الْحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدُ مستفتح كُتَّابَهُ وَآخِرَ دَعْوَى أهْلِ جَنَّتِهِ.
وَنَشْهَدُ أَنْ لَا آله إلا اللَّه وَحِدَهُ لَا شَرِيكٌ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّد عَبْد اللَّه وَرَسُولِهِ صَفِيِّهِ مَنْ خَلَقَهُ وَحَبيبُهُ.
عَلَيهَا أُسِّسَتْ الْمِلَّةُ وَنُصِبَتْ الْقِبْلَةُ فَهِي أَسَاسَ الْفُرَّضُ وَالسَّنَةُ.
إِلَى شَيْخِنَا الْحَبيبِ ذُو النَّظَرِ الثَّاقِبِ وَالْعُقُلِ الرَّشيدِ.
وَأَنَا وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لِى عَلَيْكَ عَيْنٌ، فَمَوْصُولُ أَخْبَارِكَ إِحْدَى الرُّؤْيَتَيْنِ.
وَمِمَّا يُؤْثَرُ مِنْ رَسَائِلِ أَبِى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْكَاتِبِ الْوَزِيرِ ذِى الْفُنُونْ،
وَأَنَا عَنْهُ نَاقِلٌ ، وَبِكَلامِهِ جَدُّ مَفْتُونْ:
وَقَدِيْمَاً تَوَاصَلَ النَّاسُ عَلَى الْبُعْدِ، وَتَهَادُوا ثِمَارَ الإِخْلاصِ وَالْوُدِّ، وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلتَّوَاصُلِ، وَلَمْ يَرِدْ رَائِدٌ مُقْتَضٍ لِلتَّرَاسُلِ،
وَمَا أَقُولُ إِنَّ مُخَالَطَةً تَمَكَنَّتْ لا سَبَبَ لَهَا، وَلا مُبَاسَطَةٌ تَمَهَّدَتْ لا بَاعِثَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ تَوَقِّ النَّفْسِ إِلَى اسْتَصْفَاءِ الْفُضَلاءِ، وَاقْتِنَاءِ مَوَدَاتِ الأَوْفِيَاءِ، أَقْوَى أَسْبَابِ الارْتِبَاطِ، وَأَدْعَى أَبْوَابِ الاغْتِبَاطِ،
وَمُحَالٌ أَنْ تَنْجَذِبَ نَفْسٌ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهَا بِهِ أُنْسٌ، أَوْ يَكْلَفَ ضَمِيرٌ بِمَنْ لا يُشَاكِلُهُ مِنْ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ، وَقَدْ تَخَلَّتْ مُخَاطَبَتِى لَكَ إِلا مِنْ سَبَبِ الْمَحَبَّةِ فِيكَ، وَالْمَعْرِفَةِ بِجَمِيلِ مَذَاهِبَكَ وَمَسَاعِيكَ،
وأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ:
فَمَا أَخْطَأَتْكَ الْفِرَاسَةُ، وَلا اخْتَلَفَتْ فِيكَ الرِّيَاسَةُ، بَلْ أَوْفَيْتَ عَلَى الْمِقَدَارِ الْمَظْنُونِ، وَأَتَيْتَ مِنْ وَرَاءِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَضْمُونِ،
قَدْ اخْتَالَ بِكَ هَذَا الْمُلْتَقَى اخْتِيَالَ الْعَرُوسِ، وَخَضَعَتْ لِنَبَاهِتَكِ أَعِزَّةُ النُّفُوسِ،
وَمَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَمَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ، مَطْلُوبٌ إِخَائُهُ، مَخْطُوبٌ صَفَائُهُ، مَحْبُوبٌ عَلَى الْبُعَادِ، مُفَدَّىً حَتَّى مِنْ الأَضْدَادِ،
جَزَاكَ اللَّهُ شَيْخِنَا الْحَبيبِ الْفِرْدَوْسَ الْأعْلَى عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَاِسْأَلْ اللَّه عُزَّ وَجَلٌّ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ المتقين وَيَجْعَلَنَا مِنْ أهْلٍ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
۩ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) ۩
سُورَةُ الْقَمَرِ.