بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمد النبي وعلى علي الوصي وعلى فاطمة خير البني وعلى الحسن الزكي والحسين الشهيد الوفي وبارك اللهم وسلم على عترة المصطفى اُولي النهي.
لما رأيت الكثير من الكلام والشبهات تطرح من المخالفين للمذهب الإسماعيلي الفاطمي أحببت أن أكتب هذا البحث في بيان الإمامة خلاف النبي محمد صلى الله عليه وآلة وسلم ليثبت للقارئ المخالف والمؤالف على السواء أن كثير مما نستدل به ويستشهد به دعاتنا هو من كلام الأئمة عليهم السلام فوجب علينا تبيان وجوب الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ليثبت صدق كلام الأئمة عليهم الصلاة والسلام وأن كلامهم وطاعتهم لازمة بعد طاعة الله ورسولة كما سأبين ذلك لاحقاً إنشاء الله وكما سيتضح ذلك في ثناياء البحث.
الحقائق الدينية هي منارة العلم للباحثين والمؤمنيين على حد سواء يتم من خلالها عبادة الله حق عبادتة على طريق سوي فيجب طرقها من خلال السبل الشرعية على أيدي الأنبياء والأئمة ومن خلال علوم أولياء الله وعلى أيدي من فرض الله طاعتهم على الخلق من الحجج والدعاة والمناصيب حتى يستبين الحق ونبتعد عن أئمة الظلال وأرباب الهوى وحواري السلطان وأعوانه من اللاهثين وراء طاعته وخلف فتات مائدته فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله تعليقاً على قول الله عز وجل اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ , عندما قيل له لم نكن نعبدهم من دون الله, فقال عليه الصلاة والسلام وآله أليس كانوا يحللون ويحرمون لكم, قيل بلا يارسول الله قال ففي ذلك عبادتهم, وحتى نصل لغاية الله ورضاه وهدفه الأسمى والأجل.
وبما أننا نتبع كلام الأئمة ودعاتهم فيجب أن لانغفل عن نقاط نوردها في بداية محور كلامنا وهي إلتزام كل داعي من الدعاة بالحد الذي له دون أن يتجاوزه فمثلا عندما يؤلف أحدهم كتابا ويبدأ في عرض تفاصيله بالشرح يقف عند أحد نقاطه ويقول : سيأتي من بعدنا من إخواننا من يوضحها . وقوله هذا ليس أنه عاجز عن شرحها وإيضاحها لكن قد يكون وقتها لم يحن ليظهرها فيأتي الداعي الذي تكون هذه المسألة في وقته فيشرحها مع إشارته لما أورده
عنها الداعي السابق ، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره السجستاني بهذا الشأن في كتابة الينابيع . ومثل هذا الشيء كان يرد في كتب الدعاة
المتأخرين . الذي يوضح الداعي الشارح للمسألة التي تركها من سبقه بقوله : بأنه ما تركها عجزاً وإنما تواضعا .وإلتزم دعاة الدولة الفاطمية وكذلك دعاة الدور الطيبي في كتاباتهم بالتلويح دون التصريح ولم يكن الدعاة في الدور الطيبي يصرحوا إلا من لسان إلى أذن ، وإن أجبروا وصرحوا في مسائل تعرض لهم من بعض الحدود الذين يقطنون في أماكن بعيدة عنهم وأنهم سيكتبونها في طروس فإنهم يأخذون المواثيق الغليظة على من أرسلت له وأن يعيدها لهم بعد قراءتها لأنهم يذكرون حقائق لايريدون الإطلاع لها إلا لمستحقها كما أنهم يلتزموا بما يأمرهم به أئمتهم خصوصا في أوقات الشدائد والفتن . أمثلة لذلك ماورد في الإرجوزة المختارة - البيت الشعري 6633 وفي تاج العقائد - أخر الإعتقاد ال 07 . ولكن المتأخرين في تأليفاتهم أوضحوا وأبانوا ما كان لوح به السابقين ولم يصرحوا به ، بكلام عجيب يذهل العقل لعظمته ومع ذلك فقد شددوا كثيراً في حفظه وصونه واخذ المواثيق المغلظة عليه كفعل السابقين وأنه لا يناله إلا مستحقه . وكشاهد يثبت ذلك حتى من خارج أسوار الدعوة السليمانية ما قاله مجدوع الداؤدي في فهرسه ص 661 عند عرضه لأبواب كتاب سيدنا سليمان بن الحسن المسمى النخب الملتقطة والزبد المستنبطة وما قاله بعد أخر أبوابه.
وتعتبر الإمامة المحور الذي تدور عليه عقائد الشيعة على إختلاف فرقهم , فهي بنظرهم إحدى دعائم الدين , فلا دين لمن لايعتقد بإمامة الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله, ويضيفون قولهم ان الله تعالى لايقبل عمل مسلم إذا لم يكن يؤمن بولاية الأئمة ويطيعهم كطاعة الرسول لأن الله تعالى قال في كتابة الكريم (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وكما سيأتي تبيينه معنا لاحقاً في ثنياء بحثنا هذا.
(أنظر دعائم الإسلام للقاضي النعمان جزء 1 صـ 39)
وقد قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : سبقت طاعتنا عزيمة من الله إلى خلقة, أنه لايقبل عمل من أحد إلا بنا, ولا يرحم أحدج إلا بنا , ولا يعذب أحد إلا بنا , فنحن باب الله وحجته , وأمنائة على خلقة , وحفظة سره , ومستودع علمه ليس لمن منعنا حقنا في ماله نصيب (يقصد كما كانت الزكاة تدفع للرسول فعترتة خلفاءة بعده).
أنظر دعائم الإسلام صـ 72
وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله : ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق.
(أخرجة الحاكم بالإسناد إلى أبي ذر 3/151 في صحيحة بالمستدرك)
وقال صلى الله عليه وآله : إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة من بني إسرائيل من دخله غفر له.
(أخرجة الطبراني في الأوسط عن أبي سعد صـ 216 من كتابة الأربعين حديثاً)
وهاهو أحد أهم دعاة الإسماعيلية ممن أنجبته الدعوه يقول شعراً:
وهم أُلو الأمر أئمة الهدى
.....عصمة من لاذ بهم من الردى
مفروضة طاعتهم على الأمم
.....قاطبة من عرب ومن عجم
إقرأ وأطيعوا الله والرسولا
......ثم اُولي الأمر بهم موصولا
ثلاث طاعات غدت معلومة
......في آية واحدة غدت منظومة
والأبيات للداعي المؤيد في الدين هبة الله بن موسى الشيرازي داعي الدعاة في عهد المستنصر بالله الإمام الفاطي وهي من القصيدة الثانية في ديوان المؤيد صـ 205 تحقيق محمد كامل حسين.
والإمامة هي حبل الله الذي لا ينقطع عن الأرض من يده ليد عبادة وهي حجة الله على الخلق, وفريضة إفترضها الله عز وجل مثلها تماما ً مثل النبوه بل لآ أجد مانعا ً من القول من أنها إمتدادا ً لها وهي أول ما أفترضة الله عز وجل على الخلق عندما قال في كتابة لملائكتة (إني جاعل في الأرض خليفة) , وبصفتي باحث ومهتم بالشأن الإسماعيلي وكون هذا من صميم عقيدتي وقد دأبت على دراسة المذهب الإسماعيلي الفاطمي فبحثي هذا عن الإمامة من منظور إسماعيلي يهدف لإيصال الأفكار والعقائد الإسماعيلية في التراث الفاطمي للباحثين والمهتمين في هذا الجانب.
والتراث الإسماعيلي أدبا ً وفكرا ً يزخر بالحقائق والدلائل المعرفية الحقانية الدافقة في شتى مجالات الدين الإسلامي الحنيف وخصوصا ً الإمامة طالما أنها ركيزة أساسية من ركائز الدين الذي لا يجعل الله فيه حجة لتركها وإنكارها على من يدين لله بنبوة محمد.
والله عز وجل قد ذكر في العديد من الآيات في القرآن الكريم وجوب الإمامة صراحا ً وليس تورية أو تلميحا ً عندما قال (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) وهذا تبين لقوله عز وجل ( تبيانا ً لكل شيء) أي القرآن وما يعضد قول الله هو قول رسوله أن كتاب الله والعتره عديلان لايفترقا عندما قال : إني تارك فيكما ما أن تمسكتم به لن تظلوا كتاب الله وعترتي وأنهما لن يفترقا حتى ورود الحوض.
فالإمام هو الموضح والمبين لكلام الله كما قال الله ورسوله آنفاً وكما ورد في كتاب المجالس والمسايرات والمواقع والتوقيفات للقاضي النعمان ما سأورده بالإشاراة إلى الصفحات رقم : 270 و 271 و 272 على التوالي ورد فيها ماهذا نصه:
حديث في مجلس فيه رمز التأويل:
قال وسمعت الإمام المعز لدين الله عليه السلام أمير المؤمنين يقول : ذكر جدنا ابو جعفر محمد بن علي صلع يوما ً لبعض أصحابة بعض ماخصه الله من العلم. وذكر ذلك المعز صلع عنه, قال : فرأى عليه السلام ممن حدثة بذلك مادل على أنه لم يحتمل ماسمعه منه , وكأن نفسة أنكرتة فقال : إن تنكروا ماقلت فما هو من شيء إفتعلتة , ولكنها حكمة ورثتها عن آبائي وفضل خصني به ربي <علمني وآبائي من قبلي علم كتابة الذي يقول فيه : مافرطنا في الكتاب من شيء وقال فيه تبياناً لكل شيء , فما من شيء من الأشياء إلا وهو في كتاب الله عز وجل ونحن نعلمه>.
قال المعز صلع : أليس قد قال رسول الله في القرآن فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم؟
قلت : نعم !
قال : فأين تجدون في الكتاب خبر من بعدكم؟!
قلت: من عندكم صلع نجده.
قال من عندنا والله تجدونه , وكل ماتطلبون ماسلمتم لأمرنا وتمسكتم بحبلنا , ودنتم بإمامتنا.
وهذا الحديث الذي ذكره المعز معروف مشهور , (يقصد من يخبرنا بخبر ما بعدنا وهو قول الرسول إشارة أنه لايعلم ذلك إلا الأئمة من ولدة لأن الرسول قال في الحديث هذا ان في القرآن خبر مابعد وقته إلى قيام الساعة وسيأتي الحديث عن إخبار الأئمة بالغيبيات لاحقاً في تعليق مني مفصل) يروى عن الحارث الأعور قال : دخلت المسجد فوجدت الناس قد وقعوا في الأحاديث , فأتيت علي صلع فأخبرته بذلك.
قال : قد فعلوها؟!
قلت : نعم !
قال : أما أني سمعت الرسول صلع يقول : أما أنه سيكون من بعدي ! قال قلت فما المخرج منها يارسول الله ؟
قال : كتاب الله عز وجل فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم مابينكم, وهو الفصل ليس بالهزل , من تركه من جبار قصمة الله , ومن إبتغى الهدى من غيره أضله الله , هو حبل الله المتين , وهو ذكره الحكيم , وهو الصراط المستقيم ...إلخ الحديث.
ملاحظة: (وحديث الأعور الحارث بن عبدالله الذي يذكر خبر مابعدكم ذكره الترمذي جزء 11 صـ30 , وذكره الدارمي جزء 1 صـ 435 , والسيوطي في الجامع الصغير جزء 1 صـ 448)
وقد قال المعز في المجالس صـ 272 : إن عندنا علم مايطلب كقول جدي علي : عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لآتسألوني عن علم ما كان وما يكون وعن علم مالا تعلمون إلا أخبرتكم به , علمنيه النبي الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين. إنتهى
وأما من يقول بتكفيرنا عندما نقول أن الأئمة يعلمون الغيب ويقول ويزعم أنه لا يعلم الغيب إلا الله !
فما سبق كافي من الحجة إلا أنني أضيف: أو ليس كان الرسول يُخبر بالغيب ؟!
أو ليس قد قال لعمار تقتلك الفئة الباغية؟!
أوليس قد قال لعائشة تنبحك كلاب الحوأب؟!
أوليس قد قال لعلي تقاتل الناكثون والقاسطون والمارقون؟
أوليس قد قال بوصف معركة الخوارج وأن فيهم ذو الثدية؟
أوليس قد قال الله عز وجل : : (فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )
وفي بيان أن الأئمة يتوارثون العلم أنظر كتاب دعائم الإسلام جزء 1 صـ 84
((أن الذي يجب قبوله وتعلمه ونقلة من العلم هو ماجاء عن الأئمة من آل محمد))
ملاحظة: ((وكتاب المجالس والمسايرات من تأليف القاضي النعمان نقل فيه كلام الأئمة في المغرب ومصر قال عنه المجدوع في فهرسة: هو نصفان كل نصف منهما مجلد برأسه ثم نقل قول المؤلف : وأذكر في هذا الكتاب ماسمعته من المعز لدين الله من حكمة وفائدة وعلم ومعرفة على مذاكرة في مجالس أو مقام أو مسايرة وما يأتي من ذلك إلي من من بلاغ أو توقيع أو مكاتبة على بادية المعنى دون اللفظ حقيقة بلا زيادة ولا نقصان ...))
* أنظر فهرست المجدوع صـ 52
بيان ثبوت الإمامة بعد الرسول من الأحاديث والإشارة في الإمام علي وذريتة من بعده:
قال الرسول صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها وفي هذا الحديث مصداق لكلام الله في قوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
والقرآن يثبت هنا خصاصة من يوحى من الله بأنهم أهل الذكر فقط الذين يجب سؤالهم عندما قال وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ وقال تأكيداً بأن أهل الذكر هم الذين يوحى إليهم وأستثناهم فقط وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ فإن قال قال فإن الأئمة وأولهم الإمام علي مستثنين من المشمولين بأهل الذكر فإننا نحيله إلى كلام رسول الله عز وجل لأن الله قال عز وجل ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) إذا عندما ترضى بتحكيم رسول الله في ما شجر من الخلاف وجب أن تسلم تسليما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله في حق الإمام علي (أنا مدينة العلم وعلي بابها) إذا فقد أدخل الرسول صلى الله عليه وآله الإمام علي في أهل العلم وأهل الذكر الذين يجب سؤالهم دون سواهم حتى لاتعم الفرقة والخلاف عندما يسئل كل من هب ودب.
ملاحظة: ورد حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها في كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان صـ 89
مستدركالحاكم- كتاب معرفة الصحابة (ر) - أنا مدينة العلم وعلي بابها - حديث رقم : ( 4693 )
الطبري - ذخائر العقبى -رقم الصفحة : ( 77 )
الذهبي - تذكرة الحفاظ -الجزء : ( 4 ) - رقمالصفحة : ( 1231 ) والكثير من المصادر
مابقي قوله في هذا الفصل هو حديث الرسول الذي يؤكد دخول الإمام علي في أهل الذكر الذين حصرتهم الآيه السابقة قول الرسول صلى الله عليه وآله:
أقضاكم علي.
ملاحظة : انظر كتاب شرح الأخبار جزء 2
وكذلك فيض القدير للمناوي 3/ 46
المنيب