الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
من البلايا والرزايا التي انتشرت في الإعلام بوجه عام ، والصحافة خصوصا أن يتشبع بعض كُتّاب الأعمدة بما لم يعطو فيكون حالهم كلابسي ثوبي زور كما نص النبي صلى الله عليه وسلم ، فيزور على الناس بالثقافة ، وينطبق عليه قول العرب : " استسمنت ذا ورم " !
ويصدق عليه قول الشاعر :
أُعيذها نظرات منك صادقة أن * * * تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
ولنأخذ مثالا بكاتبة نفثت أضغان قلمها في مقالها اليوم على مجتمعٍ يسألُ عن أمور دينه في كل صغيرة وكبيرة ، ففضح الله جهلها ، وكشف قلة حيائها !
سأقتصر على موطن الشاهد من كلامها الذي جمع بين التبعية ، والجهل المركب الذي صاحبه قلة في الحياء .
قالت ما نصه : " .. بل ويدفعنا كسعوديين إلى انعتاق من فكر إقصائي أحادي سيطر على المجتمع؛ نتيجة ما رسّخه غلو بعض الصحويين منذ بضعة عقود؛ فغلظوا على حياتهم؛ وعطلوا عقولهم؛ وباتوا لا يأكلون إلا بفتوى؛ ولا يشربون إلا بفتوى؛ ولا يُجامعون زوجاتهم إلا بفتوى ... " .
لن أعرج على قضية الفكر الإقصائي الأحادي ، فهذه أسطوانة أصبحت مشروخة من كثرة تردداها ، ولكن تأملوا جيدا في كلامها ، ترمي غيرها بتعطيل عقولهم ، وليتها تفصح لنا عن العقل الذي تتبناه أهو عقلها أم عقل غيرها ؟! لأننا لا نرى في كلامها في مهاجمة المؤسسات الشرعية والثقافة الإسلامية - باسم الصحوة وغيرها من الأسماء - شيئا جديدا عن أجندة تقارير راند - كبقية هذه الفئة الخارجة على مكونات الوطن من دين وفكر وثقافة إسلامية علمت أو لم تعلم ؛ هذه واحدة .
والثانية : أنهم لا يتحركون حركة إلا بفتوى !
أما ثالثة الأثافي : يجامعون زوجاتهم بفتوى !
بالله عليكم هل يقول هذا الكلام مسلم عاقل فضلا أنه يعلم أن كل حركة منه هي لله تعالى ؟!
وهل تقول امرأة زينها الله بالحياء كلاما لا يليق ذكره فضلاً عن التعليق عليه بسخرية ؟
يا أمة الله !
دعونا نعود إلى كتاب الله ... كم آية فيه عبارة " يَسْأَلُونَكَ " ؟!
سأبدها بأسئلة ثلاثة في الموضوعات الثلاثة التي تستهجن فيها هذه الكاتبة التي تزعم الثقافة !
تقول : لا يأكلون إلا بفتوى ! فماذا تقول في هذا السؤال : " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قل أحل لكم الطيبات ... " [ المائدة : 4 ] ؟!
وتقول : ولا يشربون إلا بفتوى ! فماذا تقول في هذا السؤال : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ " [ البقرة : 219 ] ؟!
وتقول : لا يجامعون إلا بفتوى !فماذا تقول في هذا السؤال :" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ" [ البقرة : 222 ] ؟!
ومن الأسئلة التي ورد ذكرها في القرآن كأمثلة للموضوعات الحياتية التي يسأل عنها المسلم الحريص على دينه في كل ما يعرض له : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ " [ البقرة : 189 ] ، " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ " [ البقرة : 215 ، 219 ] ، ، " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ " [ البقرة : 217 ] ، " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ " [ الأعراف : 187 ] ، " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ " [ الأنفال : 1 ] ، " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى " [ البقرة : 220 ] ، " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ " [ الإسراء : 85 ] ، " وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ " [ الكهف : 83 ] ، " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ " [ طه : 105 ] ، .
وهناك أحكام أخرى وردت من دون لفظة يسألونك ، بينها الله في كتابه ...
بعد هذه الآيات الكريمة التي شملت السؤال عن جميع شؤون الحياة ، أتساءل : " هل المجتمع المدني الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مجتمع غلظ حياتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وعطل الصحابة رضي الله عنهم ؟
وهل في سؤالهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تعطيل لعقولهم ؟!
لا أظنّ مسلماً عاقلاً يقول بهذا ، وأعيذ الكاتبة من قوله !
ثانيا : ما أوردته من آيات فهو في كتاب الله ، أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة لا يحصرها مقال ، فقد كان الصحابة والصحابيات يسألون ، ولذلك كان الصحابة يفرحون إذا جاء الأعرابي من البادية يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فحياتهم كانت متعلقة بالسؤال عن أمور دينهم سواء دقّ ذلك أو كبر .
ثالثا : قولكِ : " ولا يُجامعون زوجاتهم إلا بفتوى " !
يوضح مدى جهلكِ بالكتاب والسنة .
أوردتُ قبل قليل آيات السؤال ومنها آية السؤال عن حكم إتيان المرأة في الحيض : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222 ] .
أليست هذه الآية لها علاقة بالجماع سأل عنها الصحابة فجاء الجواب عن الحكم ؟
والجماع لا يكون إلا بفتوى ليس في قضية الحيض بل هناك مسائل فقهية يحرم على الرجل أن يجامع زوجته فلا بد للإنسان أن يسأل عن الحكم لأننا في زمن كثر فيه الجهل ، وأنتِ واحدة منهم ، وإلا لو كنتِ تعرفين الأحكام الشرعية ما قلتِ هذه الكلمة .
فالمسلم يحتاج إلى معرفة جملة من الأحكام المتعلقة بالجماع فعلى سبيل المثال :
1 - جماع المرأة في نهار رمضان ، وهو حكم يسأل عنه الناس كثيرا في رمضان ، بل يقع منهم مع الأسف .
2 - الجماع إذا كان معتكفا ، قال تعالى : " وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ " [ البقرة : 187 ] .
3 - الرجل إذا طلق امرأته فإنه يطلقها في طهر لم يجامعها فيه ، وهو ما يسمى بطلاق السنة ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ " [ الطلاق : 1 ] .
4 - الظهار أي الرجل الذي يقول لزوجته : أنت علي مثل أمي ومقصوده محرمة في النكاح فإنه لا يقربها حتى يكفر كفارة ظهار ، قال تعالى : " الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ " [ المجادلة : 2 ] .
5 - الإيلاء : وهو الزوج يحلف على ترك وطء زوجته أبدا أو أكثر من أربعة أشهر قال تعالى : " لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [ البقرة : 226 ] ، فإن جامعها في المدة فقد فاء لأن الفيئة هي الجماع .
6 - إتيان المرأة في الدبر وهو محرم ، قال تعالى : " نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ " [ البقرة : 223 ] ، والحرث مكان الولد .
وأحكام أخرى ولكن ذكرت هذه الأمثلة لأبين لكِ مدى الجهل الذي وقع منكِ ، فالناس في هذه الأزمان يحتاجون لمعرفة هذه الأحكام ، ويستفتون حتى عند جماع زوجاتهم .
وعلى كل حال فالمسلم الحريص على دينه ، لا يقدم على شيء يشتبه في أمره إلا سأل عنه ، امتثالا لأمر الله عز وجل ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وهذا أمر من الله عز وجل ، لا علاقة له فوبيا الصحوة التي يدفع الأجانب أذنابهم من العرب على نهشها كغطاء للقدح في ثوابت الإسلام شيئا فشيئا .
ولن أعلق أكثر من ذلك احتراماً للقارئ الحر الفطن الذي لا تنطلي عليه مثل هذه الكلمات التي تفتقد للكياسة ، ولم تحترم قارئها فضلاً عن عدم حفاظها على أمانة القلم الذي تكتب به !!
الأعجب مما سبق ذكره أن الكاتبة امرأة غير متزوجة حسب ما قيل فهلا كان الحياء منها ؟
والأدهى والأمر كيف سمحت الصحيفة بنشر هذه العبارة ؟
والباقعة الكبرى أين وزارة الإعلام عن كلام كهذا ؟!
الكاتب عبدالله زقيل