إذا أردت معرفة المزيد عن طامات البوطي فعندي مجموعة مقالات حصلت عليها من الانترنت للدكتور الحسني وإليك واحدة منها:
بسم الله الرحمن الرحيم
البيّنات على حرمة التداوي بالمحرّمات
نشرت مجلة طبيبك في عدد حزيران (يونيو) 1998 تحت عنوان فتاوى دينية التي يجيب عليه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي . الأسئلة التالية :
من المعذب م.م.م.م (دمشق) ومن بيان . ع (سوريا) يقول الأول في رسالته إن زوجته (وهي ابنة عمه) المطيعة له والمحبة والمخلصة، باردة جنسيّاً ، وإنه حاول مرارا تقديم العون لها عند أطباء دون فائدة ، إلى درجة أنها دعته للزواج من أخرى ولكنه أبى ذلك . أخيراً اهتدى إلى طريقة وهي إثارة زوجته عن طريق الأفلام الإباحيَّة فتجاوبت مع الأمر إلى حد كبير الأمر الذي نجّاه من أمورٍ كثيرةٍ كان يمكنُ أن يلجأ إليها فهل ما فعله يعدّ حراماً ؟
أما السيدة الثانية فتقول برسالتها إن زوجها بذيء اللسان يشتمها لأتفه الأسباب أمام أخواته اللواتي يسكن معها ، ولذلك فإنها تشعر نحوه بكره شديد إلى درجة أنها طلبت منه أن يتزوج ثانية (لا أن يطلقها ) ولكنّه أبى . تضيف أنهما عندما يتقاربان تخونه بالخيال أي تتصور نفسها مع رجلٍ أخر وهي لذلك تعيش في حرقة الضَّمير وعذابه .
فأجاب الدكتور بما يلي :
في الشريعة الإسلامية مبدأ يعرف بـ( إتباع سلم الأولويات ) أي أن الشريعة الإسلامية تصنّف المصالح في درجات متفاوتة حسب الأهمية . وتصنّف المفاسد أيضاً في درجات حسب الأهمية أيضاً . ومن تطبيقات هذا المبدأ مايتعلق بمشكلتك هذه . إن استمرار الحياة الزوجية على نحو سليم من المصالح التي ترقى إلى درجة الضروريات والإبتعاد عن الأفلام المثيرة من المصالح التي تقف عند درجة الحاجيات. فإذا توقف استمرار الحياة الزوجية بينك وبين زوجتك بوجهها السليم على أن تستثيرها نحوك بالقدر الضروري من هذه الأفلام .
فإن الشريعة الإسلامية تجيز التضحية بالمصلحة الحاجيّة في سبيل الإبقاء على المصلحة الضرورية ولكن فلتعلم أن من شروط ذلك أن لايتسبّب عن هذا الذي تقول أي انحراف منك أو منها إلى أي عمل محرّم . وينطبق هذا الجواب على سؤال السيدة بيان ع . من سوريا .
ثم اعتُرِضَ عليه بخصوص هذه الفتوى فأجاب في عدد ايلول 1998 من مجلة طبيبك تحت عنوان (ردود خاصة):
إلى الذي أعرض عن التوجه إليّ لمناقشتي في الفتوى التي لم تعجبه ، وراح بدلاً عن ذلك يستثير من وقع عليه اختياره من أهل العلم والفضل ، أملاً في أن يتوجه إليّ بالإنكار والنقد … إلى هذا الإنسان أوجه الخلاصة التالية :
إذا استحكمت أزمة مَرَضيّة أو نفسيّة بين زوجين هددت صلة مابينهما بالانقطاع ، وتوقف الشفاء على أن تعرض الزوجة الخفيَّ من زينتها وعورتها على طبيب أجنبيّ عنها ، هل من خلاف في أن ذلك سائغٌ ومرخصٌ لها شرعاً ، ضمن حدود الحاجة ؟ فما الحكم إذا تأكدنا أنَّ الشفاء الذي يتوقف عليه حل الأزمة ، لابد له من سبيل آخر، وهو أن تستثار غريزياً لتعود إلى وضعها الطبيعي بواسطة مشاهد جنسيّة معيّنة تعرض صورها أمامها ، ضمن حدود علاجية لاتتعداها ؟ ، وبعد ثبوت كونها علاجاً يُتوقَّع من وراءِ استعمالهِ الشفاء ؟ أليس عرضُ الصور العاديِّة الجنسيّة أمام المرأة المريضةِ (للضرورة العلاجية) أقلّ مفسدة في ميزان الشرع من أن تمتد أمام رجلٍ أجنبيِّ وقد تجرّدت من ثيابها(للضرورة العلاجيّة ذاتها)؟!..
وكما أنه لايجوز تحليل الحرام بالمزاج والرأي ،لايجوز أيضاً تحريم الحلال بالمزاج والرّأي وعندما لاتعلم الوجه العلميّ للفتوى التي قرأتها , بوسعك أن تتصل بصاحبها ليرفدك بالعلم وليس السبيل أن تدير ظهرك إليه وتستعدي عليه الآخرين !
وتعقيباً على فتوى الدكتور البوطي أرسل الدكتور محمد خلدون الحسني الجزائري الرد التالي الى مجلة طبيبك ليُنشر في زاوية (وللقراء آراؤهم) :
إنَّ الضروريات كما ذكر العلماء هي ماهدّد فقدُه أصلَ المقاصد الخمسة ــ التي تراعيها الشريعة ، ولا حياة سويّة بدونها ــ تهديداً محققاً ، وهي حفظُ الدّين والنفسِ والعقلِ والنَّسل والمالِ . وهي على الترتيب السابقِ من حيثُ الأهمية .
وليست نظريَّة الضرورة الشرعية مطلقةً في تجويزِ المحظورات بل مقيَّدة بقيودٍ عدَّة كما ذكر الفقهاء . منها عدمُ الخروج عن المبادئ الرئيسيَّة للإسلام فثمَّة أمور لاتجوز حتى مع الإضرار فمثلاً من أُكرِه بالقتل على الزنا لم يَجُز له الإقدام عليه كما ذكر الفقهاء . وإنّ رؤية أفلام الفُجور مع الزوجة وتخيّل فِعل الفجور مع فلانٍ من النَّاس أمرانِ لايمكن أن تفرضهما الضَّرورة أو الحاجةُ الشَّرعية ، وإن الترابط الضروري بين فعلها وإقامة الحياة الزوجية الكريمة هو ترابط مصطنع لايتحقَّق بأيِّ ظرفٍ ، بل إنّ ذلك يهدم الحياة الزَّوجية ولا يبنيها والحقّ أنه يجبُ منع ذلك لأن القاعدة الشرعيَّة تقول: درءُ المفاسدِ مقدَّم على جلبِ المصالحِ ، لاسيما إذا كانت المصلحةُ زيادة لذَّة الشهوة ، والمفسدةُ انتشار الرَّذيلة والإباحيَّة في المجتمع الإسلاميِّ .
والواجب على المفتي إلغاءُ ومحاربةُ المسوِّغاتِ الباطلةِ لتحليلِ الحرام ، لا فرض وجودها لتمييع الحكم الشَّرعي ،فانظر الأسلوب النبويَّ في الحديث التَّالي عن أم سلمة قالت:"جاءتِ امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت: يا رسولَ الله …إنَّ ابنتي توفيّ عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا….مرتين أو ثلاثاً كلُّ ذلك يقول لا…" رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وفي رواية القاسم بن أصبغ التي أخرجها ابن حزم أنها قالت إنِّي أخشى أن تنفقى عينُها قال : " لا وإنِ انفقأت " . قال ابن حجر سنده صحيح.وهذا الأثر لايعني أنَّ الشرع لا يلتفت إلى ضرورة إبقاء البصر ، بل لأنَّ الكحل في الحقيقةِ لايمنع ذهاب البصر، ولم يلتفت النبي صلى الله عليه و سلم لمبالغاتِ المستفتي الذي يريد من مبالغته الحصولَ على ترخيصٍ شرعي لكون الأمر ليس ضرورةً شرعيةً في الحقيقة .
هذا مع ملاحظةِ أنَّ الكحلَ حلالٌ أصلاً ! ! وإنمّا مُنِع بشكلٍ وقتّيٍ للمعتدّة . ومع كونه حلالاً فإنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم لم يُجِزه للمعتدَّة فكيفَ لو كان حراماً في الأصل ! !
إنَّ التداويَ بالمحرَّمات غير جائزٍ شرعاً والأدلَّة على ذلك كثيرة ، فقد روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخمرِ فنهاه عنها فقال : إنما أصنَعُها للدواء فقال : " إنه ليسَ بدواءٍ ولكنَّهُ داء " . وروى أبو داود عن أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ الله أنزلَ الدَّاءَ والدَّواءَ فجعل لكل داءٍ دواءً فتداوا و لا تَتَداووا بِحَرام". وروى أبو داود أن ديلم الحِميَري سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا بأرضٍ باردةٍ نعالج فيها عملاً شديداً وإنا نتَّخذ شراباً من هذا القمح نتقوَّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" هل يُسكر ؟ " قال : نعم . قال :" فاجتنبوه " ، قال : إن النّاس غير تاركيه قال : " فإن لم يتركوه فقاتلوهم " .
وعن أبي هريرة أنَّ امرأةً جاءت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ، إنّ لي ابنة عروسا ًوقد تمزق شعرها من حصبة أفأصِله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة " . هذا هو شرعنا الحنيف الذّي إذا حِدنا عنه وتنكّبنا عن صراطه ضللنا . ومع ذلك فهو يُبيح عند الضرورات التي يُخْشى معها الهَلكة وضياعَ النفسِ أو أيِّ مقصدٍ من المقاصدِ الخمسةِ بعضَ المحظوراتِ لقوله تعالى (فمن اضطرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه) و هنا السؤالُ الذي لابدّ منه هل البرودة الجنسيّة مشكلة ترقى إلى درجة الضروريات وما هو المقصد الذي لايقوم إلا على(الحرارة الجنسيّة)من المقاصد الخمسة ؟، فماذا لوقال المفتي للسائل إن مشاهدة الأفلام الإباحية هو من اتّباع خطوات الشيطان الذي حذرنا منه تعالى في كتابه فيجب : الابتعاد عن ذلك ، أكان يترتب على هذا الحَظْر حرج شرعيّ لا يطاق ؟ ثمَّ إنه لو زعمَ السائلُ أن هناك مصلحة من ذلك فهي مصلحة ملغاة وقد نصَّ العلماء على أنَّ المصالحَ الملغاة في حكم الشَّرع لااعتبار لها فما هي المصالح الملغاة إن لم تكن منها تلك التي تجرُّها أفلام الفجور ؟ ! !
وقد نشرت مجلة طبيبك في عدد كانون الثاني 1999 تحت عنوان :
تعقيباًعلى الردود المعترضة على الفتوى الخاصة ( بالزوج الذي وجد حلاً لزوجته الباردة ) :
من القارىء خلدون غلاييني ، سوريا ( الاسم قد يكون مستعاراً ) وردتنا رسالة يعِّقب فيها على ماأفتى به الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بالنسبة (للزوج الذي وجد حلاً لزوجته الباردة ) و ( للزوجة التي تخون زوجها بالخيال العدد 482 ) :
وأبرز مافي هذه الرِّسالة أن نظرية الضَّرورة الشرعية ليست مطلقةً في تجويز المحظورات بل مقيَّدة بقيودٍ عدَّة ، ومن ذلك أنَّ من (أُكره بالقتل على الزنا لم يَجُز له الإقدام عليه) كما ذكر الفقهاء ، وبالتَّالي فإنَّ رؤية أفلام الفجور مع الزوجة ، وتخيُّل فعلِ الفجورُ مع فلانٍ من الناس أمرانِ لايمكنُ أن تفرضهما الضرورة أو الحاجةُ الشرعيِّة تماماً كالتداوي بالمحرمات الذي هو غير جائز ٍشرعاً .
رداً على تعليق القارئ خلدون غلاييني ، كتب الدكتور البوطي مايلي :
الذي أعرفه مما درسناه ووعيناه في أمّهات مصادر الشريعة الإسلامية ، أن المحافظة على سلامة الحياة الزوجيّة مما قد يتهدّدها ، من المصالح الضرورية المتعلّقة بالمقصد الرابع من مقاصد الشريعة الإسلامية ، وهو (النَّسل) فمن أين لك ، وأين وجدت أنها مصلحة ملغاة ؟
والذي أعرفه من الأمهات ذاتها أن السعيَ إلى معالجة المرأة من مرض يجعلها تستوحش من زوجها وتفرُّ من مضاجعته لها ، داخل في المقاصد الشرعية ، وأن الشارع قد رخص في عرضها على طبيب مختص ولو كان فاسقاً أو كافراً عندما لاتوجد الطبيبة المختصّة ولا الطبيب المستقيم ولو اقتضى الأمر أن يرى منها أخص أجزاء جسمها ، مع ما في ذلك مناحتمال فجوره بها واحتمال أن لا ينجح في تطبيبه لها… فمن أين لك يا سيّد خلدون أنها مصلحة ملغاة ؟ !… والصورة التي تعبِّر عنها بـ(البرود الجنسِّي)ليست هي كل حجم المشكلة الواقعة ، وإنما هي حجم ما في ذهنك وتصورك . والذي أعرفه أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن صنع الخمر(و هذا لا علاقة له بالمشكلة الواقعة قطّ) قد حرم أيضاً لبس الحرير على الرجال ، ثم رخصه للزبير وعبد الرحمن بن عوف لحكة كانا يعانيان منها والحديث متفق عليه ، والحكة في الجسم ليست آفة مهلكة . والذي أعرفه أيضاً أنه صلى الله عليه و سلم رخص لوفد العُرنيين الذي وفدوا إلى المدينة لما استوخموا هواءها أن يُسقَوا من أبوال الإبل وألبانها . وقد اتفق جمهور المسلمين على نجاسة أبوالها وأنه لايجوز شربها ولا التضمُّخ بها ولم نجد في علماء الشريعة الإسلامية من قال : لايجوز لبس الحرير المحرَّم للتداوي من الحكّة و لا يجوز التداوي بشرب أبوال الإبل لأن الله ــ كما تقول ــ لم يرخّص التداوي بالمحرمات ! …
والذي أعرفه ممّا قاله العلماء في (الحظر و الإباحة) أن الشاب إذا علم أنه لن ينجو من الزنا إلا بالجوء إلى الاستمناء الذي هو عمل محرم جاز له ذلك بل ينبغي له اللجوء إليه لينجو من الزنا ، ولم أجد في الفقهاء من قال بل هو يظل عملاً محرماً حتى ولو اضطره الامتناع إلى الوقوع في الزنا ! !
ليت أنك تدلّني على المراجع التي عدت منها بخلاف هذا الذي أعرفه وأحفظه . إذن فلسوف تستحقُّ شكري ، حتى ولو كنتُ أنا المتخصّص من دونك منذ ثلاثين عاماً بالشريعة وأصولها أمّا ما قد رأيتَه في كتب الفقه من أنّ الذي أكره على الزنا تحت طائلة القتل ، لا يجوز له أن يزني فليس ذلك لأن جريمة القتل والزنى سواء في درجة الحرمة ، كما قد توهّمت ولكن لأن الفقهاء قالوا : إن المكره على الزنا تحت طائلة القتل ، لا يتأتّى منه ذلك ولا يستطيعه (أفهمت؟) فإن هو استطاع أن يفعل ، فذلك دليل على أنه ليس مكرهاً حقاً ، على أن المسألة فيها خلاف مشهور ومعروف ذكرذلك مفصلاً السيوطيّ في كتابه الأشباه والنظائر، والعز ابن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام ، وكثيرون .
وإنّي أنصحك أخيراً أن لا تعدّ مجرد حفظ المصطلحات والعناوين الفقهية درايةً وعلماً .. وأنصحك أن تحترم ذوي الاختصاص في كلّ فنّ ، فإنه أحرى بك .
ــ وجواباً على رد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، أرسل د . خلدون الحسني الرسالة التالية:
د. محمد سعيد رمضان البوطي السلام عليكم و بعد :
فإني أبعثُ إليك هذه الرسالة لأوضِّح لك أموراً منها :
1- إنني لم أبعث بردِّي ــ على فتواك الخاصة بالذي وجد حلاً لزوجته الباردة جنسياً ــ إلى مجلة طبيبك كي يعرضوه عليك فتردّ َعليه ، بل بعثتُ به كي ينشروه في زاوية (وللقراء آراؤهم) لكي يظهر للناس رأيك ورأيُ من يخالفك لكن المجلّة خالفتِ الأعراف الصحافية ، ولم تصدُق في دعواها عدم التحيُّز وأعطتكم الردَّ كي تردوا عليه دون عرضه على القراء ، وهذه أيضا ليست من الأمانة العلمية ولا الأعراف الصحافية !
2- إن اسمي هو محمد خلدون الحسني الجزائري ، ولا أدري لماذا غيرت المجلة اسمي إلى خلدون غلاييني ؟
3- أنا لا أقول إن حفظ النَّسل ليس من الضروريات الشرعيةِ المعتبرة ، ولكنَّ حفظ النَّسل والعِرْض شيء ، وتجويز المحرَّمات الشرعية خصوصاً تلك التي تغمز في حفظ العِرض لأجل زيادة المتعة الجنسيَّة شئ آخر .
وإني أطلب منك أن تنقل لي من مرجعٍ إسلاميٍّ معتبٍر يذكر فيه أنَّ المحافظة على الحرارة الجنسيةِ بالقدر الذي يُرضي الزوج من الضروريات الشَّرعية . بل إنَّ حفظ المقصدِ الشرعي الرابعِ وهو النسل والعرض يستلزم التحريم المطلق للأفلام الإباحيَّة ، لأنَّ في عرضها على الزَّوجة التي أُمِرَ الزوج بصيانتها التَّامة ،إهدارٌ لكرامتها وشرفها لأنَّ العينين تزنيان كما نصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح . وهل يرضى من عنده شرف أن يَرى زوجته متلبِّسة بأمرٍ سمّاه الشارع زنا ؟ ! ! وإنِّي أطلبُ منك أيضاً أن تنقل لي من مرجعٍ إسلاميٍّ معتبرٍ نصَّاً يذكر تلك العبارة الخطيرة التي ذكرتها وعزوتها لأمهات كتب الشريعة في حكم معالجة من هي باردة جنسيّاً ( وأنَّ الشارع قد رخَّص في عرضها على طبيبٍ مختصٍّ ولو كان فاسقاً أو كافراً عندما لا توجد الطبيبة المختصَّة ولا الطبيبُ المستقيم ولو اقتضى الأمر أن يرى منها أخص أجزاء جسمها مع ما في ذلك من احتمال فجوره بها واحتمال أن لا ينجح في تطبيبه لها )! ! ولا أظنُّك تقدر .
إنّني أستنكرُ فُتياك الجديدة والسابقة كما استنكرَ ذلك علماء البلد بما فيهم أستاذٌ لك ، وأؤكدأن الفقهاء السابقين لم يذكروا البرودة الجنسية كمرضٍ من الأمراض المبيحة لتعاطي الحرام خصوصاً وأنَّها لا تمنع من الإنجابِ و لا من حقِّ الرَّجل في الوِقاع .
ولم يذكرْ أحد ينتسبُ إلى الفقه أنَّ معالجة هذه البرودة جائزة حتَّى مع احتمالِ الفجور بالزَّوجة ، ومن عنده نَقْل بهذا الخصوص فليتفضَّل بالبيان .
وإنَّني أعود وأؤكِّد على النّقاط التالية في صدد مناقشة فتواك السابقة :
· إن الترابط الذي تُصوِّره أنتَ بين إقامة الحياة الزوجية الكريمة ومشاهدة أفلام الفجور وخيانة الزوج بالخيال ، ترابطٌ مصطنعٌ فهذه الأمور تدمِّر الحياة الأسريَّة الكريمة و لا تبنيها بأيِّ حال من الأحوال . فخيانة الزوج بالخيالِ و الاسترسالُ في ذلك عند الوِقاع هو الخطوة الأولى نحو الخيانةِ الكاملة ، والأفلامُ الإباحية هي الخطوة الأولى لكلِّ رذيلةٍ ، ولو قلت بتحريم هذه الأفلام مطلقاً ووجوب مقاومةِ الخيالِ الفاسدِ على أنه من وساوس الشيطان لَما ترتَّبَ على هذا الحَظْر أيُّ حرجٍ شديدٍ تأباهُ الشَّريعة .
· إن المصلحة التي تدعيها أنت هنا هي مصلحة ملغاة ، ولا اعتبار للمصلحة الملغاة باتفاق الأصوليين وهي ملغاة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " فالعينان زناهما النظر……… والقلب يهوى ويتمنى يصدِّق ذلك الفرج أو يكذبه " رواه مسلم .
فكل ما شمله تحريمٌ خاصٌّ أو عامٌ فهو ملغيٌّ ، ومجال فقه المصالح عند من يقول به هو فيما لا نصَّ فيه .كما أن المصلحة المزعومة هنا ناتجةٌ ومبنيَّةٌ على التَّمتع باللَّذة المحرَّمة والاسترواحِ إليها و ليس كذلك شأن ما يباحُ للضرورةِ كأكل لحم الميتةِ للمشرفِ على الهلاكِ ، لأن المسلم يتناول ذلك اللحمَ و هو كاره له وغير متجانفٍ لإثمٍ ، وقد شرط القرآن الكريم ذلك للحكم بالحِل ، أمّا في مسألتنا فالتَّمتعُ بالحرام ِهو المقصودُ ويُفعل للتَّلذذِ به فلا يمكنُ إلا أن يكونَ صاحبه متجانفاً للإثم ، وتأتي المصلحةُ المزعومةُ كثمرةٍ من ثمار هذا التَّلذذِ الحرام . أمّا ما أباحته الشريعةُ للضرورة ِفتكون الحرمة عارضة وغير مقصودة ، ولا تكون المصلحةُ المطلوبة ثمرةً من ثمارِ التلذذ بالحرام .
· إنَّ ما يُباح للضرورة يُباح عند فَقْدِ البديلِ والمَخْرَج المُباح ، فمِن أين لك يادكتور أنَّ استعمال الحبوب أوِ الوصفات الطِّبِّية لا يحل المشكلة ولماذا ترفض المَخْرج الذي دعت إليه الزوجة أولاً ، وهو الزواج بثانية ٍ وهو أمرٌ أحلّه الله تعالى في كتابه العزيز .
أيكون الفعل الذي سماه الشارع زناً أَولَى بالالتزام مِمَّا أباحهُ الله تعالى في كتابه ؟! .
· إن حِكْمة الشريعة وأسلوبَها في منعِ الحرام هو مَنْعُه من أساسهِ ودون الاقترابِ منه لأنَّه مع الاقتراب منه يصعب التحرُّز منه ،
قال تعالى : ( و لا تقربوا الفواحش ) و قال : ( و لا تتبعوا خطوات الشيطان ) ، و قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" ضرب الله مثلا صراطاً مستقيماً وعلى جََنَبَتي الصراطِ سُورانِ فيهما أبوابٌ مفتَّحةٌ ، و على الأبوابِ ستورٌ مرخاةٌ و على بابِ الصِّراط داع يقول يا أيُّها النَّاس ادخلوا الصِّراط جميعاً ولا تتعوجوا ، وداعٍ من فوقِ الصِّراط فإذا أراد الإنسانُ أن يفتح شيئاً من تلك الأبوابِ قال ويحكَ لا تفْتَحه فإنَّك إن تفتحه تَلِجه، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله تعالى والأبوابُ المفتَّحةُ محارم الله تعالى وذلك الدَّاعي على رأسِ الصِّراط كتاب الله تعالى والدَّاعي من فوقِ الصراط واعظُ الله في قلبِ كلِّ مسلم ٍ "
رواه أحمد والحاكم وهو حديث صحيح .
وإنَّ من يتعاطى أفلام الفُجورِ سوفَ يسترسلُ بها ويستمرئُها ، ومن غيرِ المُتصوَّرِ أن يوقف الفلم في منتصفهِ ويقولُ قد أُثِرتُ بالقدر الضروريِّ الجائزِ وما زادَ عليه حرام !!
فالحدودُ التي أنطتَ بها الحكم حدودٌ لايمكن ضبطها والتزامها ، والعلَّة الشرعية كما اتفق الأصوليون يجب أن تكون مما يمكن ضبطه ، وطريقة الشريعة في منع الحرام هي عدم الاقتراب منه نهائياً ، وسد باب الفساد وذرائع المحرمات من أساسها .
وكيف يمكن للشريعة أن تمنع المباح إن كان ممَّا يتذرع به إلى الحرام حسب مبدأ سد الذرائع ولا تمنع الحرام الذي يتذرع به إلى الحرام الأشد ؟ .
· وأمّا ما ذكرته من ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف لبس الحرير لحكّة كانا يعانيان منها فالحديث وهو عن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العّوام في القمص الحرير ، في السفر من حكة كانت بهما ، أو وجع كان بهما " قد رواه البخاري ومسلم .
وقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام ، يعني الأعلام " أما رواية مسلم " أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال : نهى نبي الله صلى الله عليه و سلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع . فكما ترى إن تحريم لبس الحرير في أصله جاء ومعه ترخيص في شيء منه ، حتى إن جبّة النبي صلى الله عليه وسلم كان لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج كما رواه مسلم .
ولمّا عُلِمَ أنَّ الحكة ، وهي عرضٌُ مؤلمٌ لعدّة أمراض (يعلمها المختصون) وُعلم أيضاً أن قُمُصَ الحرير دواءٌ أكيدٌ لهذا العرض رخص بها . وهناك خلاف بين العلماء حول هذا الحرير الذي رخَّص به هل هو حرير صاف أي سداه ولحمته حرير ، أم هوما كان سداه حرير ولحمته صوف ، أو سداه كتان ولحمته حرير أو ما غلب عليه الحرير .. إلى آخر ما هنالك .
وأيضاً هناك خلاف حول علّة التحريم .
وأما قولكَ : لم نجد في علماء الشريعة من قال لا يجوز لبس الحرير الحرام للتداوي من الحكة ؛
فلتحط علماً بأن الإمام مالك رحمه الله وأبو حنيفة منعا ذلك بالكلية وبعض الشافعية أيضاً . أم ليس لكلام هؤلاء الأئمة اعتبار لأنهم لم يحصلوا على دكتوراه في الشريعة ! !
· وأما ما ذكرته من ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم لوفد العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها ، وقولك ـ وقد اتفق جمهور المسلمين على نجاسة أبوالها وأنه لا يجوز شربها ..ـ فإن هذه الحادثة لا تصلحُ أبداً كحجَّةٍ في موضوعنا ، لأنَّ بول وروث مايؤكلُ لحمه قد قال بطهارته مالك ، وأحمد وجماعة من كبار الشافعية كابن خزيمة ، وابن المنذر وابن نصر المروزي ، وابن حبان ، والاصطخري ، والروياني . وقال النووي في المجموع : وحكاه صاحب البيان وجهاً لأصحابنا . وقال بطهارته أيضاً ابن عيينة ، والثوري ، وزفر ، وقال ابن تيمية : لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته ، بل القول بنجاسته قول محدث لاسلف له من الصحابة . ا . هـ
قال أنس رضي الله عنه : " قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بلقاح وأن يشربوا أبوالها وألبانها " رواه أحمد والشيخان . دلَّ هذا الحديث على طهارة بول الإبل وغيرها من مأكول اللحم يقاس عليه . قال ابن المنذر : من زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام لم يصب ، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل . قال وفي ترك أهل العلم بيعَ أبْعارِ الغنم في أسواقهم ، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً من غيرِ نكيرٍ ، دليلٌ على طهارتها . وقال الشوكاني : الظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كلِّ حيوانٍ يؤكل لحمه ، تمسُّكاً بالأصل واستصحاباً للبراءة الأصلية ، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم .
وقال ابن قدامة في المغني : بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر وهو قول عطاء والنّخعي ، والثوري ومالك . قال مالك رحمه الله : لا يرى أهل العلم أبوال ما أُكل لحمه وشرب لبنه نجساً ، ورخَّص في أبوال الغنم الزهري ويحيى الأنصاري . قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي…ثم قال ابن قدامه ولنا أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل . والنجس لا يباح شربه ، و لو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إن أرادوا الصلاة .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم ( متفق عليه ) وقال " صلوا في مرابض الغنم " متفق عليه وهو اجماع كما ذكر ابن المنذر ا.هـ
ــ وبعد هذا العرض أسألك أن تخبرني من هؤلاء الجمهور الذين تحدثت عنهم وبلسانهم؟ !!!
ثم هل من العلم في شيءأن آتيك بقواعد متفق عليها وأحاديث صحيحة لاخلاف فيها فترُدَّها بإجماعاتٍ وهمية ، وبمسائل أضعف منها و مُلئت خلافا ً؟ ! ! وأقلُّ ما يقال إنَّ الدليل إذا عرضه احتمال بطل به الاستدلال .
· وأُذكّرك أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي حرّم التداوي بالمحرمات ولست أنا . كما أوهمتَ القرّاء !
· ثمَّ أنا لم أفهم أنَّ جريمة القتل والزنا سواء ــ كما نسبت لي ــ بل أنت الذي لم تفهم كلامي ، فأنا أقول إن حفظ النفس أهمُّ في ترتيب الضروريات من حفظ النسل بمراتب ومع ذلك لم تبح الشريعة الزنا لمن ُيكره عليه بالقتل (كما ذكرذلك العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام ، وفي) الموسوعة الفقهية الصادرة في الكويت) نقل ذلك عن المذاهب الأربعة بالإتفاق) لأن نظرية الضرورة الشرعية مقيدةٌ بقيود ٍمنها عدم الخروج عن المبادئ العامة للإسلام وآدابه ، وهذا شرط صحيح نقله الزحيلي في كتابه (الفقه الإسلامي وأدلته ) عن الفقهاء ، وإنما مُنع المكره من الزنا لأن في هذا الفعل خروج عن مبادئ الإسلام وآدابه الأساسية ، وكذلك في المسألة التي تبيحها هنالك خروج عن مبادئ الإسلام وآدابه الأساسية. ثم إنه لاخلاف بين الفقهاء في تحريم الزنا على من أُكره عليه بالقتل . بخلاف ما أوهمتَ القارئ ، أنه أمر خلافي ، إنما الخلاف في وجوب أو عدم وجوب الحدّ عليه لو فعله ، وهما مسألتان متمايزتان فلا تخلط بينهما ، ومسألة تصور إمكان الإكراه أو عدمه تتعلق بالمسألة الثانية أي مسألة وجوب الحد عليه وهي خارجة عن موضوع بحثنا .
· ثمَّ لماذا تستغبي محاورك ، وتستخف به بهذه الصورة ، وتتهمه بعدم الفهم تارةً وبقلة العلم وضيق الأفق وقلة الدراية تارة أخرى ؟ هل هذا من أدب العلم والحوار ؟ وليتك أجبت عن الأحاديث والنقول التي ذكرُتها في ردِّي الأول ، ولكنّك تجاهلتها ورحت تفرض أموراً أخرى وتجيب عنها ، فأوهمت القارئ أنّي قلتُ بخلافها . وكان جهدك أن أتيت بأقوال لا يُعرف لها قائل ، وإجماعات وهمية ، ونفيت أموراً معروفة عن العلماء لكي توهم القارئ بصواب ما ذهبت إليه ! ! !
· ثم إنك نصحتني في ردّك عليّ أن أحترم اختصاص ذوي الاختصاص في كل فنٍّ قائلا ً (فإنه أحرى بك). فمن قال لك أني لاأحترم ذوي الاختصاصات ؟ وهل إذا أخطأ ذو اختصاص فنبهته إلى خطئه أو بيّنت له ما فاته أو نسيه ، يدل على عدم احترامي لاختصاصه ؟ وهل نيل الشهادات في الشريعة الإسلامية (كالدبلوم والماجستير و الدكتوراه) هو السبيلُ الوحيد لتحصيل العلم الشرعي والبراعة فيه مع العلم أن العز بن عبد السلام والسيوطي لا يحملان دكتوراه في الشريعة ! ثم تنصحني باحترام ذوي الاختصاصات (وأنا أحترمهم ما استقاموا) ولا تحترم أنت ذوي الاختصاصات ! هل تشخيص البرودة الجنسية ووصفها بأنها مرض ، ووصف العلاج ، وهو الأفلام الإباحية بأنه العلاج الأنجع والفعال ، هل هذا من اختصاص أساتذة الشريعة ؟ أم من اختصاص الأطباء ؟ !
و هل كونك المتخصص من دوني ؟ منذ ثلاثين عاماً بالشريعة وأصولها ــ على حد قولك ــ يكسبك ملكةً ودرايةً في علم الطِّب و الأمراض و الأدوية ؟ ! !
و أخيرا ً :
أرجو أن تحيط علماً بأنَّني قد عرضتُ هذه المسألة على مجموعةٍ من الأطباء المتخصصين المسلمين ، و لم يوافق أحد منهم على كلامك ، وكلهم استهجنوا وصفك للبرودة الجنسية بأنَّها مرضٌ وأنَّ علاجهُ هو الأفلام الإباحية ، بل قالوا إنَّ هذا الكلام مرفوضٌ البتَّة ولا يمكن اعتبار الأفلام ِالإباحيَّة علاجاً بحال ٍمن الأحوال .
والحمد لله رب العالمين .
د . محمد خلدون الحسني الجزائري
دمشق 29 شوال 1419
15 / 2 / 1999