أنا على يقين بأنني نشرت الرد قبل يومين أو أكثر .. وعند المراجعة وجدت أن الرد محذوف .. ( عمدا أو سهوا )عموما ها أنذا أنشره ثانية لنختم الموضوع من طرفي مع الزميل الحجاج ، قبل أن أفتح معه موضوعا آخر - في حال رغبته - .. والسلام
باسمه تعالى
الأخ الفاضل الحجاج
كما اقترحت أنت .. فالعمل على ختم الموضوع أمر جيد وسنة حسنة حبذا لو يتبعها البعض بدلا من التطويل الممل غير المفيد .
وأرى من واجبي الأخلاقي أن أشكرك على عدم النزول في مستوى حوارك إلى حيث ينزل البعض ، فالحوار ضمن إطار الموضوع إنما هو من علامات نضج القلم .. ولكن ..
ليس كل ناضج بمحق .
نعم .. قد طال الحوار ، وأغفلت أنا بعض مناحيه عمدا أو سهوا وذلك لظني – فيما تعمدته مما أغفلته– أنه ليس من صلب الموضوع ، فربما أصبت بظني وربما أخطأت ، المهم أنني لم أجد والله شيئا فيما ذكرته أنت – أصلحك الله – ما يهز العصمة فضلا عن تفجيره اساسها .
وأما باختصار حول مداخلتك الأخيرة فقلت فيها :
" يا صاحب الأضواء .. عنوان ( اختيار اللقب جاء من الإدارة وليس مني )
قال عنوان : ليس من جواب أفضل على مداخلتك الأولى حول السند من جملتك الأولى نفسها التي تقول فيها : " تفصيل حال الرواة شيء، والحكم على الرواية شيء آخر " .
قال الحجاج : فالرواية إذن معتبرة بغض النظر عن حال الرواة مع أنا أتيناك بسند معتبر. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى .. فقد ظهر انقطاعك في رد هذه الرواية كما أسلفنا .. فلا داعي للإكمال. "
وأقول : بغض النظر عن عبارتي وما استخرجته أنت منها مما ليس فيها ، أقول : لا زلت تصر على عدم الإكمال .. فما أن تصل إلى منحنى حتى تظن أن محاورك قد انقطع وانتهى الأمر ، عموما لك ذلك .. وهذه مداخلتي الأخيرة .
وأما الكلام عن اعتبار الرواية فقد مر عليك أمرها .. ولكن إن شئت أن تعتبرها صحيحة فلن أخالفك .. فاعتبرها كذلك لترتاح ، ولكن هل يؤخذ بها على علاتها ؟
إذ لا بد من التعامل هذه الرواية بقواعد المذهب المثبتة للعصمة ، وهكذا يتعامل علماء الحديث مع أمثال هذه الأحاديث شرط وجود عامل صحيح لمنع الإقرار .. فهناك روايات آحاد أخر صحيحة ولكن لا يؤخذ بها لغرابتها ومخالفتها قواعد المذهب .. وسيأتي التطبيق بعد قليل .
وبذلك يتبين غرابة قولك :
" وأما استشهادك بقول النووي فخارج عن إطار النقاش ولا عبرة فيه، لأنا إنما نناقش العصمة من وجهة نظركم لا أننا نقارن بين مفهومكم لها ومفهومنا... فهذا نقاش آخر . "
وأقول : عجيب !! ألست تناقش العصمة على ضوء عقيدتنا تجاه روايتنا ؟ وهناك أيضا ناقشوا رواية مسلم على ضوء معتقدكم .. فالقضية وإن قلت أنت أنها خارجة عن اطار نقاشنا إلا أن الواقع يحكم بأنها في صلب موضوعنا ، لأنها تبين لك كيفية التعامل مع الروايات المخالفة للقواعد المعتمدة في المذهب .
قلت : " قد قدمنا القول بسؤالنا عن حجة الله تعالى البالغة .. كتابه العزيز .. هل جمعه المعصومون أم غير المعصومين؟ فإن قلت غير المعصومين فقد نقضت قولك أعلاه وبان فساده لأن الحجة لا تصلح للحجية إلا بالعصمة... على زعمك، وهل لله تعالى حجة أكبر من كتابه؟! " .
قال عنوان : الموجود بين أيدينا هو جمع الصحابة وإقرار أهل البيت ، ولولا إقرارهم لكنا في شك .
قال حجاج : كيف جاز لمعصوميكم أن يكلوا أمر جمع الثقل الأكبر لزريق وحبتر ونعثل وهم أئمة الكفر كما جاء عنهم؟ ألا ترى فيه مفارقة عجيبة تستدعي التوقف عندها؟ " .
وأقول :
هذا الموضوع هو الخارج عن إطار بحثنا ، ولكن مع ذلك أسف إذ تسف ، وأقول :
أخطأت بأمور :
- تناسيت أننا نرى بأن القرآن كان مجموعا على عهد النبي عند مجموعة لا بأس بها من الصحابة .
- وادعيت بأن أهل البيت لم يجمعوا القرآن ، وهذا غير صحيح ، فعلي جمعه مع تفسيره من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ورفضه عمر كما في الروايات .
- وادعيت بأن أل البيت وكلوا أمر الجمع لغيرهم ، وهذا باطل .. نعم ، هم لا بسطة لهم ليمنعوا الغير عن المباشرة ، ولكن لم يكلوه لغيرهم ، فالغير محتاج لهم وهم مستغنون عن الجميع كما يظهر للمتتبع .
ولكي أربط كلامك بالبحث دعني أسألك هنا سؤالا :
أيها المطلوب : حفظ رسم القرآن أم حفظ معانيه ؟
أو لنعيد الصياغة فنقول :
هل فعل المعصوم كاف لاطمئنان المكلف بأن فعله مطابق للقرآن ولو لم نعرف للقرآن رسم ؟
أم أن المكلف يطمئن بمطابقة المطلوب بوجود النص القرآني الصريح مع الاجتهادات المختلفة ؟
فلو أننا لم نجد للقرآن رسم لكفانا المعصوم أمر تطبيقه ، ولكن لو وجدنا رسم القرآن وعشرات الإجتهادات في تفسيره .. فأي هذه التفسيرات نرجح ؟
نعم .. قد يكون بعضها مجز ، ولكن المطابقة لا يضمنها إلا معصوم وهو المطلوب .
ولا شك أن حفظ معنى القرآن مقدم على حفظ رسمه ، وأن عمل المعصوم دال على قرآنية تصرفه دون اجتهاد المجتهدين ، فالحاجة لعديل للكتاب لتحقق كمال الهداية أمر مسلم عند المتأمل المخلص .
عودة للوثيقة .. والمرافعة الختامية أقول :
إن الكلام فيها يتجلى في ثلاث نقاط :
النقطة الأولى : قيمة الرواية من حيث السند ، وقد اختلفنا في قيمتها أنا وأنت ، وسلمت لك جدلا بصحتها .
النقطة الثانية : متانة وسلامة المتن ، وهو الذي كان محل نقد بعض علمائنا خصوصا جملة الشاهد منه ، حيث نقلت الرواية أحيانا دون جملة الشاهد ، وبينت لك أن من ذكر الرواية ذكرها بقصد الاحتجاج والتبرك بكرامة الزهراء لا بقصد مناقشتها ، إذ لم أجد من علمائنا من ناقشها ، بل ذكرت لك منهم من ذكرها واعترض على جملة الشاهد دون أصل الرواية .
النقطة الثالثة : تناول الرواية على ضوء القواعد ، وهذه هي العمدة التي أركن إليها هنا ، وذلك لكي أبين لك وللقراء الكرام أن مجرد ذكر رواية صحيحة لا يعني تشمير الذراعين والبناء عليها دون تمحيصها على ضوء الكتاب والسنة والقواعد عامة .
وبشيء من التفصيل :
فلعلي أن أردت الكلام عن العصمة بغض النظر عن الوثيقة التي أوردتها أنت ، أستطيع أن أشبهها لك بعدالة الصحابة . فإن نظرية عدالة الصحابة عندكم لا تهتز أبدا رغم الكثير الكثير مما يقتلعها من أساسها مما ثبت بالقرآن والسنة ومسلمات التاريخ . المهم أن عدالة الصحابة نظرية ثابتة عندكم ، فأضحت كالجدار يرتد عنها كل ما يرتطم بها ، ونظرية العصمة عندنا كذلك ، ولكن الفرق هنا أمور ، منها :
أولا : أن نظرية العصمة ليست من ابتداع الشيعة ، وإنما اتفق عليها نظريا السنة والشيعة .
أما السنة : فتناقضوا بين قصر العصمة على مجرد تبليغ المبلغ ، ثم ما لبثوا أن جعلوها شاملة لكل حياته من خلال القول بأن السنة النبوية تشمل القول والفعل والإقرار .. فاتفقوا بالتفصيل مع الشيعة ولم يعدلوا النظرية تخوفا من ملاحظة التطابق مع خصومهم ، رغم أنهم في التعامل يرفعون العصمة ولا يقيمون لها وزنا ( فالمعصوم يسمع الغناء ويضرب الناس بلا وجه حق ويلعنهم ظلما وينام في حضن من لا تحل له ويعبس .. ومع ذلك هو معصوم !!! ) .
أما الشيعة : فيذهبون ألى أن العصمة إنما هي بداية الطريق وأن المبلغين يتفاوتون بدرجات قربهم عند الله حسب سعيهم فيما فوق خط العصمة ، لأن ما دونه هو خاص بشرع الله ولا يمكن أن يخضع للتزلزل الإنساني ، فهو محفوظ بحفظه تعالى وهو ما سماه القرآن ببرهان الرب . وأن العصمة لازم التبليغ لا يتم إلا به مهما كانت درجة المبلغ ودوره وذلك لتمامية الحجة .
ثانيا : أن نظرية العصمة إلهية المنشأ ونظرية العدالة ابتدعها علماؤكم خلافا لصريح القرآن والسنة .
فالله تعالى قد بين بأن : " فلله الحجة البالغة " ، والكتاب الكريم وحده لا يكفي للحجية ، فكيف بالحجية البالغة . فهو تعالى اسمه يقول : " وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه " ، " وما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات " .. فالبينات بذاتها لا تفيد تمامية الحجية ، فكما احتاج كل كتاب لمبين فكذلك الكتاب ، فلا بد من ثقل آخر بعد النبي يعادل الكتاب وهم العترة الطاهرة كما ورد في الحديث المتواتر .
فالكتاب لا يأتيه الباطل وحامله كذلك ، فالكتاب معصوم ومبينه كذلك .
ثالثا : أن دواعي هدم نظرية العصمة متوفرة وقد ساهم منع الناس من معرفتها بسطة أهل السنة وتقييد علمائنا ، بينما نظرية عدالة الصحابة قد أيدها السلطان وسخر لها قلمه وامكانياته ، مما ضعف الأولى عند العوام ورفع الثانية حتى كادت أن تكون مما اشتهر عند الناس .. ورب مشهور لا أصل له .
عودة للموضوع :
المهم .. أنني في هذه المقارنة وددت أن أبين بأن هناك اتفاق واضح عند المسلمين على أن هناك حاجة لحفظ الشريعة بطريق غير عادي ، فقلتم بعدالة الصحابة وقلنا نحن باستمرار العصمة عند الأولياء .
فالغريب يا أخي هو أن نوقف العقل والحساب والتقييم على من رأى النبي مرة واحدة ثم صنع ما صنع ، ولكن ليس من الغريب أن يكون في خلف النبي من يكون كآصف بن برخيا في علمه بالكتاب ، " قل ما كنت بدعا من الرسل " ، فنظرية عدالة الصحابة يهدمها العقل والنقل .. ولكن
العصمة يثبتها العقل والنقل :
قال تعالى : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ، وهذه الطاعة المطلقة لا تصح إلا لمعصوم يصح أن يكون عدلا للكتاب لا يأتيه الباطل . لهذا قدم الله ورسول أعلم الصحابة وباب مدينة العلم وأقضاهم علي بن أبي طالب فقال : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " ، لأن العلم منشأ العصمة .
قلتم : كلا نرفض عليا .. أما نحن فقلنا : نعم .. وعلى الرأس .
ونسيتم أو تناسيتم أن الرجل ورث علم الكتاب ، بل كان الأروح لأنفسكم أن يكون اليهودي عبدالله بن سلام هو الشهيد بين النبي والمشركين !!!!! وأنه صاحب علم الكتاب دون علي ، لأن ابن سلام ليس بخصم لأبي بكر ولكن علي كذلك .. مما أشعل الشرارة تحت فضائل علي فتجاذبتم شرف تضعيفها وفضل انكارها على مر السنين والقرون من جيل إلى جيل سعيا لجعل علي كخصومه في المقام ، ولكن هيهات .
عموما ، أعود للموضوع فأقول :
أرجو من الإخوة القراء أعادة قراءة ما ورد في كلام ( الممتنع ، أو أبو رية ، أو عنوان ) مما ورد في الصفحة السابعة من هذا الحوار ففي هذه الصفحة جوهر الكلام ، على أنني سأعيد ترتيب الموضوع وتلخيصه ونشره في منتدى آخر لتعم الفائدة .
تطبيق :
وهنا أجد نفسي مرغما على تطبيق مثال واضح ذكرته لك ، وحاولت جهدك أن تغفله أو تبعده عن موضوعنا بينما هو في لبه وجوهره ، فأكرر عليك ما سبق من قولي :
" وكم أرشدتك إلى طريقة التعامل مع الحديث المعارض فاقرأ ما أورده النووي ج12ص72 في شرحه على صحيح مسلم :
" قوله ( اقض بيني وبين هذا الكاذب إلى آخره ) قال جماعة من العلماء معناه هذا الكاذب إن لم ينصف فحذف الجواب وقال القاضي عياض قال المازري هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس وحاش لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف فضلا عن كلها ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي (ص) ولمن شهد له بها لكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين ونفي كل رذيلة عنهم وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها قال وقد حمل هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته تورعا عن إثبات مثل هذا ولعله حمل الوهم على رواته .. " .
وهذا مثال على اسلوب تعامل العلماء مع الحديث الصحيح المخالف لما تبث من العقائد ، ومثله كثير ، وخلافنا معكم هنا هو في ثبوت عقائدكم لا في منهج التعامل مع الرواية الصحيحة الشاذة .
وروايتك التي ذكرت مثلها إن صحت .
وقبل أن أختم أهمس في أذن الحجاج قائلا :
لعلنا لم نتفق .. ولعلنا لم نقترب من فهم القضية ولم نصل إلى أية مساحة مشتركة ، لا أدري .. ولكن فهل وجدت في حواري معك – أيها الفاضل – أنني أكذبَ وأنجسَ و أخبثَ وأخسأ وأسفهَ و أسفلَ و أحقرَ و أتفهَ وأعتهَ و أحمقَ و أجبنَ و أخونَ و أزندقَ و ألعنَ و أكفرَ و أشدَّ نفاقا و أقلَّ مروءةً و أعدَمَ شرفا و أشر مكانا و أشقى فطرة .. كما تقول عن الروافض ؟
أم أننا مجرد اثنين اختلفا في فهم الكتاب والسنة ؟ فاعتمدتم الصحابة واعتمدنا أهل البيت ؟
والسلام