بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تحسبوه شراً لكم، بل هو خيرٌ لكم
لقد مرّت بالرّسول صلى الله عليه وسلم،عبر مسيرته في الدَّعوة إلى الله عزّ وجلّ،ابتلاءات عظيمة،
ولكن أعظمها وأشدّها هو ذلك الابتلاء الّذي مسّ عرضه الشّريف، فيما يُسمّى بحادث الإفك، الّذي اهتزّ له بيت النّبوّة، فاهتزّت له المدينةُ كلّها، وفي هذا الحادث، يقول الله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم)النور،
وفي قوله تعالى(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)وعندئذٍ يثور هذا السؤال،كيف يكون حادث الإفك خيراً للمؤمنين،
نحن نعلم أنّه بالنسبة للمنافقين، لم يزِدهم إلا سوءاً على سوئهم، وهذا ما قرّرته الآية الكريمة(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
وحتّى بالنّسبة للمؤمنين، نحن نعلم ما عانته عائشة الصديقة رضي الله عنها، من انتشار قالة السّوء عنها، وما عاناه الرّسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ الصديق وأمها، والصّحابة جميعاً، طوال شهرٍ كاملٍ، ولكنّ قوله تعالى(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ينقلهم بعد المعاناة إلى أفقٍ آخر،أكثر رحابةً،إذ ينهاهم عن الاعتقاد العفويّ الّذي يوسوس به الشيطانُ في النّفوس،ويجعلها تعتقد أنّ هذا الأمر شر لها،
فلذا جاء قوله تعالى في هذه الآية،مؤكّداً الثّبوت،لتُقرّر في نفوس المؤمنين،أن هذا الحدث، بالرغم مما يحف به من شر،هو خير لهم،
إنّ هذه الآية تعتبر من أعظم الأدلة على خُلُق التّفاؤل،الّذي يرسمُ منهجاً إسلاميّاً في تفسير الأحداث،منهجاً يستند إلى الإيمان بالله تعالى،وإلى الإيمان بالقدر،
والقاعدة الكبرى هي،قاعدة التمييز بين القدر الكوني،والقدر الشرعي،
فالقدر الكوني،هو ما قدّر الله وُقوعه، سواءٌ كان مُراداً يُحبّه، أو مُبغضاً ولا يُريده،
أمّا القدر الشّرعي،فهو ما يُريده الله ويُحبّه، سواءٌ كان قد وقع أو لم يقع،
فحادث الإفك قدرٌ كوني،وليس قدراً شرعيّاً،أي إنّ الله عزّ وجل لا يُحب وُقوعه، فلماذا قدّره،لا شكّ أنّ الله عزّ وجلّ، إنّما قدّره لحِكَمٍ جليلة، فلذا جاء تنبيهُه لعباده المؤمنين،بأنّه،أي هذا الحدث المزلزل،في الحقيقة خير لهم،
وهذا مبدأٌ عامٌّ، فكلُّ قدرٍ إلهيٍّ كونيٍّ، ألمَّ بالمؤمن، فليتذكّر عنده قول الله تعالى(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
وقوله سبحانه(فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)النساء،
وليعتقد بخيرية البلاء الّذي وقع به،متفائلاً بما سوف يعقبه بإذن الله من الخير العميم،
على الإنسان أن يرضى بالقدر الإلهيّ الكونيّ، ويتفاءل موقناً بأنّه،لا شك،خيرٌ له،
ومن مقتضى صدق يقينه وصحّة تفاؤله، أن يجتهد في سياق الحدث نفسه، على الالتزام بمقتضى ما ورد في القدر الإلهيّ الشَّرعيّ،
ومن أعظم ما يُعين المرء،على تحقيق هذه المعاني القدريّة،ويهون عليه المصائب،
تعظيمُ الله عز وجلّ في قلب المؤمن، فإنّه يُيسّرُ له حسن التّعامل مع أقدار الله الكونيّة،والاستعانةِ عليها بأقداره الشرعيّة،
يبين لنا ربنا الحل فيقول جل وعلا(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)البقرة،
وعن سعيد بن جبير قال، الصبر اعتراف العبد لله بما أصيب فيه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه،وأما قوله والصلاة،إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر،
وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج(اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)البقرة،
قال إنهما معونتان على رحمة الله،
ويقول ربنا تعالى(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)النحل،
تأكيد للأمر بالصبر وإخبار بأن ذلك لا ينال إلا بمشيئة الله وإعانته وحوله وقوته،
ثم قال تعالى(ولا تحزن عليهم) أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك(
ولا تك في ضيق)أي غم مما يمكرون،أي مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك ومظفرك بهم،
وقال تعالى(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)الروم،
أي اصبر على مخالفتهم وعنادهم،فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك عليهم وجعله العاقبة لك لا مرية فيه،
وقال تعالى(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)الانسان
أي كما أكرمك بما أنزل عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره،وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس فالآثم،هو الفاجر في أفعاله،
فلا تتسرَّعْ، لأن المؤمنَ عفيفٌ طاهرٌ، فإيَّاك أن تُسِيء الظنَّ به،
لذلك فإنّ قمة التوحيد أن تستسلم لله الواحد الديان،
يا رب ،أنا مستسلم لقضائك، راض بحكمك، ماض فيّ أمرك،
لهذا قال الإمام علي رضي الله عنه،واللّه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً،
اللهم اجعلنا من الصابرين الراضين بقضائك،الثابتين على عهدك،المجتنبين معاصيك، الملتزمين بكتابك المتبعين لسنة رسولك الحامدين لنعمك المصدقين بوعدك الحق انك انت الحق لا اله الا انت.
05-03-15, 02:25 AM
العرض العادي
