والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الأطهار الغر المحجلين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
هذه هي قصة والدي رحمه الله رحمة واسعة حيث عاش طالبا للحق متمعرا وجهه من البدع والمنكرات والقيل والقال وكل مايخالف شرع الله تعالى حتى هداه الله وفتح قلبه وأناره فكان مكبا على وجهه يدعوا الله ليلا ونهارا وكان قلبه متعلقا بالمسجد والخضوع بين يدي الله سبحانه وتعالى وكان يتلذذ بالسير على أقدامه لربه لعل أن تكتب خطاه في موازين حسناته كان حينما يعود للبيت يقرأ من المصحف مايطفئ ضمئه لكتاب ربه وكان يحب عمل الخير وخير العمل قليل الكلام حتى يشك من يجالسه أنه أبكم لايتكلم ولكنه حينما يتكلم يتكلم بكلام موجز ذوفائدة جمة , لايحب مجالسة من يأكل لحوم الناس ويمقت أهل النميمة متعفف يكره أن يمد يده للناس إلحافا يقوم ليله ويصوم نهاره ويحب مجالسة أهل العلم يذهب للمسجد قبل موعد الصلاة بنصف ساعة ويخرج منه بعد نصف ساعة لسانه يلهج بالدعاء والإستغفار,, كان في ليلة شاتية ماطرة من صلاة الفجر خرج إلى المسجد وكان الطريق مملوء بالماء الغزير وكان يخوض فيه برجليه رافعا ثوبه لركبتيه لحقته بمركبتي وطالبته بالصعود وترجيته ولكنه أبى وقال لالالا دعني أخوض في غمار الماء فأريد الأجر من ربي وأريد أن تكتب خطواتي في موازيني فنزلت معه أقوده للمسجد وكان لسانه يلهج بذكر الله وحينما رأى المسجد قد خر من الماء سقفه دمعت عيناه على بيت الله.
وفي ليلة من الليالي مرض مرضا شديدا وأوعك وعكا موجعا ألزمه الفراش وكان يريد أن يذهب للمسجد ولكن قواه لاتتتحمل من شدة المرض وكانت عيناه دمع دموعا غزيرة كأنه فجع في أبن له من شدة تعلقه بالمسجد حتى عافاه الله فأخذ يعتكف في المسجد لمدة أسبوع وهو ذو الثمانين عاما وحينما داهمه المرض الذي بسببه فقد الذاكره كان يؤذن ويصلي في أي قبلة وكنت لا أراه إلا راكعا لله ثم دخل في غيبوبة تامة وألزم المستشفى وكنت أرى لسانه يلهج بالدعاء والقرآن فسألت الدكتور المختص وكان طالب علم عن أبي هل هو في غيبوبة م أنه يعي ماحوله قال لي بل هو في غيبوبة تامة فقلت له فكيف يقرأ القرآن ويدعو الله ولسانه رطب بذكر الله قال لي ذلك ماوقر في قلب أبيك وما أشرأب له قلبه وتشرب له فؤاده فعند الغيبوبة وفقدان الذاكرة يكون المتحكم باللسان القلب والقلب هو الصندوق الذي تملأه ببضاعتك التي تضعها فيه في حياتك وأنت واعي.
وحينما أتت ليلة السابع والعشرين من رمضان قبيل صلاة المغرب من يوم الإثنين وأنا عند رأس سريره أترقب آذان الإفطار وعند رفع آذان المغرب وحلول تنزل ملائكة الليل ووجود ملائكة النهار إذا بي أرى جهاز نبضات القلب يتوقف فذهبت وكلي يقين بموته رحمه الله إلى الدكتور المناوب فأخبرته بالأمر فقال لي رحم الله أباك لقد أنتقل إلى الرفيق الأعلى فنظرت أليه فإذا بوجهه أبيضا براقا مبتسما وإذا بإصبعه السبابة ممدودة فوق الأصابع الأخرى معلنة كلمة التوحيد فحملناه إلى الجامع فصلى عليه جمع غفير من الناس وكبر أهل الجامع (الله أكبر طوبى له يالها من خاتمة حسنة)وحملت نعشه الأيدي وذهبنا به إلى المقبرة وحينما ووري الثرى أسقانا الله مطرا غزيرا جدا منعني أنا وبعض الأحبة من الجلوس عند قبره فلملمنا متاعنا وذهبنا أدراجنا عائدين بعد أن أخبرنا ذلك الشيخ الوقور أن المطر رحمة وأن أبواب السماء تتنزل بالبركات وأن السماء والأرض تبكي إذا فقدت الأعمال الصالحة من أهل الخير.
ولقد أخبرني أكثر من واحد من أهل العلم أنه رأى أبي وهو في روضة من رياض الجنة وكان آخرهم ذلك الشاب الصالح الذي أخبرني أنه رأى رؤيا صالحة في أبي رحمه الله وأنه أراد الدخول عليه في الروضة الغناء فمنع وقيل له أنك لازالت فيك نفس تطرخ في الدنيا ولم يحل موعدك بعد وأخبر فلانا(طالب علم ورجل صالح من أهل الدعوة) أنه سوف يكون ضيفا علينا بعد هلالين وكان فعلا فبعدازوال الهلالان إلا ويأتينا خبره أنه أنتقل إلى جوار ربه في وهو عائدا من صلاة الفجر وبعد أن أخذ غفوة كان صباحها الدار اللآخرة.
(لاتنسون أبي من صالح دعائكم)
كتبه أخوكم في الإسلام
إبي هريرة اليامي