فأنت اختَر الأيسر لك،حتى في كل أحوالك،حتى في العبادات وفي المعاملات مع الناس،وفي كل شيء،لأن اليسر هو الذي يريده الله ،عز وجل،منا،ويريده بنا﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة،
فمثلاً،إذا كان لك طريقان إلى المسجد،أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك،والثاني سهل، فالأفضل أن تسلك الأسهل،
أنه كل ما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثماً،لأن أم المؤمنين عائشة،رضي الله عنها،تقول،كان الرسول،صلى الله عليه وسلم،ما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً،أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتَّى إلا بمشقة، وهذه المشقة لا تسقطها عنك، ففعَلتها على مشقة، فهذا أجر يَزداد لك،فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات،ويُكفر به الخطايا،لكن كون الإنسان يذهب إلى الأصعب مع إمكان الأسهل،فهذا خلاف الأفضل،فالأفضل اتِّباع الأسهل في كلِّ شيءٍ،
وانظر إلى الصوم،قال فيه الرسول،صلى الله عليه وسلم(لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر)
أن النبي أخَّر السحور،ليكون فرصةً للنفس كي تأخذ نشاطها كاملاً،فقد كان عبد الله بن مسعود،يعجل الإفطار ويؤخر السحور،ويقول(هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،يصنع) رواه النسائي،
وهذا يدلّ على تأخير السَّحور،بحيث أن سهلاً رضي الله عنه كان يسرع بعد تسحّره إلى الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم،مخافة أن يفوته شيءٌ منها،
لأن تأخير السحور أقوى على الصوم مما لو تقدَّم، والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النفس، لا سيما مع طول النهار وشِدة الظمأ، فهذا وغيره من الشواهد يدل على أن الأيسر أفضل،
وجاء عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه مرفوعاً(السَّحور بركة،فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم ماء) رواه أحمد
ولا تُعسروا،يعني،لا تسلكوا طرق العسر،لا في عبادتكم،ولا في معاملاتكم، ولا في غير ذلك،فإن هذا منهي عنه،فلا تعسِّر،ولهذا لَمَّا رأى النبي،صلى الله عليه وسلم،رجلاً واقفًا في الشمس،سأل عنه، قالوا،يا رسول الله،هو صائم، نذَر أن يصوم ويقف في الشمس، فنهاه،وقال له،لا تقف في الشمس،لأن هذا فيه عُسر على الإنسان ومَشقة،والرسول،صلى الله عليه وسلم،يقول(لا تُعسروا)وبشِّروا،يعني،اجعلوا طريقكم دائماً البشارة،بشِّروا أنفسكم،وبشِّروا غيركم،إذا عمِلت عملاً صالحاً،فاستبشر،بأنه سيُقبَل منك إذا اتَّقيت الله فيه،لأن الله يقول﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾المائدة،
وهذا يؤيده أن النبي،صلى الله عليه وسلم،كان يكره الطِّيرة، ويُعجبه الفأل،لأن الإنسان إذا تفاءَل نشِط واستبشر، وحصل له خيرٌ، وإذا تشاءَم فإنه يتحسَّر وتَضيق نفسه، ولا يُقدِم على العمل،
ويعمل وكأنه مُكره،فأنت بشِّر نفسك، كذلك بشِّر غيرك، فإذا جاءك إنسان قال،فعلتُ كذا وفعلت كذا، وهو خائف، فبشِّره وأدخِل عليه السرور، لا سيما في عيادة المريض، فإذا عُدتَ مريضاً،فقل له، أبشر بالخير،وأنت على خيرٍ،والإنسان عليه أن يَصبر ويَحتسب، ويُؤجَر على ذلك، وما أشبه ذلك،
وبشِّره قائلاً،أنت اليوم وجهك طيِّب،لأنك بهذا تُدخل عليه السرور، وتُبشره، فأنت اجْعَل طريقك هكذا، فيما تُعامل به نفسك، وفيما تعامل به غيرك، الزَم البشارة، تُدخل السرور على نفسك، وتدخل السرور على غيرك؛ فهذا هو الخير،
(ولا تُنفروا)يعني،فالتنفير لا ينبغي، فلا تُنفِّر الناس،بل لِن لهم حتى في الدعوة إلى الله،عز وجل،لا تَدعُهم إلى الله دعوة مُنفِّر،لا تقل،إذا رأيت إنساناً على خطأ،يا فلان،أنت خالفت،وعصيتَ،فهذا يُنفرهم ويزيدهم تمادياً في المعصية،ولكن ادْعهم بهونٍ ولينٍ،حتى يألفَك ويعرف ما تدعو إليه،وبذلك تمتثل أمر النبي،صلى الله عليه وسلم ،في قوله(بشِّروا، ولا تُنفروا)
اللهم بشرنا بما يسرنا،وكف عنّا ما يضرنا،وارزقنا حلالاً يكفينا، وابعد عنا كل شيء يؤذينا،وفرج علينا فرجاً عاجلاً قريباً،وثبت يقينتا،برحمتك يا ارحم الراحمين.