شيخهم المفيد يفنِّد قول أعلام الإمامية بكون محبة أهل البيت هو الأجر على تبليغ الرسالة

[عبد الملك الشافعي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلا يخفى على المتتبع كثرة استشهاد علماء الإمامية بقوله تعالى ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(الشورى:23) على وجوب مودة أهل البيت ، بل أوغلوا فيها حتى زعموا بأن النبي صلى الله عليه قد جعل محبتهم هو أجره على تبليغهم الرسالة !!!
وهذا ما دفع شيخهم الأعظم المفيد لإبطال قولهم ذاك وبيان المفاسد فيه ، فإليكم بيان ذلك من خلال عدة مطالب هي:

المطلب الأول:سرد موجز لتقريرات علماء الإمامية بأن أجر النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغه للرسالة هو محبة أهل بيته

1- قال رئيس محدثيهم ابن بابويه القمي المُلّقَّب بالصدوق في كتابه (الاعتقادات في دين الإمامية)(ص111):[ اعتقادنا في العلوية أنهم آل رسول الله ، وأن مودتهم واجبة ، لأنها أجر النبوة. قال عز وجل : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ].
2- لقد قرر ذلك علامتهم ابن المطهر الحلي في عدة مواضع من كتبه منها:
أ- قال في كتابه (إرشاد الأذهان)(1/174):[ وعليك بصلة الذرية العلوية . فإن الله تعالى قد أكد الوصية فيهم وجعل مودتهم أجر الرسالة والإرشاد فقال تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) ].

ب- قال في كتابه (الرسالة السعدية)(ص22):[ وجعل مودتهم أجر الرسالة ، فقال تعالى ( قال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ].

ج- قال في كتابه (نهج الحق وكشف الصدق)(ص78):[ ودانوا بتعظيم أهل البيت الذين أمر الله تعالى بمودتهم ، وجعلها أجر الرسالة ، فقال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ].

3- قال علامتهم زين الدين العاملي المُلَقَّب عندهم بالشهيد الثاني في كتابه (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية)(5/408):[ وعليك بصلة الذرية العلوية فإن الله تعالى قد أكد الوصية فيهم ، وجعل مودتهم أجر الرسالة والإرشاد فقال الله تعالى : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ].

4- قال علامتهم محمد تقي المجلسي (المجلسي الأول) في كتابه (روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه)(8/203):[ ولا يكون ذلك أيضا إلا من شقاوة بعداوته أهل البيت الذين أوجب الله مودتهم وجعلها الله تعالى أجر الرسالة في قوله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ] ، وقال أيضاً في نفس المصدر (13/276):[ بل القرآن كافٍ في ذلك فإن الله تعالى جعل محبتهم أجر رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ].

5- قال علامتهم محمد مهدي الحائري في كتابه (شجرة طوبى)(2/380):[ وفيهم نزلت ( قل لا أسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) وقد جعل الله مودتهم أجراً لنبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ].

6- قال علامتهم شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي في كتابه ( تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة)(2/548):[ ولا شك أن مودتهم أجر الرسالة ، وأجرها عظيم ، ومودتهم كذلك عظيمة ، وكل الأنبياء عليهم السلام جعلوا أجرهم في تبليغ الرسالة على الله إلا نبينا صلى الله عليه وآله فإنه جعل أجره مودة قرابته ].

المطلب الثاني:إبطال المفيد لما قرره أعلام الإمامية من تلك الآية

لقد تعقَّب المفيد شيخهم الصدوق الذي قرر ذلك ، فقال في كتابه (تصحيح اعتقادات الإمامية)(ص140-141):[ لا يصح القول بأن الله تعالى جعل أجر نبيه مودة أهل بيته - عليهم السلام - ولا أنه جعل ذلك من أجره - عليه السلام - لأن أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التقرب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم ، وهو مستحق على الله تعالى في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحق على الأعمال يتعلق بالعباد ، لأن العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً ، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى دون غيره .
هذا مع أن الله تعالى يقول : ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ) وفي موضع آخر : ( يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ) فلو كان الأجر على ما ظنه أبو جعفر في معنى الآية لتناقض القرآن ، وذلك أنه كان تقدير الآية : قل لا أسألكم عليه أجراً ، بل أسألكم عليه أجراً ، ويكون أيضاً : إن أجري إلا على الله ، بل أجري على الله وعلى غيره . وهذا محال لا يصح حمل القرآن عليه ].

والغريب في الأمر هو أن شيخهم المفيد بعد أن بيَّن فساد تقرير الصدوق من الآية ، جاء الآخرون بعد عصر المفيد بقرون وقرروا نفس تقرير الصدوق ، فلا أدري لماذا اقتفوا أثره وساروا على خطاه وأصرُّوا على تقريره مع تصريح المفيد بفساده وبطلانه ؟!!!