بسم الله الرحمن الرحيم،، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وبعد...
أنا أحمد ليبي من الشرق من مدينة البيضاء تحديدا، عضو هيئة تدريس بالجامعة، وتخصصي على وجه الدقة هو الحديث الشريف وعلومه، وقد قرأت من يومين ما كتبه أبو نسيبة وما علق به المحمودي، وما كتبه المحمودي في موقع ليبيا وطننا، وإن كانت هذه المقالات قديمة فأني لم أقع عليها إلا أمس الأول، وأنا اتحفظ بشدة تجاه ذلك، سواء من جهة الطعن في السنوسي والسنوسية، ومن جهة ما لمست من المحمودي من كلام يثير الحساسية عند أهل شرق ليبيا، باعتبار أن طعنه في قيادة السنوسية للجهاد هو طعن في جهاد البرقاويين، وسأعرج على الطاهر الزاوي أيضاً، فأقول وبالله التوفيق: يا أبا نسيبة لولا إذ نقدت سلكت مسلكا وسطا، وانتهجت الموضوعية، بدلا من صورة العدائية التي ظهرت بها، فالشيخ ابن السنوسي كتب في فنون كثيرة، ويغلب عليه دائما الدعوة للتمسك بالكتاب والسنة، وتجد ذلك في ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن مثلا، فلولا كنت منصفا وذكرت محاسنة قبل أن تتبع عوراته إنصافاً للموضوعية إن كنت لا تخشى وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تتبع عورات الناس تتبع الله عوراتك، وخصوصا أن ما ورد في السلسبيل غير سائر بين الناس، وغير معمول به في الطريقة السنوسية، وذكره الشيخ على سبيل الحكاية، ولم يجعل له نصيبا في أوراد اتباعه، وهذا ما يعرفه الناس كلهم ونعرفه ونؤكد ونقسم عليه صادقين والله يشهد.
ثم عليك أن تعرف أن هذه الطريقة جددت الإسلام في برقة، وعلمت الناس القرآن والسنة وبنت المساجد وفضت أغلب المشاكل القبلية التي كانت تعصف بتلك المنطقة آنذاك، ثم قادت الجهاد ضد الفرنسيين في أفريقيا، وضد الإنجليز في مصر وضد الطليان في ليبيا، ابتداء من الشيخ نفسه ثم ابنه المهدي ثم حفيده أحمد الشريف ثم مسك الختام بالسيد إدريس السنوسي الذي حرر البلاد وحقق لها الاستقلال واعتراف الأمم المتحدة ثم وحدها رحمه الله.
وعليك أن تعرف أن التصوف ليس تيارا سياسيا، ولا فكرا عقائديا، ولا فرقة دينية، ولا مذهبا فقهيا، فالتصوف علم وسلوك يعنى بتهذيب النفس وسبل تقويمها وطرق علاجها، فبغض النظر عن تنوع هذه الأساليب وطرقها ومنابعها فقصدها تهذيب النفس. فأحيانا ترتبط بالذكر، وأحيانا هي رياضات مجردة مجربة.كأوضاع رياضة اليوغا التي حولتم أن تلبسوا أمرها على الناس وذكر منها الشيخ صورا، ولليوغا من الفؤاد الذي أثبته العلم من إصلاح الذهن والقدرة على التركيز، والتخلص من التوتر والتوهم.
والسنوسي نقل لنا في السلسبيل جملة من هذه الأساليب التي تعرف عليها، وهي غير موجودة لاجملة ولا تفصيلا في الأوراد التي اختارها لطريقته، وأوراد الطريقة السنوسية لا تؤخذ من مؤلفات الشيخ، فالطريقة عند كل الطرق الصوفية تؤخذ بالإذن من الشيخ المؤذون له فيها، وهو أخذه من شيخه عن شيخه إلى الشيخ المؤسس، و لا يستطيع المريد أن يضيف حرفا واحدا من الطريقة نفسها إلا بإذن الشيخ، فضلا من طرق أخرى، والطريقة السنوسية تقوم على تلاوة القرآن، على أن يتلو المريد حزبين يوميا، حزب بعد الصبح وحزب بعد المغرب، على الأقل، ويقوم الإخوان السنوسية حتى اليوم بالاجتماع في المسجد للتلاوة الجماعية، كما يجتمعون لتلاوة سورة الكهف كل جمعة، وكذلك يرتبون أورادا يومية عبارة عن استغفار وتهليل وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة لقراءة الحصون النبوية التي جمعها الشيخ أحمد بن إدريس العرائشي، وهي جملة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من تحصينات.
فأكرر وأقول أنك لن تجد ما في السلسبيل في أوراد السنوسية.
ثم يا أخي يا من تدعي أن السنوسية يقومون بتلاوة الأوراد ونهج الأفعال الواردة في السلسبيل، ألم تلاحظ أنها أربعين طريقة فمحال على امرء مهما اجتهد أن يلتزم بالقيام بها ولو كان يومه 240 ساعة لا 24؟
فمحاولتكم إثبات أنها أوراد الطريقة الحقيقية أمر مرفوض قطعا عقلا إن لم تأخذ بشهادتنا.
ثم من ناحية علمية، الشيخ ولد في الجزائر ودرس في فاس والقرويين وفي الزيتونة بداية حياته، وقابل مشائخ كثر كما أخبر هو عن نفسه، وتجد تجربته الأولى في السلسبيل، ثم مر بليبيا ورأى ما رأى في برقة من جهل، ثم ذهب للأزهر ثم للحجاز، وجاور فترة من الزمن، وهناك قابل الشيخ أحمد بن إدريس العرائشي اليمني وتتلمذ عليه، وإلى هذه المرحلة لم ينشأ الطريقة السنوسية بعد، وابن إدريس هو أكبر المؤثرين في ابن السنوسي، والطريقة الوحيدة المؤثرة في السنوسية من حيث أورادها هي الإدريسية، وبناء عليها وبإذن أحمد بن إدريس أسس السنوسي السنوسية، ولها في بلاد الحجاز زوايا أولها أبي قبيس في مكة، ثم المدينة ثم الطائف، وفي غيرها، ومعظمها موجود الآن، والسنوسية موجودن هناك أيضا، ثم جاء لليبيا لبرقة وأنشأ فيها أول الزوايا وهي الزاويا البيضاء، ثم انتشرت الزوايا بعد ذلك ووصلت للمئات في ليبيا وهي أغلبها وفي مصر والسودان، وكلها تدعو للكتاب والسنة تنبذ البدعة وتحرض على جهاد الاستعمار ولقي منها الغزاة ما لقوا.
ثم يا محمودي بالليبي (جميلتك أربعطاشر سودة) كان عند كحاجة على السنوسية وما لمزك لهم بالخيانة إلا من منطلق جهوي أنت أعلم بحقيقته وخلفياته ولن تحمد عقباه.
أما عن الشيخ الزاوي فشهادته في السنوسية مجروحة، وذلك لعداوة بينه وبين الملك إدريس سببها قصة الجمهورية الطرابلسية الفاشلة، ورفض الملك توسله بعد ذلك عندما جاء التحرير من الشرق بعد محاولة الجمهورية الطرابلسية الفاشلة بعشرين سنة، وكيف أن الملك همشه أبان حكمه، أما ما قاله عن تسمية السنوسية بالأسياد وما نقله عن تكبر هؤلاء القوم فهو كذب ولا أساس له من الصحة، ولم أرى أناس هم أكثر توضعا من السنوسية.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم