صالح الشيحي كاتبٌ ومثقفٌ سعودي، يملك عقلا واعيا وضميرا حيا. عرفناه ناقدا مخلصا غيورا يتبنى القضايا الأهم لمجتمعه.
لم يكن يوما تابعا منقادا أو إمعةً يسعى خلف أولئك تارة وإلى هؤلاء تارة.
خلت رحلته الثقافية من محطات الانتهازية والنفعية. والتمرد الوقح على ثوابت الدين ومبادئه.
انتقد الفساد والفقر والبطالة.. ولم يهادن يوما في الدفاع عن حق المواطن.
المتابع لكتاباته يدرك أنه لم يحاول يوما أن يرضي أي طرف بأن يصطف إلى جانب «سُلطة أو ليبراليين أو محافظين»، بل كان اصطفافه الدائم إلى حيث يعتقد أن ثمة مصلحة المواطن وتحقيق كرامته.
ما ذكرته أعلاه ليس تعريفا بالشيحي أو ثناءً عليه، فكلنا نعرفه ونكاد نجمع على كتاباته الوطنية وقلمه الشريف، ولكنني أحاول أن أصل بكم أو معكم إلى ما يجلي هذه العتمة أو يبدّد الحيرة حولها.
لماذا هذه الضجة الكبيرة حول تغريدة الشيحي والتي وصف فيها مشهدا رآه للمثقفين بفندق الماريوت «بالخزي والعار» وأن مشروع التنوير الثقافي في السعودية يدور حول المرأة؟ لماذا هذا الهجوم الشرس من قبل أدعياء الليبرالية والثقافة على الشيحي الذي انتقد سلوكا رآه دون توصيف أو ذكر للأسماء؟!
ما لمّح إليه الشيحي ثم صرح ببعضه لاحقا ليس شيئا جديدا يفاجئنا عن بعض مثقفينا! فلطالما ظهرت لنا شهادات من داخل الوسط الثقافي نفسه. تكشف الكثير من مساوئ تلك المغتصبات الليبرالية «كل ما تم اختطافه واحتلاله ليبراليا كأملاك خاصة»، بل وما أكثر ما قرأنا من اعترافات محزنة لبعض المثقفين والمثقفات يتحدثون عن مدى الاستغلال والابتزاز والعلاقات المشبوهة وأجواء الرذائل التي قد تدنس بعض أركان المشهد الثقافي المحلي الزائف.
المثقفون الذين ثارت ثائرتهم فأعلنوها حربا على الشيحي آلمهم أنهم لا يستطيعون هذه المرة تكذيب ما قيل والتشكيك في نوايا الشيحي وأن ما قاله مجرد تشويه لهم وتصفية حسابات قديمة معهم!!
ومع ذلك فلا يكفي هذا الدافع ليكون مبررا وحيدا لردة الفعل التي كانت!
إذن فهل لأن كاتبنا الشيحي خالف ما اعتاده مثقفونا ومتلبرلونا حين جعل قضيته الأولى النضال لأجل المواطن السعودي ومشكلاته الرئيسية وليس الدوران حول تفاهاتهم واهتماماتهم الهامشية التي شغلونا بها. حتى صرفوا أبناء هذه البلاد عن التركيز في البناء والإنتاج وجعلونا في حالة استنفار دائمة حتى بات غاية الطموح أن نحمي ثوابتنا وثقافاتنا منهم.
التهديدات والإساءات المتلاحقة والإرهاب الفكري والضغوط النفسية التي تعرض لها الشيحي من أولئك القوم الذين صدّعوا رؤوسنا دوما بأكاذيبهم حول الحوار واحترام الرأي الآخر كشف لنا أنه قد آن الأوان لإزاحة الغطاء عن جراحنا القديمة وإخضاعها عاجلا للتطهير والمعالجة.
إلى متى يُحاكم من يصدع بالحق ويُحاسب كل أمين وصادق. ويُساء إلى المخلصين ويُعاملون كخونة وأعداء لهذا الوطن؟ فيما يجد من يتعدى على هذا الدين وعلماء هذا الوطن وأبنائه يجد كل تكريم وتمكين!
إلى متى نسمح لأمثال هؤلاء بتشويه مفهوم الثقافة الحقيقي؟ الذي باتت فيه الثقافة سخافة، والتطوير تدميراً، والتنوير قبساً من نار لا نور؟!
أولئك الذين حاربونا بمقالاتهم ورواياتهم وخواطرهم الشعرية فامتهنوا كل قيمة مشرقة، وصوروا المرأة بأقبح وأرذل الصور.
أليس هؤلاء أكثر من انتقدنا ووصف مجتمعنا بأقذع أوصاف التخلف والهمجية كيف صارت شتائمهم لنا مجرد نقد وتسليط ضوء على الواقع بهدف الإصلاح؟ أما رأي الشيحي ونقده لهم فصار قذفا وتشويها يستدعي التأديب والتقاضي!
أخيرا يا مثقفينا: الثقافة ارتقاءٌ بالفكر والسلوك، ووسيلة إيجابية فعّالة لتوجيه أفراد المجتمع نحو التميّز وسبل التنمية والإصلاح. الشيحي ليس له من جريرة إلا أن حاول أن يكون مثقفا يكشف الحقيقة أيا كانت تبعاتها، من موقف المحايد وبعين المراقب الحُرّ، والسُلطة التي ترفض كل سلبي وتؤصل للحق. فلماذا كل هذا الصراخ؟!
المقال للأستاذة ريم آل عاطف .