إضاءات على الجهاد الشامي - الحلقة الثانية - .!
الحلقة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن فقدان حالة " القيادة والتنظيم " من بنية التشكيلات العسكرية السابق ذكرها , إنما كان مرده لأمرين إثنين :
الأول : قلة الخبرة وربما إنعدامها عند بعض ممن فكر بحمل السلاح , وهذا النوع لاتفريق كبير بينه وبين الضباط المنشقين , فليس حال الأخيرين منهم بأفضل , فكل ماعندهم علوم - أو ربما لا - عسكرية تقليدية , ومهارة في إختصاص معين بحسب عملهم في الجيش النظامي , أما بناء التنظيمات , وقراءة الصراع , ورسم الإستراتيجيات , وبناء التصورات , فأمر أكبر منهم بكثير .
الثاني : أن الحالة النفسية يومها كانت تميل للصدق , والإخلاص للعمل , والرغبة برفع الظلم دون التفكير بأي شيء , وكنا نلاحظ بساطة وتواضعا , وبعدا عن مواضع السلطة والإمارة , قبل أن تدخله حظوظ النفس , ففي الوقت الذي لم يكن يهم أحد منهم مسألة الظهور الإعلامي , أو تلميع إسم كتيبة أو لواء ما , أصبح هذا الأمرهو المسيطر فيما بعد خصوصا عندما ضخت لهم أموال , وأصبحوا رؤوسا , وباتو يعلمون أنهم جزء من المعركة , ولهم كلمتهم , وثقلهم , حتى بتنا نرى حول المعركة الواحدة المشتركة , أكثر من بيان , لأكثر من لواء وكتيبة , مع أنهم جميعهم جيش حر .!
وهنا أتحدث عن تشكيلات تجاوز عددها الألف فما فوق , تشكل معظمها بتوحد كتائب مناطقية صغيرة , كما في لواء التوحيد العامل في حلب مثلا .
جميع هذه التشكيلات العسكرية , كانت تعمل جنبا إلى جنب وتحت راية الجيش الحر المؤسس من قبل الضابط العقيد رياض الأسعد المنشق عن الجيش النظامي .
حملت هذه التشكيلات أسماء إسلامية , وكانت القيادة فيها لغير الضباط , رغم وجود أعداد من المنشقين فيها , وإكما أسلفت تم إهمال النظر في مفاهيم شرعية كثيرة كما قلت , لإن حسم هذه الأمور ليس مناطا بهم , بل بمرجعيتهم التي ذكرت .
الدولة الإسلامية : ولا أقصد مشروع الإخوة في الدولة الإسلامية في العراق والشام , بل إني هنا سأشير لأمر دقيق للغاية , وهو معنى الكثير من الألفاظ عند عامة المسلمين , وعند التشكيلات المسلحة التي يدور البحث حولها , وهو أن تعدد مرجعية هذه الجماعات بين السلفية التقليدية السلطانية في الخليج , والتيار السروري والإخواني , جعل هذه المفاهيم مختلطة أو محسومة عند البعض , توهم من يسمعها دون تحقيق بإن المراد بها هو ماعليه السلف .
فالدولة الإسلامية عند التنظيمات المدعومة من الخليج هي الدولة الإسلامية السعودية ودولة باكستان الإسلامية , والدولة الليبية الحالية بعد الثورة , ودول الخليج مجتمعة بما فيها حكومة ولي الأمر في قطر , ومصر , فكل هذه دول إسلامية ينص الدستور فيها على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وأنه المصدر ( الرئيسي ) في التشريع , وانتهت القصة والسلام .!
فالكثير من هذه المجاميع المسلحة ينظر لمفهوم الدولة بهذه الطريقة , حتى وإن كان في دستورها قانون وضعي , إلا أنهم لايخرجونها من الدولة الإسلامية الشرعية المطلوب إقامتها , بل فقههم في هذا هو فقه سلفية حزب النور , حيث السيسي ولي أمر والدعوة خير حل ,وعدا عن هذا فلامكان لا لجهاد جولاني ولا ظواهري ولا بغدادي .
فالقصد من هذه الكلمات كلها , أن البحث يسهل عند معرفة مرجعية كل تشكيل مسلح , لإنه سيتحرك ضمن نطاق أدبيات التيار الذي يعتنقه , بعيدا عن أي كذب ودجل يقدم وكلام مباع يراد من وراءه كسب الساحة والإلتفاف على خصم لهم ظهر قويا منافسا .
وبعض التشكيلات المدعومة من تركيا والتي غالبها من ألوية التركمان المقاتلة , تنظر لتركيا على أنها الدولة المسلمة , وأن حفيد العثمانيين ينتهج نهجا نبويا , وأن الحق في تقليد دولة الأتراك .
ومن يدعمه الغرب , ينظر للدولة المسلمة , كنظرة بشار لها , فالدولة المسلمة هي التي تفتح إرسالها التلفزيوني بآيات من الذكر الحكيم وبعده النشيد الوطني , والتي تبث وقائع حفل المولد النبوي على القناة الرسمية , والتي يصلي فيها الرئيس في يوم العيد على الشاشات , والتي تعج بالمساجد , ومسابقات تحفيظ القران , والتي نرى فيها سماحة المفتي جالسا مع الرئيس , والأحوال تمام وكل شي على مايرام , كما هي دولة الجزائر , ودولة المغرب , والعراق وغيرها , أما حاكمية وجهاد وولاء وبراء , فهذا فهم وهابي دخيل , وتطرف يسيء للإسلام السمح , خصوصا إن علمنا أنه في مقابل التيار السلفي السلطاني بشقيه المصري والخليجي , يوجد تيار صوفي له كلمة ووزن وسيطرة على الجماعات المسلحة التي يدعمها , يتمثل هذا التيار بعدد لايستهان به من علماء الشام المنشقين عن المؤسسة الرسمية .!
أو الفارين من بطش النظام من أئمة المساجد في مناطق القتال , وكلا هذين النوعين , مشرب بالمصائب , فمن تراه كان بعثيا , أو صوفيا أو إن أحببت جرب واستفسر عن إعتقاده في بعض الأمور , كحكم الإنضمام للجيش الوطني , ونظرته لدويلات الخليج وحكامها , أو الحاكمية , أو مسائل الإيمان والكفر , ستجد عجبا عجابا , فالمدرسة التي درس فيها أساسا تبتعد عما تراه غلو أثاره التيار النجدي قبل مئتي سنة , وترى الحق في مفاهيم مشايخ الشام الذين أساسا كانوا يرون أن حكم الأسد الأب والإبن حكم شرعي , إنما الذي جرهم للإنشقاق عنه هي الجرائم لا الكفر والشرك الذي كان فيه .
أما الجماعات المدعومة من الإخوان , ففهمها للدولة الإسلامية , والتعامل مع الغرب , والحكام في الخليج وغيرهم , هي ذاتها نظرة التنظيم الدولي المعروفة , فلا حاجة لبسطها , وهم أول من قعد في أحضان الغرب والناتو واجتمعو مع الأمريكان ومخابراتهم في الوقت الذي كان فيه البسطاء يقاتلون النظام ببنادق الصيد .
وقد يقول قائل أن هذا الكلام سابق لأوانه وأنه إمتحان للناس وعدو صائل في البلاد , أقول أن هذا ليس شأني هنا , فأنا أصف لكم هذه الجماعات ومرجعياتها , حتى تكونوا على بينة , أما ماتبقى فكلام آخر , فشكل نظام الحكم , ومن يفاوضك هم هؤلاء شئت أم أبيت , فإن جلست مع من تدعمه قطر لتشاوره على إقامة دولة إسلامية فأنت اساسا تجلس مع القطريين , ولو جلست مع التشكيلات المدعومة من قبل المخابرات السعودية , فأنت تجلس مع رئيس الإستخبارات السعودية ومشايخ المملكة , ولو استعنت بالتنظيمات الإخوانية فأنت تتكلم مع المرشد الأعلى للتنظيم الدولي , ولك في الغرب المثل فتأمل .!
وفي جلستك الحوارية مع أي تنظيم محسوب على سلفية آل سعود , فستجد كلام مشايخهم أمامك ولاشيء غيره , فمن أنت حتى تقدم كلامك أمام سماحة مفتي السعودية وهيئة كبار العلماء ؟ بل من أنت حتى تتكلم في حضرة محمد حسان وتأصيله اللامع ؟ ثم ألا تخجل من نفسك وأنت تعارض علامة الأمة القرضاوي وقد أفتى بالجهاد بالشام ويعتبر مرجعية الإخوان والمؤصل للكثير من المفاهيم عندهم ؟
وكمثال : فإن قائد لواء شهير مقاتل على الأرض يدعو لإقامة الدولة المسلمة , وهو ومن معه من الطبقة البسيطة قبل الثورة , منهم من كان تاجرا , أو حرفيا , نفس هذا الرجل الذي يدعو للدولة الإسلامية يشيد بحكومة الإئتلاف ويكون على رأس مستقبلي رئيس الحكومة "هيتو" في إحدى المعابر الحدودية , ويسير معه في رحلة تفقدية كممثل شرعي للسوريين ورئيسا للحكومة .!
وهذا الرجل ومن معه , لو أنك قدمت له بحثا شرعيا في أية مسألة , فلن يعدك بالنظر والبحث فيها , فهو من معه أساسا ليسو طلبة علم , ولا باحثين في المسائل الشرعية , بل حالتهم القيادية حالة طارئة بسبب الثورة , و إن غاية ماسيفلعه هو أن يقدم البحث أو الإعتراض أو الإستفسار لمرجعيته الشرعية , ويرد عليكم بما يؤصلونه له .
وكذلك كمثال فالنظرة للطائفة النصيرية هي في غالبها نظرة عاطفية تدرج فيها الخطاب منذ بداية الثورة , فلما كانت طائفة كريمة , أصبحت طائفة تحمل وزر السكوت عن خطأ وإجرام ابنائها الحاكمين في دمشق , ثم ضرورة القصاص من كل علوي مشارك في القتال , ثم يجب قتال الطائفة , ثم نحن لسنا ضدهم , ثم عودة مرة ثانية لـ : هم إخوة لنا ولن نستهدفهم , وهكذا دواليك ..
فالخطاب منبعه العاطفة , أو فتاوى مرجعياتهم المتقلبة , والفهم الغير محسوم تجاه الكثير من المسائل .
بعد الوصول لهذه المرحلة , كبرت هذه التشكيلات العسكرية , وبدت حالة الترف المالي ظاهرة عليها , وبات واضحا ان كل مال يقدم يجب أن يكون لولاء لجهة ما , وهذا الأمر عرض علينا أكثر من مرة من المجلس العسكري , وتشكيلات أخرى , بإن نقبل المال مقابل العمل تحت مظلة التشكيل وبأمره , فلما كان الرفض كان الحصار .
بل إن هذه التشكيلات العسكرية التي لم تكن تجد ماتطعم مقاتليها , أصبحت تدفع لهم رواتب , وتتكفل بتقديم خدمات إجتماعية كبيرة مكلفة , يعلم كل من عاش هذه الأجواء أنها تكاليف مالية ضخمة ترهق أعتى وأغنى تنظيم , لكن هؤلاء لايبدو عليهم هذا .
فأنت تتقدم بإسم جبهة النصرة , أو القاعدة أو الدولة , لتقيم مشروعا إسلاميا يعلم حقيقته ومعناها الغرب قبل الشرق , لن يقف الجميع متفرجا عليك وأنت تسيطر على الساحة , بل لن يقف الإخوان والخليج والأتراك متفرجين عليك , ولن يقف الغرب مراقبا , فكما تندفع انت بكل قوتك وثقلك , غيرك سيندفع بكل قوته المالية والإستخباراتية في الساحة , وحتى لو لم تظهر جبهة النصرة , فالخليج والغرب يعلم جيدا , أن أيادي التيار الجهادي موجودة في الشام بشكل أو بآخر وهو أمر قرأه كلا الطرفين , وعلم كلا منهم بوجود خصمه .
الجبهة الفلانية : لاتحلم أن تكون لك السمعة كلها ونحن موجودون , هذا حال لسان الإخوان والخليج والغرب والأتراك , فإن كنت جبهة لنصرة الشام , أو دولة إسلامية , أو قاعدة , فنحن كذلك عندنا مشروع .
بعد بلوغ عدد هذه التشكيلات العسكرية الالاف في بعض المناطق , تراجع أداءها العسكري بشكل فظيع , فأصبح قرار القتال والهدنة والتوقف العرفي ( العسكري ) بيد من يمول ويخطط .
فقادة التشكيلات الكبيرة تغيرت نظرتهم للصراع بعد أن كانت ساذجة لاتتعدى الميدان وإقتحام الحاجز الفلاني والهجوم على الدورية الفلانية , وإنتظار الضربة الجوية المنتظرة من الناتو , والشوق لإنفاذ وعد أردوغان ضد الأسد ليسقط النظام وتنتهي القصة .
فبعد أن اختطلوا بأجهزة المخابرات الإقليمية , وتعاملو مع صناع القرار ومستشاري رؤساء الدول المجاورة , علموا أن الصراع اكبر بكثير مما كانو يتصورون , وأن الأسد لايقاتل وحده , وأن حل المشكلة مرتبطة بتوافق دولي من قبل محركي الصراع الكبار كروسيا والصين وإيران والغرب .
فأية ورطة هذه ؟ إما أن نرفض المال والسلاح , أو نعارض قراراتهم , أو نتفرد بشيء ما , نفقد بعدها كل الدعم , وقد نكون عرضة لتصفية , أو إنقلاب من داخل التشكيل المسلح نفسه , فكل شيء مكشوف , وكل حركتنا لديهم معلومة , فنحن بالإساس متخفين من جواسيس الأسد , وكتائبه العميلة المندسة بيننا , فماذا نقعل ؟
كان الركون للدول الداعمة هنا هو الحل الأمثل , خصوصا أن تم تدعيمه بفتاوى خليجية وشامية ,تؤصل للأمر وتجعله واجبا لصد الأسد وعدوانه .
يتبع بإذن الله ..
بقلم أخيكم
أبي تيمية الشامي
السبت 2 نوفمبر 2013 ميلادى - الموافق - 28 ذو الحجة 1434 هجرى