وهذا لا ينافي أن يجعل الله بعض مخلوقاته سبباً للخير أو الشر، ولكن ليست الأسباب هي التي تحدث هذه الأمور، وإنما ذلك راجع إلى مسبب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى، ومطلوب من العبد أن يتعاطى أسباب الخير ويتجنب أسباب الشر،
قال تعالى(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
قال الحافظ بن رجب رحمه الله،وأما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح،وإنما الزمان كله خلق الله تعالى،وفيه تقع أفعال بني آدم،فكل زمان شغله المؤمن بطاعة فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤوم عليه، فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى، فالمعاصي والذنوب تسخط الله عز وجل، وإذا سخط الله على عبده شقي في الدنيا والآخرة،
كما أن الطاعات ترضي الله سبحانه وتعالى،وإذا رضي الله عن عبده سعد في الدنيا والآخرة،
والعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره، فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصاً من لم ينكر عليه عمله، فالبعد عنه متعين، وكذلك أماكن المعاصي يتعين البعد عنها والهرب منها خشية نزول العذاب،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر(لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم)فهجر أماكن المعاصي، وهجران العصاة من جملة الهجرة المأمور بها، فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه،
قال إبراهيم من أدهم رحمه الله،من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة من كان يخالطهن
يعني،العصاة،وإلا لم ينل ما يريد،فاحذروا الذنوب فإنها مشؤومة وعقوبتها أليمة والأماكن والبقاع في الأصل طاهرة نقية ولكن ذنوب العباد تدنسها وتفسدها بشؤمها، والأزمنة أوقات لعمل الخير ولكن العبد يدنسها بفعل الشر،
كما قيل،نعيب زماننا والعيب فينا،وما لزماننا عيب سوانا،
عمروا بيوتكم وأوقاتكم بطاعة الله، وعلقوا قلوبكم بالله خوفاً ورجاء ومحبة، ولوموا أنفسكم واعلموا أن ما أصابكم مما تكرهون إنما هو بسبب ذنوبكم لا بشؤم الزمان، والمكان،
وإنما هو بسوء عمل الإنسان، ومن تشاءم بشهر من الشهور، أو يوم من الأيام،أو ساعة من الساعات، أو سبَّ شيئاً فإنه يسب الله تعالى ويؤذيه،كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم،قال قال الله تعالى(يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)
وفي رواية(لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)
قال الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنّة،ومعناه،أن العرب كان من شأنها ذم الدهر،أي،سبه عند النوازل،لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره،فيقولون، أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر،فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سَبُّوا فاعلها،فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل،إذ هو الفاعل في الحقيقة وما يجري في الدهر من خير أو شر فهو بإرادة الله، الخير تفضل من الله،
والشر بسبب ذنوب العباد ومعاصيهم،
قال تعالى(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ،وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ،قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)