مجالس العلماء للزجاجي(أبو القاسم ) » مجلس الشعبي مع عبد الملك بن مروان
حدثني أبو عبد الله بن عيسى بن شيخ رحمه الله قال : حدثني علي بن يحيى بإسناد قال : قال الشعبي : دخلت على عبد الملك بن مروان فصادفته في سرار مع بعض من يقرب منه ، فوقفت ساعة لا يرفع إلي طرفه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، عامر الشعبي.
فقال : لم نأذن لك حتى عرفنا اسمك.
فقلت :نقدة والله من أمير المؤمنين
فلما فرغ مما كان فيه وأقبل على الناس رأيت في المجلس رجلا ذا رواء وهيئة لم أعرفه ، فقلت : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : الخلفاء تَسأل ولا تُسأل ، هذا الأخطل الشاعر.
قلت في نفسي : هذه أخرى.
قال : وخضنا في الحديث فمر له شيء لم أعرفه ، فقلت : أكتبنيه يا أمير المؤمنين.
فقال : الخلفاء تَستكتب ، ولا تُستكتب.
فقلت : هذه ثالثة.
وذهبت لأقوم ، فأشار إلي بالقعود ، فقعدت حتى خف من كان عنده ، ثم دعا بالطعام فقدمت إليه المائدة ، فرأيت عليها صحفة فيها مخ ، وكذا كانت عادته أن يقدم إليه المخ قبل كل شيء.
فقلت : هذا يا أمير المؤمنين كما قال الله جل وعز : وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ سورة سبأ آية 13 .
فقال : يا شعبي ، مازحت من لم يمازحك.
فقلت : هذه والله رابعة.
فلما فرغ من الطعام وقعد في مجلسه واندفعنا في الحديث وذهبت لأتكلم ، فما ابتدأت بشيء من الحديث إلا استلبه مني فحدث الناس به ، وربما زاد فيه على ما عندي ؛ ولا أنشدته شعرا إلا فعل مثل ذلك.
فغمني ذلك وانكسر بالي له ، فما زلنا على ذلك بقية نهارنا.
فلما كان آخر وقتنا التفت إلي فقال : يا شعبي ، قد والله تبينت الكراهة في وجهك لما فعلت ، وتدري أي شيء حملني على ذلك ؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين.
قال لئلا تقول : لئن فازوا بالملك أولا لقد فزنا نحن بالعلم ، فأردت أن أعرفك أنا فزنا بالملك وشاركناك فيما أنت فيه.
ثم أمر لي بمال ، فقمت من عنده وقد زللت أربع زلات.
والله أعلم