العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية > الرد على شبهات الرافضة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-03-17, 11:43 PM   رقم المشاركة : 1
حجازية 1
عضو ماسي








حجازية 1 غير متصل

حجازية 1 is on a distinguished road


«لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»,

الشبهة:
قال الله تعال (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ).
فهذه الآية تدل على أن أبا بكر الصديق كان جبانا يخاف على نفسه، ولم يكن على أتم التوكل على الله، ولذا كان سياق الآية في معرض الذم له. فلذا لا فضيلة تثبت له من هذه الآية.

الجواب :

والجواب من وجوه:
أولا:
إن هذا التفسير يقدح بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو كما خلّف رجلا على فراشه ليس بجبان ولا يمكن أن يَشي به، فكذلك لا يمكن أن يصطحب معه رجلا جبانا لا يثق به ويمكن أن يَشي به لأعدائه، فإن هذا يقدح بحنكته وحكمته فضلا عن نبوته، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك كله.
ثانيا:
حاصل هذا الكلام أن يكون كل من يحزن جبانا غير مكتمل التوكل على الله !
فماذا يقول القرآن في ذلك ؟ وعلى من أطلقت كلمة الحزن ؟
قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران : 139]
وقال: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ ....) [آل عمران : 153]
وقال: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر : 88]
وقال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون َ) [النحل : 127]
وقال: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) [مريم : 24]
وقال: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ .....) [طه : 40]
وقال: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل : ]
وقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ .....) [القصص : 7]
وقال: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص : 13]
وقال: (وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ .....) [العنكبوت : 33]
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ ...) [فصلت : 30]
وقال: (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً ....) [آل عمران : 176]
وقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ....) [المائدة : 41]
وقال: (وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يونس : 65]
وقال: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء : 103]
وقال: (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [لقمان : 23]
وقال: (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [يس : 76]
وبعد استعراض هذه الآيات الكريمات، نجد أن الحزن وُصف به سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء وصالح المؤمنين.
فهل فهمت الشيعة من الحزن في هذا المقام نفس الذي فهمته من الحزن في الصديق رضي الله عنه ؟
فما الذي يختلف في سياقات الآيات ؟ أليس واحدا ومطردا ؟
والحاصل أن صفة الحزن تصيب النبي وغيره، وتصيب المؤمن وغيره، فهي مجرد طبيعة بشرية لا يخرج عنها أحد.
فليس كل من يحزن يكون جبانا !!
ثالثا:
كيف يكون سياق الآية في معرض الذم للصديق، وهي تتحدث عن نصر الله تعالى لنبيه، حينما أخرجه قومه الذين كفروا، عندما كان ثاني اثنين هو وصاحبه ولا ناصر لهما، فلجأا كليهما إلى الغار وكانت معية الله لهما خير ناصر ومعين، إذا يقول:
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/40.
ولفهم المعنى الإجمالي للآية الكريمة ننقل كلام العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله حيث يقول :
" أي : إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فاللّه غني عنكم ، لا تضرونه شيئا ، فقد نصره في أقل ما يكون ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من مكة لمَّا همُّوا بقتله ، وسعوا في ذلك ، وحرصوا أشد الحرص ، فألجؤوه إلى أن يخرج ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) أي : هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) أي : لمَّا هربا من مكة لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة ، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب ، فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما ، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال ( إِذْ يَقُولُ ) النبي صلى الله عليه وسلم ( لِصَاحِبِهِ ) أبي بكر لمَّا حزن واشتد قلقه : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) بمعونته ونصره وتأييده ، ( فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) أي : الثبات والطمأنينة والسكون المثبتة للفؤاد ، ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) وهي الملائكة الكرام الذين جعلهم اللّه حرسا له ، ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ) أي : الساقطة المخذولة ، فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه حنقين عليه ، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك ، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم ، بل ولا أدركوا شيئا منه " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/337)
فأي عربي يفهم من سياق الآية معنى قادحا في الصديق رضي الله عنه والسياق يتحدث عن معية الله له.
رابعا:
بقي الحديث على قوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ). فننقل الكلام عليه من موقع (الإسلام سؤال وجواب):
[اختلف المفسرون في ضمير الغائب في كلمة ( عليه ) في قوله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) على من يعود ، وذلك على قولين :
القول الأول :
يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو " أشهر القولين " كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله حيث جرى عليه كثير من المفسرين ، كالطبري في " جامع البيان " (14/261)، والزمخشري في " الكشاف " (2/260)، وابن جزي في " التسهيل " (2/76)، والشنقيطي في " أضواء البيان " (7/397)
والدليل عليه أن الضمير في قوله تعالى : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا واحدا ، فهو الذي أيده ربه بالملائكة ، فيبعد أن يراد بالضمير الذي قبله في كلمة ( عليه ) غير النبي صلى الله عليه وسلم ، كي لا يحصل الانتقال في الضمائر .
يقول ابن كثير رحمه الله :
" ( عليه ) أي : على الرسول في أشهر القولين ، وقيل : على أبي بكر ، وروي عن ابن عباس وغيره ، قالوا : لأن الرسول لم تزل معه سكينة ، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) أي : الملائكة " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (4/155)
القول الثاني :
أنه يعود على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهذا القول مروي عن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما ولكن بإسناد ضعيف ، ومروي عن عن حبيب بن أبي ثابت من التابعين .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" ( سكينته عليه ) على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه " انتهى.
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (6/1801) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (30/87)، وعزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/9) للحاكم ، ولم نقف عليه في " المستدرك "، ورواه الآجري في " الشريعة " (ص/1807) ت عبد الله الدميجي – دار الوطن .
وعن حبيب ابن أبي ثابت قال :
" نزلت على أبي بكر ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت سكينته عليه قبل ذلك " انتهى.
" تفسير ابن أبي حاتم " (6/1801).
واختار هذا القول جماعة من محققي المفسرين ، بل نسبه السهيلي في " الروض الأنف " (4/136) إلى أكثر أهل التفسير .
قال أبو جعفر النحاس رحمه الله :
" الأشبه على قول أهل النظر أن تكون تعود على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة ، وهي السكون والطمأنينة ؛ لأنه جل وعز أخبر عنه أنه قال : ( لا تحزن إن الله معنا ) " انتهى.
" معاني القرآن " (3/210)
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله :
" قال علماؤنا : وهو الأقوى ؛ لأن الصِّدِّيق خاف على النبي صلى الله عليه وسلم من القوم ، فأنزل الله سكينته ليأمن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسكن جأشه ، وذهب روعه ، وحصل له الأمن " انتهى.
" أحكام القرآن " (2/436) طبعة دار إحياء التراث .
وجاء في " مفاتيح الغيب " للفخر الرازي (16/53-54) ما نصه :
" ومن قال الضمير في قوله : ( عَلَيْهِ ) عائد إلى الرسول ، فهذا باطل لوجوه :
الوجه الأول : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر ؛ لأنه تعالى قال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) والتقدير : إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر لا تحزن . وعلى هذا التقدير : فأقرب المذكورات السابقة هو أبو بكر ، فوجب عَوْدُ الضمير إليه .
والوجه الثاني : أن الحزن والخوف كان حاصلاً لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه عليه السلام كان آمناً ، ساكن القلب بما وعده الله أن ينصره على قريش ، فلما قال لأبي بكر : لا تحزن : صار آمناً ، فصَرْفُ السكينة إلى أبي بكر ليصير ذلك سبباً لزوال خوفه أولى من صرفها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قبل ذلك ساكن القلب ، قوي النفس .
والوجه الثالث : أنه لو كان المراد إنزال السكينة على الرسول لوجب أن يقال : إن الرسول كان قبل ذلك خائفاً ، ولو كان الأمر كذلك لما أمكنه أن يقول لأبي بكر : ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فمن كان خائفاً كيف يمكنه أن يزيل الخوف عن قلب غيره ، ولو كان الأمر على ما قالوه لوجب أن يقال : فأنزل الله سكينته عليه ، فقال لصاحبه : لا تحزن .
ولمَّا لم يكن كذلك ، بل ذكر أولاً أنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه : لا تحزن ، ثم ذكر بفاء التعقيب نزول السكينة وهو قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) علمنا أن نزول هذه السكينة مسبوق بحصول السكينة في قلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن تكون هذه السكينة نازلة على قلب أبي بكر " انتهى.
وقد أجاب أصحاب هذا القول على استدلال الفريق الأول بعود الضمير في قوله تعالى ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يلي :
" فإن قيل : وجب أن يكون قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) المراد منه أنه أنزل سكينته على قلب الرسول ، والدليل عليه : أنه عطف عليه قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) ، وهذا لا يليق إلا بالرسول ، والمعطوف يجب كونه مشاركاً للمعطوف عليه ، فلما كان هذا المعطوف عائداً إلى الرسول وجب في المعطوف عليه أن يكون عائداً إلى الرسول ؟
قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) إشارة إلى قصة بدر ، وهو معطوف على قوله : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وتقدير الآية : إلا تنصروه فقد نصره الله في واقعة الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه ، وأيده بجنود لم تروها في واقعة بدر .
وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط هذا السؤال " انتهى.
" مفاتيح الغيب " للفخر الرازي (16/53-54)
وعلى فرض ترجيح القول الأول ، فإن عود الضمير على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني عدم تنزل السكينة أيضا على قلب الصديق رضي الله عنه ، بل إن سياق الآية يدل على حصول السكينة لهما جميعا ، ولكنه عز وجل أفرد الضمير ليدل على وحدة الحال بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ، وتوحد الشخصية التي تخاطب بضمير واحد .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذا حصل للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم الحال ، فإنه صاحب تابع لازم ، ولم يحتج أن يذكر هنا أبو بكر لكمال الملازمة والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في التأييد ، بخلاف حال المنهزمين يوم حنين ، فإنه لو قال : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُوله ) الفتح/26، وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم فارقوا الرسول ، ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال الملازمة ما ثبت لأبي بكر ، وأبو بكر لما وصفه بالصحبة المطلقة الكاملة ووصفها في أحق الأحوال أن يفارق الصاحب فيها صاحبه - وهو حال شدة الخوف - كان هذا دليلا بطريق الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد ، فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد ، فلأن يكون صاحبه في حال حصول النصر والتأييد أولى وأحرى ، فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها .
وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال ، علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس ، وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه ، وهذا كما في قوله : ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) التوبة/62 فإن الضمير في قوله : ( أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) إن عاد إلى الله : فإرضاؤه لا يكون إلا بإرضاء الرسول ، وإن عاد إلى الرسول : فإنه لا يكون إرضاؤه إلا بإرضاء الله ، فلما كان إرضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر - وهما يحصلان بشيء واحد ، والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع - وحَّد الضمير في قوله : ( أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ )
وكذلك وحَّد الضمير في قوله : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) التوبة/40؛ لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له ، إذ محال أن ينزل ذلك على الصاحب دون المصحوب ، أو على المصحوب دون الصاحب الملازم ، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحَّد الضمير ، وأعاده إلى الرسول ، فإنه هو المقصود ، والصاحب تابع له .
ولو قيل : ( فأنزل السكينة عليهما وأيدهما ) لأوهم أن أبا بكر شريك في النبوة ، كهارون مع موسى حيث قال : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ) القصص/35، وقال : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ . وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ . وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ . وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الصافات/114-118، فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما فيه ، كما قال : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) الفتح/26
فلو قيل : ( أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما ) لأوهم الشركة ، بل عاد الضمير إلى الرسول المتبوع ، وتأييدُه تأييدٌ لصاحبه التابع له الملازم بطريق الضرورة .
ولهذا لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم قط في موطن ، إلا كان أبو بكر رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده ، ولم يكن أحد من الصحابة أعظم يقينا وثباتا في المخاوف منه .
ولهذا قيل : ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح ) كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هل رأى أحد منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان ) فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء .
وقال أبو بكر بن عياش ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه " انتهى باختصار يسير . " منهاج السنة النبوية " (8/350353) ]
والحاصل أن هذه الآية تثبت فضيلة للصديق رضي الله عنه وأن كل ما قيل حول عكس ذلك مجرد أقاويل وثرثرات.






 
قديم 16-03-17, 12:19 AM   رقم المشاركة : 2
حجازية 1
عضو ماسي








حجازية 1 غير متصل

حجازية 1 is on a distinguished road


المسألة الثالثة : ذكروا أن قريشا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، والمراد من قوله ( أخرجه الذين كفروا ) هو أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، وأمر عليا أن يضطجع على فراشه ، ليمنعهم السواد من طلبه ، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به ، فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر الغار أولا ، يلتمس ما في الغار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ فقال : بأبي أنت وأمي ، الغيران مأوى السباع والهوام ، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك ، وكان في الغار جحر ، فوضع عقبه عليه ؛ لئلا يخرج ما يؤذي الرسول ، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا ، بكى أبو بكر خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه السلام : "لا تحزن إن الله معنا" فقال أبو بكر : إن الله لمعنا ؟ فقال الرسول : "نعم " فجعل يمسح الدموع عن خده ، ويروى عن الحسن أنه كان إذا ذكر بكاء أبي بكر بكى ، وإذا ذكر مسحه الدموع مسح هو الدموع عن خده ، وقيل : لما طلع المشركون فوق الغار أشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله . فقال رسول الله : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وقيل : لما دخل الغار وضع أبو بكر ثمامة على باب الغار ، وبعث الله حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت نسجت عليه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أعم أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ، ولا يرون أحدا .
https://library.islamweb.net/newlibr...132&startno=58

مسألة الرابعة : دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه : الأول : أنه عليه السلام لما ذهب إلى الغار ؛ لأجل أنه كان يخاف الكفار من أن يقدموا على قتله ، فلولا أنه عليه السلام كان قاطعا على باطن أبي بكر ، بأنه من المؤمنين المحققين الصادقين الصديقين ، وإلا لما أصحبه نفسه في ذلك الموضع ؛ لأنه لو جوز أن يكون باطنه بخلاف ظاهره ، لخافه من أن يدل أعداءه عليه ، وأيضا لخافه من أن يقدم على قتله ، فلما استخلصه لنفسه في تلك الحالة ، دل على أنه عليه السلام كان قاطعا بأن باطنه على وفق ظاهره .

الثاني : وهو أن الهجرة كانت بإذن الله تعالى ، وكان في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من المخلصين ، وكانوا في النسب إلى شجرة رسول الله أقرب من أبي بكر ، فلولا أن الله تعالى أمره بأن يستصحب أبا بكر في تلك الواقعة الصعبة الهائلة ، وإلا لكان الظاهر أن لا يخصه بهذه الصحبة ، وتخصيص الله إياه بهذا التشريف دل على منصب عال له في الدين .

الثالث : أن كل من سوى أبي بكر فارقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما هو فما سبق رسول الله كغيره ، بل صبر على مؤانسته وملازمته وخدمته عند هذا الخوف الشديد الذي لم يبق معه أحد ، وذلك يوجب الفضل العظيم .

الرابع : أنه تعالى سماه ( ثاني اثنين ) فجعله ثاني محمد عليه السلام حال كونهما في الغار ، والعلماء أثبتوا أنه رضي الله عنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما أرسل إلى الخلق ، وعرض الإسلام على أبي بكر آمن أبو بكر ، ثم ذهب وعرض الإسلام على طلحة والزبير وعثمان بن عفان ، وجماعة آخرين من أجلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والكل آمنوا على يديه ، ثم إنه جاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام قلائل ، فكان هو رضي الله عنه ( ثاني اثنين ) في الدعوة إلى الله ، وأيضا كلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، كان أبو بكر رضي الله عنه يقف في خدمته ، ولا يفارقه ، فكان ثاني اثنين في مجلسه ، ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مقامه في إمامة الناس في الصلاة ، فكان ثاني اثنين ، ولما توفي دفن بجنبه ، فكان ثاني اثنين هناك أيضا ، وطعن بعض الحمقى من الروافض في هذا الوجه ، وقال : كونه ثاني اثنين للرسول لا يكون أعظم من كون الله تعالى رابعا لكل ثلاث في قوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) ثم إن هذا الحكم عام في حق الكافر والمؤمن ، فلما لم يكن هذا المعنى من الله تعالى دالا على فضيلة الإنسان ، فلأن لا يدل من النبي على فضيلة الإنسان كان أولى .

والجواب : أن هذا تعسف بارد ؛ لأن المراد هناك كونه تعالى مع الكل بالعلم والتدبير ، وكونه مطلعا على ضمير كل أحد ، أما ههنا فالمراد بقوله تعالى : ( ثاني اثنين ) تخصيصه بهذه الصفة في معرض التعظيم ، وأيضا قد دللنا بالوجوه الثلاثة المتقدمة على أن كونه معه في هذا الموضع دليل قاطع على أنه صلى الله عليه وسلم كان قاطعا بأن باطنه كظاهره ، فأين أحد الجانبين من الآخر ؟

والوجه الخامس : من التمسك بهذه الآية ما جاء في الأخبار أن أبا بكر رضي الله عنه لما حزن ، قال عليه الصلاة والسلام : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ولا شك أن هذا منصب علي ، ودرجة رفيعة .

واعلم أن الروافض في الدين كانوا إذا حلفوا قالوا : وحق خمسة سادسهم جبريل ، وأرادوا به أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعليا وفاطمة والحسن والحسين ، كانوا قد احتجبوا تحت عباءة يوم المباهلة ، فجاء جبريل وجعل نفسه سادسا لهم ، فذكروا للشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى أن القوم هكذا يقولون ، فقال رحمه الله : لكم ما هو خير منه بقوله : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ومن المعلوم بالضرورة أن هذا أفضل وأكمل .

والوجه السادس : أنه تعالى وصف أبا بكر بكونه صاحبا للرسول ، وذلك يدل على كمال الفضل ، قال الحسين بن فضيل البجلي : من أنكر أن يكون أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا ؛ لأن الأمة مجمعة على أن المراد من( إذ يقول لصاحبه ) هو أبو بكر ، وذلك يدل على أن الله تعالى وصفه بكونه صاحبا له ، اعترضوا وقالوا : إن الله تعالى وصف الكافر بكونه صاحبا للمؤمن ، وهو قوله : ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) .

والجواب : أن هناك وإن وصفه بكونه صاحبا له ذكرا ، إلا أنه أردفه بما يدل على الإهانة والإذلال ، وهو قوله : ( أكفرت ) أما ههنا فبعد أن وصفه بكونه صاحبا له ، ذكر ما يدل على الإجلال والتعظيم وهو قوله : ( لا تحزن إن الله معنا ) فأي مناسبة بين البابين لولا فرط العداوة ؟

والوجه السابع : في دلالة هذه الآية على فضل أبي بكر ، قوله : ( لا تحزن إن الله معنا ) ولا شك أن المراد من هذه المعية ، المعية بالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة ، وبالجملة فالرسول عليه الصلاة والسلام شرك بين نفسه وبين أبي بكر في هذه المعية ، فإن حملوا هذه المعية على وجه فاسد ، لزمهم إدخال الرسول فيه ، وإن حملوها على محمل رفيع شريف ، لزمهم إدخال أبي بكر فيه ، ونقول بعبارة أخرى : دلت الآية على أن أبا بكر كان الله معه ، وكل من كان الله معه فإنه يكون من المتقين المحسنين ؛ لقوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) والمراد منه الحصر ، والمعنى : إن الله مع الذين اتقوا لا مع غيرهم ، وذلك يدل على أن أبا بكر من المتقين المحسنين .

والوجه الثامن : في تقرير هذا المطلوب أن قوله : ( إن الله معنا ) يدل على كونه ثاني اثنين في الشرف الحاصل من هذه المعية ، كما كان ثاني اثنين إذ هما في الغار ، وذلك منصب في غاية الشرف .

والوجه التاسع : أن قوله : ( لا تحزن ) نهي عن الحزن مطلقا ، والنهي يوجب الدوام والتكرار ، وذلك يقتضي أن لا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة ، قبل الموت وعند الموت وبعد الموت .

والوجه العاشر : قوله : ( فأنزل الله سكينته عليه ) ومن قال : الضمير في قوله : ( عليه ) عائد إلى الرسول فهذا باطل لوجوه :

الوجه الأول : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر ؛ لأنه تعالى قال : ( إذ يقول لصاحبه ) والتقدير : إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر : لا تحزن ، وعلى هذا التقدير : فأقرب المذكورات السابقة هو أبو بكر ، فوجب عود الضمير إليه .

والوجه الثاني : أن الحزن والخوف كان حاصلا لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه عليه السلام كان آمنا ساكن القلب بما وعده الله أن ينصره على قريش ، فلما قال لأبي بكر : لا تحزن صار آمنا ، فصرف السكينة إلى أبي بكر ؛ ليصير ذلك سببا لزوال خوفه أولى من صرفها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قبل ذلك كان ساكن القلب ، قوي النفس .

والوجه الثالث : أنه لو كان المراد إنزال السكينة على الرسول لوجب أن يقال : إن الرسول كان قبل ذلك خائفا ، ولو كان الأمر كذلك لما أمكنه أن يقول لأبي بكر : ( لا تحزن إن الله معنا ) فمن كان خائفا كيف يمكنه أن يزيل الخوف عن قلب غيره ؟ ولو كان الأمر على ما قالوه لوجب أن يقال : فأنزل الله سكينته عليه ، فقال لصاحبه : لا تحزن ، ولما لم يكن كذلك ، بل ذكر أولا أنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه : لا تحزن ، ثم ذكر بفاء التعقيب نزول السكينة ، وهو قوله : ( فأنزل الله سكينته عليه ) علمنا أن نزول هذه السكينة مسبوق بحصول السكينة في قلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن تكون هذه السكينة نازلة على قلب أبي بكر .

فإن قيل : وجب أن يكون قوله : ( فأنزل الله سكينته عليه ) المراد منه أنه أنزل سكينته على قلب الرسول ، والدليل عليه أنه عطف عليه قوله : ( وأيده بجنود لم تروها ) وهذا لا يليق إلا بالرسول ، والمعطوف يجب كونه مشاركا للمعطوف عليه ، فلما كان هذا المعطوف عائدا إلى الرسول وجب في المعطوف عليه أن يكون عائدا إلى الرسول .

قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن قوله : ( وأيده بجنود لم تروها ) إشارة إلى قصة بدر وهو معطوف على قوله : ( فقد نصره الله ) وتقدير الآية : إلا تنصروه فقد نصره الله في واقعة الغار ، إذ يقول لصاحبه : لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها في واقعة بدر ، وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط هذا السؤال .

الوجه الحادي عشر : من الوجوه الدالة على فضل أبي بكر من هذه الآية إطباق الكل على أن أبا بكر هو الذي اشترى الراحلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر هما اللذان كانا يأتيانهما بالطعام ، روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : "لقد كنت أنا وصاحبي في الغار بضعة عشر يوما ، وليس لنا طعام إلا التمر" وذكروا أن جبريل أتاه وهو جائع ، فقال : هذه أسماء قد أتت بحيس ، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأخبر به أبا بكر ، ولما أمر الله رسوله بالخروج إلى المدينة أظهره لأبي بكر ، فأمر ابنه عبد الرحمن أن يشتري جملين ورحلين وكسوتين ، ويفصل أحدهما للرسول عليه الصلاة والسلام ، فلما قربا من المدينة وصل الخبر إلى الأنصار فخرجوا مسرعين ، فخاف أبو بكر أنهم لا يعرفون الرسول عليه الصلاة والسلام ، فألبس رسول الله ثوبه ، ليعرفوا أن الرسول هو هو ، فلما دنوا خروا له سجدا فقال لهم : "اسجدوا لربكم وأكرموا أخا لكم" ثم أناخت ناقته بباب أبي أيوب ، روينا هذه الروايات من تفسير أبي بكر الأصم .

الوجه الثاني عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة ما كان معه إلا أبو بكر ، والأنصار ما رأوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا إلا أبا بكر ، وذلك يدل على أنه كان يصطفيه لنفسه من بين أصحابه في السفر والحضر ، وإن أصحابنا زادوا عليه وقالوا : لما لم يحضر معه في ذلك السفر أحد إلا أبو بكر ، فلو قدرنا أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر ، لزم أن لا يقوم بأمره إلا أبو بكر ، وأن لا يكون وصيه على أمته إلا أبو بكر ، وأن لا يبلغ ما حدث من الوحي والتنزيل في ذلك الطريق إلى أمته إلا أبو بكر ، وكل ذلك يدل على الفضائل العالية والدرجات الرفيعة لأبي بكر .

واعلم أن الروافض احتجوا بهذه الآية ، وبهذه الواقعة على الطعن في أبي بكر من وجوه ضعيفة حقيرة ، جارية مجرى إخفاء الشمس بكف من الطين :

فالأول : قالوا : إنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي بكر : " لا تحزن " فذلك الحزن إن كان حقا فكيف نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عنه ؟ وإن كان خطأ ، لزم أن يكون أبو بكر مذنبا وعاصيا في ذلك الحزن .

والثاني : قالوا يحتمل أن يقال : إنه استخلصه لنفسه ؛ لأنه كان يخاف منه أنه لو تركه في مكة أن يدل الكفار عليه ، وأن يوقفهم على أسراره ومعانيه ، فأخذه مع نفسه دفعا لهذا الشر .

والثالث : أنه وإن دلت هذه الحالة على فضل أبي بكر إلا أنه أمر عليا بأن يضطجع على فراشه ، ومعلوم أن الاضطجاع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل تلك الليلة الظلماء مع كون الكفار قاصدين قتل رسول الله تعريض النفس للفداء ، فهذا العمل من علي أعلى وأعظم من كون أبي بكر صاحبا للرسول ، فهذه جملة ما ذكروه في ذلك الباب .

والجواب عن الأول : أن أبا علي الجبائي لما حكى عنهم تلك الشبهة ، قال : فيقال لهم : يجب في قوله تعالى لموسى عليه السلام : ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) أن يدل على أنه كان عاصيا في خوفه ، وذلك طعن في الأنبياء ، ويجب في قوله تعالى في إبراهيم ، حيث قالت الملائكة له : ( لا تخف ) في قصة العجل المشوي مثل ذلك ، وفي قولهم للوط : ( لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك ) مثل ذلك .

فإذا قالوا : إن ذلك الخوف إنما حصل بمقتضى البشرية ، وإنما ذكر الله تعالى ذلك في قوله : ( لا تخف ) ليفيد الأمن ، وفراغ القلب .

قلنا لهم في هذه المسألة كذلك .

فإن قالوا : أليس إنه تعالى قال : ( والله يعصمك من الناس ) فكيف خاف مع سماع هذه الآية ؟ فنقول : هذه الآية إنما نزلت في المدينة ، وهذه الواقعة سابقة على نزولها ، وأيضا فهب أنه كان آمنا على عدم القتل ، ولكنه ما كان آمنا من الضرب ، والجرح والإيلام الشديد . والعجب منهم ، فإنا لو قدرنا أن أبا بكر ما كان خائفا ، لقالوا : إنه فرح بسبب وقوع الرسول في البلاء ، ولما خاف وبكى قالوا هذا السؤال الركيك ، وذلك يدل على أنهم لا يطلبون الحق ، وإنما مقصودهم محض الطعن! .

والجواب عن الثاني : أن الذي قالوه أخس من شبهات السوفسطائية ، فإن أبا بكر لو كان قاصدا له ، لصاح بالكفار عند وصولهم إلى باب الغار ، وقال لهم : نحن ههنا ، ولقال ابنه وابنته عبد الرحمن وأسماء للكفار : نحن نعرف مكان محمد فندلكم عليه ، فنسأل الله العصمة من عصبية تحمل الإنسان على مثل هذا الكلام الركيك .

والجواب عن الثالث من وجوه :

الأول : أنا لا ننكر أن اضطجاع علي بن أبي طالب في تلك الليلة المظلمة على فراش رسول الله طاعة عظيمة ومنصب رفيع ، إلا أنا ندعي أن أبا بكر بمصاحبته كان حاضرا في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلي كان غائبا ، والحاضر أعلى حالا من الغائب .

الثاني : أن عليا ما تحمل المحنة إلا في تلك الليلة ، أما بعدها لما عرفوا أن محمدا غاب تركوه ، ولم يتعرضوا له . أما أبو بكر ، فإنه بسبب كونه مع محمد عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام في الغار كان في أشد أسباب المحنة ، فكان بلاؤه أشد .

الثالث : أن أبا بكر رضي الله عنه كان مشهورا فيما بين الناس بأنه يرغب الناس في دين محمد عليه الصلاة والسلام ويدعوهم إليه ، وشاهدوا منه أنه دعا جمعا من أكابر الصحابة رضي الله عنهم إلى ذلك الدين ، وأنهم إنما قبلوا ذلك الدين بسبب دعوته ، وكان يخاصم الكفار بقدر الإمكان ، وكان يذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالنفس والمال ، وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإنه كان في ذلك الوقت صغير السن ، وما ظهر منه دعوة لا بالدليل والحجة ، ولا جهاد بالسيف والسنان ؛ لأن محاربته مع الكفار إنما ظهرت بعد انتقالهم إلى المدينة بمدة مديدة ، فحال الهجرة ما ظهر منه شيء من هذه الأحوال ، وإذا كان كذلك كان غضب الكفار على أبي بكر لا محالة أشد من غضبهم على علي ، ولهذا السبب ، فإنهم لما عرفوا أن المضطجع على ذلك الفراش [ ص: 56 ] هو علي لم يتعرضوا له البتة ، ولم يقصدوه بضرب ولا ألم ، فعلمنا أن خوف أبي بكر على نفسه في خدمة محمد صلى الله عليه وسلم أشد من خوف علي كرم الله وجهه ، فكانت تلك الدرجة أفضل وأكمل ، هذا ما نقوله في هذا الباب على سبيل الاختصار .

أما قوله تعالى : ( وأيده بجنود لم تروها ) فاعلم أن تقدير الآية أن يقال : ( إلا تنصروه ) فلا بد له ذلك بدليل صورتين .

الصورة الأولى : أنه قد نصره في واقعة الهجرة( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ) .

والصورة الثانية : واقعة بدر ، وهي المراد من قوله : ( وأيده بجنود لم تروها ) لأنه تعالى أنزل الملائكة يوم بدر ، وأيد رسوله صلى الله عليه وسلم بهم ، فقوله : ( وأيده بجنود لم تروها ) معطوف على قوله : ( فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ) .

ثم قال تعالى : ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ) والمعنى أنه تعالى جعل يوم بدر كلمة الشرك سافلة دنيئة حقيرة ، وكلمة الله هي العليا ، وهي قوله : لا إله إلا الله ، قال الواحدي : والاختيار في قوله : ( وكلمة الله ) الرفع ، وهي قراءة العامة على الاستئناف ، قال الفراء : ويجوز " كلمة الله " بالنصب ، ولا أحب هذه القراءة ؛ لأنه لو نصبها لكان الأجود أن يقال : وكلمة الله العليا ، ألا ترى أنك تقول : أعتق أبوك غلامه ، ولا تقول : أعتق غلامه أبوك ؟ .

ثم قال : ( والله عزيز حكيم ) أي : قاهر غالب ، لا يفعل إلا الصواب .

https://library.islamweb.net/newlibr...132&startno=59


التفسير الكبير
فخر الدين الرازي



.






 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "