المنهج الترضوي .. حل؟ أم مشكلة تحتاج إلى حل؟!
المنهج الترضوي .. حل؟ أم مشكلة تحتاج إلى حل؟!
ما هو الحل؟
التشيع الفارسي مشكلة خطيرة، تعد من كبريات المشاكل الدينية والسياسية والاجتماعية لاسيما في بلدنا (العراق).
وليس خطره قاصراً على الدين فقط. بل هو يجتاح الدين والأخلاق والسياسة والاقتصاد والوطنية، وكيان الأمة ومفاهيمها وقيمها وثوابتها. فالتصدي له ضرورة حتمية من أجل إنقاذ هذه القيم جميعاً.
إن هذا الخطر المتعدد الجوانب يحتم على الجميع مواجهته، ووضع الخطط والبرامج لحله وعلاجه…
وإذا كان ذلك كذلك فإن من الضروري على من تصدى لهذه المهمة الصعبة أن يضع نصب عينيه ذلك الخليط المتشابك من الأمراض والعقد النفسية، وان يكون جاداً كل الجد، ومقدراً موقعه فيدرك المسؤولية الدينية والوطنية والقومية، والمسؤولية التاريخية التي ينبغي أن يتحملها كل من وضع نفسه هذا الموضع.
كثيرون هم الذين رأيناهم يُدلون بدلائهم في هذا المخاض يقترحون الحلول ويصفون العلاج وهم يتقمصون (صدرية) الطبيب دون أن يتحلى أحدهم بأدنى ما يفرضه عليه هذا العنوان من جدية وعمل ومتابعة، ومعاناة وتجربة ميدانية باحثة فاحصة تمنح صاحبها الخبرة العملية اللازمة. فليس من تصور صحيح لماهية المشكلة، ولا معرفة بجذورها وامتداداتها ولا دراسة لأسبابها وبواعثها القريبة ولا البعيدة.
أما الخطط والبرامج وتحديد الأهداف المرحلية والنهائية فأبعد ما تكون عن البال فضلا عن العمل الصائب ومقارعة الباطل وبذل الجهد في الميدان المطلوب.
كل ما موجود كلمات هائمة ، و(حكم) نظرية مفعمة بالخوف، ومقيدة بـ(الحذر) إلى حد الجمود، ومجاملات إلى حد الميوعة، وتصورات بعيدة عن الواقع تراكمت أو عشعشت في الأذهان، دون نظام أو دراسة أو تنسيق، وتجمعت كما تتجمع الأوراق التالفة الممزقة إلى جانب جدار مهمل قديم! ثم… ينفض الجمع كلاً إلى وجهته أو .. بيته الهادئ القريب.
الهزيمة النفسية وحلول العقل الباطن الوهمية
كثير من الناس- إذا وصلوا إلى مرحلة اليأس من تغيير ما يودون تغييره، أو انهزموا نفسياً أمام الخصم الذي يئسوا من دحره أو التغلب عليه- يعيشون أحلامهم وأمانيهم، ويحاولون تحقيقها بطريقة أخرى، تجمع بين اليأس الذي يجتاح نفوسهم والحركة المفروضة عليهم أن يقوموا بها في سبيل الوصول إلى الهدف المطلوب من التغيير والتغلب على الخصم.أي الهدف الميؤوس منه.
ملخص القول أن هناك ثلاثة أمور
1- هدف ميؤوس منه.
2-عمل أو حركة لا بد من القيام بها في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف.
3- أناس مهزومون نفسياً ويائسون من الوصول إلى هدفهم، لا يريدون أن يسلموا أو يعترفوا بالهزيمة أمام أنفسهم، أو يقال عنهم إنهم يائسون منهزمون.
فما العمل للتوفيق بين هذه الأمور المتناقضة؟ بين عقل واعٍ لا يريد أن يُسلِّم بالهزيمة، وعقل باطن يائس مهزوم ؟ هنا يأتي دور الحيل النفسية من أجل إنهاء هذا الصراع.
إن هذا الصنف من المنهزمين في قرارة أنفسهم،اليائسين من الوصول إلى أهدافهم، يعيشون نوعاً من الخيالات المضحكة و هم يطرحون أفكاراً تجريدية،وحلولاً نظرية غير واقعية! وتظل هذه الأفكار و(الحلول) تراود خيالاتهم دون أن ينتبهوا إلى الفجوة الحاصلة بين ما يحلمون به،والواقع الذي يبتعد -كلما طال الزمن- عن أحلامهم وأمانيهم.
وكلما ألقوا نظرة على هذا الواقع الذي لم يتغير رغم أحلامهم وخيالاتهم وأمانيهم، رجعوا بأبصارهم على أفكارهم يعدلون فيها، ويقلمون من استطالاتها متهمين هذه الاستطالات بأنها السبب في عدم تغير الحال، وسوء المآل!
وهكذا…تستمر عملية التقليم والتأقلم حتى يأتي زمان تجد فيه أفكارهم المقلمة المتأقلمة قد اقتربت كثيراً من أفكار الخصم، التي تشتد وتبتعد عن نقطة الوسط كلما طال الزمن! بل صارت في خدمتها،ووسيلة من وسائل تثبيتها،وزيادة حدتها وفسادها! ولعل التحليل النفسي يعيننا في تفسير هذه الظاهرة
إن العقل الواعي يريد التغلب على الخصم، ولا يريد التسليم بالهزيمة.لكن العقل الباطن تكمن فيه عقدة الهزيمة، واليأس من الغلب، ويريد تجنب أي نوع من الصراع مع الخصم على أرض الواقع، حتى لا يحصل له أي ضرر أو أذى!
إن هذا يولد صراعاً في داخل النفس. ولأجل إنهاء هذا الصراع، لا بد من القيام بعملية خداع وتوفيق بين هذين الموقفين المتناقضين.
هنا يأتي دور العقل الباطن للقيام بهذه العملية من خلال تقديمه (حلاً) وهمياً يخدع به العقل الواعي،ويجعله يعتقد أن هذا حل يوصل إلى الهدف المطلوب،بينما ينعم العقل الباطن مطمئناً إلى أنه لن يواجه على الواقع أي حركة تجلب له ضرراً أو أذى! لأن هذا النوع من الحلول لا يثير الخصم في الاتجاه غير المرغوب.
إن هذه الحلول ذات وجهين، كل واحد منهما يرضي أحد العقلينالعقل الواعي يريد حلاً، وهذه (حلول). والعقل الباطن يائس لا يريد أن يعمل شيئاً،وهذه (الحلول) وهمية غير عملية! وهكذا يخدع العقل الباطن العقل الواعي، وتنحل المشكلة، وينتهي الصراع بينهما! تأمل وضع العرب اليوم! وكيف تفعل الهزيمة النفسية بأصحابها!
إنهم يطالبون بعقد مؤتمرات لتحديد معنى (الإرهاب)! ويصرخون بأعلى أصواتهم أن الإسلام لا علاقة له (بالإرهاب)! ويتصورون أن هذا هو الحل، أو يخدعون الآخرين بما يقولون.
وخارج هذا الصراخ والضجيج، والتصورات والأوهام، وعمليات التضليل والخداع نجد الواقع يصول فيه المجرمون ويجولون، دون التفات إلى مصطلحات، أو المطالبة بعقد مؤتمرات، أو نفي أو إثبات!
إن الحل الصحيح ليس في عقد مؤتمر أو نفي تهمة،أو تحديد معنى مصطلح أو كلمة.إنه في إعداد ما يستطاع من قوة.لكن اليائسين المنهزمين لا يريدون أن يفعلوا. فماذا يفعلون؟ أيبقون مكتوفي الأيدي يتفرجون؟! هذا غير مقبول!
فماذا يفعلون؟ لا بد من حركة مكتوفة! هذا هو (الحل).
إنها حركة في ظاهرها، ومكتوفة وهمية في حقيقتها. ولهذا هم يطالبون بعقد المؤتمرات لتحديد المصطلحات أو القيام بالمصالحات ليثبتوا لعالم المجرمين أنهم مسالمون لا يضمرون شراً لأحد! ولو وعوا حالهم لعلموا أنهم يسيرون في عكس الاتجاه المفروض! وأنهم يبتعدون كلما طال الزمن عن أهدافهم التي أعلنوا على رؤوس الملأ أنها لهم أهداف.
إن هؤلاء يشبههم-أو يشبهون-تماماً أولئك المنهزمين اليائسين من دعاة المنهج الترضوي الذين يتصورون أو يصورون للآخرين أن حل معضلة التشيع الفارسي هو في تغيير كلمات أو استحداث مصطلحات و(نسب ومصاهرات)، أو عقد ندوات وأمسيات، أو المشاركة في احتفالات!
منهج المقاربات
هذا المنهج هو صورة عملية من صور المنهج الترضوي. ملخصه عبارة عن كلمة واحدة هي البحث عن وسائل قربى تجمع بين أهل الحق وأهل الباطل ولو على حساب الحق.
وهو منهج فاشل جملة وتفصيلاً. لأسباب عديدة منها فساد الغاية لأن الغاية يجب أن تكون إرضاء الله تعالى بينما هي هنا إرضاء أهل الباطل وكل عمل غير خالص لله ممحوق البركة محكوم عليه بالفشل من الخطوة الأولى. ثم أن هؤلاء لا يرضون مهما تقربت منهم وجاملت وداهنت!
فهذا التقرب من جانب واحد فقط. فهو خسارة بلا مقابل. وما مثلنا ومثلهم في هذا إلا كما قال تعالى ]هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{ (آل عمران119).
ودوافعه الحقيقية هزيمة نفسية يعاني منها صاحبها تعبر عن نفسها بهذا الأسلوب. هكذا يقرر العلماء المختصون. والمهزوم نفسياً لا ينتصر ولا يفلح أبدا.بينما يعلمنا القرآن الإباء والعزة الإيمانية فلو كان التقرب من المقابل عليك أن ترفضه ما لم يكن حقيقياً صادقاً مبنياً على أسس سليمة.
فكيف إذا كان الأمر بالمقلوب؟! فالواقع أن أصحاب الحق يتقربون والروافض يرفضون ويتهربون! والواقع يرينا ما هو أنكى! يرينا تقهقر أصحاب الحق ورجوعهم إلى الوراء عن طريق تقديم المزيد من التنازلات طمعا في الوهم، وأصحاب الباطل يتقدمون!
أين هذا من قول تلميذ من تلاميذ القرآن في مدرسة محمد r هو الفضل بن العباس رضي الله عنهما
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
الله يعلم أنّا لا نحبكم
وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
ولا نلومكم أن لا تحبونا
إن علماء النفس والاجتماع يقررون أن أول درجات الهزيمة التي يخطوها المغلوب تجاه الغالب تبدأ بالبحث عن نقاط التقاء ووسائل قربى وعلامات شبه بين فكر الغالب وفكر المغلوب. ثم تستمر سلسلة التداعيات والانهيارات التي بدأت من هذه النقطة.
إن هؤلاء العلماء يقولون إنه عندما تنتصر حضارة على حضارة (تتولد عند
-المغلوب- إحدى قابليتين قابلية الانتماء للمنتصر أو المتغلب كما يقول ابن خلدون أو تتولد لديه حالات الرفض السلبي. فحالة قابلية الانتماء للمتغلب تبدأ بفكر (المقاربات) حيث تنـزع الأمة المغلوبة إلى البحث عن صلات قربى مع فكر الغالب. فتُقارَب الديمقراطية الغربية بالشورى الإسلامية مثلاً، متناسين بذلك فوارق النموذج المعرفي والحضاري وآثارها في الفرق بين الديموقراطية ذات الجذر الفردي الليبرالي والقائمة على تقنين الصراع، وبين الشورى الإسلامية القائمة على وحدة الجماعة ونبذ الصراع… وهناك مقاربات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. وهذا كله ناتج عن تأثرنا بنسق حضاري ومعرفي متداخل في وعينا بحكم الهيمنة العالمية. كما أن هناك من لجأ إلى الرفض السلبي عبر الاكتفاء بالمقارنات بين ما لدينا وما لديهم. فبالغ في تمجيد ما لدينا واعتبره الصورة المثالية بحيث طغى هذا التمجيد الذاتي بطريقة دفاعية على تناول ما لدينا من تراث بالنقد والتحليل للكشف عن ضعفه وجوانب قصوره).([1])
ويظهر أن المغلوب يصاب بشهوة عارمة نحو إرضاء الغالب تجعله لا يشعر بحجم التنازلات والخطى التي يقطعها إلى الوراء طمعا في ذلك الرضا الموهوم وأداء مراسيم (الحب من جانب واحد).
والدليل الواقعي على هذا التقرير هو أن أصحاب منهج (المقاربات) أو المنهج الترضوي بدلاً من أن يتقدموا - أو على الأقل يرابطوا في مواقعهم وينتظروا ردة الفعل المقابلة على خطوتهم الأولى - صاروا يتقهقرون ويقدمون المزيد من التنازلات أملاً في كسب رضاء المقابل الذي لا يرضى ولن يرضى حتى تتبع ملته كاملة غير منقوصة وأول فقرة من فقراتها البراءة من الصديق والفاروق.
منهج غير واع لتشييع أهل السنة فارسياً
حين تقيس المسافة بين نقطة البداية التي انطلق منها هؤلاء الترضويون، وبين ما وصلوا إليه ، وتستمر في النـزول لرؤية نقطة النهاية في مسلسل التراجع تتيقن أن هذا (المنهج) ما هو إلا برنامج أو منهج غير واع لتشييع أهل السنة فارسياً، والواقع خير شاهد لمن كان له عقل يفكر ويحلل، وعينان تبصران وترصدان.
لقد كانت البداية من طرح مسألة الأسماء المشتركة و(النسب والمصاهرات) وهي خطوة جيدة ومطلوبة ينبغي أن تتبع بخطوات إيجابية. مثل بيان العلاقة بين علماء الأمة وأئمة المذاهب أو الفقهاء الكبار كالشافعي وجعفر وزيد ممن يمت بصلة قرابة إلى النبيr وبين غيرهم كأبي حنيفة وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل وأمثالهم. ثم فضح الجريمة التاريخية الكبرى حين دخل الفرس على خط (أهل البيت) بعد القرن الثالث الهجري وانتهاء عصر الأئمة الكبار. ويستمر المسلسل صعدا في بيان التشيع الفارسي وأصوله وقواعده وأهدافه ورموزه والتفريق بينه وبين التشيع العربي الذي هو حب واقتداء وليس دينا آخر أو حزبا سياسيا. لكن هذا لم يحصل كما يفرضه المنطق ولوازم العمل الإصلاحي الثابت الواثق والشجاع المستند على قواعد صحيحة وله أهدافه الواضحة ومنهجه المدروس.
فما الذي حصل؟
كأن أصحاب هذا (المنهج) كانوا يتوقعون أنهم بمجرد عرضهم لموضوع (النسب والمصاهرات) سيكسبون الجولة فيرضى عنهم الرافضة ويأتون إليهم أفواجا أفواجاً مهللين مكبرين!
إن هذا لم يحصل -ولن يحصل- لأن القضية أعقد بكثير مما يتصورون. والواقع يشهد بغير ما يحلمون .فما الذي حصل إذن ؟ الذي حصل أن بعضهم صار يرضي نفسه المهزومة المهزوزة بخيالات ساذجة، ويحاول البرهنة على صحة منهجه بأوهام لا أساس لها !
قرأت لواحد من هؤلاء قبل بضع سنوات في جريدة أردنية هذه الواقعة الخيالية
شكى لي أحد المشايخ في الجنوب من قلة المصلين في مسجده فنصحته بطرح موضوع العلاقة بين أهل البيت والصحابة والنسب والمصاهرة في خطب الجمعة. يقول فجاءني الشيخ بعد بضعة أشهر يطلب معونتي من أجل توسيع المسجد الذي ضاق بكثرة المصلين!!.ويشهد الله على أن هذا لا أصل له! فإما أن الشيخ كذب عليه، وإما أن صاحبنا تكلم من نسج خياله !
وعندي من القصص المشابهة ما يكفي للتدليل على أن أصحاب هذا المنهج غير واقعيين ولا جادين.
وبعد أن أدرك هؤلاء أن الخطوة الأولى لم تأتهم بالنتيجة المطلوبة، خطوا خطوة أخرى بل خطوات ولكن إلى الوراء!
وكلما خطوا خطوة واكتشفوا أنها لم تأتهم بالنتيجة المطلوبة، اتبعوها بخطوة أخرى وإن كانت على حساب الحق والحقيقة، والدين والعقيدة، والمنطق والواقع والتاريخ! من هذه الخطوات الورائية (روى ابن عساكر بسنده عن علي (ع) النجف أرض السلام ومهبط أرواح المؤمنين ونعم المضجع للمؤمن هي)!
ما الذي نكسبه لديننا من هذا الكلام الساقط سنداً ومتناً؟ وأول العالمين بسقوطه من خطه ونشره! يكتب هذا ويعلق في أكثر من مكان أو زاوية من زوايا معرض فني مقام في جامع لا يرتاده إلا أهل السنة عموماً!!
ومن عجائب المفارقات أن أصحابنا حين طرحوا مشروعهم الترضوي وجعلوا غايته كسب الرافضة وتغييرهم أو تقريبهم يفترض أن ينتقلوا بطروحاتهم إلى أوساط الرافضة ومساجدهم وقنوات الاتصال الأخرى بهم. لكنهم بدلاً من ذلك راحوا يخبون في نشر أفكارهم (التقريبية) هذه في أوساط السنة ومساجدهم وهو ما لا يحتاجونه أولاً. وسوف يؤدي إلى إضعاف مناعتهم ونقل المفاهيم المائعة إليهم ثانياً. وليس هو الميدان الصحيح ولا الهدف المرسوم لحركتهم ثالثا. ولم يجرؤوا على اختراق الوسط الرافضي أو التحرك خلاله فكان مثلهم كمثل رياضي يسابق نفسه خارج سياج الملعب أو ميدان السباق! أو مجنون يضاحك نفسه باجترار النكات الفارغة وحده! أو (طرشان) يتحاورون فيما بينهم.
يقال إن (سيداً) جلس في الشمس يوماً وصار ينادي على الظل مدعياً أنه قادر على جعله يتحول إليه. ولما كثر النداء دون جدوى قام فتحول هو إلى الظل وهو يقول من لم يأت معك تعال معه!
وجاءني يوما شاب يسألني قائلاً لقد ذهبت إلى زيارة الحسين والعباس وطفت حول قبورهم وأنا أعلم أن الطواف حول القبور حرام وشرك فماذا أفعل؟
قلت له ما حملك على ذلك؟
قال إنهم يتهموننا بالتشدد فأردت أن أدفع التهمة عن نفسي.
قلت هل ذهب معك أحد من هؤلاء الذين يتهموك؟
قال لا.
قلت هل ذهب أحد غيرهم معك؟
قال لا
قلت ذهبت إذن وحدك؟
قال نعم !
حدقت فيه بقوة لأكتشف هل هذا الذي يتكلم معي إنسان سوي أم مخبول؟!
وصدق الله القائل )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ (119)( آل عمران.
في مجلة محدودة الانتشار لا يقرؤها إلا فئة قليلة من أهل السنة فقط قرأت هذا الكلام!
الإمام جعفر الصادق (ع) إمام الشيعة الجعفرية…وهو الإمام السادس من السلسلة الذهبية لأئمة أهل البيت الكرام…لقد أيد حركة زيد بن علي من أئمة المذهب كل من الإمام أبي حنيفة والإمام مالك أنس حباً وكرامة لأهل البيت ودفاعاً عنهم وعن حقهم ([2])…الخ
لو كان المتكلم شيعياً إمامياً اثني عشرياً لقلنا صاحب عقيدة يتكلم عن عقيدته الإمامة بما يشاء. أما وصاحب هذا الكلام رجل سني محترم فلا أدري ما معنى قوله (إمام سادسu في سلسلة ذهبية للأئمة) سوى أن المتكلم إمامي أثنى عشري أو
-في أحسن الأحوال- مجامل في أقصى درجات المجاملة.
يقول تعالى) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ(8)وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ(9)( القلم، وأنا لا أعلم كذباً كـ(التقية) ولا اكذب من قوم (اتقاهم) أكذبهم! ثم هم مهما دهنت لهم لا يدهنون!
في أحد احتفالات المولد العلوي في محافظة النجف تكلم اثنان من أهل السنة فما تركوا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا موضوعاً في فضائل علي إلا وقالوه. وكانوا يمرون بطلحة مثلاً فلا يترضون عنه وبعلي فيسبقونه بـ(الإمام) ويلحقونه بـ(عليه السلام) أو-على الأقل-(كرم الله وجه).
ثم قام معمم شيعي يتكلم وجاء على لسانه ذكر عائشة وأبي بكر في معرض الاستشهاد بكلامهما مدحاً لعلي دون أن يترضى على واحد منهما! وجاء بالرواية الموضوعة التي يهرف بها الجاهلون وملخصها أن أبا بكر وعلي وقفا يوما عند باب رسول اللهr يقول أحدهما لصاحبه تفضل أدخل فيرد الآخر قائلاً كيف أتقدم على رجل قال الله تعالى فيه كذا وقال رسوله كذا وله من الفضل كذا؟! تفضل أنت فادخل. فيجيبه وكيف أدخل قبل رجل قال الله فيه كذا… وهكذا تستمر المسرحية حوالي ساعة والرواية في ثلاث صفحات كبار حتى نـزل جبرائيل وميكائيل وخرج رسول الله… الخ ! تصور كيف رواها هذا المستعجم دون حياء أو قطرة ماء! قال وقف الإمام علي (ع) وأبو بكر عند باب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال علي (ع) تقدم يا أبا بكر فادخل فقال أبو بكر وكيف أتقدم على رجل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه إن منـزلة علي مني بمنـزلتي من ربي!... ونام الملك شهريار وانقطعت شهرزاد عن الكلام المباح إلى الصباح!
وكذلك لو قال شيعي إمامي إن أبا حنيفة ومالكاً أيدا زيداً في خروجه (حباً وكرامة لأهل البيت ودفاعاً عنهم وعن حقهم) لما استغربت ولقلت صاحب عقيدة يؤيد عقيدته بكل وسيلة ولو بالكذب!
أما وقائل هذا الكلام كما وصفت فأنا لا ادري أي حق لأهل البيت في الخلافة دون بقية قريش؟! إذن علام تولى أبو بكر وعمر وعثمان الخلافة ولم يعطوها علياً (حباً وكرامة لأهل البيت ودفاعا عنهم وعن حقهم)!
إن حجر الزاوية وقطب الرحى في الخلاف المزمن بين الإمامية وغيرهم من المسلمين هو اعتقاد أحقية أهل البيت في خلافة المسلمين. فمن اعتقد ذلك فهو شيعي إمامي.
فهل صار الأخ الكاتب كذلك وهو لا يدري؟!
وهل هذا هو (التقريب) و(الوسطية) التي يريدونها لنا؟ أم إن (إخواننا) الرافضة استفادوا أو يستفيدون شيئاً من هذا الكلام سوى ثباتهم على اعتقادهم اكثر ؟
ثم ماذا تتوقعون الخطوة اللاحقة في هذا المسلسل الترضوي الطويل؟! (الأرض مقابل السلام)؟ أم ماذا ؟
ولا أريد أن أسترسل أكثر في مناقشة جميع ما ورد في ذلك المقال لأدخل في جدل حول صحة تسمية الشيعة المعاصرين (بالجعفرية) . وهل الشيعة مذهب فقهي فرعي لتصح تسميتهم بـ(الجعفرية)؟ وهل حقاً انهم يتبعون الإمام جعفر بن محمد في الفروع؟ أم يتبعون الخوئي والخميني والصدر والسيستاني ؟
فما دخلك أنت أيها السني بما يدعون ويكذبون؟! لماذا تؤيد كلامهم وتوقع على ادعائهم؟!ولو كان هذا الكلام في مجلة ذائعة الشهرة واسعة الانتشار يمكن ان تقع في يد الشيعي قبل السني لأمكن أن يقال ان هذا كلام موجه إلى الشيعي ترطيبا لقلبه وتقريباً له من الصف بغض النظر عما في هذا القول من مجازفة.
أما والمجلة لا يقرؤها إلا فئة محدودة من أهل السنة فلا معنى له ولا فائدة ترتجى منه سوى أنه فقرة من فقرات برنامج تمييع أهل السنة وتشييعهم فارسياً. ذلك البرنامج الذي صرنا نغرق في لجته شيئاً فشيئا دون أن ندري!
اكذب .. ثم اكذب.. حتى تُصدِّق
لقد كثرت المجاملات وأمست سنة ماضية يشب عليها الصغير ويهرم عليها الكبير إذا تركت قيل تركت السنة والحكمة.حتى لقد صارت دليلاً وعلامة على نجاح الداعي! فأكثرهم نجاحا هو أكثرهم مجاملة! أليس الجميع راضين عنه!
ولكثرتها وتكرارها صار أصحابها يصدقونها ويتعاملون بها على أنها حقيقة واقعة مع أنهم حين بدؤوا بها قالوا لا بأس في الإصلاح بالكذب فنحن نريد أن نقرب القلوب ونداوي الجراح وإذا بهم في نهاية المطاف مثلهم كمثل بائع متجول يحمل طبقا من الطعام يطوف به حتى إذا تعب من كثرة الطواف دون أن يجد أحداً يشتريه قعد فأكله.
في الاحتفال الآنف الذكر بدأ المتكلم الأول -وهو يحمل شهادة دكتوراه في الشريعة- فافتتح كلامه بذكر الآية الكريمة ]قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (23)( الشورى. قائلا إنها نـزلت في حق علي وأهل البيت!
وقام بعده أحد المشايخ ليقول جاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنهم سألوا رسول الله r من (القربى) الذين أوجب الله علينا مودتهم يا رسول الله؟ فقال (علي وفاطمة وابناهما)!
ولا أدري كيف خفي على (الشيخ) وهو (شيخ)! أن الآية مكية و(ابناهما) لم يولدا إلا في المدينة! فالرواية من صنع كذاب لا يعرف كيف يكذب.
ثم كيف خفي على (دكتور) في الشريعة أن الفرق بين (القربى) والأقارب كالفرق بين الصحبة والصاحب، فالقربى والصحبة معنى ذهني وليست شخصا إلا إذا أضيف إليها كلمة (ذو) فيقال ذو قربى وذو صحبة!.
وفي كل الأحوال فإن الرافضة لا تستفيد من هذه المداهنات شيئاً ولن نستفيد نحن شيئاً أيضاً.
كل ما سنخرج به أنهم سيقولون إذا كنت تقر بهذا فلماذا تناصب أمير المؤمنين العداء؟! ولا سبب سوى أنك توالي أبا بكر! وهذا وإن لم يكن سبباً كافياً عندك فإنه يكفي عندهم وزيادة! إنهم يفكرون بطريقة أخرى غير الطريقة التي نفكر بها ومن الضروري أن نفهم طرائق تفكيرهم.
إنك حين تقول قال عمر لولا علي لهلك عمر ويقول لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن. (وفي رواية) لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو حسن. وتتصور أنك سوف تقربهم منك فأنت واهم !
إنهم يفكرون هكذا.. يقولون هذا دليل على جهل عمر. ويخرجون بنتيجة هي عدم صلاحيته للخلافة. فلولا علي الذي كانوا يفزعون إليه في كل معضلة لما استقرت خلافتهم. ولماذا علي لا غيره؟ لأنه معصوم لا يخطئ ولا يخفى عليه شيء فهو (الإمام) إذن دونهم! وكتبهم مشحونة بهذا رغم أن الحقيقة التاريخية في خلاف ذلك.
فحين خلت الأرض من عمر كثرت المعضلات على علي وتعقدت فلم يحل واحدة منها قط! وتعقدت حتى غادر الوجود مخلفاً لمن جاء من بعده تركة ثقيلة .
وعمر لم تنحل معضلاته لأن علياً قام بحلها. فإن عثمان يوم كثرت عليه المعضلات لم يغن عنه علي شيئاً حتى قتل أشنع قِتلة!
ولو كان عمر حياً لما وجدت معضلة أصلاً. ثم تبين بعد حين أن فاقد الشيء لا يعطيه فكثرت المعضلات حول أبو الحسن وتعقدت وانفرطت الأمور ولا من حل.
إن عمر انحلت معضلاته لأنه عمر القائل الفاعل إن الناس لا يصلحهم إلا لين في غير ضعف وشدة في غير عنف. هذا قانون عمر الذي كان يحل به المعضلات.
وجاء عثمان ليسوس الناس باللين على طول الخط، وجاء من بعده علي ليسوسهم بالعنف على طول الخط فتعقدت الأمور ولم تنحل المعضلات.
هذا هو حكم التاريخ بلا مجاملة! والله تعالى اعلم ببواطن الأمور وحقائقها ورضي الله تعالى عن قوم نتقرب إلى الله بحبهم والاستغفار لهم، ولكن الإنصاف واجب. والميزان حق.
لا ربح.. بل خسارة اجتاحت رأس المال
إن مثل أصحاب المنهج الترضوي كمثل شخص حضر مجلس خصومة عشائري. أحد أطرافه وقح صلف متعنت حاقد مسموم، يعتقد أن خصمه –وهو بريء- قتل أباه وذبح ابنه واستباح ماله وعرضه. فهو لا يرضى بغير الاعتراف الكامل بهذه الجرائم وإدانته رغم ضعف الأدلة ثم القصاص بأن يقتل المتهم وعشيرته وتحرق بيوتهم وتسبى نساؤهم وذراريهم!
وهو في كل هذا يتصيد كلمة من هنا وعبارة من هناك ولو كانت تقال من أجل تقريب وجهات النظر وترطيب القلوب ليجعل منها دليلاً يدمغ بها خصمه! كأن يقال افترض أن خصمك قد قتل حقا أباك وفعل ما تقول أليس لهذا من حل؟ فيقوم بحذف كلمة (افترض) ليجعل مما قيل اعترافاً صريحاً بصحة دعواه، ويبـتر (الهمزة) من عبارة (أليس لهذا من حل) من أجل أن يلغي جميع الحلول.
هل لهذا العتل الزنيم من حل سوى أن تقوم وتسحق أنفه، بعد أن تهزأ من كلامه وتعتبره لغوا لا قيمة له ما دام ليس عليه من دليل؟!
في هذا المجلس العشائري ومع هذه الحيثيات يقوم ذلك الشخص (الطيب) ليطلب من المتهم أن يقوم ويقبّل رأس خصمه ويعطيه بعض المال جبراً لخاطره!
إن هذا العرض لا يزيد المشكلة إلا تعقيداً. إن خصما وقحاً كهذا سيستغل الفرصة ليقول لولا أن المتهم قد قام حقا بالجريمة لما وافق على هذا العرض!
إن هذا كل ما سيحصل عليه المتهم مهما بالغ في عروضه وتعويضاته. إنها ليست أكثر من أدلة اتهام تحتسب ضده. فالأولى مع خصم كهذا أن يحترم نفسه ويحافظ على وقاره واتزانه دون أن تهزه جميع الحركات البهلوانية والادعاءات العنترية التي أمامه!
وهذا كل ما حصل لنا ونحن نتبع خطوات المنهج الترضوي ونركض لاهثين منذ مئات السنين!
هل بقيت لنا كلمة لم نقلها؟! أو موقف بائس لم نقفه؟!فماذا كانت النتيجة؟! أم يتصور اللاحقون أنهم اكتشفوا شيئاً غاب عن أنظار السابقين؟!
كلا. فلقد قتل في هذا الطريق من كل مئة تسعة وتسعون، ولا من معتبر! بل الكل يقول لعلي أنا الناجي!
ولقد قالوا إن جعفر الصادق (ع) إمام الأئمة وأستاذ المذاهب. وإن أئمة المذاهب الأربعة درسوا على يده وأولهم أبو حنيفة ناكر الجميل -على حد تعبيرهم- ووضعوا لهذه الكذبة توقيعاً باسم أبي حنيفة مذيلاً بقوله (لولا السنتان لهلك النعمان) وما دروا أن صانع هذا وصانع (لولا علي لهلك عمر) واحد.
فماذا قال الخصم الوقح الحاقد؟ قال نحن الأصل وكل المذاهب الأخرى باطلة. إن أصحابها تعلموا العلم من إمام الأئمة ثم خرجوا عليه وأنكروا جميله.
هذا ما قالوه و(هذا ما كنـزتم لا نفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون)!
ألم تعلموا أن جعفر والنعمان ولدا في سنة واحدة تقريباً.([3]) فمن درس على يد من؟ لا سيما وأن هذا الذي يقال لم يثبت تاريخياً.
وأن الشافعي ولد بعد موت جعفر بسنتين([4]). وأحمد بن حنبل ولد بعد ولادة الشافعي بأربع عشرة سنة! أفتخدعون أنفسكم أم توهمون الآخرين؟!
عبد الحسين الأميني النجفي نموذج ومثال
ليس هذا الذي أقوله استنتاج. إنه شيء تطفح به كتبهم وتغص به تواليفهم! خذ مثالاً عبد الحسين المفتري النجفي وتوليفه (الغدير في الكتاب والسنة والأدب).
تحت يدي منه المجلد السادس.إن غالب هذا المجلد محاولة لإثبات جهل عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وعدم صلاحيته للخلافة، مستشهداً بعبارات وكلمات يرددها المغفلون وهم يحاولون ببلاهة أن يرضوا عبد الحسين هذا وأمثاله دون طائل، كما يفعل السائرون في مسيرة الذل والاستسلام المخزي أملاً بإرضاء يهود.
لقد ظلوا يتنازلون ويتراجعون حتى فقدوا كل شيء ولم يبق لهم ما يتنازلون عنه أو يتفاوضون عليه!لقد سوّد هذا الرقيع مئتين وخمسين صفحة من هذا المجلد في الطعن بالإمام الفاروق وهو يحاول إثبات كونه جاهلاً بالكتاب والسنة والفقه تحت عنوان (نوادر الأثر في علم عمر)!
من ذلك ما جاء تحت عنوان (جهل الخليفة بكتاب الله).
يقول هذا الدعي إن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة فهمّ برجمها فبلغ ذلك علياً فقال ليس عليها رجم. وتستمر القصة حتى تنتهي بقول عمر لولا علي لهلك عمر، وفي لفظ سبط ابن الجوزي اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
وبعد عدة روايات مشابهة يعلق هذا الرقيع قائلا أليس عارا أنً يشغل فراغ النبي الأعظم أناس هذا شانهم في القضاء؟ أمن العدل أن يسلط على الأنفس والأعراض والدماء رجال هذا مبلغهم من العلم؟ أمن الأنصاف أن تقوض النواميس الإسلامية([5]) وطقوس الأمة وربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم؟ لاها الله وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحانه الله وتعالى عما يشركون وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب اليم([6]).
ومن ذلك أنه أورد عدة روايات يدور فيها نقاش بين عمر وبعض الرعية وحين يتبين لعمر أن الصواب مع غيره يقول كل الناس أفقه من عمر. وهي كلمة ينبغي أن تكتب لهذا الإمام العظيم بأحرف من نور دلالة على تواضعه وكيف أن الرعية كانت تعيش في كنفه بكامل حريتها في التعبير عن رأيها دون خوف أو تحفظ ولو كان في هذا التعبير تخطيء لرأي أمير المؤمنين !
وفيها تظهر الثقة التامة بالنفس فإن الجاهل والناقص يستحيل أن يتفوه بهذه الكلمة خشية من انكشاف أمره خصوصاً إذا كان في منصب عمر. إن الجهل والنقص عند السلطان لا يحمله إلا على الاستبداد وظلم الرعية مع ادعاء الكمال والرشاد ]مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ(29)( غافر.
ولكن انظر كيف تنقلب هذه الفضائل في أذهان هؤلاء الروافض المقلوبة المعكوسة!
يقول هذا الرقيع وقد عد ابن الجوزي هذه الفضيحة المخزية من مناقب عمر. وتبعه شاعر النيل حافظ إبراهيم ونظمها في قصيدته العمرية فقال تحت عنوان مثال رجوعه إلى الحق… وبعد أن أورد القصيدة ليكثر بها كتابه الفارغ قال هكذا يعمي الحب ويصم ويجعل الموبقات مكرمات ويبدل السيئات حسنات([7]).
أعمى أصم ، بل هكذا يعمي الحقد الفارسي ويصم ويجعل المكرمات موبقات ويبدل الحسنات سيئات! ويأبى الله تعالى إلا أن يفضح هؤلاء ويخزيهم ويدينهم من أفواههم!
تأمل كيف تورط هذا الأعمى الأصم فجاء بهذه الرواية التي لا يصدقها إلا أعمى أصم مثله لا يدري ما يقول، وجعلها تحت عنوان (الخليفة لا يدري ما يقول) (أتي عمر بن الخطاب t برجل اسود ومعه امرأة سوداء فقال يا أمير المؤمنين إني أغرس غرساً أسود وهذه سوداء على ما ترى فقد أتتني بولد أحمر فقالت المرأة والله يا أمير المؤمنين ما خنته وإنه لولده. فبقي عمر لا يدري ما يقول. فسئل عن ذلك علي بن أبي طالب t فقال للأسود هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال قد كان ذلك. قال علي الله اكبر إن النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله عز وجل منها خلقاً كان أحمر. فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك –الطرق الحكمية ص47).
ومن المعلوم فسلجياً أو وظيفياً استحالة الحمل أثناء الحيض. وعلي t أسمى من أن يهرف بما لا يعرف.
فالقصة من وضع جاهل أراد أن يحطّ من شأن عمر ويرفع من شأن علي فلم يوفق!
وإذا كانت هذه الخرافات يمكن أن يصدقها الناس في العصور القديمة فما عذر هذا الرقيع وهو يعيش في عصر العلم وتقدم الطب لولا أنه أعمى أصم لا يدري ما يقول؟
وجاء بقصة عن امرأتين وضعت إحداهما ذكراً والأخرى أنثى وكلاهما تدعي الذكر وتنتفي من البنت. وكالعادة (بقي عمر لا يدري ما يقول)، وكالعادة أيضاً يظهر علي على المسرح بصورة دراماتيكية ليدعو بقدح ويقول لإحداهما احلبي. فحلبت فوزنه ثم وزن حليب الأخرى فوجده على النصف من لبن الأولى فقال لها خذي ابنتك. وهنا يتوجه إلى الجمهور ليقول أما علمتم أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام وأن ميراثها نصف ميراثه وأن عقلها نصف عقله وأن شهادتها نصف شهادته وأن ديتها نصف ديته وهي على النصف في كل شيء. فأعجب بِهِ عمر إعجابا شديداً ثم قال أبا الحسن لا أبقاني الله لشدة لست لها ولا في بلد لست فيه([8]).
ولو كان هذا الرقيع حيا لنصحته أن يقدم هذه المعلومات الكارتونية في بحث إلى الجهات العلمية عله يحصل على ( براءة اكتشاف ) تعينه على مواصلة أبحاثه حتى لا نحرم من نوادر علمه وآثاره!
وبعد لهاث طويل دلع لسانه ليقول
(إن الأخذ بمجامع تلكم الأحاديث من النوادر المذكورة ومئات من أمثالها يعطينا خبرا بأن الخليفة لم يكن متحليا بما أوجبته أعلام الأمة في الإمامة من الاجتهاد.قال إمام الحرمين الجويني في (الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد) ص426 من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث. وهذا متفق عليه أ. هـ. فأين يقع من هذا الشرط بعد إصفاق الأمة عليه رجل لم يعط بسطة من العلم ولم يكن ما كان يعلمه يغنيه عن الناس وإنما الأمة كانت في غنى عن ثرى علمه. وحديث استفتاء غيره ملأ كتب الحديث والسنن وشحن معاجم التاريخ والسنن فماذا بعد الحق إلا الضلال)([9]).
هكذا يفكر أساطين التشيع الفارسي! وهكذا علَّموا جمهورهم.وهكذا يفكر العجم في العموم إلا من رحم.
إن الطرائق التقليدية في الخطاب لا تنفع مع أمثال هؤلاء. لا بد من خطاب آخر إن لم ينفع معهم- فعلى الأقل- لا يضر غيرهم .إننا ومنذ ثلاثة عشر قرناً نخاطبهم خطاباً لا يفهمونه.
لقد آن لكل إنسان أن يدرك أن الجدران ليس لها من آذان!
يقدمون الورود لمن يبصقون في وجوههم
ومع هذا كله نجد من علماء السنة من يكيل المديح لهذا الرقيع وكتابه!هذا الشيخ محمد سعيد العرفي وهو من علماء سوريا الذين يمتازون بالحرية والاستقلال الفكري والجرأة الأدبية. صاحب كتاب (سر انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين). لكنه - ككثير من علمائنا- ليس عنده مناعة فكرية ضد التشيع الفارسي ولا خبرة بأساليب علاجه . وهذا بعض ما جاء من تقريظ للكتاب وصاحبه
(سماحة الحجة العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي المكرم…قد أسعدني الحظ بمطالعة أجزائكم الثلاثة الأول والثاني والرابع من كتب (الغدير في الكتاب والسنة والأدب)… فلم استطع أن أكتم ما يختلج به ضميري من سرور متواصل وسعادة غير منقطعة لأني لا أنكر أن هذا الباب قد طرحه كثير من فطاحل الرجال إلا أنهم لم يوفوه حقه كما فعل الحجة الأميني فلقد دون آراء لم يستطع الأولون على أن يأتوا بمثلها… إذن لا لوم علي إذا قلت إن المؤلف قد جمع في هذه الأجزاء الثلاثة من العلوم والآداب ما صير (الغدير) عيداً شاملاً لكل مؤمن… وصلى الله على سيدنا محمد وآله الأطهار وسلم تسليما)
ولا تنس أن تلاحظ المجاملة الأخيرة بإضافة (الأطهار) إلى (آله)، وعدم إشفاعها بذكر (صحبه) حتى لا يجرح شعور المؤلف الرقيق الذي أبت صفاقة وجهه ووقاحته الفارسية عليه أن يجعل لصاحب هذا التقريظ فضلاً بل جعل الفضل لنفسه عليه لأنه سمح لمثله أن يقرظ كتابه كما جاء ذلك صريحاً بقوله الذي تقدم التقريظ (كتاب كريم جاءنا من البحاثة المفضال… فنحن تقديرا لمقامه العلمي والأدبي الشامخ وإعجاباً بخلائقه الكريمة ننشر الكتاب بلفظه مشفوعاً بشكر غير مجذوذ)!
هل رأيتم رجلا يقول لضيوفه (تشرفتم بزيارتي)!
منهج قديم لكنه بائس
قد يتصور أصحاب المنهج الترضوي أنهم وقعوا على اكتشاف جديد لم يعرفه الأولون. ووجدوا الدواء السحري الذي ظلت الأمة تتخبط قرونا وهي تحاول العثور عليه! إذن ما بقي إلا أن تجربه لتشفى بإذن الله!
والحقيقة أن هذا (الدواء) قديم وقديم جداً! ومن قدمه تحول إلى سم، لأن فترة صلاحية استعماله انتهت منذ زمن بعيد.. وبعيد جداً!ولقد جربناه فما ازددنا به إلا خبالا ووبالا!
وإن لم تصدقوا فانظروا إلى الواقع! إنه لا يزداد إلا سوءا وترديا رغم امتلاء الكتب والمصادر بهذه (الوصفة) المشؤومة، ورغم أن الدعاة والخطباء والوعاظ والمتصدرين يلهجون بها صباح مساء.
إن التقرب إلى التشيع الفارسي زلفى قديمة قدم كتب الحديث والتفسير وأسباب النـزول والعقائد والتاريخ والسير والمواعظ والرقائق والأدب.
خذ المسند والمستدرك وتاريخ الخلفاء والعقد الفريد، تغ************ عما ألف من قبل ومن بعد، ويزيد!فماذا كانت النتيجة؟! معكوسة تماماً!
لقد تضررنا بهذا الركام الذي لم ينتفع به رافضي واحد! وصرنا في النهاية نصدق هذه المجاملات المائعة من طول ما تلقيناها بألسنتنا ورددناها بأفواهنا بحيث إذا خرج من بيننا من ينكرها صرنا نحن الذين نقول له إنك تسيء إلى أهل البيت فانتقلت دائرة الصراع إلى ساحتنا! هذا كل ما جنيناه بأيدينا! وإذا استمرت الحال على ما هي عليه من التدهور فالمستقبل لا يبشر بخير!
حصاد القرون
بين يدي كتاب بعنوان (الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب) مؤلفه- كما ورد في غلافه - الفقيه المحدث الشيخ يوسف بن الشيخ احمد بن إبراهيم البحراني 1107-1186 هـ.ق تحقيق السيد مهدي الرجائي. تاريخ طبع الكتاب 1419هـ.ق وعنوان الطبع (قم… الجمهورية الإسلامية الإيرانية).
فالكتاب مطبوع قبل ثلاث سنوات فقط وبإشراف المسؤولين في (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) التي تبكي بدموع التماسيح على التقريب ووحدة المسلمين الضائعة!
موضوع الكتاب إثبات أن الناصب أو الناصبي هو من قدم أبا بكر وعمر على علي، أو أحبهما وإن لم يبغض علياً. أي إثبات أن أهل السنة جميعا نواصب يحل دمهم ومالهم!
يقول هذا الكافر الزنديق (اعلم أنه قد ورد عنهم عليهم السلام إن مَظهَر هذه العداوة والدليل عليها أحد شيئين إما تقديم الجبت والطاغوت([10]) والقول بإمامتهما أو بغض شيعتهم ومواليهم من حيث التشيع.
أما الأول فقد رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا أبى الحسن الهادي (ع) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى قال كتبت إليه أساله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب.
وهذا الحديث كما ترى صريح في ثبوت النصب والعداوة لكل مقدم للجبت والطاغوت…
وأما الثاني فقد رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب العلل بسنده إلى عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) قال ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت. لأنك لا تجد رجلاً يقول أنا أبغض محمداً وآل محمد. ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا. ورواه في معاني الأخبار بسند معتبر.)([11])
(ولقد أجاد فيما أنشد وأفاد شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه حيث قال
لحى الله من ولى الصهاكي([12]) إمرة
ومن أطرف الأشياء عند أولي النهى
زنيم دعي أمه هي أخته
أبوه لعمري جده ثم خاله
إلا أبلغ الأنصار مني ألوكةً
وقل لهم ضلت حلومكم كما
رضيتم عديا بعد تيم ونعثلا
وأجلسه في مجلس العقد والحل
خلافة ذاك الفاجر الكافر النغل
وعمته فيما رواه ذوو الفضل
فبخ له من لغية طيب الأصل
قوارعها تنكي القرائح كالنبل
رضيتم بجلفيِّ العتاة ذوي الجهل
وزفرا كما حدتم عن السيد الجزل([13])
أورد هذه الأبيات وهو يبصق في وجه الإمام الرازي رحمه الله الذي قدم لهم باقة ورد!
يقول البحراني ناقلاً قول الشوشتري (فأما قول عالمهم الحافظ البارع الطيبي في شرح المشكاة حيث قال ونعم ما قال الإمام الرازي في تفسيره نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة([14]) محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبيr. فمن باب تخمير النار بالهشيم وتغطئة لهبها بالحمم حذرا من نشوء الافتضاح ومخافة على المذهب من السخافة وهل هذه الدعوى إلا كما إذا حاول أهل الكتاب من اليهود والنصارى ادعاء أنهم الذين يحبون محمدا r ويتمسكون به دون أمة أجابته من المسلمين الذين يؤمنون بنبوته ويدينون بدينه انتهى كلامه زيد مقامه).وفي موضع آخر يورد أبيات شعر لأحد المائعين من حملة أكاليل الورود ثم يبصق في وجهه ويلطمه بالحذاء! تقول هذه الأبيات الوردية المائعة الخانعة
أهوى علياً أمير المؤمنين ولا
ولا أقول إذا لم يعطيا فدكا
الله أعلم ماذا يأتيان بِهِ
أرضى بسب أبي بكر ولا عمرا
بنت النبي رسول الله قد كفرا
يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا
هذه الأبيات المائعة يرسلها أحد مشايخ الملة الضائعة، واسمه صالح بن الحسن الجزائري إلى الشيخ البهائي قائلاً هذه الأبيات لبعض النواصب- تبر الله أعمارهم وأخرب ديارهم- فالمأمول من أنفاسكم الطاهرة وألطافكم الظاهرة أن تشرفوا خادمكم بجواب منظوم عن هذه الأبيات نكسر به سورة هذا الناصب وأمثاله من الطغاة.
فيجيبه البهائي الإجابة عما هدر به هذا المخذول([15])
يا أيها المدعي حب الوصي ولم
كذبت والله في دعوى محبته
وكيف تهوى أمير المؤمنين وقد
فإن تكن صادقا فيما نطقت بِهِ
وأنكر النص في خم وبيعته
أتيت تبغي قيام العذر في فدك
إن كان في غصب حق الطهر فاطمة
فكل ذنب له عذر غداة غد
فلا تقولوا لمن أيامه صرفت
لكن إبليس أغواكم وصيركم
تسمح بسب أبي بكر ولا عمرا
تبت يداك ستصلى في غدٍ سقرا
أراك في سب من عاداه مفتكرا
فابرأ إلى الله ممن خان أو غدرا
وقال إن رسول الله قد هجرا
أتحسب الأمر بالتمويه مستترا
سيقبل العذر ممن جاء معتذرا
وكل ظلم يرى في الحشر مغتفرا
في سب شيخكم قد ضل أو كفرا
عمياً وصماً فلا سمعاً ولا بصرا
ويعلق البحراني على هذه الأبيات بقوله ولقد أجاد في هذا المجال من قال لعمرك ما ودك من والى ضدك ولا أحبك من صوب غاصبك([16])
فتأمل – وأعجب- كيف يهدر المخذولون من أهل السنة بالتزلف إليهم ثم انظر بم يرجع الهادرون!
والمشكلة أن اللاحق لا يعتبر بالسابق بل لسان حاله يقول أنتم السابقون ونحن بكم أن شاء الله لاحقون. أنتم فرطنا ونحن بالأثر!.
فإذا ذكَّرته قال إن هذا كلام المتعصبين من المتقدمين. ولقد تغير القوم وهاهم يمدون أيديهم إلينا بالتقريب ونسيان الماضي ونحن أبناء اليوم وعفا الله عما سلف! حتى رأيت أحد أفاضل الكتاب ومن هو من خيرة المفكرين والمنظرين من يسلك الخميني وخليفته خامنئي في سلك المقربين المعتدلين وهما هما في إجرامهم وحقدهم على الأمة والصحابة وتكفيرهم واستحلال دماء أهل السنة!
ولم يكتف بهذين الزنيمين بل سلك معهم عبد الحسين الموسوي الكذاب الأشر صاحب فرية (المراجعات)، ومحمد القمي الذي يقول عن الفاروق أنه مصاب بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال! وآخرين لا يذكر واحداً منهم إلا ويقدم لاسمه بكلمة (الإمام) مثل محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة المفسد، ومحسن الحكيم الانجليزي المدسوس!
انظر إليه كيف يقول قد توالت دعوات الإمام الخميني للوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة. وطلب من الشيعة في الحج تجنب كل ما من شأنه تفرقة صفوف المسلمين (!)… أما السيد علي خامنه ئي رئيس الجمهورية فيعتبر وحدة المسلمين في العالم اليوم إحدى المسائل الهامة الضرورية. أما الذي يقول باستحالة الوحدة بين السنة والشيعة فهو جاهل في الإسلام)([17])!
ومما جاء في كتاب ذلك الرافضي الخبيث يوسف البحراني تحت عنوان (حل دم الناصب وماله) (اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عنهم- عليهم السلام- بحل دماء أولئك المخالفين وحل أموالهم مع أمن الفاعل على نفسه أو ماله وإخوانه من الضرر) واستشهد على فتواه الكافرة هذه بعدة روايات منسوبة إلى جعفر بن محمد وأبيه محمد بن علي وولده موسى بن جعفر رويت في كتاب (تهذيب الأحكام) لأبي جعفر الطوسي و(علل الشرائع) للقمي و(الكافي) للكليني و(الأنوار النعمانية) لنعمة الله الجزائري. ثم قال (وحينئذ فبموجب ما دلت عليه هذه الأخبار وصرحت (كذا) به أولئك العلماء الأبرار لو أمكن لأحد اغتيال شيء من نفوس هؤلاء وأموالهم من غير استلزامه لضرر عليه أو على أحد من إخوانه جاز له فيما بينه وبين الله تعالى)([18]).
هذه حقيقة الخميني وخامنئي وثمار دولتهم (الإسلامية).
وأما دعوتهم للتقريب وقولهم بوجوب الوحدة بين أهل السنة والشيعة فيتولون هم الجواب عنها. يقول يوسف البحراني هذا
(قد ورد الأمر في الشريعة المحمدية أن احجبوا دينكم بالتقية. ولعل هذا هو السر في تصريح علمائنا المتأخرين بإسلام أولئك المخالفين كما قد نقل فضلاؤنا المتأخرين (كذا) عن الشيخ (أي الطوسي) من أنه أظهر تلك في بعض مصنفاته تقية لقوله بكفرهم كما نقله عنه غير واحد من الأصحاب)([19]).
المتأخرون شر من المتقدمين
يخطئ من يظن أن الرافضة تغيروا – أو يمكن وهم على حالهم هذه أن يتغيروا- إلى الأحسن، ويخطئ من لا يعتقد أن الرافضة يزدادون شراً كلما تقدم بهم الزمن!
حينما كنت اقرأ في كتاب (المراجعات) و(الفصول المهمة في تأليف الأمة) وأمثالهما من تواليف المفتري عبد الحسين الرافضي كنت أعجب من جرأته على الكذب والتحايل والتلون! حتى إذا خرج علينا التيجاني السماوي بتواليفه تذكرت المثل القائل إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصاراً وقلت ما على هذا مزيد. فإذا بنا نفاجأ بمن هو أكثر سما وحقدا، وأسلَط لساناً وأطوله وأشده انغماسا في المستنقعات القذرة!
بين يدي كتاب آخر – وقائمة الكتب لا يحيط بها البصر- عنوانه قريب من عنوان الكتاب السابق (الشهاب الثاقب المحتج بكتاب الله على الناصب) لمؤلف معاصر من الحلة اسمه عالم سبيط النيلي باسم مستعار هو الشيخ أبو علي السودائي.
من تتصور هذا (الناصب) الذي يريد أن يثقبه هذا النيلي بشهابه؟ إنَّهُ أحمد الكاتب الرجل الشيعي الذي لم يخرج عن الشيعة إلا في مسألة واحدة هي مسألة (المهدي المنتظر)، صاحب كتاب (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه)!
فإذا كان أحمد الكاتب من النواصب ففي أي خانة أم تحت أي عنوان يضعنا هؤلاء النواعب؟!
انظر لترى كيف ينفث هذا الحاقد المعقد حمم حقده ويصب جام غضبه على صاحبه وابن جلدته!
(تباً لك أيها الكاتب الغبي الذي لم يحسن المدخل فأعيت عليه المخارج. أقسم بالله العظيم لولا الاقتداء بعلي بن أبي طالب (ع) في عدم تكليم الجهال والمنافقين لكلمتك بكلام آخر أجعلك فيه عبرة لكل معتبر. لكن هيهات يمر ذلك بسلام عليك فانتظر فادحة تحل بك وفاقرة تقصم عماد ظهرك تتبعها رادفة تنقلك إلى النار وقريباً وقريباً جداً([20]) فانتظر وتربص فإنه وعد حق على لسان الرسول المصدق r واللعنة على عدوه والراد عليه)([21]).
وكتابه هذا من أعجب ما اطلعت عليه من كتب تفوح قذارة وتموج بالنتن! لقد شتم الصحابة شتما مقذعا أهونه التصريح بكفرهم ! وقذف أمهات المؤمنين قذفاً اخترق به حجاب الله الذي ضربه تعالى حولهن!هذه نتف مما جاء فيه وأنا متردد بين تقييدها وتركها
(حينما حكم الأشباه والنظائر من غير مشورة المؤمنين قامت المعارضة على السلطة القرشية المسندة من قبل اليهود والروم ([22]) بأحلاف سرية ومعاهدات خفية تستر عليها المجرمون وظهرت رائحتها فيما بعد من خلال فلتات السنة المؤرخين وعبر الأحداث. ولكن هذه الأمة([23]) لا زالت تزور وتكذب وتماري في الحق. فلماذا اتفقت كلمة العرب على محمد r واختلفت بشأن أبي بكر؟
هل ارتدت العرب فعلا يا أبناء المكذبين أم كانوا معارضة([24]) سياسية على حكومة لا شرعية؟… لقد بلغ طغيان أبي بكر أنه أجبر أسرى المعارضة على الإقرار بأن (قتلاهم في النار وقتلى جيش أبي بكر في الجنة) فتصور!! وكأن هذا الطاغية له صلاحية بلغت الحدود حتى حل محل رضوان ومالك خازني الجنة والنار… لقد ارتدت حسب زعمهم العرب إلا قريش!
ولو لاحظنا أحداث الردة لوجدناها أكذوبة. بل الردة هي في قريش. وأما العرب فهي على الأمر الأول. ولكن بعض الكفرة استغل الأحداث والانقسام فادعى النبوة. وتوجد معلومات أخرى([25]) أن المدعين للنبوة أرسلوا من قبل القيادة الجديدة أصلاً باتفاق مع اليهود وذلك لإسناد محاربتهم لهم بسند شرعي وأن المتابعين لمسيلمة الكذاب وسجاح قد وقعوا بين فكين وأن القيادة الجديدة ضحكت عليهم حتى حرضتهم على الردة ودفعت لهم الأموال وغدرت بهم فأبادتهم… فافهموا التاريخ أولاً والقرآن ثانياً وكلام الأولياء ثالثاً قبل تؤلفوا الكتب يا أولاد الخنا والعار وشذاذ الأفاق وزبالة تاريخ الأمم)([26]).
ويقول عن (الإمامة) (بلاء ومحنة لا كرسي يسيل اللعاب لرؤيته كما هو عند أبي بكر وعمر وعثمان صاحب القميص… وقد كان جده المعاهر المحكوم عليه بالنفي إلى الشام أقر رغم عهره بضرورة تنفيذ أمر النفي الذي حكمت به العرب. فكم ورث إذن من العهر حتى بلغ هذا الحد؟ وهل هناك من عاهر يموت ولده وزوجته جوعاً وعطشاً ويرفض تسليم السلطة إلا ذلك النوع من المعاهرين الذين يعبدون الكرسي؟!)([27])
وقال وهو لا يزال يلف بين مراثه ومعتلفه (اتباع اثنا (كذا) عشر متفقين في القول خير من اتباع ثلاثة مختلفين في كل شيء وأربعة فقهاء وثلاثة عشر (كذا) فرقة من المتكلمين وستة عشر من الصوفية. واتباع من تسري (كذا)! في أجسادهم شيء من رائحة صاحب الرسالة خير من اتباع عدي وتيم وهي منبوذة عند قريش… واتباع إمام عليم خير من اتباع إمام جاهل أقر أن ربات الحجال والعجائز أفقه منه. واتباع إمام أبي أئمة خير من اتباع إمام ابتر وإمام ابتر وإمام ثالث ابتر… واتباع إمام ذي حياء خير من اتباع جاسوس كان جاسوساً لقريش على النبي وبقيت الوظيفة وحبها في نفسه حتى كان يتسور على الدور ويهتك الستور. وقد أفحمه شارب الخمر حيث قال له يا عدو الله أتشرب الخمر؟ فقال السكران أنت يا عمر عدو الله. أنا فعلت واحدة وأنت فعلت ثلاثة فقد تسورت وقد قال الله)واتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا( … يا للزمان الذي جعلنا نقارن بين اختيار علي الوصية وعمر الشورى! فان عمر الشورى لا يقارن أصلا بهذا (السكران الفقيه) لا والله ولا يساوي نعليه فانه أضر نفسه وحفظ أخلاقا من كتاب ربه فكيف يقارن بمن أفسد العالم ومنع رحمة الله من الدوام؟)([28])
وقال (يكفي أن تعلم أن فضائل عمر المذكورة في التاريخ صحيحة كلها، ولكن على معناها الصحيح في اللغة لا بالمعنى الساذج لدى المفسرين وهذه أمثلة منها… اخرج الترمذي عن عائشة عن النبيr قال (إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) وهذا غير معقول إلا إذا كان زعيمهم… ولا يفر الشيطان إلا من سيده ورئيسه كما يفر الناس من جبار من جنسهم… لو كان ثمة احتمال في إيمان أبى بكر وعمر لآمن الناس كلهم ولم يختلف من أمته رجلان لأنهما أكفر الخلق… وأخرج الحفاظ عن مجاهد قال (كنا نتحدث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر)… ولا معنى لهذا إلا أن يكونوا قد اكتفوا بعمله فبقوا لا شغل لهم)([29])..
كلام يهتز له العرش!
هذا الذي سأكتبه هو ما يمكن أن يكتب وينقل وقد لا يوافقني الكثيرون على كتابته لعظمته! مع أني اضطررت إلى الإعراض عن تقييد عبارات بل صفحات كثيرة جداً لا اجرؤ على تقييدها ولو على أساس أن ناقل الكفر ليس بكافر!
من ذلك الذي استطعت نقله (لماذا أصر أبو بكر وعمر على تزويج ابنتيهما من النبي r بعدما يئسا من التزوج بفاطمة؟
لقد كانت الخطة موضوعة سلفا. فهما جاسوستان على النبي r مدربتان كأحسن ما يكون التدريب. وقامتا بالدور الموكول بهما بكل أمانة. وجاء تحريم الزواج بهن من بعد الرسول r ضربة موجعة.
إن الخطة كانت ترمي إلى الانتهاء من موضوع النبي بسرعة، ومن ثم يأخذن حريتهن في الزواج من بعده أو بالطلاق خصوصاً وأنهن شابات دون سائر نسائه العجائز.من هنا أصيبت عائشة بخيبة أمل وحصل عندها ما يسمى اليوم بازدواج الشخصية وأصيبت بمرض نفسي. وهذا المرض واضح جداً في كل سلوكها اللاحق وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة الجنسية ذلك أن النبيr لم يطأها قط فهي رجس. وكان شرطه للوطء هو أن تؤمن بالله ورسوله وتكفر بأبيها وتؤمن بوليها وكان r ينصحها ويرشدها لكن الكفر المتأصل فيها أبى عليها الإيمان)([30])
( قامت بحادثة تسمى عند المفسرين حادثة الإفك وهي حادثة ملفقة فإن تأخرها عن الركب لم يكن من الإفك وإنما حقيقة تاريخية نفذت فيها وصايا وأوامر خاصة من القيادة العليا فحاولت الإساءة إلى الرسول ولو على حساب سمعتها! وقد جعلها هذا -وبحسب دراستي لنفسيتها- جعلها تكره الطرفين في آن واحد محمد الرسول وأعداءه على حد سواء. ولذلك قامت بالسلسلة الطويلة من الأعمال اللاحقة بعدما رجعت الفضيحة اليها).([31])
وقال هذا اللعين (كانت عائشة أكبر متبرجة في التاريخ البشري لأننا لا نعلم أي واحدة من الملكات مثل ملكة سبأ أو تدمر أو غيرها خرجت بنفسها على رأس الجيش ووقفت بين الصفوف… عائشة هي أكبر متبرجة في تاريخ النساء ولها السبق في هذا المضمار. ومن هي؟ إنها ابنة أبيها (كلمة الذين كفروا) في الغار فلا تستهن بقدراتها الفائقة ومكرها وحيلها الغريبة فهي أبرع امرأة في التحريف والتزوير والتبرج ولا غرابة ما دام محمد أعظم الخلق فالضد إنما يظهر فضله الضد)([32]) ثم اتهم هذا الخبيث أم المؤمنين بأمور لا استحل نقلها فالله حسيبه. والحمد لله الذي انتقم منه سريعا فلم يمهله حتى سلط عليه من أزهق روحه إلى جهنم وبئس المصير!فأين أساطين التشيع وأدعياء التقريب؟!
لقد أهدر الخميني المقبور دم سليمان رشدي الرافضي الهندي دعاية وتطبيلا ورئاء الناس. أنا لم أقرأ كتابه ولكن قد لا يكون فيه ما هو أسوا مما كتب هذا الخبيث! فهل سمعت بواحد من أدعياء التشيع أنكر عليه أو تبرأ منه؟!على العكس! له كتيب اسمه (نجوم القرآن المبين في ولاية أمير المؤمنين)
جاء في أوله تحت عنوان (تعريف) عدة كلمات لبعض الذيول والنكرات([33]) منقولة (عن مجموعة مقالات منشورة في الصحف العراقية)- هكذا جاء النص- هذه نماذج منها
إن عالم سبيط كان جريئا في كتاباته قويا في حججه([34])
إن عالم سبيط هو هدية العصر لفكرنا المعاصر([35])
لعل رحيل عالم سبيط قطع سيرة حياة فكرية أثمرت خلال فترة وجيزة عن مشروعات وتأسيسات هامة في فحص ونقد الكثير من جوانب الفكر اللغوي([36])
عالم سبيط الذي ضاعت علينا به فرصة تاريخية لتغيير المعرفة الإنسانية([37]).
إن هؤلاء ذرية بعضها من بعض مثل أحدهم (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).
ولا أريد أن أسود هذه الصفحات البيض بأمثلة مما سطره الآخرون كنعمة الله الجزائري ومحمد التيجاني السماوي ومحمد رضا الزنيم أو الحكيم وغيرهم ممن يقيئون قذارة ونجساً على تاريخ هذه الأمة ورجالها ورموزها الذين لا مثيل لهم في الأمم جميعا كما قال تعالى)كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110)(آل عمران وقال r (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري.
إن أولئك الطاعنين الذين يقيئون حقداً ورجسا- وكل علماء الرافضة ودعاتهم كذلك –هل تزيدهم المجاملات ومحاولات التقريب إلا غروراً، وعتواً ونفوراً، وطغيانا وكفرا وتماديا وجرأة؟!
وما مثلهم ومثل أصحاب المنهج الترضوي ومثل أصحاب المنهج القرآني النبوي إلا كمثل رجل سوء استزل امرأة فقبلها فإذا بأخيها ينظر إليه! ودهش الرجل لموقف أخيها البارد الذي لقيه في اليوم الثاني فألقى التحية عليه وصافحه. وفي اليوم الثالث رآه ممسكا بذراعها يتأبطه وهما يمشيان على الكورنيش فلم يفعل شيئا! ثم رآه بعد ذلك مختليا بها في حديقة عامة! ترى!ماذا سيفعل بها ذلك الرجل في المرة الخامسة أو ما بعدها؟!
وكان لذلك الديوث أخ غيور كان صغيراً فكبر وقد وقعت الواقعة بعد المرة السابعة فصاح يوماً بأعلى صوته لا بد لهذا الخنا من نهاية فإذا بأخيه يرد عليه قائلاً يا أخي خفض من صوتك فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نـزع من شيء إلا شانه. والكلمة الطيبة صدقة. قولوا للناس حسنا. إحذر أن يسمع صاحبنا صوتك فينخدش شعوره أو ينجرح إحساسه أو ينفر فنخسره!
أيها السادة! إن الدين أغلى من العرض! فكيف إذا طعن في الدين والعرض؟! وأي عرض!! عرض رسول الله r أشرف الخلق و(أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)!!
وليس هذا الطعن شأن العلماء وحدهم بل إن جمهور العامة معهم يظاهرونهم ويناصرونهم ويتلذذون بمطاعنهم فينا وفي ديننا وإسلامنا! ولهم في طاعة علمائهم والسرعة في تمثل أقوالهم وتوجيهاتهم وتطبيقها وتحويلها إلى مفردات يتعاملون بها حالة عجيبة مهما بدت طائفية حاقدة أو خارجة عن المعقول !
حين ظهر الشيخ أسامة بن لادن على سطح الأحداث التي ارتج لها العالم ماتت رموز التشيع الفارسي حسدا وغيظا أن لا يكون – ولن يكون ولم يكن- عندهم من الرجال مثله كما حسدت يهودُ العربَ حين خرج محمد r من أوساطهم وليس من وسط اليهود.
وبما أن الرافضة هم أساتذة الصنعة في الكذب والدعاية المضللة، فقد صاروا يشيعون عن ابن لادن أنه عميل أمريكي وبائع مخدرات وقاتل سفاح قتل من الشيعة عشرات الآلاف…الخ وصدق جمهور الببغاوات هذه الشائعات دون أدنى صعوبة، وإذا بهم يرددونها من خلفهم إلى حد أنهم صاروا يعيروننا بهذا الإنسان العلم الذي تكفي عَلَميته لأن يتشرف بها العالم أجمع، ويلمزونه بـ(الوهابي) دون حياء أو أدنى شعور بالخجل! وفي المقابل يتبجحون بموقف إيران الخياني النفاقي في مظاهرتها لقوى الصليبية الأمريكية وتعاونها العلني معها دون أن ينتابهم ذرة شعور بالنقص تجاهه.
ويظهرون التلذذ بما تحققه أمريكا والتحالف الشيطاني الشمالي من انتصارات وتلحقه من أذى بالمجاهدين الأفغان من حركة طالبان الحاكمة وأنصارهم. وقبل انهيار الحركة وانسحابها إلى الجبال كانوا يروجون الإشاعات عن هزيمتهم، ويشيعون أخبار استسلامهم مقدما استبشارا وأمنية!
إن قوما يفتخرون بالعار يجلل رؤوسهم ويشمخون بأنوفهم على من يكلل رأسَه تاجُ الإيمان والجهاد والسمو والطهر ليسوا من بني آدم في شيء.إنهم أبالسة ! وإلا فإني لا أستطيع أن أتخيل مخلوقاً غير إبليس يمكن أن يرفع رأساً مضخما بالنتن على من يحيط رأسه إكليل الجواهر والذهب والياقوت.
هل رأيت إنسانا غاطساً في خزان للمياه الثقيلة يسب رجلاً خرج لتوه من حمام وقد عطر جسده بأطيب العطور يقول له ابتعد عني أيها القذر!
أنا رأيت أمثال هذا! إنهم دعاة التشيع الفارسي والسائرون في ركابهم!
كيف يعالج هؤلاء المرضى المخبولون الذين استحبوا العمى على الهدى؟! هل ينفع معهم أن نقول لا فرق بيننا، ونحن وإياكم سواء، وإن عليا زوج ابنته أم كلثوم بنت فاطمة من عمر، وأن له من الأولاد أبا بكر وعمر وعثمان، وأننا نحب أهل البيت؟ هذا إذا لم نصل إلى حد المداهنة والغلو في علي وذريته.
لقد قلنا هذا وأضعافه ومنذ مئات السنين فماذا كانت النتيجة!إذا وصل التردي العقلي والفكري إلى هذه الدرجة فهل من علاج سوى الصدمة؟!!
نعم قد لا يستعيد الكثير منهم وعيه بهذه الطريقة، وليس من شأننا أن نحيي الموتى كما قال تعالى ) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)( النمل.
إنما –على الأقل- نبعد الآخرين عن السقوط والتردي، وننقذ من يمكن إنقاذه ممن أصيبوا -أو يكادون أن يصابوا- بهذا الداء الوبيل.
وعلى أضعف الاحتمالات يؤدي الإنسان ما عليه ويقول الحقيقة ويقوم بدوره في إنكار المنكر. وإلا ضرب الله قلوب بعضنا ببعض وأحل علينا ما نستحق كما قال سبحانه)لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)( المائدة.
عن ابن مسعود t قال قال رسول الله r (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) ثم قال )لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ( إلى قوله )فَاسِقُونَ( ثم قال (كلا والله لتأمرون بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي قال رسول الله r (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) فجلس رسول الله r وكان متكئاً فقال (لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا)([38]).
وعن ابن مسعود t أيضاً أن رسول الله r قال (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل! رواه مسلم([39]).
وعن حذيفة t عن النبي r قال (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) رواه الترمذي وقال حديث حسن([40]).
منهج فاشل
أمام هذه الهجمة الشاملة الشرسة لم يستطع المنهج الترضوي إثبات صلاحيته للمواجهة. لا في علاج الحالة ولا في إيقاف زحفها وانتشارها. هذا على الصعيد العملي.
وأما على الصعيد النظري فإن المنهج الترضوي ما هو إلا مولود غير شرعي للتزاوج الحاصل بين نفس ضعيفة وواقع ضاغط. ولم يولد ولادة طبيعية شرعية من خلال كتاب الله وسنة رسوله.كل مستنده تعلل بالواقع أو فهم خاطئ، يقوم على اجتزاء النصوص وانتقاء الأدلة ليتمكن من تفسير (الحكمة) بالسكوت عن الباطل ومداهنته، و(الموعظة الحسنة) بالرقائق التي تداعب العواطف وتخدر العقول ولو بالقصص المختلقة والروايات الضعيفة الواهية بل الغالية أملاً في رضا قد ولى زمانه وانقضى!
نعم! (للضرورة أحكامها) وهي قاعدة فقهية أصولية عظيمة. لكن (الضرورات تقدر بقدرها)([41]) وهي قاعدة فقهية أصولية أيضاً تكمل الأولى وتوجهها (فما جاء لعذر يبطل بزوال العذر)([42]).
وهذا التقدير يختلف زماناً ومكاناً وأعيانا.وهذه القواعد تتعلق (بالرخصة) وهي الأحكام الاستثنائية المتعلقة بالعوارض الطارئة وليست أحكاماً أصلية دائمية.
وفي كل الأحوال لا يصح أن نعطي للشذوذ والاستثناء و(الرخصة) حكم القاعدة والأصل و(العزيمة). فالميتة حكمها الأصلي والدائم الحرمة. ولا يقال عنها حلال أبداً إلا أنها تباح عند الاضطرار. وحتى لو دامت حالة الاضطرار فان هذا لا يحيل الحكم الشرعي ويجعله بالمقلوب.
أما أن نجعل من العوارض الآنية حالة مرْضية نتعايش معها ونرضى بدوامها، ومن الأحكام الاستثنائية أحكاما أصلية فذلك شذوذ خطير، علينا علاجه وتصحيحه.
شهادة الواقع
قد نختلف في تفاصيل طرق العلاج ونخطئ في توصيف دواء جديد فعال للحالة. إلا أنه لا ينبغي أن نختلف في شيء واحد هو أن المنهج الحالي الذي نسير عليه منهج فاشل فاشل. إن لم نكتشف فشله من حيث النظر والتأصيل، ففشله واضح -وواضح جداً- من حيث الفعل والتحصيل. ونظرة بسيطة على الواقع تنبيك عن هذا الفشل الذريع!
إن أصحاب المنهج الترضوي يراهنون على الواقع ويجعلونه حجة على فشل أي منهج آخر! فهلا نظروا إلى الواقع ليستدلوا به على فشل منهجهم المطبق منذ قرون أم يحسبون أنهم جاؤوا بجديد أو اكتشفوا شيئاً لم يعرفه الأولون؟
دونكم هذا الواقع وما فعل فيه هذا المنهج البائس!ألسنا نتراجع على مر الزمن أمام الزحف الشعوبي؟
انظروا إلى الواقع قبل مئة عام فقط ، ثم انظروا إليه اليوم واحكموا بأنفسكم على منهج هذه نتائجه! تأملوا وجه بغداد قبل خمسين عاماً فقط. ثم تأملوه اليوم لتروا كم تجهم! وكم حصلت فيه من تجاعيد وأخاديد!
طف في أسواقها. وانظر إلى أصحابها. وتأمل ما رفع من شعاراتها. ثم انظر لحالك تجدها كما قال أبو الطيب المتنبي
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسانِ
أيسركم أن تسلموها بعد خمسين عاماً هدية باردة على طبق من ذهب إلى أولئك الشعوبيين الحاقدين؟! ثم يمموا وجوهكم شطر نينوى والأنبار واحكموا بأنفسكم!
سر قوة الرافضة
ثم اسمحوا لي أن أوجه إلى حضراتكم هذا السؤال ما الذي تتصورونه وراء انتشار التشيع الفارسي وقوة الرافضة ؟ الهجوم أم الدفاع؟
هل رأيتم رافضياً يعرف الدفاع أو اللعب في منطقة الوسط؟ أم كلهم مهاجمون من الطراز الأول، يجاهرون بالسب واللعن والشتم والطعن . وفي الوقت نفسه يصرخون نحن مظلومون مضطهدون؟! حتى كدنا نصدق الأسطورة! بل صرنا نردد ما يقولون!
وهاهم أولاء خطباؤنا وشعراؤنا يخطبون في عاشوراء ويتحدثون عن (مظلمة) الحسين و(مقتله)!
صحيح إنهم لم ينـزلوا إلى ذلك المستوى، ولكن اصبروا قليلاً! وسترون! إن أول الغيث قطرة ثم ينهمر. تقولون نريد كسب العوام من الرافضة نستدرجهم شيئاً فشيئاً . ألا تدركون أنكم مهما فعلتم وخطبتم وبكيتم فإنكم ملعونون على لسان رستم ويزدجرد بن بوران، ما لم تكفروا بأبي بكر وعمر وعثمان!
أم أن اكتشاف هذه الحقيقة يحتاج إلى ذكاء وتفكر وعناء!
أيها الأحبة! إن فعلكم هذا هزيمة في كل القياسات ولا ثمرة من ورائه سوى أضعاف مناعة أهل السنة وتمييعهم لتشييعهم فارسياً بهدوء، وتسليمهم هدية باردة بلا جزاء ولا شكور.وإن منهجكم هذا لا يُصلح أسرة واحدة. ولا يصلح منهجاً أو قانوناً حتى في اللعب!
تخيلوا فريقاً كروياً انسحب إلى منطقة الدفاع، وصار لاعبوه يتجنبون التقرب من خط الوسط بل أعلنوا ذلك واعتبروه من محرمات اللعبة وفرضوه على أنفسهم دون أن يلزموا الفريق المقابل بالمثل.
إن هذا سيسحب الخصم إلى الأمام، ويحول لاعبيه جميعاً إلى مهاجمين وعليك – بعد- تصور النتيجة!هذا هو الذي جرأ علينا أولئك الأقزام القذرين وجعلنا نخرج – أو نكاد- من الساحة مهزومين!لقد فرض الرافضة دينهم بأسلوب الهجوم الكاسح العنيف وكسبوا إلى صفوفهم الكثيرين وبلعن أبي بكر وعمر!([43])
ترى! لو لجؤوا إلى الأسلوب الترضوي، وجاملونا فجاهروا بالترضي عن الصحابة ومدحهم. وفعلوا هذا في مساجدهم وحوزاتهم ومنابرهم، واقتصروا على عقائدهم وشعائرهم سراً فيما بينهم ولم يجاهروا بها إلا على سبيل الدفاع. أتراهم ينجحون ويحققون هذا الذي حققوه؟ كلا والله!
فإن لم تستفيدوا من كتاب ربكم وسنة نبيكم ولا من تاريخكم وتراثكم فاستفيدوا من تجارب خصومكم!
تجارب الأمم
إن المنهج الترضوي فاشل بدليل الوحي، ودليل العقل والتحليل النفسي ودليل التاريخ وتجارب الأمم.
خذوا النهضة العلمية الأوربية مثلاً. أن هذه النهضة لم تظهر للوجود وتصبح واقعاً، ولم تنتصر على سلطان الكنيسة لولا النضال والدم والصراخ والهجوم والتنديد الشديد بباطل الكنيسة وخرافاتها!
ترى لو قعد العلماء في بيوتهم واقتصروا بعلمهم على أنفسهم، أو بلغوه سراً هنا وتلميحاً هناك، واستعملوا (الحكمة) فجاملوا الكنيسة ومدحوا أحبارها ورهبانها -كما نفعل اليوم مع حاخامات قم وطهران- هل كان للعلم أن ينتصر على الجهل، والعقل على الخرافة والشعوذة؟!
ونصيحتي لإخواننا الترضويين –وبحكم الواقع الذي ارتضوه حكماً بيننا– أن يرجعوا إلى منهجهم العزيز وشرعهم الحكيم، ويتبرؤوا من منهجهم الترضوي السقيم. فمن أبى فنصيحتي له –أيضاً- أن يلملم أغراضه ويضع عصاه على متنه ويغادر الميدان قبل فوات الأوان وحلول غضب الرحمان ]مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(.
نجاح المنهج القرآني النبوي
وفي المقابل وجدنا المنهج القرآني النبوي سليماً من الناحية التأصيلية النظرية ، وناجحاً من الناحية العملية التجريبية. أما من حيث التأصيل فهو يقوم على الأدلة القطعية من الكتاب والسنة. وأما من حيث التطبيق فقد حقق – بحمد الله- نجاحاً ملموسا على صعيد الأفراد وعلى صعيد المجتمع كذلك، في بعض المناطق التي وجد له فيها فرصة للتطبيق . ولن ينقضي جيل أو جيلان حتى تبرز نتائجهُ- بإذن الله- ظاهرة للعيان بشرط حصول التكامل الفكري والعملي، وأن يجد له ثلة تمشي به في الناس.
ومن مزاياه أن المهتدين به يهتدون عن قناعة تامة، وفهم شمولي لمواطن الخطأ والصواب، لا يحتاجون بعده منا إلى مداراة، ومجاملات أو مداهنات على حساب الحق والحقيقة تشعر معها كأنك تحمل أحدهم على رقبتك أو كأنه جاثم على صدرك. أو كأنه الرقيب الذي يلتقط عليك كل كلمة أو حركة أو همهمة ولا تدري متى يتعكر مزاجه فينفر أو يصعب عليك علاجه كما هو الشأن لدى المنهج الترضوي،الذي مع كل هذا العنت فان القادمين من خلاله ليسوا – في غالبهم- سوى أرقام فارغة أو سالبة تتضخم بها أرصدة الدعوات التي تستعجل الحصاد حتى إذا جيء بهم إلى موقع الاختبار لمعرفة القيمة الحقيقية تبخر ذلك الرصيد!
ربح وهمي على حساب رأس المال
أرأيت تاجراً يضيع رأسماله أو يغامر به في صفقة خطرة، من أجل ربح لا يساوي عُشُرَه؟! كلا. فإن التاجر الحقيقي هو الذي يفكر أولاً بالمحافظة على رأس المال ثم يفكر من بعد بما يمكن أن يجنيه من ربح وإلا كان ربحه وهما اجتزأه من رأسماله الضائع!
وهذا هو كل ما جنيناه من وراء لهاثنا خلف المنهج الترضوي.إننا نتوهم أننا نربح شيئاً دون أن نلتفت إلى أن هذا الربح إنما حصل على حساب زعزعة الصف الداخلي وهزيمته النفسية.
وفي الوقت نفسه ترى الباطل يقوى ويشتد، لأنه يكسب في كل يوم توثيقاً من خصمه، ودفعاً نفسياً لأصحابه وأنصاره يزيدهم تمسكاً به.
والنتيجة الإجمالية - بغض النظر عن بعض التفصيلات التي لا تؤثر على تلك النتيجة -أن الباطل يقوى ويشتد وصفك يضعف ويتمزق ويرتد، ويلتحق كثير منه- وأحياناً بالجملة– ليكونوا في الصف الآخر!
خرق كبير في جدار التحصين الداخلي
إن مداهنة التشيع الفارسي وترديد مقولاته –ولو بعد تلميعها وإخراجها إخراجاً مناسباً– يجعل هذه المقولات تتغلغل شيئاً فشيئاً في صفوف أهل الحق، مع شعور مستمر بالضعف، يتراكم فيؤدي إلى هزيمة نفسية قاتلة تؤدي بأهلها إلى أن يكون همهم الهام وشغلهم الشاغل كيف ترضي المقابل وتثبت له أنك تحب (أهل البيت) بدلاً من أن تجعله هو الذي ينهزم نفسياً فيكون همه وشغله كيف يثبت لك أنه يحب الصحابة فيترك سبهم والمجاهرة بعداوتهم. وهذه هي المشكلة حقاً.
وهكذا تحدث الخروقات وتكثر وتتصل فيما بينها وتتسع في جدار التحصين الداخلي حتى ينهار دون أن تنتبه إليه! لأنك مهموم ومشغول عنه بمحاولاتك اللاهثة في تقريب أولئك النافرين. وليس لذلك في حقيقته إلا معنى واحد هو إعطاؤهم جواز المرور من خلال الجدار المخترق مع الوهم بأن هذا كسب وهو في الواقع اختراق واحتلال، لأنك حين تعلن فتقول (لا فرق بيننا) فإن أصحابك يصدقون ما تقول ويحملون القول محمل العموم لأنهم لا يعرفون (التقية) ولا يؤمنون بها. ولا حدود التورية التي تقصدها فيفسحون المجال واسعا لدعاة التشيع الفارسي يصولون ويجولون. في حين أن أصحابهم محصنون بعدة حصون! وعندهم مناعة فكرية ونفسية تجاهك. انهم يجيدون فهم ما يقصده مراجعهم ودعاتهم إذا قالوا (لا فرق بيننا). إنهم يدركون أن أشياخهم لا يعنون ما يقولون. إنما هم (يتقون).
إن هذه المقولة وأمثالها لن تكون في الواقع أكثر من عقد توثيق موقع وبإمضائك ومعترف به من قبلك يمنح السارق حق الدخول آمنا مطمئنا إلى بيتك مع جميع مراسيم الاحترام. وستصحو يوما فلا تجد في بيتك شيئاً. هذا إذا لم يدّع السارق ملكية البيت ويطالبك بمغادرته فورا وإخلاء البيت لأهل البيت. لقد صار السراق هم أهل البيت.
أما أنت فحتى لو تسللت إلى بيوتهم بناءاً على عقد التوثيق فإنك ستدخلها مع الإيماء المسبق بأنك لص- شئت أم أبيت- فأهل البيت محصنون ضدك، يعاملونك بتوجس وريبة ومن وراء جدر وخطوط دفاعية متعددة منها (التقية)، ومنها العقد النفسية كعقدة الشك وعقدة التعصب وعقدة الكراهية…الخ.
المنهج القرآني .. أولاً تحصين، وثانياً ربح
لو سألتني ما سر القوة التي يتمتع بها الرفض أو التشيع الفارسي؟ لأجبتك ضعف أهل السنة والجماعة أو أهل التشيع العربي.
لأن القاعدة الشرعية والاجتماعية تقول إن قوة أهل الباطل نابعة من ضعف أهل الحق، فالحق قوي بذاته أما الباطل فضعيف بهذه الذات لأن مصدره ضعف وليس قوة. وأعد قراءة العبارة السابقة(قوة أهل الباطل نابعة من ضعف أهل الحق.) فالباطل ليس قويا إنما أهله يمكن أن يكونوا أقوياء مقارنة بضعف - وليس قوة- أهل الحق. والضعف مضاف إلى (أهل الحق) وليس إلى (الحق) نفسه. لأن الحق قوي على كل حال. وإذن قوة أهل الباطل نابعة من ضعف… والضعف لا ينتج إلا ضعفا فأهل الباطل ضعفاء دوماً . ولكن إذا هبطت قوة أهل الحق دون المستوى المقارن ظهر الباطل وأهله أقوياء. لكن هذه القوة وهمية نسبية وليست حقيقة ذاتية.
إن قلب المعادلة بسيط جداً. زد في قوة أهل الحق إلى المستوى المطلوب عندها يظهر الباطل وأهله على حقيقتهم أمام الحق وأهله ويتحقق قوله تعالى) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) ( الإسراء.
إن هذا القانون الكوني الكلي يلزمنا بأن نبحث عن القوة والضعف في داخلنا، ولا نرمي على الغير بنواقصنا. فلولا ضعف الضعيف ما غُزيَ في عقر داره. وهكذا قال الله تعالى يخاطب الجيل الأول) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(165)( آل عمران.
فإذا كنت تعتقد أنك على الحق، وأردت أن تنتصر على خصمك فانتصر أولاً على ضعفك وفكر بتقوية صفك وإعداده و إمداده.
إن هذه الحقيقة تكشف لنا بوضوح عن فشل المنهج الترضوي لأنه يريد اختراق الصف المقابل بطريقة لا تزيد صفه الداخلي إلا ضعفا وتمزقا وهزيمة! أما المنهج القرآني النبوي فأول ما يحققه من ربح أنه يلتفت إلى صفه الداخلي فيقويه ويحصنه ليجعله قويا متماسكاً واثقا من نفسه قادرا على التحرك والتعرض واختراق التحصينات التي تعترضه.
وهذا إنجاز كبير جداً لا بد منه أولاً لأنه قاعدة الانطلاق، ولأنه يجعلك تدخل الميدان برأسمال قوي كبير من امتلكه طمع في الربح حقيقة لا أماني. إن هذه الخطوة هي الخطوة الأولى التي يتوجب علينا نقلها من أجل التقدم إلى الأمام .
وما دمنا نتجنبها - كما هو حالنا ومنذ قرون- فلن نتقدم أبداً بل سنستمر بالتراجع حتى نعود إلى منهجنا ونثوب إلى رشدنا.
إن تلك القاعدة الكونية الكلية تبين لنا أن هزيمة أهل الباطل تتحقق بمجرد حصول القوة لأهل الحق. فربح الصف الداخلي وتقويته أول ما ينبغي التفكير فيه قبل الزج به في صراع يعرضه للخسارة الفادحة المحققة.
أما أن نضيع أنفسنا وأجيالنا في توهم كسب الآخرين بداخل ممزق ضعيف، نشارك نحن بتمزيقه وتمييعه وزيادة ضعفه فليس من فعل الحكماء الجادين.
إن أقل ما نربحه باتباعنا المنهج القرآني- وهو ليس بقليل- صفنا الداخلي والاطمئنان على رأس المال. بعدها يمكن أن نسعى مطمئنين إلى هداية الآخرين وربحهم بكسبهم إلى جانب الحق وأهله.
بينما المنهج الترضوي أقل ما يعرضنا له من خسارة - وليس ذلك بقليل- المقامرة بجمهور الحق وقاعدة الانطلاق ورأس المال على طاولة لا يتقن أصحاب ذلك المنهج أو جمهورهم قواعد اللعبة عليها. على أمل كسب حفنة من أنصاف التابعين لا يزيدون الصف الداخلي إلا ضعفا وخبالا وسرعان ما تراهم يتبخرون حين تشرق عليهم شمس الحقيقة أو الحق الصريح.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار (واجب الوقت) وضرورة النظر في الواقع يمكنني أن أقول إن من الخطأ في هذه المرحلة التفكير في الربح بقدر التفكير في تجنب الخسارة والاطمئنان على سلامة رأس المال وإيقاف النـزيف الداخلي والاختراق المستمر منذ قرون! على أني أرجو أن لا يفهم من كلامي القول بأن من الخطأ التفكير في الربح مطلقاً. كلا وإنما أقصد الأمر من الناحية النسبية. وسواء أخطأت في هذا أم كنت على صواب فإن واحداً من الأمرين –أو كليهما- لن يتحقق من دون اتباع المنهج القرآني، انه المنهج الوحيد الذي به نتجنب الخسارة ونحقق الربح الوافر بإذن الله تعالى.
إلى الذات ندعو أم .. إلى الله؟
بعض الكتاب والخطباء والمحاضرين يضمن حديثه عبارات (ترضوية) (تقريبية) تصل إلى حد المداهنة، تقوم على تأويل بعض الآيات ودهنها ببعض ضعيف الروايات، أو حمل صحيحها –لأدنى شبهة- على غير محملها. وقد يدعي المتحدث أو الكاتب صحة الضعيف منها، أو يدلس في ذلك بنسبتها إلى مصدرها دون تحقيق علمي. مع علمه بأن المصادر فيها ما هو صحيح، وما هو ضعيف وموضوع. ويشفع ذلك كله بإطلاق أحكام فقهية ومعلومات تاريخية، أو أقوال أخرى جزافا بلا تثبت. مع سابقة (الإمام) ولاحقة (عليه السلام) ثم يجتمع عليه بعد المحاضرة بعض الروافض يمدحونه ويباركون كلامه مما يدفعه إلى المزيد من التنازلات المقبلة حتى يصل إلى حد السكوت عن كل كلمة يمكن أن تهدم ما (بناه) من ذلك المديح أو القبول. إنه يعرف جيداً أن (أهل الكوفة) متقلبو المزاج من الممكن أن يخسرهم جملة بكلمة مفردة ! فهو دائم التحفظ والحذر كأنه يمشي حافياً في أرض الشوك – عافاه الله -.
ويخرج من ذلك كله بدعوى أو وهم أنه تمكن -وبهذا الأسلوب- من كسبهم، وأن هذه هي (الحكمة)، وهي الطريقة الصحيحة الحكيمة لتغيير الرافضة. فإذا سألته عن أدلة إثبات صحة دعواه قال (تجربتي) و(قلت) و(فعلت) مع مبالغات في تصوير مدى النجاح الذي تحقق على يديه في الميدان تصل إلى حد لا يليق.
بينما الحقيقة المرة أن صاحبنا مكسوب لا كاسب. وعلى رأي المثل من لم يأت معك فتعال معه.ونحن لسنا ضد العبارات التلطيفية ولا الكلمات التي تؤلف القلوب و(تكيف) الجو. ولكن.. بالمعروف.
أما النـزول إلى هذا المستوى من (اللطف) و(الكيف) فيجعلنا أن نسأل أنت تدعو إلى من؟ إلى الله أم إلى …نفسك؟
سلوا أنفسكم هذا السؤال ودعوها تجيب عنه بلا قيود. أم أنكم مثقلون بعناوين اجتماعية ووظيفية تريدون الاحتفاظ بها ]مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (25) ( العنكبوت.
اقرؤوا هذه الآية ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108){ يوسف .
وأعيدوا قراءة الآية مرة أخرى مع التركيز على عبارة (إلى الله) تجدوها تقول (إلى الله) لا..(إلى الذات).
ولو كانت الدعوة إلى الذات لاستراح الدعاة. ولكان ما مطلوب منا أن نفعله أيسر شيء وأهونه! لأن الأمر لا يعدو مدح المدعوين على ما هم عليه من حق وباطل. ويمكن التقدم خطوة وتطوير (الدعوة) بصنع الأطعمة والأشربة، وإقامة الدعوات والحفلات، وتوزيع الأموال والهدايا والهبات –وهو ما يفعله البعض- وأنا ضامن لكم التفاف الكثيرين حولكم. ولكنني في الوقت نفسه ضامن لكم أنكم ما غيرتم عقولهم ولا كسبتم قلوبهم لأن الله يقول )لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (63)( الأنفال. (الله) وليس غيره.
ولو كانت هذه هي الدعوة التي أمرنا الله تعالى بها لهان الخطب ولكان أهون شيء دعوة المشركين وأهل الكتاب والسيخ والمجوس إذ ليس من خصومة ولا خلاف ولا صراع ولا قتال! إذن علام أتعب رسول الله r نفسه فيما أتعبها فيه؟!
كلا. يجب أن تكون الدعوة لله والى الله وعلى منهج الله وإن أرعدت أنوف المبطلين.
طريقة ذكية لتكميم أفواه الأغبياء، لقد بلغ دعاة التشيع الفارسي شأوا بعيداً في المكر والخديعة لا سيما مع أناس تغلب عليهم السلامة والظاهرية.
من ذلك أنهم يوعزون إلى البعض منهم بمدح أولئك المجاملين والتقرب إليهم والتملق لهم، إن هذا يولد ارتياحاً في النفوس لأنها مجبولة على حب المدح مما يدعوها إلى طلب المزيد. وهذا لا يكون إلا بمزيد من التنازلات. وشيئاً فشيئاً يتضخم الوهم بنجاح الدعوة والشعور بامتلاك شخصية الداعية الناجح المؤثر الذي استطاع أن يكسب إلى صفه هؤلاء (المداحين)! حتى ينتهي به المطاف إلى السكوت عن كل حق متروك وباطل مرتكب حذراً من نفرتهم وانفضاضهم، وخسارة تلك الألسنة العسلية اللطيفة . وهكذا يصل دعاة الرفض والشعوبية إلى أهدافهم ويكممون أفواها كان الأولى بها أن تتعطر بالدعوة الحقة إلى الحق المبين.
لست موكلا بهداية الناس وإنما بدعوتهم
حين أمر الله تعالى عباده بالدعوة إليه لم يشترط لقبولها منهم إقبال الناس عليها واستجابتهم لها. إنما اشترط – جل وعلا- البيان بالوسائل والأساليب التي ذكرها في كتابه وسنة رسوله r،والبيان لا يكون بياناً إلا إذا كان فيه الفرقان بين الحق والباطل. وإلا كان تلبيساً وتدليساً.
ومن بداية الكتاب يذكر الله تعالى لنبيه r أن الناس لا يمكن اجتماعهم على الحق. إنما ينقسمون إزاءه أقساماً أهمها ثلاثة مؤمنون وكافرون ومنافقون، مهما أوتيت من حكمة وتوفيق واهتديت إليه من وسائل وأساليب) الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)… إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(6)… وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8)( البقرة.
وقد لا يهتدي أحد بدعوتك ولو رزقت تأييد الأنبياء!
إن من الناس من يكره الحق لذاته كما قال سبحانه)وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(70){ المؤمنون. وأعظم الحق التوحيد، وإن من القلوب قلوباً إذا ذكر الله وحده اشمأزت وأبت )وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(45)( الزمر.
ويبقى واجبك على كل حال أن تقول الحق)فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)( الكهف. فأنت غير موكل بهداية الناس. وإنما مكلف بدعوتهم إلى الحق وإن نفروا ونخروا. أما الهادي فهو الله )إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)( القصص.
إن الهداية بضاعة الله وسلعته الغالية، لا يهبها إلا لمن يستحقها. والله غني عن أن يعرض هذه البضاعة الكريمة على السابلة يعلقها برقابهم تعليقاً أو يلصقها بأيديهم المرتخية إلصاقا. إن هؤلاء في حاجة إلى شيء واحد هو إقامة الحجة عليهم )لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ(42)( الأنفال. وكتمان الحقائق المنفرة يتعارض من البينة ومع إرادة الله في إقامة الحجة على الهالكين.
أما أنت فلست تعلم ما في النفوس وليس ذلك من شأنك. إنما شأنك)وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) (فلعلك تدعو من لا يريد الله هدايته ممن قال فيهم) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)( النساء.