معنى التردد الوارد في الحديث الشريف كما قال الامام الشوكاني رحمه الله بعد ذكره الاوجه السابقة وتضعيفها لا حتمال معاني لا تجوز في حق الباري عز وجل :
((
ان ذلك التردد هو كناية عن محبة الله تعالى لعبده المؤمن أن ياتي بسبب من الاسباب الموجبة لخلوصه من المرض الذي وقع فيه حتى يطول به عمره , من دعاء او صلة رحم او صدقة ، فان فعل مد له في عمره بما يشاء سبحانه ، وبما تقتضيه حكمته ، وان لم يفعل حتى جاء اجله ، وحضره الموت مات بإجله الذي قضى عليه إذا لم يتسبب بسبب يترتب عليه الفسحة له في عمره ، مع انه وان فعل ما يوجب التاخير ، والخلوص من الاجل الاول ، فهو لابد له من الموت بعد انقضاء تلك المدة التي وهبها الله سبحانه له،
فكان التردد معناه : انتظار ما يأتي به العبد الصالح مما يقتضي تاخير الاجل او لايأتي فيموت بالاجل الاول وهذا معنى صحيح لايرد عليه اشكال ولا يمتنع في حقه سبحانه بحال مع انه سبحانه يعلم ان العبد سيفعل ذلك السبب ، او لايفعله ، لكنه لايقع لتعليق الله تعالى المسبب بحصول السبب الذي ربطه به سبحانه )
* بتصرف من قطر الولي شرح حديث الولي _ طبعة احياء التراث العربي _ص 515
وقال الامام بن حجر رحمه الله في فتح الباري في كتاب الرقائق باب التواضع في شرح
قوله: ( يكره الموت وأنا أكره مساءته ) :
في
حديث عائشة " إنه يكره الموت وأنا أكره مساءته " زاد ابن مخلد عن ابن كرامة في آخره " ولا بد له منه " ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب , وأسند البيهقي في " الزهد " عن الجنيد سيد الطائفة قال : الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه , وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته انتهى . وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي , وهو مفارقة الروح للجسد , ولا تحصل غالبا إلا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال : " كأني أتنفس من خرم إبرة , وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي " وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا , فلما كان الموت بهذا الوصف , والله يكره أذى المؤمن , أطلق على ذلك الكراهة . ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لأنها تؤدي إلى أرذل العمر , وتنكس الخلق والرد إلى أسفل سافلين . وجوز الكرماني أن يكون المراد أكره مكرهه الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد . قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء : في هذا الحديث عظم قدر الولي , لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه , وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له , وعن حوله وقوته بصدق توكله . قال : ويؤخذ منه أن لا يحكم لإنسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله , فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلا . قال : ويدخل في قوله " افترضت عليه " الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات , وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات , والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك . وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك . قال : وفيه دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات بإطلاع الله تعالى له , ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } فإنه لا يمنع دخول بعض أتباعه معه بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم إلا الوزير , ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه . قلت الوصف المستثنى للرسول هنا إن كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة لأحد من أتباعه فيه إلا منه , وإلا فيحتمل ما قال , والعلم عند الله تعالى . ) انتهى
وفي الحديث فوائد جليلة:
1-هي كون المؤمن قد يكره الموت ولا يخرج بذلك من رتبة الايمان الجليلة ، ولا ينافي ان المؤمن يحب لقاء الله عزوجل لوقوع ذلك في الاحاديث الصحيحة مثل ما اخرجه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه كتاب الرقاق:
حدثنا حجاج حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه .
قلت( ابوسفيان الذيابي غفر الله له ): فالكراهة للموت لاستصعاب مقدماته ولمافيه من مفارقة الاهل والاولاد والاصحاب وللجبلة التى وضعها الله تعالى في نفوس البشر قاطبة لحكمته البالغة سبحانه ، وقد تكون للمؤمن يغادر الدنيا وهو ليس راض عن اعماله الصالحة او ذنوبا لم يخلص للتوبه منها او لحقوق لله تعالى او لعبادة لم يقضها بعد وغير ذلك .
ومنه ايضا ان العبد الصالح قد يطلعه الله على بعض الغيب لقوله تعالى :(( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا إلا من ارتضى من رسول)) ويدخل في ذلك اتباع الانبياء بالحق بالتبعية وتاييدا لهم على صدق منهجهم وصحة يقينهم ولايحكم له ذلك الصلاح حتى تكون له الموافقة الظاهرة للكتاب والسنة وسبيل المؤمنين وتكون كرامة له ولايكون فيها تشريع جديد ولا زيادة في الدين فانه قد كمل بانقطاع الوحي بموت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى (( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)) وقوله تعالى (( ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)).
والحمدلله اولا واخيرا ونساله المزيد من فضله وان يتجاوز عنا بمنه وكرمه