العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-05-10, 02:17 PM   رقم المشاركة : 1
راعي ذياب
عضو






راعي ذياب غير متصل

راعي ذياب is on a distinguished road


حكم زيارة النساء للقبور والتبرك بها

الأجزاء الحديثية
(3)


جُزءٌ
في
زِيَارَةِ النِسَاءِ للِقُبور


تأليف الشيخ
بَكر بن عَبد الله أبوُ زيد


قام بصفه ونشره
أبو علي السلفي
www.du3at.com




مقدمة
الطبعة الثانية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحَيِم

الحمد لله, وبعد: فهذا الجزء الحديثي الفقهي من أوائل ما كتبت عام 1385هـ, وقد أَنِسْتُ بإعداده, وصياغته, ثم إنه مِن فَضْلِ الله – سبحانه - عَلَيَّ, أن الأُنْسَ به لم يدفعني إلى تقديمه للطبع, ولا تقديم غيره مِمَّا جَرَى إتمامه( ) إلا بعد أن أنهيت جميع مراحل الدراسة النظامية حتى ((العالمية العالية)) .
وقد كان من خبر هذا الجزء أني لم أطبعه إِلاَّ بَعد عشرين عاماً – تقريباً – من تأليفه, وبعد المذاكرة به مع بعض أهل العلم قبل طباعته وفي دور كتابته( ).
وهذه لَفْتَةٌ أدعو إليها كُلَّ طالب عِلْمٍ أن لا يسارع إلى التأليف والنشر إلا بعد إتمام المراحل النظامية, ويأنس من نفسه التأهل والرُّشْد لنشر ما كتب, مع إعادة النظر بعد تركه غُفْلاً( ), وإلحاح في سؤال الله – تعالى– الخِيْرَةَ فيما يأتي ويذر. وإعمال المشورة والعرض لما كتبه على من يثق بدينه وعلمه, ويأنس برأيه, فإنه لن يعدم خيراً .
والله – سبحانه – من وراء كل عبد ومقصوده وقصده( ), والمقصود كونه لله وحده, والقصد هنا إبلاغ من شاء الله من عباده ما دلت عليه شريعته؛ ولهذا صار إعادة طبعه. والحمد لله رب العالمين .

المؤلف
بكر بن عبد الله أبو زيد
1 / 11 / 1414هـ




* * *










بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحَيِم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإنه في العشرين من شهر ذي القعدة عام أربعة وثمانين بعد الثلاثمائة والألف استوطنت المدينة النبوية( ) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام, وقد شاهدت تكاثر النساء لزيارة قبره الشريف  وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر– رضي الله عنهما -, وما يحف بذلك؟ فتطلعت إلى معرفة مكانة هذه الزيارة من الشريعة لأنها تعبد, والعبادة لا تكون إلا بدليل, وكنت أرتاد مكتبة العلامة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري وأستعلمه عما يشكل عَلَيَّ فكان نِعْمَ العَون بعد الله – تعالى – فتبين أن زيارة النساء للقبور من المسائل المختلف فيها بين العلماء مَا بَيَّن مُبيح, ومَانع, ومُفصل, والحاجة إلى معرفة حكمها تَهُمُّ الجميع, فرأيت من الواجب عَلَيَّ أداءً للنصيحة الخاصة والعامة بيان الحق الذي يجب أن يدين به كل مسلم, بذكر النصوص الصحيحة المانعة من زيارة النساء للقبور على الإِطلاق, مبيناً أن الاستدلال على الجواز برواية: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)) غير مسلم به. كما أن تضعيف رواية: ((لعن رسول الله  زائرات القبور)) ليس صحيحاً؛ لما سأذكره عن أئمة الشأن الذين يجب الرجوع إليهم في مثل هذا .
وقد رتبت هذا الجزء في ((حكم زيارة النساء للقبور)) على العناوين التالية:
1- اختلاف العلماء في هذه المسألة .
2- المخرجون لأحاديث اللعن إجمالاً .
3- تفصيل روايات المخرجين .
4- سند حديث ((زائرات)) بطريقيه .
5- الكلام على سَنَدَي هذا الحديث .
6- ضبط زاي ((زوارات)) .
7- تفصيل أدلة المنع .
8- أدلة المجيزين والجواب عنها .
9- نقل جملة من كلام أئمة التحقيق في هذه المسألة .
والآن الشروع في المقصود, ومن الله المدد والمزيد .

1- اختلاف العلماء في هذه المسألة
اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن الإِمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
أولاً: الكراهة من غير تحريم كما هو منصوص الإِمام أحمد – رحمه الله تعالى – في إحدى الروايات عنه, واستدل له بحديث أم عطية المتفق عليه: ((نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا)) وإليه ذهب أكثر الشافعية وبعض الحنفية .
ثانياً: أنها مباحة لهن غير مكروهة, وبه قال أكثر الحنفية والمالكية وهو الرواية الأخرى عن الإِمام أحمد – رحمه الله تعالى –. واستدل له بحديث مسلم عن بريدة عن النبي  أنه قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)). وبحديث عائشة في زيارة أخيها عبد الرحمن, وبحديثها أيضاً عند مسلم: ((ما أقول لهم؟ قال قولي)) الحديث. وبحديث أنس – رضي الله عنه -: ((مر النبي  بامرأة تبكي عند قبر)) الحديث .
ثالثاً: التحريم لأحاديث اللعن وغيرها مما يعضدها. وهو مذهب بعض المالكية, والشافعية, والحنفية. وإليه ذهب أكثر أهل الحديث, وهو الرواية الثالثة عن الإِمام أحمد – رحمه الله تعالى –. كما حكاها العلامة علي بن سليمان المرداوي في كتابه ((الإِنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإِمام المبجل أحمد بن حنبل)) قال ما نصه: (( وعنه أي الإِمام أحمد رواية ثالثة: يحرم كما لو علمت بأنه يقع منها محرم, ذكره المجد واختار هذه الرواية بعض الأصحاب. وحكاها ابن تميم وجها)) اهـ. قلت: وهو اختيار شيخ الإِسلام أبي العباس بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم, والنووي في مجموعه, والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب, وكثير من أئمة التحقيق الآتي ذكر أقوالهم بعد – إن شاء الله تعالى- . واعلم أن القائل بالإِباحة مقيد لها بما إذا لم تشمل زيارة النساء للقبور على ما يفعله كثير من نساء زماننا من المنكر قولاً وفعلاً, بل ما يفعله كثير من جهلة الرجال أيضاً, فلا خلاف إذاً في الحرمة كما لا يخفى على المطلع الخبير .
إذا حصل ما ذكر من بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة. فقد ذهب بعض أهل زماننا إلى جواز زيارة النساء للقبور ما لم تتكرر محتجاً برواية: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)) على أنها للمبالغة مضعفاً رواية: ((لعن رسول الله  زائرات القبور)) تقليداً لمن فهم ذلك قبله من غير تحقيق, وهو خلاف لا يُعتد به إذ ليس له حظ من نظرٍ, وقد قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبراً ** إلا خلاف له حظ من النظر
أي: من نظر صحيح. وسيأتي الجواب عن أدلة الجميع إن شاء الله – تعالى – غير منكرين ما صح عن رسول الله , بل كما قال العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى -, ندين الله بكل ما صح عن رسول الله  ولا نجعل بعضه لنا وبعضه علينا, فنقر ما لنا على ظاهره ونتأول ما علينا على خلاف ظاهره, بل الكل لنا لا نفرق بين شيء من سننه, بل نتلقاها كلها بالقبول ونقابلها بالسمع والطاعة, ونتبعها أين توجهت ركائبها وننزل معها أين نزلت مضاربها, فليس الشأن في الأخذ ببعض سنن رسول الله  وترك بعضها, بل الشأن في الأخذ بجملتها, وتنزيل كل شيء منها منزلته, ووضعه بموضعه والله المستعان وعليه التكلان .

2- المخرجون لأحاديث اللعن إجمالاً
1- أخرج الإِمام أحمد, والترمذي, وابن ماجة حديث النهي عن زيارة النساء للقبور من ثلاثة طرق:
أولاً: من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
ثانياً: من طريق أبي صالح عن ابن عباس – رضي الله عنهما - .
ثالثاً: من طريق عبد الرحمن بن حسان عن أبيه – رضي الله عنهما - .
2- وأخرجه أبو داود.
3- والنسائي.
4- وأبو داود الطيالسي عن ابن عباس فقط.
5- وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة وابن عباس.
6- والحاكم عن حسان بن ثابت – رضي الله عنه - .

3- تفصيل روايات المخرجين
أما الإِمام أحمد فقد رواه بلفظين:
أولاً: رواه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ: ((إن رسول الله  لعن زوارات القبور)).
وأيضاً: عن حسان مثله .
ثانياً: عن ابن عباس بلفظ: ((لعن رسول الله  زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)) .
وأما أبو داود والنسائي وأبو داود الطيالسي فقد أخرجوه كلهم عن ابن عباس مثل لفظ الإِمام أحمد المتقدم عنه. وكذلك ابن حبان فقد رواه عن ابن عباس وأبي هريرة مثله. وأما الترمذي فقد رواه من طريق الإِمام أحمد الثلاثة المتقدمة ولفظه عن ابن عباس أن رسول الله  لعن زائرات القبور. وعن أبي هريرة وحسان بلفظ: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)). بعد أن ترجم لها بقوله: باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي  فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. ورواه أيضاً ابن ماجة في سننه من الطرق الثلاثة المتقدمة عن الإِمامين أحمد. والترمذي كلها بلفظ: ((لعن رسول الله  زُوَّارات القبور)). بعد أن بوب لها بقوله: باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء للقبور. وقال في الزوائد: إسناد حديث حسان بن ثابت صحيح ورجاله ثقات. فتبين من هذا أن لفظ: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)) جاء من الطرق الثلاثة المتقدمة أعني: عن ابن عباس, وثانياً عن أبي هريرة, وثالثاً عن حسان بن ثابت – رضي الله عنهم أجمعين -. وأن لفظ: ((لعن رسول الله  زائرات القبور)) جاء من طريقين:
أولاً: عن ابن عباس عند الإِمام أحمد, وأبي داود, والنسائي, والترمذي, وابن حبَّان, وأبي داود الطيالسي.
وثانياً: عن أبي هريرة عند ابن حبان. والله أعلم .

4- سند حديث ((زائرات)) بطريقيه
وسند الجميع عن ابن عباس ما يلي:
قال الإِمام أحمد في مسنده: حدثنا يحي, عن شعبة حدثنا محمد بن جحادة, عن أبي صالح, عن ابن عباس فذكره .
ومثله بإسناده عند من تقدمت الإِشارة إليهم, إلا أن ابن حبان رواه أيضاً بسند آخر عن أبي هريرة – رضي الله عنه – فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد, حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا أبو عوانة, عن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه, عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ((لعن رسول الله  زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)) فهذا الحديث رُوي عن كُلِّ من أبي هريرة, وابن عباس – رضي الله عنهما – بلفظ: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)). وبلفظ: ((لعن رسول الله  زائرات القبور)). كما صرح به الترمذي في جامعه, وابن ماجة في سننه. فلهذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لكثرة طرقة .
وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية – رحمه الله تعالى -: هذا مع أنه ليس في الإِسنادين من يتهم بالكذب ومثل هذا حجة بلا ريب, وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي, فإنه جعل الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن شاذاً, وهذا الحديث تعددت طرقه وليس فيها متهم ولا خالفه أحد من الثقات, هذا لو كان عن صاحب واحد فكيف إذا كان هذا رواه عن صاحب وذاك عن آخر فهذا كله يبين أن الحديث في الأصل معروف .

5- الكلام على سَنَدَي هذا الحديث
1- وأما أبو صالح الراوي عن ابن عباس, فقد اختُلف في اسمه على قولين:
القول الأول: أنه ميزان البصري أبو صالح, وبهذا جزم ابن حبان في الصحيح في النوع السادس من الثاني وفي التاسع والمائة من الثاني أيضاً بعد أن أورد هذا الحديث من رواية عبد الوارث, عن محمد بن جحادة, وأقره ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وقوَّى هذا القول بأنه ((ميزان)) ولكن صُحِّفَ في طبعة مختصر سنن أبي داود بلفظ, (مهران) والصحيح أنه (ميزان) كما في ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر. وميزان هذا قال فيه يحي بن معين – وهو من أشد الناس مقالة في الرجال -: إنه ثقة مأمون. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحاكم في الصحيح: هو ثقة. وقال الحافظ بن حجر في ((تهذيب التهذيب)): إن أبا صالح ميزان روى الترمذي عن طريقه في كتاب الجنائز من طريق عبد الوارث بن سعيد, عن محمد بن جحادة, عن أبي صالح عن ابن عباس, يشير إلى هذا الحديث .
القول الثاني: أنا أبا صالح هذا هو (باذام مولى أم هانئ) ويقال بالنون (باذان) وجزم بهذا الحاكمُ وعبد الحق الإِشبيلي في ((الأحكام)) وابن القطان, وابن عساكر, والمنذري, وابن دحية, وغيرهم, قاله في ((التهذيب)) .
فعلى كلا القولين فإن الحديث برواية: ((لعن رسول الله  زائرات القبور)) حديث صحيح سواء كان من رواية (ميزان) أو من رواية (باذام مولى أم هانئ). فقد قال أبو حاتم في ((الجرح والتعديل)): لم أرَ أحداً من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ وما سمعت أحداً من الناس يقول فيه شيئاً, ولم يتركه سعيد ولا زائدة ولا عبد الله ابن عثمان. وقال يحي بن معين: أبو صالح مولى أم هانئ ليس به بأس, فإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء وإذا روى عنه الكلبي فليس به بأس؛ لأن الكلبي يحدث به مرة من رأيه ومرة عن أبي صالح. اهـ .
وهذا والله أعلم هو أعدل الأقوال في أمر أبي صالح مولى أم هانئ كما أشار إلى ذلك العلامة المحقق الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى -. قال في حاشيته على مسند الإِمام أحمد: والحق أن أبا صالح مولى أم هانئ ثقة ليس لمن ضعفه حجة وإنما تكلموا فيه من أجل التفسير الكثير المروي عنه, والحمل في ذلك على تلميذه محمد بن السائب الكلبي, ودعوى ابن حبان أنه لم يسمع من ابن عباس, غلط عجيب, فإن أبا صالح تابعي قديم روى عمن هو أقدم من ابن عباس كأبي هريرة, وعلي بن أبي طالب, وأم هانئ. والله أعلم .
2- الطريق الثاني: عن أبي هريرة – رضي الله عنه –
قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد, حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا أبو عوانة, عن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه, عن أبي هريرة فذكر الحديث. وعمر هذا هو: عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف أخو مسلم, مديني الأصل. قال أبو حاتم: هو عندي صالح صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به يخالف في بعض الشيء. وقال الذهبي صَحَّحَ له الترمذي حديث: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)). فناقشه عبد الحق وقال: عمر ضعيف عندهم – فأسرف عبد الحق. وقال ابن معين في رواية أحمد بن أبي خثيمة, عنه, ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في ((التقريـب)): صدوق يخطئ مـات سنة 132هـ . وبكلام الحافظ ابن حجر هذا عرفنا أن عمر المذكور وإن كان يخطئ إذا انفرد كما يشير إليه كلام الحافظ, ولكن مع وجود طريق آخر لهذا الحديث عن (ميزان البصري) على الصحيح, وعن مولى أم هانئ عَلَى قَوْل, يتبين أن عمر في هذا الحديث لم يخطئ فصح على هذا تصحيح الترمذي لهذا الحديث كما صرح بتصحيح الترمذي له الذهبي وبإسراف الإِشبيلي في تضعيفه. فتبين من هذا صحة هذا الحديث من غير مدافعة والله أعلم .

6- ضبط زاي زوارات
هذا مع أن رواية: ((لعن رسول الله  زوارات القبور)) هي بمعنى زائرات لأن زُوَّارات بضم الزاي المعجمة كما قاله الجلال المحلي في ((شرح المنهاج)) والسيوطي – وأقره السندي, والمنذري, وصاحب ((تنقيح الرواة شرح المشكاة)) قال هؤلاء: الدائر على الألسنة ضم الزاي من زوارات, جمعه زُوار جمع زَائرة سماعاً, وزائر قياساً. وقيل زُوارات للمبالغة فلا يقتضي وقوع اللعن على وقوع الزيارة إلا نادراً. ونوزع بأنه إنما قابل المقابلة بجميع القبور, ومن ثم جاء في رواية أبي داود زائرات بلا مبالغة. انتهى .
فعلى هذا الضبط فهي بمعنى زائرات لا للمبالغة كما ظنه كثير من طلبة العلم فصيغة المبالغة بفتح الزاي لا بضمها, كما أن الصيغة الدالة على النسب بالفتح أيضاً كقوله – عز وجل -: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ وذلك معلوم عند أهل التصريف قال ابن مالك في ألفيته:
فعَّال أو مِفعَال أو فعُـول ** بكثرة عـن فاعلٍ بديل
وقال في النسب:
ومع فاعل وفعَّال فعـل ** في نسب أغنى عن اليا فقبل
فيكون معنى زوارات القبور – ذوات زيارة للقبور على أن الصيغة للنسب, فاتفقت الروايتان على منع النساء من زيارة القبور مطلقاً. وعلى هذا ليس في هذه الرواية دليل على جواز زيارة النساء للقبور إن لم تتكرر. كما يقول به بعض الناس, مع أن صحة رواية ((زائرات)) كما تقدم نص صريح في أن زوارات ليست للمبالغة. بل إما أن تكون هذه الصيغة على ما تقدم من أنها بالضم, وإما أن تكون للنسب توفيقاً بين الدليلين, فإن الجمع بين الدليلين متى أمكن فهو أولى من طرح أحدهما أو دعوى التعارض بينهما .
قال شيخ الإِسلام تقي الدين بن تيمية – رحمه الله تعالى -: وإذا كانت زيارة النساء للقبور مظنةً وسبباً للأمور المحرمة والحكمة هنا غير مضبوطة فإنه لا يمكن أن يُحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع إلى آخر ما سيأتي من كلامه – إن شاء الله تعالى -.
فإذا استقر وضوح دلالة هذا الحديث على المنع مطلقاً وأن اختلاف اللفظين لفظي ليس بينهما فارق على ما ذكر فاعلم أن هناك نصوصاً صحيحة تؤيد ما تقدم دافعة لتأويل سنة رسول الله  إلى ما لا يحتمله النص إلا بتكلف ظاهر, مقررة لذلك المعنى العظيم, وتلك القاعدة الشرعية الكبرى التي أجمعت عليها الأمة, وذلك أن سد الذرائع مطلوب ومقدم على جلب المنافع قال الله – تعالى -: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ وفي الحديث الصحيح: ((لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)) مع العلم أنه ليس هناك مصلحة راجحة في زيارتها للقبور كما هو الحال بالنسبة للرجال والله أعلم .

7- تفصيل أدلة المنع
أولاً: ما تقدم عن ثلاثة من سادات أصحاب رسول الله  مخبرين عنه بلعنه زائرات القبور, وهو إما خبر عن الله فهو خبر صدق, وإما دعاء من رسول الله , فيا ويل من دعا عليه رسول الله . وهذا اللعن مفيد لحكمين هما: التحريم والوعيد فهذا الوعيد الشديد دليل على أن زيارة النساء للقبور محرمة بل وكبيرة من الكبائر؛ لأن معنى اللعن هو الطرد والإِبعاد عن رحمه الله – تعالى - .
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية – رحمه الله تعالى – في كتابه ((رفع الملام عن الأئمة الأعلام)) – ما نصه: إن العلماء متفقون على وجوب العمل بأحاديث الوعيد فيما اقتضته من التحريم, وإنما خالف بعضهم في العمل بآحادها في الوعيد خاصة, فأما بالتحريم فليس فيه خلاف معتد به . . إلى أن قال: بل إذا كان في الحديث وعيد كان ذلك أبلغ في اقتضاء التحريم على ما تعرفه القلوب .
ثانياً: روى الإِمام أحمد في مسنده, وأبو داود والنسائي في سننهما, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في المستدرك من حديث ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُلبي عن عبد الله بن عمرو قال: قَبَرْنَا مع رسول الله  يوماً, فلما فرغنا انصرف رسول الله  وانصرفنا معه, فلما حاذينا به وتوسط الطريق إذا نحن بامرأة مقبلة, فلما دنت إذا هي فاطمة فقال لها رسول الله : ((ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟)) قالت: يا رسول الله رَحَّمْتُ على أهل هذا البيت ميتَهم, فقال لها رسول الله : ((فلعلك بلغت الكُدَى)) – يعني: المقابر, بضم الكاف وفتح الدال المهملة مقصوراً – قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر. قال: ((لو بلغت معهم الكُدَى ما رأيت الجنة حتى يرها جد أبيك)). فسألت ربيعة عن الكُدَى؟ فقال: القبور .
ثالثاً: روى ابن ماجه والبيهقي عن علي – رضي الله عنه – قال: خرج رسول الله  فإذا نسوة جلوس فقال: ((ما يجلسكن؟)) قلن: ننتظر الجنازة, قال: ((هل تَغْسِلْنَ؟)) قُلْنَ: لا, قال: ((هل تُدْلِيْنَ فِيْمَنْ يُدْلي؟)) قُلْنَ: لا, قال: ((فارجعن مأزورات غير مأجورات)) .
وهذا كما قال الإِمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – يدل على أن اتباعهن الجنائز وزر لا أجر لهن, إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها, بل فيه مفسدة للحي والميت. اهـ .
رابعاً: روى البخاري ومسلم وأحمد وابن جرير وأبو يعلى الموصلي والطبراني عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله  المدينة جمع نساء الأنصار في بيت وفيه: ونهانا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا .
والدلالة من الأحاديث الثلاثة – على منع النساء من زيارة القبور – ظاهرة, إذ في منعهن من اتباع الجنائز دليل على منعهن من زيارة المقابر, والعلة بين الحكمين مشتركة وسيأتي ما يشد المنع ويؤيده .
وفي حديثي عبد الله بن عمر وعلي – رضي الله عنهما – دليل على أن نهي النساء عن اتباع الجنائز في حديث أم عطية نهي تحريم لا نهي تنزيه كما قال به بعض أهل العلم – رحمهم الله تعالى -. وقد رأى عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – نساءً في جنازة فطردهن وقال: والله لأرجعن إن لم ترجعن وحصبهن بالحجارة, ذكره ابن الحاج في المدخل والله أعلم .

8- أدلة المجيزين والجواب عنها
استدل المجيزون لزيارة النساء للقبور بما يلي:
أولاً: بحديث أم عطية المتفق عليه عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت: نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا .
ثانياً: حديث أنس عند البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: مَرَّ النبي  بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقِ الله واصبري, قالت: إليكَ عني فإنك لك تصب بمصيبتي ولم تعرفه, فقيل لها: إنه النبي  فأتت النبي  فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك؟ فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى .
ثالثاً: حديث بريدة عند مسلم أن النبي  قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت .
رابعاً: حديث عائشة عند مسلم والنسائي, وفيه قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين – الحديث .
خامساً: حديث عبد الله بن أبي مليكة عند الترمذي في زيارة عائشة – رضي الله عنها – قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر قال ابن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحُبْشيِّ( ), فحمل إلى مكة فدفن فيها فلما قدمت عائشة – رضي الله عنها – أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فذكر الحديث وفيه أنها قالت: لو شهدتك لما زرتك .
سادساً: رواية البيهقي عن بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة – رضي الله عنها – أقبلت ذات يوم من المقابر, فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر, فقلت لها: أليس كان نهى رسول الله  عن زيارة القبور؟ قالت: كان نهى ثم أمر بزيارتها .
سابعاً: ما رواه الحاكم في مستدركه قال: حدثنا أبو حميد أحمد بن محمد ابن حامد العدل بالطابران – حدثنا تميم بن محمد, حدثنا أبو مصعب الزهري, حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك, أخبرني سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت محمد  كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.
قال الحاكم: رواته عن آخرهم ثقات وتعقبه الذهبي في تلخيصه فقال: هذا منكر جداً وسليمان ضعيف. هذه جملة ما استدلوا به على الجواز وقد أوردها شيخ الإِسلام ابن تيمية وفصل الجواب عنها في كثير من كتبه, كما استوفى ذكرها والجواب عنها شمس الدين بن القيم – رحمه الله تعالى – وذلك في تهذيبه لسنن أبي داود ونحن إن شاء الله نلخص ما ذكره هذان الإِمامان وما ذكره غيرهما مع ما يفتح الله به في هذا المقام والله المستعان .
أما حديث أم عطية – رضي الله عنها -: فمحل استدلالهم من قولها: ولم يعزم علينا, والجواب عنه كما قال الإِمام أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: وأما قول أم عطية: ولم يعزم علينا فقد يكون مرادها لم يؤكد النهي وهذا يقتضي التحريم وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم, والحجة في قول النبي  لا في ظن غيره .
وقال ابن القيم– رحمه الله تعالى -: ((وأما قول أم عطية فهو حجة للمنع وقولها ولم يعزم علينا إنما نفت فيه وصف النهي وهو النهي المؤكد بالعزيمة وليس ذلك شرطاً في اقتضاء التحريم بل مجرد النهي كافٍ. ولَمَّا نهاهن انتهين لطواعيتهن لله ولرسوله  فاستغنين عن العزيمة عليهن. وأم عطية لم تشهد في ذلك النهي وقد دلت أحاديث لعنة الزائرات على العزيمة فهي مثبتة للعزيمة فيجب تقديمها .
قلت: وفي حديثي عبد الله بن عمرو وعلي – رضي الله عنهما – المتقدم ذكرهما ما يدل على أن نهيهن عن اتباع الجنائز نهي تحريم لا تنزيه, وفي ذلك دليل واضح على منعهن من زيارة القبور إذ العلة بين الحكمين مشتركة فصح أن الاستدلال به في جانب المنع أولى وأرجح والله أعلم .
وأما حديث أنس عند البخاري: مَرَّ النبي  بامرأة تبكي عند قبر على صبي لها, فقال: اتقِ الله واصبري. الحديث: فهو كذلك حجة للمنع, لأَن النبي  لم يقرها بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ومن جملتها النهي عن زيارة النساء للقبور وقال لها: ((اصبري)) ومعلوم أن مجيئها للقبر وبكاءها مناف للصبر، فلما أبت أن تقبل منه لأنها لم تعرفه انصرف عنها، فلما علمت أنه  هو الآمر لها جاءته تعتذر إليه من مخـالفة أمره . فأي دليل في هذا الحديث على جواز زيارة النساء للقبور ؟ ومع هذا فلا يعلم أن هذه القضية كـانت بعد لعنه  زائرات القبور، ونحن نقول إما أن تكون دالة على الجواز فلا دلالة على تأخرها عن أحـاديث المنع، أو تكون دالة على المنع لأمرها بتقوى اللّه فلا دلالة فيها على الجواز، وعلى كلا التقديرين فلا تعارض هذه القضية أحاديث المنع ولا يمكن دعوى نسخها بها والله أعلم .
وأَما حديث بريدة - رضي اللّه عنه -: فقد قال المجيزون: إن هذا الخطاب يتناول النساء بعمومه، بل هن المراد به فإنه إنما علم نهيه عن زيارتها للنساء دون الرجال وهذا صريح في النسخ لأنه قد صرح فيه بتقديم النهي ولا ريب في أن المنهي عن زيارة القبور هو المأذون له فيها والنساء قد نهين عنها فيتناولهن الإذن .
والجواب عن هذا: أَن الصيغة في هذا الحديث هي خطاب للذكور, والنساء وإن دخلن فيه تغليباً فهذا حيث لا يكون دليل صريح يقتضي عدم دخولهن, وأَما حديث التحريم فمن أظهر القرائن على عدم دخولهن في خطاب الذكور، وقد كـان النبي  في أول الإسلام قد نهي عن زيارة القبور صيانة لجانب التوحيد وقطعاً للتعلق بالأموات وسدا لذريعة الشرك، التي أصلها تعظيم القبور وعبادتها كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: فلما تمكن التوحيد من قلوبهم واضمحل الشرك واستقر الدين أذن في زيارة يحصل بها مزيد الإيمان وتذكير ما خلق العبد له من دار البقاء فأذن حينئذٍ فيها فكان نهيه عنها للمصلحة وإذنه فيها للمصلحة. وأما النساء فإن هذه المصلحة وإن كـانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة، والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كـانت مفسدته أرْجـح من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة. ا.هـ، من كلام ابن القيم ملخصاً .
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: إن الخطاب في الإذن في قوله: فـزوروها لم يتناول النساء فلا يدخلن في الحكم الناسخ، والعام إذا عرف أنه بعد الخاص لم يكن ناسخـا له عند الجمهور فكيف إذا لم يعلم أن هذا العام بعد الخاص، إذ قد يكون قوله: ((لعن رسول اللّه  زوارات القبور)) بعد إذنه للرجال في الزيارة يدل على ذلك أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج، ومعلوم أن اتخـاذها المنهي عنه محكم كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والصحيح أَن النساء لم يدخلن في الإذن في زيارة القبور لعدة أوجه:
الأول: أن قوله  ((فزوروها)) صيغة تذكير وصيغة التذكير إنما تناول الرجال بالوضع وقد تتناول النساء أيضاً على سبيل التغليب لكنْ هذا فيه قولان .
الثاني: أَن النبي  علل الإذن للرجال بأن ذلك يُذكر الموت ويُرقق القلب وَيُدْمعُ العين ومعلوم أن المرأة إذا فُتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنياحة لما فيها من الضعف وقلة الصبر، وإذا كانت زيارة النساء مظنةً وسبباً للأمور المحرمة والحكمة هنا غير مضبوطة فإنه لا يمكن أن يُحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع، ومن أصول الشريعة أن الحكمة إذا كـانت خفية أو منتشرة عُلِّق الحكم بمظنتها فَيُحَرَّمُ هذا الباب سداً للذريعة كما حُرِّمَ النظر إلى الزينة الباطنة وكما حُرِّمَت الخلوة بالأجنبية وليس في ذلك من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة فإنه ليس في ذلك إلا دعاؤها للميت وذلك ممكن في بيتها", إلى أن قال - رحمه الله تعالى -: "إن قوله : ((من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان)) معلوم أنه أدل على العموم من صيغة التذكير المتقدمة فإن لفظ (مَنْ) يتناول الرجال والنساء باتفاق الناس، وقد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لنهي النبي  لهن عن اتباع الجنائز فإذا لم يدخلن في هذا العموم فكذلك لا يدخلن في العموم المتقدم بطريق الأَوْلَى ... فإذا كان النساء لم يدخلن في عموم اتباع الجنائز مع ما في ذلك من الصلاة على الميت فأن لا يدخلن في زيارة القبور التي غايتها دون الصلاة عليه بطريق الأولى، وعلى هذا فيكون الإِذن في زيارة القبور مخصوصاً بالرجال، وخص بلعنه  زائرات القبور فيكون من العام المخصوص" ا.هـ. وبمثل هذا قال العلامة النووي في شرح مسلم. هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأَجمع على أن زيارتها سنة لهم، أما النساء ففيهن خلاف لأصحابنا وقدمنا أن مَنْ منعهن قال: النساء لا يدخلن في خطاب الرجال وهو الصحيح عند الأصوليين اهـ. منه بلفظه .
وأما حديث عائشة: عند مسلم والنسائي الذي فيه قالت: كيف أقول لهم - الحديث فالجواب عنه من وجوه:
أولها: حمل سؤالها للرسول  وتعليمه إياها على ما إذا اجتازت بقبر في طريقها بدون قصد للزيارة، ولفظ الحديث ليس فيه تصريح بالزيارة عند من خرَّجه بل قالت: ماذا أقول لهم؟ ولذلك صرح العلماء - رحمهم الله تعالى- بأنه يجوز لها أن تدعو بهذا الدعاء في هذه الحـال، بل ولا تسمى زائرة والحـالة هذه، فكأنها -رضي اللّه عنها – قالت: ماذا أقول إذا جـزت بقبر في الطريق فقال: ((قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين)) الحديث .. ولا أدل على ذلك من قولها في زيارتها لأخيها عبد الرحمن لو شهدتك لما زرتك وإلا لما كان لقولها هذا كبير معنى، وإن في حمل الحديث على هذا جمعاً بينه وبين أدلة المنع ودفعاً للتعارض عن سنة رسول اللّه  فإن الجمع بين الدليلين متى أمكن فهو أولى من طرح أحدهما أو دعوى التعارض بينهما قال صاحب مراقي السعود في ذلك:
والجمع واجب متى ما أمكنا ** إلا فللأخير نسخ بينا
وثانيها: أن حديث عائشة هذا يحتمل احتمالاً قوياً أَنه كـان على البراءة الأصلية ثم نقل عنها إلى التحريم العام فنسخ نهي الرجال عن الزيارة وبقي نهي النساء على عمومه كما أشار إلى ذلك المنذري – رحمه الله تعالى - بقوله: قد كان النبي  نهى عن زيارة القبور نهياً عاماً للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهي في حق النساء لورود ما يقتضي تخصيصهن في ذلك الحكم من أحاديث اللعن وغيرها. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّه تعالى -: وقد قرن الرسول  لعنة الزائرات بلعنة المتخذين عليها المساجد والسرج، ومعلوم أَن اتخاذ المساجد والسرج، لم يقل أحد من العلماء بجوازه فكذلك ما قرن به من لعنة الزائرات واللّه أعلم .
والثالث: أن عائشة رضي اللّه عنها ليست كغيرها من النساء لمـا تحلت به من الآداب اللائقة بزيارة القبور لقوة إيمانها وعظيم صبرها وكمال عقلها ووفور فضلها، قال اللّه تعالى في عموم نسـاء النبي : ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [الأحـزاب / 33] وقال عليه - الصلاة والسلام -: ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية وأن فضل عائشة على النسـاء كفضل الثريد على سائر الطعام)) أما غيرها من النساء فإنه لا يؤمن ممن زارت القبر لجهالتها وضعف عزيمتها وقرب جزعها أن ترتكب شيئا من المحظورات كالنياحة والجزع والتعديد خصوصا في زماننا هذا الذي انضم إلى ما ذكر كثرة تبرج النساء وارتكابهن فتنة العري والتبرج والاختلاط ، ومن له غيرة في الدين و بصيرة بقواعد الشريعة عرف وجاهة ما ذكر واللّه المستعان .
الرابـع: حمل سؤالها للرسول  وتعليمه إياها على أنها مبلغة عن رسول اللّه  السنة كثير في تعلمها وأخذها من رسول  ما تخبر به أصحاب رسول  -رضوان اللّه عليهم - مع عدم شرعيته في حق النساء. قال الزركشي - في الإِجابة لإِيراد ما استدركته عائشة على الصحابة - أخرج مسلم عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد اللّه بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول اللّه  يقول: ((من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها نم تبعها حتى تدفن كان له قيراطـان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها تم رجع كـان له من الأجر مثل أحد)) فـأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجـع إليه فيخبره بما قـالت. وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجـع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض وقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. اهـ.
وقد لاح لك مما تقدم من الأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لورود النهي الخـاص من النبي  عن اتباعهن الجنائز فكذلك ما هنا فـاحفظ ذلك وكن به حفياً .
وخلاصة القول: أن في حمل الحديث على أحد الوجوه المذكورة جمعاً بين الأحاديث وتأليفاً لسنن كثيرة نذكر فيها ما يلي:
أولاً: موافقته للنهي الخاص من النبي  عن زيارة القبور كما في أحاديث اللعن وما في معناها كحديثي عبد اللّه بن عمرو وعلي - رضي الله عنهما -.
ثانياً: أن في حمل الحديث على ذلك جمعاً بينه وبين قولها المتأخر قطعاً على ذلك - لو شهدتك لما زرتك - وإلا لما كان في قولها هذا كبير معنى.
ثالثاً: موافقته لحـال الصحابة - رضوان الله عليهم - حيث لم ينقل فيما نعلم أَن نساءهم كن يزرن المقابر، ولو كان شيء من ذلك لنقل إلينا كما نقل إلينا سائر سيرهم وما جرى بينهم من القضايا والمناظرات في الأحكـام الشرعية، فلما لم ينقل إلينا شيء من ذلك دل على أنهم آمنوا بالنهي وأقروه على ظاهره كما جاء من غير بحث ولا نظر، وهذا هو مذهب أهل الحديث وأئمة التحقيق كثر اللّه سوادهم، قال الإمام أبو العباس بن تيمية - رحمه الله تعالى -: وما علمنا أن أحداً من الأئمة استحب لهن زيارة القبور ولا كان النساء على عهد النبي  وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور كما يخرج الرجال. اهـ بلفظه.
رابعاً: أن المحرم لا بد أن يشتمل على مفسدة محضة أو راجحة وزيـارة النساء للقبور تشتمل على مفاسد كثيرة في الغالب فالتحريم إذا ألصق بأصول الفرع ومقاصده.
خامساً: أن أحـاديث النهي تضمنت حكماً منطوقاً به، وحديث عائشة عند مسلم صحيح غير صريح فيما استدل به عليه، إذ لم تقل ماذا أقول إذا زرت القبور بل قالت ما أقول لهم، وهذا يحتمل الزيارة وغيرها. قال أبو بكر الحازمي في كـتابه الاعتبار: الوجه الثالث والثلاثون من وجوه الترجيح أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقاً به وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملاً اهـ. أي فيجب تقديم ما هو منطوق به.
سادساً: أن عامة العلماء قد رجحوا الدليل الحـاظر كـحديث اللعن في هذا المقام على دليل الإباحة كحديث عائشة عند مسلم على احتماله، فمن ادعى بعد ذلك أنه أبيح بعد المنع فعليه البيان لاسيما وقد ذكر هذا الوعيد الشديد في جانب المنع فالمسألة إذاً لا مسرح فيها للاجتهاد والله أعلم.
سابعاً: أن مما يرجـح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجـانبين وهى مؤثرة في باب الرواية لأنها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر كما حكى ذلك الحافظ أبو بكر الحازمي في اعتباره.
وقد لاح لك مما تقدم أن عدد جانب المنع أكثر والاستدلال بها أظهر وباللّه التوفيق.
والجواب عن حديثها في زيارتها لأخيها عبد الرحمن هو كما قال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن: إن المحفوظ في هذا الحديث حديث الترمذي مع ما فيه، وعائشة إنما قدمت مكة للحـج فمرت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه وهذا لا بأس به، إنما الكلام في قصدها الخروج لزيارة القبور ولو قدر أنها عدلت إليه وقصدت زيارته فهي قد قالت: لو شهدتك لما زرتك وهذا يدل بالصراحة أن من المستقر المعلوم عندها أن النساء لا يشرع لهن زيارة القبور وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى. اهـ.
وأما رواية الحاكم التي فيها أن عائشة قالت لمن سألها نهى عنها ثم أمر بزيارتها فقد قال الإمام تقي الدين بن تيمية: لا حجة في حديث عائشة هذا، فإن المحتج عليها احتج بالنهي العام فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ وهو كما قالت - رضي اللّه عنها - ولم يذكر لها المحتج النهي المختص بالنساء الذي فيه لعنهن على الزيارة, يبين ذلك قولها: قَدْ أَمَرَ بزيارتها فهذا يُبين أنه أَمَرَ أَمْراً يقتضي الاستحباب، والاستحباب إنما هو ثابت للرجال خاصة ولكن عائشة بينت أن أمره الثاني نسخ نهيه الأول فلم يصلح أن يحتج به, وهو أن النساء على أصل الإباحة، ولو كانت عائشة تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرجل ولم تقل لأخيها لما زرتك. وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في هذه الرواية: إنها من رواية بسطام بن مسلم، ولو صح فإن عائشة - رضي اللّه عنها -تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء في الإذن، والحجة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي، وتأويل الراوي إنما يكون مقبولاً حيث لا يعارضه ما هو أقوى منه وهذا الحديث قد عارضه أحاديث منع زيارة النساء للقبور اهـ.
« تنبيه »: قول ابن القيم - رحمه الله تعالى - إن هذا الحديث من رواية بسطام ابن مسلم ولو صح قـد يفهم منه أن هذا الحديث ضعيف من جهة بسطام هذا وليس الأمر كما يظن بل بسطام بن مسلم ثقة كما قال الحافظ في التقريب: بسطام بن مسلم بن نمير العَوْذي بفتح المهملة وبسكون الواو، بصري ثقة من السابعة اهـ. وقال أحمد: صالح الحديث ليس به بأس, وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. والله أعلم.
وأما ما رواه الحاكم أن فاطمة بنت محمد  كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة الحديث. فهو حديث ضعيف منكر كما قاله الذهبي في تلخيصه, وتضعيفه من سليمان بن داود. وقال البيهقي في سننه الكبرى بعد سياقه لهذا الحديث: إن حديث فاطمة - رضي الله عنها - في زيارتها قبر عمها حمزة منقطع. اهـ.
وقال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في سبل السلام بشرح بلوغ المرام - ما نصه: وما أخرجه الحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة - رضي الله عنها- كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. قلت: وهو حديث مرسل فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد ، وعموم ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرسلاً: من زار قبر الوالدين أو أحدهما في كل جمعة غُفر له وكُتب باراً اهـ.
فهذا الحديث كما رأيت قد رمي بالضعف والنكارة والانقطاع والإرسال فلا يكون مثل هذا حجة في الدين والله أعلم.

9- نقل جملة من كلام أئمة التحقيق في هذه المسألة
قال أبو العباس على بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي في ترتيبه اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ما نصه: ونهي النساء عن زيارة القبور هل هو نهي تنزيه أو تحريم فيه قولان: وظاهر كلام أبى العباس ترجيح التحريم لاحتجاجه بلعن النبي  زائرات القبور وتصحيحه إياه، ورواه الإمام أحمد و ابن ماجه والترمذي وصححه وأنه لا يصح ادعاء النسخ بل هو باق على حكمه، والمرأة لا يشرع لها الزيارة الشرعية ولا غيرها اللهم إلا إذا اجتازت بقبر في طريقها فسلمت عليه ودعت له فهذا حسن اهـ .
وقال صاحب المهذب: ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه  لعن زوارات القبور .
وقال السيوطي في كتابه ((زهر الرُّبى على المجتبى)) للنسائي عند الحديث المتكلم عليه في النهي: وبقين أي النساء تحت النهي لقلة صبرهن وكثرة جـزعهن .
وقال السندي: وهو الأقرب لتخصيصهن بالذكر والله أعلم .
وقال ابن حجر الهيثمي الشافعي في كتابه ((الزواجر)) ما نصه: الكبيرة الحادية والثانية والثالثة والعشرون بعد المائة اتخاذ المساجد أو السرج على القبور وزيارة النساء لها، وتشييعهن الجنائز, فساق حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر, ثم قال: تنبيه: عَدُّ هذه الثلاثة هو صريح الحديث الأول في الأولين لما فيه من لعن فاعلها وصريح الحديث الثاني في الثانية وظاهر حديث فاطمة في الثالثة بل صريح رواية النسائي: ما رأيتن الجنة إلى آخرها. ولم أر من عد شيئاً من ذلك بل كلام أصحابنا في الثلاثة مصرح بكراهتها دون حرمتها فضلاً عن كونها كبيرة فليحمل كون هذه كبائر على ما إذا عظمت مفاسدها كما يفعل كثير من النساء من الخروج إلى المقابر وخلف الجنائز بهيئة قبيحة جداً إما لاقترانها بالنياحة وغيرها أو بالزينة عند زيارة القبور بحيث يخشى منها الفتنة.." إلى آخر كلامه - رحمه اللّه تعالى -..
قلت: وقد تقدم كلام النووي - رحمه الله تعالى- وهو من كبار الشافعية - مصرحاً بالتحريم وأما حمل ابن حجر الهيثمي التحريم على ما إذا عظمت الفتنة فهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما نعلم وقد صرح بذلك غير واحد، وأما بدون اقتران ذلك فتبين لك مما تقدم ومما يأتي أن مقتضى نصوص الشريعة وقواعدها التحريم وما أحسن ما قاله العيني - رحمه الله تعالى -: إن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا الزمان ولاسيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه الفساد والفتنة وإنما رخص في الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهيد في الدنيا قاله صاحب عون المعبود نقلاً عنه.
وهذا: قاله العيني في نساء مصر القرن التاسع فكيف لو رأى هو وأمثاله من الغيورين على الإسلام نساء القرن الرابع عشر وما يرتكبنه من التبرج والسفور وفتنة العري والاختلاط لما تردد هو وأمثاله في منعهن من الزيارة قولاً واحداً والله أعلم.
وقال الساعاتي في الفتح الرباني: قال صاحب المدخل المالكي قد اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: أولاً: المنع مطلقاً. ثانياً: الجواز على ما يُعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم. ثالثاً: يفرق بين الشابة والمتجـالة أي العجوز-. ثم قال: اعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة في الدين بجوازه.
وقال العلامة صديق بن حسن القنوجي في كتابه ((حُسْنُ الأسوة)): الراجـح نهي النساء عن زيارة القبور وإليه ذهب عصابة أهل الحديث كثر اللّه سوادهم. وقال صاحب ((المرعاة)): قال أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي: النهى ورد خاصاً بالنساء والإباحة لفظها عام والعام لا يَنْسَخه الخاص بل الخاص حـاكم عليه ومقيد له.
وقد سُئل سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عن حكم وقوف النساء - عند دخولهن المسجد النبوي الشريف - على قبر نبينا محمد  فأجاب - رحمه الله تعالى - بفتوى قال فيها بعد أن ذكر أحاديث اللعن: إن التعبير برواية زائرات القبور يدل على عدم تخصيص النهى بالإكثار من الزيارة كما توهمه بعضهم من التعبير في الروايات الأخرى بلفظ ((زوارات القبور)) ثم قال بعد أَن ذكر تحقيقاً جلياً في المسألة والخلاصة: أنه لا يجوز للنساء قصد القبور بحال ولا يدخلن في عموم الإِذن بل الإِذن خاص بالرجال والله أعلم. قلت: فالقول بالتحريم هو الموافق لأمر رسول الله ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته فأما موافقته لأمره فإنه  حكم على المرأة التي تبكي عند قبر على صبي لها بمنافاة ذلك للصبر والتقوى فأمرها بقوله لها: ((اتق اللّه واصبري)) فهذا موافق لأمره, وأما موافقته لنهيه فلقوله: ((لعن رسول اللّه  زائرات القبور)) فاجتمع في هذه المسألة أبلغ الطرق لإثبات هذا الحكم من أمره ونهيه . وأما موافقته لقواعد شريعته ومصالح أمته فمن وجوه عديدة نذكر منها ما يلي:
أولاً: من المستقر المعلوم من قواعد الشريعة المطهرة: أن درء المفاسد مغلب على جلب المنافع لاسيما عند عظمة المفاسد كـالحالة هذه إذ ليس في زيارة النساء للمقابر أي مصلحة راجحة كما هي في حق الرجال، والخروج في حقهن لا يكون إلا لحـاجة فكيف يُقَدَّم ما ليس بواجب على الواجب بـل كيف إذا لم يكن مشروعاً.
ثانيا: إن النساء ناقصات عقل ودين مع ضعف صبرهن وكثرة جـزعهن ومن جراء هذا نهى النبي  عن الجزع المؤدي إلى لطم الخدود وشق الجيوب وزيارتهن مجددة للحزن والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن الناتجة من نقصان الدين والعقل وقلة الصبر وكثرة الجزع فلو لم تحرم زيارة النساء للقبور إلا من هذا الباب لكفى فكيف إذا ترتب عليها من المخالفات الباطلة مالا يخفى على كل من شهد ما يقع منهن في زماننا هذا من تبرج بـزينة واختلاط وغير ذلك مما أنكره الشرع.
ثالثاً: إن حرمة التبرج والاختلاط- معلومة بـالضرورة من الدين والعقل السليم. فخروج المرأة من بيتها لغير ضرورة يؤدي في الغالب إلى ارتكـاب هذه الممنوعات شرعاً بل وإلى ترك ما هو أهم من إحصانها وقرارها في بيتها والقيام بحقوق زوجها كما قال اللّه - عز وجل -: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [الأحـزاب / 33]. بل يؤدي إلى أعظم مما تقدم من وقوع اللعنة عليها على لسان رسول اللّه ، ومن شهد ما يقع في عصرنا هذا عند مـزارات قبور الصالحين وغيرهم لاسيما عند قبر النبي  وصاحبيه علم غاية العلم أن ما ذكرناه من المفاسد المترتبة على فتح هذا الباب أمر واقـع لا يحتمل الشك والارتياب وأن منعهن من زيارة القبور هو مقتضى شرعه وحـكمه ومن محاسن شريعته. وكـم من مسائل منعها الشارع لا لذاتها ولكن لما يتوصل إليه بأسبابها من ذلك نهيه عن تجصيص القبور وتشريفها والبناء عليها وعن الصلاة إليها وعندها وعن شد الرحال إليها - كل ذلك لئلا يكون ذريعة إلى اتخاذها أوثاناً وهذا التحريم عام في حق من قصد ومن لم يقصد، كل ذلك حماية لجناب التوحيد وسلامة الفطرة، والمحافظة على ذلك معروفة بطبيعة العقائد الإسلامية واللّه المستعان.







 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:33 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "