الردعلى عقائدي عن أول ما خلق الله تعالى.
أما الحديث الذي أخرجه مسلم رحمه الله تعالى أن الله تعالى بعث جبريل لينظر في الجنة والنار إلى آخره فليس ما يدل على أن أول الخلق جبريل عليه السلام لا من قريب ولا من بعيد ولكنه التجني الصريح على الله ورسوله وجبريل عليهما السلام وإلا فأرني أين ذلك أيها القرمطي.
أما الحديث الثاني: كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض, فهل في هذا ما يدل على أن أول الخلق هو العرش والماء معاً فأين النص الصريح على ذلك, هل فيه إن أول ما خلق الله العرش أو الماء أم هو التجني على السنة النبوية, ولعلمي أنك لم تبحث هذه المسألة ولكنك وجدتها في بعض منتديات الرافضة فهم قوم ألفوا على الضحك على عامة الرافضة فظننت أن أهل السنة كعوام الإسماعيلية القرامطة أو الرافضة فخاب ظنك.
أما حديث الطبراني ففي إسناده حجاج بن نصير الفساطيطى، بصرى, قال يعقوب بن شيبة: سألت ابن معين عنه، فقال: صدوق، لكن أخذوا عليه أشياء في حديث شعبة.
وقال ابن المدينى: ذهب حديثه.
وقال أبو حاتم: ضعيف، ترك حديثه.
وقال البخاري: سكتوا عنه.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال - مرة: ليس بثقة.
وقال أبو داود: تركوا حديثه.
وقال الدارقطني وغيره: ضعيف.
وأما ابن حبان فذكره في الثقات، فقال: يخطئ ويهم.
مات سنة أربع عشرة ومائتين.
قلت: لم يأت بمتن منكر.
وفي الإسناد الآخر ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث.
أما حديث أول ما خلق الله العقل فهو من الأحاديث الموضوعة التي يستدل الإسماعيلية الباطنية بها على بعض رموزهم ولفظه: أول ما خلق الله العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب"
فهذا الحديث كما قال ابن تيمية رحمه الله موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث([1]).
ونقل عن بعض أهل العلم أنهم ذكروا أن الأحاديث المروية عن النبي في العقل لا أصل لشيء منها، وليس في رواتها ثقة يعتمد([2]).
ثم أخبر رحمه الله تعالى أن الإسماعيلية أو الفلاسفة أن هذا الحديث مع كونه موضوعا مكذوبا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم حرفوا لفظه فقالوا: أول بالضم، ولفظه أول ما حلق بالنصب كما روي "لما خلق"([3]).
وقال في موضع آخر إن لفظه: إن الله لما خلق العقل فقال له أقبل فأقبل، فقال أدبر فأدبر..([4]).
وبين أن قصدهم برواية الضم موافقة سلفهم الفلاسفة أن أول الصادرات عن واجب الوجود هو العقل([5]).
ثم بين أن الإسماعيلية والقرامطة يجعلون القلم هو العقل وأنه هو أول المخلوقات([6]).
وهذا الحديث قد أخرجه ابن عدي في الكامل 2/798، و 6/2040 من حديث أبي هريرة، وفي إسناده الفضل ابن عيسى الرقاشي وحفص بن عمر قاضي حلب أما الفضل فقال الذهبي: "ضعفوه". الميزان 3/356، وأما حفص فقال عنه أبو حاتم: ضعيف، وقال أبو زرعة: "منكر الحديث"، وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل الاحتجاج به". الميزان 1/563 وأخرج الحديث ابن الجوزي عن العقيلي بسنده من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -. قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح فيه سعيد بن الفضل الرقاشي وعمر العتكي وأبو غالب مجهولون منكروا الحديث لا يتابع أحد منهم على حديثه"، ثم نقل عن الإمام أحمد قوله: "هذا حديث موضوع ليس له أصل"، وقال العقيلي: "ولا يثبت في هذا المتن شيء" الموضوعات 1/175 وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 478.
ويقول شيخ الإسلام في موطن آخر: " وهذا الحديث موضوع وكذب عند أهل العلم بالحديث . وقال شيخ الإسلام عنه ((اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ضعيف بل هو موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر الحافظ أبو حاتم البستي وأبو الحسن الدارقطني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم أن الأحاديث المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقل لا أصل لشيء منها . وليس في رواتها ثقة يعتمد)
وفي روضة المحدثين - (3 / 352)
حديث : " أول ما خلق الله العقل " .
وفي ( فتح الباري 289/6 )
قال الحافظ فى " الفتح " 6 / 289 : ليس له طريق ثبت.
وفي تخريج أحاديث الإحياء - (1 / 191)
- حديث " أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك ، بك آخذ وبك أعطي ، وبك أثيب وبك أعاقب "
أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة بإسنادين ضعيفين .
وفي المقاصد الحسنة - (1 / 198)
حديث: إِنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَشْرَفَ مِنْكَ، فَبِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، قال ابن تيمية وتبعه غيره: إنه كذب موضوع باتفاق انتهى، وفي زوائد عبد اللَّه بن الإمام أحمد على الزهد لأبيه عن علي بن مسلم عن سيار بن حاتم، وهو ممن ضعفه غير واحد، وكان جماعا للرقائق, وقال القواريري: إنه لم يكن له عقل، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدثنا مالك بن دينار عن الحسن البصري مرفوعا مرسلا: لما خلق اللَّه العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال: ما خلقت خلقا أحب إلي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وأخرجه داود بن المحبر في كتاب العقل له حدثنا صالح المري عن الحسن به بزيادة: ولا أكرم علي منك، لأني بك أعرف، وبك أعبد، والباقي مثله، وفي الكتاب المشار إليه لداود من هذا النمط أشياء، منها: أول ما خلق اللَّه العقل، وذكره. وابن المحبر كذاب، قال شيخنا: والوارد في أول ما خلق اللَّه، حديث: أول ما خلق اللَّه القلم، وهو أثبت من حديث العقل .
واستدلت الإسماعيلية وغيرها بهذا الحديث المكذوب على أن العقل الأول هو أول المخلوقات والصادرات عن الله كما بينه شيخ الإسلام، إلا أن هذا الحديث ولو سلمنا بصحته كما قال ابن تيمية رحمه الله: فإنه حجة عليهم، وذلك لأن معناه أنه خاطب العقل في أول أوقات خلقه بهذا الخطاب، وفيه أنه لم يخلق خلقا أكرم عليه منه، فهذا يدل على أنه خلق قبله غيره([7]).
وهذا الحديث يناقض الفلاسفة أيضا في مسألة العقل فهم يرون أن العقل جوهر قائم بنفسه، والحديث يدل على أن العقل عرض قائم بغيره، ولذلك لا تختص به هذه الأعراض الأربعة،(يعني قولهم بك آخذ وبك أعطي، وبك أثيب وبك أعاقب) لأن العالم كله صادر عنه([8]).
[1] - الرد على المنطقيين ص 196.
[2] - بغية المرتاد لابن تيمية ص172.
[3] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 27/2472.
[4] - المصدر السابق 35/153.
[5] - المصدر السابق 35/153.
[6] - منهاج السنة لابن تيمية 8/15.
[7] - الرد على المنطقيين لابن تيمية ص276، ومنهاج السنة 8/16.
[8] - انظر: المصدر السابق ص276, ومنهاج السنة 8/17.