جاء في الروايات الدعابية من أهل الأسواق، أنه مر أحد السياح الفرنسيين على أرض إيران ضمن سيره في العالم، و لسوء حظه أن صادف وصوله إلى إيران شهر الله المحرم ورأى ما رأى من الوحشة و الدهشة و الكآبة و...فلما رجع إلى بلاده جاءه أحد الصحفيين وأصر أن يجري معه حوارا صحفياً فكان أول سؤال منه أن كيف وجدت إيران؟
فأجاب السائح قائلاً: لقد وجدت إيران أعلى وأجل مما كنت أتصور، شعب لبق، كرام، محب للضيف، يعشقون الثقافة الغربية، و ثقافتهم ثقافة شرقية جميلة و نزيهة.....
ولكن الأمر الذي آلمني كثيراً هو تخلف وسائل الإعلام فيها. فكأن الأخبار تنقل - من وإلى- أكتاف النملة العرجاء! على سبيل المثال: لقد قتل أحد أئمتهم في كربلاء قبل ألف وأربعمائة سنة تقريباً و لكن خبره وصل إلى إيران قبل أيام! مما جعل الناس يضطربون بسماع هذا الخبر المحزن و أصابهم الهم والكآبة فبدؤوا يضربون على وجوههم و رؤوسهم وصدورهم!....
نعم! هذه الحكاية المريرة تتكرر كل سنة وممكن أن تقول كل شهر، ولو شئت تقول كل أسبوع!! هذا حال الإيرانيين في 90 يوماً من السنة عندهم يوم حداد! يبكون على أمر قد مضى تاريخه والمؤرخون يكذبون أكثر تلك الروايات!
كنت أفكر دائماً نحن الإيرانيون نتباين عن بقية المسلمين ديناً ومنهجاً و نسباً، حيث تختلف أعيادنا عن أعياد بقية المسلمين! صلاتنا تختلف عن صلاتهم! صومنا يختلف عن صومهم حيث نبدأ الصوم بعدهم بيومين، فالخلاصة أننا أنشأنا لأنفسنا إسلاماً إيرانياً خاصاً! لنا لون ورائحة وفهم و شعور خاص، كما نريد نعمل وكما تأمرنا أحلامنا نستجيب لها، وقد عوجنا رقبة التاريخ و المتون والمصادر الدينية حسب رغباتنا و أهوائنا!
ولكن هذه السنة أضيف اكتشاف جديد إلى قائمة اكتشافات الكاتب وهو: لا يوجد أي تشابه بين الإيرانيين وسائر البشرية! لنا طريقنا ولهم طريقتهم، كأننا نعيش في نظام شمسي غير النظام الشمسي المعروف!!
اليوم يوم عاشورا، ترى الناس فيه مذهلين ومرتجفين و مضطربين، يتجهون إلى مسيرة ما!
الرجال و النساء والشيوخ و الشباب، والفتيات والفتيان يسرعون ويعدون، البعض منهم يحملون السكاكين الحادة والآخرون السلاسل الحديدية والبعض فؤوساً صغيرة!! ذهب تفكيري و ذهني إلى أمور عديدة، في البداية ظننت أنهم اتجهوا نحو فلسطين! قلت في نفسي يمكن قرر الشعب الإيراني أن يقلعوا جذور النظام الصهيوني الذي أصبح غدة سرطانية في العالم الإنساني! وخطر في بالي آلاف من الاحتمالات. فقررت وشمرت عن ساعدي واتجهت نحو المطبخ وأخذت سكينا صغيراً يستخدم في تقشير الفواكه ووضعته في جيبي وانضممت مع السائرين.
إلى أن وصل هذا الجمع الغفير حاملين أنواعا من الأسلحة الباردة إلى الحسينية باسم حسينية الإمام الصادق، كنا نسمع أصوات البكاء والأنين والصياح والعويل من داخل الحسينية، قلت في نفسي يمكن هذه مدينة غزة! حيث الطائرات الإسرائيلية تبيد الناس الأبرياء! كل من يدخل الحسينية تضطرب أحواله و يشق ثوبه ويبدأ بضرب وجهه ورأسه وصدره، ومن كان يحمل السلاسل فقد سلخ جلدة ظهره، ومن كان يحمل الفأس شج به رأسه وجبينه!! فرأيت رجلا قويا بطلا يشبه السيد سليمان بطل سباق القوارب، قد مسك ولدا صغيرا بريئا ومعه سكين حاد وإذا به يشق رأس الولد إلى نصفين كبطيخة مدينه كاشان وهو يقول: يآ أبا الفضل!!... ووقعتُ في الحيرة من أمر هؤلاء الأذكياء! اندهشت عندما رأيت الدماء تسكب هباء!! وتعجبت من عقول هؤلاء الناس الذين لا يدرون ماذا يفعلون!!
إن العالم اليوم بما فيهم المسلمين والكفار، المتدينين وغير المتدينين، القاصي والداني يشفقون على أحوال المسلمين في فلسطين ويبكون على أحوال أطفالهم الأبرياء المستضعفين، أما نحن الإيرانيون غفلنا عن العالم وانشغلنا بأمور خرافية صنعها أصحاب العمائم الذين باعوا دينهم بدنياهم.
لماذا أيها الشعب الإيراني هكذا؟! ألسنا مسلمين! ألا يوجد في قلوبنا رحمة لكي نشفق ونبكي على أحوال إخواننا في فلسطين؟! ألسنا من بني آدم لنساعد المظلومين والمنكوبين ونأخذ بأيديهم؟!
أو أننا حقيقة نعيش في النظام الشمسي الآخر والكرة الأرضية الأخرى؟! حيث نظامنا البريدي والبرقي يحمل على أكتاف النملة العرجاء؟! ولم تصلنا بعد أخبار إخواننا من غزة!
إن خبر كربلاء و استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه قد وصلنا بعد ألف و أربعمائة عام! فما ندري متى تصلنا أخبار اهل غزة المظلومين و الأفغان والعراق المنكوبتين؟! الله أعلم .
وما أحسن قول الشاعر الفارسي حيث وصف الأخوة الحقيقية قائلا:
بني آدم كأعضاء الجسد الواحــد***إذ خُلقوا من أصـل واحد
إذا الزمن آلم عضوا منـــــه***لم ترتح سائـر الأعضاء
وإذا كنت لا تحزن على هم غيرك*** فلا يليق أن يسمــوك الإنسان
سني نيوز: الأحد 6 محرم 1432هـ الموافق:12 ديسمبر 2010م10:12:54 بتوقيت مكة