من العزل عن المنصب ما يكون شرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربالعالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين: أما بعد:
فعز لك وشرف ياعبد العزيز! فلم يكن ذلك الإجراء لخيانة مالية، أو جنايةخلقية، حاشاك! فاحمدالله، وما عيبك إلا صلابتك في الحق، ولقد ساء هذاالإجراءُ كلَّ الغيورينللأعراض، المنكرين للاختلاط، وسر ذلك المستغربيندعاة الاختلاط، ولخليفتك تاريخفي هذا، وبهذه المناسبة نسوق مقالة سبقنشرها، وهذا نصها:
( الحق والباطلمن المدح والذم(
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،أما بعد:
فإن المدح والذم نوعان من الخبر يعرض لكل منهما الصدق والكذب، ويتأثرحكمكل منهما بحال المادح والذام؛ فالممدوح من مدحه الله ورسوله صلىاللهعليه وسلم والمؤمنون، والمذموم حقا من ذمه الله ورسوله صلى اللهعليهوسلم والمؤمنون.
قال أعرابي للنبي عليه الصلاة والسلام: يا محمد! إنمدحي زين وذمي شين،فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله( ويتفرع عن هذا أنمن مدحه الصالحون من عباد الله فمدحهم له من عاجلبشراه، ومن ذمه الصالحون فذلكعنوان على سوء حاله أو سوء عقباه، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لأصحابه لما مر عليهم بجنازة فأثنواخيرا، قال صلى الله عليه وسلم: (وجبت وجبت)،ومر بأخرى فأثنوا شرا، قالصلى الله عليه وسلم: (وجبت وجبت)، ثم فسر قوله: (وجبت) للأول وجبت له الجنة، وللثاني وجبت له النار، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداءالله في أرضه).
أما مدح الكفرة والمنافقين والفاسقين فلا يبشربخير للممدوح، بل يدل علىشر فيه، بقدر رضاهم عنه، ومدحهم له، وفرحهم به.
وذمالكفرة والمنافقين والفاسقين شرف لمن ذموه؛ لأنه يدل على عدم رضاهمعنه،لمخالفته أهواءهم، وهذا معيار مستقيم، وقياس صحيح في المدح والذم،فلينظر العاقلفي حال من يمدحه أو يذمه ونوعه، وفي الحامل لهم على مدحهوذمه . فمدح الأخيارللمرء شرف، وذم الأشرار للمرء شرف، والعكس صحيح.
وتذكر أيها العاقل قولالمتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
وقالآخر:
حب الأراذل للفتى مــزر به وثناؤهم ذم فلا يسـمو به
وذُكر أنالطبيب بقُراط رؤي يوما مغتما، فسئل عن ذلك، فذكر أنإنسانا دنيئا ذكر أنه يحبه،والمحبة إنما تكون لتناسب بين المحبوالمحبوب.
ومما ابتليتْ به الأمة في هذاالعصر أقلام كثير من الكتاب والصحفيين الذين يكيلون المدح والذم جزافا، حسبما تمليه مذاهبهم وأهواؤهم وأطماعهم،ومن أحسن ما قيل في جنس الصحفيين ما قالهالشيخ محمد بن سالم البيحانيرحمه الله، إذ يقول:
وأرى الصحافــيين فيأقلامهم وحيَ السماء وفتنةَ الشيطان
فهم الجناة على الفضيلة دائما وهمالحمـاة لحرمة الأديان
فلربما رفعوا الوضـيع سفـاهة ولربمـا وضعوا رفيعالشان
فجيوبهـم فيها قلوبهــــــمُ إذا مُلئتْ فهم من شيعة السلطان
وإذاخلت من فضله ونواله ثاروا عليه بخائن وجبان
وأقرب مثل لهذا الصنف منالكتاب والصحفيين الشعراءُ الذين قال اللهفيهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم ترَ أنهم في كل واد يهيمون *وأنهم يقولون مالا يفعلون)، وأكثر ما يكون هذاالمدح مزريا بالممدوحوحاطا من قدره إذا كان معدودا من العلماء، إذ كان مدحأولئك السفهاء منأجل ما يوافق أهواءهم من آرائه وفتاويه، وإن كان هو قد يكونمعذورالتأويل تأوَّله،أو شبهة حسبها دليلا، لكن من القبيح أن يفرح العاقلبمدحأولئك الصحفيين الجهلاء الدائرين مع الأهواء وأمثالهم منالإعلاميين،القائمين على البرامج في وسائل الإعلام، فهم الجناة على الفضيلةدائما،والناشرون لفتنة الشيطان، كما قال البيحاني رحمه الله
أسال اللهأنيعصمنا من مكرهم، ومن أنفسنا والشيطان، وصلى الله على نبينا محمد وعلىآلهوصحبه أجمعين.