أصول
أهل السنة و الجماعة
لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.
أَمَّا بَعْدُ:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أَمَّا بَعْدُ:
فقد أخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم
أن الافتراق سيقع في الأمة و بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم على كم من الفرق تفترق الأمة و بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة
و هذه الفرقة الناجية
سأل الصحابة
رضي الله تبارك و تعالى عنهم
عنها
فأخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم
أن هذه الفرقة الناجية
من كان على مثل ما كان عليه النبي
صلى الله عليه و آله و سلم
و أصحابه رضي الله عنهم
و هذه الفرقة الناجية
هي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة
و هي أهل السنة و الجماعة
و لها أصول .
أصول ثابتة واضحة
في الاعتقاد و العمل و السلوك
و هذه الأصول العظيمة
لأهل السنة و الجماعة
مستمدة من كتاب الله و سنة رسوله
صلى الله عليه و سلم
و ما كان عليه سلف هذه الأمة
من الصحابة و التابعين و من تبعهم بإحسان
و هم إنما يسيرون على ما كان عليه الرسول
صلى الله عليه و سلم
و ما كان عليه الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم أجمعين .
فما هي أصول أهل السنة و الجماعة ؟
الإنسان ينبغي عله أن يكون حريصاً على صالحه و على ما ينفعه في الدنيا و في الآخرة و أهم ذلك و أولاه و أوله أن يحرص على نجاته من النار .
أن يحرص على تحصيل رضا ربنا تبارك و تعالى عنه . أن يحرص على أن يكون متسنناً متبعاً لسنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أن يكون من هذه الفرقة الناجية من أهل السنة و الجماعة و الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة
و لا يستطيع أن يبلغ من ذلك شيئا
إلا إذا واعياً عالماً عارفاً
بأصول هذه الفرقة الناجية
بأصول أهل السنة و الجماعة .
فما هي أصول أهل السنة والجماعة ؟
هذه الأصول تتلخص فيما يلي :
الأصل الأول :
الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله
و اليوم الآخر و القدر خيره و شره
الإيمان بالله تبارك و تعالى
هو الاعتقاد الجازم
الذي لا يلحقه ريب و لا يدركه شوب
بوجود الله تبارك و تعالى
و بربوبيته و بإلوهيته و بأسمائه و صفاته .
بربوبيته سبحانه و تعالى
بأنه هو الخالق العظيم و الرزاق الكريم و المحيي المميت و من يدبر الأرض و من بيده مقاليد كل شيء .
و بإلهيته
يعني بالإقرار بأنه وحده المعبود بحق و أنه لا ينبغي أن تصرف العبادة لأحد سواه .
أن يأتي الإنسان بأنواع التوحيد الثلاثة و أن يعتقد ذلك عاملاً به
هي توحيد الربوبية و توحيد الإلوهية و توحيد الأسماء و الصفات .
كثير من الناس يفرط في تحصيل هذا الأصل العظيم و هو أصل الأصول فيكون داعياً إلى الله تبارك و تعالى و منتشراً في الدعوة و هو لا يعرف هذا الأصل العظيم .
توحيد الربوبية
معناه توحيد ربنا تبارك و تعالى بأفعاله ,توحيد الله تبارك و تعالى بأفعاله من الخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و أنه رب كل شيء و مليكه .
أما توحيد الإلوهية
فهو توحيد الله تبارك و تعالى بأفعال العبد .
فتوحيد الربوبية
هو توحيد الله تبارك و تعالى بأفعال الله رب العالمين .
و أما توحيد الإلوهية
فهو توحيد الله تبارك و تعالى بأفعال العبد ،بأن يكون أمره لله تبارك و تعالى خالصاً لوجهه الكريم بعبوديته لله تبارك و تعالى فلا يصرف شيئاً من أواع العبادة الظاهرة و الباطنة لغير الله رب العالمين .
توحيد الإلوهية
توحيد الله تبارك و تعالى بأفعال العباد التي يتقربون بها إلى الله رب العالمين مما شرعه الله كالدعاء و الخوف و الرجاء و المحبة و الذبح و النذر و التوكل و الاستعانة و الاستعاذة و الاستغاثة و الصلاة و الصوم و الحج و الإنفاق في سبيل الله رب العالمين أن يصرف كل ما شرعه الله تبارك و تعالى من تلك العبادات و أمر به لله رب العالمين وحده لا يشرك به سواه لا ملِكاً و لا ملَكاً و لا نبياً و لا ولياً و لا غيره.
أما توحيد الأسماء و الصفات
فمعناه إثبات ما أثبته الله تبارك و تعالى لنفسه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه و سلم من الأسماء و الصفات و تنزيه الله تبارك و تعالى عن ما نزه عنه نفسه أو نزهه عنه رسوله صلى الله عليه و سلم من العيوب و النقائص من غير تمثيل و لا تشبيه و من غير تحريف و لا تعطيل و لا تأويل
كما قال جل و علا
(ليس كمثله شيء و هو السميع البصير )
و كما قال جل و علا
(و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها )
هذا الأصل الأول من أصول الإيمان
الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره
أول أصول عقيدة أهل السنة و الجماعة
أن يأتي الإنسان بهذا الأمر الكبير
و منه أن يكون مؤمناً بالله .
كثير من الدعاة لا يحرر ذلك
و لا يعرفه و يخلط فيه خلطاً شائناً معيبا
فكثير منهم يتوقف عند حدود توحيد الربوبية
اعتقاداً و دعوة
فيصب همه كله و يصرف جهده جله
في الدعوة إلى توحيد الربوبية
ووطره أن يثبت للناس
أن الله هو خالق الخلق و رازقهم و مدبر أمرهم .
هذا ليس فيه خلاف في الحقيقة
بل إن الكفار و المشركين
لم ينازعوا في هذا الأمر .
و هل أنكر أبو جهل
أن الله تبارك و تعالى هو خالق الخلق
و هو رازقهم و هو مالكهم
و هو مدبر أمورهم ؟
لم ينكر حتى هذا الجاهل الكافر
لم ينكر هذا الأمر .
و القرآن مشحون
ببيان أن هذا لم يكن فيه نزاع
و مع ذلك تجد كثيراً من الدعاة
لا يتحولون و لا ينصرفون عن هذا الأمر
و كأنه هو ما جاء به الرسول
صلى الله عليه و آله و سلم
لم يأت بسواه .
مع أنه مقرر مكشوف
و يغفلون إغفالا شائناً معيبا
الدعوة إلى توحيد الإلوهية
و إفراد الله تبارك و تعالى بالعبادة.
و كثير من الدعاة
لا يحرر عقيدة أهل السنة و الجماعة
في الأسماء و الصفات
فكثير منهم تجده
على أصول الجهمية
أو على أصول الأشعرية
أو على أصول المعتزلة
أو على أصول الكلابية
أو غير ذلك
من تلك الأصول الفاسدة
علم ذلك أم لم يعلمه.
لأنه لا يعرف عقيدة أهل السنة و الجماعة
في باب الإيمان بالأسماء و الصفات .
فإلى أي شيء يدعو ؟
و هو لم يعتقد بعد اعتقاداً صحيحا ؟
ينبغي على الإنسان
أن يحرر عقيدة أهل السنة و الجماعة
تحريراً مستقيماً .
الأصل الأول من أصول أهل السنة و الجماعة
الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره .
الإيمان بالله بوجوده و بربوبيته و بإلوهيته و بأسمائه و صفاته
الإيمان بالملائكة :
يصدق بوجودهم و بأنهم خلق من خلق الله خلقهم من نور خلقهم لعبادته و تنفيذ أوامره في الكون كما قال تعالى:
( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون)
و قال جل و علا :
(جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء)
و هم خلق مكرمون و هم معنا منهم من لا يفارقنا إلا عند الحاجة و الجماع و مع ذلك إيماننا بوجودهم إيماننا بهم ضعيف لأننا لو كنا مؤمنين حقاً بالملائكة و أن معنا من لا يفارقنا إلا عند قضاء الحاجة و قضاء الوطر من الأهل ما وقعنا فيما نقع فيه و لاستحيينا كما أمرنا النبي صلى الله عليه وآله و سلم أن نستحيي منهم فإن معنا من لا يفارقنا إلا عند قضاء الحاجة و قضاء الوطر من الأهل .
فالإيمان بالله و ملائكته و كتبه
تصدق ما فيها من الهدى و النور و أن الله أنزل تلك الكتب على رسله لهداية البشر و إلى الدعوة إلى توحيد الله جل و علا ,و أعظم تلك الكتب ,الكتب الثلاثة التوراة و الإنجيل و القرآن .
و أعظم الثلاثة القرآن الكريم و هو المعجزة العظمى قال جل و علا:
قل لئن اجتمعت الإنس و الجن
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا
أهل السنة يؤمنون
بأن القرآن كلام الله
منزّل غير مخلوق
حروفه ومعانيه
من الله تبارك و تعالى
نزل به
الأمين جبريل على نبينا الأمين
صلى الله عليه وآله سلم
من الله بدأ و إليه يعود
خلافاً للجهمية و المعتزلة
القائلين بأن القرآن مخلوق
مخلوق كله عندهم حروفه و معانيه
و خلافاً للأشاعرة و من شابههم
الذين يقولون إن كلام الله
هو المعاني أما الحروف فهي مخلوقه
و إنما هي
تعبير عن الكلام النفسي
إلى غير ذلك من خزعبلاتهم .
كلا القولين باطل .
قال تعالى :
و أن أحد من المشركين استجارك
فأجره حتى يسمع كلام الله
و قال جل و علا:
يريدون أن يبدلوا كلام الله
هو كلام الله
ليس بكلام غيره
منه بدأ و إليه يعود
منزّل غير مخلوق
و معجزة النبي
صلى الله عليه و آله و سلم الكبرى .
و آتاه الله تبارك و تعالى من المعجزات
ما قال بعض أهل العلم
إنه تجاوز الألف من المعجزات
أعظم ذلك و أجله كتاب الله
هو أعظم في الإعجاز و في الدلالة على صدق الرسول
صلى الله عليه و سلم
من إحياء الموتى لعيسى
و أعظم في الدلالة على صدق النبي
صلى الله عليه و آله و سلم
و أعجز إعجازاً من شق البحر لموسى
أعظم من كل معجزة
أتى بها نبي و رسول
و مع ذلك
فقل في المسلمين من يجد ذلك في نفسه محققاً
قائم بيقين و إنما هو كلام الله
,بل أكثرهم يجدونه مفككاً ممزقاً
مع أن القرآن كله
من أوله إلى آخره
كالكلمة الواحدة
سوره يمسك بعضها ببعض
و آياته متلاحمات
بل حروفه يؤدي كل واحد إلى ما بعده
بلا تنافر و لا اختلاف .
و تناسب السور في هذا الترتيب التوقيفي مما كتب فيه أهل العلم ,فآية تفضي إلى آية و سورة تنتهي إلى سورة كالكلمة الواحدة و مع ذلك فأكثر المسلمين لا يولون القرآن العظيم ما يستحقه من العناية و الإقبال عليه .
نؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله
و نصدق بهم جميعاً من سمى الله منهم و من لم يسم من أولهم إلى آخرهم .
آخرهم و خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه و عليهم و سلم
الأيمان بالرسل إيمان مجمل فإننا نؤمن بمن ذكر الله تبارك و تعالى منهم على سبيل التفصيل و التعيين و نؤمن بمن ورائهم ممن لم يقص ربنا تبارك و تعالى على نبينا صلى الله عليه و آله و سلم
و إيماننا بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم إيمان مفصل و اعتقاد بأنه خاتم الأنبياء و المرسلين فلا نبي بعده و من لم يعتقد ذلك فهو كافر
و الإيمان بالرسل يعني أيضاً عدم الإفراط و التفريط في حقهم
خلافاً لليهود و النصارى الذين غلوا و أفرطوا في بعض الرسل
حتى جعلوا هؤلاء الرسل عليهم الصلاة و السلام أبناء الله
(و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله )
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً
و الصوفية و الفلاسفة فرطوا في حق الرسل و تنقصوهم و فضلوا أئمتهم عليهم
و الوثنيون و الملا حدة كفروا بجميع الأنبياء و المرسلين
و اليهود كفروا بعيسى و محمد عليهما الصلاة و السلام
و النصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم
و من آمن ببعضهم و كفر ببعضهم فهو كافر بالجميع
قال تعالى
( إن الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا)
و قال تعالى
( لا نفرق بين أحد من رسله )
الإيمان باليوم الآخر
يعني التصديق بكل ما يكون بعد الموت مما أخبر الله به و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم من عذاب القبر و نعيمه و البعث من القبور و الحشر و الحساب و وزن الأعمال و إعطاء الصحف في اليمين أو الشمال
و من الإيمان بالصراط و الجنة و النار مع الاستعداد لذلك بالأعمال الصالحات و ترك السيآت و التوبة منها
و قد كفر باليوم الآخر الدهريون و المشركون
و اليهود النصارى لم يؤمنوا به الإيمان الصحيح المطلوب و إن آمنوا بوقوعه
و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى
و قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة
ليس هذا من حق الإيمان باليوم الآخر
نؤمن بالقدر
نؤمن بأن الله علم كل شيء ما كان و ما يكون وما هو كائن و ما لم يكن لو كان كيف كان يكون
و قدر ذلك و كتبه في اللوح المحفوظ و أن كل ما يجري من خير و الشر و كفر و إيمان وطاعة و معصية قد شاءه الله و قدره و خلقه
و إنه يحب الطاعة و يكره المعصية
و للعباد قدرة على أفعالهم اختيار و إرادة و مشيئة تحت مشيئة الله جل و علا
خلافاً للجبرية الذين يقولون إن العبد مجبر على أفعاله ليس اختيار
و خلافاً للقدرية الذين يقولون إن العبد له إرادة مستقلة و أنه يخلق فعل نفسه دون إرادة الله و مشيئته
و غلا بعضهم فقال إن الله لا يعلم أعمال العباد حتى يعملوها
و قد رد الله تبارك و تعالى على الطائفتين في قوله تعالى
( و ما تشاءون إلا أن يشاء الله )
فأثبت للعبد مشيئة رداً على الجبرية الغلاة و جعلها تابعة لمشيئة الله رداً على القدرية النفاة
و الإيمان بالقدر يكسب العبد صبرا على المصائب و ابتعاداً عن الذنوب و المعائب مما يدفعه إلى العمل و يبعد عنه العجز و الخوف و الكسل هذا هو الأصل الأول من أصول أهل السنة و الجماعة
الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره