العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات الخاصة > منتدى مقالات الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-03-16, 01:50 PM   رقم المشاركة : 1
سليمان الخراشي
حفظه الله







سليمان الخراشي غير متصل

سليمان الخراشي is on a distinguished road


حوار بين الشيخ رشيد رضا والعقاد حول كتاب ( الوحي المحمدي )

بسم الله الرحمن الرحيم


جاء في مجلة المنار ( عدد : ذي الحجة ، 1352هـ ) :


تقريظ الكاتب الكبير
عباس محمود العقاد
نشر في جريدة الجهاد



أكثر من قرأت لهم من كتاب المباحث الدينية الأحياء اثنان : هما السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار والأستاذ محمد فريد وجدي صاحب التواليف والتصانيف الكثيرة المعروفة باسمه .
فأما السيد رشيد فهو أوفر نصيبًا من الفقه والشريعة والدراسات الموروثة ومزيته على الكتاب الدينيين في العصر الحاضر أنه خلا من الجمود الذي يصرفهم عن لباب الفقه إلى قشوره ، وسلم من تلك العفونات النفسية التي تعيب أخلاقهم وتشوه مقاصدهم ، فهو أدنى إلى الصواب وأنأى عن العوج وسوء النية .


وأما الأستاذ وجدي فهو أوفر نصيبًا من الحرية والعلم العصري والأذواق المدنية للتأويلات والتماسه في الدين مستمد من شعوره باللياقة ، أو بما يخالفها كما يشعر الرجل الذي يعيش في بيئة الحضارة من المصريين المثقفين .
قرأت المنار ومباحث السيد رشيد ؛ لأنني كنت أقرأ كل ما كتب الأستاذ الإمام محمد عبده ، وكل ما أوصى بقراءته مما تتناوله طاقتي في سني الدراسة .


وقرأت الأستاذ وجدي ؛ لأنني اتجهت إلى هذه الوجهة فأحببت المزيد فيها وكان أول ما وصل إليَّ من كتبه ( الإسلام في عصر العلم ) فكانت أدلته عندي كافية للإقناع في سن النشأة الأولى .
ولا أزال كلما احتجت إلى بحث مستنير في الفقه والشريعة رجعت إلى كتب السيد رشيد ، وكلما احتجت إلى تفسير مثقف لعقدة من العقد الدينية رجعت إلى رأي الأستاذ وجدي فيها ، وقد أجد في كليهما معًا ما ينفعني في كلا الأمرين .


وكتاب ( الوحي المحمدي ) الذي أظهره صاحب المنار في الأشهر الأخيرة هو من أفضل ما كتب في مباحثه الدينية : توخى فيه كما قال : ( أن يكون أمضى مُدْيَة لقطع ألسنة الطاعنين في الإسلام من دعاة الأديان الأخرى ) وأراد به أن يكون كتابًا ( يصلح لدعوة شعوب المدنية الحاضرة إلى الإسلام ببيان البراهين العقلية والتاريخية على كون القرآن وحيًا من الله تعالى لا وحيًا نفسيًّا نابعًا من استعداد محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم بعض المتأولين لإعجازه منهم ، وبيان ما فيه من الأصول والقواعد الدينية والاجتماعية والسياسية والمالية والدفاعية السلمية التي يتوقف على اتباعها صلاح البشر وعلاج المفاسد المادية وفوضى الإباحة وخطر الحرب العامة التي استهدفت لها جميع الدول والشعوب في هذا العهد ) .


وعندنا أن الأستاذ يستجمع الكثير من أسباب الكفاءة الضرورية بتأليف كتاب في هذه الموضوع للغرض الذي أبانه ، فهو يعلم من أسرار الأصول الإسلامية ما لم يتيسر في العصر الحاضر إلا للقليلين بين علماء المسلمين ، وهو مسموع الرأي في العالم الشرقي ، كثير القراء والمريدين في بلاد الإسلام ، وهو أسلم فطرة من جميع من سمعنا بهم من المتصدين لهذه المباحث بين الشيوخ والفقهاء .


وقد درست بعض فصول الكتاب وتصفحت بعضها فبدا لي أنه ينهج في الاستدلال العقلي منهجًا كفيلاًَ بإقناع العدد الأكبر من قراء هذه المباحث ولا سيما المسلمين ، ولا أشك في سعة انتشاره وفلاحه في تفنيد المزاعم والريب التي قد تساور الأذهان بين أولئك القراء ، فإن لم يبلغ الكتاب كل غرضه المفصل في فاتحته فهو بالغ من ذلك الغرض ما يستحق تأليف كتب شتى لا تأليف كتاب واحد ، وحسب المؤلف أن يظفر بهذا ليظفر بشيء كثير .

إلا أننا نأخذ على المؤلف نقصين يقعدان به عن بلوغ الغاية في مثل هذا المبحث إلى جانب المزايا التي توجب عليه طرقه وترجيحه على غيره ، وقد يتلخص النقصان في نقص واحد وهو قلة البصر بأصول ( المنطق النفسي ) أو منطق الدراسات النفسية الذي هو وحده عدة البحث في جميع الحقائق العالية دون المنطق الدارج المألوف في المناقشات اليومية والوقائع الصغيرة .

فالأستاذ رشيد يحسب أن إثبات المسائل التي تناط بالضمير والفكر وأطوار النفوس والشعوب هو من قبيل إثبات الأشياء المادية التي لها حجم ووزن ولون ومكان ، وقل أن يختلف في مقياسها شاهدان ، وعنده أنه يستطيع أن يبت بجواز حالة في النفس أو استحالتها كما يبت بوجود كرسي أمامه أو عدم وجوده ، فيجزم حيث لا يستطاع الجزم ، ويخيل إليه أن قد انتهى من الرأي وهو لا يزال فيه على عتبة البداية .
هذا من جانب .


وأما الجانب الآخر فهو ضيق ملكة ( الاحتمال والفرض ) عنده ، وهي في باطن الأمر لباب المنطق كله ؛ إذ ليس التفكير الصحيح إلا أن تحتمل الفروض الجائزة ثم تمنعها بالأدلة القاطعة .
والأستاذ رشيد يدع نصف الاحتمالات مغلقًا لا يقترب منه ثم يغلق النصف الآخر بأدلة ضعيفة تدع الباب في معظم الأحيان مفتوحًا على مصراعيه .


فلقد كان الواجب الأول على الأستاذ رشيد في كتاب ( الوحي المحمدي ) أن يقيم الحد الفاصل بين علم الأنبياء بالغيب وبين علم الآخرين به على وجه من الوجوه الإنسانية المعهودة ، فما من سبيل إلى التفريق بين العلمين إلا بإقامة ذلك الحد على أساس مكين .


مثال ذلك : إذا قام رجل فقال للناس : إن الألمان انتصروا على الفرنسيين ولكنهم سينهزمون بعد زمن قريب ، فهذا الخبر يحتمل الصدق والكذب حتى يترجح أحدهما على الآخر .

فإذا كان صاحبه صادقًا فربما هداه إليه الوحي والإلهام ، وربما هداه إليه الحساب الدقيق والتقدير الصحيح ، وربما هداه إليه العلم من المطلعين على أسرار الدول العارفين بما تستطيعه وما تنويه ، وربما هداه إليه التمني والرغبة كما يتمنى المرء النجاح فيعتقد أنه سينجح ويأبى أن يصدق ما عدا هذه الأمنية .
وربما كان صدقه مصادفة لا أثر فيها للإلهام أو للحساب أو للعلم أو للتمني والرغبة وربما ظهر صدقه للناس ؛ لأن عبارته تقبل التأويل ، فيفسر بعضهم المقصود من النصر والمقصود من الهزيمة والمقصود من المنتصرين والمنهزمين على تفسيرات يجوز فيها الخلاف .

أما إن كان الخبر كاذبًا ؛ ففي العلم بكذبه مجال للاحتمال يشبه هذا المجال ، فإذا جعل الباحث كل خبر صادق دليلاً على نبوءة فهو لا يخدم النبوءة بهذا البرهان ، ولكنه يفتح الباب لمن يُخبرون ببعض الأشياء فيصدق خبرهم من طرق المصادفة او من طريق آخر غير طريق الوحي والإلهام .


وإنما السداد في الأمر
أن ينفي الكتاب كل احتمال غير احتمال الوحي ، وأن يكون نفيه مدعومًا بالبرهان الذي لا شبهة فيه عند المصدقين وغير المصدقين ، ومن ثم يقيم الحد بين الحقيقة والدعوى وبين الإيمان والإنكار .
والشيخ رشيد قد فاته أن يصنع هذا في مواضع كثيرة ، فليته يعقد العزيمة على تدارك ما فاته في طبعة ثانية ، ولو استعان عليه بمن يقدرون على عونه ، وليس اقتراحًا أن يتدارك النقص يمانع شكره على ما بلغ من تمام وأسدى من فائدة ) . عباس محمود العقاد


الرد على العقاد ( المنار )


إن الأستاذ العقاد ، كاتب أديب سياسي نقّاد ، غلبته على العلم ملكة الخيال الشعري والجدل السياسي ، وعلمه بالدين ضعيف ، واطلاعه فيه قليل جدا ؛ كأمثاله ممن تعلموا في المدارس العصرية ؛ كفريد أفندي وجدي ، بل هو يستمد من هذا على ما حكم به على مبلغ علمه ، وهو على هذا لم يقرأ كتاب ( الوحي المحمدي ) كله ، ولو قرأه بدقة وتأمل لكان حكمه عليه أصح مما كتبه أو لما انتقص مؤلفه بغير علم ، وإن كان قوي الجرأة على النقد بمجرد الشبهة ، والحكم بغير حجة ، والاستدلال بالقضايا الجزئية والمهملة التي لا يصح تأليف البراهين المنطقية منها على الكليات ، كما فعل في انتقاده لكتاب ( تاريخ الأستاذ الإمام ) ، وقد بينت هذا في مقال حللت فيه علمه وآراءه وأخلاقه تحليلاً أصح وأعدل مما حكم به عليَّ في نقده هذا وفي نقده لتاريخ الأستاذ الإمام ، وسأنشره في جزءٍ آخر إن اقتضت الحال .


لو أنه قرأ الكتاب كله قراءة إمعان لعلم أنه ليس من موضوعه بسط كل مسألة تذكر فيه ، ولا شرح كل شاهد من شواهده وجعلهما غرضًا للنضال ، والدفاع عنهما بفرض الفروض الجدلية وضروب الاحتمال ، وإنما موضوعه إثبات النبوة بالقرآن ودفع ما زعمه بعض منكري عالم الغيب من أنه وحي فائض من النفس لا من الله تعالى .


وخلاصته : أن القرآن فاق كلام العرب وأعجز البشر بمزايا لفظية ومعنوية يستحيل أن تكون من مقدور محمد الأمي بعد استكمال الأربعين كديوان ( وحي الأربعين ) الذي هجس به شيطان الشعر للأستاذ العقاد بعد استكمال هذه السن ، وسائر ما نظم الشعراء وألف العلماء فيها ، فإن العقاد ( مثلاً ) تعلم مبادئ علوم العصر ودرس الأدب وظهر فيه الاستعداد للشعر ، وكذا النثر في سن الصبا ، وقويت ملكته فيه نظمًا ونقدًا في سن الشباب ، وكان يعدو في أثر شوقي حتى خرج من الإهاب ، وماذا فعل في وحي الأربعين ؟ إنه لم يأت بمُعجز لم يُسبق إلى مثله ، ولم يُحدث أدنى تأثير صالح في قومه ولا في أمته ، ولم يقل المعتدلون فيه : إنه لحق شوقي ولا حافظًا فيه .
ٍ

وأما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يتعلم شيئًا ولم يحاول بيانًا ولم ينتحل علمًا ، حتى جاء بهذا القرآن في سن الكهولة وهو ما وصفنا في كتاب الوحي في إعجازه العلمي والبياني وفي تشريعه ، ولا في التأثير الذي قلب نظام العالم ، وما ذكرته فيه من آياته العلمية الدالة على أنه من عند الله لا من علم محمد صلى الله عليه وسلم قسمان :

( أحدهما ) : المقاصد العشر التي جعلتها من موضوع التحدي.

( وثانيهما ) : ما جاء في عرض الكلام كأنباء الغيب المستقبلة في بحث امتياز نبوة محمد على نبوة أنبياء بني إسرائيل ، فهي لم تكن موضوعًا مستقلاًّ سيق لإثباته بالدلائل ، والرد على ما يرد عليه من منكر أو مجادل .

والأستاذ العقاد لم يفرق بين القسمين ، ولم يتذكر ما لا يخفى عليه من أن الشواهد والأمثال لا تقرن بالاستدلال عليها ، والرد على ما يحتمل من وقوع الشك فيها ، بل اشتهر عند علماء المناظرة وآداب البحث قولهم : ( البحث في المثل ليس من دأب المحصلين ) .


ولكن كبر عليه أن يكتب عن هذا الكتاب شيئًا ويتركه بدون انتقاد ، وأن يكون انتقاده خلوًّا من الانتقاص والاستعلاء ، كدأبه في انتقاد الشعراء والأحزاب ، أو كل من لم يأخذ علمه عن الفرنجة حتى علم القرآن ، الذي يعلو على علومهم بما يقاس بسنيِّ النور لا بالأمتار أو الأميال .


نظر إلى كتاب الوحي المحمدي ومؤلفه بالعين التي نظر بها إلى أحمد شوقي وشعره من قبل ، وأين أودية الشعر من سماء الوحي ؟ وأين تشميره في قرض الشعر من تقصيره في علوم الوحي ؟ نظر بتلك العين الخاسئة فرأى فيه نقصين يقعدان به عن بلوغ الغاية في هذه البحث ، قال : وقد يتخلصان في نقص واحد وهو قلة البصر بالمنطق النفسي ، ونقول : إنما صوَّره أو سوَّله له حسر بصره بالمنطق العقلي .


إن اختراع النقائص وقَذْف الناس بها أمر سهل على الشعراء وكتاب السياسة ، ولكن إقامة الدليل المنطقي عليها حَزَن أي حَزَن إلا أن يكون كدليلي الأستاذ العقاد على ما أنكر في تاريخ الأستاذ الإمام أعني عليه لا له ، وانظر ماذا قال في بيان نقيصتيه اللتين تجرم علينا فقذفنا بهما : قال : ( كان الواجب على الأستاذ رشيد في كتاب ( الوحي المحمدي ) أن يقيم الحد الفاصل بين علم الأنبياء بالغيب وبين علم الآخرين به على وجه من الوجوه الإنسانية المعهودة ، فما من سبيل إلى التفريق بين العلمين إلا بإقامة ذلك الحد على أساس مكين ) .

إن هذه العبارة مبهمة مجملة تحتمل عدة تأويلات ؛ أقربها أن عقيدة كاتبها أو فهمه للنبوة والوحي وعلم الغيب غير عقيدة الموجهة إليه ، ولا يتسع هذا النقد الوجيز لتفصيل هذا ، فننتقل منه إلى المثال الذي فسره به ، وخلاصته أنه إذا قام رجل فقال للناس : إن الألمان انتصروا على الفرنسيس ولكنهم سينهزمون بعد زمن قريب ، فهذا الخبر يحتمل الصدق والكذب حتى يترجح أحدهما على الآخر ، وذكر لاحتماله للصدق وجوهًا أولها الوحي والإلهام ( ؟ ) وآخرها المصادفة .

ونحن نقول :

( أولا ) : كان يجب على الأستاذ عباس أن يطلع قبل هذا الحكم على ما كتبه محمد رشيد في تفسيره ومناره وغيرهما في مباحث علم الغيب وتقسيمه إلى غيب حقيقي وغيب إضافي ، وحكمه بأن من الثاني ما يمكن أن يعرفه بعض البشر بالطرق العلمية والتجارب ومنها التنويم المغناطيسي أو الرياضة النفسية كمكاشفات الصوفية إلخ ، ومنها ما يمكن تأويله من أخبار القرآن الغيبية وما لا يمكن تأويله كالذي تراه في تفسير سورة التوبة في بيان أحوال المنافقين .
وإذن لعلم أن ما عده عليه من الجهل هو عنده من البديهيات .


و ( ثانيًا ) : إن الخبر الذي قال العلماء : إنه يحتمل الصدق والكذب قد قيدوه بقولهم : ( لذاته ) أي بصرف النظر عما يقترن به من الدليل على أحدهما ، فخبر الأنبياء عند المؤمنين بهم لا يحتمل إلا الصدق ، وقد أقمنا الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بغير إخباره بالغيب فوجب حمل خبره به الثابت عنه على الصدق فقط ، على أن أصل كلامنا في أخبار الغيب في كتاب الوحي المحمدي خاص بما جاء منه في القرار ، وهو كلام الله تعالى وأقمنا الدلائل على كونه كلامه عز وجل من عدة وجوه غير إخبار الغيب فلا يصح أن يقال بها مصادرة لأن إثبات كل منهما متوقف على الآخر .


( وثالثًا ) : إذا كان الأستاذ العقاد يرى أن مثل قوله تعالى : ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) يحتمل مثل ما ذكر من الفروض والشكوك عند غير المؤمن بالقرآن ، فسيعلم أن من أخبار الغيب فيه ما لا يحتمل مثل ذلك إلا بضرب من مكابرة العقل أو الوجدان ، ومنها زعم المادي أن كل ما وراء المادة لا يدخل في حدود الإمكان ، فكل ما يعجز عن تعليله بالفروض المادية والاحتمالات المخترعة ، فعليه أن يرضى بعجزه عن فهمه ، لا يجوز له أن يؤمن بأنه من الله عز وجل .


ومهما يكن من شيء بعد ،
فإن من الغريب من مثله أن يطالب مؤمنًا بالغيب والأنبياء أن يقيم حدًّا فاصلاً بين علم الأنبياء وعلم غيرهم ، أو علم الخالق وعلم المخلوق بالصفة التي وصفها ، وهو ما يعجز عن مثله الفلاسفة وعلماء المادة في علمهم الذي لا قنون بشيء منه .


وأما الممكن من ذلك فقد بينته في مواضعه بما قضته المناسبة ووسعه السياق ، وقد وعدت بعقد فصل خاص في الشواهد عليه من الآيات والأحاديث النبوية في الجزء الثاني من كتاب الوحي المحمدي ؛ إذ عجز الجزء الأول عن العلاوت التي كلفته حملها ) .






  رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 02:11 PM   رقم المشاركة : 2
سليمان الخراشي
حفظه الله







سليمان الخراشي غير متصل

سليمان الخراشي is on a distinguished road


نقد الشيخ ابن يابس - رحمه الله - لكتاب ( الوحي المحمدي )



( بسم الله الرحمن الرحيم )


إلى حضرة الأخ المحترم والعلامة الفاضل محمد رشيد رضا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد فإني قرأت كتاب الوحي الذي ألفتموه فألفيته أولاً في بابه ، بديعًا في خطابه ، أبان بأن الدين ضرورة لازمة ، وحجة قائمة ، أقام الحجة على صحة الإسلام ، عند مثبت النبوة ومصدق الرسالة .
بأوضح برهان وأجلى تبيان ، وأظهر زيف الاعتراضات الصليبية ، والتشكيكات .
الإلحادية ، والمغالطات الإيهامية ، التي أرصدها دعاة الفتنة ، وأعدها رؤوس الضلالة حرابًا للدين ، وغوثًا للشياطين ، وإنه لكتاب جلي من دقائق الحكم ، وأسرار التشريع ما سطر التنزيل بيانه ، وأجمل تبيانه ، ومع ذلك فهو سهل المتناول ، قريب إلى الفهم ، يشوق قراءه إلى تفهم كتاب الله ، ويوقف المنصفين على الإيمان بالله .
وبما أن مسائل العلم معترك العلماء ، ومجال الأذكياء ، وساحة الميدان ، وحلبة الرهان ، والجواد قد يكبو ، والسيف قد ينبو ، والخطأ لم يعصم منه إلا الشارع ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ؛ فإن لي في كتابكم ملاحظات سأبديها ، ومواضع سأتكلم فيها ، لمعرفتي أنكم ممن ينشد الحق ويتحراه ، ويُغَلِّب مرضاة خالقه على اتباع هواه ، والشاهد لي على ذلك أنكم الذين تنازلتم لمنازلة الانتقاد ، وتواضعتم لهذا المراد ، وتلك خلة العلماء السابقين ، وطريقة القادة المهديين .


( 1 ) قلتم في صفحة 163 : قد شرع الله لإبطال الرق طريقين : عدم تجديد الاسترقاق في المستقبل .
وإني أرى أن هذا القول مُعَارَض بالكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فإن فيه كفارة القتل والظهار والأيمان بالعتق الذي هو نتيجة الاسترقاق ، والكتاب كتاب لكل زمان ومكان ، فلا يصح أن يبني شرائعه على شيء قد أبطل أساسه ، وحرم تجديد أصله ، وقد ندب الكتاب إلى العتق في مواضع كثيرة ، وجعل العتق الذي لا يوجد إلا بالرق عملاً من أعمال الخير التي توصل إلى الجنة ، فهل تقولون : إن تلك الآيات المذكورة في الكتاب إنما محل العمل بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أما بعده فلا يصح ؛ لأن تجديد الرق قد مُنع ؟ فإن قلتم بهذا فما رأيكم في الدليل الثاني ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استرق بالفعل ، وجوَّز بالقول والتقرير ، وما أرى أنكم تنكرون هذا ؛ لأن كل من يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته يعلم علمًا يقينًا لا شك فيه أنه لم يغز طوائف العرب إلا واسترق من استولى عليهم من نسائهم وأولادهم .
وأما الإجماع فإن الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان ما استولوا على شيء من نساء الكفار وأولادهم إلا استرقوه ، حتى إنه ليوجد عند بعضهم المئون ، بل آلاف من الرقيق ، وكان عثمان بن عفان و العباس من أكثرهم رقيقًا ، ولعمر رقيق ، ولأبي بكر رقيق ، وهذا ما لا ينكره أحد ، وإذا كان القتال ماضيًا إلى قيام الساعة والكفار موجودين في كل زمن ، فسنة الإسلام جواز الاسترقاق لمن استولوا عليه بطريق الحرب .


( 2 ) قلتم في صفحة 149 على قوله : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) : إن حروب النبي للكفار كانت كلها دفاعًا ، ومعنى ذلك أن حرب الكفار وقتال المسلمين إياهم لا يجوز إلا إذا قاتلونا ، والكلام عليه من وجوه :

( أولاً ) : إنا لا نُسَلِّم أن قتال المسلمين في سبيل الله للكفار الذين لم يقاتلوهم اعتداءً ؛ إذ الاعتداء تجاوز بغير حق ، وقتال المسلمين للكفار إنما هو بحق وهو إدخال الإصلاح عليهم ، وحملهم على الطريق القويم ، وإنقاذهم من نار الجحيم .

( ثانيًا ) : غاية ما تدل عليه هذه الآية الأمر بقتال من قاتلنا منطوقًا ، والكف عمن لم يقاتل مفهومًا ، والمفهوم ليس بحجة عند أكثر العلماء إذا لم يخالف ؛ فكيف إذا عارض منطوقًا صريحًا ؟

( ثالثًا ) : إن الآية ( وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) ، وآية ( فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ ) ، والآية ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ) وما يشابههن ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) وما في معناه من الأحاديث الكثيرة ، كل ذلك عام شامل لمن قاتل ومن لم يقاتل .


( رابعًا ) إن آية ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ، ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ) ومعنى كلمة القتال في سبيل الله لا يفهم من ذلك الدفاع عن النفس فحسب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له : الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) فبين أن المراد من القتال في سبيل الله القتال لعلو الإسلام ورضوخ الكفر له .

( خامسًا ) إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من الإغارة على قوم إلا سماع الأذان ، فإن سمع أذانًا أمسك ، وإلا أغار .


( سادسًا ) إنه قد عُلم بالاضطرار عند المسلمين وغيرهم أنه لم يثبت أن كل من قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وغيرهم من أئمة المسلمين ، قاتلوا قبل أن يقاتلوا ، وأن مقام المسلمين معهم مقام دفاع عن النفس ، وإن كان ذلك حصل من بعضهم في بعض الأحيان فلا يسلم حصوله في الكل .


( سابعًا ) إن سنته في بعثه للسرايا والجيوش أن يقول لهم : اغزوا في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال .
وهو معلوم من حديث بريدة الطويل عند مسلم ، وأما آية الإكراه في الدين فلا تمنع من قتالهم حتى يكون الدين عاليًا عليهم ، وآية الجزية مبينة للإكراه ، وأما تعليل الإذن بالقتال بظلم الكفار إياهم ، فغايته أنه ذكر علة ولم ينف سواها ، وأما ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) وما في معناها ، فتلك آيات مكيات أتت بعدهن المدنيات .


( 3 ) قلتم في صفحة 162 : على أن الشريعة تعطي المرأة حق اشتراط جعل عصمتها بيدها ؛ فتطلق نفسها إذا شاءت .
قول الشريعة هي الكتاب والسنة والإجماع ، فإن رأيتم هذا القول فيها فهاتوا دليله مأجورين ، والمنار معروف أنه يدلل على ما يذهب إليه ، والذي أعرفه أنه رأي لأبي حنيفة ، وأنا لا أعتقد أنكم تقلدونه ، وأبو حنيفة الذي رأى هذا الرأي هو الذي رأى لو أن رجلاً في المشرق تزوج بامرأة في المغرب ؛ فولدت أن الولد يلحق به ، وإن لم يثبت عنده اجتماعهما .
فهل تقولون : إن الشرع ألحق الولد به .
وأنتم وفقنا الله وإياكم ذكرتم هذا القول في الوحي المحمدي ، فلا يفهم إلا أنكم وجدتم ذلك في القرآن أو الحديث ، فإن لم يكن إلا في رأي أبي حنيفة ، فهو شرط ليس في كتاب الله ، ومن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، وهو قول ليس عليه أمر الشارع ، ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، مع أنه رأي يجعل للمرأة الناقصة عقلاً ودينًا ولاية على أمر الرجل ( ولن يُفْلِح قوم ولَّوا أمرهم امرأة ) فيكف تُوَلَّى تفكيك روابط الأسر وتفريق الجماعات ، وهي التي تغضب للكلمة ، وتطيش للصدة ، وتتميز للإعراضة .


( 4 ) قلتم في صفحة 187 : فكلام الله عندنا شأن من شؤونه ، وصفة من صفات كماله كعلمه ، إلا أن وظيفة العلم انكشاف المعلومات له بدون سبق خفاء ووظيفة الكلام كشفه ما شاء من المعلومات لمن شاء بما شاء .
هذا التعريف لا يُعْرَف لأحد من علماء السنة ورواة الآثار كمالك ، والسفيانين ، وأحمد ، وإسحاق ، ويحيى بن معين ، والبخاري ولا كالزهري ، وأيوب ، وابن سيرين ولا عن أحد من الصحابة ، فإن كان معروفًا لديكم فأزيلوا عنا اللبس ، وما رأيكم لو كشف الله لعبد بإزالة الحجب ، فهل يقال : إنه كلمه ؛ فإن تعريفكم صادق على هذا ؟ وهلا يجوز عندكم أن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب ؟ وهل تعريفكم هذا لكلام الله الذي هو القرآن فحسب ، أو لما هو أعم ؟ وهل أنتم تعتقدون أن القرآن كلام الله أم هو عبارة عنه ؟

( 5 ) وقلتم في صفحة 8 : وحررت هذه المقدمة في ليلة المولد ؟ فهل عندكم خبر صحيح يعين ليلة المولد ، مع أن المحققين من العلماء قرروا أنها لا تُعْرَف ، وفيها أقوال متعارضة متضاربة ليس بعضها أولى بالبطلان من بعض ، ولا أظن أنكم تتابعون الناس على ما درجوا عليه من الباطل ، على أني اختصرت خوف الإطالة والملل ، وتركت مواضع بغير تعليق لباعث العجل ، والله يوفقنا جميعًا إلى سبيل الرشاد ) .

عبد الله بن علي بن يابس






  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:55 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "