نشأة مصطلح أهل السنة
الشيخ أبو الحسن السليماني
ذهب بعضهم إلى أن أول من تكلم به ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فيما أخرجه اللالكائي بسنده عنه في قوله تعالى : (يوم تَبْيضّ وجوه وتسْوَدّ وجوه ) قال : فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولو العلم ، وأما الذين اسْوَدّت وجوههم :فأهل البدع والضلالة ا هـ ,إلا أن سنده لا يُحتج به .
ولذا فأول من استعمل هذا المصطلح ـ فيما أعلم ـ هو محمد بن سيرين ،فيما أخرجه مسلم في مقدمة صححيه بسنده إلى ابن سيرين انه قال : " كانوا لايسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم ، فيُنْظر إلى أهل السنة فُيؤخذ حديثهم ،ويُنْظر إلى أهل البدعة فيُردّ حديثهم ".
ثم تتابع الناس على استعمال هذا المصطلح :
ـ فقد قال أيوب السختياني (68 ـ131هـ) فيما أخرجه اللالكائي :"إني أُخْبَر بموت الرجل من أهل السنة ، وكأنّي أفقد بعض أعضائي " وقال أيضاً : "إن من سعادة الحَدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة ".
ـ وقال الثوري (ت161هـ):"استوصوا بأهل السنة خيراً ؛فإنهم غرباء " وقال :"ما أقلّ أهل السنة والجماعة " .
ـ وقال الفضيل بن عياض (ت187هـ):"...ويقول أهل السنة "الإيمان المعرفة والقول والعمل "
ـ وقال الإمام أحمد (164ــ 241 هـ):" ... هذه مذاهب أهل العلم ، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بعروتها ، المعروفين بها ، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يومنا هذا ........الخ ا هـ .ملخصا من "وسطية أهل السنة" (ص 41ـ ) مع زيادة مني .
ثم تعددت الأسماء لهذه الطائفة ، وكلها يدل على ما هم عليه من اعتقاد
وعمل , فمن ذلك أن يقال لهم:
أهل السنة ، وأهل الجماعة ، وأهل الحديث ـ وقال شيخ الإسلام : "ونحن لانعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه،أوكتابته، أو روايته ، بل نعني بهم ؛كل من كان أحق بحفظه ومعرفته ظاهراً وباطناً,واتباعِه باطنا وظاهرا ,وكذلك أهل القرآن , وأدنى خصلة في هؤلاء:محبةُ القرآن والحديث، والبحثُ عنهما،وعن معانيهما ، والعمل بما علموه من موجبهما ،ففقهاء الحديث أخبر بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فقهاء غيرهم ، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم ، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم ،وعامتهم أحق بموالاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غيرهم " ا هـ (4/95)المجموع.
ويقال لهم أيضاً : ـ أهل الأثر ،والفرقة الناجية ,والطائفة المنصورة ,والسواد الأعظم ،والجمهور الأكثر ـ قاله شيخ الإسلام "المجموع"(3/245) ويقال: ـ أهل العلم ، ويراد بهم أئمة السنة ، ويقال: السلف الصالح ،والسلفيون ،وأهل الاتباع ،والغرباء .
*(تنبيه):ذهب بعض الكتاب المعاصرين إلى أن أول من تسمى بأهل السنة والجماعة الاشاعرة ، ومما سبق من آثار عن التابعين ومن بعدهم ـ وهم قبل الأشعري نفسه فضلا عن أتباعه ـ يرد ذلك ويدفعه.
ويُراد بهذا المصطلح معنيان:
الأول : المعنى العام ,ويدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام إلا الرافضة ، فيقال : هذا رافضي ، وهذا سُنِّي ، وهذا هو اصطلاح العامة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :"لأن الرافضة هم المشهورون عندهم بمخالفة السنة ، فجمهور العامة لاتعرف ضد السني إلا الرافضي ، فإذا قال أحدهم : أنا سُنيِّ، فإنما معناه :لست رافضَّيا ـ "انظر مجموع الفتاوى " (3/356) .
الثاني :المعنى الخاص ، ويُراد به أهل السنة المحضة الخالصة من البدع ، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جامعا للمعنيين : "فلفظ أهل السنة يُراد به من أثبت خلافة الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة ، وقد يُراد به : أهل الحديث والسنة المحضة . فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ،ويقول : القرآن غير مخلوق ,وأن الله يُرى في الآخرة ،ويُثبت القَدر،وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة "انظر "منهاج السنة " (2/163) ا هـ ملخصا من "وسطية أهل السنة (ص47).