بدون تعصّب و لا إلقاء التهم و التسرّع ...
كيف تفسّرون تأخّر الغرب على دعم الثورة السورية بالرغم من إتّفاق الجميع على ضرورة القضاء على النظام الأسدي ؟؟؟
و كيف تفسّرون تأخّر الغرب على مساندة فرنسا في حربها على الجهاديين بشمال مالي بالرغم من إتّفاق الجميع على ضرورة القضاء على تنظيم القاعدة و من والاها ؟؟؟
و لنبدأ بالإحتمالات المستبعدة ...
1- الأزمة الإقتصادية التي تعصف بافتصادات الغرب: غير صحيح لأنّه و إن لم تنجح فرنسا في جمع أموال لمساندتها في حربها على شمال مالي، فإنّ دول الخليج و على رأسها دولة قطر وعدت بسخاء عطاءاتها إذا تدخّل الغرب للقضاء على بشّار.
2- أنعدام الثروة التي قد تخاض بسببها الحروب: غير صحيح لانّه و إن افتقرت سوريا لهذه الموارد الطبيعية، فإنّ مالي فيها ما يكفل الغنى الفاحش.
3- الخوف من أنظمة الدفاع الجوّي: باعتبار أنّ الغرب الجبان لا ينزل إلى الأرض حتّى يضمن السيطرة على الجوّ محتمل في سوريا و لكن في مالي مستبعد جدّا كون المقاتلات و المروحيّات التي يستخدمها الغرب مزوّدة بأنظمة الرؤية الليلية في حين أنّ الترسانة التي بحوزة الجهاديين في شمال مالي ليست لها جدوى في الظلام. فقد يتفادى الغرب هذا التهديد بضربات ليلية تأتي على الأخضر و اليابس في محيط تواجد الجهاديّين.
4- تواجد المدنيين: حقوق و حياة الإنسان آخر ما يكترث به الغرب خصوصا و إن كانت حياة المسلمين في مقابل فائدة مادّية أو نفوذ على منطقة و لنا في العراق و أفغانستان ... المثل الأعلى.
5- الأمل في مخرج سلمي تفاوضي: إن كان ذلك ممكنا و ما يزال قائما بشمال مالي ففي سوريا فقد وضعت الأقلام و طويت الكتب.
6- الإعتراض الروسي: و من بقي يصدّق أنّ لروسيا قدرة على الربط و الفك؟ إن هي إلاّ شمّاعة كباقي الشمّاعات، تعلّق عليها الإخفاقات، الفشل و الجبن.
قد تكون هناك إحتمالات أخرى لم تظهر لي و انا مستعدّ لمناقشتها مع أصحابها، إلاّ أنّ الظاهر لي أنّ كلّ ما يحدث سببه ثورة ليبيا و ما تلاها.
فلقد عاد الجميع للحديث عن ليبيا و ثورتها و الوضع الأمني المنفلت و كثرة انتشار السلاح من الخفيف إلى المتوسّط إلى الثقيل، لدرجة أنّ سلاح كلاشنكوف صار لا يزيد ثمنه مع مخزني رصاص (60 طلقة) عن الـ 20 دولار.
فماذا حدث إذن ؟؟؟
حينما قرّر الغرب التدخّل في ليبيا لم يحرّكه سوى النفط و عقود إعادة الإعمار بعد الحرب و بسط السيطرة على منطقة إستراتيجية على الواجهة المتوسطية و الإفريقية على حدّ سواء. أضف إليه شغف فرنسي بالعودة للشمال الإفريقي من جديد عبر بوّابة ليبيا فكانت السبّاقة للإعتراف بالمجلس الإنتقالي الليبي و فتحت له أبواب أوروبا و أمريكا و النايتو ... مقابل مكانة تفضيلية و وعود بعقود أسلحة و إعمار و إستغلال النفط و غيرها ... فتسارعت الدول الغربية للظفر بجزء من الكعكة الليبية ... فغفلت عن ما هو أعظم " إستقرار المنطقة ".
و اتهت الحرب على القدافي بالقضاء عليه و بقيام دولة ليبية جديدة ؟؟؟
و علامات الإستفهام هي للتساؤل، هل فعلا قامت دولة جديدة بليبيا ؟؟؟
بسرعة مذهلة لم تترك لأخد فرصة التفكير فيما حدث، تكاثرت المليشيات بنزعات قبلية و جهوية و حتّى جهادية، ليس هذا فقط. فأوّل نشاط للقيادة الليبية الجديدة كان إعلان الجهاد في سوريا و تنقّلت الترسانة المستولى عليها من مخازن القدّافي و تلك التي أفاضت بها الدول الغربية على الثوّار إلى ثوّار سوريا من جهة و جهاديّي القاعدة و التوارق في منطقة الساحل الصحراوي من جهة أخرى. فارتبك الغرب و استفاق بعد غفلة قاتلة أنسته أولى الأولويّات، على واقع جديد ضاعت ليبيا من أيديهم بثرواتها و مكانتها الإستراتيجية لتقع بين أحضان أكبر أعداءهم " الحركات الجهادية المتطرّفة ". أسلحة بالأطنان خارجة تماما عن السيطرة و لا يعلم أحد بمكان تواجدها.
إلاّ أنّ التلميذ الغبيّ " فرنسا الإستعمارية " لم تفهم لا الدروس الأولى التي أخرجتها من إفريقيا الشمالية و لا حتّى درس البارحة في ليبيا، فسارعت للهجوم على الكعكة المسمومة في مالي ضنّا منها أنّ الغرب سيتبعها في هذه أيضا. فلم تجد نفسها محاطة إلاّ بفرق إفريقية ضعيفة العدّة و الفنّيات الحربية فأصدقاؤها تخلّو عنها بل ملّوا منها لدرجة أنّهم أصبحوا يكرهونها و ينتقدونها علنا في برلماناتهم، حتّى واشنطن في خرجة جديدة من نوعها طالبت باريس بدفع فاتورة نقل الجنود و المعدّات العسكرية الفرنسية إلى مالي.
أين أريد أن أصل بحديثي هذا ؟؟؟
أريد أن أعاتب بلدان الثورات العربية و حتّى البلدان التي لم تثر، بل أريد أن أعاتب على المسلمين، قلّة الحنكة و كثرة الحميّة و العصبية للدّين بدعوى حبّ الإسلام و الرغبة في الجهاد.
لو أنّ ثورة ليبيا التي قضت على الطّاغية أفرزت دولة مدنية قويّة متماسكة تتعامل بالتي هي أحسن مع الغرب على قواعد تبادل المصلحة، دون تفريط في ثرواتها و لا في قيم دينها، لارتاح الغرب لبقيّة الثورات و لساندها من غير أن يستجدى ما دامت مصلحته مضمونة. إلاّ أنّ الغرب اصطدم بفكر متطرّف في ليبيا و مصر و حتّى تونس التي أصبحت على شفير الإفلاس، نفّروا النّاس من الإسلام و من المسلمين.
لست أدعو للإنسلاخ عن الإسلام من أجل أن يرضى عنّا الغرب الصليبي، و لست أرضى لنفسي و لا لغيري أن أمت ميتة الجمل. و لكن الواقع يقول أنّنا أمّة بحاجة للغرب في كلّ أمور دنيانا. و للتوضيح أكثر ... سلاح الجهاديين من الغرب، السيّارات التي يتنقّل بواسطتها الجهاديين من الغرب، ألبسة الجهاديين من الغرب أو نسجت بفضل تكنولوجيا الغرب، المصبّرات الغذائية التي يقتاتون بها من الغرب، و إن عاشوا على خبز القمح و الشعير فهما مستوردان من الغرب، وسائل إتّصالهم من الغرب، حتّى الفأس و المجرفة التي يحفرون بها قبور موتاهم من الغرب ...
ألم يحن للمسلم أن يرجع لتعاليم دينه الحنيف، هذا الدّين الذي فتح بلاد المشرق إلى أتخام الصين فقط بالمعاملات التجارية الإسلامية، قبل الدعوة للجهاد علينا بالدعوة للعلم و التفوّق التكنولوجي، علينا أن نتعلّم الزراعة و الصناعة و النسيج إبتداء من المادّة الخام، علينا أن نتعلّم كيف نكون مستقلّين تماما عن الغرب، علينا أن نتعلّم كيف نكون إخوة في الدّين لا تفرّقنا غايات دنياوية وطنية و لا إقليمية، علينا أن نتعلّم كيف نكون يدا واحدة من جزر القمر إلى أتخام الصين و من أصقاع روسيا إلى أدغال إفريقيا ... باختصار علينا أن نتعلّم كيف نصير مسلمين من جديد.
حينها و الله العظيم لن تكون هناك حاجة للجهاد بالسلاح، لأنّنا إن تمكّنا من ترويض خيراتنا و استغلالها بأنفسنا فستتلاشى هيمنة الغرب على دولنا، فالله أكرمنا بالإسلام و بالثروات الباطنية و جعلنا متساوين مع غيرنا في العقل ... فالأفضلية لنا إن قرّرنا تشغيل عقولنا. فلنسكت السلاح و لنشغّل العقول.
قد يقول قائل، و لكن بلاد المسلمين تنتهك ليل نهار الآن فعلينا بالسلاح الآن.
حسنا، و هل العدو وليد اليوم أم أنّه ظهر مع ظهور الإسلام ؟؟؟ و الله إنّ أعداءنا أشدّ تطلّعا للسلم منّا، فهم الجبناء بوعد من الله و رسوله صلّى الله عليه و سلّم، و النّاظر في الأمور يجدهم و بالرغم من قوّتهم هم من يركن للسلم و يتوق إليه. فهدفهم الدنيا و الحياة، فأين الضير في أن نعطيهم الدنيا على أن نتعلّم منهم كيف نسيطر على خيراتنا و عليهم من بعدها؟؟؟
و إن قاتلنا اليوم و نحن أصحّاء في أبداننا فنحن آيلون إمّا للموت أو الهرم فمن أين يكون لنا أن ننشئ أبناء أصحّاء أشدّاء أقوياء و نحن لم نؤمّن لهم أسباب التمكّن ؟؟؟
إن تركنا الأخذ بأسباب التمكّن من الدنيا لأبناءنا، فستقهرهم وحوش الدنيا من بعدنا.
و من ذلك قول الله جلّ في علاه:
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
و للمتمعّن في كلام الشيخ، يستخلص أنّ إنزال الغيث و نبات الأرض و غير ذلك من أنواع الخير لا يتأتّى لمن لا يعرف غير حمل السلاح. فعلينا أن نغيّر أنفسنا و فهمنا لديننا، و لنرجع لهدي حبيبنا في السلم و الحرب، و حينها ستكون لنا الدنيا و الآخرة بإذن الله.
و الله المستعان.