التُّحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية الشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقدمة :
الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد .. فهذا شرح مختصر للقصيدة السنية والمنظومة البهية المشهورة بـ ( الحائية ) لناظمها الإمام المحقق والحافظ المتقن شيخ بغداد أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ابن صاحب السنن الإمام المعروف رحمهما الله .
وهي منظومة شائعة الذكر , رفيعة الشأن , عذبة الألفاظ , سهلة الحفظ , لها مكانة عالية ومنزلة رفيعة عند أهل العلم في قديم الزمان وحديثه , تواتر نقلها عن ابن أبي داود رحمه الله فقد رواها عنه غير واحد من أهل العلك كالآجري , وابن بطة , وابن شاهين وغيرهم , وثلاثتهم من تلاميذ الناظم , وتنازلها غير واحد من أهل العلم بالشرح .
قال الذهبي رحمه الله منوهاً بهذه المنظومة مبيناً لأهميتها ( هذه القصيدة منواترة عن ناظمها رواها الآجري وصنف لها شرحاً , وأبو عبدالله ابن بطة في الإبانة (1) , ومِمن شرحها ابن البناء )(2) , وشروحاتهم لا أعلم لها وجوداً , وممن شرحها أيضا الإمام السفاريني وشرحه لها مطبوع في مجلدين بعنوان ( لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السُّنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية )
وقد سميت هذا الشرح ( التحفة السنية شرح قصدية أبي داود الحائية ) وأصله دروس ألقيتها في مسجد الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1417هـ كتبه عني أحد طلاب العلم فيها وهو الأخ الفاضل يحيي بن علي بن يحيي , ثم قمت , بمراجعته والإضافة عليه وتنقيحه حسب الاستطاعة , وهو جهد المُقل وبضاعة الضعيف المقصر , فما كان فيه من حق وصواب فهو من الله وحده , وما كان من خطأ ونقص فهو بسبب ضعفي وقصوري وقلة علمي , ولا يفوتني هنا أن أشكر كل من قدم أي نوع من أنواع المساعدة والتعاون في سبيل إحراج هذا الكتاب سواء في صفه وتنضيده , أو مراجعته وتصحيحه , أو طباعته ونشره , وأسأل الله أن يجزي الجميع خير الجزاء , كما أسأله أن ينفع به ويتقبله بقبول حسن ويجعله لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
*ترجمة موجزة للناظم ابن أبي داود (3)
*اسمه ونسبه وكنيته : هو الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد , عبدالله بن الإمام أبي داود سليمان ابن الأشعث , أبوبكر السجستاني .
*ولادته : ولد الإمام أبوبكر بن أبي داود بسجستان في سنة ثلاثين ومائتين (230هـ )
*نشأته وطلبه للعلم : سافر به أبوه وهو صغيرٌ من سجستان يطوف به شرقاً وغرباً بخراسان وأصبهان وبغداد والكوفة ومكة والمدينة والشام ومصر وغيرها يسمع ويكتب , واستوطن بغداد وكان أول شيخٍ سمع منه محمد بن اسلم الطوسي , وسُر أبوه بذلك , لجلالة محمد بن اسلم .
وكان ذا همة عليه منذ صغره في التحصيل والطلب , ومن دلائل هذه الهمة قوله رحمه الله ( دخلت الكوفة ومعي درهم واحد , فأخذت به ثلاثين مد باقلا , فكنت آكل منه , وأكتب عن أبي سعيد الأشج , فما فرغ الباقلا حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطع ومرسل )(4)
وكان حافظا متقنا قال رحمه الله ( حدثت من حفظي في أصبهان بستة وثلاثين ألف حديث , ألزموني فيها سبعة أحاديث فلما انصرفت وجدت في كتابي خمسة منها على ما كتبت حدثتهم به )(5)
ويقول تلميذه أبو حفص لبن شاهين مبيناً قوة حفظه ( أملى علينا بن أبي داود سنتين وما رأيت بيده كتاباً , إنما كان يملي حفظاً فكان يقعد على المنبر بعدما كبر ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو معمر بيده كتاب فيقول حديث كذا فيسرده من حفظه حتى يأتي على المجلس )
*بعض شيوخه : روى عن أبيه , وأحمد بن صالح , ومحمد بن بشار , وعمرو بن عثمان الحمصي , وإسحاق الكوسج , وعمرو بن علي الفلاس , ومحمد بن يحيي الذهلي .
*بعض تلاميذه : حدث عنه خلق كثيرون منهم ابن حبان صاحب الصحيح , وأبوالحسن الدارقطني , وأبوحفص بن شاهين و أبومحمد أحمد الحاكم , وابن بطة , ومحمد بن عم زنبور الوراق , وأبومسلم محمد بن أحمد الكاتب , ونصف بن علي الوزير , وأبوالقاسم بن حبابة .
*مكانته العلمية وثناء العلماء عليه : قال الحافظ أبومحمد الخلال ( كان ابن أي داود إمام أهل العراق ومن نصب له السلطان المنبر , وقد كان في وقته بالعراق أسند منه , ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو )
وقال الخطيب البغدادي ( كان فقيهاً عالماً حافظاً )(6)
وقال ابن خلكان ( كان أبوبكر ابن لأبي داود من أكابر الحفاظ ببغداد , عالماً متفقهاً عليه إماما )
وقال الذهبي ( وكان من بحور العلم بحيث إن بعضهم فضله على أبيه )
وقال أيضا ( كان أبوبكر من الحافظ المبرزين ما هو بدون أبيه , صنف التصانيف وانتهت إليه رئاسة الحنابة ببغداد )
وقال أيضا ( والرجل من كبار علماء المسلمين ومن أوثق الحفاظ )
*عقيدته : كان رحمه على عقيدة السلف أصحاب الحديث , وليس أدل على ذلك من منظومته الحائية هذه , فإنه قرر فيها – على وجازتها – مجمل الاعتقاد على طريقة أهل السنة والجماعة .
وقد ثبت عنه أنه قال عقب هذه المنظومة ( هذا قولي , وقول أبي , وقل شيوخنا , وقل العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم , فمن قال علي غير ذلك فقد كذب )
وهي منظومة عظيمة في تقرير المعتقد الحق الذي كان عليه أهل السنة والجماعة تدل على مكانة ناظمها وسعة باعه , وحسن معتقده وطيب نصحه .
وعلى كلٍّ فإمامة ناظمها ومكانته معروفة بين أهل العلم , فهو من أئمة السلف , وأوعية السنة , وحافظ الحديث , ودعاة الحق والهدى , متفقٌ على إمامته وفضله رحمه الله وغفر له ولجميع أئمة المسلمين .
*مؤلفاته : وصفه الذهبي بأنه صاحب التصانيف , فمن جملة تلك التصانيف : السنن , والبعث , والمصاحف , وشرعة المقارئ , والناسخ والمنسوخ .
*وفاته : توفي رحمه الله ببغداد في شهر ذي الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة 316هـ , عن سبعة وثمانين عاماً , وقيل صلى عليه زهاء ثلاثمائة ألف إنسان وأكثر , وخلف ثلاثة بنين : عبدالأعلى , ومحمداً وأبا معمر عبيد الله , خمس بنات .
[ALIGN=CENTER]نص المنظومة [/ALIGN]
[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
1- تمسك بحبلِ الله وأتبعِ الهُدى --- ولا تكُ بدعيا لعلك تُفلحُ
2- ودنْ بكتابِ الله والسننِ التي --- أتت عنْ رسول الله تنجو وتربحُ
3- وقل غيرُ مخلوقٍ كلام مليكنا --- بذلك دان الـأتقياء , وأفصحوا
4- ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً --- كما قال أتْباعٌ لجمٍ وأسححُوا
5- ولا تقل القرآن حلْقٌ قرأْتُهُ --- فإن كلام اللهِ باللفظ يُوضحُ
6- وقل يتجلى الله للخلقِ جهرةً --- كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ
7- وليس بمولدٍ وليس بوالدٍ --- وليس له شِبْهٌ تعالى المُسبحُ
8- وقد يُنكِر الجهمي هذا عندنا --- بمصداقِ ما قلنا حديثٌ مصرحُ
9- رواه جريرٌ عم مقالِ مُحمدٍ --- فقلُ مِثل ما قد قال ذاك تنْجحُ
10- وقد ينكرُ الجهمي أيضاً يمينهُ --- وكِلتا يديه بالفواضلِ تنْفحُ
11- وقل ينزلُ الجبارُ في كلِّ ليلةٍ --- بر كيفَ جلَّ الواحدُ المُتمَدحُ
12- إلى طبقِ الدنيا يمُنُّ بفضلهِ --- فتفرجُ أبواب السماءِ وتُفتحُ
13- يقولُ أَلا مُستغفرٌ يَلقَ غافراً --- ومُستمنحٌ خيراً ورِزْقاً فُمنحُ
14- روى ذاك قومٌ لا يردُّ حديثُهم --- ألا خابَ قومٌ كذبوهم وقُبِّحوا
15- وقل: إنَّ خير النَّاسِ بعد محمَّدٍ --- وزيراهُ قدَماً ثم عثمانُ الارجَحُ
16- ورابعهُمْ خيرُ البريَّة بعدهُم --- عليٌّ حليفُ الخيرِ بالخيرِ مُنْجِحُ
17- وإنَّهم للرَّهطُ لا ريبَ فيهمُ --- على نُجبِ الفردوسِ بالنُّور تَسرحُ
18- سعيدٌ وسعدٌ وابن عوفٍ وطلحةُ --- وعامرُ فهرٍ والزبيرُ الممدَّح
19- وقل خيرض قولٍ في الصحابة كلِّهم --- ولا تك طعَّاناً تعيبُ وتجرحُ
20- فقد نطقَ الوحيُ المبينث بفضلِهم--- وفي الفتح آيٌ للصَّحابةِ تمدحُ
21- وبالقدرِ المقدورِ أيقِن فإنَّه --- دعامةُ عقدِ الدِّين ، والدِّينُ أفيحُ
22- ولا تُنكِرَنْ جهلاً نكيراً ومُنكراً --- ولا الحوْضَ والِميزانَ انك تُنصحُ
23- وقُلْ يُخرجُ اللهُ الْعظيمُ بِفَضلِهِ --- مِنَ النارِ أجْساداً مِنَ الفَحْمِ تُطرحُ
24- عَلى النهرِ في الفِرْدوسِ تَحْيَا بِمَائِهِ --- كَحِبِّ حَمِيلِ السَّيْلِ إذْ جَاءَ يَطْفَحُ
25- وإن رَسُولَ اللهِ للخَلْقِ شَافِعٌ --- وقُلْ في عَذابِ القَبْرِ حَقّ موَُضحُ
26- ولاَ تُكْفِرنْ أَهلَ الصلاةِ وإِنْ عَصَوْا --- فَكُلهُمُ يَعْصِي وذُو العَرشِ يَصفَحُ
27- ولَا تَعتقِدْ رأيَ الْخَوَارجِ إِنهُ --- َمقَالٌ لَمنْ يَهواهُ يُردي ويَفْضَحُ
28- ولا تكُ مُرْجيًّا لَعُوبا بدينهِ --- ألاَ إِنمَا المُرْجِي بِالدينِ يَمْزحُ
29- وقلْ : إنمَا الإِيمانُ : قولٌ ونِيةٌ--- وفعلٌ عَلَى قولِ النبِي مُصَرحُ
30- ويَنْقُصُ طوراً بالمَعَاصِي وتَارةً --- بِطَاعَتِهِ يَمْنَي وفي الوَزْنِ يَرْجَحُ
31- ودعْ عَنْكَ آراءَ الرجالِ وقَوْلَهُمْ --- فقولُ رسولِ اللهِ أزكَى وأَشْرحُ
32- ولا تَكُ مِن قوْمٍ تلهوْا بدينِهِمْ --- فَتَطْعَنَ في أهلِ الحَديثِ وتقدحُ
33- إِذَا مَا اعْتقدْت الدهْرَ يا صَاحِ هذهِ --- فأَنْت عَلَى خَيْرٍ تبيتُ وتُصْبِحُ
[/poet]
وإن شاء الله في الأيام القادمة سأقوم بسرد الشرح
ـــــــــ
1-العلو 2/1223
2-ذكر ذلك ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 1/35
3- يراجع في ترجمته سير أعلام النبلاء 13/221 وما بعدها
4-تاريخ بغداد 9/466-467
5-تايرخ بغداد 9/466
6-تاريخ بغداد 9/464