العودة   شبكة الدفاع عن السنة > منتدى الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم > الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-11-10, 03:10 AM   رقم المشاركة : 1
عيسى سالم
عضو







عيسى سالم غير متصل

عيسى سالم is on a distinguished road


أين قلبك ؟

 بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلال، وكل ضلالة في النار.
اعلموا – رحمنا الله وإياكم – أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم، وبرؤيته في الآخرة تقرُّ عيونهم، ويتم نعيمهم، وإن الله عز وجل لم يخلق خلقه سدى, هملا بل جعلهم موردًا للتكليف، ومحلاً للأمر والنهي، وألزمهم فهم ما أرشدهم إليه مجملاً ومفصلاً، وقسهم إلى شقي وسعيد، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلاً وأعطاهم مواد العلم والعمل من القلب والسمع والبصر والجوارح نعمة منه وتفضيلاً، فمن استعمل ذلك في طاعته فقد قام بشكر ما أوتيه من ذلك وسلك به إلى مرضاة الله سبيلاً، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم يرعَ حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك، ويحزن حزنًا طويلاً؛ فإنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( [الإسراء: 36].
ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف بين الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما شاء؛ فكلها تحت عبوديته وقهره وتكتسب منه الاستقامة والزيغ. قال النبي (: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
وإن موضوع القلوب موضوع حساس ومهم، وقد سُمِّيَ القلب قلبًا، لسرعة تقلبه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( قال: «إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت بأصل شجرة يقلبها الريح ظهرًا لبطن» صحيح الجامع الصغير للألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: «لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا» صحيح الجامع.
وعن النواس رضي الله عنه أن النبي ( قال: «ما من قلب إلا هو معلق بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا ويخفض آخرين إلى يوم القيامة» رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
ولقد قال الله عز وجل: ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( [الحج: 53، 54].
فلقد قسم الله عز وجل القلوب في هذه الآيات إلى ثلاثة قلوب؛ قلبين مفتونين، وقلبًا ناجيًا، فالمفتونان: القلب الذي فيه مرض والقلب القاسي، والناجي هو: قلب المؤمن المخبت وهو القلب المنقاد، والقلوب ثلاثة نفصلها ونعرفها فيما يلي لينظر كل واحد منا من أي القلوب قلبه:
الأول: القلب المريض:
وهو القلب الذي فيه حياة وبه علة فله مادتان تمده هذه مرة وهذه مرة؛ ففيه من محبة الله والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما يجعله مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص عليها وعلى تحصيلها، والحسد والكبر والعجب وحب العلو الفساد في الأرض ما هو مادة هلاكه وعطبه فهو ممتحن بين داعيين؛ داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة، وداع يدعوه إلى العاجلة وهو يجبي ما أقر بهما منه بابًا وأدناهما إليه جوارًا، وهذا القلب إن ظهرت عليه هذه الآثار والمعاصي فهو إلى العطب والهلاك أقرب؛ لأن من علامات أمراض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة له إلى الأغذية الضارة، وهذه العلامات والآثار التي تبين مرضه.
1) الوقوع في المعاصي بسهولة والإصرار عليها، وكثرة الوقوع في المخالفات الشرعية يحولها إلى شيء مألوف حتى يزول قبحها وتألم صاحبها منها تدريجيًا، فيقع العاصي في المجاهرة – والعياذ بالله – وهذا الذي خافه النبي ( على أمته كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويُصبح يكشف ستر الله عنه» متفق عليه.
2) الشعور بقسوة القلب وخشونته فهو لا يتأثر بتلاوة القرآن ولا بحديث ولا بموعظة ولا رؤية ميت ولا الجنائز وربما كان يجهز الميت بنفسه ويحمله ويواريه التراب وحتى أنه يسير بين القبور كسيره بين الأحجار والأشجار قد انقلب قلبه إلى حجر صلدٍ لا يترشح منه شيء: ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( [البقرة: 74]. فإذا كان الحجر الذي نراه يتدحرج من على جبل وينفصل من الجبل وهذا- طبعًا- لا يحصل عبثًا أو من قبيل الصدفة إنما من عظمة الله وخشيته، فإذا كان الحجر كذلك فما هي حال القلب المريض والقاسي، وكذلك عندما حنَّ الجذع الخشبي فبكى عندما فارقه النبي ( وكان يخطب عليه فاتخذ منبرًا حتى أنه ( نزل من على المنبر فهدأه حتى سكن: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( [الحج: 18].
3) عدم إتقان العبادات ومن ذلك شرود الذهن المتوالي الكثير في الصلاة وأثناء تلاوة القرآن والملل السريع بعد حمل القرآن وعدم التفكر والدبر لما يقرأ؛ فمن الناس من يذكرون الله ولكنهم لا يفقهون معنى الذكر وهذا يقلل من استشعارهم بجلال الله فليسوا سواءً ومن قال الله فيهم: ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ( [الزمر: 23]. وقال تعالى: ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [الزمر: 22]. فهذا القلب المريض لا يتدبر القرآن ولا يتفكر في معاني آياته وفي معاني الأذكار فيقرأ بطريقة رتيبة مملة, هذا إذا حافظ على تلاوة القرآن وعلى الأذكار التي شرعها لنا النبي (، ولقد قال الله تعالى: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( [النساء: 82]. وقال عز وجل: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( [محمد: 24]. وقد بين الله عز وجل الحكمة والسر من نزول القرآن فقال سبحانه: ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ( [ص: 29].
4) التكاسل عن أداء الطاعات وإضاعتها فهو لا يكترث لفوات مواسم الخيرات فيؤخرها ويضيعها وكأنه ما فاته شيء فقد يتحسر على فوات صفقة تجارية أو نزهة أو سفرة سياحية أيامًا وشهورًا، أما الطاعات ومواسم الخيرات التي لا تعود إذا فات أوانها فهو لا يهتم لفواتها فقد يضيع الحج والفريضة عن وقتها أو عن أدائها جماعة ويترك النافلة ورواتب الصلاة، وقد قضى النبي ( الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله ( الظهر وقد أتى بمال فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر فصلى العصر، ثم انصر فإليَّ وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله, أمرت بهما؟ قال: «لا .. ولكنها ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر، فشغلني قسم هذا المال حتى جاء المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعها» صحيح.
5) ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء ويشعر بالضيق في كل شؤونه يحس بقبضة في قلبه وفي نفسه يكاد يخنقه, فلو حرك كل واحد منا جفنية ليرى مشاهد متكررة من صرعى الغفلة وقلة الذكر من أصحاب هذا القلب المريض الضيق، وقد وصف النبي ( الإيمان فقال: «أفضل الإيمان: الصبر، والسماحة» كما في حديث عمير الليثي [صحيح الجامع]، فأين هؤلاء من ذكر الله وفي تلك الحصون المكينة الأمينة التي تحرزهم وتعتقهم من عبودية الغفلة والأمراض القلبية الفتاكة.
6) عدم التأثر بآيات القرآن؛ لا بوعده ولا بوعيده, لا في وصف القيامة ولا قصص الأمم السابقة, فمن كانت هذه صفته وسمته عند تلاوة القرآن وسماع آياته فهي علامة على ضعف في قلبه، ومرض فقد بيَّن الله عز وجل أن المؤمنين أصحاب القلوب السليمة شأنهم عند تلاوة القرآن ما بينته هذه الآية الكريمة: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( [الأنفال: 2].
أما عن حال النبي ( في ذلك فنذكر منه:
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي ( قال لها: «يا عائشة ذريني أتعبد ربي، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فقرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حقويه، قالت: ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره، قالت: ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض، فدخل عليه بلال فآذنه لصلاة الفجر فقال: ما يبكيك؟ قال: لقد نزلت علي الليلة آيات، ويلٌ لمن يقرأها ولم يتفكر فيها: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( [آل عمران 190]». رواه ابن حبان بسند جيد.
وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله ( وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. حديث صحيح رواه أبو داود بسند صحيح.
وهذا هو دأب الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ( خطبة ما مثلها قط فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا». قال: فغطى أصحاب رسول الله ( وجوههم ولهم خنين. متفق عليه.
«وقد كان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفًا لا يستطيع أن يقرأ من كثرة البكاء، وعندما قرأ عمر رضي الله عنه: ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ( [يوسف: 86]. سُمع نشيجه من خلف الصفوف، ولقد كان أبو أيوب السخيتاني ربما حدث بالحديث, فيرق ويتمخط ويقول: ما أشد الزكام! يظهر أنه مزكوم؛ ليخفي البكاء، وقام أحمد بن المنكدر ذات ليلة فبكى فاجتمع عليه أهله؛ ليستعلموا عن سبب بكائه فاستعجم لسانه فدعوا أبا حازم فلما دخل عليه هدأ بعض الشيء، فلما سأله عن سبب بكائه، قال: تلوت قوله عز وجل: ( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ( [الزمر: 47] فبكى أبو حازم وعاد أحمد بن المنكدر للبكاء فقالوا: جئنا بك لتخفف عنه فزدته بكاء».
7) ومن علامات مرض القلب التي بينها أهل العلم كذلك البذخ والترف في المأكل والمشرب والملبس مظاهر إسراف تقام على غير حكمة وحسن تقدير، فإن الإسراف يمسك بأيدي أصحابه عن مجالسة أهل التقوى والمساكين والضعفاء، فنرى أكثر الذين غلب عليهم العيش من أصحاب أمراض القلوب يتحاشون المواقف التي تفوت عليهم بعض لذائذهم فيسكتون عن حق ويتغاضون عن باطل، وتثقل عليهم بعض مواقف الصالحين الأخيار وبخاصة المستسلمين الخاضعين لدور الحلل والمصوغات والأقمشة والأزياء ونخص بالذكر النساء اللواتي يسرفن بملابس عارية أو شبه عارية ويترفعن ويتكبرن بغالي الأثمان ويسمون ذلك تقدمًا وتحضرا ومدنية، ونقول بأن هذا التصرف المشين يفسد القيم ويذيب الأخلاق ويمسخ الأذواق وهذا الذي يشهد به واقع الكثيرين ممن اتصفوا بذلك، لذلك نقول بأنه ثبت لدى العلماء والمفكرين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين ظاهر الإنسان وباطنه؛ فإذا تزين ولبس من غالي الأثمان التي تصل إلى حد التبذير والإسراف، أو مثلاً قلد أهل السوء والكفر في ظاهرهم انتقل عدوى ذلك كله إلى الباطن حتى أنه يشعر بمحبة من يقلده في الظاهر إلا أن يقلده في الباطن وبالأفكار والسلوك والعادات فيتكلم بلغته وتميل نفسه لحبه والإعجاب به ومن هنا ينهج أهل الكفر في أن يروجوا بين المسلمين بضاعتهم الساقطة والدعوات المدوية التي يكون لها رجع الصدى في بعض القلوب المريضة إلى حضارات عالمية، ونرى الكثيرين من الفتيان والفتيات – هداهم الله- ممن ابتلوا بقلوب مريضة فزادوها مرضًا إلى مرض.
فنرى أنه لا هم للواحد منهم إلا أن يجعل من نفسه معرض أزياء يسير به بين الناس يسرف في ماله ووقته فيمضي الساعات الطوال في الأسواق وفي التحدث مع أصدقائه بمواضيع تخص ما ذكرنا، أو أمام المرآة ليطمئن إلى أناقته وليستكمل وجاهته، فهلا بذل من وقته وصرف من جهده ووجه من همته لزيادة في علم وفقه في دين، ومتى كان التصاق الملابس على الأجسام شعار الكمال وعنوان رجولة، فهل قَلَّتْ حظوظ هؤلاء من أدب النفس فلجؤوا إلى مغالاة في الملبس والمركب ليستروا عوارهم ونقصهم؟!
ولكن مقاييس الكمال عند العقلاء لا تخفى، وإنَّ ملذات الدنيا وحطامها أنزل قدرًا من أن يتفانى في طلابها من له عقل ومروءة على هذا النحو الشائن، وعن ابن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ( قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا وألبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» حديث حسن رواه النسائي والبيهقي والحاكم.
فهذه هي بعض العلامات والآثار التي إن ظهرت على المرء المسلم كشفت لنا مرضه، فإن العمل السيئ مصدره عن فساد القلب ثم يعرض للقلب من فساد العمل قسوة فيزداد مرضًا حتى يموت ويبقى لا حياة فيه ولا نور له، وكما بين أهل العلم رحمهم الله أن انقسام أدوية أمراض القلب إلى قسمين طبيعية وشرعية، فمرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو النوع المتقدم كمرض الجهل والشبهات والشكوك ومرض الشهوات وهذا النوع من أعظم النوعين آلمًا ولكن لفساد قلب صاحب لا يحس بالألم وعلاجه إلى الرسل وورثة الأنبياء فهم أطباء هذا المرض، والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال؛ كالهم والحزن والغيظ وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه؛ لأن أمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل الأدوية الإيمانية حصل الشفاء وهذه بعض الأدوية التي تعالج مرض القلوب وحتى يصل- بإذن الله- وينضم إلى القلوب السليمة.
الثاني: القلب السليم:
وهو القلب الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتًا وخشية ورجاءً وخلص عمله، فإن أحب أحب لله، وإن أبغض أبغض لله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، قلب أبيض قد أشرق نور الإيمان فيه وأزهر فيه مصباحه إذا عرضت عليه الفتن أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته فكان من قصدهم النبي ( بقوله: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض». رواه مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
وقال الشيخ أبو حسين بن سراج رحمه الله معنى كعرض الحصير، أي أن الفتن تلصق بعرض القلوب، أي جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به, وهذا القلب السليم قد أخذ بأسباب سلامته وصحته وذلك بأن:
1- المحافظة والمسارعة لأداء فرائض الإسلام وعدم تأخيرها عن أوقاتها والتهاون بشأنها، ومن ثم النوافل التي إذا قمنا بأدائها كما أمر الله ورسوله ( نقت قلوبنا وأوصلتنا إلى محبة الله. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: «قال الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» رواه البخاري.
وقد أثنى الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ووعد بالجنة عباده الذين يحافظون على الفرائض التي أوجبها الله عليهم ولا يأخرونها عن أوقاتها وبخاصة الصلاة، وبيَّن عز وجل أن هذه المحافظة والتعاهد على فرائض الإسلام والاهتمام بشأنها وبنوافلها لا تصدر إلا عن قلب سليم معافى مخبت إلى الله. قال تعالى: ( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( [المعارج: 19-25]. لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ( [المعارج: 35]. وقال عز وجل: ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( [الحج: 35]. وقوله سبحانه: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( [المؤمنون: 1-11].
ومن أحب الأعمال أو النوافل إلى الله بعد الفرائض هي صلاة الليل. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم.
بل لقد وصفهم الله تعالى بأنهم – أي أهل قيام الليل – هم العالمون والقانتون وهم أهل الخشية وهم الذين اختصهم الله برحمته فقال عز وجل: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ( [الزمر: 9].
وقد وصفهم الله بأنهم هم المحسنون المتقون فقال عز وجل: 
( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( [الذاريات: 18].
ولقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ( قال: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه! والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن, فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته وذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا، ثم هجعوا فقام من السحر في سراء وضراء». رواه الطبراني بسند حسن وصححه الألباني في الترغيب والترهيب، وفي رواية: «إن الله ليضحك إلى رجلين، رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحفاه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا, رجاء ما عندك وشفقة مما عندك فيقول: فإني قد أعطيته ما رجا وأمنته مما يخاف، ورجل انكشفت فئة وذكر بقيته». صحيح.
2- ذِكْرُ الله عز وجل: إن القلب السليم يتغذى من ذكر الله بما يزكيه ويقويه ويؤيده ويفرحه ويسره وينشطه ويثبت ملكه، كما يتغذى البدن بما ينميه ويقويه، وكلٌّ من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى فينمو ويزد حتى يكمل ويصلح، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنع ما يضره، فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذكر الله، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء.
ويتفق العقلاء جميعًا أن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وتجف كما يجف الضرع وتظمأ كما يظمأ الزرع فهي تحتاج إلى تجلية وري يزيلان عنها الأصداء والظمأ وإن من أكثر ما يزيل ذلك هو ذكر الله. قال عز وجل: ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( [الرعد: 28].
وإننا لنرى مشاهد متكررة من صرعي الغفلة وقلة الذكر إلى ظلمة البيوتات وإلى المرضى المنكسرين أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه فازدادوا مرضًا إلى مرضهم، وننظر إلى المسحورين والمسحورات وقد تسللت إليهم أيدي السحرة فانتشلوا منهم الهناء والصفاء فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم والمبتلون بمس الجان ومردة الشياطين الذي لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال، فنقول: بأن القلب السليم لا يمكن أن يسلم إلا بذكر الله عز وجل في كل وقت وحين وتدبر كلمات الذكر حتى تثمر وتؤتي أكلها في قلوبنا وأعمالنا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ( [الأحزاب: 43].
بل إن ذكر الله عز وجل سلاح مقدم من أسلحة الحروب الحسية التي لا تقلم، فقد ثبت عن النبي ( في فتح القسطنطينية: «فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر, فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا». رواه مسلم.
3- طلب العلم الشرعي ولزومه لما يحصل فيه من نزول السكينة وطمأنينة القلب وسلامته: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( [المجادلة: 11].
وعن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله ( بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذا أقبل ثلاثة نفر, فأقبل اثنان إلى رسول الله ( وذهب واحد فوقف على رسول الله ( فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة, فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا فلما فرغ رسول الله ( قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهما فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه». متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: «إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله عز وجل تنادوا: هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا». متفق عليه.
4- المسارعة في فعل الخيرات. قال تعالى حاثًا عباده المؤمنين إلى المسابقة إلى فعل الخيرات وذلك في مواضع عدة من كتابه العزيز: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [البقرة: 148]. وقال عز وجل: ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( [المائدة: 48].
وقال تعالى واصفًا حال عباده المؤمنين الذين يسارعون في فعل الخيرات وهم مشفقون من عظمة الله وهيبته ألا يتقبل منهم والذين هم أرفع درجة من حال غيرهم ممن يسارع وهو آمن فقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ( [المؤمنون: 61]. فهذه هي القلوب الوجلة السليمة التي يحبها الله ويرضاها لعبده المؤمن، وكثيرًا ما كان النبي ( يشحذ همم أصحابه للمسابقة لفعل الخيرات والمبادرة إليها قبل أن يحل بهم وبنا الموت. عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله ( قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسى كافرًا، أو يمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا».
5- الإكثار من ذكر الموت هادم اللذات، وبهذا كان يأمرنا رسول الله ( وهذا هو دأب السلف الصالح، فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يذكر الموت هو وأصحابه حتى يبكوا وكأن الجنازة بين أيديهم، وقد خرج رحمه الله هو وميمون بن مهران يومًا لزيارة المقابر فلما نظر إليها بكى ثم قال: «يا ميمون, هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم ألا تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم بهم البلاء وأصاب الهوام مقيلاً في أبدانهم، ثم بكى وقال: والله لا أعلم أحدًا كان أنعم منهم في الدنيا وقد أمن من عذاب الله»، وعن أبي زكريا التيمي قال: «بينا سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتى بحجر منقوش فطلب من يقرؤه فإذا فيه: ابن آدم لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزيادة في عملك ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلَّت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك فبان منك الولد والنسب, فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة يوم الحسرة والندامة».
وقال أحد السلف: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث: تعجيل التوبة، وسلامة القلب وقناعته، ونشاط في العبادة، ومن نسي ذكر الموت عوقب بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
6- مجالسة أهل الإيمان وعدم الابتعاد عن الأجواء الإيمانية والقدوة الصالحة؛ فإن في مجالستهم الخوف من الله ونقاوة في القلب؛ لأن الأوساط الدنيوية والخوض في غمارها دائمًا يبعد عن الله ويُقَسِّي القلب، لذلك صح عن النبي ( أنه قال: «ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبُّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع، ثم تجيء الجمعة فلا يجيء، ولا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها، حتى يطبع على قلبه». حسن، صحيح الجامع.
ومن علامات صحة القلب وسلامته ما ذكره ابن القيم رحمه الله فقال:
1) أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر.
2) أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألمًا أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده.
3) أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.
4) أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه وقرة عينه وسرور قلبه.
5) أن يكون همه واحدًا وأن يكون في الله.
6) أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعًا من أشد الناس شحًا بماله.
7- أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله فهذه سبعة مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم وكلما صح القلب وسلم من مرضه ترحل إلى الآخرة حتى أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه.
الثالث: القلب الميت:
وهو القلب الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره، بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه رضي ربه أم سخط فهو ملتجئ لغير الله حبًا وخوفًا ورجاء وسخطًا وذلاً وتعظيمًا، إن أحب أحب لهواه، وإن كره كره لهواه، فالجهل سائقه، والغفلة مركبة، فهو بالفكر في أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه ويعميه، فلا يزال يشرب كل فتنة أشربها كما يشرب الأسفنج الماء، فتنكت فيه نكتة سوداء حتى يسود وينتكس.
فإذن علينا أن نراجع أول ما نراجع موقف قلوبنا مع الله تبارك وتعالى وحال هذه القلوب من التزكية والطهارة والتصفية والنقاوة وأن نعرف أعمال هذه القلوب ونتعرف عليها وكيف فهمنا لها ومعرفتنا وعلمنا بها، أهي كما يرضي الله عز وجل وكما كان السلف الصالح، أم أن هناك شيء من الخلل فيتداركه، وإنَّ هذا الدين إنما نزل في الحقيقة لتزكية القلوب وتصفيتها ولهذا يقول (: «أنا دعوة أبي إبراهيم»: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( [البقرة: 129].
وكانت بعثته لهذه الأهداف والأغراض فالأصل هو تزكية القلوب، والقلوب هي محط نظر الله تبارك وتعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.
والقلب هو الذي إذا حيَّ حيَّ الجسد، وإذا مات مات الجسد، فالحياة هي حياة القلوب، والموت هو الموت القلب، والمرض هو مرض القلب، لذلك نجد آيات عظيمة جدًا وكثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم عمل من هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان الذي هو الدين كله، والمؤمنون هم الذين خاطبهم الله تبارك وتعالى, فالمقصود هم الذين استجابوا الله وللرسول وأذعنوا لله ظاهرًا وباطنًا قولاً وعملاً، والقول قولان، والعمل عملان والقولان هما: قول قلب وتصديقه، وقول اللسان نطقًا، والعمل عملان: عمل القلب، وعمل الجوارح، فلا أحد من المسلمين يجهل أنه لا بد من عمل الجوارح من صلاة وصيام، وأوضح منه عند المسلمين قول اللسان لكن ما يتعلق بالقلب هو الأهم؛ لذلك نجد أن الله عز وجل يخاطبنا بذلك: ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ( [الحجرات: 14]. فالأعراب حصل منهم الانقياد الظاهر، فالقلب لم يصل إلا أن يكون قد آمن حقًا؛ فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ( [الحجرات: 7].
وهم المؤمنون السابقون مع أن الجميع مع النبي (، ونحن عندما نكون في مجلس واحد وصلاة واحدة والزكاة واحدة لكن بيننا في التفاوت كما بين السماء والأرض وهذا بقدر عمل القلب بقدر الإخلاص والإيمان والخشوع والإخبات والإنابة وغير ذلك والتي هي أعمال القلب، أما أعمال الجوارح فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: «إن رسول الله ( التقى وهو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله ( رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله (: أما إنه من أهل النار»، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه قال: فخرج معه كلما وقف, وقف معه وإذا أسرع, أسرع معه، قال: فخرج الرجل فجرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله ( فقال: أشهد أنك رسول الله قال: «وما ذاك؟». قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله ( عند ذلك: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» أخرجه البخاري.
وقال الحافظ في الفتح: «جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيّره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب, فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئًا لك الشهادة، قال والله إني ما قتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراح فقتل نفسه».
وفي مقابل هذه القصة شهيد لم يصلِ لله ركعة وهو من أهل الجنة فالعمل هو عمل القلب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن عمرًا بن أقيش كان له ربٌ في الجاهلية فكره أن يسلم حتى يأخذه فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد قال: أين فلان قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لامته وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني آمنت فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحًا، فجاء سعد بن معاذ فقال لأخته: سليه حمية لقومك أو غضبًا لهم أم غضبًا لله عز وجل؟ قال: بل غضبًا لله عز وجل ورسوله ( فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة. حديث حسن رواه أبو داود.
فالرجل الذي صال وجال ومع ذلك يقول ( هو من أهل النار مع أنَّ في نفس الغزوة رجل لم يصل لله ركعة وهو من أهل الجنة، فالإيمان هو إيمان القلب والتقوى، هي تقوى القلب، كما قال عز وجل: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ( [الحج: 32].
إذًا فثلاث حالات تنتاب القلب: السلامة التي جاءت على لسان إبراهيم ( وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( [الشعراء: 87-88]. أي: قلب إبراهيم قلب سليم متجرد من الشرك لا تشوبه شائبة من شرك ولا رياء ولا مداهنة ويقول عز وجل في حق إبراهيم كذلك: ( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( [الصافات: 84]. فإبراهيم هو الذي حقق ذلك، لذلك أمر رسول الله ( بالاتساء به؛ لأن قلبه سلم من الشرك ومن الولاء لغير الله، والمرضى في قوله: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ( [البقرة: 10]. وقوله عز وجل: ( أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا ( [النور: 50]. وأخطر ما يجب أن نخافه هو النفاق، لأن المنافقين ينفقون ولكن وهم كارهون، ويصلون ولكن وهم كسالى، والمنافقون يجاهدون، ولكن ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ( [التوبة: 47].
إذًا ليست المسألة أن تقع الأعمال، ولكن أن تكون مع قلب سليم من المرض لذلك وصف الله تعالى المنافقين من الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم. فماذا ينفعهم ذلك، لا ينفعهم إلا بالسلامة من سيف المؤمنين في الدنيا.
وقلب ميت أعمى كما جاء وصفه.
ونختم هذا الموضوع الذي نسأل الله عز وجل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به، نختمه بحال قلب المؤمن المبتلى ونَصِفُ الآثار الطيبة التي نراها على صاحب هذا القلب المخبت، فكما قال ووضح أهل العلم واستنبطوا من كتاب الله وصحيح سنة رسوله ( بأن القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص والأعمال التي لو استعرضناها جميعًا لعلمنا أنَّ لهذه القلوب شأنًا عظيمًا عند الله تعالى؛ فمثلاً نقول وربما يتساءل الكثيرون لماذا أناط الله البلاء بأوليائه وهم أكرم عليه من أعدائه فالأنبياء يبتلون والأولياء والصالحون يتبلون وأعداء الله المبغوضون عند الله وعند عبيده لهم الدولة والقوة وهم الذي يعذبون المؤمنين ويشردوهم والله قادر على أن يمكن لأوليائه فلمَ أعطى الدولة لأعدائهم؟، أيها الأخوة الكرام إن العبد يوزن يوم القيامة بسلامة قلبه لا بسلامة جوارحه، فسلامة قلوبنا عند الله مقدمة على سلامة أجسادنا وجوارحنا يبتلينا الله بجوارحنا ويحفظ لنا قلوبنا فإذًا رحمنا.
فحياة القلب من المحن فالقلب يستمد حياته من المحن ومن العواصف، لذلك نجد أضعف الناس قلوبًا أهل الترف من ضعيفي الإيمان، وأهل البلاء هم أقوى الناس قلوبًا؛ لذلك أناط الله تعالى البلاء بأوليائه حتى يلقوا الله بقلب سليم، وإن الجارحة تستمد قوتها من القلب، فأيوب عليه السلام عاش ثمانية عشر عامًا في البلاء حتى رفضه القريب والبعيد لكن قلبه كان سليمًا فما ضره ما فاته من الجارحة ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( [ص: 44].
وروى ابن حبان في الثقات عن عبد الله بن محمد قال: كنت مرابطًا في عرش مصر، قال: فمررت على خيمة، فإذا أنا برجل ذهبت يداه ورجلاه وبصره وثقل سمعه، فسمعته يقول: «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علي ...» فقلتُ: سبحان الله ما هذا الذي يقوله هذا الرجل أعلْمٌ عُلَّمه؟ والله لآتينه وأسأله عن أي النعمة يشكر ربه, فأتيته, فقلت له: سمعتك تقول: كذا وكذا, أي شيء تحمد الله عليه؟ قال: يا عبد الله لو أرسل الله الجبال فدمرتني والبحر فأغرقني ما ازددت لربي إلا شكرًا على اللسان الذاكر والقلب الشاكر، ثم قال: إني كان لي ولد صغير وكان يوضئني ويطعمني ويقوم على أمرين، وقد افتقدته منذ ثلاثة أيام، فابحث لي عنه، فقلت له: والله ما سعى إنسان بحاجة آخر أفضل منك، قال: وذهبت أبحث عن الولد فما ذهبت غير بعيد حتى وجدت عظامه بين كثبان من الرمل قد افترسه سبع قال: فركبني الغم، وقلت: ماذا أقول للرجل، قال: فجعلت أتفكر ماذا أقول، فتذكرت قصة أيوب عليه السلام فجئت فسلمت عليه، قال ألست أنت صاحبي قلت: بلى، قال: فما فعل وليد، قلت: يا عبد الله تعرف أيوبَ عليه السلام، قال نعم، قال فما تعرف عنه، قال: ابتلاه الله ثمانية عشر عامًا، قال: فكيف وجده، قال: وجده صابرًا، يا عبد الله قل ماذا تريد؟ قال: احتسب ولدك فإني وجدت عظامه بين كثبان الرمل، قال فشهق شهقة، وقال: الحمد لله الذي لم يخلق مني ذرية إلى النار ومات، قال فركبني الغم، وقلت ماذا أفعل إن تركته أكلته السباع فماذا أفعل؟ قال فمر قطاع طرق فوجدوني أبكي بعدما سجيته، قالوا: فمالك وما قصتك ومن هذا الرجل قال فكشفوا عنه فإذا هو أبو قلابة الجرمي قالوا: بأبي عين طالما غضت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما عانى في طاعة الله، - بأبي هنا أي بأبي وأمي ليس حلفًا – قال: فدفناه وذهبت إلى رباطي، فلما نمت رأيته في منامي في أحسن حاله فقلت له: ألست صاحبي؟ قال: بلى، قلت: فما فعل الله بك، قال: أدخلني الجنة وقيل لي: ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ( [الرعد: 24]، وأبو قلابة الجرمي أحد الأئمة الثقات روى عن أنس بن مالك فهو ثقة ثبت حافظ.
فهذا الرجل رحمه الله وجمعني وإياه مع نبينا محمد ( مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ما ضره ما فاته من جارحته إذا سلم قلبه. وإننا لنتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يقدم عليه سبحانه وتعالى ويلقاه بقلب سليم؛ لنكون من أهل الفردوس في جنات النعيم إنه جواد كريم
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إيمان عباس
في 28/1/1419 هجريًا – مكة المكرمة
* * * *







 
قديم 30-11-10, 06:19 AM   رقم المشاركة : 2
الحر الأشقر
حفيد الموحدين







الحر الأشقر غير متصل

الحر الأشقر is on a distinguished road


جزاك الله خير الجزاء
كلام درر







التوقيع :
الحر الأشقرطير شلوى
مايوقع الى على ظهر خرب
من مواضيعي في المنتدى
»» فيكتور الاهلي ينطق الشهادة
»» يالويلكم ياوهابيه ؟؟ جاءكم عجوج مدمن المتع
»» معثور يالصفار وأبوك للنار قصيدة في الرافضة نايف بن عرويل
»» صلاة افلاطون ومجادل واتباع ابو كرم وطقوس هندوس
»» 17 صفعة للزنادقة الشواذ الأباضية
 
قديم 10-12-10, 07:25 AM   رقم المشاركة : 3
معين السهلي
موقوف






معين السهلي غير متصل

معين السهلي is on a distinguished road


نسأل الله أن يحيي قلوبنا







 
قديم 15-12-10, 10:26 PM   رقم المشاركة : 4
أبو ماززن
عضو نشيط






أبو ماززن غير متصل

أبو ماززن is on a distinguished road









التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» من أراد بحبوحة الجنة
»» الأذن
»» فضل ايام عشر ذي الحجة‎
»» ورجل دخل بيته بسلام
»» الملتقى الدعوي السياحي بمحائل عسير
 
قديم 01-04-18, 03:41 PM   رقم المشاركة : 5
محمد السباعى
عضو ماسي






محمد السباعى غير متصل

محمد السباعى is on a distinguished road


جزاك الله خيرا







 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:55 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "