فشل الفكر الليبرالي
ليس من السابق لأوانه القول بفشل الفكر الليبرالي في بلادنا لما نشاهده من انقسام داخل الطابور الليبرالي الذي يشكك في وجودها ومفاهيمها وقيمها وفلسفتها كما فشلت من قبل فشلا ذريعا في السياسة والاقتصاد وحينها تذكرت كلام العلامة ابن تيمية في (الدرء) ومضمونه: أنه لابد من وجود طائفة من أهل الهوى توافق الحق بعقلها المجرد وإن خالفته في موضع آخر ؛ مما يدل على أن النقل يوافق العقل..[*] [*]ولتقرير هذه القاعدة على الفكر الليبرالي وأنه كما يخالف النقل فهو يخالف العقل أيضا في الفكر والسياسة والاقتصاد :[*] [*]فمثلا من القيم المتفق عليها في الفكر الليبرالي أن العبرة بالحرية الفردية وأنه يجب على الحكام والبرلمانات والمؤسسات أن تذلل كل السبل لتحقيق حرية الفرد ، وباتت المحاب والمكاره تدور حول الفرد نفسه ، فما يحبه الفرد فهو مشروع له ولو كان الكفر بالله والطواف بالقبور وشرب الخمور... وما يكرهه فهو ممنوع عنه ولو كان التوحيد والطواف بالبيت المعمور وأصحاب هذا الفكر يسمون بالفرديين!![*] [*] ولسوء هذا الفكر وما ينضح به من أنانية تفوق الخيال عارضتها طائفة من داخل الطابور الليبرالي في الغرب هي أقرب إلى الحق من الأولى مشيرة إلى أن العبرة برفاهية المجتمع لا برفاهية الفرد ، وأن كل ما يسهم في الإضرار بالمجتمع ولو كان في سبيل حرية قلة من الأفراد فهو ممنوع ، وهي بهذا المفهوم الذي توصلت إليها بعقلها المجرد قريبة من الشريعة الإسلامية التي لا تهمل مصالح الفرد ولا مصالح الجماعة غير أنها عند التعارض تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.[*] [*]ومن القيم المتفق عليها عندهم فرض (المساواة) على المجتمع لتحقيق الحرية ؛ إذ أن السماح بتفاضل الأفراد بعضهم على بعض يجعل الفاضل يتعالى على المفضول والقوي يتسلط على الضعيف ؛ وحينئذ لن تكون حرية للضعفاء المساكين !![*] [*]وعارضتها طائفة من داخل الطابور الليبرالي بأن فرض المساواة يتنافى مع الحرية غاية وهدفا ، فمن حيث الغاية فإن الحرية التي مضمونها أن لا يفرض على الفرد شيء ألبته بأن يعيش في هذه الدنيا سدى لا يؤمر ولا ينهى كما قال تعالى: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} يتعارض مع فكرة أن تفرض المساواة على المجتمع فرضا!![*] [*]وأما تعارض المساواة مع الحرية في الهدف والثمرة هو أن الحرية تؤدي إلى أن يزداد القوي والغني قوة وغنى ويزداد الضعيف والفقير ضعفا وفقرا وهذا يؤكد أن لا مساواة في المجتمع الليبرالي!![*] [*]بينما الإسلام توسط في هذا الباب فجعل مساحة كبيرة من المشروعات تتمثل في أن الأصل في العادات الإباحة لكنه مع هذا فرض أمور تضبط الأمر من عدم استغلال الضعفاء والفقراء بل وتكفل لهم بحق في الأبدان والأموال منه ما هو واجب كمساعدة المضطر بدنا ومالا ومنه ما هو مستحب في تفصيل يطول بسطه.[*] [*]والإسلام أمر بالعدل ولم يأمر بالمساواة بإطلاق ، وبين العدل والمساواة فرق لا يهتدي إليه الشهوانيون إذ العدل هو المساواة بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ، فمتى حصل التماثل وجبت المساواة كالمساواة بين المجتهدين والغنيين والفقيرين والبصيرين والعالمين والجاهلين وغيرها ومتى حصل الفرق وجب التفريق بينهما كالتفريق بين العالم والجاهل والأعمى والبصير والحي والميت والذكر والأنثى وهكذا كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[*] [*]وبهذا يظهر عوار الفكر الليبرالي إذا نظرنا إليه من داخله وبشكل سطحي ، أما إذا تعمقنا في الفكر الليبرالي وتأملنا في لوازمه وما يؤدي إليه ؛ فسنجد الفضائح التي لا تتناهى والجرائم التي لا حصر لها من تجويز الشرك بالله تعالى والزنا وشرب الخمور وغيرها مما أستحي أن أذكره هنا.[*] [*]فإذا كان هذا الفكر الليبرالي بهذا المستوى من السذاجة والإسفاف أتراه تقوم له قائمة في بلاد التوحيد بلاد النقل والعقل؟؟[*] [*]ومما يزيد في ضعف استمرار هذا الفكر في بلادنا أنه يعيش بدون رأس وهو يتماهى مع طبيعته التي لا ترضى أن يكون له رأس في مخالفة صارخة للفطرة ، ولهذا تجد أنصاف المثقفين يتسنمون الأعمدة ، ويتطاولون على العلماء ، ويتنافسون على الأضواء ، ويدعون بالكتاب والمفكرين ولعل هذا أحد الأسباب التي أثارت غضب بعض المثقفين المنتمين إلى نفس الفكر كأمثال د.الغذامي الذي سلب الليبرالية من ردائها كما فعل مع أختها الحداثة من قبل ، وإن علل ذلك بتعددية الليبرالية ، وقاتل الله زمانا بدأ يفتخر فيه هؤلاء الحمقى بتذبذبهم بين تيارات مختلفة كلما دخلت أمة لعنت أختها! ومازلت أذكر أشجان الشهرستاني وهو يتحسر على تنقله بين التيارات المختلفة قبل قرون طويلة..[*]لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم[*]فلم أر إلا واضعاً كف حـائر على ذقن أو قارعاً سن نادم[*] [*]2- ولقد فشلت الليبرالية أيضا في مياديين السياسة في المحيط العام وذلك حينما فشل الليبراليون الذين تربعوا على عروش الملك في البلدان العربية ؛ حيث لم يحفل ملكهم بتقدم ديني ولا دنيوي فلعنتهم شعوبهم وطردتهم شر طردة في تونس ومصر وغيرها وانمحت معه تلك الثرثرة بأن الدين لا شأن له في السياسة مما عكس صورة التخلف على الليبرالية ، كما أن هؤلاء الليبراليين فشلوا في المحيط الخاص أعني السعودية ؛ حيث تجلى عوار الفكر الليبرالي عند ولاة الأمور لاسيما بعد نكبتهم في جمعة الوفاء والتي تليها وما صاحبها من تصريحات لسمو الأمير نايف وما تُوجت به من الأوامر الملكية من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي تعد أوامره صفعة أخرى في وجه الليبرالية بدعمه للجهات الدينية كالهيئة وجمعيات التحفيظ ومكاتب الدعوة كما أمر إعادة النظر في نظام المطبوعات والنشر ولزوم الأدب مع علماء الشريعة في بلادنا الغراء.[*] [*]ومن الملاحظات التي بدأت تتجلى في الساحة السعودية من انحسار المد الليبرالي ما أصدره سمو الأمير نايف من قرار يقضي بمنع توظيف المرأة في وظائف كاشيرات (محاسبات) في الأسواق استنادا لفتوى اللجنة الدائمة. كما تم إبعاد الشيخ (أحمد بن قاسم الغامدي) من إدارة فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يعد أبرز المؤيدين لليبرالية السعودية في كثير من قضايا المرأة ..[*] [*]3- وأيضا فشل الفكر الليبرالي في الجانب الاقتصادي ؛ حيث شهد العالم كله قبل سنوات قليلة ما منيت به المصارف الرأس مالية من خسائر فادحة اضطرت الدولة على إثرها بالتدخل في الأسواق المالية في مخالفة صريحة لأبجديات الفكر الليبرالي الرأس مالي.[*] [*]وبعد هذا الفشل الليبرالي المتوالي يوقن المسلم الواثق بربه وبدينه أن الليبرالية وخاصة في بلادنا تحتضر لتلفظ أنفاسها الأخيرة!![*] [*]وإذا تقرر هذا فإنه في تقديري أن الليبراليين ستتغير تكتيكاتهم بتغير الأوضاع وذلك باستجرار فكر الجابري والعروي وأركون وغيرهم ليتمكنوا من ذبح الإسلام بسكين الإسلام كما يقال.[*] [*] وأسأل الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وآخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه..
عبدالعزيز بن سعود الصويتي التميمي
عبدالعزيز بن سعود الصويتي التميمي