قبل الحدث
اجواء مشحونه
لقد عصفت بالساحة العراقية قبيل أحداث تفجيرات سامراء أحداثٌ مشحونة بالنَفَسَ الطائفي والتكهنات الغريبة -التي صدقت فيما بعد- والتي انتشرت من قمة الهرم السياسي وصولاً إلى الشارع العام العراقي، ومن هذه التكهنات ان حدثاً ما سيحدث وسيغير الخارطة السياسية كاغتيال شخصية سياسية بارزة،وترددت معلومات في الهرم السياسي قبل الحدث بيوم أو يومين عن عمليات تهجير واسعة للسُنّة العرب ستحصل خلال الأيام القادمة، أمّا كيف؟ فكان الأمر غريباً وقتها! .. وغيرها، من الأمور التي نشطت في الساحة الميدانية العراقية.. والعامل المغذي لهذه الأجواء المشحونة كانت تلك الأطراف ذات الولاء الإقليمي التي بَدَتْ كأنها تهيئ ليوم الأربعاء الأسود2006/2/22 (تفجيرات الاضرحة، وذلك في محاولة منها لكبح جماح الفضائح المتوالية التي وقعت في خضمها وزارة صولاغ -التابعة للائتلاف- مروراً بالضغوط الإيرانية على الائتلاف في إعلان أقاليم الوسط والجنوب انتهاءً بفضائح نتائج تزوير انتخابات كانون الأول2005م.
ولأجل ذلك فقد شُنّت حربٌ إعلامية ضخمة ومنظمة ضد السُنّة بدعوى معاداتهم للشيعة وأهل البيت، فهذا مؤيد الخزرجي من التيار الصدري يخطب خطبة في الكاظمية قبل أيام من حادثة التفجيرات وكان مما قاله: (إن الشيعة في العراق يُذبحون على الهوية وان الإعلام الشيعي ضعيف الرد على الطرف الآخر تجاه هذه الأعمال .. وان عليكم أيها الشيعة أن تستعدوا في كل لحظة للحرب، وان من يصفعكم على الخد الأيمن اقطعوا رأسه والعنوا والديه..). أما ياسر حبيب فقد اتهم في لقاء مع أنصاره (بأن صدام حسين هو رمز لأهل السُنّة وكان يذبح الشيعة على الهوية خوفاً من انتشار المذهب الشيعي).
صحيفة البيِّنة الجديدة نشرت في عددها المرقم (50) بتاريخ 2/شباط/2006 دعوة بعنوان (يا حكيم أعلن فيدرالية الجنوب وخلِّص الأغلبية من تهديدات جبهة الدم العراقية بالعصيان) في إشارة إلى جبهة التوافق العراقية التي هدَّدت بالعصيان المدني وقتها ضد تزوير نتائج الانتخابات والعملية السياسية المتردية المصاحبة للوضع الأمني السيئ،
وفي الجريدة نفسها العدد (207) في2006/2/19 : (عباس البياتي: أي تجاوز لأغلبية الائتلاف عند تشكيل الحكومة سيكون مجازفة لا تحمد عقباها)،
أما جلال الصغير إمام جامع براثا فقد قال في خطبة الجمعة2006/2/3 موجهاً كلامه لأنصاره: (إياكم وأن تغادر صورة البأس والمعاناة التي عاشتها غالبية بيوت العراق سلوكياتكم، الدنيا جاءتكم نتيجة دموع العراقيين ومعاناتهم)،
موفق الربيعي للبيّنة الجديدة: (مؤامرات دولية وإقليمية تحاك لشق وحدة الائتلاف) العدد(63)2006/2/21. البيّنة: (الذين جاؤوا إلى سدة الحكم سواء في العراق الملكي ظل هاجسهم من أن تكتسحهم الأكثرية الشيعية) وكذلك (تجميل الوجه القبيح لسياسة التمييز الطائفي ضد أبناء الطائفة الشيعية في العراق) العدد (207) 2006/2/19، (زلماي يحذر والشيعة يهمشون والوطن بحاجة إلى فتوى سيستانية تعصف بالأمريكان) البيّنة(63)2006/2/21 فيما بدأت صحف شيعية أخرى بنشر أخبار كاذبة عن استهداف شيعة أهل البيت ومنها صحيفة البيِّنة في العدد المرقم (200) بتاريخ29/ك2006/2 أخبار حملت عناوين (مليشيا تهاجم الشيعة) فيما نشرت بتاريخ2006/2/15 دعوة للمجلس الشيعي التركماني (لتشكيل خلايا سرية من أبناء المناطق المختلفة لإيقاف الاعتداءات ضد الشيعة) علماً ان المجلس الشيعي التركماني هو مقرّب من التيار الصدري وهذه الدعوة جاءت في وقت لم يكن هناك استفحال للمليشيات كما هو اليوم ..
عبدالعزيز الحكيم كان قد خطب بأنصاره خطبة تحريضية في بغداد بتاريخ 8/شباط/2006 بمناسبة يوم عاشوراء، وكان مما قاله بالنص: (كيف ننسى عاشوراء وفي بغداد وكربلاء والنجف والحلة والبصرة وبعقوبة وكركوك وتلعفر وكثير من بقاع العراق قد تروَّت بدماء أتباعك لا لشيء ارتكبوه إلا لأنهم أتباعك ومحبوك وعاشقوك وفي هذه الأيام ذبحوا أتباعك في شمال بغداد وفجروا في الدورة موكباً لعزائك ومن يقتل أتباعك اليوم من التكفيريين هم أحفاد أولئك القتلة الذين قتلوك -في إشارة إلى الحسين رضي الله عنه- واعتدوا على حرمة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتلك) ، ويضيف: (ندعوا كل أولئك الذين يرفعون أصواتهم للدفاع عن الإرهاب والإرهابيين تحت مختلف الذرائع والمسميات أن يدركوا أنهم يدعمون الإرهاب والعمليات الإرهابية) في إشارة للمطالب السُنّية بوقف عمليات الدهم والاعتقالات بحق السُنّة الأبرياء الذين امتلأت بهم معتقلات الداخلية والدفاع.
يُضاف إلى ذلك فإن أبرز ما جرى على الساحة السياسية العراقية ليوم الخميس الموافق2006/2/16 لقاء في شمال العراق ضم الكتل السياسية المعترضة على الائتلاف العراقي حول ترشيح الجعفري لرئاسة الوزارء، في خطوة لإيجاد حل لمشكلة المناصب الحكومية وخصوصاً الخلاف على رئاسة الوزراء وتوزيع الصلاحيات وانعكس هذا الخلاف على الساحة السياسية العراقية مما حدا بالكتل النيابية إلى تبني مواقف متشددة ضد ترشيح الجعفري الذي أجمعت كل التقارير على فشل حكومته في إدارة الأزمة العراقية ، وضم اللقاء كلاً من الرئيس العراقي جلال طالباني, ومسعود برزاني, رئيس إقليم كردستان, وإياد علاوي, وجبهة التوافق العراقية, والحزب الإسلامي, وشيعة مستقلين من الائتلاف لتكوين جبهة عريضة تحصل على 138 مقعداً في الجمعية الوطنية, وبالتالي يصبح من حقها أن تشكل الحكومة وتستبعد الجعفري وتقلل النفوذ الإيراني. من جانب آخر جاء تصريح السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زادة بضرورة استبعاد الوزراء الطائفيين من الحكومة الجديدة, خاصة في المجال الأمني, وكان يقصد صولاغ وزير الداخلية السيئ الصيت , ليكشف عمق الأزمة مع الائتلاف الشيعي).
وفي هذه الاثناء تسربت وثيقة بيان تحمل توقيع "شيعة العراق" بتاريخ 20/شباط/2006 (أي قبل حادث التفجير بيومين) موجهةً إلى حوزة النجف ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية تدعو إلى الثورة العارمة والتهديد الواضح جاء فيها: (ان الذي يحدث اليوم هو شد وجذب والتفاف على نتائج الانتخابات من القوى البعثية والطائفية التي تشارك قوى الظلام بضرب إرادة الجماهير) والقوى كان المقصود منه جبهة التوافق والقوى السُنّية الأخرى التي اعترضت على تزوير الانتخابات) .. ويضيف: (أن على التكتلات أن تفهم أن الشيعة لن يقبلوا التهميش من الآن فصاعداً ..)، كذلك: (أن الجنوب الشيعي يحوي أهم مناطق العراق من الناحية الإستراتيجية وأي تجاوز على إرادة الجنوب يعني حدوث عواقب لا تحمد عقباها)، ويلاحظ التركيز على الجنوب الشيعي وكأنه دولة مستقلة ويُختم البيان بـ: (نـحن بانتظار ما ستؤول إليه النتائج للمحادثات بما يحفظ حرمة أصواتنا وفي حالة عدم حصول ذلك سيكون لشيعة العراق شأن آخر يقلب المعادلة السياسية على رؤوس الجميع)! ويبدو أن الجميع تعامل معه كأي بيان عادي يصدر من الساحة العراقية الملتهبة ولم يقرؤوا ما حمله البيان من تهديد بقلب المعادلة السياسية فوق رؤوس الجميع. ومن المشاهد المشحونة في تلك الفترة الأحداث الدموية التي كانت قد عصفت بأهل السُنّة ومنها ما حدث في يوم الاثنين الموافق2006/2/20 حيث (قامت قوة مسلحة بدهم منطقة في حي الغزالية ببغداد قرب جامع الحمزة واختطفت عشرة أشخاص ينتمون إلى عشيرة الدليم ولما كان الوقت متأخرا حيث تجاوز الوقت منتصف الليل فقد تم إخبار الشرطة هاتفياً من قبل أحد ساكني المنطقة والتي سرعان ما حضرت وبعد تدقيق هويات القوة تبين أنها مفرزة من جيش المهدي وأنهم يحملون مستمسكات تؤيد ذلك وعلى هذا الأساس فقد عادت دورية الشرطة من حيث أتت، وبعد مرور عدة أيام تم العثور على بعض جثث المختطفين مرمية ً في طرقات منطقة الشعلة المجاورة للغزالية وعثر على بعضهم الآخر في ثلاجة الطب العدلي .. وقد شهد يوم الثلاثاء (قبل التفجيرات بساعات) حدث غريب يشبه إلى حد كبير الاعتداءات التي طالت مساجد أهل السُنّة في يوم الأربعاء الأسود حيث تعرض جامع أحباب المصطفى في المدائن مساء يوم الثلاثاء2006/2/21إلى قصف بالهاون من قبل مسلحين وأدى الاعتداء إلى تدمير حرم المسجد وبيت الإمام ويبدو أن هذا الاعتداء هو استعجال بتنفيذ المخطط من قبل العصابات الغادرة ببيوت الله.