الإلمـام بفضائـل الشـام
للعلامة أحمد شحاتة الألفي السكندري
قال المؤلف :
فإنى لما طالعت كتاب (( فضائل الشام )) للحافظ أبى عبد الله بن عبد الهادى المقدسى ، رأيته قد أودعه من المناكير والضعاف ما كان ينبغى له أن ينأى عن ذكرها فى هذا المقام ، ففى الباب كثرة كاثرة من الصحاح والحسان مما يُستغنى بها عما لا يُحمد ذكره وتستغرب روايته ، فضلا عن نسبته للصادق المصدوق صلَّى الله عليه وسلَّم ، سيما وهـو المحدث الناقد ، والحافظ الحاذق ، والجبل الراسخ ، الذى لا نظير له فى الحفظ والإحاطة ، وتمييز صحاح الأحاديث عن ضعافها .
الباب الأول
بيان أن أهل الشام لا يزالون على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة
(1) قال الإمام البخارى (( كتاب المناقب ))(3641. فتح ) : ثنا الحميدي ثنا الوليد ـ يعنى ابن مسلم ـ قال حدثني ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ )) ، قَالَ عُمَيْرٌ : فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ : قَالَ مُعَاذٌ : وَهُمْ بِالشَّأْمِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ : وَهُمْ بِالشَّأْمِ .
وأخـرجه كذلك أبـو يعلى (13/375/7383) ، وأبو عوانة (4/506/7501) ، واللالكائى (( أصول الاعتقاد ))(165،166) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(5/159) ، وابن حزم (( الإحكام )) (4/527) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/261) من طرق عن الوليد بن مسلم به .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح مشهور ، يروى من غير وجهٍ عن معاوية . وهو مشهور مستفيض عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئٍ عن معاوية ، رواه عنه : الوليد بن مسلم ، ويحيى بن حمزة بن واقد ، والوليد بن مزيد البيروتى ، وبشر بن بكر التنيسى ، وصدقة بن خالد .
(2) وقال الإمام أحمد (4/101) : ثنا إسحاق بن عيسى ثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يَـقُولُ : سَمِعْتُ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَـقُولُ : (( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ )) ، فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ : هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ : وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ .
وأخرجه كذلك مسـلم (13/66. نووى ) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(1/315/554) ، وابن حزم (( الإحكام ))(4/527) ، وابن عساكر (1/262) من طرق عن يحيى بن حمزة به نحوه .
وأخرجه أبو عوانة (4/506/7502،7501) ، وابن عساكر (1/264،263) كلاهما من طريقى الوليد بن مزيد وبشر بن بكر ، والطبرانى (( الشاميين ))(1/315/554) من طريق صدقة بن خالد ، ثلاثتهم ـ الوليد وبشر وصدقة ـ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به بنحوه .
(3) قال الترمذى (2192) : حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
قال أبو محمد : وهو حديث مستفيض مشهور عن شعبة ، رواه عنه جمع من الأثبات : أبو داود الطيالسى ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومحمد بن جعفر غندر ، ويزيد بن هارون ، ووكيع ، وعلى بن الجعد ، وصدقة بن المنتصر ، والربيع بن يحيى بن مقسم الأشنانى ، وأسد بن موسى ، وعمران بن إسحاق أبو هارون البصرى .
أخرجه كذلك الطيالسى (1076) ، وأحمد (3/436 و5/35،34) ، والبزار (3303) ، والرويانى (946) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/333) ، وابن حبان (7303،7302) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/27/56) ، والإسماعيلى (( معجم شيوخه ))(2/679) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(2/357) ، والخطيب (( الـتاريخ ))(8/417و10/182) ، وبيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(44) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/308:305) من طرق عن شعبة به .
وقال الحافظ ابن عساكر : (( تفرد به شعبة عن معاوية بن قرة بن إياس . وقد رواه أبو عتبة إسماعيل ابن عياش العنسي الحمصي ، وهو من أقران شعبة ، عن رجل عن شعبة )) .
قلت : بل رواه كذلك إياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده .(1)
ــــــــ
(1) أخرجه أبو نعيم (( الحلية ))(7/230) من طريق إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن إياس بن معاوية عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( إذا فسد أهل الشام فلا )) .
وأما حديث إسماعيل بن عياش ، فقد حدَّثه عمران بن إسحاق أبو هارون البصرى عن شعبة به .
أخرجه هكذا بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(44) ، ومن طريقها ابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/308:305) من طريق بشر بن بكر التنيسى عن ابن عياش به .
قـلت : وعمران بن إسحاق أبو هارون البصرى غـير مشهور ، تفرد عنه ابن عياش . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(8/497/14646) وقال : (( شيخ مستقيم الحديث )) .
ـــــــــ
= وهذا الإسناد واهٍ بمرة ، إسماعيل بن يحيى هو ابن عبيد الله التيمى . قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات وما لا أصل له عن الاثبات ، لا تحل الرواية عنه بحال . وقال ابن عدى : عامة ما يرويه أباطيل . وقال الدارقطني : كذاب متروك . وقال الأزدي : ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه .
قـلت : ولما كان بهذه المثابة من الضعف لم أذكره بالأصل .
الباب الثانى
دعاء النبى صلَّى الله عليه وسلَّم للشام بالبركة
وما يرجى بإجابة دعوته لأهلها من رفع السوء والبليات
(4) قال الإمام البخارى فى (( كتاب الفتن ))(4/227) : ثنا علي بن عبد الله ثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال : ذكر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، فَأَظنُه قَالَ فى الثالثة : (( هُنَالِكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ )) .
(5) وقال الترمذى (3953) : حدثنا بشر بن آدم ابن ابنة أزهر السمان حدثني جدي أزهر السمان عن ابن عون عن نافع عـن ابن عمر : أَنَّ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَـارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا )) ، قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ، قَالَ : (( هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا ـ أَوْ قَالَ ـ مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ )) .
قال أَبو عِيسَى الترمذى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيـثِ ابْنِ عَوْنٍ )) .
وأخرجه كذلك أحمد (( المسند ))(2/118) و(( فضائل الصحابة ))(1724) ، وأبو يعلى (1/87/78) ، وابن حبان (7301) ، والصيداوى (( معجم الشيوخ ))(ص325) ، وأبو عمرو الدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(46) ، والذهبى (( تذكرة الحفاظ ))(3/836) و(( سير الأعلام )) (12/524) من طرق عن أزهر بن سعد السمان عن ابن عون به مثله .
قال أبو محمد : حديث ابن عون أصح شئٍ فيه وأجود ، ولهذا أخرجه إمام المحدثين ، ولكن لم يتـفرد ابن عون عن نافع ، فقد رواه عنه كذلك : عبد الرحمن بن عطاء بن كعب وهو مصرى ثقة ، وأبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك . وروى عن ابن عمر من غير وجهٍ .
(6) قال الإمام أحمد (2/90) : ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سعيد ـ يعنى ابن أبى أيوب ـ ثنا عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن ابن عمر : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا )) مَرَّتَيْنِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَفِي مَشْرِقِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ، وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ )) .
وأخـرجه كذلك الطبرانى (( الأوسـط ))(2/249/1889) مـن طريق ابن وهب ثنى سعيد بن أبى أيوب به نحوه ، وزاد (( وبه الداء العضال )) .
وقال أبو القاسم : (( لم يـرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به ابن وهب )) .
قلت : قد علمت أن أبا عبد الرحمن المقرئ تابعه عن ابن أبى أيوب .
يتبع ....