العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى عقيدة أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-02, 05:40 AM   رقم المشاركة : 1
بوحميد
عضو نشيط





بوحميد غير متصل

بوحميد


شرح العقيدة الواسطية / 5

شرح العقيدة الواسطية/1 للشيخ صادق البيضاني حفظه الله... اضغط هنا لقراءة الموضوع بالالوان

شرح العقيدة الواسطية/2 للشيخ صادق البيضاني حفظه الله... اضغط هنا لقراءة الموضوع بالالوان

شرح العقيدة الواسطية/3 ..للشيخ صادق البيضاني حفظه الله .. لقراءة الموضوع بالالوان اضغط هنا

شرح العقيدة الواسطية/4 للشيخ صادق البيضاني حفظه الله... أضغط هنا لقراءة الموضوع بالالوان

شرح العقيدة الواسطية/5 للشيخ صادق البيضاني حفظه الله... أضغط هنا لقراءة الموضوع بالالوان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :

قواعد مهمة لا بد من معرفتها

هناك بعض القواعد المهمة يلزم طالب العقيدة والتوحيد أن يتعرف عليها حتى تكون مفتاحاً لمعرفة واقع عقيدة المسلم في الكتاب والسنة وأجملها في الأتي :-

القاعدة الأولى : مصدر توحيد الباري ينحصر فيما جاء عن الشرع .

لا يُوَحَّدُ الباري حقَّ التوحيد إلا بكتاب الله ، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام على فهم سلف هذه الأمة .

وكلُّ مَنْ وحَّد الله بفطرته السليمة ، ثم خالط أهل الأهواء والزيغ فلا يُؤْمَنُ على توحيده فإنَّ : "مَنْ جَالَسَ جانس" (1).

ولأن المبتدعة أعداءٌ للتوحيد الخالص ، فمصدر التوحيد عندهم العقل والهوى .

ومصدر توحيد السلف وأتباعهم من هذه الأمة الوحي السماوي المنزل على رسوله عليه الصلاة والسلام سواء كان قرآناً أوسنة .

قال تعالى : ( وهذا كتابٌ أنزلناه مبارك فاتبعوه ، واتقوا لعلكم ترحمون ) [ الأنعام : 155 ]

وقال تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيراً من الناس لفاسقون )[ المائدة : 49 ]

وقال جل شأنه : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض ، لا إله إلا هو يحي ويميت ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، واتبعوه لعلكم تهتدون )[ الأعراف: 158 ]

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ).

قال ابن كثير في تفسيره 2/257 : وقوله الذي يؤمن بالله وكلماته أي يصدق قوله عمله وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه – واتبعوه - أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره - لعلكم تهتدون أي الصراط المستقيم أ.هـ

وما مات نبينا عليه الصلاة والسلام حتى بين لنا شرع الله القويم المشتمل على العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص ، والمنهج القويم ، والشريعة المطهرة ، والسلوك الحسن وهو القائل عليه الصلاة والسلام : ( لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ).

فتوحيد الله مُسَطَّرٌ ، وواضحٌ بَيْنٌ ، في كتاب الله ، وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومن أعرض عنهما فقد أعرض عن الحياة الحقة ( أومن كان ميتاً ، فأحييناه ، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) [ الأنعام : 122 ] .

القاعدة الثانية : أن رسولنا عليه الصلاة والسلام ما مات حتى بين لنا ما يختص بالعقيدة والتوحيد بياناً شافياً كافياً .

فهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ).

وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( إنه ليس شيء يقربكم من الجنة ، ويباعدكم من النار ، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفسي حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله ،وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته )(2) .

وفي الصحيحين من حديث جابر يقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع : (.. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟)
قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأَدّيت ،ونصحت .
فقال : (بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ، وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ثلاث مرات ).

وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال قيل له : قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة.

قال فقال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط ، أو بول ، أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، أو أن نستنجي برجيع ، أو بعظم .

وعن أبي الدرداء قال : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه ، إلا ذكرنا منه علماً .

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .

وجاء بنحوه عن أبي ذر .

وكل ما سبق مصداقٌ لقوله سبحانه وتعالى : ( قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ، أن تقولوا ما جاءنا من بشير ، ولا نذير ، فقد جاءكم بشير ، ونذير والله على كل شيء قدير ) [ الأنعام : 19 ]

ولقوله تعالى : ( قد أنزل الله إليكم ذكراً ، رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ، ومن يؤمن بالله ، ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبداً ، قد أحسن الله له رزقاً ) [ الطلاق 10-11 ]

فما مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فمن ابتغ الدين الحق ، وجده فيما جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن أعرض عنه فقد أعرض عن سعادة الوحي فهو على غير الطريق يسير نسأل الله السلامة والعافية .

القاعدة الثالثة : الأصل أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه أوسماه ووصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام نفياً وإثباتاً .

وهذه من القواعد المجمع عليها ودليلها قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير )[ الشورى : 11 ]

فقوله : ( ليس كمثله شيء ) نفي المثيل والشبيه .

وقوله : (وهو السميع البصير ) إثبات ما وصف الله به نفسه .

فكل من سمى الله أو وصفه بشئ لم يرد فيه دليل فهذا ميلان عن الصراط المستقيم ، وانتقاص لما لله على الخلق ، وقد ذَمَّ الله كلَّ مَنْ جَانَبَ الطريق السوي في أسماء الله وصفاته فقال جل شأنه : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) [ الأعراف : 180 ]

وطريقة سلف هذه الأمة في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة يقوم على ركنين أساسيين :

الأول : إثباتها على ما وردت في الكتاب والسنة فهي توقيفية .
الثاني : إمرارها على حقيقتها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منظومته :

وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا ** حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُقْبَتَـهـا إلى نُقَّالِهـا ** وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّـلُ


فأهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما سمَّى ووصف الله نفسه في كتابه ، وبما سمَّاه ووصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل.

بخلاف المبتدعة فقد غيروا وبدلوا .

فمنهم مَنْ نفى الأسماء والصفات عن الله مطلقاً كما فعلت الجهمية ، ومنهم مَنْ أثبت الأسماء ، ونفى الصفات كما هو مذهب المعتزلة ، ومنهم من أَوَّلَ الصفات كالأشعرية وكثير من المعتزلة .

فهؤلاء – المبتدعة – هم حُثالة الخلف الذين طبع الله على قلوبهم ، وطمس على أبصارهم فلا يفقهون إلا قليلاً .

أما أتباع سلف هذه الأمة فمذهبهم مذهبُ سلفهم ، وهو إمرار الصفات على ظاهرها حقيقةً لعدم ما يخرجها عن هذا الأصل إلى مجاز ونحوه .

فلا يُشَبِّهُون ، ولا يمثلون ، ولا يكيفون ، ولا يعطلون ، ولا يؤلون وعلى مذهب رسول الله عليه الصلاة والسلام يسيرون ، فهم القومُ لا يَشْقَى بهم جليسُهم ، ولا يَملُّ مِنْ علومِهم أنيسُهُم .

وقد أحسنَ القائل :

فكلُّ خيرٍ في اتِّباعِ مَنْ سَلَفْ ** وكُلُّ شَرٍ في ابتداعِ مَنْ خَلَفْ
وكلُّ هديٍ للنبيِّ قد رَجَـحْ ** فما أُبِيحَ افْعَلْ ودَعْ مَا لم يُبَحْ (3)

فإذا علمت ذلك فاعلم ما يأتي :

أولاً : أن آيات الصفات تقوم على ثلاثة أسس :
الأول : تنزيه صفات الخالق عن مشابهة صفات المخلوق للأية السابقة وهي قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ الشورى : 11 ]

الثاني : أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام نفياً وإثباتاً فالله أعلم بصفاته من مخلوقاته ، ورسوله يعلم بما عَلَّمَهُ الله بواسطة الوحي لقوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى ) [ النجم : 3 ]

الثالث : قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية لقوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ) [ الأنعام : 103 ]

ولقوله تعالى ( يعلم ما بين أيديهم ،وما خلفهم ، ولا يحيطون به علماً ) [ طه : 110]

ثانياً : أن سبب نفي صفات الله هو اعتقاد التشبيه ، حيث عمدت المعطلة من الجهمية والمعتزلة ونحوهما من أهل التعطيل إلى الصفات فقالوا : جاء ذكر صفاتٍ للباري في الكتاب والسنة ، ولو قلنا بإثباتها للزم تشبيه الخالق بالمخلوقات فأرادوا دفع هذه الشبه الشيطانية بشبهة التعطيل ، فوقعوا في الضلال المبين ، ولم يتفطنوا للأصل المطرد عقلاً وهم أرباب العقول على حد زعمهم وهو : أن الإتفاق في المسميات والصفات ، لا يقتضي التساوي فالفيل له صفات كثيرة تخالف ما للنملة من الصفات وتوافق في بعضها .

فهل يلزم من وجود بعض صفات النملة الموافقة لبعض صفات الفيل أن الفيل نملة والعكس ؟

لا شك أن الجواب : لا ولا يقول به عاقل .

ولكن : ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) [ غافر : 33 ]

ثالثاً : أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر .

فالأشاعرة يثبتون الست الصفات لله تعالى المجموعة في قول أحدهم :

حيٌ عليمٌ قديرٌ والكلامُ لهُ ** إرادةٌ وكذاك السمعُ والبصرُ

ويقولون لله صفة الحياة والعلم والقدرة والكلام والإرادة والسمع والبصر ويقولون هي تليق بجلاله لا يحل تعطيلها ولا تأويلها ثم يؤولون الصفات الأخرى كالمحبة والسخط والغضب والمكر والكيد .

فيقال لهم يلزمكم إثبات بقية الصفات إذ إثبات بعضها وتأويل البعض بحجج واهية يعارض لازم العقل .

فكيف يوجد خالق يملك صفات تثبتون بعضها وتؤولون البعض الآخر ، والكل وارد من مشرب واحد وهو الكتاب والسنة بالإثبات !!

فالأصل الإثبات وإلا لزم البقاء على ضلال التأويل لأن هذا مقتضى العقل طالما والأدلة هي الأدلة .

رابعاً :القول في الصفات كالقول في الذات .

فمن أقر بوجود الله أُلْزِمَ بأن يقرَّ أن له صفات تليق به ، فإن العقل يقتضي أنه ممن شئ إلا وله صفات يعرف بها .

وطالما وقد عرفنا ربنا في الكتاب والسنة وكل شئ يدل على وجوده فإنه يلزمنا أن نثبت له صفاتٍ تليق بجلاله .

وقد ذكر لنا القرآن والسنة صفات عديدة يلزم إقرارها وإمرارها على ما وردت في لسان الشرع .

وإلا كيف يمكن أن نثبت وجود ذات من غير صفة لا شك أنه يستحيل عقلاً فما بال العقول مُعَطِلةٌ والأدلة متواترة صريحة ؟؟!!

خامساً : أن صفات الله محكمةٌ من جهة ورودها في الكتاب والسنة ، ومن حيث معرفة معناها في لغة العرب ، ومتشابهة من حيث الكيف لأن الكيفَ مجهولٌ لا علم لنا به .

والكيف : أن يتخيل شخص كيفية صفات الله في الذهن وهذا ممتنع لقوله تعالى : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يحيطون به علماً ) [ طه : 110]
وتوضيحاًَ لذلك : صفة الإستواء صفة محكمة لأن النقل أثبتها في الكتاب والسنة ولأنه عُرِفَ معنى الإستواء في لغة العرب بمعنى استقر وعلا ونحوها من المعاني .

فالمحكم : ما عُرِف لفظه ومعناه .

ونحن عرفنا لفظه في كتاب ربنا وسنة نبينا وعلمنا معناه في لغة العرب فهذا محكم .

والمتشابه : ما عرف لفظه وجهل معناه ، ونحن عرفنا لفظه في كتاب ربنا وسنة نبينا ولكن جهلنا كيفيته والكيفية نوع من معاني الحقيقة فهذا متشابه من هذه الناحية بعينها .

سادساً : أن الله موصوف في الكتاب والسنة بالنفي والإثبات وكل منهما يكون مجملاً ومفصلاً .

فصفة الإثبات المجمل كقوله تعالى : الحمد لله رب العالمين .

فالأية دلت على صفة الحمد المطلق الغير مقيد لله عزوجل .

وصفة الإثبات المفصل ويقال له المقيد كقوله تعالى : (وهو السميع البصير) .

فالسمع صفة معينة غير مجملة وكذا البصر ونحو ذلك من الصفات الواردة في الكتاب والسنة .

والنفي المجمل ويقال له المطلق كقوله تعالى : (ليس كمثله شئ ).

فهذا نفي لكافة الصفات التي لا تليق بجلال ربنا من غير تعيين .

والنفي المفصل ويقال المقيد كقوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم) .

فالسنة وهي مقدمة النوم معينة والنوم معين وكلاهما من المفصل وقد نفاهما ربنا عن نفسه.

القاعدة الرابعة : المغيبات التي أخبر عنها الشرع لا تُدرك بالعقل وإنما تُدْرَك بالنقل .

العقلُ مقيدٌ بعالم الحس ، لا عملَ له في الحكم على عالم الغيب ، وذلك لأن القوة العاقلة فينا التي تجمع بين المصورة ، والذاكرة والمخِيْلة والذكاء ، تقوم بعملها الجبار في التحليل والتركيب ، والجمع والتفريق ، واستنتاج القواعد العامة ، والكليات ، وقياس الأشباه والنظائر على بعضها ، بعد أن تنقل الحواس المختلفة إلى الصورة أشرطة مشاهداتها في الكون :

1. شريط المرئيات .
2. شريط المسموعات .
3. شريط المذوقات .
4. شريط المشمومات .
5. شريط الملموسات .
6. شريط الوجدانيات الداخلة في الإنسان .

ثم تكون أحكامها مقيدة بحدود هذه الأشياء التي جاءتها عن طريق الحواس .

وهذه القوة العاقلة فينا لا تستطيع أبداً أن تصدر أحكامها على مغيبات لم يعرض أمامها شريط مسجل عنها ، لأن كل حكم تحكم به إنما تقوله وتصدره متأثرة بواقع أشرطة الحواس الخمس التي جاءتها عن طريقها .

وعالم الغيب يختلف عن عالم الحس كل الاختلاف ، فلا يمكن الحكم عليها بالتشابه .

والقاعدة الثابتة عند العلماء : أن الحكم على الشئ فرعٌ عن تصوره .

فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تحكم على شئ فيه بنفي أو إثبات استقالاً ذاتياً ، إلا أن يأتيها خبر يشهد العقل بإمكان وجوده ، وبصدق ناقله ، وعند ذلك تسلم بمضمونها تسليماً تاماً دون مناقشة أو اعتراض .

وحيث أن عالم الحس فينا محدود ، فالعقل فينا محدود أيضاً ، فكما أن البصر له حد ينتهي إليه فكذلك العقل له حد ينتهي إليه .

وإذا كان العقل كما أوضحنا عاجزاً عن فهم أشياء في الكون ، وعاجزاً عن إدراكها والاحاطة بها بصورتها الحقيقية فهو عن إدراك صورة لحقيقة الأمور الغيبية التي هي وراء الطبيعة أضعف وأعجز (4) .

فلا يمكن للعقل أن يدرك الأمور كلها وخصوصاً الشرعية وبالأخص المغيبات منها كفتنة القبر ونعيمه وجحيمه ، وحوض المصطفى عليه الصلاة والسلام ، والصراط الذي يمد بين الجنة والنار ، والقنطرة وما إلى ذلك من المغيبات التي صحت بصرائح الكتاب والسنة الصحيحة .

فلا حيا الله الفلاسفة والمعتزلة ومَن نحى نحوهم من منكري هذه الحقائق بحجة أن العقل لا يُثْبِتُ مثل ذلك .

فليت شعري متى كان العقل يدرك كل شئ ؟!!

أَوَمَا أدركت عقولهم أن حججهم واهية ، وشبههم داحضة ، وأفكارهم حائرة ، ومدراركهم خاوية ؟!!

أَوَمَا أدركت عقولهم أنهم بشرٌ لا صفاء في عقولهم ، ولا استقامة في أقلامهم ، ولا حقائق في أحكامهم ؟!!

ولكن ..: ( أتريدون أن تهدوا من أضل الله ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ) [ النساء : 88 ]

ومِنْ ثَمَّ : ( ومن يرد الله فتنته ، فلن تملك له من الله شيئاً ، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، لهم في الدنيا خزي ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم )[ المائدة : 41 ]

وهكذا حال من أعرض عن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهدي صحابته الكرام ، فلا حيا الله من أعرض وتطاول .

القاعدة الخامسة : أنه يجب طاعة ولي الأمر ، وإن كان فاجراً ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان .

وأدلة هذه القاعدة كثيرةٌ لا تحصى ومنها :

1. ما أخرجه الشيخان عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت - وهو مريض - :

قلنا : أصلحك الله ، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه .

فقال فيما أخذ علينا : (أن بايعنا على السمع ، والطاعة في منشطنا ، ومكرهنا وعسرنا ، ويسرنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ).

2. وأخرج مسلم في صحيحه عن وائل الحضرمي قال : سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟؟ فأعرض عنه ، ثم سأله ، فأعرض عنه ، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس . وقال : ( اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم ).

3. وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن أبي سلام قال قال حذيفة بن اليمان قلت : يا رسول الله إنا كنا بِشَرٍ ، فجاء الله بخير ، فنحن فيه . فهل مِنْ وراء هذا الخير شرٌ ؟؟

قال : نعم .

قلت : هل وراء ذلك الشر خير ؟

قال : نعم .

قلت : فهل وراء ذلك الخير شر ؟

قال : نعم .

قلت : كيف ؟

قال : (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ).

قال : قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟

قال : (تسمع ، وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك فاسمع وأطع ).

4. وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ، ويحبونكم ، ويصلون عليكم ، وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ، ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ).

قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟

فقال : (لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يداً من طاعة ).

5. وأخرج أحمد في مسنده والحديث صحيح عن أبي ذر قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو علي هذه الآية ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً )حتى فرغ من الآية .

ثم قال : (يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ).

قال : فجعل يتلو بها ، ويرددها علي حتى نعست .

ثم قال : (يا أبا ذر كيف تصنع إن أُخْرِجت من المدينة ؟ )

قال : قلت إلى السعة ، والدعة أنطلق حتى أكون حمامة من حمام مكة ؟

قال : (كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟)

قال : قلت إلى السعة ، والدعة إلى الشام ، والأرض المقدسة ؟

قال : (وكيف تصنع إن أخرجت من الشام ؟)

قال : قلت إذن والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي .

قال : (أو خير من ذلك ؟)

قال : قلت أو خير من ذلك ؟

قال : (تسمع وتطيع وإن كان عبداً حبشياً ).

والعجب العجاب أن بعض الجماعات الإسلامية في العصر الحديث أهملت العمل بمثل هذه الأحاديث ، وأخذت بمذهب من سبقهم من المعتزلة والخوارج الذين يسعون لمنابذة حكام المسلمين ركضاً للحصول على كراسي الحكم ، والتسلط بحجج واهية وشبه مختلفة ، سبقهم إليها المبتدعة .

وهذا شأن من ينهج خطَّاً معوجاً يخالف الخط المستقيم الذي خطه لنا نبينا عليه الصلاة والسلام .

قال الإمام الشوكاني في كتاب الدراري المضية 1/505 : وطاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله ، ولا يجوز الخروج عليهم ماأقاموا الصلاة ، ولم يظهروا كفراً بواحاً ، ويجب الصبر على جورهم ، وبذل النصيحة لهم ، وعليهم الذب عن المسلمين ، وكف يد الظالم وحفظ ثغورهم ، وتدبيرهم بالشرع في الأبدان والأديان والأموال (5) أ.هـ

- تمت الحلقة الخامسة ويليها الحلقة السادسة بمشيئة الله -

-----------------------------

(1) إلا مَنْ سلَّمه الله .

(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف واللالكائي في اعتقاد أهل السنة وغيرهما عن ابن مسعود مرفوعاً والحديث صحيح .

(3) نقلاً من كتابنا شرح عقيدة أهل السنة والجماعة ص13-14 .

(4) مغني المريد للدكتور إبراهيم القريبي ص9-10.

(5) ننصح بقراءة كتاب فضيلة الشيخ خالد العنبري المسمى بالحكم بغير ما أنزل فهو كتاب لا نضير له ولا يعرف له مماثل في بابه فجزاه عن الإسلام خيراً وثبتنا الله وإياه على طاعته .







التوقيع :
من مواضيعي في المنتدى
»» الإجمال عند المخالفين والتفصيل عند السلفيين
»» ندعوكم لحضور محاضرة يوم الأحد مفاتيح النصر أصول وآداب
»» عـقـيـدة الــدروز وضــلالاتـهـم
»» الطريقة التيجانية حقائق وأسرار
»» من يرد على هذا الكلام
 
قديم 30-01-03, 11:13 PM   رقم المشاركة : 2
مؤدب
اعطوني ذا عقل
 
الصورة الرمزية مؤدب







مؤدب غير متصل

مؤدب is on a distinguished road



جزاك الله الف خير ... وجعله في موازين حسناتك






يرفع للفائدة
مؤدب







التوقيع :
لمن يريد أن يسبني أو يشتمني أو يقلل من قدري فله ذلك . على هذا الإميل .


[email protected]

( ألا يسع الرافضة ما وسع أمير المؤمنين من السكوت عن الصحابة لو فرضنا ظلمهم له ) ؟
من مواضيعي في المنتدى
»» لأهمية الموضوع وضعته هنا / مؤدب
»» من قتل مع الحسين رضي الله عنه ؟
»» هل الشيعة تنتمي الي مذهب ام الي الجغرافيا ؟
»» هشام بن الحكم السيرة الذاتية
»» يا مقداد
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:02 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "