العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة > التعريف بالكتب الصوفية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-05, 05:03 AM   رقم المشاركة : 1
ابو عساف
عضو فعال






ابو عساف غير متصل

ابو عساف is on a distinguished road


مقدمة كتاب الموفي بمعرفة التصوف والصوفي / مفيدة جدا

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب نادر في نقد الصوفية اسمه: الموفي بمعرفة التصوف والصوفي.
تأليف: الإمام كمال الدين أبي الفضل جعفر بن ثعلب الأدفوي المصري (685-748هـ).
حققه وقدم له وعلّق عليه: الدكتور محمد عيسى صالحية.
مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع- الكويت.
- تمهيد:
شهد القرن الثاني الهجري ظهور الحركة الصوفية، حيث بدأ إعراضُ الناس عن السبيل السويّ من مراقبة الله وخشيته وذكره في السِّرّ والعَلن والزهد في الدنيا. فقد هالَ جماعة الصالحين تكالبُ الناس على الدنيا.
واستياقهم للانهماكِ في الملذات والملاهي، فانتحوا جانبا متجهين إلى الحقِّ سبحانه، متبتلين يتلون كتاب الله ويقومون الليل تهجدا وتهليلا بالسر والعلن.

وأخذ جماعة من هؤلاء على أنفسهم تبيين السلوك العملي للصوفية، فوصف المحاسبي في كتابه"الرعاية لحقوق الله تعالى" سلوك الصوفية باسلوب علمي.
وكانت مسالك الصوفية حتى القرن السادس الهجري بصورة عامة قريبة إلى الزهد، مع ما خالطها في بعض الأحيان من ابتعاد عن جادة الصواب.

غير أن الأحداث الجسام التي تعاقبت على الدولة الإسلامية منذ أواخر القرن السادس الهجري وأوائل القرن السابع الهجري، أوجدت ردة فعل معاكسة، فانصرف بعضهم عن الحياة وشؤونها ومالوا إلى التواكل، وغدا الزهد في أعرافهم نوعا من اللامبالاة يصل لدرجة الخنوع.

لقد كانت البداية حين عقد الأيوبيين العزم على التصدي للتيار الشيعي إثر إنهيار الدويلة الفاطمية، إذ أنشأ الأيوبيين العديد من المدارس ودور الحديث في مصر والشام واستدعى علماء وفقهاء السنة ليقوموا بدورهم في تلك المؤسسات، فأصبحت مدن إسلامية كثيرة مثل الأسكندرية والقاهرة وقوص وأسيوط والقدس وحلب ودمشق وطرابلس مراكز نابضة لعلوم السنة والفكر السني.

ثم جاءت الهجمة الصليبية الشرسة لتضيف أعباء أخرى، حيث ألقت بكاهلها على صلاح الدين، فعمل على تثبيت عروبية وإسلامية البلاد التي كانت مطمع الغزاة الجدد، فأقام الخوانق والربط والزوايا والتكايا، إضافة إلى المساجد والمدارس ودور الحديث والبيمارستانات، وكان هدف صلاح الدين من وراء ذلك النهوض بالشعور الديني عند المسلمين، ورفع استعدادات الأمة الغسلامية لمقلومة الأخطار التي تهددها.

واحتل جماعة من الناس تلك الأماكن، امتهنوا الذكر وقراءة القرآن . وسلكوا السبيل القويم، وكانوا نماذج خيرة للأتقياء والعبَّاد. ولكن تلك الأماكن ما لبثت أن أصبحت ملجأ وملاذا لكل طالب راحة، حيث يجد فيها ضالته من من الطعام واللباس والشراب دون عناء يذكر، وتلا ذلك ازدياد أعداد المنتظمين في سلك الصوفية، لا سيما بعد تضخم عدد الخانقات والرُّبط والزوايا والتكايا، ومبالغة الناس في حبس الأوقات عليها، وتباري السلاطين والأمراء والأغنياء في تقديم الأموال والهدايا لمرتاديها، فسهلت حياة المتصوفة ونعموا بعيشة مترفة باذخة، قادت إلى تفشي البدع فيما بعد.

وإزاء ذلك فقد كثر إتساع التصوف بقصد التعيّش، فأمَّ العديدون الخانقات ولبسوا الصوف وحلقوا الرؤوس. ولكنهم لم يتخلقوا بأخلاق الزهاد والصوفية، وغدا الصوفي على الأغلب، رجلا أكولاً كثير الفضول يضرب بتطفله المثل، فقالوا:"نعوذ بالله من النار، ومن الصوفي إذا عرف باب الدار". وفي وصف آخر لحالهم بأنهم:"أكلة، بطلة، سطلة، لاشغل لهم ولا مشغلة".

وعرّف كثير من الفقهاء جماعة المتصوفة بأنهم رجال يظهرون الإسلام ويبطنون فاسد العقيدة، في أرجلهم جماجم وعذباتهم من قام.

ومما زاد في تكالب جماعات من الناس على الانضواء في سلك الصوفية، وقوع الهجمة التترية المغولية المدمرة على العالم الإسلامي، وما أورثته في النفوس من شعور بالمرارة وخيبة الأمل وما اتصف به ذلك العصر من شظف في العيش نتيجة القحط والجذب فاستدامت المجاعات وانتشرت الأمراض السارية كالطاعون والجدري وغير ذلك من الأمراض الفتاكة.
ووجد هؤلاء في الخانقات بسطة في العيش وسعة في الحال، بل وترفا في المأكل والمشرب والملبس، ذلك أن العديد من المصالح والمنشآت كالبساتين والدكاكين والحمامات والأسواق قد وقفت على الصوفية، فخانقاه سعيد السعداء بمصر التي انُشئت سنة569هـ = 1173م، أوقفت عليها جملة من المصالح لينفق من ريعها على فقراء الصوفية، من جملتها بستان الحبانية وقيسارية شراب، وكان يخصص لكل صوفي فيها ثلاثة أرغفة زنتها ثلث رطل في مرق، ويعمل لصوفيتها الحلوى كل شهر ويفرّق عليهم الصابون.
أما صوفية خانقاه ركن الدين بيبرس فقد ألحق بها مطبخ، يوزع منه على المجاورين اللحم والطعام وثلاثة أرغفة كل يوم إضافة إلى الحلوى ، ولصوفية خانقاه شيخو علاوة على ماذُكر، الزيت والصابون.

أما صوفية خانقاه سرياقوس فلهم كل سنة ثمن كسوة وتوسعة في كل رمضانوالعيدين والمواسم، فوق ماكان لهم من طعام شهي وخبز نقي إضافة إلى حلوى وزيت الزيتون والصابون وثمن الفواكه، هذا عدا مافي الخانقاه من سكر وألوان من الشراب وأنواع الأدوية.

كما ألُحق بالخوانق الحمامات والمطابخ والمدافن ، ومدت أرضيتها بالفرش وآلات النحاس والكتب والقناديل وغيرها من الأدوات النفسية، التي لا يقتنيها إلا الملوك والأمراء.
إن من يطلع على وقفيات الخوانق والزوايا والأربطة يدرك مدى العبء الاقتصادي الذي عاناه المجتمع بسبب ضيق القاعدة التي تستفيد من المصالح الاقتصادية المحبوسة على الصوفية دون غيرهم من شرائح المجتمع.

وكدليل على حياة البذخ والترف التي نعم بها الصوفيون، نقدّم أنموذجين لسماعين عقدا في مصر والشام سنة 659هـ=1261م .

" قال المولى قطب الدين-رحمه الله-: حكى لي بعض الناصرية، قال: لما دخلنا الدِّيار المصرية، اتفق أن بعض أكابر الأمراء عمل سماعا، عنده، فلما كان عشاء الآخرة، مضى ونحن معه-جماعة من مماليكه وخواصه-إلى دار الأمير، فلما دخل وجد جماعة من الأمراء جلوسا في إيوان الدار، وجماعة من الفقراء في وسط الدار، فوقف، ولم يدخل وقال لصاحب الدار: أخطأتم فيما فعلتم،كان ينبغي أن يقعد القراء فوق وأنتم في أرض الدار، ولم يجلس حتى تحول الفقراء إلى مكان الأمراء، والأمراء إلى مكان الفقراء، وقعد هو ونحن بين الأمراء، فلما غنّى المغني، قام أحدهم والدف بيده يستعطي، وهذه كانت عادة المغاني في الدُّيار المصرية، فلما رآه الأمير جمال الدين انتهره، وقال: والك ".

وتمضي الرواية في شرح حال الصوفية وهم يرقصون ويجمعون النقود من الذهب والفضة من الأمراء، ثم أكلهم مالذ وطاب من المطعم والمشرب.- ا هـ حبيب الزيات: ليلة رقص وسماع أميرية للفقراء – وانصرافهم فرحين جذلين.

كما أورد قطب الدين اليونيني في "ذيله" على "مرآة الزمان" لبسط ابن الجوزي عرضا دقيقا، وصف فيه إحدى تلك الليالي الراقصة، جاءت في ترجمة لاجين بن عبد الله حسام الدين الجوكندراي (ت 662 هـ/63-1264م ).

حيث قال: "....وكان له في الفقر والصالحين عقيدة حسنة، ويكثر من الإحسان إليهم والبر بهم، وافتقادهم بالنفقة والكسوة وغير ذلك، وكان يعمل لهم سماعات، ويحضر فيها من المآكل والمشارب والأراييح الطيبة والشموع مايبهر العقل ويتجاوز الحد، فكان يقدر ما يغرمه على السماع الواحد تقريبا ثمانية آلاف درهم....إلخ .- ا هـ اليونيني:"ذيل مرآة الزمان" ص 112-113 .

ويمضي اليونيني في وصف ليلة سماع حضرها هو بنفسه في دارة لاجين الكائنة بالعُقَيبة بدمشق أواخر 659 هـ ، ذلك أن الدار أضيئت بالشموع الكافوية في أنوار (شمعدانات) الفضة، والمطعمة بصنوف الجواهر والأحجار الكريمة.

حتى إذا قضيت صلاة المغرب مدَّ للفقراء سماطا اشتمل على قريب مئة زبدية عادلية، في كل زبدية خروف صحيح رضعي، وحوالي ثلاث مئة زبدية في كل واحدة ثلاثة طيور دجاج وغير ذلك من أنواع الطعام، وبعد العشاء وإتمام الصلاة شرع الحاضرون في الغناء والرقص، حتى إذا ما تعبوا مدَّ سماطا من الحلوى والقطائف الرطبة والمقلوة المصنوعة بالسكر المصري والفستق والمسك ثم رقصوا وغنوا جميعا، ومن ثم مُد سماطا عظيما من الفواكه النادرة في غير موسمها من سفرجل وتفاح وكمثرى ورمان وبطيخ، وبعدها عادوا إلى الرقص والغناء ، ومن ثم مَدَّ سماطا من الكسرات على أنواعها من قصب عراقي وفستق وبندق وزبيب، والكعك المحشو والخشكنان (أقراص من الدقيق والحلوى) ، والبقسماط وغيرها، وكان شرابهم مصنوعا بالثلج والسكر وماء الخلاف (نوع من الصفصاف المصري المستقطر) ، وماء الورد إضافة إلى المباخر المعمرة بالند والعنبر والعود الهندي حتى إذا كان وقت السحر دخلوا حماما مجاورا لدار لاجين، فاستحمّوا وأُلبسوا القمصان والثياب الجدد، وبعد الحمام عادوا إلى الدار فأُشربوا الأشربة التي تناسب الحمام، ومن ثم مد لهم سماطا من الحلوى الساخنة، وبعدها ينصرفون.

ولتقدير حالة الناس آنذاك فقد علّق اليونيني على وقوع هذا السماع، بأنه أقيم، والناس في ضنك، فغرارة القمح بدمشق ثمنها ثلاث مئة درهم، ورطل اللهم بالدمشقي ثمنه سبعة دراهم، والدجاجة ثمنها ثلاثة دراهم. وجميع الأشياء غالية جدا.

فانظر أي ترف ورخاء، عاش في صوفية ذلك العصر؟
ولم يقتصر دور الصوفية على التخريب الاقتصادي، بل تعداه إلى التأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال تغلغل الحركة من خلال العامة والخاصة، ومن ثم فإن الدولة اعترفت بمؤسسات الصوفية وقربت مشايخ الصوفية، حتى إن السلاطين كانوا يفاخرون ببناء الأربطة والخوانق والزوايا لجماعة الصوفية، لاعتقادهم أن بإمكان الفقراء المتصوفة الإتيان بالخوارق، وكشف الضّرّ عن السلاطين، والادعاء بالمكاشفة ومشاهدة الحق .- ا هـ الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف ص 16 - .
ولذا فإن فقراء الصوفية كثيرا ما دعوا ليرفعوا الضَّرر عن مصاب، أو ليدعوا بالعافية لمريض .

وقد بلغ من تأثير شيخ شيوخ خانقاه سعيد السعداء أن نجح في إبعاد ابن تيمية عن مصر إلى الشام 707 هـ - 1307م
حيث حُبس في الشام بدعوة تكلمه على مشايخ الطريقة، وكان شيخ سعيد السعداء قد جمع فوق خمس مئة صوفي من صوفية الخانقاه وسار بهم في تظاهرة إلى القلعة وكانت جماعات غفيرة من العامة قد انضمت إلى المظاهرة، وفي القلعة شكوا للسلطان ابنَ تيمية، الذي أحالهم بدوره إلى القاضي الشافعي فدفعهم عنه إلى تقي الدين علي بن الزواوي المالكي، والذي أصدر بدوره الحكم الذي أشرنا إليه. – ا هـ ابن طولون: مفاكهة الخلان ج1 ص 21 –

وفي دمشق أيضا عُنِّف ابنُ رمضان الشاهد، لأنه تكلم في حقِّ الفقراء وضُرب حتى طلب التوبة والاستغفار.

بل إن الصوفية كثيرا ما قاموا بإراقة الخمور والبوزة لأنها محرمة على غيرهم، وقد يخرجون إلى الشوارع لإطلاق سراح أحدهم من السجن، وأمورا أخرى كثيرة .
وسدر الصوفية في مفاسدهم، حتى إن بعضهم أفتى بحرام الكسب إلا عند الضرورة، لأن الكسب في عرفهم ينفي التوكل على الله أو ينقص منه، وقدم أمرهم الله بالتوكل، ورزقهم في السماء وما يوعدون. – ا هـ الشيباني: الكسب ص 37 –

ثم إن بعض الصوفية كانوا لا يقيمون الصلاة أبدا، مدَّعين أنهم لا يقومون بأدائها إلا في الأماكن المقدسة فقط.- ا هـ الشعراني اليواقيت والجواهر،1/125 –

لقد عمَّ الفساد حياة الصوفية في عاداتهم وأخلاقهم ورسومهم وسننهم وملابسهم ومشاربهم ومآكلهم، واشتهر المتفقرون من المتصوفة بالجشع في الأكل والشرب، والولع بالرقص والتهافت على السماع والغناء .

حيث قال فيهم الشاعر الطاهر: [الوافر]

أرى جيلَ التصوف شـرَّ جيلِ**** فقل لهمُ وأَهونْ بـالحـلـولِ
أقالَ اللهُ حـين عـشقتـمـوه**** كلوا أكل البهائم وارقصوا لي

- ا هـ وردت الأبيات في النص المنشور من رسالة ابن القارح، علي منصور الحلبي، الذي كان معاصرا لأبي العلاء المعري، والتي جاءت رسالة الغفران ردا على رسالة ابن القارح لأبي العلاء، وقد جاء في الشطر الأول من البيت الثاني: أقال الله حين عشقتموه ولعله الأصوب، لأن الصوفية تعشق بينما العبادة لكل البشر، انظر: أبو العلاء المعري: رسالة الغفران ومعها نص محقق من رسالة ابن القارح، د. بنت الشاطئ، ط. السادسة، دار المعارف، 1977 ص 36-37، بنت الشاطئ: جديد في رسالة الغفران، ط بيروت 1972، ص 51 - .

وعليه فإن أبرز مظاهر الفساد في حياة المتصوفة علاوة على ماذكر، يمكن إيجازها بما يلي :

أولاً. السماع والرقص:
والسماع عند الصوفية، ليالي تعقد، فيها ينشدون وبرقصون، وفي عرفهم أن السماع بولد حالة في القلب تسمّى بالوجد، وهذا بدوره يحرك أعضاء البدن، فإن كانت الحركات غير موزونة كانت إضطرابات، وإن كانت موزونة فحينئذ تكون تصفيقا ورقصا. – ا هـ الغزالي: أحياء علوم الدين،2/236, ابن الجوزي: تلبيس إبليس 267 - .
ويبدو أن نوعا من الهوى والغلبة قد سيطرا على الصوفي، فإن سمع غناءً أو إيقاعاً بقضيب، تواجد وصفق وربما مزّق ثيابه ورماها .- ا هـ إبن الجوزي: تلبيس إبليس،247،250،260 -.

وقد أنكر عليهم جماعة من العلماء مثل هذا السلوك الشائن، وصنفوا الكتب ووضعوا القصائد في ذم سلوكهم، فالإمام موفق الدين، عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي وضع رسالة في ذم ما عليه مدّعو التصوف من الغناء والرقص والتواجد وضرب الدّف وسماع المزامير، ورفع الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكرا وتهليلا، بدعوى أنها من أنواع القُرَبِ إلى الله تعالى .

وهجاهم كثير من الشعراء مثل شدَّاد بن إبراهيم الملقب بالطاهر الجزري، والعميد أبو محمد، عبد الله، أحمد بن إبراهيم الزواوي الكاتب، وظهير الدين قاضي السَّلّاميَّة ت 610هـ=1213م .
الذي هجا مكي شيخ زاوية الفقراء بالبوازيخ، البليدة القريبة من السَّلّاميَّة، فقال:[المتقارب]

أَلا قُـل لِمَكّي قَـوْلَ النَّصُـوحِ**** فَحـقُّ النصيـحة أن تُستَمَعْ
متى سمـع النّـَاسُ في دِيِـنهم**** بـأَنَّ الغـِنـا سُنـّةٌُ تُتَّـبعْ؟
وَأَنْ يَـأْكُلَ المـَرْءُ أَكلَ البَعِيْـرِ**** وَيَرْقُصَ في الجَمْع حتَّى يَقَعْ
وَلـَوْ كَانَ طاوي الحَشَـا جائعاً**** لمـا دار من طَرَبٍ واسْتَمعْ
وقَـالوا سَكـُرْنا بحـبُّ الإِلـهِ**** وَمـَا أسْكَرَ القَوْمَ إلا القِصَع
كـذاك الحميـرُ إذا أخصـْبتْ **** يُنَقـّزهـا ريّـها وَ الشَـبَعْ

ثانياً. مصاحبة المرد والأحداث:
إستحل بعض الصوفية كل المحرمات والكبائر، وتظاهروا بالفسق والفجور والمخازي، فليلة الماشوش تتم علانية عند متصوفة شيراز(1). وقد روى خبرها التنوخي في نشوار المحاضرة، - ا هـ مجلة المجمع العربي بدمشق، العدد17ص261-262 – ذلك أن ابن خفيف البغدادي، شيخ متصوفية شيراز، وقدمات رجل صوفي من أصحابه، وخلف زوجة صوفية، فاجتمع النساء الصوفيات يعزينها، حتَّى إذا انتهت مراسيم الدفن، وصل ابن خفيف الدار وأخذ يعزي المرأة بكلام من كلام الصوفية إلى أن قال: أعزبت.
قال لها: ها هنا غير(2).
فقالت: لا غير(3).
فقال: فما معنى التزام النفوس آفات الهموم وتعذيبها بعذاب الغموم؟ ولأي معني تترك الامتزاج(4)، لتلتقي الأنوار(5)وتصفو الأرواح وتقع الاختلافات وتنزل البركات. فقالت النساء: إذا شئت .

فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم، فلما كان سحراً خرجوا، ويبدو أن ذلك الحادث قد وقع في اليوم الأول من الصوم، أو الأحد الأول من الصوم حسب رواية الشابشتي في الديارات(6)، وأصبح ذلك اليوم إحتفالاً لهم يختلط فيه الرجال مع النساء.

وقد أشار ابن الجوزي إلى أن صوفية عصره قد سدُّوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب، لبعدهم عن مصاحبتهن وامتناعهم عن مخالطتهن، واشتغلوا بالتعبد عن النكاح. واتفقت لهم صحبة الأحداث على وجه الإرادة وقصد الزهادة(7) .

ويقرر ابن الجوزي أن آفة الصوفية في عصره في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد(8)، ولم يقف البلاء عند هذا الحد بل تعداه لإضفاء مشروعية ذلك للمتصوفة، فقد صنف أبو الفضل محمد بن طاهر، المعروف يابن القيسراني الشيباني ت507هـ=1113م رسالة في إباحة السماعة والنظر إلى المرد(9) . واشتهر من المتصوفة بالتهتك والاستباحة خضر الكردي شيخ الملك الظاهر بيبرس، والشيخ أبي الحسن الحريري، وسليمان بن المولّه المجذوب.
وكان علي الحريري أكثر المتصوفة تهتكاً في معاشرة الأحداث" فكان من وقع نظره عليه من الأحداث وأولاد الجند والأمراء وغيرهم يحسن ظنه فيه ويميل إليه، ولا يعود ينتفع به أهله، بل يلازمه ويقيم عنده، إعتقاداً فيه وميلاً إليه"(10)

ومع أن ظاهرة مصاحبة المُرد والأحداث والمخنثين كانت واضحة في العصور العباسية المتأخرة، فقد اشتدت في عصر المماليك وذلك إثر قدوم طائفة من الأويراتية التترية(11)، المشهورين بالجمال سنة 695هـ=1295م.

ــــــــــــــــــــ
(1)انظر الزيات(حبيب): كتاب الديارات في الجزء الأول من مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري . مجلة المشرق 42: 1948 ، 297 .
(2)أي هل يوجد هنا من هو غير صوفي.
(3) لايوجد من يخالف.
(4)كناية عن الوطء.
(5)أي النور الإلهي.
(6)وردت عند الحديث عن دير الخواص ص93، وانظر ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار، 1/280-282(تحقيق أحمد زكي باشا).
(7)ابن الجوزي: تلبيس إبليس،ص 265 .
(8)المرجع السابق،ص 276 .
(9)الشعراني: الطبقات الكبرى، 2/129 .
(10)الدلجي: الفلاكة،72 ، ابن الفوطي: الحوادث الجامعة،325 .
(11)قبائل مغولية سكنت الجزء الأعلى من خط نهر venessei بأواسط آسيا.
وانتشارهم في مصر والشام، ومن ثم دخولهم في خدمة الأمراء المماليك، وتنافس أمراء المماليك على اقتناء صبيانهم وبناتهم، ومن تبقى من هؤلاء الأويراتية بعد ذلك انخرط في الجيش ، وتفرقوا في الممالك لتنتشر معهم المفاسد، ووجدت جماعات من الصوفية فيهم ضالتهم ، فبالغوا في إضفاء مشروعية صوفية على فعلتهم النكراء، وقد أورد لنا الشعراني- أحد كبار متصوفة القرن العاشر الهجري –خبر الصالح محمد بن عراقي، الذي كان لا يمكّن ابنه علياً من الخروج إلى السوق، حين كان أمرد إلا أن يُبَرقَع خوفاً عليه من السوء والفتنة(1).

ولم يقف الأمر عند المرد والأحداث بل تعداه إلى سواه من البهائم والحيوانات، فقد كان الشيخ الصوفي علي وحيش (ت917هـ/1511م) كثير الاعتداء على البهائم والأتن(2).
لقد كان هذا من التصوف استهزاءً بالأديان، وبعداً عن جادة الزهد والعبادة، وتهتكاً، حتى استحق صوفية القرون التالية للقرن السادس هجري، لقب "الفقراء المخربين" ، لأنهم يناقضون السنن و العادات ويخرجون عن الآداب والشرائع(3).

ثالثاً. تعاطي الحشيش:
دأب عدد من الصوفية على تعاطي الحشيشة، بدعوى أنها تذهب الهموم الكثيفة عن قلوبهم، وتجلو بفعلها أفكارهم الشريفة.
وليس بين أيدينا نص موثوق حول كيفية دخولها إلى العالم الإسلامي، فقد تعددت الروايات حولها، فبعض الروايات تنسبها إلى الهندي بيرزطن الذي حملها معه من الهند إلى فارس في القرن الأول الهجري، ومن ثم انتقلت بواسطة جماعة القلندرية الذين كانوا ينتظمون في سلك الصوفية، وقد حلقوا الرؤوس والحواجب والشوارب(3).
ورواية أخرى تنسب كشفها إلى الشيخ حيدر ت618هـ=1221م، والذي جعلها وقفاً على رفاقه من متصوفة خراسان، وأوصى أن يزرعوها على قبره بعد وفاته، ومن ثم انتقلت إلى بغداد فالشام ومصر، ومن الجدير بالذكر أن جماعة الحيدرية قدموا إلى دمشق بعد سنة 655هـ=1257م، وعلى رؤوسهم طراطير، ولحاهم مقصوصة، وشواربهم بغير قص، وبنوا لهم زاوية خارج دمشق، ومنها وصلوا إلى مصر(4).
وقد تغنّى شعراء الصوفية بمحاسن الحشيشة، وأطلقوا عليها عدة أسماء مثل حشيشة الفقراء، ومدامة حيدر، والقلندرية .
وكان شاعرهم محمد بن علي بن الأعمى، أكثر الشعراء لهجاً بمزايا الحشيشة، فقال:[الطويل]

دع الخمر واشرب من مدامـة حـيـدر**** معنـبرة خضـراء مثل الزبـرجد
يعاطيكَها ظبـيٌُ مـن الـتـرك أغـيد**** يميسُ على غصنٍ من ألبانِ أمـلدِ
فتحـبسـها في كـفّـه إذ يـديـرهـا**** كرقـم عذار فـوق خـدِّ مـورَّد
يرنحـها أَدنـى نـسـيم تـنـسَّمـت**** فتهفـو إلى بردِ النَّسـيم المردود
وتشدو على أغصانها الوُرقُ في الضحى**** فيطربـها سجعُ الحمامِ المـغرّدِ
هي البِكـرُ لَـمْ تُنْكـَح بماءِ سـحـابةٍ**** ولا عُصرتْ يوماً برجـلٍ ولا يـدِ
ولا عبثَ القسيـس يـومـاً بكـأْسـها**** ولا قرَّبـوا مِنْ دنّـها كلَّ مقـعدِ
ولاَ نـصَّ في تحريـمهـا عندَ مـالكٍ**** ولا [هـي]عند الشـافعيّ وأحـمدِ
ولا أثبت النُّعمـانٌ تنجـيسَ عيـنِـها**** فخُـذها بحـدّ المشرفي المهـنَّد
وكُف أكفَّ الهـمّ بالكيـف واسـترح **** ولا تطرحنَّ يومَ السرورِ إلى غـدِ

لقد أدخل الصوفية الحشيشة إلى العالم الإسلامي منذ القرن السادس الهجري ، ولا زالت أمتنا تعاني من آثار هذا المرض الاجتماعي حتى اليوم .

رابعاً. الإدعاء بالإتيان بالإتيان بالخوارق والكرامات:

عمَّ بين الصوفية اعتقاد، بأن الإنسان إذا ارتاض وجاهد في العبادة، فإنه قد يلتحق بالملائكة الكرام حتّى يطير في الهواء ويمشي على الماء، فبالرياضة حسب اعتقادتهم ينسلخ الصوفي بالكليَّة عن الحظوظ البشرية، وهذا الاعتقاد في أساسه، اعتقاد البراهمة (5). ولكنه شاع عند الصوفية، وكانوا يحرصون على نشر الأخبار التي تروي طيران أحدهم في الهواء، فالشيخ أبو يوسف، صفي الدين الحسين بن جمال الدين الأنصاري الخزري" ارتفع بجلسته إلى العلو قدر
ــــــــــــــــــــ
(1)الشعراني: لواقح الأنوار، 2/257، زكي مبارك: التصوف، 1/257.
(2)الشعراني: الطبقات الكبرى،2/129-130.
(3)ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات، 2/112.
(4)المقيرزي: السلوك، ج1، ق1، ص407.
(5)المقيرزي: الخطط،3/40.


قامتين، ودار وسع المجلس الذي كان الصوفية فيه، ثم نزل إلى موضعه !!"(1)
وقد أنكر ابن تيميّة على صوفية الأحمدية ما تفعلونه من دخولهم في النيران المشتعلة، وأكلهم الحيّات، ولبسهم الأطواق الحديدية في أعانقهم، وتقلدهم بالسلاسل على مناكبهم، وعمل الأساور الحديد في أيديهم(2) وغيرها من الخوارق.
لقد حفلت القرون من السابع الهجري إلى العاشر الهجري بأخبار كرامات وخوارق هؤلاء الصوفية حتى غدت أمرا مصدوقا، يتعرّض من كذّبه إلى التعزير والإيذاء، وانسحبت آثار ذلك على العصور التالية، وخاصة في العهد العثماني، حين أصبحت الطرق الصوفية واسعة الانتشار، كثيرة الأتباع .
كانت الصوفية في ذلك العصر شراً أصاب المجتمع، وإفساداً للقيم والآداب وتخريبا للشرائع والسنن، وقد عيّر كل من فتح الدين ابن سيد الناس، وصلاح الدين الصفدي عن حال الصوفية بعبارات مقنعة، تعكس واقع حال المتصوفة، فالشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن سيد الناس يقول فيهم: [الخفيف]

ما شروط الصوفي في عصرنا اليو**** م سـوى ستـة بغـير زيـادة
وهي....* العلوق والسكر والسطْـ**** ـلة والرقص والغنا والقيـادة
وإذا مـا هـذى وأبـدى اتّحـاداً**** وحلـولاً من جهـله وأعـاده
وأتـى المنـكراتِ عقـلاً وشرعاً**** فهو شيـخُ الشُّيوخ ذو السِّجَّادَة**


كما وصف الصفدي هيئة أحد رجال الصوفية، فقال:
"شيخ مسن فقير، حرفوش، مكشوف الرأس، منفوش الشعر، عليه دلق رقيق، بالي الخلقة رقيق، قد تمكن منه الوسخ ونبت فيه ورسخ، قد جمعه من عدة رقاع، له مدفأة يستدفئ بنارها"(4)

تحليل مادة الرسالة التي ننشرها:
ناقشت الرسالة، مسألة اقتصادية مهمة، وهي هل يصح الوقف والوصية للصوفية أم لا؟ ذلك أن عددا كبيرا من مصالح البلدان، كالدكاكين والحمامات والأسواق والبساتين والقرى الفلاحية والطواحين والمعاصر وغيرها، كانت توقف على صوفية خانقاه أو يوصى بإنفاق ريعها على جماعة صوفية معينة، وبالتالي فإنه لايستفيد من هذه المصالح إلا حفنة من المجتمع حظيت بخيراته وهباته، بل وأثرت في مجرى الأحداث السياسية والاجتماعية في الأمة، فغدت هي المتنفذة المقربة من أُلي الأمر، بل إن أُولي الأمر أنفسهم باتوا يخشونهم، فتزلفوا لهم بالمبالغة في إكرامهم وإغداق الأموال عليهم.
لقد شكل هؤلاء الصوفية عبئاً ثقيلاً على اقتصاد المجتمع، وأُرهِق الأهالي والفلاحون بتوفير احتياجاتهم طمعاً في إرضائهم ونيل دعواتهم، وانعكست الأهداف وغرق الصوفية في المفاسد والإفساد، وسيروا الحياة الاجتماعية وفق ما يرغبون، وطغى هيلمانهم، واستفحل تأثيرهم، فقام جماعة من العلماء وأخذوا على عاتقهم تنبيه المجتمع لحالة التردي التي وصلت إليها الحركة الصوفية، وذلك من خلال إيقاظ الأحاسيس بأصول الصوفية

ــــــــــــــــــــ
(1)صفي الدين الخزرجي: سير الأولياء، 30،مأمون محمود ياسين وعفت وصال، ط بيروت.
(2)المقيرزي: السلوك، ج2 ق1 ص 16.
* كلمة فاحشة بذيئة.
(3)المقيرزي: الخطط، 2/424، ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات3/287.
(4)سلام: الأدب في العصر المملوكي، ج1 ص203.







التوقيع :
اللهم انصر المجاهدين في دولة العراق الإسلامية وفي أفغانستان والصومال والشيشان وفلسطين.. ومكن لهم .
http://www.ojqji.net/up_vb/0507/092901034e.jpg
من مواضيعي في المنتدى
»» حسن نصر الله ان تكونوا تقلقون فانهم يقلقون كما تقلقون وترجون من الله ما لا يرجون
»» بدعة المولد ومظاهرها الوثنية لعبد الرحمن الوكيل رحمه الله
»» هل ستمر قضية الإساءة للرسول الكريم كما مرت قضية تنديس المصحف في سجون جوانتامو ؟
»» عندما يصرخ اللبنانيون"أين رجال القاعدة"!
»» المحرمات أحلّت لحزب اللات .. على هامش اغتصاب بيروت [ أحمد موفق زيدان ]
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "