بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الإمام البخاري،في صحيحه،عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما، قال،قال النبي صلى الله عليه وسلم(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس،الصحة والفراغ)
معنى الحديث،أنه ينبغي على المسلم أن ينتهز فرصة فراغه وصحته بالأعمال الصالحة،فإن لم يفعل فإنه يخسر هاتين الفرصتين العظيمتين،
فإن نعم الله سبحانه لا تحصى وهو البر الرحمن الرحيم،وهو ربنا المتفضل المنان والمعطي المنعم الكريم،ولكن من أفضل نعمه الصحة والفراغ للعبد ذو العقل السليم،فعليه أن يستغلهما بعمل الخير والطاعة قبل أن يصير سقيم ، أو يشتغل بدنيا فلا يستطيع العبادة ولا عمل الخير، فيشكر الله،ومن لم يستغلهما بالطاعة فقد باع كثير،
فيخسر نفسه لأنه كان فاترعن عمل الخير، فصار مغبوناً قد غفل عن أهم نعم عمره من الصحة الفراغ،
وهذا أمر يجب أن يتفطن له المؤمن، لكي لا يرى نفسه يوم التغابن قد غبن نفسه وخسر الكثير من رضا الله،ومقامات النعيم،
فكم من مؤمن ألهاه الأمل ، وسوف العمل،وهو في نعمة الصحة والفراغ،ولكنه عن الطاعة والعبودية راوغ وراغ،فلا لنعيم لله في صحته له شكر،ولا في فراغه لله وعبوديته نظر،فعبر عليه الزمان وخسر،وهذا الغبن بعينه لمن أعتبر فقد باع كثير النعيم بقليل من اللهو والبطر،
والله سبحانه،خلقنا للعبودية والدعاء والشكر والعمل بما فيه الخير والصلاح ليختبرنا أينا يعمل صالحاً،فيجزيه الجزاء الحسن ودائم النعيم،وإلا من يسوف فيغبن،وله عذاب مقيم،ولذا قال تعالى(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)الذاريات،
أن هذين من النعم،مغلوب فيهما كثير من الناس،وهما الصحة والفراغ،وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحاً، كان قادراً على ما أمره الله به أن يَفعله، وكان قادراً على ما نهاه الله عنه أن يَتركه،لأنه صحيح البدن، مُنشرح الصدر، مطمئن القلب،
كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يُؤويه وما يكفيه من مُؤنة،فهو متفرغ،فإذا كان الإنسان فارغاً صحيحاً،إنه يغبن،لأن كثيراً من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية،وفراغ،
ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا،إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره أجلُه، وإذا كان يوم القيامة،قوله تعالى(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ،لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ المؤمنون،
وقال الله،عز وجل﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾المنافقون،
الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سدًى،لا ننتفع منها،ولا ننفع أحداً من عباد الله،ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجل،يتمنَّى الإنسان أن يُعطَى فرصة ولو دقيقة واحدة؛ لأجل أن يُستعتبَ، ولكن لا يحصُل ذلك،
ثم إن الإنسان قد لا تفوته هاتان النعمتان،الصحة والفراغ قبل أن يموت،قد يمرض ويعجِز عن القيام بما أوجب الله عليه، وقد يمرض ويكون ضيِّق الصدر، لا ينشرح صدره ويَتعب، وقد ينشغل بطلب النفقة له ولعياله،حتى تفوته كثيرٌ من الطاعات،ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله،عز وجل،بقدر ما يستطيع، إن كان قارئاً للقرآن، فليُكثر من قراءة القرآن، وإن كان لا يعرف القراءة، يُكثر من ذكر الله،عز وجل،وإذا كان لا يمكنه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يبذل لإخوانه كل ما يستطيع من معونة وإحسانٍ،فكل هذه خيرات كثيرة تذهب علينا، فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز الفرص،فرصة الصحة، وفرصة الفراغ،
وأكبر النعم يُنعم الله تعالى،بها على العبد،
نعمة الإسلام،قال الله تعالى﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾المائدة،
فإذا وجد الإنسان أن الله قد أنعَم عليه بالإسلام وشرَح الله صدره له، فإن هذه أكبر النِّعم،
ثم نعمة العقل،فإن الإنسان إذا رأى مبتلًى في عقله، لا يُحسن التصرف، وربما يُسيء إلى نفسه وإلى أهله، حمِد الله على هذه النعمة،فإنها نعمة عظيمة،
نعمة الأمن في الأوطان،فإنها من أكبر النعم، فنعمة الأمن لا يُشابهها نعمة،
كذلك مما أنعم الله به علينا،رغد العيش،يأتينا من كل مكان،فنحن في خير عظيم ولله الحمد،البيوت مليئة بالأرزاق،فعلينا أن نشكر الله،سبحانه وتعالى،على هذه النعم العظيمة، وأن نقوم بطاعة الله،حتى يمُنَّ علينا بزيادة النعم،لأن الله،تعالى،يقول﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾إبراهيم،
فمن تفرغ ولم يسعى إلى صلاح آخرته فهو كالمغبون،لأن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها غدا فمن استعمل فراغه و صحته في طاعة الله فهو الفائز بإذن الله،
هذه نماذج من الهمم العالية،كان الإمام بن تيمية،إذا دخل الخلاء يقول لجليسه اقرأ في هذا الكتاب و ارفع صوتك حتى اسمع حتى لا يضيع من وقتي شيء،
الحافظ عبيد بن يعيش الكوفي شيخ البخاري ومسلم،قال عن نفسه أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل كانت أختي تلقمني وأنا اكتب الحديث،
أبوعثمان الباقلاني،إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها ستخرج،لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر،
قال ابن الجوزي ينصح ولده،واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات وأن الساعات تبسط أنفاساً،وكل نفس خزانة فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم،وانظر كل ساعة من ساعاتك لماذا تذهب فلا تودعها إلا إلى اشرف ما يمكن ولا تهمل نفسك وعودها اشرف ما يكون من العمل وأحسنه وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه،
إذا بلغ الفتى ستين عاماً فنصف العمر تمضيه الليالي
ونصف النصف يمضي ليس يدري، وباقي العمر هم واشتغال،
الوقت نقمة،حين يبذل في شراء النار بعصيان الجبار وبيع الجنة بابخس الأثمان ولهذا قالوا،من علامات المقت إضاعة الوقت،فمن ابغضه الله شغله عن ذكره وأضاع وقته،
الكسل بئس الرفيق وتضييع الأوقات يورث الندم يوم القيامة وزلة الأقدام فوق الصراط وعض أصابع الندم في جهنم،
فانتبه لنفسك و كن عالماً أو متعلماً أو مطالعاً أو مستمعاً أو قارئاً أو تالياً أو ذاكراً أو عابداً،ولا تكن قاتلاً أوقاتك،خانقاً أنفاسك،مبدداً ساعاتك طالباً للراحة والكسل على حساب الجنة،
نداء إلى الشباب،أرسلته إليكم حفصة بنت سيرين فقالت،
خذوا من أنفسكم وانتم شباب فاني ما رأيت العمل إلا في الشباب،
ولسرعة انقضائه التي تشبه البرق،
قال الإمام احمد،فاعملوا أيها الشباب قبل فوات الاوان،بل اعملوا قبل أن يغزو الشيب رؤوسكم فتضعفوا عن القيام وتفتروا عن الصيام فتندموا،ومن تعود في صغره على شيء كان قادراً عليه في كبره ومن اتبع نفسه هواها ندم حين يشيخ ولا ينفع الندم،
واعلم أن من لم يشكر نعم الله عليه عرضها للزوال،ولا يزال لسانك رطباً بذكر الله،ولا تصرف وقتاً في غير الفائدة،آمربالمعروف،والحث علي الخير والدعوة إلي الله،
أسأل الله أن يديم علينا نعمة الصحة والعافية والبركة في العمر،
اللهم آتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها،وثبت قلوبنا على دينك،ولا تشغلنا عن طاعتك،
اللهم أمين.