كيف تصبح صوفيا أصليا
كثر ت هذه الأيام الأصوات بقولهم أنه يوجد تصوف سني وتصوف بدعي أو تصوف معتدل وتصوف غال ، وحقيقة أن قائل هذا الكلام لا يعرف حقيقة التصوف حق المعرفة حيث أن أصبح للتصوف على أقل الأحوال المتأخر طقوس وقواعد وضوابط ليصبح المرء صوفيا أصليا كما سوف ترى في هذا الموضوع ، وكي تصبح صوفيا أصلا عليك لابد أن تمر بهذه المراحل:
أولا : إتباع شيخ صوفي ومبايعته على السمع والطاعة ، ومن يدعي التصوف وليس له شيخ يعتبر لقيا عندهم كما قال محمد أمين الكردي : (( وأجمع العارفون على أن من لم يصح له نسب إلى القوم فهو لقيط في الطريق )) [ المواهب السرمدية ص 3 ]
قال عبد المجيد الشرنوبي في شرح تائية السلوك : (( ثم قال المصنف رضي الله عنه :
ويدعى لقيطا أين حل مُعطلا ** وإن كان ذا علم كزوج عقيمة
دعيا مع السادات في كل موطن ** كذا نقلوه جــــل أهـــل الحقيقـــة
يعني أن من لم يكن له شيخ فإنه يدعى أي يسمى عند القوم لقيطا أين حل أن نزل واللقيط في الأصل الولد الملقوط أي المأخوذ من الأرض من غير أن يعلم له أب والمراد مقطوع النسب وقوله معطلا أي من التحلية بالاندراج في سلك القوم وإن كان ذا علم لأنه حينئذ يكون هو وعلمه كزوج امرأة عقيمة لأن علمه لا ينتج له شيئا كالمرأة العقيمة التي لا تلد لزوجها . ولذا قال الغزالي : ( إذا وجدتم الرجل قد طبق الأرض علماً ولم يكن له شيخ يوصله إلى سلسلة القوم فهو عقيم لم يكن يلقى الحكمة ) .أ هـ .
وحينئذ يدعى دعياً مع السادات أي غير منسوب لهم في كل مواطن فهو كابن الزنا عند القوم كذا نقلوه جل بضم الجيم أي معظم اهل الحقيقة وهم السادة الصوفية )) [ ص 143 ] .
ثانيا : بعد المبايعة يقوم الشيخ الصوفية بتلقين الصوفي الجديد بأوراد من تأليف الشيخ نفسه أو تأليف مؤسسة الطريقة ويلزمونه بها كي يكون من أفراد الطريقة كما قال عبدالله الصديق الغماري بعدما ذكر " ورد الطريقة الصديقية " : (( يقرأ هذا الورد بعد صلاة الصبح ومثله بعد صلاة المغرب فبالتزام الشخص لهذا الورد يصير من أهل الطريقة منسوبا إليها ومحسوبا عليها ولا يصح تركه إلا لعذر كمرض مانع )) [ الدرر النقية في أذكار وآداب الطريقة الصديقية ص 5 ] .
ثالثا : الخدمة والذل والانكسار لشيخ الطريقة كما يقول ابن عطاء الله السكندري في كتابه التوفيق في آداب الطريق : (( أي إذا تخلقت بما تقدم من الآداب ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ وتمسكت بأثر تلك الأعتاب فراقب أحواله واجتهد في حصول مراضيه وانكسر واخضع له في كل حين فانه الترياق والشفا وان قلوب المشايخ ترياق الطريق ومن سعد بذلك تم له المطلوب وتخلص من كل تعويق واجتهد أيها الأخ في مشاهدة هذا المعنى فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثرا )) [ ص 20 – 21 ] ، ويقول أيضا : (( أي وانهض في خدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسود مع من ساد واحذر أن تضجر ففي الضجر الفساد ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحوز من الوداد )) [ ص 23 ]
رابعا : عدم الاعتراض على الشيخ مهما فعل هذا الشيخ الصوفي ، قال الغزالي: (( ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده، وليدع رأيه، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه )) [ إحياء علوم الدين 1-50] ، وقال: (( فمُعتَصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمي على شاطئ النهر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورده ولا صَدَره، ولا يبغي في متابعته شيئا ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب)) [ المصدر السابق 3-76 ] .
وقال علي وفا: (( المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام، ولا حركة، ولا يقدر أن ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل، ولا يخرج، ولا يخالط أحداً، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه )) [ الأنوار القدسية 1-187 ]
ويقول محمد أمين الكردي: (( ومنها أن لا يعترض عليه فيما فعله، ولو كان ظاهره حراماً، ولا يقول: لم فعل كذا؟ لأن من قال لشيخه " لم؟ لا يفلح أبداً، فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن )) [ تنوير القلوب ص528 ] .
خامسا : يواظب على الذكر الصوفي الذي لقنه له شيخه حتى تكشف له الأنوار ويصل إلى مقامات الولاية الصوفية قال علي المرصفي : (( إذا ذكر المريد ربه بشدة وعزم طويت له مقامات الطريق بسرعة من غير بطء ، فربما قطع في ساعة ما لا يقطعه غيره في شهر )) [ الأنوار القدسية ص 52 / 1 ]
سادسا : الاعتقاد بالتوسل والاستغاثة والتوجه بالدعاء للأنبياء والأولياء في حال الشدائد وانقطاع الأسباب كما يأمرهم بذلك المشايخ قال النبهاني في ترجمة جاكير الكردي : (( واستأذن رجل واسطي الشيخ جاكير في ركوب بحر الهند بتجارة فقال : إذا وقعت في شدة فناد باسمي ... الخ )) [ جامع كرامات الأولياء ص 3 / 2 ] ، وقال الشعراني في ترجمة محمد الحنفي : (( وقال سيدي محمد رضي الله عنه في مرض موته من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجته أقضها له فإن ما بيني وبينكم غير ذراع من تراب ، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب ، فليس برجل )) اهـ [ الطبقات الكبرى ص 416 ]
سابعا : الاعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب وأنه مطلعون علي الصوفي وهو في عقر بيته بل يأخذ عليه العهد على ذلك كما قال الشعراني : (( أخذ علينا العهود أن نلزم الأدب مع أصحاب النوبة ، وإن لم نجتمع بهم ، ولم نعرفهم ، فإنهم يشهدون أفعالنا في قعر بيوتنا ، ولهم المؤاخذة بها ، والتأدب عليها ، حتى الخواطر الردية ، لا سيما إن كنا ندعي أننا من الفقراء الصادقين ، فإن قوسهم موتورة على مل من ادعى ذلك )) [ البحر المورود ص 67 العهد السادس والعشرون ] .
ثامنا : الاعتقاد أن الأولياء يتصرفون في الكون أقوالهم أكثر من أن تحصى فعلى سبيل المثال قال الشعراني في ترجمة محمد بن أحمد الفرغلي : (( كان رضي الله عنه من الرجال المتمكنين أصحاب التصريف )) [ الطبقات الكبرى ص 426 ] ، وقال أيضا : (( وكان رضي الله عنه يقول: أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلى قبالة وجهي، ويذكرها لي أقضيها له )) اهـ [ الطبقات الكبرى ص 428 ]
تاسعا : الاختلال في مفهوم الولاية ؛ فمن قتل بالزندقة مثل الحلاج الذي أدعى الألوهية والذي كان يتخذ فرعون وإبليس أستاذة له يصبح وليا لا يشق له غبار ، وكذلك من يدعي أن الخالق عين المخلوق مثل ابن عربي والجيلي وعلي وفا وغيرهم على رأس الأولياء ، بل الاعتقاد بولاية من لا يصلى ويبول في المسجد كالبدوي ، وكذلك المجنون الذي يمشي عريانا كإبراهيم العريان ، بل من يفعل الفاحشة بالحمارة في الطرقات كعلي وحيش ، وعلى النقيض الأخر يصبح من يتبع السنة ويدعو للعودة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان وهابيا وتكفيريا ومبتدعا !!!
عاشرا: النضال في الدفاع وتطبيق الاحتفالات البدعية التي لم تأت من كتاب ولا سنة مثل الاحتفال بالمولد النبوية وموالد الأولياء والإسراء والمعراج وغيرها من الاحتفالات التي أحدثها المتصوفة .
الحادي عشر : الترقي في المقامات الصوفية من مريد إلى نقيب إلى وتد إلى قطب إلى غوث ... الخ وفي هذه المرحلة يتم دخول الخلاوي وربما التحول من صوفي عادي إلى صوفي ساحر كما ان بعض أولياء الصوفية مثل ابن عربي والشاذلي واليافعي وغيرهم كثير .
وأخيرا : بعدما يترقى عن كل المراتب ويصل إلى الحقيقة الصوفية يدعي الألوهية فلذلك قال ابن عربي شيخ الصوفية الأكبر : (( ولهذا جاز للواصل إليه على الحقيقة أن يقول : " أنا الحق " ، وأن يقول : " سبحاني ...... الخ )) [ ص 38 ] ، ولهذا قال من قال : أنا الله ، وقال : سبحاني سبحاني !!
هذه الأمور التي ذكرتها قد لا يتبناها كل صوفي ، ولكن بعد أن يتولى بعضها على حسب مقامه في الطريق فإذا تولاها كلها فقد جمع وأوعى التصوف كله ، وهناك أمور كثيرة تركتها للاختصار ، والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
=============
أبو عثمان
التصوف العالم المجهول