العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-05-07, 10:05 PM   رقم المشاركة : 1
بارق
عضو ماسي





بارق غير متصل

بارق is on a distinguished road


مقارنة التدوين عند السنة و التدوين عند الشيعة

دراسة مقارنة في الحديث وعلومه وكتبه
السنة بيان الله تعالي علي لسان رسوله صلى الله عليه وسلم


بحث نشر في مجلة مركز السيرة والسنة بجامعة قطر



القسم الأول
الحديث وعلومه عند الجمهور





القسم الثاني
الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة



مقدمة

الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، والحمد لله الذى لا يؤَّدى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب على مؤدِّى ماضي نعمه بأدائها : نعمة حادثة يجب عليه شكره بها . ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذى هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به خلقه .

أحمده حمداً كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله ، وأستعينه استعانة من لاحول له ولا قوة إلا به ، وأستهديه بهداه الذى لا يضل من أنعم به عليه ، وأستغفره لما أزلفت وأخرت . استغفار من يقر بعبوديته ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو . وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله([1]).

وبعد :



فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا الذى يبين حقيقة الشيعة الاثنى عشرية ، حيث كان الجزء الأول دراسة مقارنة في عقيدة الإمامة والعقائد التابعة ، وكان الجزء الثانى في التفسير المقارن وأصوله ، وجاء هذا الجزء ليتناول الحديث وعلومه وكتبه ، وقسمت هذا الجزء إلى قسمين :



القسـم الأول : في الحديث وعلومه عند الجمهور

القسـم الثانى : في الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة



والقسم الأول يضم عشرة فصول :

الفصل الأول : وضحت فيه ما جاء في القرآن الكريم بينا لا يحتاج إلى بيان ، وما جعل بيانه للرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان الفصل تحت عنوان " بيان الكتاب والسنة " .

والفصل الثانى عنوانه " السنة وحى " ، وقد أثبت هذا .

والفصل الثالث لبيان " اعتصام السلف بالسنة " ، فذكرت من الأخبار الصحيحة ما يبين هذا الاعتصام .

والفصل الرابع عن " تدوين السنة " وبينت فيه أن من السنة المشرفة ما وصلنا مدوناً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما دون في عهد الصحابة رضى الله تعالى عنهم والتابعين لهم بإحسان إلى أن بدأ التدوين الرسمى بأمر خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز ـ– رضى الله تعالى عنه . ثم جاء عصر التدوين في منتصف القرن الثانى الهجرى ، ووصلنا من كتب القرن الثانى بعض الكتب ، ثم كان القرن الثالث العصر الذهبى لتدوين السنة المطهرة ، وكثير مما دون في القرنين الأول والثانى مما لم يصلنا جاءنا عن طريق ما دون في القرن الثالث .

وفى الفصل الخامس تحدثت عن " الجرح والتعديل " ، فبينت الأسس العلمية التي قام عليها الجرح والتعديل عند جمهور المسلمين ، ونقلت آراء الأئمة الأعلام ، وما جاء في أول كتب ألفت في هذا الموضوع ، وبينت موقف الجمهور من الفرق المختلفة .

وفى الفصل السادس نقلت " حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت " حيث أنكرت العمل بالسنة المطهرة ، والاكتفاء بالقرآن الكريم ، وشككت في حجية السنة ، وانتهى الحوار بإبطال شبهات هذه الفرقة ، وتسليم من حاوره الإمام الشافعى بصحة ما قاله الإمام .

وفى الفصل السابع أشرت إلى ضلال الطاعنين في السنة الذين جاءوا " بعد الإمام الشافعي " ، وعلى الأخص في القرنين الثالث والرابع .

ولم أرد استقصاء واستيعاب حركات التشكيك والتضليل في كل العصور ، فهذا أمر يطول جداً ، ويكفى فيه النماذج ، ولذلك جعلت الفصل الثامن لما وجد " في عصر السيوطى " ، حيث تحدث الإمام السيوطى عن الطاعنين في عصره من الزنادقة والرافضة ، فألف كتابه " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة " للرد على هؤلاء الضالين المضلين .

ثم جعلت الفصل التاسع تحت عنوان " الطاعنون في العصر الحديث " فبينت أصناف هؤلاء الضالين ، ومدى خطر كل طائفة .

وختمت هذا القسم بالفصل العاشر ، أشرت فيه إلى راوية الإسلام ، وأحفظ من روى الحديث في دهره ، وهو " أبو هريرة " . رضى الله تعالى عنه ، حيث وجدنا المستشرقين ، وتلامذتهم من العلمانيين ، وكذلك الزنادقة والرافضة ، كل هؤلاء الذين أرادوا هدم الإسلام من أساسه أخذوا يطعنون في هذا الصحابى الجليل الذى حفظ لنا سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وتركت الحديث عنه للبحث الملحق بهذا الجزء ، وهو بحث : السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم انتقلت إلى القسم الثانى الذى تناول الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة ، ويضم ستة فصول

في الفصل الأول تحدثت عن " التدوين عند الشيعة " ، فبينت انقسام الشيعة إلى عدة فرق عند موت كل إمام ، وكل فرقة كانت تضع من الأحاديث ما تؤيد به عقيدتها ، وما كانت أية فرقة تستطيع أن تضع أحاديث في إمام لم يولد بعد ، فإنها لا تعلم الغيب مهما زعم الزاعمون من غلاة وزنادقة هذه الفرق . وعند موت الإمام الحسن العسكرى ، وهو الحادى عشر ، ولم يعرف له ولد ، ولم يترك عقبا ، وقسمت تركته ، انقسم الشيعة عندئذ إلى أكثر من عشر فرق ، وكلها وضعت عقيدتها على أساس عدم وجود ولد للحسن العسكرى ما عدا فرقة واحدة مع فرقة الشيعة الاثنى عشرية ، حيث زعمتا أن له عقبا ، وقالت الاثنا عشرية مقالتها في الإمام الثانى عشر ، وهو ما بينته في الجزء الأول من هذا الكتاب .

انتهيت من هذا الفصل إلى أن جميع الأخبار التي تذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر كلها وضعت واختلقت بعد موت الإمام العسكرى ، ووجدت أن الواقع العملى يؤيد ما انتهيت إليه حتى بالنسبة لما يعرف عندهم بالأصول الأربعمائة ، وهى تسبق كتبهم الأربعة التي ألفت في القرنين الرابع والخامس .

وانتقلت إلى الفصل الثانى ، وعنوانه " الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة " ، وأردت من هذا العنوان أن نفرق بين معتدلى الشيعة وغلاة الرافضة .

فمن أوائل الكتب كتاب " علوم الحديث " للحاكم المعروف بتشيعه ، وبالنظر في الكتاب وجدنا الحاكم يتفق مع جمهور المسلمين ، ومثله من الشيعة النسائى صاحب السنن ، وابن عبدالبر ، وغيرهم .

أما الرافضة ، الذين رفضوا الإمام زيد بن على بن الحسين لثنائه على الشيخين أبى بكر وعمر ،واعترافه بإمامتهما ، هؤلاء الرافضة تأثروا بعقيدتهم الباطلة في الإمامة فربطوا الجرح والتعديل بموقف الرواة من عقيدتهم ، ولذلك جرحوا وفسقوا جمهور الصحابة الكرام ، بل وصل الأمر إلى تكفير خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ، وتكفير أمة الإسلام التي اعترفت بإمامتهما واقتدت بسنتهما بعد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكرت من كتب الجرح والتعديل عند هؤلاء الرافضة ما يبين ضلالهم ، بل كفرهم وزندقتهم.



والفصل الثالث تناول " مفهوم السنة عندهم " ، وهو يختلف عما أجمعت عليه الأمة ، حيث إنهم أشركوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره من أئمتهم ، وجعلوا أقوالهم وأفعالهم كالمعصوم صلى الله عليه وسلم دون أدنى فرق ، فهم يرونهم معصومين كالرسول صلى الله عليه وسلم ، سواء أكان من اعتبروه إماماً كبيراً أم صغيراً ، أم لا يزال طفلا في الخرق يلهو ويعبث كما يلهو الأطفال ويعبثون ، فلهوه وعبثه سنة تشريعية ملزمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كالقرآن الكـريم !! " انظر كيف يفترون على الله الكذب " !!

والفصل الرابع تحدثت فيه عن " مراتب الحديث " ، وهى عندهم أربعة : الصحيح والحسن والموثق والضعيف ، وكلها مبنية على آرائهم الضالة في الجرح والتعديل .

والفصل الخامس تحدثت فيه عن " التعارض والترجيح " ، وهو يوضح أسباب ابتعاد هذه الفرقة الضالة عن الأمة الإسلامية ، حيث يرجحون ما خالف الأمة وإن وافق الكتاب والسنة ، ويعتبرون الأخذ بما خالف جمهور المسلمين رشداً ، بل من علامات الإيمان ! وبينت من قبل مفهوم الإيمان والكفر عند هؤلاء الرافضة أتباع عبدالله بن سبأ لعنه الله تعالى ، وسيأتى لهذا مزيد بيان في هذا الجزء والجزء الذى يليه .

أما الفصل السادس ، وهو الفصل الأخير في هذا القسم فتحدثت فيه عن " الكتب الأربعة " ، أى المعتمدة عندهم ، وهى : الكافى للكلينى ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للطوسى .

ولما كان الكافى هو الكتاب الأول عندهم أشبه بصحيح البخارى عند المسلمين ، وهو يشتمل على الأصول والفروع ، ويقع في ثمانية أجزاء ، أما الكتب الثلاثة الأخرى فتقتصر على الفروع فقط دون الأصول ، فلذلك رأيت أن يكون الحديث أولاً عن الجزء الأول من أصول الكافى ، وثانياً عن الجزء الثانى من أصول الكافى ، وثالثاً عن روضة الكافى ، ثم أخيراً يكون الحديث عن فروع الكافى والكتب الثلاثة الأخرى .

وهذه الكتب الأربعة كتبت بعد عصر الأئمة الاثنى عشر في ظلمات عقيدتهم الباطلة ، وقد بينت الدراسة ما في هذه الكتب من باطل وزيغ وضلال وعلى الأخص كتابهم الأول حيث سلك الكلينى منهج شيخه على بن إبراهيم القمى في تحريف القرآن الكريم ، وتكفير الصحابة الكرام ، وعلىالأخص أبو بكر وعمر خير البشر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن تولاهما ورضى بخلافتهما الراشدة.

والقارئ لهذا القسم يعجب أشد العجب لوجود مثل هذا الزيغ والضلال والزندقة لفرقة تنتمى إلى الإسلام ، وتبذل أقصى ما تستطيع لنشر هذا الفساد بين المسلمين .

وبقراءة هذا الجزء بقسميه يبدو واضحاً جلياً بيناً الفرق بين المنهج العلمي للجمهور في الحديث وعلومه ومنهج غلاة الرافضة وزنادقتهم ، ويشترك مع الجمهور معتدلو الشيعة من غير الرافضة .

ويبقى بعد هذا أصول الفقه وهو ما نتحدث عنه في الجزء الرابع إن شاء الله تعالى .

" سبحان ربك رب العزة عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين " .



الفصل الأول

بيان الكتاب والسنة

نزل القرآن الكريم مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة ، قال تعالى في سورة الإسراء : ] وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً[ ([2])

والرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقرأ القرآن الكريم على الناس فإنما يقرأ ويبين مراد الله تعالى . وكان منهج الصحابة رضى الله تعالى عنهم كما قال ابن مسعود " كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم ما بهن ونعمل بهن فتعلمنا العلم والعمل جميعاً " ، وكانوا يأخذون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخفى عليهم من هذا العلم .

وفى العهد المكى الذى نزلت فيه سورة الإسراء نزل قوله تعالى في الآية التاسعة والثمانين من سورة النحل : ] وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [ .

وفى الآية الرابعة والأربعين من سورة النحل أيضاً نزل قوله عز وجل : ]أنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[ ، فما البيان الذى جاء به القرآن الكريم؟ و ما بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وما العلاقة بين البيانين ؟

أولاً: من القرآن ما جاء البيان نصا لا يحتاج إلى بيان آخر : كقوله تبارك وتعالى : ] فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [([3]).

فحرف الواو كما يأتى للجمع قد يأتى للإباحة ، فيحتمل أن يكون المتمتع مخيراً بين صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ، فمنع هذا الاحتمال بمزيد من البيان " تلك عشرة كاملة " ومثل هذه الآية الكريمة ما يعرف في أصول الفقه : بالمحكم أو المفسر إذا كان التفسير من القرآن الكريم نفسه وهو كثير ، وما كان قطعى الدلالة لا يحتمل التأويل وهو أكثر .

ثانياً : في الآية الكريمة السابقة الذكر ذكر العمرة والحج ، ولكن كيف نؤديهما ؟ وفى قوله عز وجل ] وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [ بيان أن الصلاة مفروضة ، وأن الزكاة مفروضة ولكن ما عدد الصلوات المفروضة ؟ وكيف تؤدى ؟ وما مواقيتها ؟ إلى غير ذلك مما يتعلق بالصلاة ، وكذلك ما يتعلق بالزكاة . كل هذا بينه الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله –ـ عز وجل ـ الذكر بإحكام الفرض وترك للرسول صلى الله عليه وسلم بيان ما أنزل . وهذا أمر واضح جلى لا يحتاج إلى وقفة فلا يستطيع أحد أن ينكره .

ومثل هذا بيان ما كان ظنى الدلالة محتملاً للتأويل : كمطلق يقيد وعام يخصص إلى غير ذلك مما هو معلوم مشهور .

ثالثاً : جاءت السنة المطهرة بما ليس فيه نص من كتاب الله تبارك وتعالى ، وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو عن الله تعالى ، فقد بين القرآن الكريم وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم " فكل من قبل عن الله فرائضه فى كتابه : قبل عن رسول الله سننه بفرض الله طاعة رسوله على خلقه ، وأن ينتهوا إلى حكمه . ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل لما افترض الله من طاعته . فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله وإن تفرقت فروع الأسباب التي قبل بها عنهما " ([4]).

والآيات الكريمة التي تبين وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنها من طاعة الله عز وجل ، وتحذر من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآيات كثيرة نكتفى هنا بذكر بعضها .

القرآن الكريم يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذر من معصيته .

قال الله سبحانه وتعالى :

] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [ " الحشر : 7 "

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [ " النساء : 59 "

] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا [ " الأحزاب : 36 "

] مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ [ " النساء : 80 "

] إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [ " الفتح : 10 "

] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ " النساء : 65 "

] لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ " النور : 63 "

] إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [ " النور : 51 ، 52 "

فهذه الآيات الكريمة فرضت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم : مقرونة بطاعة الله عز وجل ، ومذكورة وحدها ، وحذرت من يعصى أمر رسول الله وحكمت عليه بالضلال المبين وبعدم الإيمان ، فطاعة الرسول الكريم طاعة الله تبارك وتعالى . إذن بيان السنة من بيان كتاب الله العزيز .

السنة وحي
ولا يكون مثل هذا للرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان معصوماً لا ينطق عن الهوى ، وهو ما بينه القرآن الكريم حيث قال:] وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ (3 - 4:النجم ).وقال: ] وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ [ ( 52 - 53 : الشورى ) .

وفى آيتين كريمتين إحداهما تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم والأخرى تخاطب المؤمنين جاء البيان بأن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب والحكمة ،وسيأتى في كلام للإمام الشافعى إثبات أن الحكمة هي السنة ، والآيتان هما قوله تعالى :

] وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [ ( 113 : النساء) ، وقوله عز وجل : ] وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [ (231 : البقرة ) . وإذا كان القرآن الكريم وحياً منزلا أمرنا باتباعه والتعبد به وتلاوته فإن السنة المطهرة من الوحى المنزل الذى أمرنا باتباعه دون التعبد والتلاوة .

وروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يبين وجوب طاعته ويحذر من معصيته .

فقد روى أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة والحاكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا ألفين أحدكم متكئـا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى ممـا أمـرت به أو نهيت عنه فيقـول لا أدرى ما وجدنـا في كتاب الله اتبعنـاه " وفى رواية لهم أيضـاً " يوشـك أن يقعـد الرجل منـكم على أريكته يحدث بحديثـى فيقـول :

بينى وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه . وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله " ([5]) .

وفى خطبته الشريفة في حجة الوداع حث على التمسك بالكتاب والسنة حيث قال : " وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمرا بينا كتاب الله وسنة نبيه ([6]) .

وروى أبو داود في مراسيله عن حسان بن عطية قال : " كان جبريل رضي الله عنه ينزل على رسول صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن " ([7]) .

وروى الدارمى عن محمد بن كثير عن الأوزاعى عن حسان قال : " كان جبريل ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " ([8]) .ورواه الخطيب البغدادى في الكفاية ( ص12 ) بسنده عن حسان بن عطية أيضاً .

اعتصام السلف بالسنة
كان السلف الصالح متمسكاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تمسكهم بالقرآن الكريم ، فالكل وحى واجب الاتباع .

ففى صحيح البخارى نجد كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، ومما جاء في هذا الكتاب : " وكانت الأئمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم " .

ويوضح ما سبق ما رواه الإمام الدارمى في باب التورع عن الجواب فيما ليس في كتاب ولا سنة :

من هذه الروايات أن أبا بكر الصديق - رضى الله تعالى عنه - كان إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به ، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى به ، فأن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتانى كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء فيقول أبو بكر : الحمد لله الذى جعل فينا من يحفظ عن نبينا . فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به .

وموقف الصديق من ميراث الجدة معلوم مشهور حيث توقف " لا أجد لك في كتاب الله شيئاً " إلى أن بلغه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس .

من روايات سنن الدارمى أيضاً أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى شريح : إذا جاءك شئ في كتاب الله فاقض به ولا يلتفتـك عنه الرجـال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به .

ومنها أن ابن عمر لقى جابر بن زيد فقال له : يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت .

ومنها أن عبدالله بن مسعود قال : أتى علينا زمان لسنا نقضى ولسنا هناك ، وأن الله قد قدر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون ، فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله ، فإن جاءه ما ليس فى كتاب الله ولم يقض به رسول الله فليقض بما قضى به الصالحون .

ومما يبين ما جاء في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح البخارى ما رواه هو ومسلم وأحمد وغيرهم أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : أذكر الله امرأ سمع من النبى صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا ؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين جارتين لى –ـ يعنى ضرتين ـ فضربت إحداهما الأخرى بمسطح ، فألقت جنينا ميتا ، فقضى فيه رسول صلى الله عليه وسلم بغرة ، فقال عمر : لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره . وقال غيره : إن كدنا أن نقضى في مثل هذا برأينا .

وروى الإمام الشافعى بسنده عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وإلى التي تليها بعشر ، وفى الوسطى بعشر ، وفى التي تلى الخنصر بتسع ، وفى الخنصر بست .

ثم قال الشافعى : لما كان معروفاً - والله أعلم - عند عمر أن النبى قضى في اليد بخمسين ، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع ، نزلها منازلها ، فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف ، فهذا قياس على الخبر .

فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم ، فيه : أن رسول الله قال : " وفى كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل " صاروا إليه .

ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله .

وفى الحديث دلالتان :

أحدهما : قبول الخبر، والآخر : أن يقبل الخبر في الوقت الذى يثبت فيه ، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبرالذى قبلوا .

ودلالة على أنه لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة ثم وجد خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله .

ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده .

ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار ، ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم ، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه .

ولو بلغ عمر هذا صار إليه ، إن شاء الله كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله ، بتقواه لله ، وتأديتة الواجب عليه ، في اتباع أمر رسول الله وعلمه ، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر ، وأن طاعة الله فى اتباع رسول الله .

ثم أيد الإمام الشافعى قوله السابق فروى بسنده أن عمر بن الخطاب كان يقول : الدية للعاقلة ، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ، حتى أخبره الضحاك ابن سفيان أن رسول الله كتب إليه : أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته ، فرجع إليه عمر ([9]) .

ولمكانة السنة عند الصحابة الكرام وجدنا منهم من يرحل لطلب حديث واحد :

روى البخارى في الأدب المفرد بسنده عن ابن عقيل ، أن جابر بن عبدالله حدثه أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ، فابتعت بعيرا ، فشددت إليه رحلى شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبدالله بن أنيس ، فبعث إليه أن جابرا بالباب . فرجع الرسول فقال : جابر بن عبدالله ؟ فقلت : نعم . فخرج فاعتنقنى . قلت : حديث بلغنى لم أسمعه ، خشيت أن أموت أو تموت .. إلخ ([10]).

وروى الحميدى في مسنده ( 1 / 189 ) وبسنده عن عطاء بن أبى رباح: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق أحد سمعه من رسول صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة . فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصارى وهو أمير مصر ، فأخبر به ، فعجل وخرج إليه فعانقه ، ثم قال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرى وغير عقبة ، فابعث من يدلنى على منزله . فقال : فبعث معه من يدله على منزل عقبة ، فأخبر عقبة به ، فعجل فخرج إليه فعانقه وقال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ فقال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه غيرى وغيرك في ستر المؤمن .

فقال عقبة : نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزيه ستره الله يوم القيامة " .

فقال له أبو أيوب : صدقت ، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة فما أدركته جايزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر .

هذان مثلان فيهما من الدلالة ما يكفى ويغنى ، والرحلة في طلب الحديث معلومة مشهورة .

تدوين السنة
من المعلوم أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة أحاديثه الشريفة ، وأنه كذلك أباح ، وأمر بمثل هذه الكتابة ، وبالطبع لا يمكن أن يجتمع النهى والإباحة والأمر مع اتحاد الزمان والأحوال . والمتتبع لهذا يجد أن النهى صدر في أول الأمر حتى لا يختلط شىء بكتاب الله تعالى كما يبدو ، أو لأية حكمة أخرى .

والصحيح في النهى ينحصر في حديث واحد رواه الإمام مسلم في كتاب الزهد من صحيحه ، تحت باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ، ورواه بسنده ، عن أبى سعيد الخدرى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكتبوا عنى ، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عنى ولا حرج ، ومن كذب على - قال همام : أحسبه قال متعمداً : فليتبوأ مقعده من النار " .

وقال الإمام النووى في شرح الحديث الشريف :

قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تكتبوا عنى غير القرآن ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه " قال القاضى : كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم : فكرهها كثيرون منهم ، وأجازها أكثرهم .

ثم أجمع المسلمون على جوازها ، وزال ذلك الخلاف . واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهى ، فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب ، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لايوثق بحفظه ، كحديث " اكتبوا لأبى شاه " ، وحديث صحيفة على رضى الله عنه ، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذى فيه الفرائض والسنن والديات ، وحديث كتاب الصدقة ، ونصب الزكاة الذى بعث به أبو بكر رضى الله عنه أنسا رضى الله عنه حين وجهه إلى البحرين ، وحديث أبو هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب ، وغير ذلك من الأحاديث ، وقيل : إن حديث النهى منسوخ بهذه الأحاديث ، وكان النهى حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة . وقيل : إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة والله أعلم " ([11]) .

والأحاديث التي أشار إليها الإمام النووى جاءت بعد حديث النهى عن الكتابة ، ومن هنا قيل بالنسخ ، ولذلك عندما ورد الحديث في مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذرى عقب الشيخ الألبانى بقوله : " هذا منسوخ بأحاديث كثيرة فيها الأمر بكتابة الحديث النبوى " ([12]) . والرامهرمزى الذى ولد في النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى ، وتوفى سنة 360 هـ ، تحدث عن التدوين في كتابه المحدث الفاصل بين الراوى والواعى ( ص 363 : 402 ) تحت عنوان " باب الكتاب " وذكر بإسناده ستة أحاديث . أولها عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن الله تعالى حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلى ، وإنما أحلت لى ساعة من نهار ، وأنها لا تحل لأحد كان بعدى ، لا ينفر صيدها ، ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن يفتدى ، وإما أن يقتل فقال العباس : إلا الأذخر يا رسول الله ، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال : " إلا الأذخر " . فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال : اكتبه لى يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اكتبوا لأبى شاه " . قال المديد : قلت للأوزاعى : ما قوله اكتبوا لأبى شاه ؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول صلى الله عليه وسلم .

أما باقى الأحاديث فكلها عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضى الله تعالى عنهما ، وهى :

1 ـ قلت : يا رسول الله ، أقيد العلم ؟ قال : " نعم " ، قلت : وما تقييده ؟ قال : " الكتاب " .

2 ـ قلت : يا رسول الله ، أكتب ما أسمعه منك ؟ قال " نعم " قلت : في الغضب والرضا ؟ قال : " نعم ، فإنى لا أقول إلا حقا "

3 ـ قلنا : يا رسول الله ، إنا نسمع منك أشياء لا نحفظها ، أفلا نكتبها ؟ قال: " بلى فاكتبوها " .

4 ـ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قيدوا العلم بالكتاب " .

5 ـ قلت : يا رسول الله ، إنى أسمع منك الشئ أفأكتبه ؟ قال : " نعم فاكتبه " قلت : إنك تغضب وترضى ؟ قال : " إنى لا أقول في الرضا والغضب إلا حقا"([13]).

والحديث الأول ـ حديث أبى هريرة ـ أخرجه الإمام البخارى في كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، وفيه أخرج ثلاثة أحاديث أخرى ، أحدها عن أبى جحفة قال : قلت لعلى : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة . قال : قلت : فما فى هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر .

وأخرج عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه قوله : ما من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه منى ، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو ، فإنه كان يكتب و لا أكتب .

والحديث الرابع في الباب جاء عن ابن عباس -رضى الله عنهما - قال : لما اشتد بالنبى صلى الله عليه وسلم وجعه قال : " ائتونى أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " .

ومن المعلوم المشهور كتابة عبدالله بن عمرو التي أشار إليها أبو هريرة ، وصحيفته " الصادقة " التي أخذها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفى أحاديث عبدالله بن عمرو من مسند الإمام أحمد نجد أربع روايات صحيحة تثبت هذه الكتابة ، منها قوله : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أريد حفظه ، فنهتنى قريش ، فقالوا : إنك تكتب كل شىء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر ، يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اكتب ، فوالذى نفسى بيده ما خرج منى إلا حق "([14])

وفى رواية : " ما خرج منه إلا حق " ([15]).

وفى رواية ثالثة : " فإنه لا ينبغى لى أن أقول في ذلك إلا حقاً " ([16]).

وفى الأخيرة من الروايات الصحيحة : ".... فإنى لا أقول فيهما إلا حقا "([17])

وعقب الشيخ أحمد شاكر على الحديث الأول ببيان صحته ، وذكر ما يتصل بتخريجه ، ثم انتقل للحديث عن الكتابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاكتفى بإثبات ما قاله ابن القيم في تعليقه على اختصار المنذرى لسنن أبى داود ، وهو ما يأتى :-

" قد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم النهى عن الكتابة والإذن فيها . والإذن متأخر ، فيكون ناسخا لحديث النهى ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال في غزاة الفتح : اكتبوا لأبى شاه ، يعنى خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها ، وأذن لعبدالله بن عمرو في الكتابة ، وحديثه متأخر عن النهى ، لأنه لم يزل يكتب ، ومات وعنده كتابته وهى الصحيفة التي كان يسميها الصادقة . ولو كان النهى عن الكتابة متأخرا لمحاها عبدالله ، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بمحو ما كتب عنه غير القرآن . فلما لم يمحها وأثبتها دل أن الإذن في الكتابة متأخر عن النهى عليها ، هذا واضح والحمد لله .

وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم في مرض موته : ائتونى باللوح والدواة والكتف ، لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا . وهذا إنما يكون كتابة كلامه بأمره ، وإذنه . وكتب النبى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم كتابا عظيما ، فيه الديات وفرائض الزكاة وغيرها . وكتبه في الصدقات معروفة مثل كتاب عمر بن الخطاب ، وكتاب أبى بكر الصديق الذى دفعه إلى أنس رضى الله عنه . وقيل لعلى : هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ ؟ فقال : لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا ما في هذه الصحيفة ، وكان فيها العقول ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . وإنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كتابة غير القرآن في أول الإسلام ، لئلا يختلط القرآن بغيره ، فلما علم القرآن وتميز ، وأفرد بالضبط والحفظ ، وأمنت عليه مفسدة الاختلاط ، أذن في الكتابة .

وقد قال بعضهم : إنما كان النهى عن كتابة مخصوصة ، وهى أن يجمع بين كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة ، خشية الالتباس . وكان بعض السلف يكره الكتابة مطلقا . وكان بعضهم يرخص فيها حتى يحفظ ، فإذا حفظ محاها . وقد وقع الاتفاق على جواز الكتابة وإبقائها . ولولا الكتابة ما كان بأيدينا اليوم من السنة إلا أقل القليل ا . هـ .

وفى مقدمة ابن الصلاح ( ص 87 ) جاء عنوان : " في كتاب الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده " .

وقال : " اختلف الصدر الأول - رضى الله عنهم - في كتابة الحديث ، فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم ، وأمروا بحفظه ، ومنهم من أجاز ذلك . وممن روينا عنه كراهة ذلك : عمر ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى ، وأبو سعيد الخدرى في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين " .

وذكر حديث أبى سعيد الخدرى ، وقال : " وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله : على ، وابنه الحسن ، وأنس ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم أجمعين . ومن صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز ذلك حديث أبى شاه ... إلخ " .

ثم قال ( ص 88 ) : " ثم إنه زال ذلك الخلاف ، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة والله أعلم " ([18]) .

وفى الباعث الحثيث ( ص 132 ) سلك الحافظ ابن كثير منهج ابن الصلاج ، وذكر قوله فيما رواه عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم ، ثم قال : " وقد حكى إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث وهذا مستفيض شائع ذائع ، من غير نكير " .

وفى التعليق على ما ذكره الحفاظ بين الشيخ أحمد شاكر أن القول الصحيح هو ما ذهب إليه أكثر الصحابة من جواز الكتابة ، وذكر حديث أبى سعيد في النهى ، ثم قال : إن النهى منسوخ بأحاديث أخرى دلت على الإباحة ، وذكر عددا من هذه الأحاديث ، وقال :

" وهذه الأحاديث ، مع استقرار العمل بين أكثر الصحابة والتابعين ، ثم اتفاق الأمة بعد ذلك على جوازها : كل هذا يدل على أن حديث أبى سعيد منسوخ ، وأنه كان في أول الأمر حيث خيف اشتغالهم عن القرآن ، وحين خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن . وحديث أبى شاه في أواخر حياة النبى صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إخبار أبى هريرة ، وهو متأخر الإسلام ، أن عبدالله بن عمرو كان يكتب ، وأنه هو لم يكن يكتب يدل على أن عبدالله كان يكتب بعد إسلام أبى هريرة ، ولو كان حديث أبى سعيد في النهى متأخراً عن هذه الأحاديث في الإذن والجواز ، لعرف ذلك عند الصحابة يقينا صريحاً . ثم جاء إجماع الأمة القطعى يعد قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير ، وهو إجماع ثابت بالتواتر العملى ، عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول رضى الله عنهم أجمعين " . ا . هـ

مما سبق نرى أن تدوين السنة بدأ في حياة الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما كتب بأمره وبين يديه صلى الله عليه وسلم .

ومن المعلوم أن الاتجاه العام إلى جمع السنة المشرفة وتدوينها في الدولة الإسلامية إنما كان في عهد خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضى الله تعالى عنهم ، وكانت مبايعته بالخلافة في صفر سنة تسع وتسعين ، ووفاته فى رجب سنة إحدى ومائة ، وهذا يعنى أن الجمع كان لكل من المكتوب منها والمحفوظ ، مع مراعاة الإسناد الذى شرفت به وانفردت خير أمة أخرجت للناس . فالجمع إذن لم يكن للمحفوظ وحده ، كما لم يكن لهذا المحفوظ قيمة علمية بغير الإسناد المتصل المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الجزائرى في توجيه النظر إلى أصول الأثر ( ص 7 : 8 ) .

قال البخارى في صحيحه فى كتاب العلم : " وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبى بكر بن حزم : انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه ، فإنى خفت دروس العلم ، وذهاب العلماء " ، وابو بكر هذا كان نائب عمر بن عبدالعزيز في الإمرة والقضاء على المدينة . روى عن السائب بن يزيد ، وعباد بن تميم ، وعمرو بن سليم الزرقى . وروى عن خالته عمرة ، وعن خالدة ابنة أنس ، ولها صحبة . قال مالك : لم يكن أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبى بكر ابن حزم .. وكتب إليه عمر بن عبدالعزيز أن يكتب له من العلم ما عند عمرة والقاسم فكتبه له . وأخذ عنه معمر ، والأوزاعى ، والليث ، ومالك وابن أبى ذئب ، وابن إسحق ، وغيرهم . وكانت وفاته فيما قاله الواقدى وابن سعد وجماعة سنة عشرين ومائة ،وأول من دون الحديث بأمر عمر بن عبدالعزيز محمد بن مسلم ابن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب المدنى ، أحد الأئمة الأعلام ، وعالم أهل الحجاز والشام . أخذ عن ابن عمر ، وسهل بن سعد ، وأنس بن مالك ، ومحمود بن الربيع ، وسعيد بن المسيب ،وأبى أمامة ابن سهل ، وطبقتهم من صغار الصحابة وكبار التابعين ، وأخذ عنه معمر ، والأوزاعى ،والليث ، ومالك ، وابن أبى ذئب وغيرهم . ولد سنة خمسين وتوفى سنة أربع وعشرين ومائة . قال عبد الرزاق : سمعت معمرا يقول : كنا نرى أناقد أكثرنا عن الزهرى حتى قتل الوليد بن يزيد فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه يقول من علم الزهرى ، ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلى طبقة الزهرى . ولوقوع ذلك في كثير من البلاد وشيوعه بين الناس اعتبروه الأول فقالوا : كانت الأحاديث في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدونة فلما انتشر العلماء في الأمصار وشاع الابتداع دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين .

وأول من جمع ذلك ابن جريج بمكة ، وابن إسحق أو مالك بالمدينة : والربيع ابن صبيح أو سعيد بن أبى عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة ، وسفيان الثورى بالكوفة والأوزاعى بالشام ، وهشيم بواسط ، ومعمر باليمن ، وجرير بن عبدالحميد بالرى ، وابن المبارك بخراسان . وكان هؤلاء في عصر واحد ، ولا يدرى أيهم سبق . قال الحافظ ابن حجر : " إن ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى الجمع في الأبواب ، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبى ، فإنه روى عنه قال : هذا باب من الطلاق جسيم ، وساق فيه أحاديث".

وتلا المذكورين كثير من أهل عصرهم إلى أن رأى بعض الأئمة إفراد أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين ، فصنف عبيد الله بن موسى العبسى الكوفى مسندا ، وصنف مسدد البصرى مسندا ، وصنف أسد بن موسى مسندا ، وصنف نعيم بن حماد الخزاعى مسندا ، ثم اقتفى الحفاظ آثارهم : فصنف الإمام أحمد مسندا ، وكذلك إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبى شيبة ، وغيرهم . ولم يزل التأليف في الحديث متتابعا إلى أن ظهر الإمام البخارى وبرع في علم الحديث وصار له فيه المنزلة التي ليس فوقها منزلة ، فأراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حدة ليخلص طالب الحديث من عناء البحث والسؤال ، فألف كتابه المشهور وأورد فيه ما تبين له صحته . وكانت الكتب قبله ممزوجا فيها الصحيح بغيره بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته وغير ذلك مما هو معروف عند أهل الحديث ، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث عنه . فإن لم يتيسر له ذلك بقى ذلك الحديث مجهول الحال عنده ، واقتفى أثر الإمام البخارى في ذلك الإمام مسلم ابن الحجاج . وكان من الآخذين عنه والمستفيدين منه ، فألف كتابه المشهور ، ولقب هذان الكتابان بالصحيحين ، فمعظم انتفاع الناس بهما ، ورجعوا عند الاضطراب إليهما ، وألفت بعدهما كتب لا تحصى ، فمن أراد البحث عنها فليرجع إلى مظان ذكرها .

هذا وقد توهم أناس مما ذكر آنفا أنه لم يقيد في عصر الصحابة وأوائل عصر التابعين بالكتابة شىء غير الكتاب العزيز ، وليس الأمر كذلك ، فقد ذكر بعض الحفاظ أن زيد بن ثابت ألف كتابا في علم الفرائض ، وذكر البخارى في صحيحه أن عبدالله بن عمرو كان يكتب الحديث... إلخ . ا . هـ

والتوهم الذى أشار إليه صاحب توجيه النظر أنه ليس له أساس علمى ، وكان المنهج العلمي والواقع العملى يستلزمان إزالة هذا التوهم ، فلم يقف الأمر عند ثبوت الكتابة عن طريق الأخبار الصحيحة ، بل وصل إلينا بعض ما كتب ، وطبع وانتشر : مثال هذا صحيفة همام بن منبه التي كتبها سماعا من راوية الإسلام الأول أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ، نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد نشرها المجمع العلمي العربى بدمشق ، وطبعت عدة مرات بتحقيق الدكتور محمد حميد الله ، وأخرجها من قبل الإمام أحمد في مسنده ( حـ 2 ص 312 : 318 ) ، وعندما قام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .. بتحقيق وشرح المسند طبع خمسة عشر جزءا ، وتوفى قبل طبع الجزء السادس عشر ، وهو الذى يبدأ بصحيفة همام .…

وفى المسند أيضاً أحاديث كثيرة من صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص ، كما طبع تفسير مجاهد بن جبر ، تلميذ ابن عباس رضى الله عنهم ، وصلة التفسير بالسنة واضحة معلومة .

بل إن كتب النبى صلى الله عليه وسلم وصلنا كثيرمن نصوصها ، وعثر على بعض النسخ الأصلية التي كتبت في حياته صلى الله عليه وسلم : ففى كتاب الأموال لأبى عبيد - على سبيل المثال - يوجد " باب كتب العهود التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الصلح " ( ص 244 ) ، ويروى أبو عبيد بإسناده تحت هذا الباب نصوص سبعة كتب ، وفى كتاب الأموال لابن زنجوية يوجد " كتاب العهود التي كتبها رسول الله ... صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الصلح " ( 2 / 449 ) ، وهو قريب مما ذكره أبو عبيد .

وجمع الدكتور محمد حميد الله ما استطاع من كتب الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبت نصوصها ، وبين مصادرها ، وذكر ما يوجد من أصولها وعرض صوراً لكتبه صلى الله عليه وسلم إلى كل من : النجاشى ، وهرقل ، والمقوقس ، وكسرى ، وغيرهم([19]).

بعد هذا كله كيف يبقى أى توهم ، أو أدنى شك في ثبوت الكتابة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده ؟!

كان الواجب إذن أن يزال هذا التوهم ، ولا يبقى أى شك أو لبس ، ولكن العجيب الغريب أن الأمر زاد واستشرى ، طعنا في السنة المشرفة ، وتشكيكا في صحتها ، والذين تولوا كبره المستشرقون وتلامذتهم الذين اتخذوهم أربابا من دون الله ، والجهلة بمكانة السنة المطهرة وحجيتها وعلومها . وقد صنفت كتب عديدة في الرد على هؤلاء الطاعنين . وحتى لا يطول بنا الحديث عن التدوين أكتفى بالإشارة إلى كتاب واحد وبعض ما جاء فيه ، وذلك هو " دراسات في الحديث النبوى وتاريخ تدوينه " للدكتور محمد مصطفى الأعظمى ، جعل المؤلف الباب الثالث حول كتابة الأحاديث النبوية ( ص 71 : 83 ) ، وانتهى منه إلى نتيجة وهى أن المسلمين كانت قد أصبحت لديهم إمكانيات واسعة تمكنهم من كتابة الأحاديث النبوية ، ولم يكن ثمة عائق خارجى يقف في وجه تقييد العلم .

وجعل عنوان الباب الرابع " تقييد الحديث من عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلى منتصف القرن الثانى الهجرى على وجه التقريب " ، وهذا الباب يقع في مائتين واثنتين وأربعين صفحة ( 84 : 325 ) ، وقسمه إلى أربعة فصول :

الفصل الأول لكتابة الصحابة والكتابة عنهم :

ذكر فيه اثنين وخمسين من الصحابة الذين كتبوا أو كتب عنهم الأحاديث النبوية ، ورد على الشبه التي تشكك فيما انتهى إليه ، وعلى سبيل المثال ذكر أسماء عشرة كتاب كتبوا عن أبى هريرة ، ومنهم همام بن منبه صاحب الصحيفة التي وصلتنا كاملة ، وأشرت إليها من قبل ،وأربعة عشر كتبوا عن جابر بن عبد الله ، وهو نفسه من المؤلفين الأوائل ، وتسعة كتبوا عن ابن عباس ، أما هو فكانت كتبه حمل بعير ، وهكذا .

والفصل الثانى عنوانه : " تابعيو القرن الأول وكتاباتهم والكتابة عنهم " ، وأثبت من هؤلاء ثلاثة وخمسين .

والفصل الثالث جعله المؤلف لكتابة صغار التابعين والكتابة عنهم ، وذكر من هؤلاء التابعين تسعة وتسعين .

أما الفصل الأخير من هذا الباب فكان لكتابة بعض صغار التابعين وأتباع التابعين والكتابة عنهم ، وبلغ عدد من ذكرهم هنا اثنين وخمسين ومائتين .

وبهذا يتضح بدء الكتابة في عصر النبوة ، واتصالها واتساعها دون توقف حتى ما جاء ما عرف بعصر التدوين في القرن الثانى الهجرى .

وقبل هذا الباب قال المؤلف (ص 76 ) : " في ضوء دراستنا هذه نستطيع أن نقول أن كل من نقل عنه كراهية كتابة العلم فقد نقل عنه عكس ذلك أيضاً ، ما عدا شخصاً أو شخصين ، وقد ثبت كتابتهم أو الكتابة عنهم ، كما يتضح ذلك بمراجعة الباب الرابع من هذا الكتاب "

وممن نقل عنهم كراهية كتابة العلم ، وتحدث المؤلف عنهم في هذا الباب ، ليثبت كتابتهم أو الكتابة عنهم :

1 ـ أبو سعيد الخدرى ([20]) .

2 ـ أبو موسى الأشعرى ([21]) .

3 ـ زيد بن ثابت ([22]) .

4 ـ عبدالله بن مسعود ([23]) .

5 ـ عمر بن الخطاب : وقد أفاض في الحديث عنه ، وذكر سبع قضايا نقلت عن عمر وأسىء فهمهما ، واستدل بها على عدم أخذه بالسنة النبوية ، ورد المؤلف على هذا كله ، وذكر من الأدلة ما هو كاف شاف ، ثم تحدث عن جهود عمر لنشر السنة ، وعن كتابته للسنة ([24]).

الجرح والتعديل
تكفلت كتب علوم الحديث ببيان ما يتصل بالجرح والتعديل ، ولعل أول كتاب ألف في علوم الحديث هو المحدث الفاصل بين الراوى والواعى للرامهرمزى ، المتوفى سنة 360 هـ . ولكن قبل هذا بكثير كان لبعض الأئمة الأعلام ما يتصل بالجرح والتعديل من أحكام عامة ، وبيان لمن تقبل روايتهم ومن ترد وذكر لأسماء كثير من هؤلاء الرواة . وتوسع بعضهم في ذكر هذه الأسماء فيما يعرف بكتب الرجال ، ومن أقدمها وأنفعها ما كتبه الإمام البخارى في تاريخه الكبير ، وفى الضعفاء ، وكان أثره واضحاً ، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم المتوفى سنة 327 هـ .

وكتب علوم الحديث حفظت لنا آراء الأئمة من الجرح والتعديل ، ولكن قبل أن ننظر في هذه الكتب أريد أن أثبت هنا بعض ما جاء في غيرها سابقا لها ، وأكتفى ببعض ما كتبه ثلاثة من الأئمة :

أولهم الإمام الشافعى ، صاحب كتاب الرسالة ، الذى يعد أول ما صنف في أصول الفقه ، وفى هذا الكتاب ، تحدث الإمام عن خبر الواحد فقال :

ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها : أن يكون من حدث به ثقة في دينه ، معروفا بالصدق في حديثه ، عاقلا لما يحدث به ، عالما بما يحيل معانى الحديث من اللفظ ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع ، لا يحدث به على المعنى ، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام ، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث ، حافظا إن حدث به من حفظه ، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه . إذ شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ، بريا من أن يكـون مدلسا : يحدث عن من لقى ما لم يسمع منه ، ويحدث عن النبى ما يحدث الثقات خلافه عن النبي. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه ، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبى أو إلى من انتهى به إليه دونه ، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه ، ومثبت على من حدث عنه ، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت . (ص 370 : 372 ).

ثم قال بعد هذا : ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته . وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه ، ولا النصيحة في الصدق ، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق . فقلنا : لا نقبل من مدلس حديثاً حنى يقول فيه " حدثنى " أو " سمعت " ( ص 379 : 380 ) .

وقال أيضاً : ومن كثر غلطه من المحدثين ، ولم يكن له أصل كتاب صحيح ، لم نقبل حديثه ، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته .

وأهل الحديث متباينون :

فمنهم المعروف بعلم الحديث ، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوى الرحم والصديق ، وطول مجالسة أهل التنازع فيه . ومن كان هكذا كان مقدما في الحفظ ، إن خالفه من يقصر عنه ، كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه .

ويعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له .

وإذا اختلفت الرواية استدللنا عن المحفوظ منها والغلط بهذا ، ووجوه سواه ، تدل على الصدق والحفظ والغلط . ( الرسالة : ص 382 : 383 ) .

ونأتى بعد الإمام الشافعى إلى الإمام مسلم ، حيث تحدث في مقدمة صحيحه عن حال بعض الرواة وبين طبقاتهم . وبعد أن بين من تقبل أحاديثهم قال ( ص 45 ) : " فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون ، أو عند الأكثر منهم ، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم " . وسمى بعضهم وقال : " وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار ، وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ، أمسكنا أيضا عن حديثهم .

وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ، أو لم تكد توافقها . فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا نستعمله " ( ص : 46 ) .

ويأتى بعد هذا باب النهى عن الرواية عن الضعفاء ، والاحتياط في تحملها ، ثم باب بيان أن الإسناد من الدين ، وبين فيه وجوب عدم الأخذ إلا عن الثقة الثبت ، ونبه إلى أمر هام حيث روى عن أبى الزناد قوله : " أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ، ما يؤخذ عنهم الحديث ، يقال : ليس من أهله " ([25]).

وعن يحيى بن سعيد القطان قال : " لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث " ، وفسر الإمام مسلم هذا بقوله : يجرى الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب .

وقال النووى في شرحه : معناه ما قاله مسلم أنه يجرى الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك ، لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث ، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه ، ويروون الكذب ولا يعلمون أنه كذب . وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو : عمدا كان أو سهوا أو غلطا ([26]).

وفى الكشف عن معايب رواة الحديث أورد مسلم بعض الأخبار التي تذكر أسماء بعض الكذابين والوضاعين ، ومن هؤلاء جابر بن يزيد الجعفى ، وروى عن غير واحد أن جابرا كان يؤمن بالرجعة ، وفسرها النووى بقوله : معنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليا ـ كرم الله وجهه ـ في السحاب ، فلا نخرج - يعنى مع من يخرج من ولده حتى ينادى من السماء : أن اخرجوا معه ، وهذا نوع من أباطيلهم ، وعظيم من جهالاتهم اللائقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية ( ص : 85 ) .

ومما رواه مسلم أيضاً أن جابرا قال : إن عندى لخمسين ألف حديث ، ما حدثت منها بشئ . ثم حدث يوما بحديث فقال : هذا من الخمسين ألفا ، وفى خبر زاد أنها عن النبى صلى الله عليه وسلم .

وفى خبر أيضاً قال جابر : عندى سبعون ألف حديث عن أبى جعفر عن النبى صلى الله عليه وسلم كلها .

وروى عن الإمام سفيان بن عيينه أنه قال : سمعت رجلا سأل جابرا عن قوله - عز وجل :

] فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [ ([27]) ، فقال جابر : لم يجئ تأويل هذه الآية . قال سفيان : وكذب .فقلنا لسفيان : وما أراد بهذا ؟ فقال : لإن الرافضة تقول أن عليا في السحاب ، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادى مناد من السماء ، يريد عليا أنه ينادى : اخرجوا مع فلان . يقول جابر : فذا تأويل هذه الآية ، وكذب ، كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم .

وروى عن سفيان أيضاً قال : سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ، ما أستحل أن أذكر منها شيئا وأن لى كذا وكذا ([28]).

ثم ذكر الإمام مسلم عدداً غير قليل ممن لا تقبل روايتهم ([29])، ثم قال:" وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمى رواة الحديث ، وأخبارهم عن معايبهم ، كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه ، وفيما ذكرنا غاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا . وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلى الأخبار ، وأفتوا بذلك حين سئلوا ، لما فيه من عظيم الخطر ، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتى بتحليل أو تحريم ... إلخ .([30])

وللإمام مسلم في بيان علل الحديث كتاب التمييز :

بين فيه الدواعى إلى الجرح والتعديل ، ثم أورد باب ما جاء في الترقى في حمل الحديث وأدائه والتحفظ من الزيادة فيه والنقصان ( ص 127 ) . وبعد هذا أخذ يبين علل بعض الأخبار والروايات كالخطأ أو الوهم في الإسناد أو المتن ، أو فيهما معا ، وأشار إلى شىء من التصحيف ، وما يدفعه الأخبار الصحاح ، ثم قال بعد هذا كله ( ص 171 ) :

" واعلم رحمك الله ، أن صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة ، لأنهم الحفاظ لروايات الناس ، العارفين بها دون غيرهم ، إذ الأصل الذى يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة ، من عصر إلى عصر من لدن النبى صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا ، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس ، وخالفهم في المذهب ، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار ، من نقال الأخبار وحمال الآثار .

وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح . وإنما اقتصصنا هذا الكلام لكى ننبه من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم ، والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله ، أو سقطوا من أسقطوا منهم . والكلام في تفسير ذلك يكثر ، وقد شرحناه في مواضع غير هذا ، وبالله التوفيق ، في كل ما نؤم ونقصد " .

وبعد الإمامين الشافعى ومسلم نأتى إلى الثالث وهو ابن أبى حاتم في كتابه الجرح والتعديل الذى أشرت إليه من قبل ، حيث جعل لكتابه مقدمة بدأها ببيان مرتبة النبى صلى الله عليه وسلم ، ثم بمعرفة السنة وأئمتها ، ثم تحدث عن التمييز بين الرواة وبيان طبقاتهم ، فقال ( ص 5 : 7 )

التمييز بين الرواة : قال أبو محمد : فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شئ من معانى كتاب الله ولا من سنن رسوله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية ، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم ، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة .

ولما كان الدين هو الذى جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حق علينا معرفتهم ، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم ، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته ، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم ، علماء بدينهم ، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه ، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات ، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه ، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات .

وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه ، ليعرف به أدلة هذا الدين وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم هؤلاء أهل العدالة ، فيتمسك بالذى رووه ، ويعتمد عليه ،ويحكم به ، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ ، فيكشف عن حالهم وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها ، إن كذب فكذب ، وإن وهم فوهم ، وإن غلط فغلط ، وهؤلاء هم أهل الجرح فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به ولا يعمل عليه ،ويكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار ، ومن حديث بعضهم الآداب الجميلة والمواعظ الحسنة والرقائق والترغيب والترهيب هذا أو نحوه.

طبقات الرواة : ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقيب والبحث عن الرجال والمعرفة بهم - وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.

ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه - فهؤلاء هم أهل العدالة . ومنهم الصدوق فى روايته الورع فى دينه الثبت الذى يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد ـ فهذا يحتج بحديثه أيضاً .

ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط – فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .

ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ـ ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب ، فهذا يترك حديثه ويطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به .

وبعد هذا تحدث ابن أبى حاتم عن الصحابة الكرام فقال ( ص 7 : 8 )

الصحابة : فأما أصحاب رسول الله فهم الذين شهدوا الوحى والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل . وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه ، فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة ، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب ، ووعوه وأتقنوه ، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده - بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة ، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز ، وسماهم عدول الأمة فقال عز ذكره في محكم كتابه : ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ [ ففسر النبى صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله " وسطا " قال : عدلا . فكانوا عدول الأمة ، وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة .

وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجرى على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال : ] وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [ الآية ([31]) .

ووجدنا النبى صلى الله عليه وسلم قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها ، منها أن دعا لهم فقال : نضر الله امرأ سمع مقالتى فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره . وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته : فليبلغ الشاهد منكم الغائب . وقال : بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عنى ولا حرج .

ثم تفرقت الصحابة رضى الله عنهم في النواحى والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازى والإمارة والقضاء والأحكام ، فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذى هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكموا بحكم الله عز وجل ، وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظائرها من المسائل ، وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين .

وبعد الصحابة قال عن التابعين ( ص 8 : 9 ) .

التابعون : فخلف بعدهم التابعون الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وآثاره ، فحفظوا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار وسائر ما وصفنا الصحابة به رضى الله عنهم ، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل ، ونصبهم له إذ يقول الله عز وجل : ] وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [ " الآية "

حدثنا عبدالرحمن محمد بن يحيى ، أنا العباس بن الوليد الترسى ، نايزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة قوله عز وجل : ] وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ [ التابعين .

فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز ، أو تدركهم وصمة ، لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم ، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه وإقامة سنته وسبله ، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى ، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماما مبرزا مقدما في الفضل والعلم ووعى السنن وإثباتها ولزوم الطريقة واحتبائها ، رحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين - إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم ، ولا هو في مثل حالهم : لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان ، ولا ثبت ممن ذكرنا حالهم وأوصافهم ومعانيهم في مواضع من كتابنا هذا ، فاكتفينا بها وبشرحها في الأبواب مستغنية عن إعادة ذكرها مجملة أو مفسرة في هذا المكان.

وفى ص 9 ، 10 جاء الحديث عن أتباع التابعين ومراتبهم :

أتباع التابعين : ثم خلفهم تابعو التابعين وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل ، ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه ، والعلماء بالحلال والحرام ، والفقهاء في أحكام الله عز وجل وفروضه وأمره ونهيه ، فكانوا على مراتب أربع .

مراتب الرواة : فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث - فهذا الذى لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله ، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال .

ومنهم العدل في نفسه ، الثبت في روايته ، الصدوق في نقله ، الورع في دينه ، الحافظ لحديثه المتقن فيه ، فذلك العدل الذى يحتج بحديثه ، ويوثق في نفسه .

ومنهم الصدوق الورع الثبت الذى يهم أحيانا وقد قبله الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه .

ومنهم الصدوق الورع المغفل ، الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو - فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب و لا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .

وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ، ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولى المعرفة منهم الكذب -– فهذا يترك حديثه ويطرح روايته . انتهى المنقول من كلام ابن أبى حاتم .

وننتقل بعد هذا إلى كتب علوم الحديث :

وأولها المحدث الفاصل للرامهرمزى المتوفى سنة 360هـ . ومما جاء في موضوعنا ما أثبته تحت عنوان : " القول فيمن يستحق الأخذ عنه " بدأه بما يبين رأى الإمام مالك حيث قال :

القول فيمن يستحق الأخذ عنه :

حدثنا عبدالله بن الصقر السكرى ، ثنا إبراهيم بن المنذر الجزامى ، ثنا معن - وقال مرة محمد بن صدقة الفدكى أحدهما أو كلاهما - قال : سمعت مالك بن أنس يقول : لا يؤخذ العلم عن أربعة ، ويؤخذ ممن سوى ذلك : لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس ، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث . قال الحزامىّ : فذكرت ذلك لمطرف بن عبدالله فقال : ما أدرى ما تقول ، غير أنى أشهد لسمعت مالكا يقول : أدركت ببلدنا هذا - يعنى المدينة - مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة ، يحدثون ، فما كتبت عن أحد منهم حديثا قط . قلت : لم يا عبدالله ؟

قال : لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدثون . قال : وقال مالك : كنا نزدحم على باب ابن شهاب ( ص 403 : 404 ) .

وانتقل المؤلف بعد هذا إلى الإمام الشافعى ، حيث نقل عنه ما ذكرته من قبل ، ثم قال :

قال الشافعى : وكان ابن سيرين والنخعى وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن من عرف .

قال الشافعى : وما لقيت أحدا من أهل العلم يخالف هذا المذهب ( ص 405 ) .

وجاء بعد هذا بآراء آخرين غير مالك والشافعى .

وبعد الرامهرمزى يأتى كتاب علوم الحديث للحاكم المعروف بتشيعه ، ولكنه لم يكن رافضيا ، ولذلك أترك النقل منه هنا وأبقيه عند الحديث عن الجرح والتعديل عند الشيعة الاثنى عشرية ليتضح الفرق بين الشيعة والرافضة .

ومن الكتب المتقدمة فى علـوم الحديث الكفاية في علم الروايـة ، لأبى بكر أحمد بن على بن ثابت ، المعـروف بالخطيب البغدادى ، والمتوفــى سنة 463 هـ .

وتحدث عن الرواية عن أهل الأهواء والبدع فقال ( ص 125 ) :

والذى يعتمد عليه في تجويز الاحتجاج بأخبارهم اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهاداتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل ، ثم استمرار عمل التابعين والخالفين بعدهم على ذلك لما رأوا من تحريهم الصدق وتعظيمهم الكذب ، وحفظهم أنفسهم عن المحظورات من الأفعال ، وإنكارهم على أهل الريب والطرائق المذمومة ، ورواياتهم الأحاديث التي تخالف آراءهم ويتعلق بها مخالفوهم في الاحتجاج عليهم ، فاحتجوا برواية عمران بن حطان وهو من الخوارج ، وعمرو بن دينار ، وكان ممن يذهب إلى القدر والتشيع وكان عكرمة إباضياً ، وابن أبى نجيح وكان معتزليا ، وعبدالوارث بن سعيد وشبل بن عياد ، وسيف بن سليمان ، وهشام الدستوائى ، وسعيد بن أبى عروبة وسلام بن مسكين ، وكانوا قدرية وعلقمة بن مرثد ، وعمرو بن مرة ، ومسعر بن كدام ، وكانوا مرجئة ، وعبيد الله بن موسى وخالد بن مخلد ، وعبد الرزاق بن همام وكانوا يذهبون إلى التشيع ، في خلق كثير يتسع ذكرهم ، دوّن أهل العلم قديما وحديثاً رواياتهم واحتجوا بأخبارهم فصار ذلك كالإجماع منهم ، وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب .

باب ذكر بعض المنقول
عن أئمة أصحاب الحديث في جواز الرواية عن أهل الأهواء والبدع قد اسلفنا الحكاية عن أبى عبد الله الشافعى في جواز قبول شهادة أهل الأهواء غير صنف من الرافضة خاصة ، ويحكى نحو ذلك عن أبى حنيفة إمام أصحاب الرأى وأبى يوسف القاضى .

وبعد هذا ذكر عدة روايات منها :

بسنده عن حرملة بن يحيى قال : سمعت الشافعى يقول : لم أر أحدا من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة ( ص : 126 ) .

وعن أبى يوسف قال : أجيز شهادة أهل الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون أن الله لا يعلم الشئ حتى يكون .

وعن ابن المبارك قال : سأل أبو عصمة أبا حنيفة : ممن تأمرنى أن أسمع الآثار ؟ قال : من كل عدل في هواه إلا الشيعة ، فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن أتى السلطان طائعا ، أما إنى لا أقول إنهم يكذبونهم أو يأمرونهم بما لا ينبغى ولكن وطأوا لهم حتى انقادت العامة بهم . فهذان لا ينبغى أن يكونا من أئمة المسلمين ( ص : 126 ) .

وعن عبدالرحمن بن مهدى قال : من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل ، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحق الترك ( ص : 127 ) .

وقيل لأحمد بن حنبل : يا أبا عبدالله سمعت من أبى قطن القدرى ؟

قال : لم أره داعية ، ولو كان داعية لم اسمع منه .

قلت ـ أى الخطيب البغدادى : إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة خوفا أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها كما حكينا في الباب الذى قبل هذا عن الخارجى التائب قوله : كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا ( ص : 128 ) .

وعن أبى داود قال : ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثا من الخوارج ، ثم ذكر عمران بن حطان ، وأبا حسان الأعرج ( ص : 130) .

حوار الإمام الشافعي لفرقة ضلت
إذا كان السلف الصالح متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تمسكهم بكتاب الله العزيز ، فإن فرقة شذت في عصر الإمام الشافعى فردت سنة رسول صلى الله عليه وسلم ، ورأت أنها لا تقوم على الكتاب الذى أنزله الله تبياناً لكل شئ . وأشار الإمام الشافعى إلى هذه الفرقة ، وذكر حواره مع واحد منها في كتاب جماع العلم في الجزء السابع من كتابة الأم .

وقد بدأ الإمام كتاب جماع العلم بقوله :

لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتسليم لحكمه ، بأن الله عز وجل لم يجعل لمن بعده إلا اتباعه ، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن سواهما تبع لهما ، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ، لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى .

ثم قال رحمه الله وجزاه خيراً :

باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها

قال الشافعى رحمه الله تعالى :

قال لى قائل يُنسب إلى العلم بمذهب أصحابه… ..

وذكر الشافعى قوله بأن القرآن نزل تبياناً لكل شىء ، بلسان عربى مبين ، وأن الأحاديث تعتمد على من يجوز عليهم الكذب ، والخطأ ، والنسيان ، والغلط .

فبين الإمام أن السنة وحى ، لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فلا يستقيم أمر الدين بغيرها ، ولا نعرف أحكام العبادات والمعاملات وغيرها إلا بها . وأنه يحتـاط فى قبولها أكثر مما يحتاط فى قبول الأقوال التى تستباح بها الدماء والأموال والأعراض . واستمر الإمام فى حواره الممتع المقنع حتى اهتدى ذاك الضال . وهذا الحوار نقلته تاماً فى بحث " السنة بيان الله على لسان رسوله " وهو ملحق بهذا الجزء ، ولذلك أكتفى به ، وأحيل عليه .

بعد الإمام الشافعى
هذا هو حوار الإمام الشافعى الذى هدى من حاوره بعد ضلال ، ولكن هداية هذا الرجل لا تعنى عدم ضلال الطائفة . ويأتى القرن الثالث ، الذى توفى الإمام الشافعى في العام الرابع من بدايته ، ليكون العصر الذهبى لجمع السنة وتنقيتها وتدوينها ، حيث دون مسند الإمام أحمد ، والصحيحان ، وكتب السنن الأربعة ، وغيرها من الكتب الآخرى : كسنن سعيد بن منصور ، والدارمى ، ومسانيد إسحاق بن راهويه ، وبقى بن مخلد ، والبزار ، وأبى يعلى .

غير أن ذاك القرن ضم أيضاً من حاول هدم السنة المطهرة .

ننظر مثلا إلى كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ . فنراه جعل كتابه في الرد على أعداء أهل الحديث ، والجمع بين الأخبار التي ادعوا عليها التناقض والاختلاف ، والجواب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة بادئ الرأى . ولا يكتفى ابن قتيبة بالرد على الشبه ، وبيان سوء فهم من أثاروا تلك الشبه ، وإنما يتحدث عن الأشخاص أنفسهم الذين أثاروها حتى يعرف القارئ سبب عدائهم لأهل الحديث .

فيذكر منهم النظام ويقول : وجدنا النظام شاطرا من الشطار ، يغدو على سكر ، ويروح على سكر ، ويبيت على جرائرها ، ويدخل في الأدناس ، ويرتكب الفواحش والشائنات ... إلخ

وذكر أن النظام خرج على إجماع الأمة ، وطعن في أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وأبى هريرة ، ثم عقب ابن قتيبة بعد هذا بقوله : هذا هو قولـه– أى النظام - في جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضى عنهم ، كأنه لم يسمع بقول الله عز وجل في كتابه الكريم " محمد رسول الله والذين معه " إلى آخر السورة ، ولم يسمع بقول الله عز وجل في كتابه الكريم " محمد رسول الله والذين معه " إلى آخر السورة ، ولم يسمع بقوله تعالى ] لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ[ ([32]) .

وبعد حديثه عن النظام ، ورده عليه يقول : ثم نصير إلى قول أبى هذيل العلاف فنجده كذابا أفاكا ... إلخ وهكذا استمر ابن قتيبة في كتابه .

وكان أسوأ وأشد خطرا من هؤلاء الذين تحدث عنهم الرافضة الذين اتخذوا لأنفسهم سنة خاصة تختلف عن مفهوم السنة عند الأمة ، فأشركوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في العصمة ووجوب الاتباع أشخاصاً اعتبروهم أئمة طائفتهم ، ووضعوا الأخبار في ظلمات هذا المفهوم ، وفى ظلماته أيضاً كتبوا في الجرح والتعديل .

شهد القرن الثالث ثلاثة من كتب التفسيرهي تفاسير العسكرى والقمى والعياشى التي تحدثنا عنها من قبل في الجزء الثانى ، وبالرجوع إليها وجدنا أنها تطعن في خير الناس : صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضى الله عنهم ورضوا عنه ، وتذكر أن القرآن الكريم حرف نصا ومعنى ، وجاء الطعن والقول بالتحريف في روايات مفتريات اعتبروها صحيحة بمقياسهم .

وألف كتاب رابع وهو الكافى للكلينى تلميذ القمى ، واعتبر هذا الكتاب الكتاب الأول في الحديث عندهم ، وعندما قرأته وجدت صاحبه قد ضل ضلالاً بعيداً ، ووضع من المفتريات ما لايستطيع أن يتصوره أى مسلم ، وسيأتى الحديث عنه بالتفصيل .

وعندما رجعت لكتب الجرح والتعديل عندهم وجدت آثار هذه الظلمات : فصاحب الكتاب الرابع ثقة الإسلام ! وشيخه ليس ثقة فحسب ، بل كل من وثقهم وروى عنهم فهم ثقات ، ولا يعتبر الحديث صحيحا إلا إذا كان الرواة كلهم جميعا من طائفتهم ، والجرح عندهم سيئ للغاية ، وسيتضح هذا جليا في الفصول التالية .





*****

في عصر السيوطي
وفى هذه العجالة التي لاتهدف إلى الحصر والاستقصاء ، ننتقل من القرن الثالث إلى القرن التاسع ، فنرى الإمام السيوطى يؤلف كتابا تحت عنوان " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة " ، وبين سبب تأليف كتابه فقال : اعلموا - يرحمكم الله - أن من العلم كهيئة الدواء ، ومن الأراء كهيئة الخلاء ، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة ، وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارساً - بحمد الله تعالى - منذ أزمان ، وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علواً وشرفاً - لا يحتج بها ، وأن الحجة في القرآن خاصة ، وأورد على ذلك حديث " وما جاءكم عنى من حديث فاعرضوه على القرآن ، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلا فردوه " ([33])

([34]) هكذا سمعت الكلام بجملته منه ، وسمعه منه خلائق غيرى ، فمنهم من لايلقى لذلك بالاً ، ومنهم من لايعرف أصل هذا الكلام ، ولا من أين جاء ، فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك ، وأبين بطلانه ، وأنه من أعظم المهالك .

فاعلموا - رحمكم الله - أن من أنكر حديث النبى صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى ، أو مع من يشاء الله من فرق الكفرة .

روى الإمام الشافعى - رضى الله عنه - يوما حديثا ، وقال أنه صحيح ، فقال له قائل : أتقول به يا أبا عبدالله ؟ فاضطرب وقال : يا هذا ! أرأيتنى خارجا من كنيسة ؟ أرأيت في وسطى زنارا ؟ أروى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به ؟

وأصل هذا الرأى الفاسد أن الزنادقة وطائفة من الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن ، وهم في ذلك مختلفو المقاصد ، فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلى ، وأن جبريل - رضي الله عنه - أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً ، ومنهم من أقر للنبى صلى الله عليه وسلم بالنبوة ، ولكن قال : إن الخلافة كانت حقا لعلى ... إلخ .

ثم قال السيوطى بعد ذلك : وهذه آراء ما كنت استحل حكايتها ، لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذى كان الناس في راحة منه من أعصار .

وقد كان أهل هذا الرأى موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم ، وتصدى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم للرد عليهم ، وسأسوق إن شاء الله جملة من ذلك والله الموفق ([35]) .

والكتاب طبع في ستين ومائة صفحة ، فارجع إليه .

تعقيب
قد يقال : كيف ذكر السيوطى أن الرافضة تنكر الاحتجاج بالسنة وعندها أربعة كتب معتمدة في السنة ؟

والجواب أن الرافضة أرادوا هدم السنة المشرفة التي بين أيدى المسلمين حتى لا يبقى إلا كتبهم التي يتداولونها فيما بينهم والتي وضعت لتأييد عقيدتهم الباطلة كما سيتضح من دراستها ، والله تعالى أعلم .

ومنهم من جعل عقله حكما لرفض أحاديث صحت سندا ومتنا ، بل في أرقى مراتب الصحاح ، كالأحاديث الثابتة المتعلقة بالغيبيات مثل الجنة والنار ، وعلامات الساعة ، والملائكة والجن . ومن المعلوم أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل السليم ، ولكن كيف نقيس الغائب على الشاهد ،وكيف نحكم العقل في أمور لا نعرف شيئا عنها إلا بالنقل الصحيح ؟ فمتى ثبت النقل لزم التسليم . أحيانا ترى جاهلا مغروراً يقف أمام حديث متفق عليه ويقول : هذا مرفوض عقلا ! وكان عليه أن يسأل نفسه : أكان البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم بلا عقول ؟ بل أعاشت الأمة أربعة عشر قرناً بغير عقل حتى جاء بعقله ليستدرك عليها ؟

ومن أسوأ الطاعنين في عصرنا المستشرقون ، وأشد منهم خطراً تلامذتهم المقلدون التابعون لهم : والمستشرقون طعنوا في القرآن الكريم نفسه كما أشرت من قبل ، أما السنة فقد أنكروا وجود سنة يتصل سندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ،وقالوا بأن أقصى اتصال الأسانيد ينقطع ويتوقف عند نهاية القرن الأول .

ومعنى ذلك أن السنة بحسب زعمهم تعتبر اختراعاً من اختراعات المسلمين المتأخرين ، أرادوا أن يثبتوا أحكاما فنسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم . ثم لم ينسوا أن يطعنوا فيمن كان لهم دور كبير في السنة ، فمثلا طعنوا في أبى هريرة الصحابى الجليل رضى الله عنه ، الذى روى عنه أكثر من ثمانمائة من الصحابة والتابعين ، وهو كما قال الشافعى " أثبت من روى الحديث فى دهره " . وطعنوا في ابن شهاب الزهرى ، الإمام الحجة الثبت ، أول من استجاب لعمر بن عبدالعزيز في جمع السنة ... وهكذا .

ثم ظهر اتجاه آخر عندهم ، اعتبره بعضهم هدما للفكر الاستشراقى ، ولذلك ثاروا على القائلين به ، مع أنه في النهاية يصل إلى البهتان نفسه .

ويقوم هذا الاتجاه الخبيث على الاعتراف أولا بأن السنة لها أصل ، وذلك حتى يضلل جهلة المسلمين بالتظاهر بأنه لا ينكر وجود أصل للسنة ، ولكن بعد هذا الاعتراف تأتى محاولة الهدم ، فيقولون : إن المدارس الإسلامية الأولى لم تستطع أن تحدد ما يعتبر من أقوال محمد وما لا يعتبر من أقواله ، لأن السند لم يكن معروفا عندهم ، فكانت كلمة سنة تعنى الرأى المقبول لدى جمهور علماء المدرسة ، ثم نسبوا هذه الأقوال المقبولة لدى المدرسة إلى الصحابة حتى تكون أكثر قبولا ، ثم نسبوها بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ([36]).

ومعنى هذا أنهم يريدون أن يصلوا في النهاية إلى التشكيك في السنة كلها.

هؤلاء القوم لا يعرفون الإسناد ، فكتبهم المقدسة ذاتها بغير إسناد ، ولذلك فهى محرفة مزورة ، ولكن لا شك أنهم قرءوا عن جمع السنة وتنقيتها ، وشروط رجال الحديث ، وعرفوا أن الأمة الإسلامية فاقت الخلق جميعا بهذا الإسناد ، ولكن ماذا تنتظر من مستشرق يهودى أو صليبى حاقد على الإسلام وأهله ، مريد هدمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاّ ؟

فلا تنتظر من أعداء الإسلام إلا مثل هذه المحاولات . وإن كنا مطمئنين تماما إلى أنهم لن يصلوا إلى ما يريدون ، فالله عز وجل لم يترك حفظ القرآن الكريم كما ترك غيره للأحبار والرهبان فضيعوه ، وإنما تعهد بحفظه ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ ، كما تعهد ببيانه ] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [ ، ومن تمام حفظ القرآن الكريم حفظ السنة المطهرة ، وهى المبينة له .

أبو هريرة رضى الله تعــالي عنه
في عصرنا وجدنا المستشرقين من الصليبيين والصهيونيين ، ومعهم العلمانيون والرافضة ، يجترءون على راوية الإسلام الأول سيدنا أبى هريرة - رضى الله تعالى عنه وأرضاه .

وهؤلاء جميعا ليس بينهم وبين الصحابى الجليل عداء خاص ، وإنما العداء للسنة المشرفة التى كان الصحابى الجليل أحفظ من رواها في دهره كما قال الإمام الشافعى ، والعداء للإسلام نفسه ، فلا يقوم بغير السنة المطهرة

وفى المؤتمر الثانى لجمعية إحياء التراث الإسلامى الذى عقد بالكويت في شوال سنة 1405 ، وخصص للسنة المطهرة ، ألقيت محاضرة عن منزلة السنة وشبهات حول الحديث ، وبعد المحاضرة ظهر أثر حملات التشكيك في أسئلة الحاضرين ، وظهرت الحيرة فيما يتصل بهذا الصحابى الجليل .

ولا أستطيع هنا أن أقدم ترجمة له ، فسيرته العطرة أفردها أكثر من عالم في كتاب أو أكثر ، ويكفى ذكر بعض الحقائق من باب الذكرى ، فإنها تنفع المؤمنين ، حتى يعرف القارئ الكريم من قال فيهم الإمام ابن خزيمة " إنما يتكلم في أبى هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معانى الأخبار ".

وما أريد أن أثبته هنا كتبته في بحث " السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم " . وهذا البحث نشر في مجلة مركز السيرة والسنة بجامعة قطر ، ثم رأيت أن ألحقه بهذا الجزء الثالث ، وبذلك يمكن الرجوع إليه ، ولا حاجة للتكرار .







 
قديم 11-05-07, 10:21 PM   رقم المشاركة : 2
مؤدب
اعطوني ذا عقل
 
الصورة الرمزية مؤدب







مؤدب غير متصل

مؤدب is on a distinguished road




يظهر لي أنه بحث رائع ورائع جداً ..

يُرجع له لاحقاً ..

هل هذا البحث لك شيخنا بارق ؟ حفظكم الله ؟


مؤدب







التوقيع :
لمن يريد أن يسبني أو يشتمني أو يقلل من قدري فله ذلك . على هذا الإميل .


[email protected]

( ألا يسع الرافضة ما وسع أمير المؤمنين من السكوت عن الصحابة لو فرضنا ظلمهم له ) ؟
من مواضيعي في المنتدى
»» من الذي قتل الهالك الحكيم هل يكون ادخل تعرف
»» هل الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم ؟
»» أطيعوا علي رضي الله عنه يرحمكم الله
»» سلمان الفارسي رضي الله عنه يفضح الرافضة / مؤدب
»» بعد بحث طويل أنا أعلنها صريحة المهدي موجود
 
قديم 11-05-07, 11:12 PM   رقم المشاركة : 3
القنّاص
عضو ذهبي







القنّاص غير متصل

القنّاص is on a distinguished road


أحسن الله اليك مولانا .







التوقيع :
نشيدة سيدا شباب جنة الخلود- الحسن و الحسين

سيدا شباب جنة الخلود الحسن ونور عيني الحسين
قسما حبي لكم بلا حدود و بقلبي الحب والله دفـــين
حفرت أسماؤكم فلن تزول حفرت بالقلب مذ أنا جنين
إنكم قدوة أصحاب العقول وبكم يفخر كل المسلمين
إنكم أحفاد سيدي الرسول هو شمس وإمام المتقين
ولآل البيت نحن المخلصين
وعلي عنه ماذا سأقول
بحر علم وهو الماء المعين
سيف حق داحر للمشركين
هذه الزهراء هذه البتول فضلت على نساء العالمين
بنت هادينا وأم للعدول وهي زوج لأمير المؤمنين
من مواضيعي في المنتدى
»» شاهد الخامنئي و اصحابه كيف يقدسون القبر ؟؟
»» أمام أكثر من 1300من الحضور .. هروب فاضح للقس جرجس من أمام الداعية وسام
»» هل للرسول ربائب ؟؟ اقروا هذه الآية لتعرفوا ذلك .
»» حديث في الكافي ينهى الشيعيات من قراءة سورة يوسف.
»» موقع للقرآن الكريم للسنة والشيعة
 
قديم 11-05-07, 11:51 PM   رقم المشاركة : 4
بارق
عضو ماسي





بارق غير متصل

بارق is on a distinguished road


التدوين
عند

الشيعة


http://www.d-sunnah.net/forum/showth...d=1#post510986







 
قديم 11-05-07, 11:54 PM   رقم المشاركة : 5
بارق
عضو ماسي





بارق غير متصل

بارق is on a distinguished road


الاخوة

مؤدب

القناص


الموضوع هو بحث نشر في مجلة مركز السيرة والسنة بجامعة قطر كما هو مبين في بداية الموضوع


شكرا على المرور







 
قديم 15-02-08, 04:49 AM   رقم المشاركة : 6
معتز
Guest





معتز غير متصل

معتز is on a distinguished road


الرد على شبهات المستشرقين و من شايعهم من المعاصرين حول السنة / أحمد محمد بوقرين


http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=69282







 
قديم 01-02-13, 10:34 AM   رقم المشاركة : 7
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معتز مشاهدة المشاركة
   الرد على شبهات المستشرقين و من شايعهم من المعاصرين حول السنة / أحمد محمد بوقرين


http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=69282



http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=69282






التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» نوري المالكي و البحث عن المشاكل ستخاكم مثلما جوكم صدام على الدجيل
»» قتل رضيع اهل السنة في كتب الشيعة وحسينياتهم
»» الرد على شبهة رافضية عن زواج عمر من ام كلثوم و وفاة ام سليط
»» معلومة عن عراق العجم
»» للوصول الي منتدى الدفاع عن طريق الايفون اعمل سكان على كيوآركود
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "