العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-01-03, 11:09 AM   رقم المشاركة : 1
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


Thumbs up حـــزب الله رؤية مغايرة

أحبتي هذا كتيب صغير من أربع مقاطع بأسم

حـــزب الله رؤية مغايرة

للأستاذ عبد المنعم شفيق
سأنزلها على 4 حلقات أن شاء الله
وهو كتاب قيم يبين حقيقة هذا الحزب

وقد أتبعه ببعض الملاحق لزيادة التوضيح أن شاء الله تعالى أخوكم النظير







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» صيام يوم عاشوراء
»» تواطؤ المرجعية الشيعية المتأمركة يسقط نظرية المدن [المقدسة]! - صباح الموسوي
»» الشيعة الإسماعيلية المكارمة وإسماعيلية العالم للشيخ ممدوح الحربي
»» أستمع لهذا المسلم بعد أن كان رافضيا
»» السراج المنير بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام
 
قديم 22-01-03, 11:28 AM   رقم المشاركة : 2
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


الحلقة الأولى

حـــزب الله رؤية مغايرة

أصـول وجـذور

عبد المنعم شفيق


"المديح" الإعلامي الضخم كان سبباً في رسم صورة خيالية عن حزب الله كـيـف ولمـاذا تـم "التحول" من "الانتظار" إلى قوافل "الثوار"؟.
"الـوهـابـيــــون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين، لن تمر هذه الجريمة دون عقاب كانت هــذه عبارات مكتوبة ومحمولة على لافتات في تظاهرة أخرجها "حزب الله" في الجنوب اللبنانـي عـقـب اتفاق الطائف الذي كان من أسباب وقف الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان.
في المظاهرات تخرج الكلمات دائماً من القلب، منطوقة أو مكتوبة.
عـلـى جـانب آخر كانت هناك كلمات أخرى خرجت من القلب كذلك ترسم صورة أخرى مغايرة.
فـيـقـول أخو العشيرة عن الحزب: إنهم صفوة الصفوة، وطليعة الأمة، ومرشدوها، وباعثو ديـنـهــــا وحـضــارتها ومجدهــــا، ومعلموهــــا، ورساليوها، و"أنبياؤها"(1) إن المقاومة الإسلامية في لبنان تـمـثــل لـنــــا ضوءاً باهراً في الأفق المعتم، وصوتاً جسوراً وسط معزوفة الانكسار، وقامة سامقة تصاغر إلـى جوارها دعاة الانبطاح والهرولة، إنهم يدافعون ـ بهذا الدور البطولي الذي يقومون به ـ عــــن شرف الأمة العربية وعن الأمل في أعماق كل واحد فينا، إنهم يرفعون رؤوسنا عالياً ويرصِّعون جبين أمتنا(2).
إن حزب الله يقوم بدور رائد في إيقاظ الأمة وتقديم الدليل على قدرتها لصد العدوان(3).
فالمقاومة الإسلامية لحزب الله واحــدة مـــن أبــرز مـعـالم نهـضــة الأمة وأكبر دليل على حيويتها(4).
لـمـــاذا حظيت المقاومة الإسلامية في لبنان بهذا القدر الهائل من التضامن الشعبي العربي والإســــــلامي؛ بل من كل المستضعفين في العالم؟ وهل يتحول الطرح السياسي والحضاري لتلك المقاومة إلى أيديولوجية للمحرومين في كل مكان في العالم في مواجهة النمط الحضاري والقيمي الغربي الذي يهدد العالم بأسره؟ لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في أن تصبح طليعة لكل قوى التحرر العربي على اختلاف مشاربها الدينية والطائفية والسياسية والطبقية؟! وبصيغة أخرى: لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في الخروج من مأزق الطائفية الضيق إلى رمز للتحرر لكل إنسان مسلماً كـان أم مـسـيـحـيـــاً عربياً أم عالمياً، أبيض أو أسود؟ لماذا كانت المقاومة ـ وحزب الله بالتحديد ـ هي الجزء الحـي في النسيج العربي الذي اهترأت الكثير من أجزائه وأطره الفكرية والتنظيمية؟ (5)
صـــــورتان متناقضتان تثيران أسئلة كثيرة عن قصة الحقيقة، ولا يُخفي بعض الناس شدة الحيرة التي تنتابه مع هذه الصور المتباينة الشديدة التنافر؛ فبين مُسلَّمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول.
وحـــــزب الله فـي لـبـنـان جزء من قصة طويلة وصراع مرير، والحديث عنه وعن حقيقته وأهدافه أمر ضروري في وقـت بدأ فيه تحول كبير في دور الحزب، بعد أن تحقق جزء كبير من أهدافه،وكذلك في وقت بدأت فيه "عودة الروح" لمسار السلام السوري واللبناني،والذي يمثل "حـزب الله" ورقة تفاوضية هامة فيه؛ بيد أن المسألة متشعبة شديدة التعقيد فرضتها عوامل شتى؛ لذا كان من المهم استعراض التفاصيل وتفاصيلها.
لبنان أي أرض أي دولة؟

لن نذهب في التاريخ بعيداً، وإنما سنذكر صورة منه، أو نتيجة لصراعه وأحواله في لبنان، فـقـد قامت الدولة اللبنانية على ركيزة أساسية هي "الطائفية"، وولد الاستقلال والميثاق في أحضـانـهــا، وورث الاستقلال نهجاً يجسد التفسخ الوطني في إطار علاقات سياسية تعمل على إبقاء هذا الأمر واستمراريته.
هذا النهج السـيـاسـي وقـف عائـقــــاً أمام تطوير الواقع الطائفي ومحاولة تجاوزه، وحمل الاستقلال معه كل أمراض التخلف والتـعـصـب والـتـفـرقــة؛ لأن أبـطــاله لم يعملوا على استئصال الرواسب وإقامة الوطن على قاعدة الانتماء إليه؛ بل اكتفوا بوحـدتـهــم الفوقية وتركوا التشتت الطائفي في القاعدة؛ فقام لبنان على قاعدة تعدد الطوائف المتعايـشـة على أرض واحدة تقتسم المغانم فيما بينها.
إن الاســتـقــلال والدستور قد قاما على ركيزتين أساسيتين هما. تجميع الطوائف وتجميع المناطق؛ وشتان ما بين التجميع والانصهار. لقد استبدلت الوحدة الوطنية ـ كما هو الحال في الدول الأخرى ـ بوحدة الطوائف المتعايشة، ورعت دولة الاستقلال المؤسسات الطائفية لتوسع نشاطاتها ولتزيد من انقسام المواطنين.
ففي الحقل الـتـربـوي بقي لكل طائفة مؤسساتها التربوية لتلقن المواطنين ثقافات مختلفة، وعلى الصعيد التنـظـيمي السياسي صار لبعض الطوائف مجالس مِلّية تحولت إلى مؤسسات سياسية تسهم في السلطة بدرجة أو بأخرى.
وعلى الصعيد السكاني بقـيـت المـدن الكبرى ذات طابَع طائفي؛ وعلى الرغم من احتوائها على اختلاط سكاني من مختلف الـطـوائـف إلا أنـهـــــا تمتعت بغالبية سكانية من طائفة معينة، أو تضمنت أحياء سكانية لكل طائفة، أو لكل مذهـب حي يجـمــــع أبناء المذهب نفسه، وهذا الأمر قد سهَّل فيما بعد الانقسام الجغرافي؛ حيث هجَّرت كل منطقة الأقليات الـمـوجـــودة فيها من الطوائف الأخرى؛ مما جعل السلطة عبارة عن حكم بين مخـتـلـف الأطراف "الـطـــوائـف" لا سـلـطــة دولة بيدها المبادرة والقرار الذي تستطيع فرضه على الجميع.
فـي لـبـنـان ازدواجـيــة سلطـوية. قامت سلطة الدولة وتساكنت جنباً إلى جنب مع سلطة الطائفـة، وكثيراً ما أذعـنـت سلطة الدولة إلى سلطة الطائفة البارعة في توظيف التمايزات الدينية لأغراض سياسية.
والـطـائفة هنا تلعب دور الحزب السياسي المُدافِع عن مصالح الأفراد، وتحل مشكلة انتماء الـفـرد طـالـمـــــا أنه لا توجد أطر أخرى أكثر فعالية لتنظيم حياته وضمان توازنه المادي والنفسي، وهـكــذا يندفع الفرد إلى أحضان الطائفة؛ فالتخلي عنها يبدو كأنه ضياع لآلية التضامن الأســـــــري والعائلي إذا لم يسنده ظهور مؤسسات تضامن جماعي نقابي ومدني أعلى، كما يعني العزلة للأفراد، ويعني الاغتراب النفسي والاجتماعي كذلك.
لقد عجزت الدولة اللبنانية عن بناء الإطار الفكري والسياسي والإداري والاقتصادي الذي يوحد الأمة ويبني إجـمـاعــــاً؛ إنها لم تمتلك رسالة اجتماعية تسمح لها بأن تكون دولة الأمة لا دولة الجماعات وبدلاً مــــن أن ترتفــــع باعتبارها مؤسسة سياسية وسلطة . فوق التمايزات والتناقضات انخرطت هي نفسها بفـعـل طـبـيـعـة بنيتها وتركيبتها العصبية في التناقضات التي أخذت تمزقها، أو بالأحرى تبرز تمزقها الـداخـلـي المستور بأيديولوجيا الوفاق والتعايش.
لقد اعترفت الدولة القانونية في لبنان بتعدد القوى السياسية، ومنحتها حق التنافس الحر حـتـى بـلــغ حد الفوضى المسلحة؛ فالتدريب والتسلح غير المشروع، وقيادة الجيوش غير النظامية، وتـخــــريج دفعات من الميليشيات اللبنانية كان يتم في احتفالات علنية تنقلها الصحف اليومية تحت سمع الدولة وبصرها.
إن نشوب الحرب بهذه الضراوة والشراسة، وقدرتها على الاستمرار لأعوام طويلة ما كان يمكنها لولا وجود ميليشيات قد أنشئت أصلاً لأن لها دوراً يُنتظر أن تلعبه.
وإثر الاعتداءات الإســـرائيلية المتكررة على الفلسطينيين داخل الأراضي اللبنانية منحتهم الدولة حق الدفاع عن أنفـسـهــــم ضد الاعتداءات الخارجية عليهم بدلاً من أن تكون هي المسؤولة عن حماية كل من يقطــن داخل حدودها سواء بالطرق السلمية أو بالقوة؛ فالدولة عادة ـ كل دولة ـ تقدم نفسها مركز استقطابٍ وحيد لممارسة العنف القانوني في المجتمع؛ فعنف الدولة له أساليبه . أي قانونيته . لكن الدولة اللـبـنانية بتركيبتها الضعيفة سلطوياً قد سمحت لنباتات العنف اللاشـرعـي ـ أي الـخــــــارج عن إطار الدولة ـ أن تنمو على جوانبها، ومهدت للاحتراب بين اللبنانيين عندما وقـفـــــت شاهد زور من استعداداتهم للحرب، وهي بتركيبتها الطائفية الحساسة لم تستطع التعامل مع القضية الفلسطينية كما تعاملت معها سائر الدول العربية، فمهّدت بذلك لحرب الآخرين على الأرض اللبنانية.
حتى الأحزاب التي تؤكد أنها غير طائفية من حيث المبدأ والغاية، وتلك التي ترفع شعار العلمنة والديموقراطية والمساواة لا تفلت من فخ الطائفية إلا قـلـيــلاً. والظاهرة البارزة التي نشأت في ظل الحرب هي تعدد الأحزاب والمنظمات والحركات بشـكــل لم يسبق له مثيل. والـلافـت للـنـظــر أن إمعان الأحزاب والمنظمات في تحديد هويتها الطائفية ربـمــــا كــان لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع أو لإبراز خصوصيتها.
وفي جميع الأحــــوال انـخـرطــت تلك الأحزاب في لعبة الطائفية نفسها التي استخدمها الإقطاع السياسي لإحكام سيطرته وتثبيت مواقعه. أما الأحزاب العلمانية فإن كلاً منها قد اتخذ صبغة القــطاع الطائفــي الكانتون الذي يـوجد داخل حـدوده.
وحددت الأحزاب والميليشيات مناطق نفوذ لها، وأخذت تثبت مواقعها داخلها؛ واعتباراً من عام 1984م أخذت الخطوط الفاصلة بين مناطق النفوذ تتضح؛ ففي بيروت وضواحيها وفي جزء من جنوب لبنان هناك سيطرة لقوات أمل الشيعية وحلفائها، وفي ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهــرمــل هــنـاك سـيطـرة لقوات حزب الله الشيعية، وفي بيروت الشرقية وضواحيها وبعض مناطق الجبل هناك سـيـطــرة للقوات اللبنانية المارونية على جزء منها، وسيطرة فئة من الجيش اللبناني على الجزء الآخــر في عام 1990م، وفي الشوف سيطرة لقوات الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزية وحلفائـهـا، وفي الشمال سيطرة لقوات المرَدة المارونية المعادية للقوات اللبنانية، وفي أقصى الجنوب هـنـاك الحزام الأمني الذي صنعته إسرائيل بينها وبين جنوب لبنان، يسيطر عليه "جيش لبـنـــان الـجـنـوبي" المدعوم من قِبَلِ إسرائيل.
فماذا بقي للدولة وسط هذه .البانوراما السلطوية. حتى تسيطر عليه؟
مـن جـهــــــة أخرى، شكلت الطائفية أفق الدولة اللبنانية الذي استوحت منه تصوراتها للمجتمع والكون ونمط الوجود، وللتنظيم الاجتماعي، والتوزيع البيروقراطي، كي تجند لا جيشاً عقلانياً عسكرياً واحداً وجيشاً مدنياً منظماً واحداً البيروقراطيين وموظفي الدولة بل جيوشاً طائفية مرتهنة لجماعاتها المتنطعة والمتوجهة عقلياً وعاطفياً نحو الذات الطائفية المنغلقة.
"ثم بدأ طرح إلغاء الطائفية السياسية؛ لأنها سبب البلاء، ولأنها تمنع الانصهار الوطني، وتحقيق المواطنة الحقة. والمطالبون بإلغاء الطائفية السياسية أغلبهم في مواقع طائفية بعضها شديد العصبيـة؛ فالأحزاب المطالبة بإلغاء الطائفية أحزاب طائفية بتركيبتها، وبدهي أن المطلب الصـــــــادر من موقع طائفي هو طائفي أياً كان التعبير اللفظي عنه، ومطلب إلغاء الطائفية يعني تحــديـــداً: استبدال ديمقراطية عددية تعني سيطرة على الحكم والإدارة بحكم العدد أو بحكم مـــــا يظن من غلبة عددية بالديمقراطية الإصلاحية المركبة المعقدة أساساً للعيش المشترك اللبناني.(6)
هذا الواقع المأزوم والمَرَضِــــــي مثَّل مرتعاً خصباً لأحلام كل طائفة في السيطرة ـ وفي لبنان خصوصاً ـ لا تمثل قوة الطائفة إلا بمددها الخارجي وتبعيتها الدينية والسياسية والمالية. وكانت الطائفة الشيعية التي يمـثـلها "حزب الله" سياسياً وعسكرياً ـ موضوع حديثنا ـ من تلك الطوائف التي أرادت ـ أو بالأصح أريد منها ـ أن تحقق الحلم بتكوين دولة تقوم على تبني المذهب الجعفري الاثني عـشــري منهجاً ونظاماً؛ فلبنان أريد به أن يكون. إما دولة نصرانية عربية بميول غربية وسط تجـمـــــع مسلم ضخم، وإما دولة شيعية عربية بميول فارسية وسط تجمع سني ضخم كذلك.
والـدولـــة الأولى: النصرانية لعل لها حديثاً آخر، أما المراد الآخر فلا بد من الوقوف فيه أولاً على بعض المرتكزات؛ حتى تتضح الصورة من بداياتها وصولاً إلى منتهاها.

لبنان وإيران قصة العلاقة:
حين استولى الصفويون على حكم إيران، في مطلع القرن السادس عشر، وجعلوا من التشيع الإمـــامي دين الدولة والأمة، وحصنوا إيران به بإزاء الفتح العثماني "التركي السني" كان التـشـيـع يــذوي ويـتـلاشـــى، إنْ في مدارس النجف أو في مدارس خراسان، فعمد الشاه إسماعيل إلى استقدام علماء مــن جبل عامل ـ جنوب لبنان ـ لتدريس الفقه الإمامي، فكان منهم: (بهاء الدين العاملي محـمــــد بن الحسين بن عبد الصمد، 953-1031هـ ) الذي أصبح شيخ الإسلام في أصفهان في عـهـــــد الشاه عباس الكبير، والمحقق الكركي علي بن الحسين ابن عبد العالي العاملي، ت 940هـ - 1533م الذي قَدِم النجف ثم رحل إلى بلاد العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الـشـــــاه إسماعيل الصفوي الذي مكنه من إقامة الدين وترويج الأحكام، وكان يُرغِّب عامة الناس فـي تعلم شرائع الدين ومراسم الإسلام، ويحثهم على ذلك بطريق الالتزام، وكان أن جعل فـي كل بلدة وقرية إماماً يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، وبالغ في ترويج مذهب الإمامــيــــة؛ بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة.(7)
ومنطقة جبل عامل أو عاملة في قلب جنوب لبنان كانت أهم مرجعية شيعية في العالم بين القرنين الميلاديين الرابع عشر والسادس عشر، ومع بداية هذا التعاون مع الدولة الصفوية أُبيد الآلاف من السُنّة من العامة والعلماء؛ ففي تبريز ـ العاصمة ـ وحدها كان السُنّة فيها لا يـقـلـــون عن 65% من السكان، وقد قتل منهم في يوم واحد 40ألف سني!! كما أُجبر الألوف عـلــى الـتـحـول القسري إلى مذهب الإمامية(8) كما كانت هناك مؤامرات عديدة وتعاون مع قوى غربية عـلـى إســقــاط الدولة العثمانية، وهي من الأمور غير الخافية عبر التاريخ(9).
وقد استهوت التجربة الصفوية الشيعية "المضطهدين" في العراق وجبل عامل ـ جنوب لبنان ـ والـبـحـريــن، وذهـــــب العلماء بالخصوص ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية "الصفوية" الوليدة(10).
ونـسـتـطـيــع أن نتجاوز حقبة زمنية بعيدة حتى نصل إلى صورة قريبة تبين تلك العلاقة الحميمة والوطيدة التي يحاول نفر من الناس فصلها وتزييف الواقع ووقائعه.
فقد قيل لـ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: إن دور حزبه لن ينتهي؛ لأنه حزب مستورد من الخارج، (سوريا أو إيران) فقال: لنكن واضحين ونحكي الحقائق: الفكر الذي ينتمي إليه "حــــــزب الله" هــــو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من "موسكو" أيام الاشتراكية ولا من "لندن وباريـــــس" ولا حتى من "واشنطن" في زمن الليبرالية، هو فكر الأمة التي ينتمي إليها لبنان، إذن نـحــن لم نستورد فكراً، وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؛ لأن الـفـكتـــر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلـمــاء جبل عامل. اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والـــديني في القرون السابقة؛ أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون(11).
وفي إحدى الاحتفالات التأبينية التي تقام في لبنان قال إمــام جمعة مسجد الإمام المهدي الشيخ حسن طراد: إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحــــــــد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً(12).
وفي مناسبة تأبينية أخرى قال الناطق باسم حزب الله ـ ذاك الوقت ـ إبراهيم الأمين: نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران(13).
ويقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته(14).
ويقول حسن نصر الله: إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا(15).
ويُؤَمِّن على كلام أمين الحزب مساعد وزير الخارجية الإيرانيـة لـلـشـــؤون الـعـربــيـــــة والإفريقية، د. محمد صدر فيقول: إن السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة(16).
وقد حذر علي خامنئي مرشد الثورة من إضعاف المقاومة الإسلامية وقال: إنه يجب التيقظ ومنع الأعــــداء من ذلك، إن شعلة المقاومة يجب أن لا تنطفئ؛ لأن أولئك الأبطال واجب على إيران مساعدتهم(17).
فهكذا يتبين التـرابـــــط المتكامل بين إيران الثورة وحزب الله وشيعة لبنان، فقد أصبحت إيران الأم الرؤوم والمـحـضــــن الدافئ والمرعى الخصيب والنموذج الذي يتطلع إليه عموم الشيعة؛ فهي القبلة الدينية والسياسية لهم.

المنتظرون إلى متى!؟

نتعرض هنا لقضية مهمة حـــــــول "التبديل" الكبير الذي حدث في عقيدة ومنهج الشيعة الاثني عشرية والذي حوَّلهم مــــن طائفة على هامش التاريخ بفعل "نظرية الانتظار"، بعد دخول محمد بن حسن العسكري السرداب وغيابه ـ على حد قولهم ـ إلى طائفة ثورية تريد تغيير العالم كله ومواجهة قوى الاسـتـكـبار في العالم وإنارته بالإسلام "الصحيح"، وتطهير الأرض من رجس يهود!! وقد كان لحــــــزب الله نصيب وافر من هذه الشعارات الرنانة والمواجهة المدَّعاة.
وتقوم نظرية "الانتظار والتَّقِيَّة" على تحريم الثورة والإمامة والجهاد وإقامة الحدود والأمر بالـمـعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة؛ فقد تأثر الفكر السياسي الشيعي تأثراً كبيراً بنظريـــــة وجود الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري داخل السرداب، واتسم لقرون طويلة بالسلبية المطلقة؛ وذلك لأن هذه النظرية قد انبثقت من رحم النظرية الإمامية التي تحتم وجــــــود إمام معصوم معيَّن مِنْ قِبَلِ الله، ولا تجيز للأمة أن تعيِّن إماماً أو تنتخبه؛ لأنه يجب أن يـكـــون معصوماً، وهي لا تعرف المعصوم الذي ينحصر تعيينه من قِبَلِ الله؛ ولذلك اضطر الإمامـيون إلى افتراض الإمام الثاني عشر، بالرغم من عدم وجود أدلة علمية كافية على وجوده.
وقـد كـان مـــــن الطبيعي أن يترتب على ذلك القول بانتظار الإمام الغائب، تحريم العمل السياسي، أو الـسـعـي لإقـامـــة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث أحجم النواب الخاصون بـالإمـــــام عـــن القـيـام بـأي نشاط سياسي في فترة الغيبة الصغرى، ولم يفكروا بأية حركة ثورية، في الوقت الذي كــــان فــيــــه الـشـيـعة الزيدية والإسماعيلية يؤسسون دولاً في اليمن وشمالي إفريقيا وطبرستان.
لـقـد كانت نظرية انتظار الإمام الغائب بمعناها السلبي المطلق تشكل الوجه الآخر للإيمان بوجود الإمام المعصوم، ولازمة من لوازمها؛ ولذلك فقد اتخذ المتكلمون الذين آمنوا بهذه النظرية موقفاً سلبياً من مسألة إقامة الدولة في عصر الغيبة، وأصروا على التمسك بموقف الانتظار حتى خروج المهدي الغائب.
وقد نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عــــز وجــــل . يعنون به خروج الغائب المنتظر، وجعلوا الانتظار أحب الأعمال إلى الله، و"المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان(18).
وبالرغم من قيام الدولة البويهية الشيعية في القرن الرابع الهجري، وسيطرتها على الدولة العباسية، فـــإن العلماء الإماميين ظلوا متمسكين بنظرية الانتظار وتحريم العمل السياسي، وقد قال محـمــد بـن أبـــي زينب النعماني (توفي سنة 340 هـ) في كتابه الغيبة: "إن أمر الوصية والإمامة بعهد من الله ـ تعالى ـ وباختياره، لا من خلقه ولا باختيارهم؛ فمن اختار غير مختار الله وخالف أمر الله ـ سبحانه ـ ورد مورد الظالمين والمنافقين الحالِّين في ناره".
"كل راية تُرفع قبل راية المهدي فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله".
"كل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة".
"واللهِ لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به"(19).
وجاء في كتاب بحار الأنوار عن المفضل بن عمر ابن الصادق أنه قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع والمبايَع له"(20).
وكما أثَّرت قضية الإمامة والولاية فكذلك أَثَّرتْ نظرية "الانتظار" على موضوع حديثنا، العمل الثوري "الجهاد" فتعطل، وكان مُحرَّماً.
وقد نتج عن الالتزام بنظرية الانتظار، وتفسير شرط الإمام المُجمَع عليه في وجوب الجهاد أنه الإمام المعصوم أن تَعَطَّلَ الجهاد في عصر الغيبة؛ فقد اشترط الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط في وجوب الجهاد اشترط ظهور الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره، ولا يسوغ لهم الجهاد دونه، أو حضور مَنْ نصَّبه الإمام للقيام بأمر المسلمين، وقال بعدم جواز مجاهدة العدو متى لم يكن الإمام ظاهراً، ولا مَنْ نصَّبه الإمام حاضراً، وقال: "إن الجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر وإن أصيب كان مأثوماً".
واعتبر ابن إدريس: "أن الجهاد مع الأئمة الجُوّار أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، إن أصاب لم يؤجر وإن أُصيب كان مأثوماً"، وقال: "إن المرابطة فيها فضل كبير إذا كان هناك إمام عادل ولا يجوز مجاهدة العدو من دون ظهور الإمام".
وصرح يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع بحرمة الجهاد من دون إذن إمام الأصل، و "أن وجوبه مشروط بحضور الإمام داعياً إليه أو من يأمره".
وبالرغم من قيام الدولة الـشـيـعـيـــة الصفوية تحت رعاية المحقق الكركي الشيخ علي بن الحسين، فإنه رفض تعديل الحكم فـي عـصـــر الغيبة، وحصر في كتاب (جامع المقاصد في شرح القواعد) وجوب الجهاد بشرط الإمام أو نـائــبـــــــه، وفسَّر المراد بالنائب بـ "نائبه المنصوص بخصوصه حال ظهور الإمام وتمكنه، لا مطلقاً".




وأغفل الشيخ بهاء الدين العاملي بحث الجهاد في كتابه: (جــــوامع عباسي) وفسر سبيل الله في عصر الغيبة ببناء الجسور والمساجد والمدارس.
ولا يذكر أحدٌ من العلماء المعــاصريـــن - كالكبايكاني والشاهرودي والخونساري والخوئي والقمي والشريعتمداري الذين يعلقون على العروة الوثقى - لا يذكرون شيئاً عن الجهاد أو تفسير كلمة سبيل الله به.
ومن هنا - وإذا استـثنـيـنا عدداً محدوداً جداً من الفقهاء الذين شككوا في تحريم الجهاد، وربطه بالإمام العادل المعصوم - يكاد يكون إجماع الفقهاء الإمامية عبر التاريخ ينعقد على تحريم الجهاد، بمعنى الدعوة للإسلام والقتال من أجل ذلك، وخاصة لدى العلماء الأوائل منهم(21)
وقد قال الخميني: "في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نـوابــه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد(22).
فـهـكــــــــذا كانت هذه النظرية "العقدية" والسياسية عائقاً كبيراً أمام الشيعة الإمامية في الانطلاق إلى تحقيق عقيدة الثأر الكربلائية، والانتقام ممن قتل الحسين - رضي الله عنه - وإن كان هذا الموقف ظاهرياً يُخفي خلفه أحلاماً توسعية فارسية(23)؛ فقد بدأ الانقلاب على البدعة ببدع أخرى؛ ولكنها هذه المرة تساعد على الخروج من هذه الشرنقة القاتلة التي وضعوا أنفسهم فيها بعد أن ضاقت عليهم بدعتهم وقال قائلهم: اللهم طال الانتظار وشمت بنا الفجار وصعب علينا الانتظار(24).

الأطوار المنسوخة(*):

والمنهج الشيعي مر بأطوار يختلف بعضها عن بعض بشكل كبير؛ فبعد وفاة الإمام الحادي عـشـر الحسن العسكري بغير ولد اضطرب الشيعة وتفرق جمعهم؛ لأنهم أصبحوا بلا إمام، ولا دين لـهـم بلا إمام؛ لأنه هو الحجة على أهل الأرض، وبالإمام عندهم بقاء الكون؛ إذ "لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" وهو أمان الناس "ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجـــــت بأهلها كما يموج البحر بأهله" ولكن الإمام مات بلا عقب، ولم يحدث شيء من هذه الكوارث، فـتـحـيــرت فرق الشيعة واختلفت، فادعت طائفة منهم أن الحسن له ولد غائب حفاظاً على المكاســب الأدبية والمادية، وأن له نواباً هم الواسطة بينه وبين الناس، وكانوا أربعة، وكانوا يجمـعـــــــون الأموال من الناس لإيصالها لهذا الغائب، وكانت لهم الطاعة، فلهم ما للإمام، ولقولهـم صفة القداسة والعصمة، وهم مخولون كذلك بالتشريع، ثم كان أن توفي رابع النواب، ولم يوص بنائب خامس بعده، وأخرجوا مرسوماً موقعاً من الإمام الغائب يقول فيه. "أما الوقـائـع الـحـــــادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله".
فانـتـهـت بذلك ما تسمى الغيبة الصغرى وبدأ تطور جديد بتفويض أمر النيابة عن الإمام المنتظر إلـى رواة حديثهم وواضعي أخبارهم بعد النواب، وقد أفاد هذا التطور الشيعة في تخفيف التنافس على منصب البابية وبدأت الغيبة الكبرى(25).
وكل هذا العـنـت كــــان لربط الناس بأحلام مستمرة عن قيام دولة شيعية، وكلما اقتربت مرحلة التخدير النفسـي من النهاية، بدأ تطور آخر وأحلام أخرى حتى لا يتفلت الناس من هذه البدع وإن كان هذا قد حدث بالفعل مع نهاية كل مرحلة وبداية كل تطور جديد.
وكانت نظرية "ولاية الفـقـيه" التي تنازل فيها الفكر الإمامي عن شرط العصمة والنص في الإمام، وسمح بالنيابة الواقـعـيـــــة للفقهاء عن الإمام، والتي تسمح لهم بممارسة القضاء وتوجب التقاضي إليهم، وهو ما كــان محرماً عندهم من قبل، وفتح باب الاجتهاد الذي كان محرماً كذلك، والقول بالـقـيـاس، وانسحبت أشكال التطور أو "التبديل" على كافة محرمات "نظرية الانتظار" كالـعـمــــل المسلح "الثورة" والإمامة والجهاد والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة؛ فقد طالت غيبة الإمام وتوالت القرون دون أن يظهر، والشيعة محرومون من دولة شـرعـيـــة حسب اعتقادهم، فبدأت فكرة القول بنقل وظائف المهدي تداعب أفكار المتأخرين؛ فهذا الخميني يقول: "قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألــــوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، فهل تبقى أحكام الإسلام معطلة يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟ القوانين التي صدع بها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ.
ثم يقول: "إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلـى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف"(26).
ويقول: "وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام حال غيبته، إلا أن خصائص الحاكم الشرعي موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر؛ فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير"(27).
وإذا كانت حكومة الآيات والفقهاء لا مثيل لها في العدل ـ كما يقول ـ فما حاجتهم بخروج المنتظر إذاً؟
وهــو يرى أن ولاية الفقيه الشيعي كولاية رسـول الله صلى الله عليه وسلم . يقول: "فالله جعل الرسول ولياً للمؤمنين جميعاً ومن بعده كان الإمام ولياً، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعـيــة نافذة في الجميع" ثم يقول: نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه، بفارق واحـــد هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم؛ لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية"(28).
"وإن معظم فـقـهـائـنـا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم"(29).
هذا الانقلاب يعتبر نسخاً لكل ما انبنى عليه دين الإمامية، أو على حد قول من قال: إن الخميني أخرج "المهدي المنتظر" عند الروافض(30)

من الانتظار إلى الثوار:

والفكر السياسي الإمامي هو فكر ثوري بطبيعته، وانتقامي من نشأته إلى منتهاه، وكما يقول قائلهم. الشيعة هم التيار الثوري على مدار تاريخ المسلمين، لديهم عقدة ذنب متأصلة منذ مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء على يد زبانية يزيد بن معاوية ثاني حكام الدولة الأموية، عقدة سببها أنهم تخلوا عن الحسين الذي خرج يطلب الإمارة، وخذلوه؛ بـل وسـلـمــه نفر منهم إلى عدوه اللدود، ليمثل بجثته ويسبي أهله وذويه، وقد أتاح لهـم الزمن "عدواً جديداً"!! يعوضون في جهاده وقتاله والثأر منه ما اقترفوه في كربلاء؛وبالفعل هم يقاتلون بـكــــل الهموم والآلام والأحزان والاضطهاد الذي جثم على صدورهم طيلة ما يقرب من 1300 سنة، يجاهدون ضده بعقيدة متماسكة وشعار حاد "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"، وإذا لم تكن الدماء قد جرت في كربلاء دفاعاً عن الحسين، فلتَسِلْ أنهاراً يغسلون بها العار عن الأرض ويستعيضون بها عن الشرف الضائع(31).
وتمت المبالغة في تحويل نظرية: "الانتظار" السلبية إلى نظرية ثورية، كما قال عبد الهادي الفضلي: إن الذي يُـفـــاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من الانتظار هو وجوب التمهيد والتوطئة بـظـهـــــور الإمام المنتظر. وإن التوطئة لظهور الإمام المنتظر تكون بالعمل السياسي عن طريق إنارة الوعي السياسي والقيام بالثورة المسلحة!!(32).
وإن كانت الدولة النبوية فــي المدينة التي أقامها المصطفى صلى الله عليه وسلم هي أمنية الأماني التي يُسعى لتحقـيقـهـا باعتبارها أنموذجاً ومثالاًَ يُقتفى أثره ويُرجى الوصول إلى صورته فإن هذا النموذج لم يكن هــــــو المثال والهدف الذي يسعى إليه الإمامية؛ بل كان مثالهم دائماً ـ وحتى يظهر مهديهم الـمـنـتظر ـ هذه "المصيبة" الكربلائية التي هي دائماً ماثلة أمامهم.
"فالأمـة الحسينية أمــة متصلة قوام اتصالها بـ "المصائب" المتعاقبة عليها، ومواقف الثورة الكربلائـيـــة التي لم تنقطع، هناك تدرك تماماً أنك تعرفهم فرداً فرداً منذ آلاف السنين، قاتلت معهم وقاتلوا معك، واستشهدتم سوياً في كربلاء، هناك تدرك تماماً أن المهدي ليس بعيداً وأنه في مكان ما على الجبهة"(33).
وإذا غدا اســتـمـــرار الثورة ودوامها من بعد حدوثها إنجاز الثورة الأعظم أوجب تجديد الإعجاز كل يوم، والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ، ولا يُرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامـيـة الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي، إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة، وحفظ معنـاهـا، والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف. ولا يتم ذلك إلا بالإقامة على الحــــرب وفي الـحــــــرب. وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة، ولو طالت قروناً؛ لأنها تؤذن بتجديد العالم كله، وبطيِّ صفحة الزمان(34).
فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العرب إلا مقدمة حروب كثيرة أوكلت إليها القيادات الخمينية الشابة التمهيد لـ "فَـرَج " الــمـهـــدي صاحب الزمان من غيبته الكبرى، ولبسطه راية العدل على "الأرض" كلها، وتوريثه ملك الأرض للمستضعفين(35).
وهذا المفهوم الثوري المستمر كان له في الحركة السياسية الشـيـعـيـة اللبنانية نصيب وافر؛ فقد ترجمه خطباء الحركة الخمينية بلبنان وينقلونه إلى "اللبنانـيــة"، أو الكلام السياسي اللبناني، بعبارة "الحالة الجهادية" أو "الثورية أو الإسلامية"، وهـي تعـنـي الخروج من كل أشكال الإدارة التي تمتُّ بصلة إلى الدولة ومؤسساتها وقوانينها عامة، وإلـى كــيـانها الحقوقي خاصة. لذا يحرص أبناء "حزب الله" على استمرار التشرذم والتجاذب والتخبط حرصهم على حدقات عيونهم. ويرفعون هذه الحال إلى مرتبة المثال.
ويخاطب محمد حسين فضل الله جمهور المصلين في مسجد بلدة النبي عثمان قائلاً: وعـلـيـنا أن نخـطــط للـحـاضـر والمستقبل؛ لنكون مجتمع حرب!! ويضيف الخطيب: إن الحرب هذه "مفروضة"، شأن كــل الحروب التي يحل خوضها للإماميين، ولا يحل لهم خوض غيرها(36)، والحرب "المفروضة" هي النظير الإيراني لحرب التطويق السو.ياتية. فكلُّ ما يوقف توسع أصحاب مجتمع الحرب عدوانٌ عليهم.
بين بداية القرن ونهايته:
كانت الحالة الدينية السياسية الشيعية في بداية هذا القرن الميلادي حالة منكمشة إلى حد ما، وكان هناك تهميش واضح للشيعة باعتبارهم "طائفة"، وكان ذلك التهميش الذي عاناه "جبل عامل" والشيعة عامة خلال فترة الانتداب على لبنان، وفترة بناء الدولة والاستقلال حال دون احتلال مواقع في الدولة تسمح أو تدفع بالمشاركة في سباق ادعاء رموز تاريخية مؤسسة لها من الطائفة الشيعية(37).
وعلى مستوى الحالة الدينية، فقد ضعف دور العلماء وعزف الشيعة اللبنانيون عن العمامة ـ أي طـلـب الـعـلــم الشـيـعي الديني ـ وانزوى المسجد، وقد شهد أحدهم على هذا الواقع فقال: فهذه القرى العاملية لا تـذكــــــــر اسم الله ـ تعالى ـ في ليل ولا نهار، برغم سخاء المهاجرين على بناء المساجد وكان يوجد وقـتـهــا 1920 ـ 1930م ما يزيد على الأربعمائة مسجد بين مسجد كبير وصغير (38).
وتـزامـنــت هذه الحالة الرثة والهامشية مع تغيرات عالمية ضخمة، فكان سقوط الخلافة العثمانية، وبدايات الدعوة إلى القومية العربية عقب الدعوة الطورانية التركية، والحرب العالمية الأولى، ثم كانت الدولة البهلوية "العلمانية" وكانت هذه الظروف وغيرها مجتمعة أدت إلى أن كانت بدايات النهضة الحديثة للشيعة الإمامية التي انتهت في 1979م، بقيام الجمهورية الإسلامية ورغبة في قيام جمهوريات أخرى على غرار المثال الأم.
وبين هــــذه النهضة في بداية القرن وقيام الدولة وسعيها إلى إنشاء دول أخرى، خاصة في لبنان كـانـت هـنــاك جهود كبيرة لذلك، وكان "حزب الله" مرحلة من مراحل ينبغي أن نقف عليها.
أما كيف كانت بدايات النهضة السياسية والدينية الشيعية اللبنانية على يد موسى الصدر وفضل الله وغيرهما؟ وكيف أصبحت "الطائفة" الشيعية رقماً مهماً في الحسابات اللبنانية؟ وكـيــف صنعوا "قوافل الانتحاريين"؟ فهذا وغيره موضوع حديثنا في الحلقة القادمة ـ إن شاء الله ـ .

---------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) وضاح شرارة ـ دولة حزب الله، ص:339 دار النهار، بيروت، ط/1/1996م.
(2) فهمي هويدي، جريدة الأهرام. 30/3/1999م.
(3) د. حلمي القاعود. جريدة الشعب، 9/3/1999م.
(4) مجدي أحمد حسين، وانتصرت المقاومة، ص 7، مركز يافا للدراسات والأبحاث، القاهرة، ط/1/1966م.
(5) د. محمد مورو، الجهاد في سبيل الله، حزب الله نموذجاً، ص 62، مركز يافا للدراسات والأبحاث، القاهرة، ط/1/1966م.
(6) انظر: د. فاطمة بدوي، الحرب، المجتمع والمعرفة، الحرب الأهلية وتغير البنى الاجتماعية والعقلية في لبنان، ص 99 ـ 118، دار الطليعة، بيروت، ط/1/1994م. وانظر: ألبير منصور، الانقلاب على الطائف، ص 51 ـ 57، دار الجديد، بيروت، ط/1/1993م.
(7) وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 31 ـ 32، وانظر: أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي، ص 378 ـ 385، دار الجديد، بيروت، ط/1/1998م، وانظر: تجربة الإسلام السياسي، أوليفيه روا، ترجمة نصير مروة، ص: 162، دار الساقي، ط/2/1996م.
(8) انظر: تاريخ الصفويين وحضارتهم، بديع جمعة ـ أحمد الخولي، ص 55، دار الرائد العربي، وأحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 378، وعبد الله الغريب، وجاء دور المجوس، ط/6/1408هـ.
(9) انظر: محمد العبدة، مئة مشروع لتقسيم الدولة العثمانية، ص 77،125، وانظر: د. وجيه كوثراني، المسألة الثقافية في لبنان، الخطاب السياسي والتاريخ، ص 83 ـ 88، منشورات بحسون الثقافية.ط/1/1404هـ.
(10) أحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 379.
(11) مجلة المقاومة، العدد. 40، ص 29، وهي مجلة شهرية تصدر في مصر، تعنى بشؤون وأخبار حزب الله، يصدرها د. .رفعت سيد أحمد مركز يافا للدراسات والأبحاث.
(12) جريدة النهار اللبنانية11/12/1986م.
(13) جريدة النهار. 5/3/1987م.
(14) حلقات الإسلام والكونجرس، الحلقة 38، ص:46 د. أحمد إبراهيم خضر، نشرت في مجلة المجتمع الكويتية، العدد. 955.
(15) مجلة المقاومة، العدد 27، ص 15 ـ 16.
(16) جريدة الشرق الأوسط، عدد. (7482) 9/2/1420هـ ـ 24/5/1999م.
(17) جريدة الحياة، العدد. (13252)، 6/3/1420هـ ـ 20/6/1999م.
(18) بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي ج/52/122.
(19) أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي، ص 271 ـ 272
(20) المصدر السابق، ص 276، وراجع. د. موسى الموسوي، الشيعة والتصحيح، ص: 9 ـ 50، 61ـ 65/1408هـ.
(21) انظر: أحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 292 ـ 299.
(22) تحرير الوسيلة للخميني، ج/1/482.
(23) انظر: عبد المنعم شفيق، ويل للعرب "مغزى التقارب الإيراني مع الغرب والعرب"، ص:108 ـ 131، مكتب الطيب، القاهرة، ط/1/1420هـ.
(24،25)انظر: د. ناصر عبد الله القفاري، أصول مذهب الشيعة، ج/2/847 ، 892 ـ 897، ط/1/1414هـ.
(*) شهدت الساحة الشيعية اللبنانية أنماطاً من هذا النسخ، فقد نسخت حركة أمل، حركة المحرومين، ثم جاءت أمل الإسلامية لتنسخ بشكل جزئي حركة أمل، ثم جاء حزب الله لينسخ ما سبق، كل ذلك في فترة زمنية لا تجاوز عشر سنوات، وهذا ما سنراه في الحلقة القادمة . إن شاء الله.
(26) الحكومة الإسلامية، ص 26 ـ 27.
(27) المصدر السابق، ص 48 ـ 49.
(28) المصدر السابق، ص 51.
(29) المصدر السابق، ص 113.
(30) د. ناصر القفاري، أصول مذهب الشيعة، ج3، ص 1169.
(31) مجلة المقاومة، العدد. (35)، ص 16.
(32) في انتظار الأمام/ص:57،67
(33) دولة حزب الله، ص 287.
(34) المصدر السابق، ص 276.
(35) المصدر السابق، ص 231.
(36) جريدة النهار، 14/5/1986م.
(37) انظر: د. وجيه كوثراني، مصدر سابق، ص 79.
(38) دولة حزب الله، ص 177.
(*) حدثت بعض الأخطاء المطبعية في هذه المقالة بالطبعة السعودية؛ لذلك تم إعادة نشرها في العدد 143 بذات الطبعة، بينما خلت بقية الطبعات من الخطأ؛ لذا لزم التنويه.







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» أحد من شباب الكويت يقول لي أبشر
»» وجائت الأجازة
»» لزوار المنتدى ومن يحب من أعضاء المنتدى
»» حزب الله اللبناني .. وتصدير المذهب الشيعي الرافضي
»» البيان الختامي لمجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
 
قديم 22-01-03, 11:44 AM   رقم المشاركة : 3
مؤدب
اعطوني ذا عقل
 
الصورة الرمزية مؤدب







مؤدب غير متصل

مؤدب is on a distinguished road



جزاك الله الف خير






مؤدب







التوقيع :
لمن يريد أن يسبني أو يشتمني أو يقلل من قدري فله ذلك . على هذا الإميل .


[email protected]

( ألا يسع الرافضة ما وسع أمير المؤمنين من السكوت عن الصحابة لو فرضنا ظلمهم له ) ؟
من مواضيعي في المنتدى
»» سلسلة !
»» وصل العالم الي الا نتر نت والرافضة !!
»» مؤدب يودعكم علي أمل اللقاء بكم إن كان في العمر بقية
»» سؤال لاخوتي اهل السنة / مؤدب
»» لا حول لا قوة إلا بالله أبناء عمومة الرافضة
 
قديم 23-01-03, 11:32 AM   رقم المشاركة : 4
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


شكرا أخي مؤدب







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» المقاومة تواصل اصطياد إيرانيين حاولوا إثارة فتنة طائفية سنية شيعية
»» أستمعوا إلى معجزة الكذاب المهاجر بلسانه الحمد لله على نعمة العقل
»» الطقوس الوثنية في الشعائر الحسينية ( فلم وثائيقي )
»» ملخص محاضرة الأستاذ صباح الموسوي عن إضطهاد الأحواز في إيران في غرفة السرداب
»» آخر طوام الرافضة يحبون ويفضلون أبو لؤلؤة المجوسي على رسولنا الكريم / فيديو
 
قديم 23-01-03, 11:57 AM   رقم المشاركة : 5
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


الحلقة الثانية

حـــزب الله .. رؤية مغايرة!!

من هامش الحياة إلى نسيجها

عبد المنعم شفيق


"النظام اللبناني غير شرعي ومجرم" و "من الضروري تسلُّم المسلمين الحكم في لبنان كونهم يشكلون أكثرية الشعب"(1).
فَتْوَيَانِ: الأولـى خمـينية، والأخرى خامنئية، وضعتهما الحركة الشيعية في لبنان في بؤرة القلب وبؤبؤ العين، ورفعتهما إلى مرتبة الهدف الذي يُسعى لتحقيقه.
كما أفتى رئيس المجـلــس الإسلامي الشيعي الأعلى، مهدي شمس الدين بذلك أيضاً حين قال: إن الدولة وجدت نـتـيـجـــة لعقْدٍ، هذا العقد تبرمه الأكثرية من المواطنين بإرادتهم الحرة، فينتج عن إبرامه كيان الدولة، ومن المؤكد أن التنازل عن الهوية الثقافية والدينية ومظاهرها في المؤسسات والقوانين يـتـنـافى مع موجبات هذا العقد، ولا يؤثر على موجبات هذا العقد موقف الأقلية التي توافق علـى التنازل عن هذه الهوية؛ فإن على الأقلية في هذه الحال أن تخضع للأكثرية(2).
وفي معرض رده على الأسئلة الموجهة إلـيـــه فـي أحد البرامج قال محمد حسين فضل الله الزعيم الروحي لحزب الله - هكذا يلقب -: لم يـكـن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام؛ فنحن لا نعتقد - عـلـى سـبـيـل الـمـثـــال - أن الحكم العثماني كان عادلاً وحراً وإسلامياً!!(3)،(4).
وهكذا يُخرج الفقهاء الشيعة فتاويهم دون اعتبار لعامل التاريخ أو الجغرافيا ومن دون تقية كذلك.
ولأثـر الــتـبـديـل فقد احتل الفقهاء والآيات والحجج مكانة عالية بلغت درجة التقديس، وأضـحــت الفـتــاوى الصادرة عنهم، بل حتى الكلام المجرد من القداسة الدينية، يتمتع بمرتبة القداسة في نفوس أتباعهم.
وكما مر - في الحلقة السابقة - فقد دأب الفكر الإمامي على ربط "الأمة" الجعفرية برموز غير قابلة للنقد أو الـتـجـــريــــح، وأعطاهم - أو أعطوا لأنفسهم - صلاحيات وصلت إلى خصائص الإمام الغائب المعصوم، المعيَّن من قِبَلِ الله - تعالى -!!
ولقد تجاوزت هذه الصلاحيات مـــا كان يتمتع به الشاه المستبد الطاغية الدكتاتور عميل الإمبريالية والصهيونية!! فقد أقر مجلس الخبراء الإيراني إعطاء الولي الفقيه صلاحيات تفوق ما كان مخولاً به للشاه السابق، ونص على ذلك في المادة (107)(5) والفقرة (110) من الدستور الإيراني(6).
"الثورة الإسلامية في لبنان" هذه العبارة هي آخر ما تقرؤه على علم "حزب الله" في لبنان. والثورة بهذا الوصف محاولة استنساخ للثورة الأم في قم وكلتاهما ثورة آيات، أي أن العلم الديني الإمامي هو أساس التصور والحركة؛ فالثورة - بحسب المعلن - ثورة دينية: إمامها فقيه، رئيسها فقيه، وزيرها فقيه؛ فالمثال الذي ينبغي وضعه نصب العين هو إرادة الفقهاء، ولهذا فقد كان للحوزات والحسينيات دور هام في غرس مفاهيم التقديس، وفي إمداد الثورة بالوقود البشري.


الملالي.. ومدارج المعالي:

مع نهاية الغيبة الصغرى المدَّعاة للمهدي وجد علماء الشيعة أنفسهم في حيرة شديدة؛ وذلك خوفاً من انكشاف حقيقة أمر الغيبة والمهدي ودعاوى أخرى كثيرة لا تمتُّ إلى الحق بسند ولا نسب، فأخرجوا مرسوماً منسوباً إلى مهديهم الغائب يقول فيه: أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله. ثم أتبعوه بمرسوم آخر يقول فيه: أما من الفقهاء من كان صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً مولاه فللعوام أن يقلدوه(7).
ولهذا فقد وَسِعَ إمامهم المعاصر أن يقول: إن الفقهاء "هم الحجة على الناس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حجة عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك، وعلى كلٍ فقد فوَّض الله إليهم جميع ما فوض إلى "الأنبياء" وائتمنهم على ما ائتمنوا عليه"(8).
"فإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا"(9).
وقد نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وعلماء أمتي كالأنبياء السابقين"(10) بل إنه لم يجد حَرَجاً في أن يقول: "الفقيه ـ الرافضي ـ بمنزلة موسى وعيسى"(11)!!
ولهذا لم يكن مستغرباً أن يقول أحد المسؤولين الإيرانيين: إن الخميني أعظم من النبي موسى وهارون(12). وترتفع وتيرة التجاوزات في إعطاء الصلاحيات لفقهاء المذهب حين كتب آية الله آزاري قمي يقول: ليس لدى الولي الفقيه أية مسؤولية أخرى غير إقامة نظام الحكم الإسلامي، حتى لو اضطره ذلك إلى أمر الناس بالتوقف مؤقتاً عن الصلاة والصيام والحج.. أو حتى الإيمان بالتوحيد!!(13).
ويستمر التضليل بمحاولة الإقنــاع أن الفقهاء لا دخـل لهم في وظائفهم وخصائصهم؛ بل إن "الفقهاء معينون ضمناً من قِبَل الله"(14) وبذلك تكون سلطة الفقيه سلطة إلهية.
وبهذه المراسيم والقوانين والتحذيرات والتهديدات أصبحت سلطة الفقهاء فوق كل السلطات ولا تخضع لأي سلطة كانت، وكما يقول الخميني: وإذا كان السلاطين على جانب من التدين فما عليهم إلا أن يصدروا في أعمالهم وأحكامهم عن الفقهاء، وفي هذه الحالة، فالحكام الحقيقيون هم الفقهاء، ويكون السلاطين مجرد عمال لهم(15).
ولم يخرج محمد حسين فضل الله عن هذا الخط الساخن الرافع أقدار الفقهاء إلى منازل النبيين.
حيث يقول: إن رأي الفقيه هو الرأي الذي يعطي الأشياء شرعية بصفته نائباً عن الإمام، والإمام هو نائب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فالإمام هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والفقيه العادل هو أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم(16).
والواقع أن شرعية كل الأمور تنطلق من إمضاء الفقيه لها، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية لا يستمد سلطانه من الشريعة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية - من انتخاب الناس له - وإنما من إمضاء الفقيه لرئاسته، والأمر ذاته يطبق بالنسبة للنواب في مجلس الشورى والخبراء في مجلس الخبراء وغيرها من المؤسسات الدستورية في الدولة(17).
وقد حرصت السياسة الإيرانية على الاستحواذ الكامل على إعداد (رجال الدين الشيعة) في لبنان، كما حرصت على إيلائهم دوراً متصدراً في الساحة اللبنانية؛ فهؤلاء وحدهم الذين يُضمَنُ ولاؤهم للقيادة الإيرانية ولسياستها، كما يَظهرون بأنهم القادرون وحدهم على صبغ المجتمع الشيعي اللبناني بصبغة عميقة تحصنه من التأثيرات المخالفة للنفوذ الإيراني والمنافسة له. وتتوسل طهران وقم بالتعليم الديني لتأطير الاجتماع الشيعي اللبناني تأطيراً متيناً، فتحل نخب ثقافية جديدة محل النخب المدنية التي تدين بعقائد سياسية أخرى، كما حدث بإحلال "حزب الله" محل "أمل".
وبهذا فقد تحقق نجاح كبير في إنجاز أحد أكبر الأهداف، وهو تأطير "الأمة" الشيعية بسياج الآيات وتجييشها تحت قيادة واحدة؛ وعليه فلا عجب أن نرى قوافل متوالية من الشباب الشيعي يضحون بأنفسهم في سبيل طاعة الفقهاء، وهذه الطاعة والسيطرة المطلقة كانت نتيجة لجهد كبير بذله الفقهاء على مر التاريخ الإمامي. يقول د. موسى الموسوي معللاً كيفية سيطرة الفقهاء الشيعة على الأمة الإمامية: لقد استغلّت الزعامات المذهبية والفقهاء عبر التاريخ - ومنذ أن بدأت تُحكِم علينا الطوق - سذاجتنا - نحن الشيعة الإمامية - وحبَّنا الجارف لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأحدثت في مذهبنا بدعاً وتجاويف وتجاعيد كل واحدة منها تخدم مصالحهم، وفي الوقت نفسه تضر بنا بل تنسفنا نسفاً. إن كل واحدة من هذه البدع أُدخلت في عقيدتنا - نحن الشيعة الإمامية - لإحكام طوق العبودية علينا والتحكم فينا كما يشاء الفقهاء؛ إذن السذاجة وحدها لم تلعب الدور الكافي، بل استغلال الفقهاء حبَّ الشيعة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافاً إليه البدع التي أحدثوها في العقيدة جعلت من الشيعة أداة طيعة للفقهاء، يضحون في سبيل مآربهم في ساحات الوغى مرة وفي ساحات البلاء مرة أخرى، ولم يكن الفقهاء وحدهم هم الذين لعبوا هذا الدور الخطير في انحراف الشيعة عن نهجها الصحيح القويم المتمثل في تبعيتهم لفقه الإمام الصادق، بل كان للفقهاء أجنحة أخرى استمدّوا قوتهم منها وهم الرواة ورجال الحديث والمفسرون الذين نسبوا إلى أئمتنا الكرام - زوراً وبهتاناً - روايات وأحاديث كلها تؤيد البدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلوها في العقيدة الشيعية لصالحهم، وتفسير الآيات القرآنية حسب أهوائهم بصورة تخدم أهواء الفقهاء، وبهذين الجناحين استطاع الفقهاء أن يحكموا قيود الاستغلال والاستبداد على أعناق الشيعة عبر التاريخ. كان فقهاؤنا على علم كامل بالنفسية الشيعية التي كانت مهيأة للخضوع إلى ما يُطلب منها في عهد الظلام؛ فنصبوا أنفسهم أولياء وأوصياء عليهم.
وأعتقد جازماً أن فقهاءنا لم يقصدوا من استعبادنا - نحن الشيعة الإمامية - بالسيطرة الروحية والفكرية علينا فحسب، بل كانوا يخططون لأمرين كل واحد منهما أخطر من الآخر: كانوا يخططون للسيطرة على أموال الشيعة، ومن ثم الاستيلاء على مقاليد الحكم. فأدخل الفقهاء تلك البدعة الكبرى في العقيدة الشيعية، وفسروا الآية الكريمة التي تقول: ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ...)) [{الأنفال: 41]}، بأن هذه الآية نزلت في أرباح المكاسب في حين أن المفسرين وأرباب الأحاديث والفقهاء أجمعوا على أنها نزلت في غنائم الحرب ولا علاقة لها بأرباح المكاسب، ثم أفتوا بوجوب تسليم هذا الخمس إلى يد الفقهاء، وأضافوا أن الشيعة إذا لم تسلِّم خمس أرباحها إلى يد المجتهد أو الفقيه فإن صلاتهم باطلة وصومهم باطل وحجهم باطل... وهكذا دواليك، وخضعت الشيعة المسكينة إلى هذه الفتوى التي ما أنزل الله بها من سلطان. وها هم عبر التاريخ يقدمون إلى الفقهاء خُمس أرباح مكاسبهم، ولم يحدث قط أن نفراً منهم قد سأل هؤلاء الشركاء الذين لا يشاركون الشيعة في رأس المال ولا في التعب والكد والجهد؛ بل يشاركونهم في الأرباح فقط: من الذي جعلكم شركاء في أرباحنا؟ وما الأدلة التي تستندون عليها؟ ولماذا نكدح ونكافح نحن، وأنتم قاعدون تجنون ثمار تعبنا؟
لقد خضعت الشيعة لهذه الضريبة الجائرة بلا سؤال ولا ضجر، فاحتلبهم الفقهاء كما تُحتلب الناقة الطيعة. ولم يقنع الفقهاء بمشاركتهم في أرباح الشيعة، بل زعموا أنهم ولاة عليهم يجب إطاعتهم، ومن خرج عليهم فقد خرج على الله، ومن رد عليهم فهو كالراد على الله يجب قتله وقمعه من الوجود. فخضع كثير من الشيعة لهذه الفاجعة الفكرية وقبلوها وآمنوا بها وضحوا بأنفسهم وأولادهم في سبيل هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم السلطة الإلهية وبدون أن يساندهم دليل أو يقف معهم برهان؛ بل إن الذي يدَّعونه لا يتناقض مع عقيدة التوحيد والشريعة الإلهية فحسب، بل يتناقض مع مبادئ العقل والبدهيات الأولية، حقاًّ إنه من الأمور المحزنة أن تواجه الشيعة محنة فكرية كهذه، وكثير منهم يؤمنون بها، ويتفانون في سبيلها(18).

لا عزاء للملة.. ولا للملالي:
قام النائب الشيعي الجنوبي رشيد بيضون يصيح في جلسة البرلمان اللبناني في 11-5-1944م، مطالباً بمنح الطائفة الشيعية حقوقها قائلاً: امنحوها حقها في الوظائف، وفي العلوم والمعارف، مدوا الطرقات وسهلوا المواصلات في أرجائها المحرومة، عززوا فلاحيها وعمالها، تعهدوها بالعناية اللازمة انظروا إليها نظرة احترام كما تنظرون إلى غيرها(2). كانت هذه الحال وصفاً لواقع الحياة الشيعية السياسية في ذلك الوقت، أما في الجانب التعليمي، فبالرغم من هذا الإحكام الشديد لطوق السيطرة الدينية الشيعية على الناس، إلا أن الوضع الديني والاجتماعي والتعليمي بلغ في لبنان وضعاً مزرياً، "فهذه القرى العاملية لا يُذكر فيها اسم الله - تعالى - في ليل ولا نهار، ولا فرق عند أهلها بين رمضان وشوال، أما مكانة عالم الدين فانحطت إلى أسفل الدركات: فهذا يموت جوعاً ولا يشعر به إنسان، وذاك تتهجم السفهاء على كرامته، فلا يجد ناصراً ولا معيناً، وآخر يتحزب للبيك والنائب ليأكل الرغيف"(19)، وقد دفعت هذه الحال الحاج سليمان البزي - أحد وجهاء الجنوب - إلى الشيخ محمد حسين الكاظمي - أشهر علماء العرب في العراق وقتها - يطلب أحد اثنين: السيد إسماعيل الصدر، أو السيد مهدي الحكيم، وقَبِلَ الحكيم المجيء على أن يُرسَلَ له مئتا ليرة عثمانية ذهباً.
كما عزف أبناء علماء كبار أمثال: محسن الأمين، وعبد الحسين شرف الدين وغيرهم عن طلب العلم الإمامي، بل وقد خلع بعضهم العمامة ولم يكمل العلم الشرعي وانصرف لغيره.
ولا يُخفي جواد مغنية مرارته حين يقول: إن ثلة من خيرة الشباب العاملي قضوا في طلب العلم والدين سنوات طوالاً، وبعد أن اجتمعت لهم الشروط تحولوا عنه مغتبطين حين وجدوا الفرصة للتحرر والانطلاق، هذه الظاهرة آيات بينات على عدم الثقة بمصير العلم ورجال الدين(20).
وكان طالب العلم في النجف يقيم مدة تؤهله لإصلاح إحدى القارات الخمس، فإذا عاد إلى بلده لم يحصل له من المال ما يتناوله حارس أو موظف بريد، فانحطت مكانة عالم الدين الاجتماعية والأدبية انحطاطاً ذريعاً، حتى لقد أخذ بعضهم على أهل جبل عامل ضنهم على العالم بالرغيف(21)!!
وقد تسببت هذه الحال في حسرة ومرارة شديدة لدى الشيعة؛ حيث مثلت هذه الحال حائطاً كبيراً أمام تحقيق الأحلام المنشودة، ولهذا يقول وضاح شرارة: ولا شك أن انصراف طلبة العلم الديني الإمامي إلى غيره وإحجام وَلَدِ من استووا أعلاماً على التشيع - ليس في جبل عامل أو لبنان وحده؛ بل في العالم العربي والإسلامي "الشيعي" كله - عن اقتفاء سنة آبائهم، ظهر ذلك بمظهر تنكب تاريخ برمته، ولما كانت الجماعة العاملية التي جرى مثقفوهـا مـن علماء وأفندية وأساتـذة علـى تسميتها بـ "الأمة" أناطت بتشيعها وببلائها وبلاء علمائها في حفظ التشيع ورعايته واستمرارها واستقلالها، وقع انقطاع المنقطعين عن طلب العلم النجفي عليها وعلى مثقفيها وقوعاً قاسياً وأليماً(22).
وقد كان من أسباب اضمحلال التعليم الإمامي في لبنان والعزوف عنه أنه كان يؤخذ على جامعة النجف - إضافة إلى البعد المكاني - انزواؤها وانكفاؤها، وبعدها عن العالم المحيط بها ومشكلاته وقضاياه، وإذ تركها من تركها منهم أقبل على السياسة وعلى الحياة السياسية إقبال النهم، وباشرها كتابة ودعاوى وتظاهراً وتنظيماً، أما من لم يتركها فقدم الدعوة إلى الإصلاح. واعتبر بعضهم أن أصل البلاء: هو عجز العلماء عن مماشاة العصر، وقال: "تطورت الحياة وجمدنا، وتكلم العصر وخرسنا، إن على العالم أن يتصل بجميع طبقات الشعب اتصالاً وثيقاً ويحيط بأحوالها مباشرة، ويسير بحسب التطور مع المحافظة على الدين الحقيقي"(23).
وبهذا فقد تمثلت المأساة الإمامية في لبنان في أمور عدة نوجزها بالآتي:
1 - غياب القيادة الدينية التي تمثل مرجعية واعية لتحقيق أحلام الطائفة.
2 - انكفاء العلم الإمامي على نفسه وعدم مواكبته لمتطلبات العصر.
3 - انحطاط مكانة العلم والعلماء بين عامة الناس وخواصهم.
4 - بُعد المدارس الدينية الشيعية الكبرى التي يتطلب شدُّ الرحال إليها والتحصيلُ العلمي منها مبالغَ مالية كبيرة، وهو ما لم يكن في مستطاع الكثير من الناس وقتها.
5 - انصراف أبناء العائلات الدينية الكبيرة والمشتهرة بأنها "بيوت علم ودين" عن طلب العلم الإمامي.
وهكذا اكتملت صورة المأساة للواقع الشيعي في لبنان، ولكن مع نهاية منتصف هذا القرن الميلادي كانت هناك بدايات جديدة لحياة جديدة.

التثوير قبل الثورة:

دفعت هذه المرارة علماء الشيعة إلى النظر بجدية للواقع اللبناني، كما كان النظر منصرفاً لحال بقية الأمة الشيعية؛ فخلال الفترة السابقة للثورة كانت الأفكار الثورية حول الحكم تتطور وتفصل في أوساط القوى المعارضة للشاه في عملية ملحوظة من التفاعل الشيعي الشامل. إن المدارس الدينية مثلت في قم بإيران وفي النجف بالعراق (وخاصة الأخيرة) دوراً جاذباً ونقطة التقاء للعلماء والفقهاء من إيران ولبنان والعراق؛ حيث أُرسيت الأسس من أجل رؤية عالمية مماثلة - وإن لم تكن متطابقة تماماً - وشبكة من الصداقات الشخصية والولاءات السياسية الدينية التي كان لها أثر هام على المنطقة بأسرها.
إن العلاقة بين الإمام موسى الصدر ورجال الدين الشيعة اللبنانيين الآخرين والخميني قد ساعدت في تأسيس الروابط التي سهلت فيما بعد دخول إيران الثورية إلى الساحة اللبنانية، وعلى الرغم من الطبيعة الشيعية الخاصة بمدرسة النجف، فإن هذه التجمعات ربما تكون قد ساعدت على التخفيف من حدة الطائفية الضيقة للعقيدة الثورية الجديدة(24).
وهكذا فقد مثلت المدارس الشيعية الكبرى بؤراً أساسية لتجميع الملالي وتوحيد الأفكار الثورية، التي كان على رأسها إقامة دولة شيعية كبرى تضم إيران والعراق ولبنان في بداية الأمر.
وعندما نظر علماء هذه المدارس إلى الحال اللبنانية التـي هــي أحـد أضلاع مثلث الحـلم، كان لا بد من تذليل العقبات الكبرى التي تواجه تحقيق هذا الحلم، وكان التركيز العلاجي متوجه لحل الإشكاليات الخمس السابقة الذكر، وكان ذلك بسلوك خطين متوازيين في وقت واحد يلتقيان في مرحلة ما؛ فيشكلان نقطة انطلاقة واحدة، وكان الخطان هما: التثوير السياسي، والتثوير العلمي الديني، ثم ينتهيان إلى الثورة المسلحة.
التثوير السياسي:

عندمــا توفــي المرجعية العلمية لشيعة لبنان عبد الحسين شرف الدين (ت 1958م) طلب آل شرف الدين من أحد أقربائهم المجيء إلى مدينة صور لخلافة عبد الحسين في هذه المرجعية؛ حيث إنه قد نص على هذا الشخص لخلافته(25)، وكان جد هذا القادم هو عبد الحسين العاملي من بين مجموعة من علماء جبل عامل الذين التحقوا ببلاط الدولة الصفوية ليساعدوها في ترسيخ المذهب الشيعي في إيران. ولد المرجع في قم بإيران عام 1928م، ووافق آية الله محسن الحكيم على إرساله إلى لبنان(26)، كما كان والده أحد الآيات الكبار في إيران، وتخرج هذا "المرجعية العلمية" من جامعة طهران، كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة، وبالرغم من ذلك فقد حصل على لقب "الإمام".
كان هذا الرجل هو موسى الصدر الذي تربطه صلة مصاهرة مع الخميني؛ فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني، كما يُذكر أن الصدر تتلمذ على يد الخميني في قم، وعندما قدم الصدر إلى لبنان وكان ذلك في عام 1958م، وكان عمره آنئذٍ ثلاثين عاماً فحصل على الجنسية اللبنانية مباشرة بناء على قرار جمهوري أصدره الرئيس شهاب (1958م ـ 1964م)(27) وكان هذا القرار فريداً من نوعه؛ لأن إعطاء الجنسية اللبنانية لغير النصارى أمر في غاية المشقة، فكان ذلك القرار بمثابة التمكين لأقدام الصدر في لبنان.
وكانت شخصية الصدر وبداياته ودوره وتحالفاته مثار كثير من التساؤلات؛ إذ أحاط بها الغموض الشديد وعلامات الاستفهام الكثيرة(28).
ومما يُعرف عن الشاه محمد رضا بهلوي - وهو شيعي أيضاً - أنه كان يقمع الحركات الدينية الشيعية داخل إيران، ويدعم توسعها خارجها وقد دعم الشاه حركة الدعوة التي يقودها (محمد باقر الصدر) في العراق، وموسى الصدر في لبنان(29).
وقد ذكر شهبور بختيار - الذي قلده الشاه السلطة في إيران حينما تركها - أن الشاه محمد رضا بهلوي كانت له أحلام توسعية كبيرة، فأرسل موسى الصدر إلى لبنان من أجل تعزيز مشروع إنشاء دولة شيعية تضم إيران والعراق ولبنان، ووعده الشاه بخمسمائة ألف دولار مقابل ذلك(30). واللافت للنظر والذي يؤكد التواطؤ الواضح لتنفيذ مشروع الدولة الشيعية الكبرى ذلك التوافقُ الزمني للبدايات في الدول الثلاث؛ فالخميني في إيران، ومحمد باقر الصدر في العراق، وموسى الصدر في لبنان، فهكذا كانت الأمور مرتبة ومعدة.
والآن نقف على الإنجازات التي حققها موسى الصدر للشيعة في لبنان، فقد حقق الصدر لشيعة لبنان عدة إنجازات تحولوا بها من هامش الحياة السياسية اللبنانية إلى نسيجها، بل وإلى عناوين موضوعاتها، وكان من أهم تلك الإنجازات:
1 - تحديث القيادة الشيعية:
آذن النهج الذي نحاه موسى الصدر في بناء القيادة الشيعية في العقد السابع بتحول كبير في أسلوب هذه القيادة وفي ترتيب معاييرها. فتصدى الشاب ذو الثلاثين ربيعاً لمثل هذه المهمة: مهمة القيادة من غير ادعاء علم يفوق فيه أقرانه، ومن غير الإدلال بإجازات ولا بتآليف أو اجتهادات. ولم يعنِ ذلك عزوفاً عن الخوض في المطالب الدينية.
فهو توسل إلى غاياته بالعمل السياسي الجماهيري، وبتكثير العلاقات ونسج الروابط التي تجعل منه وسيطاً وطرفاً في شبكة الروابط اللبنانية والإقليمية. فتوجت مكانته وإمامته فلاحَ نهجه في إظهاره من يتكلم باسمهم بمظهر القوة السياسية والاجتماعية التي ينبغي احتسابها في المشاريع العامة المختلفة، وانضوى إليه وإلى حركته معظم العلماء الشيعة اللبنانيين واعتزلته جماعات منهم.
إلا أن الدور السياسي لم يورث مرجعية دينية وفقهية، وقد بدا أن الصدر لا يوليها اهتماماً كبيراً، برغم حرصه وحرص شرف الدين - الذي قَدَّمَ الصدر ليخلفه - على تكثير العلماء، وتمهيد سبل إعدادهم. فتصدر الشيعة اللبنانيين تصدراً متنازعاً رجلُ دين لم يُجمِع أقرانه عليه، ولم يسعَ هو إلى مثل هذا الإجماع. لذا خلت مسألة المرجعية من كل مضمون، وجلاّ عنها كل إلحاح، فأثر موسى الصدر في إخلاء مسألة المرجعية من مضمونها وإلحاحها، برغم أن السياسة الخمينية تنهض في وجه من وجوهها على إنشاء سلك علمي وديني واسع ومتماسك تسوسه على نحو مركزي(31).
وبهذا فقد قضى الصدر على الزعامات الشيعية التقليدية التي لم تكن لها تطلعات ثورية، وارتضت واقع العيش اللبناني، والتمسك بالمكاسب الخاصة دون النظر لتطلعات وآمال وآلام الأمة الشيعية.
2 - وضوح التميز الطائفي:
اتخذ الصدر لإجلاء صورة الطائفية الشيعية أمرين مهمين:
الأول: تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى:
جاهد الصدر كثيراً لضم الشتات المبعثر لشيعة لبنان، وما إن بدأ الالتئام حتى سعى إلى الانفصال التام بالشيعة باعتبارها طائفة مستقلة عن المسلمين "السنة" في لبنان، فقد كان للمسلمين في لبنان مفتٍ واحد ودار فتوى واحدة، وكان المفتي وقتها هو الشيخ حسن خالد - رحمه الله - وادعى الشيعة أن الشيخ حسن خالد رفض التوصل إلى عمل مشترك معهم(32)، وفكر الشيعة في إنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" عام 1966م ووافق مجلس النواب اللبناني على إنشائه واختير الصدر رئيساً للمجلس، وبهذا أصبح الشيعة طائفة معترفاً بها رسمياً في لبنان كالسنَّة والموارنة.
وأصبح هذا المجلس المرجعية السياسية والدينية الجديدة التي تهتم بكل ما يتعلق بالشيعة اللبنانيين وبجميع شؤون حياتهم ومماتهم!! وتحولت المرجعية بهذا المجلس من مرجعية فردية إلى مرجعية مؤسسية، وإن لم يتم التخلي عن دور المرجع الشخصي.
الثاني: تأسيس حركة المحرومين:
أخذت هذه الحركة في بدايتها السمة الاجتماعية، والمناداة بتحسين أحوال الشيعة في لبنان، وخاصة سكان الجنوب، ووضع لها الصدر شعارات براقة، كالإيمان بالله والحرية والعدالة الاجتماعية والوطنية وتحرير فلسطين، وأن الحركة لجميع المحرومين وليست خاصة بالشيعة، فنزعت هذه السياسة مع موسى الصدر إلى استدراك ما فات الشيعة اللبنانيين من لحمة ومن قوة، وذلك من طريق وصل ما انقطع بين المقيمين بالأرياف وبين النازلين المدن، وعن طريق تقريب ما تباعد بين أهل جنوب لبنان وبين أهل بقاعه أو شماله الشرقي، وكان على حركة الصدر أن تصور الفروق الاجتماعية والثقافية المتعاظمة في صفوف الشيعة في صورة الأمر الهين والثانوي، ولما كان "كلّ" الشيعة - شأن "كلّ" أو "جميع" أي جماعة - لا كيان لهم إلا متخيّلاً ومتوهماً ومرموزاً إليه، عمل موسى الصدر على نصبه وتجسيمه في شارات تقربه من المخيّلات، وتحمله على الحقيقة.
فكانت التظاهرات الكبيرة التي تجمع عشرات الألوف من الناس، وتضمّ أجنحة الشيعة اللبنانيين، في الجنوب والبقاع، وفي الريف والمدينة، وكان رفع "الحرمان" شعاراً ليميز الشيعة أنفسهم(33).
وكان العديد من الشباب الشيعي قد انضم إلى جماعات مختلفة، مثل التنظيم البعثي الموالي لسوريا والحزب القومي الاجتماعي السوري، وجبهة التحرير العربية التي يدعمها العراق، وبعض التنظيمات الماركسية المتعددة، ولقد كان من أسباب هذا الانضواء تحت هذه المذاهب المختلفة خلو الساحة السياسية من حركة شيعية تجمع هذا الشتات الكبير، كما أن هذه التنظيمات كانت تدفع رواتب مجزية لأعضائها، وقد كانت الحال الاجتماعية للشيعة شديدة في فقرها.
وعندما أعلن موسى الصدر عن حركة المحرومين، دخلها من دخلها من هؤلاء بما هم عليه من أفكار هذا الشتات الفكري والمنهجي، وكما ضمت الحركة تلك التشكيلة المختلفة، ضمت كذلك في ثناياها "الجماعة الإسلامية" أو الخمينية والإيرانية الولاء لاحقاً، وكانت هذه الأخيرة أكثر الجماعات المنضوية تحت عباءة الحركة، وقد سعت للاستيلاء على الحركة من داخلها والسيطرة عليها، فكانت حركة المحرومين هي "العباءة" التي لبستها وتسترت بها قبل أن يحين خلعها والسفور عن هوية سياسية ومنظمة مستقلة، ويبدو في تلك المرحلة أن الهم الأكبر كان جمع هذا الشتات الشيعي بأي شكل كان، تحت قيادة جديدة تستطيع المحافظة على هذا الجمع إلى حين.
وكذلك ذهب الصدر إلى علاج ما يلح عليه أهل الطائفة الشيعية من احتياجهم إلى مرافق يتوسلون بها إلى ما فاتهم من تحديث التعليم والإعداد المهني والرعاية الصحية والاجتماعية، فأنشأ مدرسة الخياطة والتفصيل، ومدرسة التمريض، ومدرسة جبل عامل المهنية التي تخرج منها أهم كوادر المقاومة المسلحة لحركة أمل فيما بعد، كما شهد بذلك نبيه بري - زعيم الحركة بعد الصدر -(34) كما أنشأ مبرة الزهراء ومستشفى الزهراء فيما بعد.
إلى هنا سنترك الصدر بهذين الإنجازين وسنعود إليه عندما يلتقي مع محمد حسين فضل الله في نقطة الانطلاق الثالثة.

التثوير العلمي والديني:

الدور الذي قام به الصدر حل بعض الإشكالات التي تواجه التجمع الشيعي بأمراضه المزمنة؛ ولكن بقيت بعض الإشكالات الأخرى التي لا يصلح لها الصدر ولا أمثاله، فبقيت قضية العلم الديني الإمامي: تدريسه، وتطويره، وتقريبه للناس، والترغيب في العودة إلى حِلَقه في الحوزات والحسينيات، ثم ربط ذلك كله بالهدف الأساس، وهو تحويل المجتمع الشيعي اللبناني إلى مجتمع حرب - على حد قول فضل الله نفسه - ليمهد للثورة وتحويل لبنان إلى دولة شيعية.
ولد فضل الله في عين عطا بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وتلقى تعليمه في النجف على يد محمد باقر الصدر ومحسن الحكيم، ويدعي فضل الله دائماً أنه ليس قائداً لأي حزب أو حركة، ولكنه يتمتع بنفوذ خاص بين جماهير الشيعة، وفضل الله رجل زئبقي التصورات والأفكار، ويجيد المراوغة الكلامية والتلاعب بالألفاظ، ولكن يبقى أن كل هذه المؤهلات لا تستطيع الحياد به أو أن يحيد هو بها عن هدفه الأساس في لبنان، ومن هذه الأفكار التي تبدو متناقضة متنافرة نراه يقول: أنا في الحقيقة رجل حوار، ولي كتب ومدرسة للحوار، وأطلب من الناس أن يحلو مشاكلهم عبر الحب والتفاهم وليس عبر استخدام العنف(36).
وسئل في حوار معه قريب(37): بالأمس دعوتم إلى التدرب على الحب "كما تدربنا على السلاح في لبنان" فهل يعني ذلك أن زمن السلاح قد ولى برأيكم؟ فأجاب: ليس من الضروري أن يكون زمن السلاح في المطلق ولى؛ لأن الحياة تحتاج بحسب طبيعتها إلى حركية السلاح وترتبط بها في الجانب الإيجابي أو السلبي، لكن المسألة التي أحب أن أؤكد عليها دائماً أن قضية الحب هي قضية الحياة؛ بحيث إنك عندما تملك السلاح - يجب أن تعيش معنى الحب في حركة السلاح في يدك؛ بحيث لا تحركه إلا من خلال خدمة الإنسان وخدمة الحياة بدلاً من أن تحركه لإسقاط الحياة. ومن المؤسف أن الناس لا يتدربون على الحب؛ بل إنهم يتدربون على البغض والحقد حتى أصبحنا نتحدث عن الحقد المقدس وعن البغض الإنساني.
هذا الكلام يجب أن نتذكر معه قول فضل الله وهو يخاطب جمهور المصلين في بلدة النبي عثمان قائلاً: وعلينا أن نخطط للحاضر والمستقبل؛ لنكون مجتمع حرب!!(38).
ثم يحاول الهروب من دوره في تعبئة الناس للحرب والتأكيد على دوره في ذلك في آن واحد بقوله: لا بد للشعب أن يعبر عن نفسه ويأتي التعبير إما عبر الوسائل التقليدية، أو بغير الوسائل التقليدية؛ ولهذا نجده اختار الهجوم الانتحاري، وهذا شكل آخر من أشكال الصراع، ويعتقد من يفعل ذلك أنه يصارع إذا حول نفسه إلى قنبلة حية، ويصارع أيضاً لو كانت هناك بندقية في يده، ولا فرق أن تموت بقنبلة في يدك أو أن تفجر نفسك، وهذه المفاهيم التي أتحدث عنها مفاهيم عقلية!! في مواقف الصراع، أو في الحرب المقدسة، عليك أن تجد أفضل الوسائل لتحقيق أهدافك، نعم إنني أتحدث عن الشعب الذي يواجه الخطط الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، لكنني لم أقل لهم على وجه الخصوص: "فجروا أنفسكم" وقد سمعت من يتهمني بأنني أبارك الهجوم، أنا في الواقع أدعو إلى الحرية، إنني أدعو إلى التحرر من الاستعمار. إذا كان الاستعمار يظلم الناس فعلى الناس أن يحاربوه، أما أن نقول: إني أتزعم الناس في أعمال عنف فلا. ثم يلتفت ويستدير للوجهة الأخرى من سياسته ويقول:
إننا يمكن أن نأتي بالتغيير في لبنان بتعليم الشعب وتنويره داخل المؤسسات الاجتماعية، وهناك طرق أخرى يمكنك أن تلجأ إليها: أن تبدأ بإقناع الناس، وهي نفس الطريقة التي يعظ بها المسيحيون، أو يفعلها الماركسيون - حتى لا يكون شاذاً في عرضه - إنك حين تقنع الأغلبية السائدة بأن تهتدي بالإسلام يكون وقتها لدينا الظروف السياسية المناسبة، ووقتها تستطيع أن توجد جمهورية إسلامية.
ثم يعرج على الدور الهام للخدمات الاجتماعية الكبيرة التي يقدمونها للناس بقوله:
إن قوتنا تكمن في قدرتنا على صنع الناس والجماهير، وعلى أن نضع أوامرنا موضع التنفيذ إنهم ينفذون أوامرنا؛ لأنهم يعرفون أننا أقرب الناس في تحقيق مطالبهم(39).
فهذه عجالة من أفكار الرجل التي يُبَيّنُ أهدافها الواقع، كما تَبِينُ مراوغاتها الفكرية، وقد حقق فضل الله - كالصدر - عدة نجاحات هامة للشيعة في لبنان نوجزها فيما يلي:

1 - توطين العلم الإمامي:

كانت إحدى الإشكالات الكبرى التي كانت تواجه المجتمع الشيعي اللبناني، بُعد المدارس الدينية الكبرى، وكثرة المعوقات التي تحول دون الالتحــاق بها، وكان مــن أكثرها تعويقاً للاتصال بها تلك المعاناة المالية التي لا بد أن يتحملها الطالب وأهله طوال مدة طلبه للعلم الإمامي، لذا كان الدور الذي أُنيط بـ (فضل الله) عند عودته من النجف أن ينقل معه هذه المدرسة في صورته وصورة مهدي شمس الدين، وتم اعتماد ذلك على أنه بمثابة السفر إلى النجف أو إلى قم، فأنشأ فضل الله "المعهد الشرعي الإسلامي" وبدأ التدريس فيه، وأنشأ كذلك جمعية أسرة التآخي وحسينية الهدى، ثم بدأت المدارس في الانتشار فيما بعد على نحو ما سيأتي.
كما تم اعتماد سياسة تعليمية تسهل الالتحاق بهذه المدارس، وقامت هذه السياسة الجديدة على:
أ - تكثير المدارس ونشرها في الأرياف الشيعية والضواحي؛ حيث تجتمع كثرة الشيعة.
ب - إجراء وظيفة أو رواتب للطالب.
ج - قبول الطلبة من غير شرط مدرسي أو شرط يتعلق بالسن(40).
وقد ساعدت هذه السياسة التعليمية على الخروج من سيطرة الأهل، من أفكارهم وأموالهم، كما ساعدت كذلك على تكثير سواد الطلبة الجدد.

2- تطوير العلم الإمامي:

كانت التقليدية والجمود الذي أصاب العلم الإمامي إحدى الإشكالات التي كان ينبغي التوجه إلى علاجها والتأكيد عليها، وكان مما قاله الخميني في ذلك: قدموا الإسلام للناس في شكله الحقيقي، حتى لا يتصور شبابنا أن وظيفة رجال الدين أن يجلسوا في أحد أركان النجف أو قم لتدارس أمور الحيض والنفاس بدلاً من شغل أنفسهم بالسياسة، ومن ثم يستنتج الشباب أنه يجب فصل الدين عن السياسة(41).
والمعهد الشرعي الإسلامي سعى إلى إخراج "العلم" الإمامي بلبنان من شرنقة العائلات الدينية التقليدية، وقصد إلى جلاء صورة جديدة لرجل الدين تميل به عن صورة "الشحّاذ"، العاطل عن العمل، أو واعظ الناس "مواعظ تقليدية"، ومحدّثهم في الصلاة والصوم، ومرغبهم في الجنة إلى صورة بل إلى حال مختلفة يصح معها نزوعه إلى دور الولاية العامّة، وإلى محلّ الصدارة في ميادين النظر والعمل كافة، فأقبل على المعهد الشرعي الإسلامي طلاب حرص بعضهم حرصاً شديداً على الظهور بمظهر محصّلي العلم "العصري" وعلى النجاح أو التفوق في مضماره، ورمى الطلاب ومرشدوهم من وراء ذلك إلى رفع ما لحق رجل الدين التقليدي من ازدراء، وإلى محو وصمة البطالة والفراغ والجهل عنه؛ فلا يؤول ذلك إلى نفض الغبار عن دوره فحسب، بل تحلّ قوة العلم في دعوته وفي كلامه ومواقفه، ويشق الطريق أمام المحتذين بمثاله والمقتدين به، فيتكاثر عدد السالكين طريق علوم الدين.
وجمع طلاب المعهد بين التحصيل الديني وبين أنشطة حياة عادية ووجوهها. ومثل هذا الجمع ضروري وحيوي للدعوة وحزبها(42).
وقد صب هذا التطوير للتعليم الديني في مجرى تحقيق الهدف الأساس من تحويل المجتمع اللبناني الشيعي إلى دولة شيعية قد تتوافق بداياتها مع البدايات الإيرانية أو تلحق بها فيما بعد فلا تقتصر السياسة على الوجه المتصل بالمدارس والتدريس، وعلى سلك العلماء وإعدادهم؛ فهي تعد الجسم الديني بغية تأطير "المجتمع الإسلامي" وقيادة المعقل الشيعي؛ فما العلماء والطلبة من بعدهم وورائهم إلا المبلغون عن الثورة، وعن مرشدها، ودولتها، وحوزاتها، وقد أوْلى التراث الشيعي العلماء والمبلغين والدعاة دوراً خطيراً، وأناط بهم نقل العلم الإمامي، أو الأدلة إليه؛ فكان التشيع الإمامي بين أُولى الفرق التي برعت في إعداد الدعاة وتنشئتهم ووضع رسوم عملهم.
وكان لا بد لهذا التطوير بعد هذا التأطير للمجتمع الشيعي من أن يصب في مجرى آخر للالتقاء مع حركة الصدر من أجل الثورة بعد التثوير.
فيقول الشيخ محمد إسماعيل خليق - ممثل الشيخ حسين منتظري في لبنان -: إن الحوزات العلمية على مدى العصور كانت منطلقاً للثورات ضد الظالمين؛ فهي مشعل لانتصار الإسلام والمسلمين في كل العالم، ومعين الطلبة الذين يشتركون في العمليات الجهادية(43).
وقد تم التوسل برباط "العلم" الإمامي الذي ينبغي أن يتعالى عن الأقوام والأهل واللغات، وأن يلحق المدارس الدينية والحوزات بـ "خط الإمام". وحملة "العلم" وأصحابه على "العمل" ووحدت بين العمل وبين "الحرب والقتال والشهادة، وتوّجته بالدم"، فاستعادت من غير ملل، ولا خشية من التكرار المقارنة التي عقدها التراث الإمامي بين حبر العلماء وبين دم الشهداء، ومزجت بينهما، وجعلت مِزَاجهما عنواناً قاطعاً على وحدة "الشخصية الإسلامية" وعلى فرادتها، فاستحال عالم الدين إلى أحد وجهين متلازمين لكل مناضل إسلامي. أما الوجه الآخر فهو المقاتل أو المجاهد. فإذا اجتمع العلم والقتال والشهادة في شخص واحد ارتفع الشخص إلى مرتبة الولاية والمثال، وكما قال أحد شبابهم: لا بد للعلم من جهاد يكمله ويتكامل معه(44).
ولهذا فقد افتخر محمد حسين فضل الله بأن هذا الجيل الذي يمثله الآن "حزب الله" قد تربى على يديه(45).
وإلى هنا اتفق فضل الله مع الصدر في نقطة الانطلاق التي هـي مـدار حديثنا في الحلقة القادمـة - إن شاء الله تعالى -.


الهوامش:
(1) انظر مقال : صادق الموسوي، مجلة الشراع، 17/5/1993. وانظر : وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص342.
(2) د. وجيه كوثراني ، المسألة الثقافية في لبنان، الخطاب السياسي والتاريخ، ص20ـ 21.
(3) قراءة في فكر زعيم فكري لبناني ، ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي د. أحمد إبراهيم خضر، مجلة المجتمع ، العدد: 953، ص45.
(4) ورد في الموسوعة العربية العالمية، ج21/71، أن عدد الشيعة في لبنان بلغ عام 1990م مليونا ومائتي ألف نسمة ، أي بنسبة 54% من السكان المسلمين الذين يمثلون 62% من سكان لبنان . كما تذكر مصادر أخرى أنهم يشكلون 50% من نسبة السكان كما ورد ضمن حلقات الإسلام والكونجرس، مجلة المجتمع العدد928، ص 29، كما أوردت مجلة المجلة في العدد:795 /13/4/1995م أن عدد الشيعة في لبنان يبلغ 42% من مجموع سكان لبنان.
(5) انظر: بهمان بختياري، المؤسسات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن مجموعات أبحاث تحت عنوان إيران والخليج، البحث عن الاستقرار، إعداد جمال سند السويدي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، 1996، ص75.
(6) كينيث كاتزمان، الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه ودوره، ص60، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1،1996.
(7) انظر: أصول مذهب الشيعة للقفاري، ج2/894، وانظر تطور الفكر السياسي الشيعي، ص419ـ437.
(8) الحكومة الإسلامية، الخميني، ص80.
(9) المصدر السابق، ص49.
(10) انظر إيران: تحديات العقيدة والثورة، د. مهدي شحادة، د. جواد بشارة، مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي ، ط1/1999، ص 19.
(11) الحكومة الإسلامية ، ص95.
(12) انظر حجة الإسلام : د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، ص147.
(13) انظر : مهدي نور بخش، الدين والسياسة والاتجاهات الأيديولوجية في إيران المعاصرة، ضمن إيران والخليج، البحث عن الاستقرار ص 48.
(14) الحكومة الإسلامية ص 54
(15) الحكومة الإسلامية ص 54
(16) محمد حسين فضل الله ولاية الفقيه، ص55.
(17) المصدر السابق ص24.
(18) يا شيعة العالم استيقظوا، لحجة الإسلام موسى الموسوي ص 16ـ20.
(19) التيارات السياسية في لبنان 1943 ـ 1952 ، د. حسان حلاق ، الدار الجامعية ـ 1988.
(20) محمد جواد مغنية، الوضع الحاضر في جبل عامل، ص58، نقلا عن دولة حزب الله ، ص26.
(21) السابق ص 24ـ29.
(22) السابق ص 47ـ 48.
(23) دولة حزب الله ص30ـ31.
(24) مغنية، مصدر سابق ص43.
(25) سوريا وإيران : تنافس وتعاون، أحمد خالدي، حسين . ج. أغا، ت/ عدنان حسن ، دار الكنوز الأدبية ط1/1997م ص 19ـ20
(26) دولة حزب الله ص 44.
(27) أوليفيه روا ، تجربة الإسلام السياسي ص 178.
(28) يذكر أن الأسرة الشهابية كانت من الأسر الشيعية التي تنصرت.
(29) انظر عبد الله الغريب ، وجاء دور المجوس، 409ـ 423.
(30) تجربة الإسلام السياسي ص 178.
(31) انظر الصدر ودوره في حركة أمل، ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي د. أحمد إبراهيم خضر ، مجلة المجتمع ، العدد: 957، ص 47.
(32) انظر: دولة حزب الله ، ص 167ـ 169.
(33) السابق ص 79ـ 80.
(34) راجع ذلك في حواره مع مجلة الوسط العدد 275/5/5/1997م.
(35) انظر هذا الكلام وهو لحسين الحسيني ضمن حلقات حازم صاغية التي بعنوان معرفة (بعض) لبنان ، طوائف وعائلات ، مناطق وأحزابا سياسية ، جريدة الحياة ، العدد : 13323/19/5/1420هـ، 30/8/1999م.
(36) حوار نشر ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي أجراه معه د. جورج نادر، ونشر تحت عنوان قراءة في فكر زعيم ديني لبناني ، الأعداد : 953،954،955 من مجلة المجتمع.
(37) جريدة الأنباء الكويتية، العدد: 8364/29/8/1999م .
(38) جريدة النهار اللبنانية ، 14/5/1986م.
(39) قراءة في فكر رجل ديني لبناني ، مصدر سابق.
(40) انظر دول حزب الله، 135ـ 136، 155ـ 156.
(41) الدين والسياسة والاتجاهات الأيديولوجية في إيران المعاصرة، ص 42.
(42) وضاح شرارة ، ص 88ـ89.
(43) جريدة السفير اللبنانية ، 12/2/1987م.
(44) انظر وضاح شرارة ، ص 162.
(45)انظر حواره مع مجلة : المشاهد السياسي، العدد 168/30/5/1999م.







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» موقع جديد عن صوفية وشيعة السعودية
»» السودان يدخل عصر صناعة الطائرات الحربية
»» أسرار وخفايا وشخصيات حزب الله الحجازي - بالصوت والصور
»» بوش يرسل رسالة تقدير إلى السيستاني !!!!!
»» تكلّم فاطمة ( عليها السّلام ) في بطن امّها
 
قديم 25-01-03, 12:00 PM   رقم المشاركة : 6
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


الحلقة الثالثة

حـــزب الله .. رؤية مغايرة!!

البناء بالحرب!!

عبد المنعم شفيق

فـي 18 فـبـرايــر من عام 1974م، وقبل بداية الحرب الأهلية اللبنانية بعام تقريباً، وقبل اندلاع الثورة الإيـرانــيـــــة بسنوات قليلة، وقف موسى الصدر أمام حشد كبير من شيعته ليقول: "إن اسمنا ليس الـمَـتَاوِلة، إننا جماعة الانتقام، أي هؤلاء الذين يتمردون على كل استبداد، حتى إذا كان ذلك سـيـكـلـفـنـا دمَنا وحياتنا، إننا لم نعد نريد العواطف، ولكن نريد الأفعال، نحن تعبون من الكلمات والخـطابات، لقد خطبت أكثر من أي إنسان آخر، وأنا الذي دعا أكثر من الجميع إلى الهدوء، ولـقــد دعوت إلى الهدوء بالمقدار الذي يكفي، ومنذ اليوم لن أسكت أبداً، وإذا بقيتم خاملين، فأنا لست كذلك"(1).
"لقد اخترنا اليوم فاطمة بنت النبي، يا أيها النبي، يا رب، لقد اجتزنا مرحلة المراهقة، وبلغنا عمر الرشد، لم نعد نريد أوصياء، ولم نعد نخاف، ولقد تحررنا، على الرغم من كل الوسائل التي استخدموها لمنع الناس من التعلم، ولقــد اجتمعنا لكي نؤكد نهاية الوصاية، ذلك أننا نحذو حذو فاطمة، وسننتهي كشهداء"(2).
وبهـذا الإعلان "الثوري" كانت بداية جديدة للحركة السياسية الشيعية في لبنان، وكانت نقطة الانطلاق التي اتفق فيها الصدر مع فضل الله.

"أمل" تبعث الأمل:

قـصــــة البداية: بعد حرب العام 1948م لجأ إلى لبنان أكثر من 150 ألف فلسطيني، وفي منتصــف السبعينات الميلادية وصل هذا العدد إلى أكثر من 400 ألف، وفي أعقاب الصدام العنيف في "أيلول الأسود" من عامي 1970، 1971م بين المنظمات الفلسطينية، والسلطات الأردنيـــة، لجأ كثير من هذه المنظمات إلى لبنان، وبطبيعة الحال فإن هذه المنظمات كانت أفضل تسليحاً وتنظيماً من أي قوة أخرى في الجنوب، في ذلك الوقت كان المجتمع الشيعي في حالة صحـوة كما مر، واجتمع للشيعة عدة عوامل تزيد من عدم رغبتهم في هذا الوجود الفلسطيني، ومنها:
1 ـ عامل التاريـخ: وهـــو ذلك العداء القديم لأهل السنة؛ فهاهم الآن في معقل من معاقلهم "جبل عامل" وبقوة مسلـحــــــة تستطيع تهديدهم بشكل مباشر ولهذا كان الشيعة أول من سارع لمساندة الجيش اللبناني "الـمــوارنـــة" فـي الاشـتـبـاكـات التي جرت مع المنظمات الفلسطينية، بل ومساعدة اليهود في ذلك أيضاً؛ فالموارنة لا يريـــدون تكثير "السنة" لأجل إنشاء دولتهم النصرانية، واليهود لا يريدون الفلسطينيين في لبنان لئلا يتهـــدد أمنهم مــن الشمال، والشيعة لا يريدونهم كذلك؛ لأنهم يمثلون عائقاً أمام تحـقـيـق وجـودهم وكيانهم الذي يسعون من أجله.
2 ـ عامل الجغرافيا: وهو الرغبة في عدم إثارة الدولة اليهودية "الجارة" وهذه الإثارة تنتج عـــن مـهـاجـمـــة الـمـنظـمات الفلسطينية لأي أهداف إسرائيلية سواء من داخل لبنان أو خارجها، وذلك أن دولة اليهـود دأبت على تأديب سكان الجنوب كلما حدث ذلك لتزيد من النقمة الشيعية على الفلسطينيين.
3 ـ عامل الأيديولوجيا الثوريـــة: حيث إن الشيعة في حال جديدة رغبة في التطلع لوضع سياسي واجتماعي يدفعهم نـحـــو الـدولــــــة الحلم في لبنان، والتمكين للطائفة في الواقع اللبناني، وحيث إن الجنوب هو معقلهم التاريخـــي، فلا مناص إذاً من التخلص من هذا العائق الكبير الذي يقف أمام هذا الحلم.
ولهذا فقد كان من الضروري التعامل مع هذه القضية الشائكة بحذر وجدية في الوقت ذاته.
فـالـحــــذر: كــان لاعتبار تلك النداءات التي أطلقها الصدر من أنهم يحملون هَمَّ القضية الفلسطينية وأنها قلب دعوتهم كما جاء في ميثاق حركته:
"فلسطين، الأرض الـمـقــدســـة التي تعرضت - ولما تزل - لكل أنواع الظلم، هي في قلب حركتنا وعقلها، وإن السعي إلـى تحـريــرها أول واجباتنا، وإن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها"(3).
كما كان من دواعي الحذر أن الصدام السـريــع مـــع الـمـنـظـمات الفلسطينية سوف يكون لصالحها لا محالة.
وأما الجدية: فكانت في إيجاد حركة مسلحة تستطيع تحقيق الأمن الذي تحتاجه الطائفة الشيعية، والتخلص من هذا الهمِّ الجاثم على صدورهم، وكــان أن أُعلن عن إنشاء "اتحاد محرومي لبنان"(4) أو "أفواج المقاومة اللبنانية" والتي عرفــت فيما بعد باسم "أمل". ومن العجيب أن هذا الاسم الأخير "أمل" كان من اقتراح ياسر عرفـات على موسى الصدر(5)، وكانت هذه الحركة هي "الجناح المسلح" لحركة المحرومين التي تم التدثر بها ابتداءاً.
"ومضى الصدر إلى أبعد من مجرَّد الدفاع الداخلي عن حقوق طائفـتـه، فنراه يقيم علاقات وثيقة مع المقاومة الفلسطينية، وهكذا نجده يخرج عن تحفظه في موضـوع الـعـلاقـات بين الدولة اللبنانية والمنظمات المسلحة التي كانت تعمل ضدّ (إسرائيل) بدءاً من جنوب لبنان، وكان تحـالفه معها يتيح لرجل الدين الإيراني أن يستفيد من دعم عسكري لكي يقف بقوة أمـــــام الرؤساء التقليديين لجبل عامل، وأن يجد بعد عام 1975م دعماً شخصياً (كتقديم أسلحة، وتدريب) عندما أسست الميليشيا العسكرية لحركة أمل"(6).
وكما تدربت ميليشيا أمل على يد "فتح" فقد كانت المنظمة تقدم خدماتها بهذه الصورة إلى ما هو أكـبـر وأوســـع من دائرة أمل، فقد وسعت هذه الخدمة لتشمل النشاط الشيعي على مختلف الأصعدة، وكأنهم يقولون لهم: هكذا تذبحوننا!!(7).
وعندما وجد الصدر مـن جماعته القوة التي تستطيع أن تواجه المنظمة ـ التي دربته ـ قلب لها ظهر المجن، فبـعـد أن اشتعلت الحرب المدنية اللبنانية، بدأ الصدر يغير موقفه بشكل واضح من المنظمات الفـلـسطينية، وقد نقل عنه كلمات قاسية جداً ضدها، قالها - قبل أن يختفي - لأحد رجال السياسة الموارنة القريب من الطلائع المارونية:
"إن المقاومة الفلسطينية ليست بثورة، إنها لا تقبل البرهان على قضيتها بالشهادة. إن هذه مكنة عسكرية ترهب العالم العربي؛ فمع السلاح يحصل عرفات على المال، وبواسطة المال يمكنه أن يغذي الصحافــة، وبفـضـل الصـحـافـــة يستطيع أن يجد آذاناً صاغية في الرأي العالمي، إن المنظمة (فتح) عامل اضطراب في الجـنــوب، وقد نجح الشيعيون بالتغلب على عقدة نقصهم تجاه المنظمة الفلسطينية(8).
فـي الـوقـت ذاتــه كــان الـصدر لا يريد أن يفقد علاقته مع حلفائه من الموارنة في السلطة الحاكمة فأعلن أن "أمل" عـــــون ومدد للجيش اللبناني في الجنوب في التصدي للهجمات الإسرائيلية!! وبهذا الفعل حصل الصدر على عدة مكاسب:
1 ـ اكتساب شرعية لميليشياته من الدولة اللبنانية، وعدم خسارة العلاقة معها.
2 ـ إضعاف سلطة الفلسطينيين فـي الجـنــوب بوجود قوة أخرى "لبنانية" مشتركة، وكان التعاون بينهم في هذا الجانب واضحاً(9).
3 ـ كان هناك كذلك مكسب هام ـ وإن كـــان إعلامياً ـ وهو الادعاء بأنه ما زال يدافع عن القضية الفلسطينية، وها هي قواته تقاتل في الجنوب ضد العدو الصهيوني، وهو ما اعتبره الصدر انتزاعاً لانفراد المنظمات الفلسطينية بالمواجهة، وعليه؛ فقد تم التفريق بين القضية الفلسطينية وبين مواجهة الفلسطينيين.

الخروج إلى بيروت:

بـعـد هـــذا الاستقواء الذي تـم للحركة طالب الصدر أتباعه في خطاب جماهيري باحتلال القصور في بـيـروت، واعـتـبـر الشيعة ذلك نداءاً مقدساً، واحتلوا من بيروت مناطق وقصور "أهل السنة".
يـقـول عـبـد الله الغريب: ويـغـلــب على ظني أن استيطان الشيعة في بيروت في الستينات وقبلها كان عفوياً، أما بعد الستينات فكانت أهدافهم واضحة، وكان موسى الصدر مهندس هذه الخطة ومن ورائه النهج الـنـصـرانـي، ومـــــــن الأدلة على ذلك أن العمال والموظفين القادمين من الجنوب والبقاع والشمال كانوا يبنون مـنـــازلهم في جنوب بيروت على أملاك الغير، وكان ذلك يحدث تحت سمع السلطة وبصرها، بل وكان أصحاب الأراضي من أهل السنة يطالبون الأجهزة المسؤولة بوضع حدٍ لهذا العـبـث، ورغم ذلك فالسلطة تترك قُطَّاع الطرق يفعلون ما يشاؤون. ولو كان هذا الذي يحدث في بيروت الشرقية أو في أي منطقة من مناطق النصارى لما صمت قادة الموارنة لحظة واحدة.
وعـنـدمــــا سأل الصحفيون نبيه بري عن الأسباب التي دفعته إلى احتلال بيروت الغربية أجاب: بـيـروت الـغـربـيـــة عاصمة لبنان وملك لجميع المواطنين وليست حكراً على أهل السنة(10).
وشـــاع في وسط المهجرين الخروج عن القوانين العامة وعـــن الأعـراف، مثـــال ذلك: أن 88% مـــــن الـ 4400 مبنى التي أحصاها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالرمل العالي والأوزاعي وشــاتـيلا والجناح، وهي من نواحي الحركة الإسلامية "الخمينية"، شيّدت في الأملاك العامّة أو في أملاك الغير (اغتصبت عنوة)، وهذه الحال استمرت على الوجه نفسه إلى العام 1996م، وسوف يستمر هذا الاغتصاب حتى يتم إنجاز ما يسمّى مشروع "اليسار" وبناء هذا الجزء مـــن ضـــواحي بيروت بناءاً جديداً في نصف العقد الآتي، ومع استهلال الألف الثالثة، فإن ما يقـرب من 20% من المقيمين ببيروت الغربية كانوا منذ العام 1986م واستمر معظهم على حـالــــه إلى 1995 ـ 1996م يقيمون في منازل تسلّطوا عليها واحتلّوها احتلالاً "14%"، أو ينزلون مؤقتاً ببيوت يملكها أقارب أو أصحاب "5.8%" (11).

غياب الصدر:

وصل الصدر إلى لـيـبـيا مع اثنين من رفاقه هما الشيخ محمد شهادة يعقوب، وشفيع عباس بدر الدين في 25 أغسـطـس عام 1978م في زيارة غير محددة المدة والغرض. وقد صرح أحد رفاق الصدر القريبين منه بأن الزيارة كانت استجابة لدعوة من الزعيم الليبي معمر القذافي، وقَبِل الصدر هذه الدعوة على أساس أنها سعي نحو تحقيق السلام في لبنان.
وكثرت الروايات حول أســباب اختفاء الصدر، ولعل من أبرز الأسباب هو ما تمحور حول مسألتين:
الأولـى: طموح الصدر؛ فقد سُئل علي الجمال، وهو أحد المقربين لموسى الصدر، ومن كبار ممولـي حـركته بالمال والسلاح، سُئل عن طموح الصدر فقال: أما طموحه فكان الوصول إلى الأمانة العامة للطائفة الشيعية في العالم(12).
الثانية: وهـي نـتـيـجة للأولى وسبب مباشر لها؛ حيث إن هذا الطموح لم يكن خافياً على الخميني مما اعتبره مـنـافـساً قوياً وخطيراً له كما أشار بذلك الخبراء والقريبون من مصادر المعلومات الجيدة(13).
عـلـى الـرغــم من أن الغموض الذي يحيط باختفاء الصدر لا يزال قائماً، فإن هذا الاختفاء شكل أهمية رمزية لحركة أمل؛ فقد ارتفع الصدر إلى مرتبة الشهيد القومي عند العديد من الشيعة اللبنانـيـيـن، وتـصـــدرت صــــوره افتتاحيات صحف أمل، كما أعيد طبع خطبه وتعليقاته مصاحبة بصوره، وأطلق أعـضــــــاء الحــركــــة على أنفسهم ـ من حين لآخر ـ "الصدريين".
لـقــــد حقق اختفاء الصدر فوائد عدة لحركة أمل؛ فقد وجد العديد من الشيعة في "الإمام المختفي" رمزاً ملزماً للتعبير عن عدم الرضا الذي يشعرون به، وقد أكمل اختفاء الصدر هذا المزاج السياسي للشيعة وغذاه، وكان وسيلة ملائمة للتعبير عبر الحركة التي خلفها وراءه.
كما أن هــنـاك بـعـضـــاً من قادتهم من يسلم بأن اختفاءه كانت له قيمة كبيرة في التعبئة السياسية لجماهير الـشــيـعــة، لم يكن يحققها وجوده ذاته، كما أدى أيضاً إلى قلة حدة الانتقادات التي توجه للحركة بسبب تبجيلها لذكراه واعتباره رمزاً لها(14).
وهكذا فقد حقق اختفاء الصدر هدفين في وقت واحد: التخلص من طموحه، وإعطاء دفعة معنوية لحركة أمل إلى حين.

كمون "حزب الله":

كان حسين فضل الله في ذلك الوقت يمارس دوره بهدوء بعيداً عن ضوضاء الصدر وحركته، وكانت عناية فضل الله ـ كما ذُكر قبل ـ متوجهة إلى التربية المنهجية لإعادة العِلم الإمامي الديـنـي وتوطينه وتطويره، ولم تكن تلك المهمة لتمتد أكثر من ذلك، فقد بدأ الزرع يُخرج بعض الثمار، فبدأ "أبناء فضل الله" بالانتشار في نسيج المجتمع اللبناني، ومد أذرعهم في جنباتــه، وبـالـرغم من هذه الخطوة إلا أنهم لم يستطيعوا الإعلان عن هويتهم؛ إذ ما زال فيهم من الضعف ما يمنعهم من ذلك، فكان لا بد من الاحتماء بـ "أمل".
"فكانت الحركة الـصــدريــة واقي أنصار الدعوة والإسلاميين الخمينيين في حال ضعفهم، وحتى إعلانهم الاستقلال السياسي والعسكري، إلا أنهم في هذه الأثناء كانوا يعملون عملاً حثيثاً على بناء النواة التي في مستطاعهم إنشاء معقلهم حولها"(15).
وبالرغم من هذا الاحتماء بـ "أمــل" إلا أنه لم يكن في حسبان الحركة الشيعية في لبنان أن تكون "أمل" هي صورتها الدائـمــة والمستقبلية ولا قائدة مسيرتها؛ إذ الصورة المطلوبة هي ذلك المثال "الإيراني" لا المثال "العـلـمـاني" الذي تدين به أمل، ولسوف يأتي اليوم الذي يخرج فيه الطائر ويكسر "قشرة البيضة" التي احتضنته لا محالة.
وفي ذلك الوقت لم تكن ـ كذلك ـ قد تـبـلــــورت الأفكار والمناهج والتصورات السياسية لـ "حزب الله" بل لم تكن تسمت هذه المجموعـــــــة بهذا الاسم، إلا أنها كانت تعيش أهم مستلزمات العمل الثوري، وهو ما أسمته الحركة بــ "الحـالــــة الجـهـــادية" أو "الحالة الـثـورية" أو "الذهنية الثورية" وكان الوصول إلى هذه الحال أساس التعليم الإمــامــي فـي الحــوزات والحسينيات، فكان "لا بد للعلم من جهاد يكمله ويتكامل معه" وكان من لوازم التـخـرج من الحوازات العلمية أن تنتقل به إلى "ساحات الجهاد" وأصبحت هذه "الحالة الجهادية" هي الحال التي يتمنى كل فرد منهم الوصول إليها؛ إذ هي تصــل بصاحبهــا لـ "الشخصية المتكاملة" ولقد كان السعي لها لتتحقق أمنية الأماني: التمـتع برؤية "الإمام الحسين"!!
فهذا "أبو هادي" كان على هذه الحال، وهو فتى في الثالثة عشرة، سمع أحد العلماء يتكلم عـن استقبال الحور العين للشهيد حين يسقط على الأرض مضرجاً بدمه، فصرخ في العالم، وقـال:"دع الحـــور الـعـيـن لـك أنـت وحـــــدك، أما أنا فحدثني كيف وأين أرى الإمام الحسين"!! ويعلق وضاح شرارة على ذلك فيقــول: وهذه ـ أي رؤيا الحسين ـ هو ما يردد الرغبة فيه كل شهداء المقاومة الإسلامية بلبنـان، وما يعربون عن الأمل في الحصول عليه، ويقاتلون في سبيله، ويرون فيه ثمناً لبذلهم دمهم وحياتهم(16).

الخروج من الشرنقة:

أولت الحركة الإسلامية الخمـينية في لبنان أمر المساجد والمدارس الدينية الاهتمام الكبير؛ إذ هي في تلك المرحلة محاضنـهــــا وبـيـوتـهـا التي تحميها من حمأة الانصهار في جحيم المجتمع بحربه المستعرة والحركة ما زالت في مـهــدهــا "الثوري"، وإذ هي مدارس العلم وحوزاته كذلك.
ولهذا فقد اتخذت الحركة طريقها الأول عند الخروج مـــن الـشــرنـقـــــة لعمل حزام من الحسينيات والمصليات تتحصن بها، ولتؤدي من خلالها دورها المنوط بـهــــــا من تحويل المجتمع إلى وجهة أخرى، وكان لهذا الحزام دور هام في انتشار الحركة وتوسعها على ما نرى.
كـمــا أن هذا الحزام ساعد أبناء الحركة على مد أيديهم لإخوانهم من الشيعة بإحلالهم محال غيرهم ومنازلهم.

أما المصليّات فكانت أربعة:
الـمـصـلى الأول: (الإمام الباقر) ناحية الروشة، غير بعيد من الصخرة، أقيم مكان مقصف وعلبة لـيـــل رخـيـصـة كانت تحفهما فنادق ومطاعم ومقاهٍ، بعد أن اتخذها الفلسطينيون المسلحون موئلاً ومعقلاً وملجأ، ولم يكد الفلسطينيون يخلونها حتى حل في أبنيتها التي لم تكتمل بعض أهالي الجـنــوب، وتبـعـهـم أهــالي كيفون، والقماطية، والبلدتان سكانهما من الشيعة وتقعان بدائرة "عاليه" الانتخابية التي يقـتـسـمـهــا الدورز والموارنة والأرثوذكس، ووقعت عشرات الأبنية ومنها ثلاثة فنادق سابقة في قبضة الـمـسـلـحـين، فأسكن المسلحون الشيعة المهاجرين والمهجّرين من الضاحية، وأنشؤوا مصلى الإمام الباقــر في وسط المهجرين الـشـيـعـة، ونصبوا مذياعاً للصلوات والأدعية، وأقاموا من أنفسهم مطوعــــة أو "شــرطــة أخلاق"، فـمـــدوا طــرفهـم إلى المطعم القريب، وحرّموا تناول المشروبات الكحولية في شهر رمضان، وفي الأيام الـعـشــــرة الأولى من محرم، وزينوا المصلى بالأعلام والصور، واتخذوه قاعدة للدعوة بالصورة والصوت.
أما المصلى الثاني (الإمام الـصـــادق) فـكــــان فـي بناء من أبنية الحمراء يقع خلف سينما ستراند، في شارع احتُل بعضُ أبنيته الجديدة التـي لــم يتم إنشاؤها، وبعضُ أبنية المنطقة القديمة التي كانت شققها مكاتب تجارية أو مكاتب مـهـن حرة، وأُنزل فيها الأهالي الذين نزحوا من حي فرحان ومن حي "ماضي"، وأُخليت إحــــــدى الشقق في بناء يقع بالطرف الغربي من بناء صالة ستراند، وأُخرج مكبر صوت إلى الـشــــــــوارع التجارية الكبيرة وإلى الأبنية التي يقيم في معظم شققها من بقي من مسيحيي رأس بيروت، ومن الأرمن والسنَّة.
وأقيم المصلى الثالث (الإمام الحسين) في ناحية القنطاري غير بعيد من برج المر.
وأقيم المصلى الرابع (المصطفى) بعين المريسة، في وسط ناحية يـتـنازعها السنة الذين سبقوا إليها، والدورز، والشيعة الذين وجدوا بها ملاذاً شعبياً رخيصاً في العقد الخامس، ثم طرأ على الناحية تغير عميق من جراء انتشار الفنادق الفخمة والشقق الـمـفـــروشـــــة والمقاهي والمقاصف وعلب الليل. وهذه الفنادق والشقق أخلتها الأعمال الحربية ودمرتها وأسكنت في بقاياها وبين أنقاضها الذين قسروا على النزوح من برج حمود والنبعة... إلخ.
ولا تـقـتـصــر شــبــكــة الحركة "الخمينية" على المساجد والنوادي الحسينية والمصليات البيروتية هذه، فانضـمــت إليها حسينيات وادي أبو جميل ومدينة الكرامة (حي السلم)، وبرج البراجنة، ومسجــد الطيونة؛ إلا أن هذه الأماكن لا يرد ذكرها ولا يشار إلى استعمال الحركة "الخمينية" لها إلا في معرض خطبة أو تأبين، وقلما يتجاوز الخبر هذا المعرض إلى غيره.
أمــا خارج بيروت، فيدور نشاط الخمينيين على عدد من المساجد والحسينيات التي يتولى الصـــلاة فيها أو يرعى شؤونها دعاة الحركة من علماء الدين، وغالباً ما يتفق الاحتفال في البلدة مــــع سقوط أحد أفراد الحركة من أهل البلدة فتكون إحياء ذكراه جسراً إلى أقربائه وإلى أهالي بلدته.
وتتصدر بلـدات الـجـنــوب اللبناني بمساجدها وحسينياتها نشاط الدعاة الخمينيين؛ ففي صور؛ حيث مدرسة مــن المدارس الدينية الإيرانية حسينية تستقبل على الدوام تظاهرات "الخمينيين"، ونادي الإمام الصادق الذي يقوم مقام حسينية ثانية.
وتعد صور من بين الأريـــــاف اللبنانية الفقيرة التي تأخرت هجرة أهلها إلى بيروت، لكن هجرة أهل الساحل هذا كـانــت مبكرة جداً إلى فلسطين وإلى المهاجر الإفريقية والأمريكية، وإلى ذلك؛ فقد أدت هجرة الريـف الصوري إلى صور إلى طبع المدينة البحرية بطابع سكاني وطائفي جديد؛ فبعد أن غلب الـسـنــة والمسيحيون على المدينة، انتقلت الغلبة إلى الشيعة المهاجرين من الأرياف العاملية القريـبتـة على نحو حاد، من غير أن تملي المدينة الصغيرة على المهاجرين إليها التطبع بطباع مدنيـة أو التأدب بآداب جديدة. ولم يبق من أهل صور الأولين إلا ضعفاؤهم وفقراؤهم وغير القادرين منهم على "الاختلاط بالأشغال مع المسيحيين في بيروت وصيدا وجبل لبنان".
أما في البقاع فتتصدر بعلبك نشاط الإسلاميين قبل مقدم الحرس الثوري في صيف 1982م وبعده.
هذه الخريطة لأبرز المساجد والحسينيـات والمـصليات التي يتخذ منها الخمينيون "خلايا" دعوة وتعبئة"(17).

الانقلاب على "أمل"!!

يـقـول ميثاق حركة أمل: "إن حركة أمل ليست حركة دينية، وميثاق الحركة الذي تمت صيـاغـتــه في عام 1975م، من قِبَل 180 مثقف لبناني معظمهم من المسيحيين!! يدعو إلى إلغاء النظام الطائفي في البلاد وإلى المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز"(18).
وعـنـدمـا نجحت الثورة الإيرانية، كانت نقطة تحول كبيرة في الحركة الشيعية في لبنان؛ فقد تحقـق جــــزء كبير من حلم الدولة الثلاثية، وأصبحت هناك دولة دينية شيعية آلت على نفسها منذ اليوم الأول لها تصدير ثورتها لنصرة المستضعفين في كل مكان.
وكان على هذه الدولـــــة الجديدة أن ترد الجميل لأهلها في لبنان، فقد احتضنوهم بالمأوى والتدريب، وكان رد الجميل سريعاً، فأمدوهم ـ بعد الدفعة المعنوية الكبيرة بنجاح الثورة ـ بالمال والسلاح والرجال والتخطيط.
وهكذا - وبسرعة أيضاً - تم الإسفار عن الوجه المطلوب إظهاره في لبنان، وهو ذلك الوجه الكامن المختبئ إلى حـيـن، وجـــــــاء موعد خروجه من كمونه، ولكن ما زالت "أمل" هي الصورة الواضحة في لبنان كممثل رسـمــــي لشيعته، ولكن "أمل" بهذه الوجهة "العلمانية" أصبحت مرحلة مضت يجب تجاوزها؛ لأنها ستمثل عائقاً في طريق إكمال السعي للأهداف الجديدة، وبما أن الهدف من إيجاد "أمل" كان إخراج الفلسطينيين وحماية الشيعة منهم؛ فها هو الاحتلال الإسرائيلي لبيروت قد أخــــرج الفصائل المسلحة منها، كما أنه قد تمت تصفية عدد كبير منهم في مذابح مروعة قام بها اليهود والموارنة والشيعة.
وهكذا لم يعد لأمل دور تستطيع الدفاع عنه أو تـنــــــازع حوله، وعلى هذا فقد تم اتخاذ فرامانات عدة لزحزحة أمل من قلب الصورة إلى هامشها، وكان من ذلك:
1 ـ الضلـوع في إخفاء الصـدر أو قتله ـ كما مــر ـ لإضــعاف الحركة في أحد مراحلها.
2 ـ بروز خلافات "علنية" بين نبيه بري، ومحمد مهدي شـمـــس الـديـن الذي كان نائباً لرئاسة المجلس الشيعي الأعلى؛ حيث كان الصدر ـ الغائب ـ لا يزال الرئـيـــس، وسبب ذلك: عدم القبول بتصرفات بري ومنهجه "العلماني" !!
وقـــد نقل راديو "صوت لبنان الكتائبي" أن المكتب الخاص لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعـلــــى أعلن أنه لم تعد للقيادة الحالية لحركة أمل أي علاقة مع سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وقد أُبلغت القيادة الحالية لحركة أمل بهذا القرار في حينه(19).
3 ـ تـصـفــية بعض الرموز المهمة في حركة أمل، أمثال: مصطفى شمران الذي كان له دور بارز في الحـركـــة، وكان المسؤول التنظيمي فيها، كما تسلم إدارة المدرسة المهنية في جبل عامل التي أشرفــت على تخريج كوادر أمل العسكرية بعدما حضر إلى لبنان يحمل خطاب تزكية من الخميني(20).
وبعد أن قامت الـثـورة اســتـدعي لشغل منصب وزير الدفاع في إيران، وتم قتله أثناء زيارة للجبهة في الحرب مع العراق في ظروف غامضة(21).
4 ـ كان الخط الذي اتبعته "أمل" منذ بداياتها مع الصدر هو مد حبال الصلة مع الحكومة اللبنانية، وتمسكها "الظاهري" بـشــرعـية الدولة، والسعي من خلال هذا الطريق لاستنقاذ حقوق الشيعة وكان الاستمرار على هذه الـطـريقة هو مما يتعارض والهدف الجديد للحركة الشيعية في لبنان.
وجــــاء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ودعا الرئيس اللبناني ـ وقتها ـ إلياس سركيس إلى اجتـمـاع "هيئة الإنقاذ الوطني" وكان نبيه بري عضواً فيها، وقبلت القيادة الدينية حضور بري(22) بـاعـتـبـار أن هـــــذه الهيئة ستتحول إلى حكومة وطنية، وهو أحد أهداف بري وحركته في أن يكون لهم تواجـــــــد حكومي قوي. وهنا أعلن أحد أبناء الحركة الخمينية الكامنة والمتدثرة بـ "أمل" انشقاقه عن "أمل" ورفضه لهذه المشاركة وأعلن "أمل الإسلامية" وكان هذا الرجل هو: حسين الموسوي، نائب رئيس حركة "أمل" وبهذا الانشقاق تم تفريغ "أمل" من كوادرها الخمينيين الذين انـضـمـــوا إلـى "أمــل الإسلامية" وكان ذلك الإعلان الرسمي الذي تحول فيما بعد إلى "حزب الله".
لماذا استمر بري(23) بـ "أمل "!؟
الـســؤال الذي يطرح نفسه: إن كان تم الانقلاب على "أمل" بهذه الطريقة، فلماذا استمر بري فـي صـدارة الصورة "السياسية" الشيعية، بل لا زالت "أمل" لها من الوجود نصيب؟
هناك قاعدة هـامـة يجب الالتفات إليها أولاً، وهي: أن معيار الظهور السياسي الشيعي في لبنان مرتبط ارتبـاطــــاً وثيقاً بإيران ومطالبها في لبنان، وذلك حسب الخيارات والأهداف المرحلية التي تنتهجها(24).
ثانياً: استخدام إيران لبري بعد الصدر(25) كان لعدة اعتبارات:
1 ـ كان هناك إقرار وموافقة من قِبَلَ "الفقهاء" أصحاب السلطة الحقيقية - عـلـــى بــري ومنهجه والدور الذي سيؤديه، وإلا لما كان له وجود ابتداءاً باعتبار اليد الطولى للملالي.
2 ـ أن الــواقع الطائفي اللبناني أفرز عدداً من الشخصيات الشديدة التعصب لمذهبها، وإن لم تكن "مـتـديـنــة" في سلوكها، وكان بري من تلك النماذج، وهو ما تقتضيه المرحلة.
3 ـ هذه المرحلة تحول فيها الشيعة إلى العمل المسلح الظاهر، وأضحى هدفهم بالتخلص من الفلسطينيين "الســنـة" معلناً، وكان من الصعب أن تلصق المذابح التي أعدوا لها وقاموا بها بأحد الآيات أو الحـجــج، كــيـف ذلـك وهـم يـنـــــادون بالتقارب مع أهل السنة وإزالة الحواجر، وعندما وقعت ألصقت بـ "علمانيي" المنهج.
وعـلـــى ما سبق فالود باق مع بري، ولا نُغفل هنا عقيدة "التقية" التي هي من أصول دين الإمامية، وعلى هذا فيبقى في الأخير أن الأدوار توزع حسب الحالة، وليس أدل على ذلك من البـيـان الذي صدر في 8-10-1983م؛ حيث أعلن عبد الأمير قبلان ـ المفتي الجعفري الممتاز ـ باســم المجلس الشيعي الأعلى ما يلي: "إن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية، وإن مــــــا تعلنه (أمل) نتمسك به كمجلس إسلامي شيعي أعلى، وبالتالي فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة"(26).
وجاء هذا الإعلان بـعـد البيان الذي أذيع في 27-2-1983م من أن حركة أمل لم يعد لها علاقة بالمجلس الشيعي الأعلى!!
4 ـ جاء هذا التأييد ـ الـســـابق ـ للحركة بعد الانشقاق الذي خرجت به "أمل الإسلامية" وبعد "الحضور الفعلي" لحزب الله على أرض الصراع.
5 ـ كان للسياسة الإيرانية في لبنان خطان تستعملهما في تحقيق أهدافها:
خط أول: يتلمس سبل طي الـحـــــــرب المستمرة والمقيمة ولو من خلال التفاوض مع ممثل "القوات اللبنانية"، وفي رعاية وسيط أمـكـنـــه من القيام بالوساطة احتلالٌ إسرائيلي يطوق بيروت والقصر الجمهوري ويرزح بثقله على الجنوب وعلى الجبل.
وخط آخر: رأى في الاحتلال وفي ما حفَّه مـن أدوار سياسية ودبلوماسية أمريكية وأوروبية وعربية ذريعة إلى تجديد الحرب، وإلى اخـتــبـــــار الاستراتيجية الإيرانية في ميدان غير إيران.
وبـيـنـما أملت الخط الأول عصبية شيعية لبنانية حفظت من الروابط المحلية والعالمية ومن اعــتـدال النخبة الصدرية الأولى قسطاً كان لم يزل فاعلاً، فقد أملت الخط الثاني نزعة إلى توسـيـع الـنـزاع، وإلـى تأجـيـجـــــه وتوجيهه وجهة ضم جبهة لبنان إلى جبهة الخليج والجبهات الإقليمية المشرقية، وإلى اســــتـدراج القوى الغربية التي تلعب دوراً راجحاً في النزاع الإقليمي، ولو من غير الاشتراك في الاشتباك مع المجابهة المباشرة(27).
ونختم هنا بكلام لحسن نصر الله، الأمين الـعـــــام لحزب الله، يقول: إننا حريصون على علاقة طيبة مع "أمل" ونحن نعمل على تطوير هــذه العلاقة، وهناك لجنة ثنائية من أحد قادة "أمل" مع أخيه في حزب الله ينظرون في كل الأمــــــور المـشتركة سياسية وعسكرية، وسياستنا تقول: إن الموضوعات التي نتفق عليها نتعاون معاً، ومــــا نختلف عليه لا يؤدي الخلاف في وجهة النظر إلى نزاع، حتى الخلافات تم تنظيمها، الطـابــــع الـعـام لعلاقتنا الإيجابية والتنسيق والتعاون، وقبل أسابيع حضرت لقاء مع الرئيس "بري" لتـثـبـيت هذه الصيغة وتفعيلها(28).
وبـهـذا يـتـضــــح أنـــه لم يكن هناك إبعاد كبير للحركة بقدر ما هو زحزحة من الصورة "العسكرية" والمواجهة إلى الساحة "السياسية" واستبقاؤها لأدوار أخرى تتوافق والمتغيرات السياسية لإيران وملفاتها في لبنان.

ثورة تحمي .. الثورة:

إذا أراد شخص ما أن يحقـق لـعـمـلــــه الهدوء والاستقرار، والأشخاص المحيطيون به لا يوفرون له ذلك، بل لا يريدون له ذلـك، فــلا بد من التفكير والسعي لأن يصنع لهم شيئاً يشغلهم عنه ويلتهون به، وهذا ما فعلته إيران بعد ثورتها.
"فمنذ بداية انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م، طـالـب الـتـيـــار الداعي لتصدير الثورة باعتبار تصدير الثورة إحدى سبل حمايتها في الداخل، وبعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للنموذج الإيراني بل بتقديم مساعدات ودعم لقوى سياسية خارج إيـــران، وخاصة القوى الراديكالية المعادية للنظم القائمة في العالم الإسلامي لإنشاء حكومات على النمط الإيراني.
وقــد طـالـــب الخميني منذ البداية بتكرار ثورة إيران في البلدان الإسلامــيــة الأخـــرى، باعتبارها خطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة يكون مركزها إيران في المواجهة مع من أسـمـاهـم بأعــــــداء الإسلام في الشرق والغرب. والتزم بتدمير من أسماهم بالأنظمة الفاسدة التي تقمع المسلمين واستبدالها بما اعتبره حكومات إسلامية، كما ربط بين تصدير الثورة وبين مواجهة الإمبريالية وتحرير فلسطين.
وأضفى الخميني على رؤيـتــــه قدراً من الواقعية عندما ذكر أن عدم تصدير إيران لثورتها سيضعفها أمام أعدائها.
وقــد ســوَّغ الـدكـتور حسن آيات ـ أحد منظري الحزب ـ تدخل الثورة الإيرانية في شؤون الدول الإسلامية الأخــــرى بأن على إيران نصرة المستضعفين في كل مكان حتى يتم ضمان استمرارية الثورة واتساع دائرة إشعاعها.
وقد جاءت تصريحات لعـدة مسؤولين إيرانيين لتؤكد أن إيران لن تأمن من مؤامرات الدول الكبرى إلا إذا حدثت ثـورات ممـاثـلـة في العالم الإسلامي، ووعدت بمساعدة كل حركات التحرير والحركات الإسلامية الراديكالية في أي مكان في العالم"(29).
كما بذلت إيران ما في وسعها منذ قــيــام الثورة لإدماج الأقليات الشيعية الأجنبية سياسياً تحت قيادة الإمام، وهكذا دعمت في فــــتـرة أولى تمتد حتى عام 1982م، كافة الحركات الشيعية الصرفة مثل حركة أمل في لبنان.
بـعــــد ذلــــك راحت تطلب المزيد من الراديكالية والمزيد من التخلّي - في آن معاً - عن المرجعية الوطنية والاندماج في بنى إيرانية محضة، وهذه الفترة الثانية هي الفترة التي بدأ فيها ظهور الأحزاب التي دُعيت بأنها أحزاب الله، سواء في لبنان أو أفغانستان، وإلى قيام تنظيمات باسداران لدى الشيعة.
وهكذا، فإن السفارة الإيرانية في بيروت أصبحت بمثابة قيادة الأركان الشيعية الحقيقية في لبنان؛ حيث شــــرع حزب الله وأمل الإسلامية التي نشأت عام 1982م في معارضة حركة أمل، مع الابتعاد عن رجال الدين الأكثر تقليدية (مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين).
أما المرحلة التالية فكان قوامها توجيه المجموعات الشيعية لشنّ هجمات ضد خصوم إيران وهي المرحلة التي حولت لبنان بخاصة إلى ساحة حرب ضد الرعايا الغربيين (تدمير مركز قيادة الأركان الفرنسية والأمريكية عام 1983م)(30).
وتفلسف أحد قادة الحركة في لبنـان وهو إبراهيم الأمين ـ وقال: إن تصدير الثورة لا يعني تسلط النظام الإيراني عـلــى شــعـوب منطقة الشرق الأوسط، وإنما المفروض أن تعيش هذه المنطقة الإسلام من جديد!! ـ أي إسلام؟ ـ فيكون المتسلط على هذه الشعوب الإسلام وليس الإنسان، على هذا الأساس نحن نـعـمـل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضاً، حتى يصبح لبنان جزءاً من مشروع الأمة في منطقة الشرق الأوسط، ولا نعتقد أنه من الطبيعي أن يكون لبنان دولة إسلامية خارج مشروع الأمة(31).
وكان الحرس الثوري الإيراني هو المؤسسة الرسمية الرئيسة التي تحمي وترفع راية مبادئ الثورة الإسلامية ومُثُلها التي حددهــــــا الخميني، وقد لعب الحرس دوراً هاماً في ترسيخ أفكار الثورة وزعيمها(32).
وانطــلاقاً من هذه السياسة الإيرانية بعد نجاح الثورة وبلوازم الدور الذي يقوم به الحرس الثوري لـتـصـديـــــر هـذه الثورة، ولتحقيق الأمل الآخر بقيام الدولة الأخرى في لبنان فقد ساعدت مفرزة الحرس في لبنان على تأسيس "حزب الله"، وعلى تدريبه ودعمه فيما بعد، بهدف إقامة جمهورية إســلامية في ذلك البلد، وعموماً كانت قيادة مفرزة الحرس وأفراده في لبنان ـ وقوامها 2000 مقاتل ـ تضم أكثر رجال الحرس راديكالية من الناحية العقائدية وإلى جانب المساندة والتدريــب العسكريين المباشرين لحزب الله لعب الحرس دوراً عقائدياً وسياسياً كبيراً في وادي الـبـقـــاع اللـبـنـانـي؛ حيث بثوا معتقداتهم بين السكان المحليين وأسسوا المدارس والمستشفيات والمساجد والجـمـعـيــــات الخيرية، واكتسبوا التأييد للثورة الإسلامية وأمدوا حزب الله بالمجندين.
كما لعب السفير الإيراني السابق في سوريا ووزير الداخـلـية علي أكبر محتشمي، وهو أحد المتشددين البارزين، دوراً فاعلاً بالتعاون مع الحرس في تشـكـيـل حزب الله، ويبدو أنه لا يزال يتمتع بنفوذ قوي في لبنان. كما تسعى السفارتان الإيرانيتان في سوريا ولبنان مع وزارة الخارجية الإيرانية وبعض الزعماء الإيرانيين، إلى السيطرة على أنشطة الحرس والسياسة الإيرانية في لبنان(33).

البناء بالحرب!!

حين وصلت الحركة الجديدة إلى "الحالة الثورية" كان لا بد من الاستجابة للنداء المقدس من ضرورة تحويل لـبـنــــــان إلى دولة أخرى، وحيث الروح المعنوية عالية، والمدد المادي والعسكري والتنظيمي متوفر بكثافة وبكرم يفوق الخلق العربي فكان لا بد من الخروج الكلي والإعلان الواضح عن الحركــــــة، وكان من الطبيعي أن يتوجه الجهد العسكري لمحاربة الاحتلال وتطهير الأرض اللبنانــيـة من "رجس اليهود" والسعي إلى إخراجهم من "الأرض المقدسة" إلا أن ذلك لم يكن

هدف الحركة!!

يقول وضاح شرارة: لم يصرف الإســــلاميون اللبنانيون - والقيادة الإيرانية من ورائهم - جهدهم إلى عمليات ضد الإسرائيليين وقــــــوات احتلالهم، في الأشهر الأولى التي أعقبت صيف 1982؛ فمصدر الخطر الأول على "مجـتـمــع الـحـــــرب" أو "الحالة الجهادية"، يومذاك ليس الاحتلال الإسرائيلي!! فكان المصدر الذي يتهددهــــا هــــو استقرار الدولة اللبنانية وحملها اللبنانيين على تسليم أمورهم وشؤونهم إليها وإقرارهم بشرعيتها، وهذا ـ أي التسليم والإقرار بالشرعية ـ ما كان يبعد أن يحظى به الاحتلال الإسرائيلي.
ويبرز الفرق جلياً بين الإسلاميين وبين الأحـــزاب والقوى السياسية التي أمـــدت المقاومة الوطنية اللبنانية بالمقاتلين والسلاح والخطط، في هذه المسألة، وما احتجاج الـشـيـوعـيـيـن اللبنانـيـين على سبقهم في هـــذا الميدان إلا إمعاناً فـــي الغلط، وفي التعامي عن الاختلاف في تقدير الأوضـــــاع؛ فـذهــب الـحــــزب الشـيـوعـي اللبناني، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وبعض فصائل حركة "أمل"، والمرجح أن قـسـمـاً من الفلسطينيين تابعهم على رأيهم، إلى أن الأمــــر الملحّ والداهم هو عرقلة الاحتلال الإسرائـيـلـي، والـحـــــؤول دون استـتـبـابــه، والمضي على المقاومة التي جابهت العملية الإسرائيلية، ولو اختلف في تقويم هـــذه المقاومة؛ وعقـدت الأحــــزاب والمنظمات آمالها علــــى قيامها بـ "حرب التحرير" هذه، ورجت أن تـقـطــــف ثمار عملها قوة جديدة تمكنها من أخذ موقع سياسي راجح في الميزان اللبناني.
اطَّـــرح "الإســــــلاميون" هذا الرسم من غير مواربة ولا تأخر، فقدَّموا على سائر المهمات والأعمال مهمة الحـــــؤول بين الأبنية السياسية والإدارية اللبنانية وبين انتزاع الاعتراف بشرعيتها من جديد؛ والـسـبـب فـي ذلـك أن مـثـل هذا الاعتراف يحكم على الإسلاميين وفيهم، وعلى غيرهم، بالخروج على الشرعية، وعلى ما هو مُجمَع عليه، ويدينهم بعرقلة مسيرة السلم والعودة إلى الحياة السياسية الآمنة. ودفــــع الإسلاميين لهذا الإطراح عواملُ كثيرة، منها: أنفتهم من تناول الأمور تناولاً وطنياً ومـحـلـيـاً، ومنها بروز الوجه الإقليمي والدولي للحرب الإيرانية والعراقية، واختبار قادة طهران جـــــــدوى التعبئة الجماهيرية عسكرياً وسياسياً وانتقالهم بعــــد ربيع وصيف 1982م إلى مرحلـــة الهجوم، وسعيهم إلى انتزاع مكاسب إقليمية ثابتة في نهاية هجــومهم المأمـولة.
ولم يكن خافياً أن استقرار أبنية الدولة اللبنانية تبع لمساعدة أمريكية وأوروبية تحوط هذه الأبنية، وترعى ذراعها المسلحة، وتحول بين القوى الإقليمية والمحلية وبين بعثها المعاقل التي تقطع جسم الدول. ولما كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من وجه آخـــر، تقف عائقاً دون إحراز القوات الإيرانية انتصارات عسكرية تقوض النظام الإقليمي في الخـلـيج، تحالفت السياسة الإيرانية والسياسة السورية، والمصالح المحلية على ضرب القوة الأوروبـيـة والأمريكية التي تملك حوط الدولة اللبنانية وإحباط الانتصارات الإيرانية معاً.
وضــــــربُ مثل هذا الغرض ـ القوات المتعددة الجنسية(34) ـ قمين إذا ما أفلح - بحرمان الدولة اللبنانية الرعاية التي لا قيامة لها من دونها، وبإباحة لبنان أرضاً ومجتمعاً للمعاقل المختلفة، وهو قمين أيضاً بإطلاق اليد السورية في غير ناحية من لبنان، وبتعويض التراجع الذي منـيـت بـه القوات السورية في صيف 1982م، وبمد جسر إيراني إلى قلب المشكلات العربية يحول دون تـألـيــب الإسلام العربي "السني" عليها، وتحويل إيران إلى قوة عربية عن طريق محاربة القوات الإســــرائـيـلـيـة والعلاقة بالمنظمات الفلسطينية على أرض دولة عربية(35).
ويعـنـي هذا الأمر، بعبارة أخرى، وفي ضوء الثورة الإسلامية الإيرانية وتجربتها يومذاك، أن الحرب وحدها في مستطاعها أن تظلل إنشاء المعقل الإسلامي، وأن ترد عنه غائلة حياة اجتماعـيــــــة وسياسية وثقافية مستقرة، لذا كان الإسلاميون الشيعة ذوو الهوى الإيراني والخميني في الصفوف الأولى من كل أعمال الكر والهجوم على "العدو العام": على القوات الإسرائيلية، وعـلـى الـوحـــــدات الأمريكية والفرنسية، وعلى "القوات اللبنانية"، وعلى الجيش اللبناني، وعلى المواطنين اللبنانيين المسيحيين والمواطنين الأجانب، وعلى "جيش لبنان الجنوبي"، وعلى السفارات الأجنبية والعربية، وعلى القوات الدولية، وعلى بعض المواطنين اللبنانيين المسلمين الذين يخالفون الإسلاميين في الهوى والمشارب، وعلى المراقبين السوريين الذين سبق قدومـهـــم الانـتـشــار السوري في بيروت أواخر شباط 1987م، وعلى مسلحي "أمل" بالضاحية الجنوبية في صـيـف 1988م، وعلى الـمـسـلـحـيـن الفلسطينيين المتحالفين مع "أمل" في حروب المخيمات الطويلة (1985 ـ 1990م) فهؤلاء كـلـهم، الذين كانــوا أو مـــــــا زالوا هدفاً لأعمال الخمينيين الحربية، تسهم حربهم في إنشاء الجـيـب الإسلامي الإيرانـي وفي إطالة الأمد الذي يحتاج إليه أصحابه من أجل إرسائه على أسس يظنونها ثابتة.
فـإلـى الــدور الـــــذي تضطلع به هذه الحرب الكثيرة الوجوه في الوصول بمآرب السياسة الإيرانية إلى غاياتـهــا الإقليميـة والدوليـة، تضطلــع بــدور آخـر لا يقـوم الدور الأول إلا به، وهو تشييد أبنية المجـتـمـع الإســــلامـي الــــــذي تتعهـده ولايــة الفقيـه ويتعهـده وكلاؤه"(36).
بـهــــذه الـبـدايـــات "المتفجرة" بدأ "حزب الله" إثبات وجوده في الساحة اللبنانية طبقاً للأهداف الإيرانية، وعلى الجهـة الأخـــرى كانت ســوريا على الخط اللبناني الساخن، واستخدمت سوريا "حزب الله" كـمــــا استخدمت أمل من قبل، فهل ينجح حزب الله في خدمة سيدين!؟
وعـلـى الصعيد الداخلي اللبناني كان على "حزب الله" وسادته أن يقوموا بتأمين المجتمع وإغراقـه "بالإحسان" والخدمات الاجتماعية ليكسبوا التأييد الشعبي للحزب، فما هي هذه الخدمـــات؟ وهل حققت أهدافها؟ وما هي النجاحات التي حققها "حزب الله" في الصراع المتبادل مــــع الـيـهــود؟ كما يطرح سؤال مهم نفسه: مع تغير اللهجة الإيرانية واتباعها للمنهج البراجماتي في سـيـاســتـهـا الجديدة، ومع خوض سوريا في مفاوضات تسوية، هل يستمر حزب الله في الدور نفسه الذي بدأ به؟
كل هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها - بإذن الله - في الحلقة الرابعة والأخيرة.

----------------------------------------------------------------------

الهوامش:
(1)الإمام المستتر، فؤاد عجمي، ص155.
(2)الإسلام الشيعي، عقائد وأيديولوجيات، يان ريشار ترجمة: حافظ الجمال، دار عطية للنشر والترجمة ـ بيروت، ط/1/1966م،ص199،200.
(3)عبد الله الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية،ص157.
(4)انظر هذه التسمية عند باتريك سيل في كتابه: الأسد، الصراع على الشرق الأوسط، دار الساقي، ط2/1989م.
(5)انظر حوار نبيه بري مع مجلة الوسط، العدد :274/28/4/1997م.
(6)يان رينشار، الإسلام الشيعي، 200.
(7)انظر:الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه، ودوره، كينيث كاتزمان، ص46،52،53، وانظر: وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص109.
(8)فؤاد عجمي ، الإمام المستتر، ص178
(9)راجع في ذلك أمل والمخيمات الفلسطينية لعبد الله الغريب، وراجع حرب الألف عام في لبنان ، جوناثان راندال، ترجمة فندي الشعار دار المروج1984،ص33
(10)عبد الله الغريب ، أمل والمخيمات الفلسطينية، ص155وانظر فصلي دول الجماعات، وبناء المعقل الإسلامي في كتاب دولة حزب الله لشرارة.
(11) دولة حزب الله 211.
(12)حوار مع مجلة الشراع اللبنانية العدد:898،6/9/1999م بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لاختفاء الصدر.
(13)انظر الصدر ودوره في حركة أمل، ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي، مجلة المجتمع، العدد957،ص47.
(14) المصدر السابق،47
(15)انظر دولة حزب الله ، 197ـ199
(16)المصدر السابق، 282.
(17)دولة حزب الله،235،239 بتصرف.
(18)أمل والمخيمات الفلسطينية، ص155.
(19)انظر: حركة أمل، مرحلة ما بعد المصدر، مجلة المجتمع،العدد: 958، ص51، وانظر: أمل والمخيمات، ص177.
(20)انظر:الإسلام الشيعي، ص211، وانظر حوار نبيه بري مع مجلة الوسط، العدد: 278/26/5/1997م.
(21)انظر: حركة أمل، مرحلة ما بعد الصدر، مجلة المجتمع، العدد/958،ص50.
(22)انظر ذلك في حوار بري مع الوسط، العدد:274،ص18،والعدد،277،ص33.
(23)انظر ترجمة له في أمل والمخيمات، لعبد الله الغريب، ص167ـ 171، انظر: حكام لبنان، مجلة، العدد: 795،13/4/1995م، ص44.
(24)راجع:آ.ر. نورتون، لبنان : الصراع الداخلي والارتباط بإيران،ص116ـ137 عن الإسلام الشيعي، ص211.
(25)شغل حسين الحسيني منصب الأمانة العامة لحركة أمل بعد غياب الصدر إلى أن تولى بري عام 1980.
(26)أمل والمخيمات،184.
(27)دولة حزب الله،ص118ـ119.
(28)حوار أجرته مجلة المصور المصرية في شهر مارس 1999،ونشرته مجلة المقاومة في العدد:40/إبريل/1999م،ص26.
(29)انظر:د.وليد عبد الناصر، إيران: دراسة عن الثورة والدولة، دار الشرق، ط1/1418هـ،ص70ـ75.
(30)انظر: أولفيه ورا، تجربة الإسلام السياسي،ص182ـ183.
(31)دولة حزب الله/210.
(32)انظر: الحرس الثوري الإيراني،نشأته وتكوينه ودوره، ص26ـ27.
(33)المصدر السابق، 139ت140،178،180،وانظر: دولة حزب الله، ص277. وانظر: مجلة المقاومة العدد:31،ص4.
(34)راجع تفاصيل العمليات التي قام بها حزب الله ضد الآهداف الأمريكية والفرنسية بمساندة الحرس الثوري، د.سعد أبو دية، دراسة تحليلية في العمليات الاستشهادية في جنوب لبنان،1407هـ.
(35)دولة حزب الله، 231ـ232،269، 217بتصرف.
(36)المصدر السابق /121ـ122.







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» محلل إيراني : إيران و"إسرائيل" حليفتان وخامنئي يرحب بضربة عسكرية "تقوي نظامه"
»» أقرأ هذه القصة عن رؤية الأمام الغائب
»» محاضرات الشيخ سفر عن الصوفية
»» مواقع - كتب - ومراجع لا غنى لك عنها في نقاش الروافض
»» الليلة الخميس على قناة صفا / مهم جدا
 
قديم 25-01-03, 12:04 PM   رقم المشاركة : 7
ليلى_جاسم
Guest





ليلى_جاسم غير متصل

ليلى_جاسم


حزب الله هو حركة جهادية إسلامية ، تعود نشأته لسيرورة مركبة إيديولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية لها سياقها الخاص لبنانياً وعربياً وإسلامياً .







 
قديم 25-01-03, 12:05 PM   رقم المشاركة : 8
ليلى_جاسم
Guest





ليلى_جاسم غير متصل

ليلى_جاسم


وبحكم هذه السيرورة مر حزب الله بجملة من المحطات الرئيسية المفصلية ، يمكن تحديد خط بياني فاصل لها ، أو منعطف حاسم لها هو عام 1982 ، أي العام الذي تم فيه الاجتياح الصهيوني للبنان وصولاً إلى مدينة بيروت التي كانت ثاني عاصمة عربية تُحتل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بعد القدس ، وهذا المنعطف هو الذي سرّع في بلورة وحضور حزب الله كحركة جهادية منخرطة تماماً في عملية صراع معقدة وطويلة ومتشابكة مع العدو الصهيوني ، فالاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة ابتداء ، ثم للكثير من الأراضي العربية في مصر وسوريا والأردن ، ومن ثم الاحتلال الصهيوني للبنان ، شكل الإطار الموضوعي لبلورة الهوية الجهادية المسلحة لـ حزب الله ضد الكيان الصهيوني ، بالقدر الذي شكلت العوامل العقائدية للإسلام تحديداً ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للشيعة في لبنان عموماً ، الإطار المحلي لبلورة الهوية الإيديولوجية والسياسية ، وبالتالي العمق السياسي والإيديولوجي لحزب الله كحركة سياسية _ اجتماعية _ إيديولوجية داخلية ، وإذا كان للعوامل الداخلية إرهاصاتها الأساسية في نشأة حزب الله بالمعنى السابق ، إلا أن هناك عامل لا يقل جذرية وحسماً في بلورة هذه الهوية وتأكيد سماتها النوعية الفاعلة حتى الآن ، وهذا العامل يتمثل بالثورة الإسلامية في إيران التي قادها بنجاح آية الله العظمى الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قده) هذه الثورة التي أرست مفاهيم جديدة على صعيد الفكر السياسي المتداول إسلامياً أبرزها مفهوم ولاية الفقيه ، كما عممت الكثير من المصطلحات السياسية في الخطاب السياسي الإسلامي في مواجهة الغرب عموماً من قبيل مصطلح الاستكبار والشيطان الأكبر ، والمنافقون ، والمستضعفون … إلخ

وبهذا المنعطف وبالنظر إلى العلاقات الوثيقة تاريخياً بين الشيعة في لبنان والشيعة في إيران ، وهي علاقات تتركز على نوع من الارتباط الفقهي _ الديني والاجتماعي المتبادل ، حيث وكما هو معروف فإن إيران تحتضن ثاني أهم حوزة دينية للشيعة في العالم في مدينة قم بعد حوزة النجف الأشرف ، والتي باتت اليوم ، ولأسباب متعددة تشكل الجامعة الدينية الأولى للشيعة في العالم .

من هنا كان طبيعياً أن يترسخ الارتباط الإيديولوجي والفقهي بإيران بعد قيام الثورة وتشييد الدولة الإسلامية ، هذا الارتباط الذي سرعان ما وجد ترجمته المباشرة بالدعم السريع والمباشر الذي قدمته الجمهورية الإسلامية ، وعبر حرسها الثوري ، إلى حزب الله الناشئ على صعيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي .

فقد كان الارتباط الإيديولوجي والديني بين حزب الله وإيران بعد الثورة ، ولموقف إيران المبدئي من الكيان الصهيوني ، أثره الكبير في رفد حزب الله بكل أوجه الدعم الضروري المادي والمعنوي والقانوني الذي عجل لاحقاً من تحوله إلى أبرز حركات المقاومة للعدو الصهيوني ، بل بات في مرحلة من المراحل لا سيما بعد العام 1985 الحركة الوحيدة على هذا الصعيد .

إن تحول حزب الله إلى حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي لم يكن أمراً عارضاً بالنسبة إليه ، فطبيعة الحزب الإيديولوجية التي لا ترى في الكيان الصهيوني أي وجه شرعي ترفع طبيعة التناقض معه إلى درجة التناقض الوجودي ، كما تجعل طبيعة الصراع معه صراعاً شرعياً له بعده الديني المقدس ، فبذور المقاومة الجوهرية تكمن في طبيعة الحزب الإيديولوجية والعقيدية ، وفي طبيعة مبادئه السياسية ولذا فهو في جوهره ، حركة جهادية ، وإن وجدت فرصتها الكبرى للتعبير عن نفسها بالاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية لا سيما في الجنوب والبقاع الغربي ، ومن هنا نستطيع أن نفهم طبيعة الشعارات المركزية ( حزب الله ) ، والمتمثلة على نحو مركزي بشعار تحرير القدس الشريف ، واتخاذ خطابه السياسي البعد الأممي ( نسبة إلى الأمة الإسلامية ) ، وحمله أيضاً كهدف استراتيجي راية إقامة جمهورية إسلامية .

هذا وقد تمكنت المقاومة الإسلامية من توجيه ضربات قاصمة للعدو الصهيوني فرضت عليه الانسحاب تلو الانسحاب ، كان أبرزها الانسحاب الأول الكبير عام 1985 ، والانسحابات اللاحقة التي فرضت عليه الخروج من منطقة جزين المسيحية المحتلة ، وصولاً إلى فرض خيار الانسحاب الكامل عليه كخيار نهائي ، تاركاً هذا العدو يتخبط في سبيل تأمين سبل إخراجه إلى حيز الوجود .

ودشن حزب الله عبر مقاومته أسلوباً نوعياً في جهاده ضد العدو الصهيوني تمثل بالعمليات الإستشهادية التي ألحقت خسائر نوعية في العدو على كافة المستويات ، العسكرية والأمنية والنفسية، كما شكلت رافعة معنوية هائلة على صعيد الأمة .

ومن الضروري الإشارة ، هنا إلى أن المقاومة استطاعت أن تحظى بمصداقية كبيرة على الصعيدين الشعبي والرسمي ، المحلي والإقليمي والدولي ، حتى أن الولايات المتحدة نفسها ، أعلنت في أحد مواقفها الرسمية أنها ترى في المقاومة حركة مبررة على صعيد مجابهة الاحتلال الإسرائيلي.

كما شكلت المقاومة محور إجماع وطني داخلي رسمي وشعبي قلما حظي به محور من المحاور اللبنانية الداخلية ، وهذه النقطة جديرة بالوقوف عندها وإذا ما أخدنا بعين الاعتبار طبيعة المجتمع اللبناني المنقسم على نفسه دينياً وطوائفياً ومذهبياً وإيديولوجياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ... إلخ

واليوم حزب الله هو أحد أبرز الأحزاب السياسية اللبنانية حيث له حضوره في المجلس النيابي (8 نواب) ، ويشكل ، بالتالي ، أحد أهم نقاط التوازن في الحياة السياسية والاجتماعية الداخلية ، فضلاً عن أحد أبرز أوجه حضور وفاعلية هذه الحياة .

وحزب الله يحظى اليوم باحترام كبير على الصعيد السياسي حيث برهن عن قوة حضور وفاعلية ذات مستوى عالٍ من العقلانية والمناقبية والمبدئية والاحترام للآخرين ، ممّا جعله يدشن نهجاً سياسياً مميزاً عما كان سائداً ومألوفاً .

هذا في جانب ، وفي جانب آخر ، فإن حزب الله يرى نفسه معني أيضاً بتقديم الإسلام الذي يخاطب العقل والمنطق ، معني بتقديم الإسلام الواثق بأسسه ومبادئه ، وفهمه الحضاري المتقدم للإنسان والحياة والكون .

كما أنه برى نفسه معنىٍ بتقديم الإسلام الواثق بقدرته على تحقيق أسس الحق والعدل ، كما أنه مهتم بالتعريف بالإسلام القادر على الدخول إلى قلوب كل الأمم على تعدد مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والثقافية ، وخبراتهم الضخمة بعيداً عن الذاتية والعجب ، كما أنه متلهف لتقديم الإسلام كصائن لحقوق الإنسان في خياراته ، وتلقى قناعاته واعتناق اعتقاداته ومبادئه والتعبير عنها على المستوى الاجتماعي ، كما أنه ميال لتشكيل قوة ضغط سياسية ، وإلى تأسيس نهج خاص في التعليم والتربية ، وإلى تقديم مختلف الخدمات لا سيما في المجالين الطبي والتربوي والإنساني ، كما لحزب الله مشروعه الثقافي الخاص الذي يعتمد الإقناع والاستقطاب من خلال الوسائل الإنسانية الحضارية كما هو منصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان ، بعيداً عن استعمال القوة والعنف والإكراه .

كما ويجب أن يكون واضحاً أن نوع الإسلام الذي يريده حزب الله هو مشروع حضاري يرفض الظلم والإذلال والاستعباد والإخضاع والاستعمار والابتزاز ، كما أنه يمد يده للتواصل بين الأمم على قاعدة الاحترام المتبادل ، الإسلام الذي يعنى به هو الإسلام الذي لا يقبل السيطرة أو تقويض الآخرين للتلاعب بالحقوق ومصالح الأمة ، الإسلام الذي يعني به هو الإسلام الذي يعتمد التواصل بين الحضارات ويرفض مقولة الصدام الحتمي بينها ، لأن الإسلام يؤمن بالتواصل الثقافي بين الأمم ويرفض الحواجز الموضوعة والحظر ، ويرى أن من حقه إزالة هذه الحواجز من خلال الوسائل الدبلوماسية ، ولكن عندما ينوي الآخرون شن الحروب ضده فإن حزب الله يرى أن من حقه الطبيعي الدفاع عن نفسه .

الإسلام الذي ينهجه حزب الله هو رسالة تهدف لتأسيس الأمن والعدل والسلام والحق لكل الناس لأي دين أو عرق انتموا ، حزب الله ليس لديه أية عقدة تجاه الآخرين ، ولكنه يشعر بالمسؤولية تجاههم لجعلهم يفهمون جوهر الإسلام بعيداً عن التعصب والقهر .

كما أن حزب الله لا يبغي تطبيق الإسلام بالقوة أو العنف ولكن من خلال أداء سياسي سلمي ، الذي يعطي الفرصة للأغلبية في أي مجتمع أن تقبل ذلك أو ترفضه ، فإذا أصبح الإسلام خيار الأكثرية فإنه يطبقه ، وأما إذا كان العكس فإنه يستمر بالتعايش مع الآخرين وبناء سبيل الحوار والتعارف معهم في سبيل الوصول إلى الاعتقادات السليمة ، فهو يؤكد أن الإسلام الذي يتبناه ينبذ العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة ، وهذا ما يجب أن تكون عليه المعادلة بالنسبة لغير الإسلاميين أيضاً .







 
قديم 25-01-03, 01:08 PM   رقم المشاركة : 9
النظير
شخصية مهمة







النظير غير متصل

النظير is on a distinguished road


هذه بعض الردود لما نقلته ليلى عن حزب الشيطان ...

سيكون اللون الأخضر لردودي والأحمر مقتطفات مما نقلته ليلى ...

ومن ثم الاحتلال الصهيوني للبنان ، شكل الإطار الموضوعي لبلورة الهوية الجهادية المسلحة لـ حزب الله ضد الكيان الصهيوني ، بالقدر الذي شكلت العوامل العقائدية للإسلام تحديداً

أنتم أيها الروافض لا تؤمنون بالجهاد ألا مع الأمام الغائب فلماذا تقحمون أنفسكم في مصطلح الجهاد خليك ياليلى في مصطلح المقاومة كما يقول حزب الله عن نفسه كل يوم

وهذا العامل يتمثل بالثورة الإسلامية في إيران التي قادها بنجاح آية الله العظمى الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قده) هذه الثورة التي أرست مفاهيم جديدة على صعيد الفكر السياسي المتداول إسلامياً أبرزها مفهوم ولاية الفقيه ، كما عممت الكثير من المصطلحات السياسية في الخطاب السياسي الإسلامي في مواجهة الغرب عموماً من قبيل مصطلح الاستكبار والشيطان الأكبر ، والمنافقون ، والمستضعفون … إلخ

لم يفلح الخميني الهالك في تحديه للشيطان الأكبر ألا بين الحجيج يندد بأمريكا – الشيطان الأكبر – ويقتل الحجيج كما فعل جده القرمطي أبو سعيد الجنابي الذي قتل في الحرم أكثر من عشرين ألف مسلم وقال

أنا بالله وبالله أنا 0000 يخلق الخلق وأفنيهم أنا

والذي أعرف أن امريكا ليست في الحرم على ما أظن !!!
لكنها الباطنية الحاقدة
ثم أي مستضعفون يدافع عنهم الخميني ألأم يأكل أموالهم بالباطل بأسم الخمس..
ألم يقتل أكثر من 40 ألف أنسان في أقل من 5 سنوات ؟؟
لم تسلم حتى الرضيعة من أذاه وهو شيخ هرم !

..... وتشييد الدولة الإسلامية....

أي أسلامية تقصدين أنها باطنية شركية قبورية!!!!!

!!



فقد كان الارتباط الإيديولوجي والديني بين حزب الله وإيران بعد الثورة ، ولموقف إيران المبدئي من الكيان الصهيوني

نعم الدليل فضيحة أيران قيت المشهورة أكبر دليل على أيديولوجية الخميني الهالك ضد اليهود !!!

، ومن هنا نستطيع أن نفهم طبيعة الشعارات المركزية ( حزب الله ) ، والمتمثلة على نحو مركزي بشعار تحرير القدس الشريف ، واتخاذ خطابه السياسي البعد الأممي ( نسبة إلى الأمة الإسلامية ) ، وحمله أيضاً كهدف استراتيجي راية إقامة جمهورية إسلامية .

ما شاء الله ... تحررون القدس

كبيرة هذي شوية ... لكن ليش ما حرر حزب الشيطان مزارع شبعا قبل القدس ؟؟؟


وحزب الله يحظى اليوم باحترام كبير على الصعيد السياسي حيث برهن عن قوة حضور وفاعلية ذات مستوى عالٍ من العقلانية والمناقبية والمبدئية والاحترام للآخرين ، ممّا جعله يدشن نهجاً سياسياً مميزاً عما كان سائداً ومألوفاً


لا سيما عند شارون عندما قال في مذكراته الشخصية أنه لا يوجد عداء أستراتيجي مع الأسلام الشيعي _ الرافضة –

هذا أكبر دليل على أحترام حزب الله ... ولا ينبئك مثل خبير


هذا في جانب ، وفي جانب آخر ، فإن حزب الله يرى نفسه معني أيضاً بتقديم الإسلام الذي يخاطب العقل والمنطق ، معني بتقديم الإسلام الواثق بأسسه ومبادئه ، وفهمه الحضاري المتقدم للإنسان والحياة والكون .

مرة أخرى أي أسلام ؟؟؟؟
أسلام القبور
أم أسلام المتعة

أم أسلام الشرك ؟؟؟
الذي يخاطب العقل والمنطق!!!



كما أنه متلهف لتقديم الإسلام كصائن لحقوق الإنسان في خياراته ، وتلقى قناعاته واعتناق اعتقاداته ومبادئه والتعبير عنها على المستوى الاجتماعي

أي حقوق للأنسان هذه والخمس الجائر يقدم أموال الفقراء للملالي والسادة ويترك لهم الجوع والمرض؟؟؟

أي حقوق للأنسان وأهل السنة في أيران يعيشون كل معاني الجور والبطش والمهانة

أي حقوق للأنسان وعشرات الألاف يولودون يوميا بدون أسم لنسب ينتسبون أليه بسبب المتعة البغيضة التي تمارس بأسم الدين ؟؟؟
هل تعلمين أن في طهران وحدها أكثر من 250 ألف لقيط بسبب المتعة الذي هو الزنا بعينه ...
وهذا ليس كلامي بل كلام رفسنجاني قبل عدة سنوات فأين حقوق هؤلاء؟؟؟!!!

أنه دين الملالي والسادة وليس دين الأسلام ولا دين أهل البيت الذين هم منه براء رضي الله عنهم وأرضاهم..

أقرئي ما نقلتي يا ليلى :



كما ويجب أن يكون واضحاً أن نوع الإسلام الذي يريده حزب الله هو مشروع حضاري يرفض الظلم والإذلال والاستعباد والإخضاع والاستعمار والابتزاز ، كما أنه يمد يده للتواصل بين الأمم على قاعدة الاحترام المتبادل ، الإسلام الذي يعنى به هو الإسلام الذي لا يقبل السيطرة أو تقويض الآخرين للتلاعب بالحقوق ومصالح الأمة

ما شاء الله !!!!!


لا يغركم أحبتي ما نقلته ليلى وتابعوا الحلقة الرابعة قريبا أن شاء الله لنكمل تعرية حزب الشيطان







التوقيع :

هنا القرآن الكريم ( فلاش القرآن تقلبه بيديك )

_____________________

{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100
من مواضيعي في المنتدى
»» ملف العشر الأواخر
»» الإتحاد الإيراني الصفوي لكرة القدم يبعث تهنئة لنظيرة اليهودي
»» شاهد الإسماعيلية الأغاخانية يسجدون لسيدهم ماذا بقي لله تعالى
»» محاضرات الشيخ عثمان الخميس شبهات وردود على ملف Ward من النظير
»» التقريـر الإخباري لأنصار الإسلام كردستان الأربعاء 23-1
 
قديم 25-01-03, 01:18 PM   رقم المشاركة : 10
ليلى_جاسم
Guest





ليلى_جاسم غير متصل

ليلى_جاسم


النظير
الرجاء الرد بأسلوب عقلاني وبعيد عن التعصب ويجب ان تحترم نفسك لكي يحترمك الاخرون .
في بعض الأحيان جملة من التساؤلات تبتغي لها أجوبة مقنعة، وردود شافية.
وأقول بأن رد النظير لا عقلاني ولا منطقي .







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:39 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "