فيما يخص الطرق الصوفية الجديدة فإنه وللأسف الشديد يوجد طرق على ضلال تصرح دون حياء ودون خجل وتقول بلسان الحال لا بلسان المقال "إن لله شركاء وأنه ليس وحده الذي يتصرف في الكون وأنهم يعلمون الغيب" وهو قول يتشابه في كثير منه مع أقوال أكثر من مائة طائفة شيعية ومنها مثلا الإمامية الجعفرية الأثني عشرية الذين يقولون إن علي بن أبي طالب وأولاده يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهذا بالطبع ضلال.
كذلك نجد أن معظم الطرق الصوفية يعتقدون أن الخليفة – رأس الطريقة – إذا منح أحد رضاه يسعد أما إذا غضب عليه يتعس وهذه شركيات لا شك في ذلك وهي لا تنتشر إلا في البيئات الجاهلة البعيدة.. فإذا وجدت جفاء للدين وتنكر للعلم والعلماء فتوقع ما شئت من الجهالات والتخبط والبعد عن الدين والكتاب والسنة.
* لكن ما مغزى الخلاف فيما بين زعماء الصوفية؟
مغزاه حول الثروات وما يكتنز من ثروات وهو يشبه إلى حد كبير ما لدى الشيعة مثل نظام الخمس.وأذكر أنني خلال وجودي بالإمارات خبرا يقول إن أحد الناس حفر حفرة في بيته يضع فيها الذهب والتحف والنفائس والجواهر ..فلما قيل له لماذا تفعل ذلك ؟ قال لكي يجد الوهم المنتظر "الإمام المنتظر عند الشيعة" ميزانية لديه عند خروجه ..وهو أمر بالطبع يثير الضحك فإذا كان الوهم مبعوثا من عند الله فهل يحتاج إلى المخلوقات؟ .. إن هذا دليل على الغباء والبعد والجفاء للدين.
*يتمسح الكثير من أهل التصوف بما ورد في كتب السلف من إشادة برجال التصوف السني الأول كالجنيد والحسن البصري مدعين بأنهم يسيرون على نفس النهج .. كيف يمكن التعاطي مع هذا الأمر؟
لقد شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حوالي 114 ألف حاج وهو عدد ليس بالقليل وكما هو معلوم فإن كل مؤمن يرى النبي يأخذ شرف الصحبة فهؤلاء إذن ثروة كبيرة فهل نتركها ونذهب للأضرحة وما إلى ذلك؟ وهل نستغنى عن هذه الثروة وآثار هؤلاء الصحابة فضلا عن آثار التابعين وتابعيهم وقد زكاهم النبي – صلى الله عليه وسلم - "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
لقد كان من المفترض على من يحمل اسم التصوف أن يحمل معانيه من النزاهة والعفاف والبعد عن الشهوات والانحرافات والمطامع الدنيوية لكنهم وللأسف قد تحولوا إلى فرسان يتخاصمون ويتكابرون ويتناطحون وهذه مصيبة ورب الكعبة لابد أن نفطن لها فإذا كانوا يريدون أن يكونا كما كان الصوفية الأوائل فعليهم أن يسلكوا سلوكهم وليعلم هؤلاء أن أعظم إنقاذ لخير أمة اخرجت للناس إنما يكون على يد القيادة المؤمنة فإذا وجدت القيادة المؤمنة استجابت الأمة فورا وقد قالوا "عمل رجل في ألف رجل أبلغ أثرا من قول ألف رجل في رجل".
وماذا عن إدعائهم بأنهم يتبعون منهج الصوفية الكبار كالجنيد والبصري؟
التصوف القديم يعني التنزه عن الدنيا ..وقد سئل أحد تلاميذ المصطفى الأول مرة .. لقد رأيناك تلف العصابة على رأسك وتلقي بنفسك بين الجنود – الاعداء - وقد عدت لنا سالما فقال أي يوم من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر.. يقصد بذلك أن كل يوم تشرق شمسه مكتوب فيه إما أن تموت أو السلامة..فهذا هو التصوف القديم فهو نزاهة وسماحة وتطليق للدنيا ..أما أن يدعي أحد ويقول أنا متصوف ثم نراهم يتشاجرون على الكراسي والمواريث فهذه صورة لا يصدقها إلا مغفل "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ".
*يحاول البعض من المتصوفة أن يبرر توجه بأن التصوف تنفيذا لأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي حث على على الابتعاد عن الناس في الفتن في آخر الزمان.. ما تعليقكم؟
الانعزال والانكفاء على إصلاح الذات هي من الرهبنة وهذه فكرة نصرانية فلا رهبانية في الإسلام يقول الله تبارك وتعالى ""ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " لهذا فإنه كلما أتيح أمامي متنفس لقول كلمة حق وتبليغ موعظة وتقويم الشباب فلابد أن استثمر الفرصة لأني وريث النبي ولا يصح أبدا التقاعس أو التكاسل عن تنفيذ منهجه.
*في هذا الإطار هل زمننا هذا مما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
لا فنحن لم نصل إلى هذا الزمن. وهذا الكلام طعم.
*اسمح لي فضيلة الدكتور .. إننا لا نستطيع أن ننكر الدور الهام الذي لعبه بعض الصوفية في نشر الإسلام في أنحاء كثيرة من العالم ، ولكن هل تجد هناك فرق بين متصوفة الماضي ومتصوفة الحاضر؟
إننا لا ننكر الدور الكبير لأهل النزاهة والتصوف من السابقين الصادقين كما لا ننكر أبدا جهادهم وتحملهم لمسئولية نشر الإسلام ونشر الدعوة ولكن هناك فرق كما بين السماء والأرض بين الذين يحتسبون عند الله جهادهم ودعوتهم وانتقالهم وأسفارهم في سبيل الله وبين الذين يتشاجرون ويتخاصمون على الحطام الفاني وعلى جمع الثروات والنذور الباطلة الشركية...لذلك تجد شبه خصومة بين العلماء المجاهدين العاملين وبين قيادات التصوف لأنهم على طريق مختلف فلو كان الهدف هو الله ما وقع هذا الخلاف قال تعالى "وأن هذه صراطي مستقيما فاتبعوه".
*ثمة ظاهرة تحتاج إلى تفسير إذ أن كثيرا من المستشرقين أولوا التصوف الإسلام بالكثير من الدراسات المستفيضة .. ما أسباب ذلك وما الهدف من وراءه؟
أولا مفهوم التصوف في زمننا هذا هو التجرد من المظهريات الكاذبة لكن لابأس من احتواء الكنوز والنذور لغير الله وما إلى ذلك فلا حرج عليهم في هذا ..أما فيما يخص اهتمام المستشرقين بالتصوف واعتزازهم به فذلك لأن الصوفية المعاصرة على منأى من الجهاد والدعوة إلى الله فليس من شأنهم أدنى التفات إلى الدعوة إلى الله أو الجهاد في سبيل أو مواجهة الأعداء أو الاشتغال بهوم خير أمة فلا يدرون عنها ولا يفكرون فيها إنما هم لما نراه فقط منهم ..كذلك فإن المستشرقين وأعداء الإسلام من الملل الأخرى والديانات الأخرى لا تفوتهم هذه الفرصة في استثمار التضليل والتفريغ لخير أمة من أسس عزتها وكرامتها وهو الجهاد وقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا" فنحن نعيش في عصر المذلة والهوان لأننا بعيدون ولم نفكر ولم ننشغل ولم نلتفت إلى جوهر ديننا ولا إلى الفرائض الغائبة حتى ولو بالنية فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من مات ولم يغزو ولم تحدثه نفسه بالغزة مات ميتة جاهلية ".
*فيما يتعلق بالسؤال السابق هل من تفسير لظاهرة انتهاج الكثير ممن أسلموا من أبناء الغرب للمنهج الصوفي ؟
ربما أخذ هؤلاء الإسلام من شق غير مستكمل ولو اتيحت لنا الفرصة لبصرناهم بأن الإسلام كل لا يتجزا ..أتذكر من نوادر ما أحفظ قول أحد الحكماء:
الدين زهد واحتساب وهو سعي واكتساب
الدين إعداد الصوارم والمسؤمة العراب
الدين أس حضارة شماء عالية القباب
الدين أجنحة محلقة على أجنحة السحاب
الدين كل الدين تحرير الحمى من الاغتصاب
هذا هو الدين أما أن ن تأخذ بعضه وتترك بعضه فهذا ضلال يقول الله تعالى " أتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزىٌ فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب "
*في شهر ديمسبر الماضي عقد مؤتمر دولي يضم ما يقرب من 25 باحثا جاؤوا من بلاد مختلفة ليتحاوروا ويتناقشوا في الجوانب المختلفة التي تربط ابن عربي بمصر .. في رايكم إلى ما تهدف مثل هذه المؤتمرات خاصة وأننا جميعا نعرف توجهات ابن عربي؟
إن هؤلاء يعلمون جيدا أن ألين جبهة للزحف الشيعي هي الصوفية ففيها الأكثرية الساحقة التي لا تدري ولا يمتد بصرها إلى أبعد مما يرون وعن طريق هذا المدخل يستثمرون الجهل الشائع بين الناس لعزل الأمة عن الجهاد في سبيل الله وعن تقدير ما يصلح وما يفسد.
*لكن أليس من العجيب أن نعيب على الصوفية انعزالهم عن المشاركة والفاعلية ثم ننتقد بعض مواقفهم السياسية ؟
إن انتقادنا للمتصوفة من زاوية الاهتمامات الدينية فإذا كان الصوفية ممن باعوا أنفسهم وطموحاتهم في الدنيا لله فلما يخالفون وعد الله وعهده ولما الانعزالية ولما البعد وقد يصدق فيهم قول الله "أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض.." فكما فرض الله علينا الذكر والتسبيح فرض علينا أيضا الاهتمام بمشاكل المسلمين وقال الرسول الكريم " من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم" ..فلابد من الاهتمام بالقافلة الإسلامية وبما يصلح أو يفسد الجماعة المؤمنة ولابد أن نتحمل عبئا وبذلا في هذا حتى يغير الله واقعنا المؤلم المخزي.
*أعلن علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية أنهم بصدد إطلاق أول قناة صوفية، فهل ترى أنه سيكون لها تأثير في نشر التصوف، أم أن طريقها الفشل؟
الكارثة أن الناس على دين ملوكهم فنحن في مسيس الحاجة إلى قدوة للناس قدوة بالدعوة وبالعمل لا بالكلام ولذلك نرى من أوصاف عباد الرحمن قوله تعالى "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" وإماما هنا تعني قدوة ومثل أعلى يتمناه كل مؤمن ومؤمنة فيقول المرء منا اللهم اهدي لي زوجتي وأولادي ليصبحوا نماذج عملية لإحياء الأمة ولتغيير صور ضعفها وثغراتها إلى الصورة اللائقة المحببة للنفوس التي يعتز بها الإسلام .
*في الوقت الذي يلقى فيه المتصوفة كل الدعم والرضا الغربيين ما هي الرسالة التي توجهها للشباب المسلم حتى لا تنزلق قدماه في الانخراط في هذا المنهج ؟
فطن خصوم الإسلام في الغرب إلى أن خير وسيلة لسلخ الأمة عن رمز عزتها وهو الجهاد فهذا طعم لخلع رداء العزة والكرامة وارتداء ثوب المذلة والهوان والضياع وعدم الاحترام على المستوى العالمي وبالتالي فإن نصيحتي للشباب أن يأخذوا الدين ككل لا يتجزا فلا يصح أن نؤمن بطرف ونفرط في طرف والله يقول "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" ويوقل الرسول الأمين "أيما مؤمن مات دون أن يغزو ولم تحدثه نفسه بالغزة فقد مات ميتة جاهلية " حيث يأتي يجر رداء الخزي يوم القيامة يوم تبيض وتسود وجوه ..فلابد على الأقل من حديث النفس وهذا لا يعرفه جهلة الصوفية فلابد لنا من تجديد للمشرب وللمنهج وللخطى بصورة مكتملة الجوانب والأركان من كتاب الله ومن هدي النبي الأمين. ولابد من أخذ الإسلام بشموليته دون تمزيق أو الاستغناء عن ركن من الأركان ومن أشرف الأركان الجهاد.
*وقفتم وقفة قوية ورائعة - أشاد بها المتابعون لكم كجبهة – مع الشيخ القرضاوي ضد المتخلين عن الشيخ في وقفته التحذيرية ضد انتشار التشيع بين أبناء الدول العربية وخاصة مصر، وكان الشيخ القرضاوي قد حذر مسبقًا من اتخاذ التصوف باب خلفي لانتشار التشيع، فهل ترى أن التصوف في مصر باب خلفي للتشيع؟
تمام أخشى ذلك جدا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوقظ الضمائر والبقية الباقية من ذوي البصائر في الصوفية وأن يحذروا هذا المنزلق الذي لا نجاة منه ولا إفلات من جهنم أبدا.وأسأل الله النجاة والسلامة وأن يحفظ للأمة وجهها الأبيض الناصع البعيد عن الشبهات.
*هل يمكن أن تعدد لنا بعض مظاهر هذا الاختراق ؟
يكفي أن يقولوا بأن سيدنا الحسن أو سيدنا الحسن وآل بيت النبي يعلمون الغيب أو يسمعون من يستنجد بهم ويطلب الغوث فهذه كلها اعتقادات شيعية فاستغاثة والاستنجاد بغير الله كفر واصطدم مع القرآن إذ قال الله تعالى لحبيبه محمد " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا" ..فإذا كان إمام الأنبياء لا يعلم الغيب ولو كان يعلم الغيب لما أضير في غزوة أحد أو غيرها فما بالك بمن يقول بأنه يعلم الغيب ويغيث الملهوف فتجد البعض يرددون "مدد يا سيدي فلان" ويطلب مددا من غير الله وهو يعيش على تراب نعمته فهذا أعمى.
*من كتبك الماتعة كتاب " الجذور اليهودية للشيعة في كتاب علل الشرايع للصدوق الشيعي" فما نقاط التماس التي ترها بين الطرق الصوفية حاليًا والشيعة؟
الحقيقة إذا درست عقائد اليهود والشيعة والصوفية ستجد أوجه شبه كثيرة جدا بين هذه العقائد فالرفض خرج من عباءة اليهودية فمؤسس الرفض هو عبد الله بن سبأ اليهودي الخبيث وهناك عقائد قد تمتد إلى بعض الفقهيات فالرافضة لا يأكلون لحم الجازور واليهود أيضا لا يأكلون لحم الجازور والرافضة يقولون أنه ليس للمرأة عدة واليهود يقولون مثل هذا والرافضة ينتظرون المهدي المنتظر واليهود يقولون بالمسيح المنتظر وكذلك تحريف القرآن عند الرافضة وتحريف التوراة عند اليهود وسب عائشة بالزنا عند الرافضة وسب مريم بالزنا عند اليهود والرافضة يقولون بالرجعة وهو ما يقوله اليهود إذ يعتقدون أن بعض الأموات سيعودون إلى الحياة قبل يوم القيامة وقد انتقلت هذه الفكرة إلى الصوفية لهذا فإنك ستجد تطابق في كثير من المواقف بين اليهود والرافضة كما أخذ الصوفية من التشيع كثير من معتقداتهم كعصمة الإمام عند الرافضة وهي عصمة الولي عند الصوفية والشيعة الرافضة لا تقبل المناقشة في مسألة عصمة الأئمة وكذلك يعتقد الصوفية في الولي إذ يرون أنه في مرتبة أعلي من النبي.