السؤال
ما الحكمة من النهي عن زيارة مساكن القوم المعذبين كمدائن صالح؟ وهل هذا الحكم خاص بهم أم يعم كل قوم قد مسَّهم الله بعذاب؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة بقوله : لا تدخلوا مساكن المغضوب عليهم أن يصيبكم ما أصابهم كما سبق، وذلك أن من دخلها معجبًا بها، وأخذ يمدحهم، ويشيد بقوتهم، ويثني عليهم، فإنه يعتبر مقرا لهم على كفرهم وتكذيبهم، وعلى عتوهم، وعنادهم، وعصيانهم لنبيهم، وعقرهم للناقة، ومن أعجب بهم وأثنى عليهم خيف عليه أن يمسه ما مسهم، أو أن يحشره الله معهم، وهذا الحكم يعم مساكن غيرهم ممن نزل بهم عذاب من السماء بسبب كفرهم، وعنادهم، وبقي بعدهم أثرا لأفعالهم، كالأبنية الشاهقة، ويعم ذلك إذا سلط الله عليهم من أهلكهم وأباد ملكهم، وبقيت بعدهم آثارهم، فقد ذكر ابن كثير قصة سابور ذو الأكتاف(1)، وكيف هلك ولم يحصنه ما بناه من الحصون التي أصبحت بعد مأوى للطيور، ونظم ذلك بعضهم في شعر يقول فيه:
وأخو الحضـر إذا ينـاموا إذ رجـله *** تجبي إليه والخابور
شادة مرمرًا وشيده كلـ *** ـسا فللطير في ذراه وكور
. ... إلخ
وهكذا أبنية الأهرام بمصر ونحوها، فمن زارها على وجه الاعتبار والتذكر، والنظر في عاقبة تلك القوة التي ما أغنت عن أهلها شيئًا، وأخذ موعظة، أن الموت بالمرصاد، وأن على الإنسان أن تكون رغبته في الآخرة، فإنه يستفيد، وأما من يزورها للإعجاب والإكبار، وغبطة أهلها، وتمني مثل حياتهم وقوتهم، فإن ذلك مما يخاف عليه أن يصيبه ما أصابهم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
______________
(1) في البداية والنهاية (2/181 ط مكتبة المعارف، بيروت).