الأحواز قضية تقارع النسيان
_____________________
إن التاريخ له أهمية عظمى للأمم فهو يحتفظ بمجدها وتجاربها و يمكنها من الاستمرار في الحياة و مقارعة الأعداء و مواجهة التحديات. لذلك العديد من المفكرين يرون تاريخ الأمم كالذاكرة الإنسانية. فالأمة من خلال ذاكرتها (تاريخها) تقرأ ماضيها و تفسر حاضرها و تستشرف مستقبلها. و الأمم التي تنسى تاريخها و تفقده ستعيش حالة غيبوبة و ستضيع بين الأمم و تفقد السيطرة على زمام أمورها و تستسلم للغير و تصبح أداة بيدهم.
و حفاظا على مجد الأمة العربية و حاجة لاستمرارها في الحياة و النهوض و مواجهة الأعداء و تلبية لأداء رسالتها الحضارية و مساهمة في التقدم و التطور العالمي، من الضروري لأبنائها أن يطلعوا على تاريخهم السياسي وغير السياسي بالتفصيل و أيضا من الضروري أن يركزوا على الفصول الهامة من تاريخهم دون سواها بسبب أهميتها و حساسيتها البالغة و تأثيرها على مصير أمتهم. و من أهم فصول تاريخ أمتنا العربية التي تستحق الكثير من التركيز و التمعن التاريخ السياسي للضفة الشرقية من الخليج العربي (بلاد الأحواز) التي احتلت في غفلة من الزمن و شكل احتلالها منعطفا تاريخيا تأثر به العرب و الفرس.
فبلاد الأحواز أولا: تُعد أقدم الأراضي العربية التي تم احتلالها. ثانيا: هذه البلاد تحتل موقعا استراتيجيا و جيوسياسيا بالغ الحساسية. ثالثا: هذه البلاد تحمل في باطنها الكثير من الثروات الاقتصادية و من ضمنها النفط و الغاز، في حال وظفت لصالح الأمة ستدر عليها بالكثير من الخير و المنفعة. رابعا : بلاد الأحواز تُعد من أوسع الأرضي العربية التي تم احتلالها.
عربيا الضفة الشرقية من الخليج العربي تسمى بلاد الأحواز و هذه الكلمة جمع لكلمة حوز و هي مصدر لفعل حاز، يحوز بمعنى التملك و كان العرب يستخدمون هذه الكلمة للدلالة على تملكهم لأراض محددة و معينة دون غيرها. و هذه البلاد العربية(الأحواز) تمتد من ميناء جمبرون (ميناء عباس) و مضيق باب السلام(مضيق هرمز) إلى مدينة عيلام التاريخية. و تبلغ مساحتها 37500 كيلومتر مربع، و يقطن هذه البلاد العربية شعب عربي ترجع جذوره إلى القبائل العربية العريقة كربيعة و خزرج و بني تميم و كنانة و.. يقدر تعداده أكثر من ثمانية ملايين و نصف المليون.
قبل العشرينيات من القرن الماضي كانت الأحواز تعيش حالا كساير الأجزاء الأخرى من الوطن العربي بل في الكثير من الفترات عاشت حالا أفضل بكثير من المناطق العربية الأخرى، لأن هذه البلاد في بعض الفترات الزمنية تمتعت بالاستقلال الكامل طبق المقاييس السياسية لتلك الفترة الزمنية و كانت لإماراتها السيادة الكاملة على أراضيها. و لم تخرج بلاد الأحواز عن السياق السياسي العام للمنطقة. ففي بعض الأحيان تعرضت لغزوات و وقعت تحت نفوذ الدول الأوروبية ك (البرتغال, هولندا, بريطانيا) و هذا حال المنطقة برمتها (البلاد العربية وغير العربية ). ولكن كان النفوذ له طابعا اقتصاديا أكثر مما كان عسكريا أو سياسيا لذلك لم ترضخ للاحتلال الأوروبي بمعنى الكلمة و السيطرة عليها كانت سيطرة اقتصادية أو قد تتعداها بقليل.
أما بعد الحرب العالمية الأولى تغيرت الأوضاع السياسية في منطقة الخليج العربي و الشرق الأوسط و اقتضت المصلحة الغربية أن تكون الضفة الشرقية من الخليج العربي (بلاد الأحواز) تحت الاحتلال الفارسي و ذلك لاعتبارات عديدة منها:
1- منع الأمة العربية من التحكم بالموقع الاستراتيجي و الجيوسياسي و الثروة النفطية الهائلة في الأحواز.
2- ضمان الولاء السياسي الفارسي للدول الغربية.
3- خلق دولة قوية مجاورة للأمة العربية تهدد أمنها و تزعزع استقرارها، لجعل الأقطار العربية تشعر بالخطر و بحاجة دائمة للحماية الغربية.
4 -الحفاظ على مصالح الغرب النفطية في المنطقة.
5 – وقف المد الشيوعي و منعه من الوصول إلى مياه الخليج العربي .
لذلك أوعزت بريطانيا و أعطت الضوء الأخضر لحكام فارس في تلك الفترة لاحتلال بلاد الأحواز العربية، فزحف الفرس نحو هذه البلاد و احتلوا إماراتها العربية الواحدة تلو الأخرى إلى أن تم احتلال أخرى إمارة أحوازية (إمارة المحمرة) في تاريخ 20 نيسان 1925 م و هكذا انتهت السيادة العربية على كامل بلاد الأحواز. و يُعد تاريخ انتهاء السيادة العربية على أخر جزء من بلاد الأحواز نقطة مفصلية و منعطفا تاريخيا مهما تأثرت به الأمة العربية و الفرس تأثيرا مباشرا، و مازال الشعب العربي القاطن على ضفتي الخليج العربي يتحمل التبعات الخطيرة لذلك المنعطف التاريخي.
انتهى الحكم العربي على الضفة الشرقية من الخليج العربي (بلاد الأحواز) و بدأت مأساة الشعب العربي الأحوازي. فبعد الاحتلال تم إلغاء جميع المؤسسات و الدوائر العربية التي كانت تتمتع بها هذه البلاد و نُصِبَ حكام عسكريون عليها و فرض قانون طوارئ لا مثيل له في المنطقة و مورسِت أنواع مختلفة من التنكيل و التعذيب بحق الشعب العربي الأحوازي و تم التعتيم إعلاميا على كل ما جرى في بلاد الأحواز بل مارس الإعلام الفارسي دور الدعاية الشريرة و زُيفَ الواقع الأحوازي و مأساته اليومية. و كُلِفًت الوزارة الخارجية الفارسية بممارسة نشاطها الخبيث في الأقطار العربية و التأثير عليها بطرق مختلفة لإزالة تاريخ بلاد الأحواز من المناهج التربوية و الكتب التاريخية بُغية حذف تاريخ بلاد الأحواز من الذاكرة العربية و منع العرب من أداء واجبهم القومي و تقديم دعمهم لأشقائهم الأحوازيين .
و لكن رغم كل هذه المأساة والتعتيم و رغم نجاح الفرس في تغييب الأحواز من ذاكرة الكثير من أبناء الأمة العربية، بقى هذا الشعب صامدا لم يستكن و لم يستسلم لسياسات الفرس فعاش أحزان الأمة و أفراحها و حافظ على تواصله معها رغم صعوبة الأوضاع و استمر في مقاومته و نضاله ضد الاحتلال الفارسي بكافة الأشكال و الطرق. واليوم يتطلع هذا الشعب لتحرير أرضه و استرجاع سيادته حاله حال الشعب العربي في فلسطين و العراق.
- الموقع الرسمي لأهل السنة والجماعة في إيران -