الحلقة الثالثه عشر
الفاروق مُحَقـِّقٌ جنائي وصائنٌ لشرف وعرض المسلمات
ستر العورات وحفظ الشرف:
كان الفاروق عمر إلى جانب عدله وصرامته في الحق عطوفا رحيما على الرعية، فكان رضي الله عنه يقيس كلَّ حالة بما يصلح لها، فيروي الشعبي رحمه الله أن رجلا أتى إلى الفاروق يستشيره في أمر جلل!! فقال:
يا أمير المؤمنين، إبنتي كنتُ وأدتها في الجاهلية، ثم استخرجتها قبل أن تموت، فأدركت معنا الإسلام فأسلمت، ثم أصابها حدٌ من حدود الله، فأخذَتْ الشفرة لتذبح نفسها، وأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويناها حتى برأت، ثم أقبلت بعد توبة حسنة، وهي تُخطب إلى قوم، أفأخبرهم بالذي كان؟
فقال الفاروق رضي الله عنه:
أتعهد إلى ما ستره الله فتبديه؟ والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة..
الفاروق مُحَقـِّقٌ جنائي:
عندما أصبح أهل المدينة وجدوا فتىً أمرد مقتولا وملقى على وجهه في أحد أزقة المدينة، فسأل عمر عن أمره وأمر بالتحقيق في شأن قتله، لكنه لم يظفر بشيء، وأخيرا ضُبطت القضية ضد مجهول وفشى بين الناس أن قضية هذا الفتى قد انتهت، لكن الفاروق أسرَّ في نفسه هذه الجناية ولم ينسها وقال:
اللهم أظفرني بقاتله,,,
حتى إذا كان قريبا من رأس الحول أصبح أهل المدينة فإذا بصبي مولود ملقى موضع القتيل، لا يعرف من ألقاه، وضبطت العملية ضد مجهول...
لكن الفاروق جمع بين الحادثتين وبدأ في التحقيق بنفسه، فأخذ المولود إلى امرأة تحفظ السر وتربي المولود البريء، فقال لها:
قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك، فإذا وجدتِ امرأة تقبّله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها، وشدد على كتمان الموضوع..
فلما شب الصبي، ومرت الأيام، أتت جارية إلى هذه المرأة وطلبت اصطحاب الصبي إلى سيدتها لتراه وترده إليها، فوافقت شرط أن تصحبها مع الصبي، فلما دخلوا على تلك المرأة عرفوا أنها بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأخبرت عمر بالقصة، فماذا عمل الفاروق بعد أن أمر المرأة بكتمان القصة؟
الفاروق يعرف أباها وله فضل وسبق في الإسلام، لكن الحق أحق أن يتبع، فاشتمل عمر على سيفه ثم أقبل إلى منزل الأنصاري فوجده متكئا على باب داره، فسلم عليه الفاروق وسأله عن حاله، وعن حال ابنته، فقال:
يا أمير المؤمنين، جزاها الله خيرا، هي من أعرف الناس بحق الله تعالى وحق أبيها مع حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها، فطلب الفاروق منه أن يقابل ابنته، فلما استأذن لعمر من ابنته دخل الفاروق وسلم عليها وعلى من كان عندها، فأصابها رعب وهيبة من عمرَ، وكأنها عرفت سبب مجيئه إليها..
طلب الفاروق من الحاضرين الخروج وبقي معها منفردا، فكشف عمرُ عن السيف وقال متوعدا:
لتصدقيني، ولم يأتِ بسيرة الصبي أو الفتى الأمرد المقتول، فقالت: على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله لأصدقن، إن عجوزا كانت تدخل عليّ فاتخذتها أمّا، وكانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة، وكنت لها بمنزلة البنت، فأمضيت بذلك حينا، ثم إنها قالت لي يا بنية إنه قد عرض لي سفر ولي بنت أتخوف عليها من أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيأة الجارية، وأتتني به لا أشك أنه جارية، فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يوما وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جنبي فقتلته، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه.. فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك...
إذن القصة فيها خدعة وغدر، نهايتها اغتصاب فمقاومة ودفاع عن العرض، فلما لم تستطع مقاومة الفتى الأمرد لجأت إلى الشفرة فقتلته، فماذا كان رد الفاروق؟
قال لها:
صدقتِ بارك الله فيك، ثم أوصاها بوصايا منها كتمان القصة وعدم فضح أمرها، ووعظها ودعا لها بخير، وخرج من عندها وقال لأبيها: بارك الله في ابنتك، فنعم الإبنة ابنتك، وقد وعظتها وأمرتها، فقال الشيخ الأنصاري: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجزاك خيرا عن رعيتك..
يتبع
0000