تركيا وإيران .. طريقتان للحياة الإسلامية
أمير طاهري
ها هي بعض الأرقام حول دولتين جارتين، لنسميهما دولة (أ) ودولة (ب). في دولة (أ) يقول حوالي 95 في المائة من السكان انهم يؤمنون بالله، بينما يصف 70 في المائة منهم أنفسهم بأنهم «مسلمون ورعون»، فهم يقومون بأداء الصلوات بانتظام ويصومون رمضان. هنا في الدولة (أ) يقول حوالي 55 في المائة من السكان انهم يذهبون للمساجد على الأقل مرة في الاسبوع.
في الدولة (ب) يصل عدد الذين يقولون انهم يؤمنون بالله الى 65 في المائة، بينما الذين يصفون أنفسهم بأنهم «مسلمون ورعون» لم يحصلوا على أكثر من 60 في المائة، والذين يذهبون للمساجد على الأقل مرة في الاسبوع لا يمثلون أكثر من 12 في المائة.
الجارتان محل السؤال هما تركيا وإيران.
هل يمكنك القول بأيهما من؟
قد تفاجأ بأن الدولة (أ) التي يمكن القول بأنها الأمة الأكثر تدينا، هي تركيا والتي عادة ما يعدد الاسلاميون مثالبها باعتبارها تقريبا أرضا وثنية حيث توجد العلمانية، أيا كان معنى الكلمة. والدولة (ب) هي الجمهورية الاسلامية الإيرانية، التي هي وفقا لزعم مرشدها العام علي خامنئي، الدولة الوحيدة الاسلامية بحق منذ زمن الخليفة علي بن طالب.
أجرى معهد كونراد أدينور، وهو مؤسسة المانية غير رسمية، الاستطلاع التركي في يوليو، وأجرت مجموعة جليهار، وهي مجموعة أبحاث السوق، الاستطلاع الإيراني.
دعونا نضيف رقما آخر:
في استفتاء أجرته مؤخرا الشركة الالمانية (أنار ANAR)، أوضح أن حوالي 43 في المائة من الذين شاركوا في الاستطلاع من الأتراك قالوا انهم سيصوتون لحزب العدالة الاسلامية والتنمية في الانتخابات العامة المزمع عقدها في وقت لاحق من هذه السنة. وأظهر استفتاء مماثل في إيران، في انتخابات حرة متعددة الأحزاب، وهو أمر لم يحدث في إيران منذ عام 1950، لم تحرز البطاقة الانتخابية الاسلامية أكثر من 11 في المائة من أصوات الناخبين.
بالطبع، فإن استطلاعات الرأي العام دائما ما تخضع لتأويلات مختلفة.
في تركيا، قد يرجع العدد الكبير للذين وصفوا أنفسهم بأنهم «مسلمون ورعون» كرد فعل للعلمانية التي تبشر بها الصفوة الحاكمة. وفي إيران، من ناحية أخرى، يبدو أنه قد تكون مجافاة الاسلام احتجاجا على المجموعة الصغيرة من الملالي الذين يحتكرون السلطة.
أي ان إيران وتركيا، جارتان تتميزان بكثافة سكانية واحدة تقريبا وروابط ثقافية وثيقة وتاريخ مشترك طويل، قد لا تكون إحداهما أكثر أو أقل اسلاما من الأخرى.
وها هي مجموعة أخرى من الأرقام المثيرة للانتباه:
يوجد 81000 مفتٍ في تركيا، جميعهم معينون وتدفع لهم الحكومة رواتبهم، بينما في إيران يوجد تقريبا 300000 ملا طبقا لآخر إحصاء، بزيادة قدرها حوالي 10 في المائة منذ حكم الشاه.
ولكن ما يثير الانتباه، هو ان السلطات التركية ترفض كل عام حوالي 3000 طلب للإفتاء فالأمنيات كثيرة لشغر الوظائف القليلة المتاحة.
في إيران، من الناحية الأخرى، فإن عدد الشبان الذين يرغبون في أن يصبحوا ملالي يظهر تدهورا في السنوات العشر الأخيرة.
واليوم، لم تعد المدارس الدينية في مدن مثل قم ومشهد وطهران، قادرة على شغر الأماكن التي توجد بها عادة للطلاب في بعض المدن، خاصة بصورة ملحوظة، كيرمانشاه وهمدان وسمتان، اضطرت المدارس الدينية القائمة من القرن 15 الى اغلاق أبوابها لعدم وجود طلاب.
حتى في مدينة ارديل موطن الصفويين الذين حولوا إيران الى دولة شيعية، أغلق آخر مركز لتدريب الملالي أبوابه بعد 433 عاما.
في شيراز دفعت قلة الملالي من المرتبة المتوسطة بإحدى جماعات الايمان الى ان تستورد آية الله من نيويورك، يدعى أمير مهالاتي، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كولومبيا، ولم يحضر أي حلقة دراسية دينية أبدا، وكل ما عليه فعله هو اطلاق لحيته والتخلي عن بدلته الغربية وارتداء زي الملا، وكذلك العمامة، واستخدام عبارات وجمل عربية أكثر من الانجليزية في حديثه.
عندما يأتي الأمر للدراسات الاسلامية، تعرض تركيا مجالا أكبر وأكثر تنوعا مما تعرضه إيران، ربما يرجع سبب ذلك الى ان الدراسات التي تعارض أوضاع الأسلوب الخوميني ممنوعة ويسمح فقط باجراء الدراسات الاسلامية طالما هي لا تتعارض مع الرؤية الحكومية للاسلام.
ولا مفاجأة في ذلك، فعندما كنت طالبا في الستينيات كانت إحدى المواد التي ندرسها هي دراسة مقارنة للماركسية الالمانية. واكتشفت فجأة ان النصوص التي احتاجها تتوافر في المانيا الغربية الرأسمالية وليس في المانيا الشرقية الشيوعية.
في عام 1998، رفضت رسالة باحث إيراني في علم أصول الدين في جامعة اصفهان لنيل درجة الدكتوراه لان موضوعه كان آية الله الكبير كاظم شاريعاتماداري، أول قائد شيوعي يحذر من تشدد الخوميني، ويعمل الباحث الآن في ذات الرسالة في جامعة تركية.
يوجد عدد آخر من الموضوعات الاسلامية التي لا يمكن دراستها في إيران اليوم. فلا يمكنك اجراء بحث غير فارسي حول أول ثلاثة «خلفاء راشدين»، كما لا يمكنك اجراء دراسة مقارنة للمدارس الاسلامية المختلفة في «الفقه»، خوفا من أن تتناول افتراضات الخوميني شديدة الغرابة. مع ذلك، فمثل تلك الدراسات المقارنة ممكنة بصورة كاملة وتحدث بصورة روتينية في تركيا.
ولا غرو، فيوجد سوق أكبر للكتب الاسلامية في تركيا عنه في إيران.
فمن وقت غير بعيد، قمت بزيارة معرض للكتاب في اسطنبول حيث يوجد أكثر من 250 ناشرا خاصا متخصصين في الكتب الاسلامية ولديهم أماكن عرض. وفي إيران لا يوجد مثل هؤلاء الناشرين لرغبة الحكومة في السيطرة على كل شيء. في تركيا، غالبا ما تسيطر الكتب الاسلامية على قوائم أكثر الكتب مبيعا. في إيران، لا يوجد تقريبا سوق لمثل تلك الكتب، خارج نطاق الحكومة التي تقوم بطباعة وتوزيع هذه الكتب مجانا.
زار الروائي البرازيلي باولو كموهلو إيران اخيرا، وأسس جائزة نقدية للكتاب الإيرانيين الشباب في ثلاثة أفرع: الأدب والشعر والدراسات الاسلامية.
وأخبرني انه تلقى مئات بالنسبة للفرعين الأولين، الأدب والشعر، لكن له طلبات للفرع الثالث في الدراسات الاسلامية.
لا يوجد شعراء أو روائيون أو صحفيون في إيران (عدد قليل من الصحفيين يطلقون على أنفسهم «اتباع الامام» ولكنهم ليسوا اسلاميين)، بينما تركيا لديها وفرة في أعداد الروائيين والشعراء والصحفيين الاسلاميين، جنبا الى جنب مع الآخرين الذين يمثلون المشاعر الدينية والسياسية لليسار واليمين.
في إيران توجد شرطة خاصة لإجبار النساء على ارتداء الحجاب الذي لا يردن ارتداءه. في تركيا توجد شرطة لإجبار النساء على خلع الحجاب الذي يردن ارتداءه.
في إيران: يعتبر الاسلام مشروع الحكومة.
في تركيا: يعتبر أمراً متروكاً للشعب .
منقول عن مقال في عدد سابق من جريدة الشرق الأوسط .