الكذب والخداع في الحرب
مع التزام المسلم بالقيم الأخلاقية في الحرب ،
أجاز الإسلام – للضرورة – الكذب في الحرب ،
وإن كان الصدق هو الأصل في التعامل في السلم والحرب .
ولكن للحرب ضرورتها ،
التي تقتضي أحياناً استعمال المعاريض .
والمراد بها :
ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف
ما يريد المتكلم ،
وقد نقل عن السلف :
إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .
وقد يقتضي أحياناً الكذب الصريح كما في حديث
أم كلثوم بنت عقبة قالت : ولم أسمعه
( أي الرسول صلى الله عليه وسلم )
يرخص في شئ مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث :
" الحرب ، والإصلاح بين الناس ،
وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "
[ رواه مسلم ، رقم (2605) ]
وقال ابن العربي :
" الكذب في الحرب من المستثنى ، جائز بالنص ،
رفقاً بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ،
ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالاً " .
بل إن الكذب في الحرب يكون أحياناً واجباً ، لا مجرد جائز ،
مثل أن يؤسر مسلم أو يعتقله عدوه ،
وهو يحمل أسراراً للمسلمين يؤدي كشفها للعدو خطراً
على الجماعة ، فهنا لا يسع المسلم إلا الكذب والتمويه .
وقد قال العلماء :
إن الكذب واجب ، فيما إذا طلب المسلمَ البريئ ظالمٌ متجبرٌ ليقتله ،
وسئل عنه وهو يعرف مكانه ،
فلا يجوز له أن يخبره به ويمكنه أن يقول غير الحقيقة
تضليلاً له ، حتى لا يؤدي إلى قتله بغير حق ،
فإذا كان الكذب واجباً لإنقاذ فرد
فكيف بالكذب لإنقاذ وطن وأمة ؟!
ومثل الكذب في الحرب :
استخدام الكيد والمكر مع الأعداء .
ففي حديث أبي هريرة في الصحيحين :
سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم :
" الحرب خدعة " .
وفيهما عن جابر بن عبد الله قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الحرب خدعة " .
و(خَدْعة) بفتح الخاء – وهي أفصح – وبضمها,
مع اسكان الدال : (خُدْعة) , وبضم الخاء مع فتح الدال : (خُدَعة)
مثل هُمَزَة ولُمَزَة .
(وأصل الخدع : إظهار أمر , وإضمار خلافه .
وفيه التحريض على الحذر في الحرب ,
والندب إلى خداع الكفار ,
وأن مَن لم يستيقظ لذلك لم يامن
أن ينعكس الأمر عليه .
قال الإمام النووي :
" اتفقوا على جواز الخداع في الحرب كيفما أمكن ,
إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان , فلا يجوز" .
وقال ابن العربي :
" الخِداع في الحرب يكون بالتعريض , وبالكمين ونحو ذلك .
وفي الحديث ما يُشير إلى ذلك بقوله :
" الحرب خدعة " ,
كأنه يقول : الحرب هي الرأي والكيد ,
وليست مجرد العدد والعدة ,
وهو كـقوله :
" الحج عرفة " .
قال ابنُ المُنير: معنى " الحرب خدعة "
أي الحرب الجيِّدة لصاحبها ,
الكاملة في مقصودها , إنما هي المُخادعة لا المواجهة ,
وحصول الظفر مع المخادعة لا المواجهة ,
وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر .
وعندما أسلم نُعيْم بن مسعود ,
والمسلمون مُحاصرون في غزوة الخَندق,
وقد غدرَ بهم بنو قريظة ,
قال له الرسول الكريم :" إنما أنتَ رجلٌ واحد ,
فخذِّل عنَّا ما استطعت " .
فقام الرجل بدور جيِّد في تخذيل المشركين واليهود ,
وضرب بعضهمآ ببعض
يتبع .