، لكن كلًّا على حدة غير ملحوظين في هيئتهم الاتصالية التي جمعهم السند فيها.

وهكذا، ومن خلال هذه الخطوات الثلاث، تم اعتماد التثبت في الأسانيد والتزامها وعدم التساهل في أمرها تحسّباً لتزييف كذاب هنا أو اختلاق وضّاع هناك.

الثاني: تشييد علوم النقد المتني

فقد قام العلماء في علم الدراية وخارجه بوضع قواعد لنقد متن الحديث تسهّل اكتشاف الحديث الموضوع أو تجعل الناظر قريباً من ذلك، مثل قوانين العرض على الكتاب، أو العرض على روايات الثقات ومدى تشابه الحديث معها، وغير ذلك مما بحثوه في علم نقد المتن، وسوف يأتي بعض ذلك في الأبحاث القادمة، بعون الله تعالى.

الثالث: التصنيف في علم الموضوعات

صنّف العلماء المسلمون العديد من الكتب في موضوعات الحديث، ومنها:

1- تذكرة الموضوعات، لمحمد بن ظاهر المقدسي (507هـ).

2- كتاب الأباطيل، للحافظ الحسن بن إبراهيم الهمداني الجوزقي (543هـ).

3- الموضوعات، لابن الجوزي (597هـ).

4- الدر الملتقط في تبيين الغلط، للصاغاني (650هـ).

5- الموضوعات، لابن تيمية الحراني (728هـ).

6- المنار المنيف، لابن قيم الجوزية (751هـ).

7- اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، لجلال الدين السيوطي (911هـ).

8- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عراق (963هـ).

9- تذكرة الموضوعات، لجمال الدين الفتني (986هـ).

10- الموضوعات الكبير، للملا علي قاري (1014هـ).

11- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، للملا علي قاري (1014هـ).

12- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، لمحمد بن علي الشوكاني (1255هـ)، وله -كما ذكر الطهراني في الذريعة- كتاب التعقيبات على الموضوعات، والنكت البديعات على الموضوعات، كما نسب في الذريعة كتاباً باسم المجرّدات عن الموضوعات، للشيخ سراج الدين حسن المعروف بالشيخ فدا حسين، لكنّ عنوان الكتاب يظهر منه التنزيه عن الموضوع لا العكس[1].

13- الموضوعات في الآثار والأخبار، لهاشم معروف الحسني (1403هـ).

14- الأخبار الدخيلة، لمحمد تقي التستري (1405هـ).

15- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لمحمد ناصر الدين الألباني (1420هـ).

هذه الكتب وغيرها حاولت كشف الأحاديث الموضوعة في التراث الإسلامي، وساهمت -ولو أخفقت هنا وهناك- في تنشيط ثقافة نقد الحديث الموضوع.

1- 2- الشيعة في سياق حركة مواجهة الوضع
من الواضح أنّ الشيعة الإمامية يتقدّمهم أئمة أهل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سعوا لمواجهة الحديث الموضوع وحركة الوضع في الحديث، تارةً من خلال التحذير من الكذابين، وطوراً من خلال تأليف بعض الكتب المخصّصة لحال المتّهمين والضعفاء والكذابين، مثل ضعفاء ابن الغضائري، وقسم المتروكين من بعض الكتب الأخرى، وثالثة عبر الاهتمام في بعض الحقب والعصور بعلم الرجال والجرح والتعديل، إلى غير ذلك من طرق نقد المتن والسند التي استخدمها العلماء عبر التاريخ.

لكن الملاحظ هنا أنّ الإمامية لم يتركوا كتاباً في الأحاديث الموضوعة، ولعلّ أول كتاب -كما يرى بعض الباحثين المعاصرين[2]- هو كتاب «الأخبار الدخيلة» الذي أنهى مؤلّفه الشيخ محمد تقي التستري المجلّد الأول منه عام 1369هـ، فيما أنهى المجلّد الرابع والأخير منه عام 1401هـ.

يطرح هذا الأمر تساؤلاً: لماذا لم تشتغل الإمامية على التصنيف في الموضوعات كما اشتغل سائر المسلمين؟ هذا ما قد يثير تساؤلاً آخر: لماذا تُهمَل دراسات علم الحديث والدراية عند الشيعة، حتى أنّ أقدم مصنّف في ذلك يعود إلى القرن العاشر الهجري مع الشهيد الثاني وربما قبله بقليل؟[3]، حتى أنّ الإخباريين حاربوا بشدّة هذا العلم واعتبروه سنّيًّا، وقلّما وجدنا تهمة الوضع والكذب في حقّ شخص في مصادر الرجال الإمامية، نعم، الضعف موجود، لكنّ الوضع والكذب قليل، كما يذهب إلى ذلك الدكتور عبد الهادي الفضلي أيضاً[4].

هل هناك إشكالية ما في هذا الموضوع تستدعي اليوم نهضة حديثية شيعية تستعيض ما فات أم أنّ الوضع بشكله هذا صحّي لا إشكال فيه؟

ثمّة وجهات نظر في هذا الموضوع، وهي:

الأولى: ما يراه الدكتور عبد الهادي الفضلي، حيث يذهب إلى أنّ العامل السياسي الناتج عن دعم السلطة الأموية وغيرها للوضّاعين لم يكن موجوداً في الوسط الشيعي الإمامي، لهذا قلّ الحديث الموضوع عندهم جدًّا، الأمر الذي استتبع عدم وجود اهتمام عظيم بالموضوعات على غرار ما حصل عند الفرق الإسلامية الأخرى، وأنّ العنصر الأبرز للوضع عند الشيعة كان الغلوّ، من هنا حاربه أهل البيت وواجهوه وأضعفوه[5].

لكنّ هذا التفسير غير دقيق من وجهة نظرنا؛ فإنّ العامل السياسي لا ينحصر في السلطة، وإنما تعرفه المعارضة أيضاً، وكما تشوّه السلطة صورةَ معارضيها يشوّه المعارضون فيما بينهم صورة السلطة أيضاً، علماً أنّ فترات تدوين الحديث بشكل مركّز عرف عند الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري، وهو القرن الذي كانت السلطة فيه بيد الشيعة مع الدولة البويهية التي حكمت منذ عام 321هـ إلى عام 447هـ، إلى جانب دول مثل الدولة الفاطمية التي ظهرت على يد أبي عبد الله المهدي عام 297هـ، ودولة الأدراسة منذ نهايات القرن الثاني الهجري على يد إدريس بن عبد الله بن الحسن، لتستمرّ قرنين من الزمان، والدول الزيدية المتعدّدة في اليمن منذ القرن الثالث الهجري، والحمدانيين (317 - 394هـ)، وحركة أبي الحسن المادرائي في طبرستان (مازندران)، وغيرها من الحركات والقوى التي دعمت الشيعة أو سهّلت أمرهم أو رفع الجور عنهم ليصبحوا على مسافة جيدة من السلطة.

لم تكن السلطة دائماً عدوًّا للشيعة، بل ظهرت الكثير من الدول والقوى المؤيّدة للعلويين أو المتعاطفة معهم، فلا يصحّ القول بأنّ العامل السياسي لم يعرفه الشيعة في شقّه السلطوي، فضلاً عن جانب المعارضة، إلا إذا أثبتنا عدم سعي كلّ هذه الدول للاستفادة من الحديث النبوي ونزهناها عن ذلك.

من هنا، لابدّ من البحث عن سبب آخر، لا سيما وأنّ سائر العوامل المسبّبة للوضع ظلّت موجودة غير العامل السياسي.

الثانية: ما ذهب إليه الباحث المعاصر الشيخ رضا أستادي، من أنّ السبب في إحجام الشيعة عن مثل هذه التصنيفات يرجع إلى:

أولاً: إنّهم قاموا بتصفية كتبهم الحديثية مرّتين، مرّةً قبل عصر الكليني، حيث بالغوا في النقد والتمحيص، كما هي الحال مع مدرسة قم الشهيرة بمواقفها المتطرّفة والمتحفّظة من الرواة، وأخرى مع المحمّدين الثلاثة: الكليني، والصدوق، والطوسي، وهذا معناه أنّه لم تعد هناك حاجة لمزيدٍ من التصفية، من هنا يعتقد أستادي أنّ الشيعة وإن لم يؤلّفوا كتباً في الموضوعات، غير أنّهم سبقوا السنّة في هذا المجال، أي مجال نقد الحديث وتصفيته[6].

ثانياً: لم تكن عند الشيعة رغبة في التهاون، واتّهام الرواية بالكذب لمجرّد احتمال ذلك، فلذلك آثار خطيرة على مرجعية السنّة واعتبار الحديث[7].

وهذا الكلام من الشيخ أستادي فيه غمز بالجهود التي بذلها السنّة في الموضوعات؛ من حيث الاستعجال الذي فيها في الحكم على الحديث بالوضع والكذب.

الثالثة: ما رآه السيد هاشم معروف الحسني (1403هـ)، حيث ذهب إلى أنّ محدّثي أهل السنّة كانوا أكثر وعياً من الشيعة بالأخطار التي كانت تحدق بالسنّة النبويّة، فاهتمّوا بشكل أكبر بالنقد، وألّفوا في الموضوعات، أمّا الشيعة فقد تجاهلوا -بحسب رأي الحسني- المسألة، كأنّ الأمر لا يعنيهم، مع أنّ ما عندهم لا يقلّ خطراً عما هو مسطور في مصادر الحديث السنّية[8].

ويؤيّد معروفَ الحسني بعضُ حركات النقد الشيعي المعاصرة، مثل حركة التطهير العقدي، وحركة تهذيب الحديث و... كما يبدو أنّ التيار المَدْرَسِيَّ في المؤسسّة الدينية الشيعية يميل إلى وجهة نظر الشيخ أستادي.

والحكم في هذا الموضوع يتبع -فيما أظن- طبيعة قراءة الباحث للموروث الشيعي الحديثي، فإنّ الباحثين الواثقين من هذا الموروث، والمنسجمين عقديًّا وثقافيًّا وفقهيًّا معه كأغلب التيارات المَدْرَسِيَّة، لا يجدون -بل لا يشعرون- بعدد هام من الأحاديث الموضوعة، حتّى يرموا باللائمة على محدّثي الإمامية السابقين كيف لم يصنّفوا في الموضوعات، أما أولئك الذين يملكون قراءة نقدية لمضمون الكثير من الروايات، لاسيما العقدية، فهم يقرؤون الموروث الشيعي حافلاً بالنصوص الحديثية الباطلة غير المقبولة، ممّا يثير فيهم إحساس ضرورة التصنيف في الموضوعات، وتصفية الأحاديث، كما يثير حفيظتهم لنقد تجربة علماء الحديث السابقين.

ولدينا بعض الوقفات مع الرأيين الأخيرين:

أولاً: إنّ الشواهد التاريخية المسجّلة تؤكّد أن فريقاً مهمًّا من الإمامية على الأقلّ قد ساهم بقوّة في القرون الخمسة الهجرية الأولى في نقد الحديث، برز فيهم رجال مدرسة قم المتشدّدين، وعلى رأسهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، الذي طَرَدَ من مدينة قم بعضَ من وُصفوا بأنّهم من كبار رجال الحديث، لا لضعفهم، بل لروايتهم عن الضعفاء وإكثارهم من المراسيل، وكذلك تحفّظ هذه المدرسة مما كانت تعتبره غلوًّا في الدين، وعليه، فمن المؤكّد أن فريقاً نقّاداً في الوسط الشيعي ظهر قبل الكليني.

كما لا نشك في وجود ظاهرة متشدّدة عموماً من الحديث كانت موجودة في القرنين الرابع والخامس، أمّا القول بأنّ الشيعة صفّوا أحاديثهم من الموضوعات على دفعتين، فلم تعد هناك حاجة للتصفية، فهو قول يحتاج إلى مزيد من التأمّل، إذ هل لدينا اطّلاع على ما كان عند الشيعة من روايات حتى نعرف هل أحسن الكليني بشكل كامل في الانتخاب أم لم يحسن؟ كيف يمكن غضّ الطرف عن موقف مثل الشيخ المفيد من الشيخ الصدوق وفريق المحدّثين آنذاك وهو يحمل عليهم بعدم التمييز والنقد المضموني للأحاديث؟! هل شهادة المرتضى التي نقدت رجال الحديث -وقد ذكرنا هذه الكلمات في كتابنا (نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي)- هامشية لا ينبغي الوقوف عندها؟! ربما احتجنا إلى المزيد من البحث لنعرف هل أصاب المحدّثون آنذاك أم أخطؤوا؟ وبأيّ مقدار؟

ولسنا نقصد بذلك إبطال ما بأيدينا قدر ما نقصد مجموع ما بأيدينا وما حذفوه ولم يصل إلينا، فلعلّنا لو اطلعنا على ما حذف -مع ما أُبقي- لآخذناهم واختلفنا معهم في موازينهم، فأبقينا بعض ما حذفوه وحذفنا بعض ما أبقوه.

ثانياً: إذا كان الشيعة قلقين على انهيار مكانة السنّة بفتح ملفّ الموضوعات فهم مخطئون، وشاهدُنا على هذا الخطأ رصد الموقف السنّي، فقد صنّف السنّة في الموضوعات الكثير، لكن اعتقادهم بمصادرهم الحديثية ظلّ أقوى من اعتقاد الشيعة بتلك المصادر، حيث نجدهم صحّحوا بعض الكتب بطريقة مبالغ بها جدًّا كصحيحي البخاري ومسلم، إنّ هذه تجربة تاريخية حيّة تؤكّد أن فتح باب الموضوعات قديماً لن يؤدي إلى ما توجّس منه الشيخ أستادي، بل لقد وجدنا الشيعة أكثر نقداً لمصادرهم الحديثية من السنّة!![9].

ثالثاً: إنّ الشيخ أستادي نفسه يَحتَمِل أن تكون خطوة الشيخ حسن صاحب المعالم (1011هـ) في كتاب (منتقى الجمان) مشابهة في ذلك العصر لخطوة التستري في القرن الرابع عشر[10]، ونحن نسأل: إذا كان الشيعة أقفلوا باب الموضوعات قلقاً على مكانة السنّة، فكيف نفسّر الجهود النقدية اللاذعة التي قامت بها مدرسة العلامة الحلّي؟! وكيف نفسّر كتاب «منتقى الجمان» والاتجاه الفكري الذي صاحبه مع المحقق الأردبيلي (993هـ) أو صاحب المدارك (1009هـ)؟! بل كيف نفسّر الموقف الأصولي المشكّك بالكتب الأربعة منذ عصر الوحيد البهبهاني، وقد رصدناه من قبل في كتابنا: «نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي»؟! أنّ الشيخ أستادي حفظه الله هو من يشعر بالقلق من خطوةٍ كهذه، لا أسلاف الشيعة وعلماء الإمامية.

رابعاً: لو سلّمنا أنّ الشيعة قد أخضعوا مصادرهم الحديثية لتصفيتين تاريخيتين، هل يعني ذلك عدم وجود أحاديث موضوعة؟ بل الصحيح أنّه إذا عنى شيئاً فإنه يعني قلّة هذه الأحاديث، ومن ثم فما المانع -مع قلّة الأحاديث- من فتح باب التصنيف في هذا المجال، ليكون الحسّ النقدي نشطاً دائماً إزاء دسّ الروايات واختلاق الأكاذيب؟!

خامساً: إنّ النزعة المفرطة للفريق المعتقد بوجود الموضوع في الحديث الشيعي، ونقصد بالموضوع المختلق من رأس، غير دقيقة، فقد أفرطت هذه الحركة في تضعيف الحديث على أساس فكرة الوضع، وقد كانت لنا وقفة مع هؤلاء في كتابنا: «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي».

المهم أننا نميل إلى رأي السيد هاشم معروف الحسني، ونرى أنّه آن الأوان لعلماء الحديث الشيعة أن يفتحوا هذا البحث، ويضبطوا قواعده. ولا يكتفوا بجهود السلف، مهما كانت الموضوعات قليلة، شرط ألَّا يُفرطوا في ذلك خارج إطار الدليل والحجّة.

وبهذا يمكن الجمع بين الأمور، فنقول: إنّ عدم تصنيف الشيعة في الموضوعات كان لأنهم بذلوا جهوداً مشكورة في القرون الخمسة الهجرية الأولى لمواجهة حركة الوضع والوضاعين، فضعّفوا الكثير من الروايات الفاسدة، وكانوا مقتنعين بأنّ عدد الروايات الموضوعة لم يكن كبيراً في موسوعاتهم الحديثية الكبرى، لكنّ هذا لا يمنع اليوم -نتيجة تعدّد مصادر الإمامية الحديثية- من فتح باب نقد المتن بذهنية متحرّرة من التقديس هنا واستراتيجية البحث عن العفريت هناك؛ لأننا إذا أخذنا كلّ مصادر الحديث والتفسير و.. الإمامية فستظهر روايات موضوعة، حتى لو لم تكن بحجم كتب الموضوعات التي صنّفها أهل السنّة.

كما نوافق الشيخ أستادي في ضرورة التحفظ من الاستعجال بادّعاء وضع هذا الحديث أو ذاك، لهذا فإطلاق مشروع التأليف في الموضوعات عند الإمامية منذ التستري يجب أن يصاحبه وضع ضوابط حاسمة ومدروسة لتصنيف الموضوع وفرزه عن غيره، حذراً من الوقوع فيما وقع فيه بعض المصنّفين من أهل السنّة مثل ابن الجوزي.

وأشير أخيراً إلى نقطة مهمة، تُعيق في بعض الأحيان عند الإمامية بالخصوص ادّعاء وضع الحديث، وهي وجود احتمال صدور الحديث بنحو التقية، فلا يطابق الواقع لكن لا يكون موضوعاً ومكذوباً على أهل البيت، ولعلّ مسألة التقية هي التي خفّفت أيضاً من حديث الشيعة عن وجود موضوع في كتبهم، وهذا ما يستدعي المزيد من الضوابط لتمييز الموضوع عن الصادر تقيةً، فلا يبالغ بادّعاء التقية في كل شيء كما نلاحظه في أدبيات الأبحاث الفقهية عند الإمامية، ولا ادّعاء الوضع في كل شيء كذلك.

2- أمارات الوضع وعلائمه أو منهج معرفة الحديث الموضوع
تتعدّد المؤشرات التي تطلّ بالناقد على الحديث الموضوع لاكتشافه، فتارةً تأتي هذه المؤشرات من السند وأخرى من متن الحديث، ويجب أن نعرف أنّ الناقد الحصيف قد يكتشف الوضع في الحديث من مؤشر واحد أو قرينة واحدة، وقد لا يكفي الشاهد الواحد لذلك فيكون تعدّد الشواهد مفضياً إلى الاقتناع بالوضع.

على صعيدٍ آخر، من الضروري أن نعرف التمييز بين الوضع الذي يمارسه الراوي الكذاب، والخطأ الذي قد يقع فيه، فبعض هذه الشواهد قد تثبت الوضع، لكنها في بعض الأحيان لا تثبت سوى العنصر الأعم الشامل لاحتمال الوضع واحتمال الخطأ أو عدم الدقة، ولابدّ من عدم الاستعجال في توجيه تهمة الوضع للحديث ما دامت الاحتمالات متوفرة لا دافع لها بعدُ. وعلى أية حال، فنحن نذكر أمارات الوضع على الشكل التالي:

2 - 1- العلامات السندية للوضع
تحدّث العلماء عن عدة علامات للوضع يمكن اكتشافها من خلال السند، وهي:

ألف: ما يعدّ أشهر العلامات وأوضحها، وهو اعتراف الراوي بكذبه، فعندما يقوم راوٍ -مثل أبي عصمة نوع بن أبي مريم وعمر بن صبح- بالاعتراف قبيل إعدامه أو غير ذلك بأنه وضع الحديث الفلاني أو الأحاديث الفلانية، فإنّ ذلك أمارة واضحة على الجعل[11].

لكن يلاحظ على هذه الأمارة أنّ إقرار الواضع بالوضع قد يكون بنفسه إقراراً كاذباً يهدف من خلاله إلى تشويش الأمور على الناس، فكيف يمكن تصديق شخص بأنّه وضع الحديث، إذ لو صدّق لكان رجلاً كذاباً، ومع كونه كذلك كيف لا نحتمل أنه كذاب في نوعية الأحاديث التي زعم وضعها أو في عددها أو في موضوعها؟![12]. نعم، من الناحية الشرعية يؤخذ بإقرارّ المقرّ ويعاقب شرعاً؛ عملاً بموجب حجية الإقرار في باب القضاء.

مع ذلك يفيد الإقرار الظنّ القويّ بحصول الوضع ويشكّل أمارة على ذلك قد تضاف إلى غيرها في هذا المجال.

وليس من البعيد أن نفصّل في هذا الأمر؛ وذلك أنّ العاقل لا يجلب الضرر إلى نفسه، فلماذا يقف شخص ليقرّ بأنه كذاب ويفضح نفسه أمام الناس إذا لم يكن كذاباً واقعاً؟! من هنا يجب أن ندرس -إذا توفرت المعطيات السياقية التاريخية- ملابسات صدور هذا الإقرار من صاحبه؛ فقد يلقى القبض عليه ويحال للإعدام بتهمة الزندقة مثلاً -كما حصل مع بعضهم- ثم يقرّ وهو على المقصلة بوضع كذا وكذا، إنّ هذا النوع من الإقرار ضعيف الإضاءة؛ لأنّ الرجل يعرف بأنه ميت، وأن صورته عند الناس مشوّهة، فلعلّه أراد الانتقام منهم في تحويله إلى الموت، لاسيما إذا أكثرَ من الأرقام التي وضعها في الحديث، كأن يتحدّث عن آلاف الأحاديث أو عن الدسّ في الكتب بشكل كبير دون وجود اسمه في الأسانيد.

أما لو لم يكن الأمر كذلك، بل عرفنا من ملابسات الإقرار أنه رجلٌ تاب إلى الله وصار إنساناً صالحاً، ثم عرف بالصلاح فيما بعد، فإنّ هذا الإقرار تغدو إضاءته قوية جدًّا وفقاً للمنطق الاحتمالي العقلاني، إذ ما الداعي لإنسان صالح أن يفضح نفسه وتاريخه إلا أن يكون تقيًّا يخشى الله تعالى؟! إنّ رصد ملابسات صدور الإقرار يظلّ هو المعيار في حجم وثوقنا بمضمون هذا الإقرار.

يضاف إلى ما تقدّم، أنّ الإقرار لابدّ أن يثبت بطريق معتبر شرعاً وعقلائيًّا، فلا يكفي تداول إقرار شخص ما في كتب الحديث والدراية لترتيب النتائج على ذلك دون إثبات هذا الإقرار؛ إذ ثمة احتمال في أن يكون خصوم هذا الراوي قد نسبوا إليه هذا الإقرار -ولو بعد وفاته- لتشويه صورته أو إسقاط مروياته التي لا ينسجمون فكريًّا وعقديًّا معها.

إلى جانب ذلك، لا يهمّنا في الإقرار مجرّد صدوره، بل لابدّ من النظر في مضمونه والمساحة التي يقدّمها، فقد يقرّ بوضع حديث بعينه، كإقرار عمر بن صبح بأنه هو الذي وضع خطبة النبي[13]؛ وهذا القدر من الإقرار واضحٌ مفهوم، لكن المقرّ قد يقرّ بوضع مجموعة من الأحاديث دون أن ينصّ على مضمونها، كما ينقل عن محمد بن سعيد الدمشقي الذي صلب بتهمة الزندقة، حيث يقول: «إذا كان كلام حسن لم أر بأساً أن أجعل له إسناداً»[14]. وفي هذه الحال لا يستفاد وضع حديثٍ بعينه، بل يورث احتمال الوضع في كل حديث رواه هذا الراوي، وهكذا لو قال بأنّ مضمون أحاديثه الموضوعة كان في القدر أو الغلو أو قدم القرآن أو...

باء: ما هو في قوّة الإقرار من الراوي بحسب تعبيرهم، بأن يقوم شاهدٌ على أمر لا يفهم إلا في سياق الوضع، ومثال ذلك أن يروي الراوي عن شيخ نجزم أو يصرّح هو نفسه بأنّه لم يلقه، أو لم يعش في عصره أساساً، أو عن شيخ في بلدٍ نجزم بأنّ الراوي لم يرحل إليه قط[15].

ويمثلون لذلك بادعاء أحمد بن سليمان القواريري الذي ولد عام 151هـ أنه سمع من ابن إسحاق الذي توفي عام 150هـ[16].

هنا لا يمكن الاستعجال بادّعاء الوضع إلا بعد التأمل في طبيعة السند، فإذا كان السند بين الشخصين عبارة عن كلمة (عن)، مثلاً: القواريري عن ابن إسحاق، فإنّ هذا لا يثبت الوضع أبداً، بل غايته إثبات التدليس؛ لأن كلمة (عن) وإن قبلنا -جدلاً- انصرافها عند الإطلاق إلى حالة اللقيا والسماع، إلا أنّها تحتمل حالة العدم أيضاً، فيحتمل أنه دلّس بما يوهم اللقيا، وهذا غير الوضع في الحديث.

أما لو عبّر بـ(حدّثنا) و(سمعت منه) و(لقيت فلاناً فقال لي) وما شابه ذلك، فإنّ احتمال الوضع يغدو قريباً جدًّا، شرط ثبوت السند إلى الراوي نفسه، بحيث يثبت أنه قال ذلك.

ومن موارد ما هو في قوّة الإقرار أن يدّعي الراوي روايةً إلا أننا لا نجدها عند أحد من الرواة ولا في أيّ مصدرٍ آخر ويكون الراوي معروفاً بالكذب، فإنه يحكم على روايته بالوضع[17].

وهذا في الحقيقة مؤشرٌ على الوضع وليس دليلاً مستقلاً بعينه، لكن كلّما كان الموضوع المتضمّن في الرواية مما تكثر الدواعي إلى تكرّر صدوره من النبي وتكرّر سماعه وتكرّر نقله كان ذلك مفيداً لكذب الراوي، إذ كيف لم ينقله أحد مع كثرة صدوره وكثرة تكرّر سماعه وكثرة الدواعي لنقله؟! كأن يقول بأنّ المعصوم قد كان يواظب في المسجد على قراءة هذا الدعاء أو هذا الذكر أو هذه الزيارة، ولا نسمع أحداً ينقل ذلك لنا إلا هذا الراوي المعروف بالكذب أو المضعّف، فإنّ ذلك يضاعف من احتمال وضع الرواية. أو يقول بأنه سمع هذه الخطبة من النبي في المسجد أمام الناس ولا ينقلها أحدٌ غيره، مع توفر الدواعي لنقلها وهكذا.

ومن قرائن الوضع ممّا جعل في قوّة الإقرار، أن يدّعي الراوي الرواية عن شخص لم يلقه، ولو كان معاصراً له أو يدّعي السماع منه، وعندما يُسأل عن أوصاف الشيخ الذي نقل عنه لا يعرفها. أو ينقل خبراً عن الشيخ وعندما يُسأل عنه الشيخُ ينكره، أو يذكر لقيا الشيخ في مكان لم يذهب إليه الشيخ قطّ، أو يذكر أخذه الحدث منه في مكان لم يكن قد أنشئ بعدُ في زمن الشيخ، أو ينسبه إلى كتاب الشيخ ولا يوجد في أيّ مصدر أو نسخةٍ مثل هذه النسبة، إنّ هذا كلّه من أمارات الوضع في الحديث[18].

ولا شك -بنظري المحدود- في إفادة ذلك الظنّ بالوضع في الجملة، لكنّ ذلك غير مطّرد ولا غالبي؛ إذ كيف نعرف أنّ زيداً لم يلقَ عمراً، حتى نستفيد عدم اللقيا؟ فإذا كان ذلك بشهادة شخص من علماء الرجال جاء بعد قرون، فهذا لا ينفع؛ إذ تكون هذه الرواية نفسها شاهداً على اللقيا، وإذا كان من شخص معاصر، فكيف أحرز هذا المعاصر أن زيداً طيلة حياته لم يلق عمراً ولو في سفر سريع، نعم يحتاج ذلك إلى أن يكون ملازماً له أو قريباً جدًّا منه بحيث يحرز أحواله وأسفاره في الغالب، أما في غير ذلك فيصعب دعوى الوضع.

وأما عدم الجواب عن أوصافه عندما يُسأل عنه، فهذا جيّد، لكنه نادر التحقّق في الروايات التي بيد المسلمين، علماً أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ السؤال قد يكون بعد فاصل زمني طويل قد يوجب النسيان أحياناً.

وأما إنكار الشيخ أنّه قال ما نقل عن لسانه، فهذا لا يؤكّد الوضع، وإنما يوقع التعارض بين خبر الشيخ والراوي عنه؛ إذ ثمة احتمال في أن يكون الشيخ قد نسي روايته لهذا الحديث مع كونه رواه منذ عشرين سنة، حتى لو بدا قاطعاً بأنه لم يروه، وهذا يختلف باختلاف الشيوخ وحفظهم ومعرفتهم ووزنهم في عالم الحديث.

وأما ذكره لقيا الشيخ في مكان لم يذهب إليه الشيخ قطّ، فهذا كحال ادّعائه السفر للقيا الشيخ في أنه ينفع في بعض الموارد فقط؛ إذ كيف نعرف أنّ الشيخ لم يسافر إلى ذلك المكان؟ لاسيما في الشيوخ الصغار الذين لا نعرف الكثير من المعلومات عنهم وعن أسفارهم.

نعم، ادّعاؤه أنه أخذ منه في مكان لم يكن موجوداً في عصر وجود الشيخ، كمدينة حديثة الإنشاء مثل بغداد والكوفة، جيّد ومفيد.

وأما عدم وجدان الحديث في نسخة أخرى، فهذا كما يجامع الزيادة الجعلية من الراوي، يجامع أيضاً الإنقاص الجعلي في النسخة الثانية. نعم، لو تكرّرت النسخ وتعدّدت واختلفت مصادرها يزداد احتمال الوضع حينئذٍ.

ويجب أن نعلم أيضاً أنّ هذه القرائن المدّعاة تغدو أكثر دلالة واحتمالاً عندما نفرض سلفاً أنّ الراوي الذي وقع في السند ونحتمل وضعه للحديث معروف مسبقاً بالكذب ومتّهم عندهم بالوضع، فإنه كلّما كان حاله كذلك كان أقرب إلى احتمال الوضع بحشد هذه القرائن، وكلّما كان مجهولاً في حاله وعدالته أو كان قد شهد بوثاقته وعدالته، فإنّ القوة الاحتمالية للوضع من خلال هذه القرائن تبدو أضعف وهكذا.

جيم: من هنا لا نوافق على ما اعتبره بعضهم[19] من علامات الوضع في الحديث، وهو أن يكون الراوي مضعّفاً متهماً في كتب الرجال والجرح والتعديل.

نعم، اشتهار الراوي بالكذب يضعّف الحديث سنداً، أما أنّه يثبت وضعه وجعله، فهذا أمرٌ آخر؛ إذ ليس كلّ حديث يرويه وضّاع أو كذاب فهو بالضرورة موضوع أو مكذوب.

لكن يجب أن نلتفت إلى أنّ اتهامه بالوضع يؤمّن بنيةً تحتيّة للحكم بوضع الحديث عندما تتوفر المعطيات الأخرى، لا أنّ اتهامه بالوضع كافٍ في اعتبار حديثه موضوعاً، وهذا ما وقع فيه غير واحدٍ من المصنّفين في الموضوعات حين جعل الراوي الوضّاع دليلاً على وضع الحديث، ثم إدراجه في قسم الموضوعات.

وفي هذا السياق، نقول فيما يخصّ انسجام الراوي مصلحيًّا مع طبيعة الحديث الذي يرويه من عوده بمصالح مذهبية أو سياسية أو شخصية له[20]، فهذا يهيئ الأرضية للحكم بالوضع عندما تأتي هذه الشواهد، لا أنه يوجب الحكم بالوضع، كيف وكلّ روايات المسلمين تنسجم مع مصالحهم بوصفهم مسلمين، فهل يحقّ لغير المسلم اعتبارها جميعها موضوعة؟!

نعم، توافق الحديث مع الاتجاه الفكري والسياسي للراوي يؤدّي إلى تحديد قوّة احتمال الصدق فيه، لا أنه يفيد وضعه بالضرورة، فهناك فرق بين أن نقول: هذه الخصوصية تبطئ حركة الوثوق بالحديث، وبين أن نقول: هذه الخصوصية تفيد وضعه، فهي لا تفيد لكنها تفسح المجال من جهة وتعيق من أخرى.

دال: أن يكون السند في جملته مثيراً وملفتاً، كأن يشتمل على سلسلة من الكذابين أو يحوي سلسلة من الأشخاص المجهولين جهالةً تامة[21]، بحيث لا تعرف أسماؤهم ولا تتداول في كتب الحديث والرجال والجرح والتعديل.. إنّ هذا ما يثير حفيظة ناقد الحديث في الصدفة التي جمعت هذه الأسماء، لا سيما لو تكرّرت في أحاديث ترجع إلى موضوع واحد.

2 - 2- العلامات المتنية للوضع
وكما تنوّعت العلامات السندية لوضع الحديث، كذلك الحال مع الأمارات المتنية، ونحن نذكر أهمّها مع التوضيح والتعليق، وهي:

1- أن يكون متن الحديث ركيكاً في عبارته يحوي لحناً، إذ هذا يكشف عن وضعه؛ لأنّ أفصح من نطق بالضاد لا يمكن صدور مثل هذا الكلام عنه.

من هنا، يعتمد النقّاد على تركيبة الحديث وبلاغته وجودته وانسجام كلماته وفصاحتها؛ فإنّ هذا الأمر يقوّي الوثوق بصدوره أو يقرّب الناقد إلى الاقتناع بوضعه[22].

لكنّ الخبراء من علماء الحديث توقفوا هنا مليًّا، فذكروا أنّ ركاكة اللفظ إنما تضرّ عندما يظهر من الراوي أنه ينقل باللفظ بحيث يصرّح به أو يبيّنه بشكل من الأشكال، فهنا نتهمه بالكذب؛ لبُعد نطق النبي وأهل بيته بكلام ركيك متهافت نطقاً وفصاحة. أما لو لم يذكر الراوي أو يُفهم من تحليل السند أنه ينقل باللفظ، فإنّه يوجد احتمال في كونه ناقلاً بالمعنى، وعندها تكون الركاكة من الراوي نفسه دون أن يُتهم بالوضع[23].

ويمكننا هنا أن نلفت النظر إلى أنّ العصور المتأخرة عرفت ظاهرة الإملاء، فحول أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان بعض التلامذة يتحلّقون ليكتبوا عنهم، وهذا ما كان قليل الحصول في القرن الهجري الأول، من هنا كلّما كانت الرواية عن أحد المعصومين في القرن الهجري الأول وكان فيها ركاكة لفظية كان احتمال النقل بالمعنى أكبر، ومن ثمّ لا تؤثر الركاكة اللفظية على صحّة الحديث، وكلّما كانت عن أحدهم في القرون اللاحقة كان احتمال النقل بالمعنى أقلّ، ومن ثم زاد احتمال الوضع.

2- ألَّا يكون في الحديث ركاكة أو نحو ذلك، وإنما يشتمل على نمط من التركيب أو استخدام بعض المفردات التي نجزم بعدم عودها إلى عصر صدور النص، فمثلاً لو جرى استخدام مصطلحات فلسفية أو منطقية أو أصولية عرفها المسلمون في القرن الهجري الثاني أو الثالث أو الرابع، جرى استخدامها في رواية عن الإمام علي(عليه السلام) أو النبي محمد (عليه السلام)، ففي هذه الحال يكون ذلك دليل الوضع؛ لعدم إمكان صدور هذه التعابير آنذاك، لاسيما وأنّ السامعين لم يسألوا عن معناها.

ومثال ذلك، التعبير الوارد في كلام الإمام علي (عليه السلام) في رواية مرسلة عن المرأة بأنها: «ريحانة وليست بقهرمانة»[24]، فقد قيل بأنّ كلمة: «قهرمانة» كلمة تركية، واللغة التركية لم تغزُ اللغة العربية إلا في القرن الثاني الهجري، فكيف يقف الإمام علي قبل عام 40هـ لقول هذه الكلمة دون أن يسأله أحدٌ عنها؟!

ومن أمثلة ذلك عند بعضهم ما جاء في بعض خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) أو الإمام الصادق (عليه السلام) أو الرضا (عليه السلام)، وفيها مصطلحات ذات طابع فلسفي، وهي روايات ذات أسانيد مناقش فيها، مثل: «وكيف أصفه بالكيف؟! وهو الذي كيّف الكيف حتى صار كيفاً، فعرفت الكيف بما كيّف لنا من الكيف. أم كيف أصفه بأين؟! وهو الذي أيّن الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أيّن لنا من الأين. أم كيف أصفه بحيث..»، وقريب منه غيره[25].

وهذا النوع من أمارات الوضع يحتاج إلى تأمل كثير وخبرة طويلة وثقافة واسعة لاكتشافه وكشف مستوره.

3- مخالفة مضمون الحديث لظاهر القرآن الكريم دون أن يقبل تأويلاً مستساغاً في العرف وعند العقلاء[26]، وذلك أنه إذا أمكن الخروج بتوفيق عرفي بين نصّي الكتاب والسنّة لم تكن هناك حاجة لطرح الحديث وادّعاء أنّه موضوع، كما في قواعد الجمع العرفي التي حقّقها الأصوليون، لكن إذا استحكم التعارض لم يكن هناك مفرّ من طرح الخبر.

والمستند في ذلك الروايات العديدة -التي بحثناها بالتفصيل في مناسبة أخرى- والدالّة على لزوم عرض الحديث على القرآن وطرح ما خالف الكتاب دون حاجة إلى افتراض وجود تعارض بين روايتين في المرحلة السابقة، وهذه غير روايات الترجيح بين المتعارضين بموافقة الكتاب التي تنفع أيضاً في موردها.

وقد ذهبت بعض الآراء في فكر أهل السنّة إلى القول بأنّ هذه الأحاديث هي بنفسها موضوعة أو لا يمكن الأخذ بها، لاسيما وأنه ليس هناك في القرآن ما يدلّ على لزوم عرض الأحاديث عليه، فتكون هذه الأحاديث غير موافقة للكتاب.

لكن يناقش في محلّه بما نوجزه هنا، وهو أنّ بعض هذه الأحاديث لا بأس به سنداً، إلى جانب تعدّدها، إضافةً إلى أنها منسجمة مع المنطق العقلاني، فإنّ المنقولات التي تأتيك من المولى من الطبيعي أن ترفض إذا عارضت نصًّا قطعيًّا له من حيث الصدور، وحتى لو كان الكلامان ظنيّين من حيث الدلالة، فإنّ العقلاء يقدّمون حيثية السند على حيثية الدلالة ما دامت الدلالة واضحة ولو لم تبلغ مستوى النصية والصراحة المفيدة للقطع. من هنا، تأتي أهمية عرض الحديث على الكتاب، لاسيما وأنّ بعض روايات العرض على الكتاب في المصادر الشيعية ظاهرها نفي قول المعصوم ما خالف الكتاب، الظاهر في نفي حيثية الصدور لا الجهة، الأمر الذي يرفع من احتمال الوضع في الحديث المعارض للقرآن الكريم.

لكنّ القضية الأهم في موضوع معارضة الكتاب تظلّ في تحديد هويّة هذه المعارضة، وذلك أنّها تخضع عند كثير من العلماء لقانون النسب الأربع المنطقي، إذ يرى العلماء أنّ النسبة بين الحديث والقرآن لا تخرج عن حالات أربع هي:

أ- نسبة التساوي: فالنصّ القرآني يقول: تجب عمرة التمتع، والنص الحديثي يقول: عمرة التمتع واجبة، لا يزيدان عن ذلك ولا ينقصان بما يغيّر النتيجة، ومن الواضح هنا أنه لا يوجد اختلاف فيؤخذ بهما معاً دون أيّ محذور.

ب- نسبة العموم والخصوص المطلق: بأن يكون النص الكتابي أو الحديثي أوسع دائرةً من النص الآخر، وهنا يقدّم النص الأضيق دائرةً على ذلك الأوسع، بلا فرق بين كون الأوسع قرآناً أو حديثاً، وذلك لقانون الجمع العرفي عبر نظريات التخصيص والتقييد و..

ج- نسبة العموم والخصوص من وجه: بمعنى أن يكون هناك نقطة يتحدّثان معاً عنها، فيما يختصّ الحديث بنقطة أخرى لا يتحدّث عنها القرآن، ويختصّ القرآن بالحديث عن نقطة لا يتطرّق إليها هذا الحديث.

وهنا إن كانا متوافقين في نقطة الاشتراك فالأمر واضح؛ إذ لا معارضة، أما إذا كانا مختلفين فقد يقال بسقوط حجية النص القرآني والحديثي في هذه النقطة بالخصوص، وبقاء الحجية لهما في نقاط الامتياز، أي أنّ هناك نوعاً ممّا يسمّى بالتبعيض في الحجية، فحديث واحد نصفه حجة ونصفه غير حجة، وقد يقال بجريان أخبار الطرح في مادّة الاجتماع، ولهذا الموضوع دراسات مطوّلة لا تعنينا هنا.

د- نسبة التباين التام: بأن تقول الآية مثلاً: تجب صلاة الظهر، ويقول الحديث: لا تجب صلاة الظهر، ويتعذر الجمع العرفي بينهما، فهنا تقع المعارضة، ويقول العلماء: إنّ المفروض طرح الرواية جانباً لمعارضتها للكتاب.

هذا المنهج القائم على مقولة النسب الأربع المنطقية يقلّل كثيراً من مخالفة الحديث الموجود بين أيدينا للكتاب الكريم، إذ قلّما تجد نصًّا يباين مباينةً تامةً القرآن الكريم، بحيث تغدو المباينة صريحة وجريئة وواضحة لا مجال للتأويل العرفي فيها، خصوصاً في دائرة العمليات كالفقه والأخلاق، حيث يمنع الكثير من الأصولييّن عن مقولات اكتشاف الملاك و... فتبقى الأمور مفتوحة، كما أنّ الوضاعين لم يكونوا سذّجاً ليضعوا أحاديث تعارض القرآن بهذا الوضوح وبكثرة.

إلا أنّ السيد محمد باقر الصدر، وشاركه في الفكرة أمثال السيد محمد حسين فضل الله والسيد علي السيستاني و..[27]، ذهب إلى أنّ مخالفة الكتاب لا تعني ذلك، بل تعني مخالفة الروح العامة للقرآن الكريم، وما لا يكون له شبيه أو نظير في الكتاب.

ولأهمية هذه النظرية ننقل كلام السيد الصدر -بحسب تقريرات درسه- حين يقول: «لا يبعد أن يكون المراد من طرح ما خالف الكتاب الكريم، أو ما ليس عليه شاهد منه، طرح ما يخالف الروح العامة للقرآن الكريم، وما لا تكون نظائره وأشباهه موجودةً فيه، ويكون المعنى حينئذٍ لم يكن حجة، وليس المراد المخالفة والموافقة المضمونية الحدّية مع آياته، فمثلاً لو وردت رواية في ذمّ طائفة من الناس وبيان خسّتهم في الخلق أو أنهم قسم من الجن، قلنا: إنّ هذا مخالف مع الكتاب الكريم الصريح في وحدة البشرية جنساً وحسباً ومساواتهم في الإنسانية ومسؤولياتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم، وأما مجيء رواية تدلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً فهي ليست مخالفة مع القرآن الكريم، وما فيه من الحث على التوجه إلى الله، والتقرب منه عند كلّ مناسبة، وفي كل زمان ومكان، وهذا يعني أنّ الدلالة الظنية المتضمّنة للأحكام الفرعية فيما إذا لم تكن مخالفة لأصل الدلالة القرآنية الواضحة تكون -بشكل عام- موافقة مع الكتاب وروح تشريعاته العامة، خصوصاً إذا ثبتت حجيتها بالكتاب نفسه»[28].

ولا يجدر الاستهانة بنظرية كهذه. إذ إنها ستفسح المجال للإطاحة بعدد أكبر من نصوص السنّة انطلاقاً من معارضتها للقرآن، فما يتحدّث عنه الصدر من الرواية التي تذمّ طائفةً من الناس ليس مثالاً افتراضيًّا بل هو مثال وقعي، إذ هناك رواية في الأكراد وأنهم قوم من الجن كشف عنهم الغطاء[29]، وقد أفتى بعض الفقهاء بكراهة التزويج منهم بل والتعامل معهم اقتصاديًّا[30]، ومن الواضح أنّ هذه الرواية لو أردنا أن نتعامل معها طبق منهج التعارض السائد لقلنا: إنها -على أبعد تقدير- تخصّص أو تقيّد ما دلّ على إكرام كلّ بني آدم.

ونحن نعتقد بأنّ بعض الآراء غير المألوفة التي طرحها على سبيل المثال كلّ من الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ يوسف صانعي تعود إلى هذه النقطة بالذات لمن راجع مناهج بحثهم الفقهي وتطبيقاته، فالموضوع ليس موضوع جسم آية أو جسم رواية نتعامل حرفيًّا معهما، بل موضوع مضموني يعود لروح التشريع، فأنت تضع الرواية هنا أمام جماع معطيات النص القرآني، ولا تبحث عن آية خاصّة لتعطيك دلالة، فتقيس نسبتها إلى الرواية، وهذه النزعة المقاصدية والروحية في التشريع من شأنها أن تخلق ثورة في نهج التعامل مع السنّة، وإذا لم تكن فعلت ذلك مع الصدر، أو فعلته بشكل بسيط مع غيره، فإنّ ذلك ربما يعود لعدم الجرأة على تفعيل هذه المقولة، أو يعود لعدم وجود ضوابط محدّدة لها بعد، بصرف النظر عن أنّ هؤلاء العلماء قد أحسنوا الاستفادة من هذا الفهم الجديد الذي قدّمه السيد الصدر أم لم يحسنوا ذلك.

4- مخالفة مضمون الحديث للسنّة القطعية الصدور بظاهرها أو نصّها وصريحها[31]، بما لا يقبل التأويل المستساغ، فلو وردت رواية تجيز الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبرت موضوعةً؛ لتواتر الحديث الناهي عن الكذب عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكروا، وهكذا ما جاء في مقابل كلّ حديث متواتر أو معلوم النسبة للمعصوم.

والمدرك في ذلك عدم مناهضة الآحاد للمتواتر وفقاً للأصول العقلائية؛ فإنّ العقلاء لو بلغهم خبر بطريق ظني يناقض خبراً قطعي الصدور، ولم يكن هناك مجال للتوفيق بين الخبرين لا يعيرون الخبر الظني أيّ اعتبار، دون أن ينظروا إلى عنصر الدلالة، بل المهم عندهم ألَّا يكون الخبر القطعي الصدور مشتبه الدلالة مجملاً.

نعم، وفقاً لمبدأ التقية قد يقال بإمكان صدور خبرٍ مخالف للسنّة القطعية على نحو التقية، ومن ثم لا يحرز كونه موضوعاً حينئذٍ، فلابدّ من ملاحظة المعصوم الذي صدر الخبر منه في احتمال كون الخبر كان على نحو التقية أم لا، فلو نسب الخبر للنبي لم يكن معنى لاحتمال التقية وهكذا..

5- مخالفة مضمون الحديث للإجماع[32]، حيث ذكر بعض الباحثين أنّ هذه المخالفة تسقط قيمة الخبر.

والذي يبدو لنا أنّ الإجماع ليس حجّةً في نفسه، كما حقّق في علم أصول الفقه، خلافاً لما اشتهر في أصول الفقه السني، لهذا لا تكون له حجية إلا من باب كشفه عن قول المعصوم وموقفه، وهنا نقول: إذا كان هذا الإجماع ظنيًّا في كشفه لم يكن حجةً في نفسه، فضلاً عن أن نسقط به اعتبار روايةٍ حجّة في نفسها أو الحكم عليها بأنها موضوعة.

وأما إذا كان قطعيًّا في كشفه -وتحقّقه نادرٌ جدًّا؛ لاحتمال المدركية في أكثر الإجماعات حتى لو تحقّقت صغرى الإجماع- أمكن الحكم بالوضع، ما لم يطرأ احتمال التقية بالمعنى الذي أسلفناه آنفاً، أو يمكن إيجاد توفيق عرفي.

6- مخالفة مضمون الحديث لواضحات العقول والبديهيات التي لا تحتاج إلى نقاش[33]. ومثلوا له بخبر عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في المصادر السنّية، حيث قيل له: حدّثك أبوك عن جدّك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ سفينة نوح طافت بالبيت وصلّت خلف المقام ركعتين»؟ قال: نعم[34]. ونحو هذه الرواية خبر علي بن أبي حمزة في المصادر الشيعيّة قال: قال لي أبو الحسن(عليه السلام): «إنّ سفينة نوح(عليه السلام) كانت مأمورة طافت بالبيت... ثم رجعت السفينة وكانت مأمورة، فطافت بالبيت طواف النساء»[35].

وهذا المعيار واضح من حيث المبدأ، إلا أنّ الكلام في معنى العقل الذي إذا خالفته الرواية اعتبرت موضوعة، فمن الواضح أنّ البديهيات الواضحات التي لا يختلف فيها اثنان تعدّ مصداقاً أبرز وأوضح للعقل، وكذلك الأحكام الأولية للعقل العملي كحسن العدل وقبح الظلم. لكن متى يقوم الواضع بوضع حديث يعارض بكلّ بساطة بديهيات العقل بهذا المعنى؟!

من هنا، يحاول النقّاد أن يذهبوا إلى أنّ العقل هنا هو المنطق الطبيعي للأشياء، لا العقل النظري البديهي أو العملي الأولي فحسب. فهذه الرواية التي قرأناها قبل قليل -سواء بشكلها الوارد في المصادر السنية أو بطريقة بيانها الشيعي- لا تخالف العقل بهذا المعنى، لكن مع ذلك يقال بأنها تخالف العقل.

من هنا، يبدو أنّ المراد بالعقل كلّ عقل سليم يفهم منطق الأشياء ويحمل ذوقاً سليماً معتدلاً، مثلاً يمكن أن يكون النبي سليمان له ألف زوجة أو ألفين يجامعهنّ كل ليلة، فالعقل بالمعنى الأول لا يمانع ذلك، لكنّ العقل السليم الذي يملك ذوقاً لطبيعة الأشياء يرى ذلك غير صحيح، ما لم تأتِ الشواهد الداعمة على وجود إعجاز استثنائي في الأمر.

كذلك الحال على مستوى العقل العملي، فإذا جاءت رواية تجيز للأب معاقبة الابن بقضم لحمه بالمقاريض أو قطع إصبعه وهو لم يبلغ الحلم، فإنّ العقل هنا لا يقبل منطق هذا التشريع؛ لأنه يرى فيه ظلماً وجوراً، والله أجلّ من أن يظلم. وعلى هذا فقس، مثل ما جاء من أنّ بني إسرائيل كانوا يطهّرون لحومهم بالمقاريض عند إصابة البول، وأنّ الله وسّع على أمة محمد[36].

فالعقل هنا يؤخذ بمعناه الأعمّ من البديهيات الأولية، لكنّ خطورته أنه قد يلتبس أمر العقل الذوقي الفردي بالعقل السليم الموضوعّي الجمعي، فيسرع الإنسان إلى اتهام الحديث بالوضع لعدم مجيئه على ذوقه ومزاجه، إن في مضمونه الخبري أو في مضمونه التوجيهي؛ لهذا احتاج الأمر إلى صفاء ذهني وصناعةٍ للذوق السليم، وسعي للموضوعية والابتعاد عن التسرّع والابتسار والانحياز.

7- مخالفة الحديث للمشاهدة والتجربة وحقائق العلم والحياة[37]، وهذا عنوان يتصل بعض الشيء بمخالفة العقل بالمعنى الذي طرحناه.

فمقتضى التجربة وسنّة الحياة أن يحصل الإنسان على الدفء من خلال الحرارة، فالحصول عليه من خلال الثلج يحتاج إلى عناية استثنائية. ومقتضى طبيعة الأمور وسنّة الحياة أن يولد الابن من الأم الأنثى، أما مجيء رواية في كتاب الهفت والأظلّة تفيد أنّ الأوصياء يولدون من أمهات ذكور، فهذا أمرٌ يستحقّ الاستنكار[38].

ومن هذا المنطلق، مواجهة الأحاديث للحقائق العلمية الثابتة، فإنه إذا تناقض حديث مع هذه الحقائق يطرح، فالحديث الذي يُرجع المدّ والجزر إلى ملاك يضع رجله في البحر أو يرفعها يناقض أصول العلم في تأثير القمر على ذلك، وكذلك الأحاديث التي تجعل الرياح مسجونةً تحت الركن الشامي أو اليماني للكعبة، فإذا أراد الله أرسلها للجنوب أو الشمال[39]، وكذلك تفسير الزلازل بأنّ الله خلق الأرض على حوت، فقالت الحوت: حملتها بقوّتي، فأرسل الله إليها حوتاً قَدْر فتر، فدخلت منخرها، فاضطربت أربعين صباحاً، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضاً تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة[40].

وما ورد أن في الصين شجرة تحمل كلّ سنة ورداً يتلوّن كل يوم مرتين، فإذا كان أوّل النهار نجد مكتوباً عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وإذا كان آخر النهار فإنّا نجد مكتوباً عليه: لا إله إلا الله، علي خليفة رسول الله[41].

وعندما نقول بأنّ مخالفة الحقيقة العلمية أو المشاهدة والتجربة أو الحسّ والعيان وسنّة الحياة علامة الوضع، فهذا لا يعني الاستعجال بتهمة الوضع قبل التأكّد من الأمر، وأن تكون المعطيات العلمية حقائق وليست نظريات أو آراء أو وجهات نظر لم تبلغ مرتبة الحسم والقطع العلمي، وأن تكون نافيةً قطعاً لمدلول الراوية ولا يكفي أن يقول العلم أو المشاهدة أو التجربة: لم يثبت ذلك عندي؛ فإنّ عدم الثبوت لا يعني ثبوت العدم، فلعلّه أمرٌ واقع لم يبلغه العلم بعدُ، فلابدّ من التمييز بين هذه الأمور جيداً.

8- مخالفة الحديث للحقائق التاريخية، فإنه إذا تحدّثت رواية عن أمرٍ يخالف الحقائق التاريخية كان ذلك دليل كذبها ولو في الجملة، وقد اعتمد العلامة التستري على هذه القرينة في العديد من المواضع، مثل ما جاء في أنّ البراء بن معرور قد أكل بعد معركة خيبر ذراعاً مسمومةً مشوية، حيث اعتبر التستري هذه الرواية موضوعةً؛ لأنّ البراء مات قبل الهجرة[42].

ومن أمثلة ذلك ما ذكره العلامة الطباطبائي من الردّ على الرواية الواردة عن عبدالله?بن الزبير عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إنّما سمّى الله البيت العتيق؛ لأنّ الله أعتقه من الجبابرة، فلم يظهر عليه جبار قط»[43]، وقد علّق الطباطبائي بقوله: «أما هذه الرواية فالتاريخ لا يصدّقها، وقد خرّب البيت، ثم غيّره عبد الله بن الزبير نفسه، ثم الحصين بن نمر... ويمكن أن يكون مراده عما مضى على البيت»[44].

ومن أمثلة ذلك رواية شهر بن حوشب الواردة في الكافي من أنّه سأله الحجاج عن خروج النبي إلى مشاهده؟ فقال: شهد رسول الله بدراً في ثلاثمائة، وشهد أحداً في سبعمائة، وشهد الخندق في تسعمائة، فقال: عمّن؟ قلت: عن جعفر بن محمد(عليه السلام) فقال: ضلّ والله من سلك غير سبيله»[45].

وقد علّق العلامة التستري بأنّ الحجّاج توفي عام 95هـ، وإمامة الصادق(عليه السلام) كانت عام 114هـ؛ لهذا يبعد تصديق الخبر[46].

لكن توجد إشكالية مهمّة هنا وقع فيها غير واحد من ناقدي الحديث، وهي أنّ التاريخ الذي نعتمد عليه في نقد الحديث يجب أن يكون مؤكّداً، لا أن يكون ثابتاً بخبر آحادي مماثل للخبر الذي نريد توجيه النقد إليه؛ وإلا فكما يمكن كذب الخبر الأول كذلك الثاني وبالعكس، فلا يصحّ الاستعجال هنا أيضاً، بل لابدّ من التريث للترجيح.

9- أن يكون مضمون الحديث بحيث تكثر الدواعي إلى نقله، ولو كان لبان، فإنّ عدم وروده إلا في رواية أو روايتين دليل كذبه[47]، وهذا منطق عقلائي يستخدمه العقلاء في حياتهم، فلو ادّعت رواية أن الإمام الحسين(عليه السلام) ظلّ حيًّا إلى وصولهم إلى الشام وأن يزيد?بن معاوية أعدمه في الشام، فلا يمكن تصديقها، بصرف النظر عن حقائق التاريخ الأخرى؛ لأنه لو كان هذا صحيحاً لنقل وعرف واشتهر لكثرة الدواعي لنقل أحداث الحسين(عليه السلام) عند المسلمين، فكيف لم يروِ هذا الخبر غير واحد أو اثنين؟!

10- أن يشتمل الحديث ثواباً عظيماً على أمرٍ بسيط، أو عقاباً هائلاً على معصية صغيرة[48]، فهنا تشمّ رائحة الوضع، كأن يقول: من رفع الأذى من الطريق ولو مرّة كان له ثواب جميع الأنبياء، فإنّ هذا الأمر لا يمكن تصديقه، أو يقول: من نظر نظرة حرام خلّد في جهنّم ولم يقبل الله له توبةً قط.

إنّ هذا النوع من الروايات كثيرٌ في الفضائل وعند القصّاصين أيضاً، ويحتاج إلى حذر شديد كي لا يقع الباحث في شرك وضّاع ذكي.

هذه هي أهمّ علامات الوضع في الحديث، وأما ما ذكر غيرها فهو راجع إليها لا حاجة إلى إفراده بعنوانه، بل لا خصوصية تقتضيه، مثل ما فعله الدكتور الفضلي من علامات إضافية، كاشتمال المتن على الإسرائيليات المخالفة للعقيدة الإسلامية، أو اشتماله على فكرة من أفكار الغلو، أو احتوائه منقبة أو مثلبة لمن ليس لها بأهل أو بمستحقّ، أو الإشارة إلى معجزة أو كرامة في موقف لا يتطلّبه[49]، وغيرها من الموارد[50].

فإنّ الأولى لا موضوعية لها؛ لرجوعها لمخالف العقل والكتاب والسنّة؛ لأن هذا هو معيار مخالفة العقيدة، والثانية لا موضوعية لها كالأولى؛ لأنّ هذه الثلاثة هي المعيار في تحديد الغلوّ أو التقصير، والثالثة تفترض علماً مسبقاً بعدم الأهلية أو الاستحقاق ولا يكون إلا بحسّ أو تجربة أو كتاب أو سنة أو تاريخ أو نحو ذلك، والرابعة محض تأوّل؛ فإنّ المعجزة غير مشروطة -عقلاً ولا شرعاً- بموارد الحاجة بحسب فهمنا نحن للحاجة، بل الكرامة في ذلك أوضح.

الخاتمة

ظهر من مطاوي ما أسلفناه أهمية دراسة الوضع والحديث الموضوع، ورأينا كيف أنّ هذا الأمر يكاد لا يخلو منه كتاب في الحديث، وأنّ الأهم من كل شيء أن يملك المشتغل بالحديث ثقافةً وخبرة وحسًّا تسمح له مع اجتماعها بالتقاط عناصر القوة والضعف في هذه الرواية أو تلك، كي لا يطيح بحديث قد صدر واقعاً، نتيجة استعجاله الأمور أو حرقه المراحل، ولا تنطلي عليه كذبة كاذب فيُدخل في الدين ما ليس منه.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظر: الذريعة 2: 11، و20: 8، و24: 303، و26: 212.

[2] رضا أستادي، سخنى درباره الأخبار الدخيلة، مجلّة: آيينه بزوهش (الفارسية)، العدد 33: 16.

[3] انظر: حيدر حب الله، نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 200 - 202.

[4] انظر: الفضلي، أصول الحديث: 210 - 213.

[5] انظر: المصدر نفسه: 212 - 213.

[6] سخني درباره الأخبار الدخيلة، مجلّة آيينه بزوهش، العدد 33: 16.

[7] المصدر نفسه: 15.

[8] هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار: 88 - 89.

[9] أقصد هنا الاتجاهات الكلاسيكية الممتدّة عبر الزمن، لا الحركة النقدية المتأخرة.

[10] المصدر نفسه: 18.

[11] انظر: محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث: 432؛ والفضلي، أصول الحديث: 206 - 207؛ وصبحي الصالح، علوم الحديث ومصطلحه: 283؛ ومقباس الهداية 1: 400 - 401؛ والمنهل الرويّ: 54.

[12] انظر: دروس في وضع الحديث: 154 - 155؛ وتدريب الراوي 1: 232.

[13] انظر: البخاري، التاريخ الصغير 2: 192؛ وابن عدي، الكامل 5: 24؛ وابن الجوزي، الموضوعات 3: 254 و...

[14] صحيح مسلم 1: 56؛ وانظر: الجرح والتعديل 7: 263؛ وتاريخ مدينة دمشق 53: 77 و..

[15] راجع: الخطيب، أصول الحديث: 432 - 433؛ والكفاية: 147 - 148 وتدريب الراوي: 232 - 233؛ ومقباس الهداية 1: 402.

[16] راجع: تاريخ بغداد 4: 397 - 398.

[17] محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث: 433.

[18] انظر: دروس في وضع الحديث: 156 - 157؛ والكفاية في علم الرواية: 168 - 170.

[19] انظر: صبحي الصالح، علوم الحديث ومصطلحه: 285؛ والفضلي، أصول الحديث: 207.

[20] راجع: دروس في وضع الحديث: 157 - 158.

[21] انظر: الفضلي، أصول الحديث: 207.

[22] راجع: تدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 402 - 403.

[23] راجع: الخطيب، أصول الحديث: 433؛ والصالح، علوم الحديث: 283 - 284؛ وتدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 403 - 404.

[24] نهج البلاغة 3: 56؛ والكافي 5: 510؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 556، و4: 392؛ وتحف العقول: 87؛ وخصائص الأئمة: 118.

[25] الكافي 1: 103 - 104، 138؛ والصدوق، التوحيد: 61، 115 و..

[26] تدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 404؛ والفضلي، أصول الحديث: 207؛ والخطيب، أصول الحديث: 434.

[27] الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 333 - 335؛ ومباحث الأصول 5: 652 - 653؛ والسيستاني، الرافد في علم الأصول 1: 11 - 12؛ وانظر: هاشم معروف الحسني، دراسات في الحديث والمحدّثين: 314؛ ولاحظ -لمزيد من الاطلاع- كلام: حسين إمامي كاشاني، أصول الإمامية: 46 - 47.

[28] الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 333 ـ 334.

[29] الكليني، الكافي 5: 352؛ وتفصيل وسائل الشيعة 20: 83 - 84.

[30] انظر على سبيل المثال: الحلي، الجامع للشرائع: 245؛ والشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 186.

[31] انظر: الفضلي، أصول الحديث: 207؛ وتدري الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 404.

[32] تدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 404؛ ومحمد عجاج الخطيب، أصول الحديث: 434، 435.

[33] انظر: الصالح، علوم الحديث: 284 - 285؛ والفضلي، أصول الحديث: 207؛ وتدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 404.

[34] انظر: كنز العمال 5: 55؛ ومصنف الصنعاني 5: 94؛ وإرواء الغليل 5: 322؛ وابن الجوزي، الموضوعات 1: 100؛ وتهذيب التهذيب 6: 162.

[35] تفصيل وسائل الشيعة 13: 300.

[36] انظر: تفصيل وسائل الشيعة 1: 134.

[37] تدريب الراوي 1: 233؛ ومقباس الهداية 1: 404.

[38] راجع: الفضلي، أصول الحديث: 208 - 209.

[39] كتاب من لا يحضره الفقيه 2: 193.

[40] المصدر نفسه 1: 542 - 543.

[41] بحار الأنوار 42: 18.

[42] الأخبار الدخيلة: 163.

[43] النيسابوري، المستدرك 2: 389.

[44] الميزان 14: 379.

[45] الكافي 5: 46.

[46] الأخبار الدخيلة: 11.

[47] مقباس الهداية 1: 404.

[48] انظر: الخطيب، أصول الحديث: 436؛ والصالح، علوم الحديث: 285؛ ومقباس الهداية 1: 404.

[49] عبد الهادي الفضلي، أصول الحديث: 209.

[50] انظر: المامقاني، مقباس الهداية 1: 405 (الهامش).








 
قديم 08-12-13, 11:22 AM   رقم المشاركة : 2
طلال الراوي
موقوف








طلال الراوي غير متصل

طلال الراوي is on a distinguished road


بارك الله فيك

ايضا خطيبهم فاضل المالكي قال الوضع عندنا كثير







 
قديم 27-12-13, 08:05 AM   رقم المشاركة : 3
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


فوائد مهمه .من المحقق الشيعى .هاشم معروف الحسني

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=168185


المعمم الرافضي فاضل المالكي يعترف أن رواة الشيعة يلفقون الروايات ويضعونها بكتبهم

http://www.youtube.com/watch?v=COi6BpLIFis

الشيخ كمال الحيدري روايات إسرائيلية تسربت إلى الموروث الروائي الشيعي

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=165232







 
قديم 14-10-14, 09:35 PM   رقم المشاركة : 4
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


اعتراف الشيخ الشيعي الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني
عن

الصحاح الستة \

الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني

هذه الدراسة نموذج لاهتمام علماء الشيعة بالمجاميع الحديثية عند أهل السنة. وهذا الاهتمام ينطلق من اهتمامهم بفهم السنّة التي تشكل مع القرآن الكريم أساس المنهج الاسلامي للحياة الفردية والاجتماعية. والاستاذ الباحث يقارن في هذا المقال بين صحيح البخاري وسائر الصحاح الستّة ويخرج نتائج مفيدة للباحثين في حقل السنة النبوية الشريفة.
اشتهرت بين الكتب ومجاميع الحديث النبوي الشريف، قديما وحديثا، ستة من الكتب باسم "الصحاح الستة" اتفق علماء الجمهور من أهل السنة على صحتها والاستناد إليها حسب مراتبها.
في هذا البحث المتواضع بعنوان "دراسة مقارنة بين صحيح البخاري وسائر الصحاح الستة" أقارن بينها من حيث المؤلفين، وما بينهم من العلاقة والصلة، ومن حيث مرتبتها من الصحة والاعتبار، وكذلك عدد رواتها المشتركين بينها والمختص ببعضها، والطريق إليها إلى غير ذلك من المناسبات.
والهدف من ذلك، التركيز على موضع صحيح البخاري بين تلك الكتب وفضله عليها. وسأكتفي في بحثي هذا بما ذكره كبار أهل السنة والخبراء منهم ولا أتجاوزهم إلى أقوال الآخرين مناقشة ونقدا.
أولا - المؤلفون
أولهم: الإمام الحافظ أبو عبد اللّه، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن برْدزْبه، الجعفي بالولاء. ولد ببخارى عام ١٩٤هـ وتوفي بـ "خرتنك" قرب "سمرقند" عام ٢٥٦ هـ وله من العمر ٦٢ سنة وهو من أسرة من الايرانيين، وأول من أسلم من آبائه هو جد والده "المغيرة" أسلم على يد سليمان - أو البيان - الجعفي والي بخارى يومئذ "فنسب" إليه بالولاء [٢].
وجعفي - بياء النسبة - أبو قبيلة من اليمن [٣] وكان والده إسماعيل أهل العلم.
وقد بدأ البخاري دراسة الحديث في سن مبكرة ولم يتجاوز الحادية عشرة، ولما بلغ السادسة عشرة حج وحضر عند أشهر شيوخ الحديث في الحرمين الشريفين، ثم رحل الى مصر وغيرها من البلدان، فصرف ستة عشر عاماً في طلب الحديث بين ربوع آسيا، ثم عاد إلى مسقط رأسه [٤]، واشتغل بالتأليف ونشر الحديث، وأهم أعماله العلمية التي اشتهر بها جامعه الصحيح. وكان يقال للبخاري: "أمير المؤمنين في الحديث" [٥].
ثانيهم: الحافظ الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري [٦]، من بني قشير قبيلة من العرب معروفة [٧].
ولد سنة ٢٠٦، وتُوفي سنة ٢٦١ وعمره ٥٥ عاما - كلاهما في نيسابور - رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر وأخذ الحديث عن الشيوخ، وقدم بغداد غير مرة، وحدّث بها، وروى عنه خلق كثير [٨] وألف صحيحه، ورجع الى نيسابور وتوفي هناك، وفيها التقى بالبخاري لما هاجر من بخارى إليها [٩] ولازمه.
ثالثهم: الحافظ الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث، بن إسحاق، بن بشير، بن شداد، بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني [١٠]. والأزدي يشعر بأنه من "الأزد" قبيلة من العرب، والسجستاني مشعر بأنه من أهالي سجستان منطقة في جنوب خراسان وشمال السند.
ولد سنة ٢٠٢، نزل البصرة وتوفيّ بها سنة ٢٧٥ وعمره ثلاث وسبعون سنة.
وكان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودلّه وسمعته [١١] رحل في طلب الحديث، والتقى بجماعة من الشيوخ، وسمع بخراسان، والعراق، والجزيرة، والشام، والحجاز، ومصر، وروى عنه كثيرون منهم الترمذي والنسائي [١٢] وقدم بغداد، وروى بها كتابه المصنف في السنن، ونقلها أهلها عنه وقد صنفه قديما، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجابه وأحسنه [١٣].
رابعهم: الإمام الحافظ، أبو عيسى محمد، بن عيسى، بن سورة، بن موسى، بن الضحاك السلمي الترمذي. ولد بـ "بوغ" من ضواحي ترمذ، عام٢٠٩ وتوفي بـ "ترمذ" سنة ٢٧٩، وله من العمر سبعون سنة [١٤]، ولقبه (السُّلَمي) مشعر بأنه من بني سليم أو سُلَّم قبيلة عربية.
وقال الترمذي: كان جدي مروزيا، انتقل من "مرو" أيام الليث بن سيّار، [١٥] وترمذ - وزان "إثمد" بكسر التاء والميم هوالمعروف المشهور على الألسنة [١٦] وقيل غير ذلك.
أخذ الحديث عن جماعة من أئمة الحديث، ولقي الصدر الأول من المشايخ، منهم محمد بن إسماعيل البخاري وأخذ عن خلق كثير لا يحصون كثرة. وأخذ عنه أيضا خلق كثير، منهم محمد بن أحمد، بن محبوب المحبوبي المروزي ومن طريقه روينا كتابه [١٧]. وتوفي المحبوبي عام ٣٤٦ [١٨].
قال الترمذي: صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم [١٩]. وكان بينه وبين البخاري علاقة خاصة سنذكرها.
خامسهم: الإمام الحافظ أبو عبد الله، محمد بن يزيد، بن ماجه، الربعي بالولاء، القزويني، مولى ربيعة. ولد سنة ٢٠٦، وتوفي سنة ٢٧٣ - كلاهما بقزوين على مايشعر به هذا الانتساب - ارتحل إلى العراق، والبصرة، والكوفة، وبغداد، ومكة والشام، ومصر، والري فكتب الحديث. وماجه وماجة، بالهاء والتاء كلاهما الصواب [٢٠].
وقد أتعب محمد فؤاد عبد الباقي نفسه في ضبط "ماجه" بتتبع النسخ، وقال: لم يكن تضارب الأقوال في تحقيق هذا اللفظ بأقلّ من تضاربهم في قيمة السنن ومنزلتها من الكتب الخمسة [٢١]، كما ذكر عن الرافعي الخلاف في أن "ماجه" - وهو اسم فارسي - لقب له، أو هو اسم جده، والأول أثبت [٢٢].
وقد عرض إبن ماجه هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها [٢٣].
سادسهم: الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب، بن علي، بن بحر، بن سنان النسائي. ولد سنة ٢٢٥ - لعله بنسا - ومات بمكة سنة ٣٠٣، ودُفن بها. وهو أحد الأئمة الحفاظ العلماء، لقي المشايخ الكبار، وأخذ الحديث عنهم، ومنهم أبو داود، سليمان بن أشعث السجستاني وأخذ عنه الحديث خلق كثير، منهم أبو بكر احمد بن إسحاق السني الحافظ، ومن طريقه روينا كتابه السنن [٢٤].
وقال الحاكم النيسابوري: أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر، ومن نظر في كتابه السنن تحيّر في حُسن كلامه [٢٥].
ثانيا - العلاقات بينهم
لم نطّلع على اتصال بعضهم ببعض أيام أخذ الحديث، أما بعدها فقد وقع اللقاء بين البخاري ومسلم، فان البخاري لما أنكر الناس عليه قوله: "إن لفظي بالقرآن مخلوق" ببخارى غادرها إلى نيسابور عام ٢٥٠ هـ - أي قبل موته بست سنين - واستقبله الناس والعلماء بنيسابور بمالم يسبق له نظير من الإجلال والتكريم، ومكث بها خمس سنين، فاتصل به مسلم وأخذ عنه واستفاد منه ولازمه إلى آخر بقائه بنيسابور، حتى أن مسلما قطع اتصاله بشيخه محمد بن يحيى الذهلي لما خالف ونازع البخاري في قوله "إن لفظي بالقرآن مخلوق" وقد فاه به البخاري في نيسابور أيضا. وقام الناس والعلماء ضده فترك على أثره هذه البلدة راجعا إلى بلده بخارى [٢٦].
قال الخطيب البغدادي: إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه وحذا حذوه [٢٧]. وقال إبن الأثير: "لمّا ورد البخاري بنيسابور في آخر مرّة لازمه مسلم، وأدام الاختلاف إليه، وقال الدار قُطني: لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء [٢٨].
وقال صاحب التاج: وكان مسلم إذا دخل عليه قبّل يده وقال له: يا طيب الحديث [٢٩]. هذا ماكان بين البخاري ومسلم.
وأما اتصال الترمذي بالبخاري فقد أخذ عن البخاري كثيراً ونظر هو في كتاب الترمذي وصحّحه، والترمذي ينقل آراء البخاري كثيراً في أثناء كتابه ويعتمد عليها مثل قوله في باب "تخليل اللحية في الوضوء": وقال محمد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب، حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان [٣٠] وقال في "باب السواك": وأما محمد بن إسماعيل فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح (٣١).
ومع ذلك كله لم نقف على رواية الترمذي الحديث عن البخاري في صحيحه، وإنما يروي قوله في تصحيح الأحاديث فحسب.
وجاء في التّاج: (٣٢) وكان الترمذي يسأله عن أحاديث مرة بعد أخرى. والذي يلفت النظر ما نقله الحاكم النيسابوري عن أحد شيوخه قال: مات محمد بن إسماعيل البخاري ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد (٣٣). وقال أحمد شاكر: والترمذي تلميذ البخاري وخريجه، وعنه أخذ علم الحديث وتفقّه فيه، ومَـرَن بين يديه، واستفاد منه، وناظره فوافقه وخالفه (٣٤). وأهمّ من ذلك كله مانقل عن الترمذي: أن محمد بن إسماعيل قال لي: ما انتفعتُ بك أكثر مما انتفعتَ بي (٣٥).
وقد شهد له البخاري شهادة قيمة، فسمع منه حديثا واحدا كعادة كبار الشيوخ في سماعهم ممن هو أصغر منهم (٣٦). وقد ولد البخاري قبل مسلم باثنتي عشرة سنة ومات قبله بخمس سنين. وولد الترمذي بعد البخاري بخمس عشرة سنة، ومات بعده بنفس هذه المدة. وولد بعد مسلم بثلاث سنين، وتوفي بعده بعشر سنين.
وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهالي خراسان، فولدوا وعاشوا وماتوا فيها: مسلم بنيسابور والبخاري والترمذي كلاهما بماوراء النهر - وكانت يوم ذاك تعد جزء من خراسان - وقد ارتحلوا في طلب الحديث، وعادوا إلى مواطنهم، كما أنهم اشتركوا في أخذ الحديث عن ابن حنبل وعن جملة من الشيوخ سنذكرهم.
أما أبوداود فلم نقف على اتصاله بالبخاري ومسلم أو روايته عنهما، وإنما شاركهما في كثير من الشيوخ منهم أحمد بن حنبل (٣٧). كما أن الترمذي ومسلما، والنسائي كانوا من جملة أشهر من روى عن البخاري (٣٨). وروى عن مسلم كثيرون منهم الترمذي وأبو حاتم الرازي…. وآخر من روى عنه الصحيح منصور بن محمد البزّدوي (٣٩).
وروى مسلم عن أحمد بغير واسطة بينهما، وروى البخاري عن أحمد بن الحسن الترمذي عن أحمد حديثا واحدا في آخر المغازي في مسند بريدة. وقال في كتاب الصدقات - وقد ذكر حديثا - : وزادني أحمد بن حنبل عن محمد بن عبد الله الأنصاري. وقال في كتاب النكاح: قال لنا أحمد بن حنبل (رحمه الله)، ولم يقل: حدثنا أو أخبرنا…. (٤٠)
ومن وجوه العلاقة بين أصحاب الصحاح استنادهم إلى الإمام مالك فإن مشايخ أصحابها ومن عاصرهم كالإمام أحمد في مسنده، أغلبهم تلامذة مالك الذين رووا عنه الموطّأ بروايات عديدة، قل أن تخلو واحدة منها عن زيادة متفرد بها، ولم يتركوا شيئا من أحاديث الموطّأ، بل أخرجوها في مصنفاتهم، ووصلوا كثيراً من مرسلاته ومنقطعاته وموقوفاته (٤١).
وفي هذا الصدد قال بعض الفضلاء: اختار أحمد بن حنبل في مسنده رواية عبد الرحمن بن مهدي، والبخاري رواية عبد الله بن يوسف التنيسي، ومسلم رواية يحيى بن يحيي التميمي النيسابوري، وأبو داود رواية القعنبي، والنسائي رواية قتيبة بن سعيد - قالوا: وهذا أغلبي - قال الشنقيطي: ومن هذا يعلم بالضرورة أن أصحاب كتب الحديث المعتبرة كلهم عالة على مالك وأصحابه، وهو شيخ الجميع…. (٤٢)
ونقول: بهؤلاء الرواة عن مالك استغنى أصحاب الصحاح عن الرواية عن مالك بطريق أحمد لأنها تتطلب الوساطة بينهم وبين مالك بشخصين: هما أحمد وعبد الرحمن بن مهدي، مع أن الرواية عن مالك عن طريق هؤلاء تكون بواسطة واحدة.
ويروي أبو داود في سننه كثيراً عن الإمام أحمد الحديث، وأشياء أخرى: قال في "باب ما يجزي من الماء في الوضوء": سمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع خمسة أرطال، وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النبي (صلى الله عليه وآله) (٤٣). وقال في "باب مقدار الماء الذي يجزي في الغسل": سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلا…. (٤٤) ثم ذكر مقدار الصاع والرطل نقلا عن أحمد.
وأما أبو داود فلم يكن من خراسان، ولا نعلم أين ولد - ولعله ولد بسجستان - لكنه نزل البصرة وعاش ومات فيها. وقد ولد بعد البخاري بثماني سنين، ومات بعده بتسع عشرة سنة، وولد قبل مسلم بسنتين، ومات بعده بأربع عشرة سنة، وولد قبل الترمذي بسبع سنين، ومات قبله بأربع سنين.
وأما ابن ماجة فلا نعرف شيئا من اتصاله بالآخرين، سوى مشاركته معهم في عدد من الشيوخ. وقد ولد في نفس السنة التي ولد فيها الترمذي أي عام ٢٠٩، وتوفي قبله بست سنين، وولد بعد البخاري بخمس عشرة سنة، ومات بعده بسبع عشرة سنة، وولد بعد مسلم بخمس سنين، ومات بعده باثنتي عشرة سنة، وولد بعد أبي داود بسبع سنين، ومات قبله بسنتين.
وأما النسائي فقد تقدّم أنه أخذ الحديث عن البخاري وأبي داود، ولا نعلم أخذه عن الآخرين من أصحاب الصحاح، وقد ولد بعد البخاري باحدى وعشرين سنة، ومات بعده بسبع وأربعين سنة، وولد بعد مسلم بإحدى عشرة سنة، ومات بعده باثنتين وأربعين سنة، وولد بعد الترمذي بست سنين، ومات بعده بأربع وعشرين سنة، وولد بعد أبي داود بثلاث عشرة سنة، ومات بعده بثمان وعشرين سنة.
ثم إن ماثبت لدينا من قومية هؤلاء الستة أن اثنين منهم إيرانيان: البخاري من ماوراء النهر، جعفي ولاء، وابن ماجه من قزوين، ربعي ولاء، وثلاثة منهم عرب في الأرومة وإيرانيون في المولد: مسلم قشيري نيسابوري، وأبو داود أزدي سجستاني، والترمذي سلمي من ترمذ، ولا نعرف عن النسائي سوى أنه منسوب إلى "نسا" - بفتح النون - وهي مدينة بخراسان بينها وبين سرخس - يومان (٤٥). فينبغي للايرانيين في ما وراء النهر عامة ولأهل خراسان خاصة المباهات بهم لأنهم جميعا نشأوا في هذه المنطقة وخمسة منهم سوى ابن ماجة من خراسان القديمة بما فيها ماوراء النهر.
وكل هؤلاء من مواليد ومتوفي المائة الثالثة، إلا البخاري فمن مواليد آخر المائة الثانية، وإلا النسائي فمن وفيات أول المائة الرابعة.
والذي يُلفت النظر أن المائة الثالثة كانت أخصب القرون للحديث النبوي الشريف ولاسيما في فارس وما وراء النهر.
ويطيب لي أن أحكي لكم كلاماً بشأن خمسة من هؤلاء - أي سوى ابن ماجة - عن الشيخ منصور علي ناصف صاحب كتاب "التّاج الجامع للسنن" الذي جمع فيه أحاديث خمسة من الصحاح، قال في مقدمة كتابه: النسائي بلده الأصلي نسا، ومسلم من نيسابور، وكلاهما بـإقليم خراسان، والبخاري من بخارى، والترمذي من ترمذ، وكلاهما بـإقليم ماوراء النهر، وأبو داود من سجستان بـإقليم السند. وهذه أقاليم أعجمية فارسية، شرق الخليج الفارسي، الا أن السند بازاء مدينة "نصار"! وخراسان وماوراء النهر ماثلان إلى الشمال، كما في خريطة الممالك الإسلامية للمرحوم أمين بك واصف. فليس فيهم عربي، ولا من جزيرة العرب إلا مسلما فإنه قشيري من أحد قبائل العرب. ولكن الله ألان لهم علم الحديث، كما ألان الحديد لداود (عليه السلام). وهؤلاء الأئمة كانوا يتعبّدون على مذهب الشافعي (رضي الله عنه)، إلا البخاري فلم يُعلم مذهبه.
وقد اشتركوا في أخذ العلم عن شيوخ معلومة، فإنهم كانوا في عصر واحد، وهو القرن الثالث الذي ظهرت فيه شمس الحديث وبسطت أنوارها على الأرض بمن فيها، ولكن مسلما والترمذي كانا كثيري الاجتماع بالبخاري رضي اللّه عنهم - انتهى.
ونحن لا نوافقه في قوله: "ليس فيهم عربي سوى مسلم" فقد استظهرنا من سياق التراجم أن الترمذي سُلميّ وأبا داود أزدي فأصلهما عربي.
ثالثا - عدد شيوخهم المشتركين بينهم
ويكفينا في هذا المجال الأستاذ أحمد شاكر في مقدمته القيّمة لصحيح الترمذي إذ قال: وقد روى هؤلاء الأئمة الستة عن شيوخ كثيرين، فتفرد بعضهم بالرواية عن بعض الشيوخ، واشترك بعضهم مع غيره عن آخرين، واشتركوا جميعاً في الرواية عن تسعة شيوخ فقط وهم:
محمد بن بشار بُندار: ولد سنة ١٦٧ ومات سنة ٢٥٢.
محمد بن المثنّى: ولد سنة ١٦٧ ومات سنة ٢٥٢.
زياد بن يحيى الحَسّاني: مات سنة ٢٥٤.
عباس بن عبد العظيم العنبري: مات سنة ٢٤٦.
أبو سعيد الأشجّ عبد اللّه بن سعيد الكندي: مات سنة ٢٥٧.
أبو حفص عمر بن علي الفَلاس: ولد بعد سنة ١٦٠ ومات سنة ٢٤٩.
يعقوب بن إبراهيم الدورقي: ولد سنة ١٦٦ ومات سنة ٢٥٢.
محمد بن مَعمَر القيسي البحراني: مات سنة ٢٥٦.
نصر بن علي الجَهْضمي: مات سنة ٢٥٠.
وقال: وقد أدرك أبو عيسى الترمذي شيوخاً أقدم من هؤلاء وسمع منهم وروى عنهم في كتابه هذا: أي في صحيحه وسمّاهم: ثم قال وكثير منهم من شيوخ البخاري (٤٦).
رابعاً - عدد الصحاح في البخاري
عدد أحاديث صحيح البخاري غير المكرر أربعة آلاف حديث كما قال الإمام النووي، وقال الحافظ ابن حجر عدد مافيه بدون المكرر والموقوف والمعلّق ألفان وسبعمائة وإثنان وستون فقط (٤٧).
هذا رأيهما، والعجيب بعد ذلك الاختلاف البين في عدد أحاديثه عند الآخرين، فعن ابن الصلاح أنها مع المكررات (٧٢٧٥) سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وتبعه النووي وابن تيمية، وقال ابن خلدون في المقدمة أنها ٩٢٠٠ تسعة آلاف ومائتان. وقد خطأوه وظنوا أنه تبع النووي إلا أنه ذكر تسعة آلاف مكان سبعة آلاف خطأ.
وقد قال ابن حجر بعد أن عدّد الأبواب أنها مع حذف المكررات ٣٦٠٢ - كما حكينا عن النووي - ويضاف اليها ١٥٩ حديثا معلقا مرفوعا، و١٣٤١ حديثا معلقات. ثم قال: جميع أحاديثه مع المكررات تبلغ ٩٠٤٢ تسعة آلاف واثنين وأربعين حديثا في ٣٤٥٠ بابا نقلت عن ٢٨٩ شيخا اختص منهم البخاري عن مسلم بـ ١٣٤ شيخا. ويعلم من هذا أن كلام ابن خلدون لم يكن خطأ (٤٨).
قال البخاري: خرجت كتابي هذا من زهاء ستمائة ألف حديث (٤٩). وقال مسلم: صنّفت كتابي هذا من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة… وعدد مافيه أربعة آلاف حديث (٥٠). وهذه من دون المكرّرات وأما معها فعددها ٧٢٧٥ سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا والتكرار فيه أقل من البخاري (٥١). وعدد أحاديث كتاب الترمذي فوق خمسة آلاف حديث (٥٢). وأما أبو داود فقال: كتبت عن رسول (صلى الله عليه وآله) خمسمائة ألف حديث، فانتخبت منها أربعة آلاف وثمانمائة ضمنتها هذا الكتاب، ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه… (٥٣)
وأما سنن ابن ماجه فرقم أحاديثه المسلسلة بلغ ٤٣٤١ حديثاً في الطبعة التي قام محمد فؤاد عبد الباقي بتصحيحها وترقيمها (٥٤). وقال هذا الأستاذ في خاتمة السنن: من هذه الأحاديث ٣٠٠٢ ثلاثة آلاف وحديثين أخرجها أصحاب الكتب الخمسة كلهم أو بعضهم، وباقي الأحاديث وعددها ١٣٤١ الف وثلثمائة وواحد وأربعين حديثاً الزوائد على ماجاء في الكتب الخمسة…. (٥٥).
ولا يحضرنا الآن رقم أحاديث النسائي، ولاهي مذكورة في مقدمة كتابه، وليس مرقما.
خامساً: تقويم هذه الصحاح
قال ابن الأثير: البخاري ومسلم أثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله… وسمّيا كتابيهما الصحيح من الحديث وأطلقا هذا الاسم عليهما وهما أول من سمّى كتابه بذلك (٥٦).
وقد بحثوا كثيرا في التفاضل بين هذين الصحيحين واختلفوا فبعضهم رجّح البخاري وبعضهم مسلما وفي مقدمة شرح النووي لصحيح مسلم بعد أن أشار إلى دقائق مافي صحيح مسلم قال: وعلى الجملة فلا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصنعة الإسناد، وهذا عندنا من المحقّقات التي لاشك فيها للدلائل المتظافرة عليها ومع هذا فصحيح البخاري أصح وأكثر، فائدة هذا هو مذهب جمهور العلماء، وهو الصحيح المختار، لكن كتاب مسلم في دقائق الأسانيد ونحوها أجود (٥٧).
وقال النووي: اتفق العلماء رحمهم اللّه على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة - ألى أن قال - وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار قاله الجماهير وأهل الاتقان والحذق والغوص في أسرار الحديث - الى أن قال - ومما ترجّح به كتاب البخاري أن مسلما (رحمه الله) كان مذهبه - بل نقل الإجماع فى أول صحيحه - أن الاسناد المعنعن له حكم الموصول "بسمعت" بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وإن لم يثبت اجتماعهما، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما، وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري، وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذّر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه والله أعلم (٥٨).
وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة، وهي كونه أسهل تناولا من حيث أنه جعل لكل حديث موضعاً واحداً يليق به. جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه، بخلاف البخاري، فانه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثير منها يذكره في غير بابه فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث…. " (٥٩) وقد ذكر النووي معنى قولهم "حديث صحيح على شرط البخاري أو على شرط مسلم" وعدد من خرج لهم البخاري ولم يخرج مسلم وبالعكس ومافيه التعليق عند البخاري، وليس عند مسلم بما يطول، وذكر كثيرا من الفوارق بينهما فلاحظ (٦٠).
وقال في التاج: (٦١) إن البخاري ومسلما التزما أن لا يرويا حديثا إلا إذا كان متصل السند بنقل الثقة عن الثقة، من أوله إلى منتهاه، سالماً من الشذوذ والعلة، وهذا حد الصحيح عند العلماء بلا خلاف، إلا أن مسلما اكتفى في الراوي والمروي عنه أن يكونا في عصر واحد، وإن لم يجتمعا بخلاف البخاري فإنه اشترط اجتماعهما زيادة الاحتياط. انتهى.
ومن مزايا صحيح البخاري ذكر العناوين الواضحة لكل باب وذكر الآيات الواردة فيها الشيء الذي يفقده كتاب مسلم.
قلنا: إن البخاري هو أول من جمع وألف الصحيح، وقد كان أستاذه إسحق بن راهويه هو الذي اقترحه على تلاميذه حيث قال لهم: لو جمعتم كتابا مختصراً شاملا للصحيح من أحاديث الرسول. قال البخاري فوقع كلامه وأثر في نفسي فقمت بجمع الصحيح (٦٢). ثم اقتدى به مسلم وآخرون.
وقد قام جماعة من الحفاظ بالجمع بين الصحيحين فلاحظ الفهارس. وقال الدكتور صبحي الصالح: انتقدوا من أحاديث البخاري ١١٠ حديثا، خرج منها مسلم ٣٢ حديثا وانفرد هو بثمانية وسبعين حديثا، ويروي ابن حجر العسقلاني أن هذه الأحاديث التي أخذت عليه ليست عللها كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف (٦٣).
قال البخاري: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ماصحّ وتركت من الصحاح مخافة الطول، وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه (٦٤) وقد بحث التهانوي في الفصل الثاني من كتابه حول إطلاق الصحيح علي كتابي البخاري ومسلم وذكر آراء المناقشين (٦٥).
وكذلك جاء هذا البحث في مقدمة ابن الصلاح (٦٦): وقال: ترك جماعة من المحدثين رواية البخاري لمسألة اللفظ (٦٧) - أي قوله: "لفظي بالقرآن مخلوق".
وقد ذكر ابن الصلاح كغيره مراتب مافي الصحاح بأن أصح الأحاديث ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم…. (٦٨) وكذلك بحث هو حول اطلاق الصحيح على الكتب الخمسة - أي سوى ابن ماجة - (٦٩).
والشيخ محمد ناصر الدين الالباني، قسم أحاديث البخاري في مقدمة كتابه مختصر البخاري إلى الموصولة - وهي التي يسوقها المؤلف بأسانيدها المتصلة منه إلى رواتها من الصحابة - والأحاديث المعلقة، وقسم المعلقة إلى مرفوع وموقوف، وذكر عدد الأحاديث المرفوعة ٩٩٨ حديثا وعدد الأحاديث المعلقة المرفوعة ٣١٧ حديثا، وعدد الآثار الموقوفة ٤٠٩ أثراً، ورقم الأحاديث الموصولة في المجلد الأول من المختصر بلغ ٩٩٨ حديثا، ولم نقف على المجلد الثاني حتى نعلم رقم جميع أحاديثه بالضبط.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أول شرحه على الترمذي باسم - عارضة الأحوذي - إعلموا أنار الله أفئدتكم أن كتاب الجعفي - أي صحيح البخاري - هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطّأ هو الأول وعليهما بناء الجميع كالقشيري - أي مسلم - والترمذي فمن دونهما، وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى - أي الترمذي - حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علما…. (٧٠)
قال أحمد شاكر في مقدمة جامع الترمذي (١ / ٦٦) في شأن هذا الكتاب ما خلاصته: يمتاز بأمور ثلاثة لا توجد في غيرها من الصحاح وغيرها من كتب الحديث:
١ - أنه بعد رواية حديث الباب يذكر أسماء الصحابة الذين رويت عنهم فيه سواء كان موافقا لما أورده من الحديث، أو مخالفا له، أو بـإشارة اليه ولو من بعيد. وهذا أصعب مافي الكتاب على من يريد تخريجها ولاسيما في هذه العصور التي عدمت الكتب وقل حفاظ الحديث، وقد حاول الشيخ المبارك فوردي ذلك في شرحه، فلم يمكنه تخريج كل الأحاديث التي أشار إليها الترمذي.
٢ - أنه يذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم غالبا في المسائل الفقهية مشيرا إلى الأهم، ويذكر الأحاديث المتعارضة، وهذا من أعلى المقاصد في علوم الحديث يميّز الصحيح من الضعيف للاحتجاج والعمل به.
٣ - العناية البالغة بتعليل الحديث، بذكر درجته من الصحة والضعف تفصيلا في حال الرجال. ومن أجل ذلك صار كتابه كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث خصوصا علم العلل، فصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم وللمستفيد والباحث في علوم الحديث.
وأنا أضيف إليها أمورا ثلاثة لتصير ست خصائص.
٤ - يهتم بتعريف الرواة كثيرا اذا ذكروا بالكنى مثل: "أبو المتكل اسمه علي بن داود، وأبو سعيد الخدري اسمه سعيد بن مالك بن سنان" (١ / ٢٤٢).
٥ - أنه يذكر عناوين الأبواب واضحاً، ويذكر المعارضات في باب تلوها مع العنوان.
٦ - ينبّه على أخطاء الرواة مثل قوله: "وهذا أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ يحيى بن اليمان" (٢ / ٩).
وقد نقل أحمد شاكر (١ / ٨٨) عن الحافظ أبي الفضل المقدسي أن كتاب الترمذي على أربعة أقسام: صحيح مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاري مسلما. وقسم على شرط الثلاثة دونهما (يريد بالثلاثة أبا داود والنسائي، وابن ماجه…) وقسم آخر للضدية أبان عن علته ولم يغفله. وقسم رابع أبان هو عنه، وقال: ما أخرجت في كتابي إلا حديثا قد عمل به الفقهاء، وهذا شرط واسع….
قال الترمذي ما ذكرنا في كتابنا: "حديث حسن" فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن (٧١).
وقال ابن الأثير: هذه الكتب الستة هي أم كتب الحديث وأشهرها في أيدي الناس، وبأحاديثها أخذ العلماء واستدل الفقهاء، وأثبتوا الأحكام، وشادوا مباني الإسلام ومصنفوها أشهر علماء الحديث، وأكثرهم حفظا، وأعرفهم بمواضع الخطأ والصواب، وإليهم المنتهى، وعندهم الموقف (٧٢).
وابن الأثير هو أول من وضع لأصحاب الصحاح الرموز، وهو الذي جعل من الصحاح الموطأ مكان سنن ابن ماجه: فللبخاري: خ، ولمسلم: م، وللموطأ: ط، وللترمذي: ت، ولابي داود: د، وللنسائي: س (٧٣)
وقال محمد فؤاد عبد الباقي بعد كلامه المتقدم بشأن عدد أحاديث ابن ماجة وزوائده - وهي ١٣٣٥ حديثاً - : ٤٢٨ أحاديث رواتها ثقات، صحيحة الإسناد، ١٩٩ أحاديث حسنة الإسناد، ٦١٣ أحاديث ضعيفة الإسناد، ٩٩ أحاديث واهية الإسناد، أو منكرة، أو مكذوبة. وإن كتابا يجمع بين دفتيه ٣٠٠٢ حديث يرويها أصحاب الكتب الخمسة في كتبهم، ثم يجيء ابن ماجة يرويها كلها عن طريق غير طريقهم، وكل الطرق يؤيد بعضها بعضاً مما يعطي للأحاديث قوة فوق قوتها، ثم يضيف إلى عددها ٤٢٨ حديثاً صحيحة الإسناد رجالها ثقات و١٩٩ حديثاً حسنة الإسناد هو كتاب له قيمة لو اقتصر على هذه المزية فقط، فما بالكم وقد جاوز هذه المزية إلى مزايا أخرى سترد مفصلة فيما بعد.
وجاء في مقدمة ابن الصلاح (٧٤) بحث حول إطلاق الصحيح على الكتب الخمسة - أي غير سنن ابن ماجة - وتصريح عن أبي داود بانقسام كتابه إلى صحيح وغيره وتصريح الترمذي بالتمييز بين الصحيح والحسن. وقد قسّم أحمد شاكر (٧٥) أحاديث كتاب الترمذي إلى أربعة أقسام: قسم مقطوع بصحته، وقسم صحيح على شرط أبي داود والنسائي، وقسم أظهر علّته، وقسم رابع أبان عنه وقال فيه: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء - وقد سبق - .
وأما سنن النسائي فقال النسائي: كتاب السنن الكبرى كله صحيح وبعضه معلول - إلا أنه لم يبين علته - والمنتخب المسمّى بـ "المجتبى" صحيح كله (٧٦). وقد ذكر التهانوي: أول من أطلق الصحيح على سنن النسائي، وقال وبالجملة إطلاق الصحيح على كتاب النسائي الصغير - وهو مشهور - شائع، وهو مبني على تسمية الحسن صحيحا.
وقال الحافظ أبو الفضل بن ظاهر - في شروط الأئمة - كتاب أبي داود والنسائي ينقسم على ثلاثة أقسام: الأول، الصحيح المخرج في الصحيحين. الثاني صحيح على شرطيهما - وذكر شرطيهما - الثالث: أحاديث أخرجاها من غير قطع بصحتها، وقد أبانا علتها بما يفهمه أهل المعرفة. وإنما أوردا هذا القسم في كتابيهما، لأنه رواية قوم لها واحتجاجهم بها، فأورداها وبينا سقمها لتزول الشبهة، وذلك إذا لم يجدوا له طريقاً غيره، لأنه أقوى عندهما من رأي الرجال.
وقد نقلوا عن النسائي أن من مذهبه أن يخرج مالم يجمع على تركه ثم ذكر السيوطي الآراء في حديث النسائي (٧٧)، وسمى رجالا أطلقوا اسم الصحة على كتابه (٧٨) وأن إطلاق الصحيح على أحاديثه باعتبار الأغلب، لأن غالبها الصحاح والحسان (٧٩). وجاء في الهامش: إن كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، ورجالا مجروحا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي. ويقابله من الطرف الآخر كتاب ابن ماجة فإنه تفرّد بـإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث، وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم (٨٠).
ونختم بحث تقويم الصحاح - وقد طال - بمزية لها جميعاً ذكرها صاحب التّاج (٨١) قال: ومن مزايا الصحاح أنها أقصر وأعلا سنداً، وكان المحدثون يرون لقصر السند منزلة عظيمة، حتى أن الشيخين - أي البخاري ومسلماً - أخذا كثيرا من الأحاديث عن أحمد عن الشافعي، ولكنهما لم يرويا من هذا السند لوجود أسانيد أقصر منه، وأما أصحاب السنن فقد رووا عن هذا السند كثيراً.
ونقول علو الإسناد يعبر عنه بقرب الإسناد، وهناك كتب للإمامية وغيرهم باسم "قرب الإسناد" وقد أخرجوا ثلاثيات البخاري وغيره في كتب، ويرون أن عددها عند البخاري أكثر من غيره والله العالم.
ترتيب كتب الصحاح
وقبل أن نبدأ بذلك نقول إن الجامع لا يطلق إلا على الصحيحين باعتبارهما يحتويان السير والمغازي إلى جانب السنن وقد ألحقوا بهما جامع الترمذي لاحتوائه أيضا على ذلك، وأما الثلاثة الباقية فهي سنن ولا يقال لها صحاح.
وقد استخرجنا ترتيب الكتب من الصحاح الستة تفصيلا ونكتفي هنا بأهم مابينها من التفاوت: بدأ البخاري كتابه بباب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم العلم، ثم الطهارة إلى غيرها من أبواب الأحكام، وذكر بعد كتاب الجهاد: كتاب بدء الخلق، وفيه صفة النبي والأنبياء، ثم الفضائل والسيرة والمغازي، ثم كتاب التفسير وبعدها النكاح والطلاق وغيرها وقد ختم كتابه بالاعتصام بالسنة وجملة مما يتعلق بالدار الآخرة.
وأما مسلم فبدأ بكتاب الإيمان، وقد أورد فيه ٢٣٣ بابا في العقيدة، ثم الطهارة وما بعدها من الأحكام إلى كتاب الجهاد والسير وفيه المغازي والإمارة ثم يستمر في الأحكام الى أن ختم كتابه بالقدر والعلم والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ثم الرفاق وصفات المنافقين وأحكامهم، ثم كتاب الفتن ثم الزهد، ثم التفسير، وهو مختصر بخلاف التفسير عند البخاري فهو مفصل.
وأما سنن أبي داود والترمذي والنسائي فبدأت بكتاب الطهارة ثم الصلاة وسائر كتب الأحكام الى آخرها مع تفاوت كثير بين الستة في تقديم بعضها على بعض، وهناك فرق بين هذه الثلاث ففي الترمذي بعد كتاب النذور والإيمان: كتاب السير وذكر فيه المغازي، وهو الذي جعله جامعاً. وسائر السنن خال عنها. وفي آخر صحيح الترمذي: كتاب القدر وكتاب الفتن وكتاب الرؤيا… ثم صفة القيامة والجنة والنار وجاء في أواخر أبواب الأحكام في سنن أبي داود: كتاب العلم والرواية والفتيا، وفي آخرها كتاب الحروف والقراءات… والفتن والملاحم. وأما النسائي فبدأ الطهارة بتأويل آية الوضوء، وجعلها أربعة كتب: كتاب الطهارة، كتاب المياه، كتاب الحيض والاستحاضة، كتاب الغسل والتيمم. وجعل كتاب الصلاة ١٦ كتاباً: مثل كتاب الأذان، كتاب السهو، كتاب المساجد وهكذا. وباقي الصحاح غالباً يجعلونها أبوابا سوى القليل منهم في بعض الأبواب فلاحظ فهارسها.
وفي سنن النسائي: كتاب البيعة - بدل الإمارة، وكتاب الزينة - بدل اللباس وفي أواخرها: كتاب الإيمان وشرائعه. وآخرها كتاب الأشربة.
وأمّا سنن ابن ماجة فابتدأها باتباع السنة واجتناب البدع، والإيمان والقدر، ثم فضائل النبي والصحابة، ثم ذكر الخوارج، ثم العلم والعلماء، ثم كتاب الطهارة وغيره من كتب الأحكام وفي آخرها تعبير الرؤيا ثم الفتن والزهد. وليس في هذه السنن الثلاثة أبواب المغازي ولا التفسير.
سابعاً - الطريق إلى الصحاح
لنا من طريق مشايخنا الإمامية وفي طليعتهم العلامة الطهراني صاحب كتاب "الذريعة إلى تصانيف الشيعة" طريق إلى الصحاح، وكذلك عندنا إجازات اليها من المشايخ من أهل السنة، منهم المغفور له العلامة الشيخ محمد الحافظ التيجاني - وكان يسمى في القاهرة: "خاتمة المحدثين".
وقد جاء في مقدمة بعض هذه الصحاح إسنادها. ذكر النووي في أول شرحه لصحيح مسلم إسناده إلى مسلم بعدة طرق (٨٢).
كما ذكر ابن الأثير في الباب الخامس من مقدمة جامع الأصول إسناده إليها سوى سنن ابن ماجه، فجعل مكانه موطأ مالك وله الى البخاري طريق واحد، وإلى مسلم طريقين وإلى الموطأ ثلاث طرق، وإلى باقي السنن طريق واحد (٨٣). وكل من له طريق إلى ابن الاثير فله أن يروي الصحاح من طريقه.
ثامنا - ما ألحق بالصحاح أو حذف منها
الجدير بالذكر أن بعض العلماء كصاحب "التاج" اكتفوا بخمس من الصحاح وتركوا سنن ابن ماجة لأن معظم مافيها موجود في الصحاح وما انفرد به لا عبرة به لضعفه، أو لعدم الحاجة إليه. وقد جعل ابن الأثير - كما سبق - مكان سنن ابن ماجة الموطأ، وقليل منهم بدل الموطأ بمسند أحمد.
وقد جاء في مقدمة "سنن الدارمي" وصف رائع لها وللدارمي نفسه على لسان كبراء الحفاظ فجاء بلاسند: روى عنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وعبد الله بن أحمد بن حنبل. وعن أحمد أنه جعله في عداد البخاري وأبي زرعة الرازي وغيرهم وقال: أنه أتقنهم. وعن ابن حجر: أن أول من أضاف ابن ماجة إلى الخمسة الفضل بن طاهر فتابعه غيره وجعل غير واحد السادس: الموطأ أو مسند الدارمي. وعن السيوطي في "تدريب الراوي" أن مسند الدارمي ليس بمسند - والمسند عند المحدثين مرتب على أسماء الصحابة، والسنن على أبواب الفقه، وقد يقال للبخاري "مسند" لأن احاديثه مسندة - بل هو مرتب على الأبواب، وبعض المحدثين سموه بالصحيح وعن شيخ الإسلام - الأنصاري - أنه ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضمّ إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجة، فإنه أمثل منه بكثير (٨٤).
ونقول: الذي يرجحه على غيره من أصحاب الصحاح أن مولده قبل هؤلاء فأدرك شيوخا لم يدركوهم، فقد ولد بسمرقند سنة ١٨١ - أي قبل البخاري بثلاث عشرة سنة، لأنه ولد عام ١٩٤ - وتوفي بمرو ودفن فيها سنة ٢٥٥ - أي قبل البخاري بسنة، وقيل توفي عام ٢٥٠. وقد سالت دموع الامام البخاري عليه لما بلغه نعيه وهو الحافظ أبو محمد عبد الله، بن عبد الرحمن، بن الفضل، بن بهرام، بن عبد الصمد التميمي السمرقندي الدارمي - بكسر الراء - نسبة الى دارم بن مالك، ابن حنظلة، بن زيد مناة، بن تميم، أحد بطونه (٨٥).
فالدارمي، عربي الأرومة، خراساني الموطن أيضا وله فضل التقدم عليهم من حيث المولد والطبقة ولقاء الشيوخ.
وترتيب كتابه أنه بدأ بباب ما كان عليه الناس قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم وصفه (عليه السلام) في الكتب قبل مبعثه، ثم كيف كان أول شأنه، ثم ذكر أبواب في ما أكرمه الله من الآيات والمعجزات وماأعطي من الفضل، وحسنه وأخلاقه ووفاته، ثم باب اتباع السنة والاجتناب عن القول فيما ليس فيه كتاب أو سنة، ثم أبواب في الفتيا، وفي العلم والعلماء، وكتابة الحديث، واختلاف العلماء ونحوها. ثم بدأ بكتاب الطهارة والصلاة والزكاة إلى آخر الأحكام، بتقديم وتأخير وبتفاوت كثير مع الصحاح. وفيها بعد باب الجهاد كتاب السير وفيه بعض المغازي وأحكام الأمراء، وجاء في آخرها كتاب فضائل القرآن ولا نعلم بالضبط عدد أحاديثها، ولكنها أقل من الصحاح والتكرار فيه غير مشهود.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين وسلام على المرسلين.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
١ - بحث مقدّم إلى مؤتمر الإمام البخاري المنعقد بسمرقند بمناسبة مرور ألف ومائتين وخمس وعشرين عاما على ولادته.
٢ - دائرة المعارف الاسلامية، ج ٣ / ٤١٩.
٣ - جامع الأصول ١٠ / ١٨٥.
٤ - دائرة المعارف الاسلامية. ٣ / ٤١٩.
٥ - مقدمة أحمد شاكر على صحيح الترمذي ١ / ٨٧.
٦ - جامع الاصول ١٠ / ١٨٧.
٧ - مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي / ب.
٨ - جامع الأصول ١ / ١٨٨.
٩ - نفس المصدر.
١٠ - جامع الأصول ١٠ / ١٨٩ وفي بعض نسبه خلاف لاحظ مقدمة سنن ابي داود ط الحلبي وأولاده بالقاهرة.
١١ - مقدمة السنن نقلا عن الحافظ الذهبي تذكرة الحفاظ.
١٢ - مقدمة السنن: ح.
١٣ - جامع الاصول ١ / ١٨٩.
١٤ - جامع الاصول ١ / ١٩٣، وغيره.
١٥ - جامع الاصول ١ / ١٩٤.
١٦ - مقدمة جامع الترمذي لأحمد شاكر / ٧٨.
١٧ - جامع الاصول ١ / ١٩٣.
١٨ - مقدمة الترمذي ١ / ٨٣.
١٩ - جامع الاصول ١ / ١٩٤.
٢٠ - خاتمة سنن ابن ماجة ط دار الفكر: لمحمد فؤاد الباقي: ١٥٢٢.
٢١ - خاتمة السنن / ١٥٢٠.
٢٢ - خاتمة السنن / ١٥٢٤.
٢٣ - خاتمة السنن ١٥٣٣.
٢٤ - جامع الاصول ١ / ١٩٥.
٢٥ - جامع الاصول ١ / ١٩٥.
٢٦ - جامع الاصول ١ / ١٨٨.
٢٧ - جامع الاصول ١ / ١٨٨.
٢٨ - نفس المرجع.
٢٩ - التاج ١ / ١٥، الهامش.
٣٠ - صحيح الترمذي ١ / ٤٥.
٣١ - صحيح الترمذي ١ / ٣٤.
٣٢ - ١ / ١٥ في الهامش.
٣٣ - مقدمة الصحيح / ٨٦.
٣٤ - مقدمة الصحيح / ٨٢.
٣٥ - مقدمة الصحيح / ٨٧.
٣٦ - مقدمة الصحيح / ٨٣.
٣٧ - مقدمة السنن ط مصطفى الحلبي: و.
٣٨ - علوم الحديث للدكتور صبحي الصالح / ٣٩٧.
٣٩ - علوم الحديث / ٣٩٨.
٤٠ - الجمع بين الصحيحين ط دار الكتب العلمية / ٥.
٤١ - مقدمة الموطأ ط كتاب الشعب، القاهرة / ٩.
٤٢ - نفس المرجع / ٨.
٤٣ - سنن ابى داود. ١ / ٢٢.
٤٤ - سنن ابي داود ١ / ٥٥.
٤٥ - معجم البلدان ط بيروت ١٣٧٦ - ٥ / ١٨٢.
٤٦ - مقدمة صحيح الترمذي: ٨١ و ٨٢.
٤٧ - شرح النووي على صحيح مسلم ١ / ١٥.
٤٨ - علم الحديث للاستاذ كاظم شانه چي: ٤٧ ملخصاً.
٤٩ - جامع الأصول / ١.
٥٠ - شرح النووي لصحيح مسلم ١ / ١٥.
٥١ - شرح النووي لصحيح مسلم ١ / ١٥.
٥٢ - التاج ١ / ١٥ في الهامش.
٥٣ - مقدمة المسند: ز.
٥٤ - ج ٢ / ١٤٥٢.
٥٥ - خاتمسة السنن / ١٥١٩.
٥٦ - جامع الاصول ١ / ٤١.
٥٧ - مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي: خ.
٥٨ - شرح النووي ١٠ / ١٤، نفس المرجع / ١٥.
٥٩ - نفس المصدر / ١٥.
٦٠ - نفس المصدر / ١٥.
٦١ - ج ١ / ١٦.
٦٢ - قواعد التحديث: ٧١ نقلا عن ابن حجر.
٦٣ - مباحث من علوم الحديث / ٣٩٦.
٦٤ - قواعد من علوم الحديث للعلامة ظفر أحمد العثماني التهانوي / ٦٣.
٦٥ - نفس المصدر / ٥٦.
٦٦ - ٥٤ - ٥٦.
٦٧ - مقدمة ابن الصلاح / ٣٦١.
٦٨ - مقدمة ابن الصلاح / ١٤.
٦٩ - مقدمة ابن الصلاح / ٢٠.
٧٠ - مقدمة جامع الترمذي / ٨٩.
٧١ - جامع الاصول ١ / ١٧٨.
٧٢ - جامع الاصول ١ / ٤٩.
٧٣ - نفس المصدر / ٦٢.
٧٤ - ص ٢٠.
٧٥ - مقدمة سنن الترمذي / ٤٠٠.
٧٦ - قواعد من علوم الحديث للتهانوي / ٧٢.
٧٧ - مقدمة سنن النسائي بحاشية السيوطي ط دار الكتب العلمية - بيروت - ٣.
٧٨ - نفس المرجع / ٥.
٧٩ - نفس المرجع / ٦.
٨٠ - نفس المرجع / ٥ الهامش.
٨١ - ١ / ١٥ في الهامش.
٨٢ - شرح النووي لصحيح مسلم ١ / ٦.
٨٣ - جامع الأصول ١ / ١٩٨.
٨٤ - لاحظ مقدمة سنن الدارمي نشرته دار احياء السنة النبوية.
٨٥ - مقدمة المسند.







 
قديم 15-10-14, 11:50 PM   رقم المشاركة : 5
طرابلسي سني
عضو ذهبي







طرابلسي سني غير متصل

طرابلسي سني is on a distinguished road


بارك الله فيك, أعجبني المقال القصير عن الوضع و الوضاعين.







 
قديم 16-10-14, 09:22 AM   رقم المشاركة : 6
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road


اعتراف رجال الدين الشيعة ان دينهم ضاع / و مقارنة الكافي والبخاري

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=79252

المقارنة بين البخاري و الكافي

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=71344

الأستاذ الرافضي إراهابي مقهور : أكمل المناقشة حول البخاري والكافي هنا
أهلا وسهلا بكـ بحار400.

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=10153


مقارنة بين مشايخ البخاري ومشايخ الكليني

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=156820

الإمام البخاري و بخاري الشيعة

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=75603

الحيدري كتاب الكافي ليس كتاب حديث انما كتاب اراء و فتاوي الكليني عن تحريف القرآن
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=167537








 
قديم 16-10-14, 09:50 AM   رقم المشاركة : 7
شمري طي
عضو ماسي







شمري طي غير متصل

شمري طي is on a distinguished road


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بحار400 مشاهدة المشاركة
   وأشير أخيراً إلى نقطة مهمة، تُعيق في بعض الأحيان عند الإمامية بالخصوص ادّعاء وضع الحديث، وهي وجود احتمال صدور الحديث بنحو التقية، فلا يطابق الواقع لكن لا يكون موضوعاً ومكذوباً على أهل البيت، ولعلّ مسألة التقية هي التي خفّفت أيضاً من حديث الشيعة عن وجود موضوع في كتبهم، وهذا ما يستدعي المزيد من الضوابط لتمييز الموضوع عن الصادر تقيةً، فلا يبالغ بادّعاء التقية في كل شيء كما نلاحظه في أدبيات الأبحاث الفقهية عند الإمامية ، ولا ادّعاء الوضع في كل شيء كذلك.

بالإضافة على مبالغة شيوخ الرافضة برمي الروايات بالتقية,هو فشلهم ومزاجيتهم في هذا, فيأتي شيخ ويقول بأن هذه الرواية صدرت تقية

ثم يأتي شيخ آخر ويقول لا لم تصدر تقية

الــخ .






التوقيع :
الــــــــــرفــــــضُ داءٌ بأمتنا أعراضهُ الجهلُ والتكفيرُ = دوائهُ قرآننا وصحيح سنتنآ والعقل بلسمهُ مع التفكيرُ
من مواضيعي في المنتدى
»» يا وهابية أنتم وش علمكم بعلوم مدرسة آل زرارة !!
»» بإختصار وبالأسانيد الصحيحة ( الرسول ) يجهل هذا الشيء .
»» الرادارات من مركزعـج للدراسات
»» الله يقلد علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعالى الله عما يصفون
»» إذا كان ( فقيه ) القوم ( كذوبهم ) فما هي النتيجة !
 
قديم 20-10-14, 04:21 PM   رقم المشاركة : 8
بحار400
عضو ماسي







بحار400 غير متصل

بحار400 is on a distinguished road




##
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :
###



كيف يكون اباء جعفر الصادق حدثوه بهذا الحديث ! , وهل كانوا احياء ليحدثوه !!

لفظة " عن ابائه " هنا لا تحتمل الا معنين لا أكثر :

المعنى الاول : انهم كلهم حدثوه في نفس الوقت بهذا الحديث وهذا كذب مفترى لانه لم يدركهم ولم يرهم ..

المعنى الثاني : ان ابائه تعني اعمامه .. وكلا المعنيين باطلين ومرفوضين ..

فإن قلت : ان معنى لفظة " عن ابائه " يعني " عن ابيه عن جده عن والد جده عن عن عن عن الى الرسول صلى الله عليه وسلم "

فهذا مرفوض تصريحا ولفظاً في مصطلح الحديث لانه يجب ان تعترف في السند بمن الذي روى اليك هذا الحديث !!

وليس هذا مصرح به في الرواية , كما ان لفظة " عن ابائه " تعني انهم كلهم حدثوه بهذا الحديث وهذا كذب لان جعفر الصادق لم يدركهم

ومثال بسيط على ذلك كأن اقول لك : " حدثني مجموعة من الاشخاص انه حدث كذا كذا كذا "

هذا معناه ان هذه المجموعة كلها حدثتني بطريقة من طريقتين :

الاولى : إما أن كل واحد فيهم حدثني على حدة بانفراد

الثانية : انهم حدثوني كلهم في نفس الوقت بما حدث ..

وهذا ان حاولنا ان نطبقه على لفظة " عن ابائه " فمحال .. لأن جعفر الصادق لم يدرك اجداده ..

ولذلك فأي رواية تأتي بها مذكور في سندها هذه اللفظة : " عن ابائه " .. فإن الرواية مرفوضة قبل ان نناقش حتى في اتصال السند او في وثاقة الرواة ..

بل يجب ان يكون سند الرواية التي يأتي بها مصرحة بالرواة كسند تلك الرواية : (( سمعت أبي موسى بن جعفر (ع) يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد (ع) يقول :

سمعت أبي محمد بن علي (ع) يقول : سمعت أبي علي إبن الحسين (ع) يقول : سمعت أبي الحسين بن علي (ع) يقول :

سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول : سمعت رسول الله (ص) )) ..








 
قديم 31-05-16, 10:08 AM   رقم المشاركة : 9
فتى الشرقيه
عضو ماسي






فتى الشرقيه غير متصل

فتى الشرقيه is on a distinguished road


حقيقة من علماء الرافضة أنفسهم
لإثبات كذب إدعاء الرافضة الأخذ عن آل البيت







التوقيع :
فتى الشرقيه / هو فتى الإسلام
من مواضيعي في المنتدى
»» بفخارٍوحتى الموت{رافضية} هل هذا ما أشكل عليك فقط
»» الدين الحنيف تقول لماذا لا ترجع الأئمة للصادق والباقر , سؤال لك عنهما
»» دعوه لكل شيعي لفهم الدين الصحيح من كتاب الله أولا
»» الرافضي الرافضي / حقيقة إيمانكم بالقرآ ن ,, ستجدها هنا
»» إمامكم الخامنئي والعين العوراء عين الدجال الكذاب
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:50 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "